توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

فى حجر ابيه فقلت : اخبرنى يا مولاى عن العلة التى تمنع القوم من اختيار امام لانفسهم ، قال : مصلح او مفسد؟ قلت : مصلح ، قال : هل يجوز ان تقع خيرتهم على المفسد بعد ان لا يعلم احد ما يخطر ببال غيره من صلاح او فساد ، قلت : بلى ، قال : فهى العلة ، ايدتها لك ببرهان يقبل ذلك عقلك ، قلت : نعم ، قال : اخبرنى عن الرسل الذين اصطفاهم الله وانزل عليهم الكتب وايدهم بالوحى والعصمة إذ هم اعلام الامم واهدى ان لو ثبت الاختيار ، ومنهم موسى وعيسى عليهما‌السلام ، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما اذا همّا بالاختيار ان تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان انه مؤمن ، قلت : لا ، قال فهذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحى عليه اختار من اعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لم يشك فى ايمانهم واخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله عز وجل : ( وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا ) الآية ، فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الافسد دون الاصلح وهو يظن انه الاصلح دون الافسد علمنا ان لا اختيار لمن لا يعلم ما تخفى الصدور وما تكنّ الضمائر وتنصرف عنه السرائر وان لا خطر لاختيار المهاجرين والانصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوى الفساد لما ارادوا اهل الصلاح.

ثم ان هذا الدليل عقلى وهو عين ما ذكره القائلون بوجوب نصب الامام على العباد عقلا.

الرابع ما ذكره التفتازانى فى شرحه للعقائد النسفية ، وهو ما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بطرق الفريقين : من مات ولم يعرف امام زمانه فقد مات ميتة جاهلية.

اقول : الحديث حق ثابت متواتر ، لكن ليقل عاقل للتفتازانى ومن سلك مسلكه : من امام زمانك الّذي يدعوك به الله تعالى يوم القيامة ، ومن الّذي ان عرفته إماما متّ على ميتة الاسلام ، وهو قد قال بعد سطور : واما بعد الخلفاء العباسية فالامر مشكل ، انتهى ، وهو نفسه بعد الخلفاء العباسية ، على ان الامر من اوله مشكل لانهم رووا عن رسول الله صلوات الله عليه وآله انه قال : الخلافة بعدى ثلاثون سنة تم يصير ملكا عضوضا ،

٦٨١

فاين الامامة والخلافة من الملك العضوض؟! ومن يعتقدونه إماما فى ايام الملك العضوض؟! فكل احد من آحاد الامة على سلوكهم يموت بعد ايام الخلافة ميتة جاهلية كما اعترف به التفتازانى نفسه فى شرحه ، ثم تمحّل لدفع هذا الاشكال بما لا يسمن ولا يغنى من جوع ، ثم آخر الامر تسلّم الاشكال فيما بعد الخلافة العباسية. فتبا لشأن من لا يطمئن قلبه بامامة احد حقا فيموت ميتة جاهلية ميتة كفر ونفاق وضلال.

ثم ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من مات ولم يعرف الخ ثم عيّن وعرّف فى مواضع بالاسماء والالقاب وبعض الخصائص ائمة المسلمين اولهم الى آخرهم صلوات الله عليهم الذين هم الائمة حقا الى آخر الدهر كما ورد ذلك فى روايات متواترة ، وسيأتى بيانه فى آخر المقصد إن شاء الله عز وجل ، ولو لا ذلك لكان كلامه هذا قبيحا لغوا كما ان رئيسا يقول لمن تحت يده : لو لم تأتمروا بامرى لضربتكم وجيعا ثم لم يكن له قبل ذلك ولا بعده الى آخر ايامه امر إليهم بشيء.

قول الشارح : الاصم من المعتزلة ـ هو ابو بكر بن عبد الرحمن بن كيسان المعتزلى ، ذكره البغدادى فى الفرق بين الفرق ، والمسعودى فى التنبيه والاشراف ص ٣٥٦ ، واحمد بن يحيى بن المرتضى فى المنية والامل ص ٣٢ ، توفى فى المائة الثالثة ، كذا فى ذيل فرق الشيعة للنوبختى.

قول الشارح : وجماعة من الخوارج ـ قال ابو محمد الحسن بن موسى النوبختى رحمه‌الله فى فرق الشيعة : خرجت فرقة ممن كان مع على عليه‌السلام وخالفته بعد تحكيم الحكمين بينه وبين معاوية واهل الشام وقالوا : لا حكم الا لله ، وكفّروا عليا عليه‌السلام وتبرءوا منه وأمّروا عليهم ذا الثدية ، وهم المارقون ، فخرج على عليه‌السلام فحاربهم بالنهروان فقتلهم وقتل ذا الثدية ، فسموا الحرورية لوقعة حروراء ، وسموا جميعا الخوارج ، ومنهم افترقت فرق الخوارج كلها ، انتهى ، وعد بعض العادين للفرق فرق الخوارج تسع عشرة فرقة باسمائهم.

قول الشارح : واصحاب الحديث ـ ان اصحاب الحديث هم الذين يستندون فى كل شيء الى حديث مروى من دون تحقيق ونظر فى سائر الادلة ، ويقال لهم :

٦٨٢

الحشوية ، ويقابلهم اصحاب الرأى والاجتهاد ، وهم الذين يستندون فى كل شيء الى آرائهم المتخذة عن الادلة على حسب انظارهم.

اقول : اين اصحاب النورانية والتقوى والفرقان الذين قال فى حقهم الصادق عليه‌السلام : ليس العلم بالتعلم ( اى به فقط ) انما هو نور يقع فى قلب من يريد الله تبارك وتعالى ان يهديه ، فان اردت العلم فاطلب أولا فى نفسك حقيقة العبودية ، واطلب العلم باستعماله ، واستفهم الله يفهمك ، الى آخر ما قال عليه‌السلام فى حديث عنوان البصرى المذكور فى البحار فى آخر الجزء الاول من الطبعة الحديثة ، وقوله عليه‌السلام : فان اردت العلم الخ بيان لعلل وقوع ذلك النور فى القلب ، فلا بد من ان تتحقق قبل التعلم ومعه حتى يحصل ذلك النور ، والا فليس ما حصل له بالتعلم علما حقيقة ، بل صناعة من الصناعات.

قول الشارح : بان العقلاء متى كان الخ ـ ان قلت : ان الخصم أيضا يتمسك بهذا الوجه لاثبات وجوب نصب الامام على العباد ، قلت : ليس للخصم ان يتمسك بشيء لاثبات الوجوب على العباد الا بعد ان يثبت ان الله عز وجل اهمل الحكمة فى هذا الامر الخطير ، وانى له بذلك ، بل التفوه به يوجب الكفر

قول الشارح : قد تقدم بيانها ـ فى المسألة الثانية عشرة من الفصل الثالث من المقصد الثالث.

قول المصنف : والمفاسد معلومة الانتفاء ـ هذه شبهة أوردها القائلون بعدم وجوب نصب الامام على جميع القائلين بالوجوب بان نصب الامام واجب لو علم خلوه عن المفسدة ، واما مع احتمالها او العلم بها فلا لان من الممكن بل الواقع كثيرا كون ما يفسده الامام المنصوب اكثر مما يصلحه بعد السلطة والقرار على مقام الرئاسة ، فحينئذ فلا رجحان لنصبه على عدم نصبه وان فرض فى عدم نصبه مفسدة.

فالجواب على القول بوجوب نصبه على الله تعالى ظاهر لانه تعالى عالم بسرائر العباد وحقائق الامور والاشياء ازلا وابدا لا يعزب عنه شيء ، فلا ينصب من يعلم ان فى نصبه مفسدة لانه نقض للغرض كعدم نصبه ، فمن نصبه الله تعالى وعرفه للامامة والخلافة

٦٨٣

فالعلم بانتفاء المفسدة فيه وعنه حاصل باليقين ، ولذلك اوجب الامامية كون الامام معصوما على ما يأتى فى المسألة الثانية ، وان ادعى مدع ان المفسدة لازمة للامامة غير منفكة عنها سواء كانت من عند الله تعالى او من عند الناس فدعوى باطلة كما اشار الشارح رحمه‌الله فى ضمن كلامه للقطع بامكان انفكاك المفاسد كلها عن الامامة ، ولان الامامة لا يتصور فيها مفسدة ، بل المتصور مفسدة من نصب لها ان كان من قبل الناس ، ولان ابراهيم عليه‌السلام كان إماما كما اخبر الله تعالى عنه ولم يكن فى إمامته مفسدة بالاجماع ، والحاصل ان نصب الامام واجب فى حكمة الله تعالى لوجود المقتضى الّذي هو اللطف والمانع غير متصور.

واما الجواب على القول بوجوبه على الامة فان المفاسد محصورة معلومة لهم فيختارون من لم تكن فيه واجدا للعلم والبصيرة والشجاعة والعدالة وغيرها من الاوصاف التى ثبت سمعا او عقلا لزومها للامام.

اقول : الحق ان الايراد غير مندفع على القول بالوجوب على الامة لان العلم بخلو انسان سمى للامامة عن المفسدة فى دينهم او دنياهم يختص بعلام الغيوب الخبير بما فى الصدور ، والتاريخ ارانا ان الخلفاء المنصوبين من قبل الامة قد غلبهم الفساد ولم يكن عندهم تلك الاوصاف اللازمة للامام ، انظر الى الثلاثة الاولين الذين هم افضلهم عندهم هل كانت فيهم تلك الاوصاف أم ظهرت منهم اضدادها على ما روى وذكر فى الكتب وسيأتى فى هذا الكتاب ذكر بعضها ، فبالله العزيز المنتقم انهم افسدوا اكثر مما اصلحوا ان قال قائل : انهم اصلحوا ، فانهم اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات واضلوا عباد الله واخربوا بلاد الله وبدلوا نعمة الله كفرا واحلوا قومهم دار البوار ، فانجر الامر لما فعل الاموية والعباسية ومن بعدهم الى ذلة المسلمين شيئا فشيئا حتى وصل اليوم الى ما لا ينفتح فم عاقل فيظهره ، والله قسما بشهادة الوجود ان امير المؤمنين عليه‌السلام لو قام مقامه الّذي كان حقا له لم يمض زمان الا واهل الارض مالوا الى التوحيد والاسلام كما هو المرجو لنا عند قيام المهدى المنتظر صلوات الله عليه وعلى آبائه الاطهار حسب ما وعده الله تعالى فى مواضع من كتابه ، لكنه عليه‌السلام تنحى عن مقامه فى الظاهر

٦٨٤

كراهة ان تهدر صبابة من الايمان بقيت فى آحاد من المسلمين كما تنفس بما كان يتغلغل فى صدره ازمانا فى الخطبة الشقشقية وغيرها مما يحقق ما قلناه فى تنحيه عن مقامه.

ثم ان الرازى ذكر فى الاربعين بعد ذكر دليل اصحابه هذا الاشكال مع الجواب بهذه الصورة : فان قيل كما فى نصب هذا الرئيس هذه المصالح لكن فيه انواع من المفاسد ، منها انهم ربما يستنكفون عن طاعته فيزداد الفساد ، ومنها انه ربما يستولى عليهم فيظلمهم. ومنها ان بسبب تقوية رئاسته يكثر الخرج فيفضى الى اخذ الاموال عن الضعفاء والفقراء ، قلنا : لا نزاع فى ان هذه المحذورات قد تحصل ، لكن كل عاقل يعلم انه اذا قوبلت المفاسد الحاصلة من عدم الرئيس المطاع والمفاسد الحاصلة من وجوده فان المفاسد الحاصلة من عدمه ازيد من المفاسد الحاصلة من وجوده ، وعند وقوع التعارض يكون العبرة بالرجحان فان ترك الخير الكثير لاجل الشر القليل شر كثير ، انتهى.

اقول : ان المفاسد الدينية والاخروية من الرئيس الّذي استولى على العباد فيظلمهم ويأخذ اموالهم بغير حق ازيد واكثر بما فوق القياس من المصالح الدنيوية التى تحصل منه للذين يتزلفون إليه ويتقربون من سلطانه ويترجرجون حول إمارته ولمن يوافقه او يسكت عن مظالمه من آحاد رعيته كما هو المعلوم فى عثمان والاموية والعباسية ومن بعدهم ، فان الناس قد خرجوا افواجا من دين الله ومالوا الى الكفر والكفار وتأدبوا بآدابهم وتخلقوا باخلاقهم وتعلموا من علومهم وتركوا علوم الدين وسنن سيد المرسلين واستجلبوا الذل لانفسهم والعز لمن قال تعالى فيهم : حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وكل ذلك ليس إلا من جور الرؤساء وسوء طريقة الائمة والامراء ، وليس ذلك الا لاختيار الناس إماما لانفسهم ، ثم اختيار كل فرقة إماما ، وترك من اختاره الله تعالى لهم ، فلا بد لصلاح امر العباد من ان يترك الناس هذا الاختيار والداعية حتى يظهر من ادخره الله تعالى لتقويم الدين فيسلك بعباد الله عز وجل طريق الصواب ويجرى بهم على مجرى السنة والكتاب ، ولكن الناس لا يأتون الى هذه الفكرة

٦٨٥

حتى يأتى امر الله تعالى ، فان امر الله كان مفعولا.

قول المصنف : وانحصار اللطف فيه الخ ـ هذه الشبهة بعد الاغماض عن الشبهة الاولى ، فان الخصم القائل بعدم وجوب نصب الامام يقول : سلمنا انه ليس فى نصب الامام مفسدة ، لكن من الجائز ان يترتب الغرض المترتب على الامامة على غيرها ، فلا انحصار فيها ،

وتقرير هذه الشبهة مع جوابها على القول بوجوب نصب الامام على الله تعالى ان يقال : لم لا يجوز ان يلطف الله تعالى بعباده لطفا يقوم مقام لطف الامامة كان يجعل الناس كلهم معصومين ويوحى الى كل منهم ما يحرم عليه ويحل له ، او على وجه آخر ، والجواب ان المتصور وجهان لان الغرض سير الخلق الى السعادة الابدية ، وهو اما بالوحى الى كل احد وجعله معصوما ، واما بجعل البعض حجة معصوما واستفادة الآخرين منه ، والاول ليس لان الاصل فى خلق الانسان حسب ما اراده الله تعالى كما يشهد به آيات واخبار كثيرة ويظهر بالوجدان ان يجعله بحيث يتأتى منه الخير والشر ثم يهديه النجدين فيختار بنفسه واختياره نجد الخير فيستحق بذلك تلك السعادة ، ثم حيث ان عقل الانسان لا يكفى لذلك لمعارضة الاوهام والشهوات ضم الله تعالى الى العقول من ابناء نوعه من يكفيه لذلك وهم الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، فليس بجائز ان يخرج الله تعالى كل احد من ذلك الاصل لانه نقض لغرضه ، ولا بجائز ان يجعلهم بلا حجة فيفوت الغرض فاصطفى من عباده آحادا وقواهم بالنفوس القدسية ليحصل بهم الغرض ، فاللطف الّذي يحصل به الغرض من ايجاد الخلق يتم بالنبى المبعوث وبعده بالامام المنصوص.

واما تقرير الشبهة مع جوابها على القول بوجوبه على العباد ان يقال : ان الامام عندكم هو من له الرئاسة العامة على جميع الامة فى امور الدين والدنيا ، ومن اين يجب نصب من له هذه الخواص ، ولم لا يجوز الاكتفاء بذى شوكة فى كل ناحية بان يكون لكل اجتماع رئيس يحفظ به نظام امورهم ، او الاكتفاء بمن له الرئاسة العامة على الجميع فى امور الدنيا ويكون امر الدين موكولا الى انفسهم بالاجتهاد او التقليد ، والجواب على ما فى شرح القوشجى ان انتظام امر عموم الناس على وجه يؤدى الى

٦٨٦

صلاح الدين والدنيا يفتقر الى رئاسة عامة فيهما اذ لو تعدد الرؤساء فى الاصقاع والبقاع لادى الى منازعات ومخاصمات موجبة لاختلال امر النظام ، ولو اقتصرت رئاسته على امر الدنيا لفات انتظام امر الدين الّذي هو المقصود الاهم والعمدة العظمى.

اقول : ان كلا من أمراء هؤلاء القوم من البدء الى اليوم كان امره مقصورا فى رئاسة الدنيا سواء كان واحدا فى عصر او متعددا اذ لم يكن عنده علم الدين ليكون رئيسا دينيا ، نعم كانوا قد يداخلون بغير حق فى امور الدين ويرتكبون باسمه ما اقتضى اهوائهم ، وكان علمائهم الحاطمون لدين الناس الهاضمون من دنيا اولئك الاناس قد يحكمون ويقضون حسب اهوائهم ، فلم يكن لهؤلاء القوم امام بالمعنى الّذي فسروه ، فمات كل منهم الى اليوم ميتة جاهلية لان معرفة الشيء بشخصه فرع وجوده حينا ما.

ثم ان القوشجى بعد ذكر الشبهتين والجوابين قال : وظاهر انهما ( اى الجوابين ) مجرد دعوى ، وقوله هذا صدر من العصبية العمياء مع انك قد عرفت ان الجوابين يدفعان الشبهتين على مذهبنا لا على مذهبهم.

قول المصنف : ووجوده لطف وتصرفه الخ ـ ان الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم كانوا ائمة الامة فى امور الدين الّذي هو المقصود من بعث الأنبياء عليهم‌السلام لان علوم الدين جميعا اصولا وفروعا منهم اخذت وإليهم انتهت ، وهذا امر قد تسلمه الخاصة والعامة على حسب الاحاديث المروية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فى حقهم والشهود والوجود ، واما امور الدنيا فانهم كانوا مشيرين فيها للرؤساء وآحاد الامة الى مصالحهم فى الشئون والخطوب فى موارد كثيرة عديدة لا تحصى على ما فى زبر التواريخ والسير وان لم يكن فى ايديهم ظاهر السلطان ، وهذا اهم شئون التصرف وكاف لحصول غرضه تعالى لانه اهتداء الناس بهم بالاختيار ، وقد اهتدى بهم صلوات الله عليهم وباصحابهم واتباعهم فى زمانهم وبعده الى اليوم من كان اهلا للاهتداء ، وانما قعدوا عن حقهم مع قدرتهم على اخذه فى ايسر زمان لما قد قدره الله تعالى ، ومنه بلوى الناس ليظهر ما فى صدورهم ، قال الله تعالى : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا

٦٨٧

آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) ، حتى وصل الامر الى الثانى عشر منهم صلوات الله عليهم فاخفاه الله تعالى لان ما وصل من آبائه عليهم‌السلام الى الناس من المعارف والعلوم والاحكام كان كافيا لاهتدائهم ولانه لو كان ظاهرا بين الناس فعلوا به ما فعلوا بآبائه من القتل والحبس والحصر وغيرها لا سيما بعد ما سمع العباسيون حديثا مرويا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من انه يقطع دابر الظالمين ، فاخفاه حتى يأتى الميقات الّذي وعده تعالى انبيائه باهلاك الظالمين فيه كما فى قوله : فاوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الارض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامى وخاف وعيد

فشبهة العامة من انا لا نسلم ان وجوده بدون التصرف لطف مدفوعة بانها لا تتصور الا فى القائم الغائب المنتظر صلوات الله عليه ، وقد اشرت الى سر غيبته ، ولها اسرار اخرى ، وجوابها ان له صلوات الله عليه تصرفات فى امور الخلق ومنافع تصل الى العباد وان كانوا لا يشعرون بها على ما هو معتقد الاثنى عشرية مستدلا فى كتبهم كما ورد فى حديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من ان الناس ينتفعون به فى غيبته كما ينتفعون من الشمس ودونها سحاب ، هذا اجمال ، وتفصيل الجواب فى كتب الاصحاب على ان هذه الشبهات والمجادلات فى قبال النصوص المتواترة الواردة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الائمة الاثنى عشر عليهم صلوات الله بعددهم واسمائهم والقابهم وعلى إمامة امير المؤمنين عليه‌السلام خاصة وكذا عن كل امام على امام بعده يقبح ذكرها والتفوه بها ، وسيأتى ذكر بعض تلك النصوص فى الكتاب إن شاء الله عز وجل.

قول المصنف : وعدمه منا ـ الضمير يرجع الى الامام اى عدمه من بيننا او عدم ظهوره لنا ، او يرجع الى تصرفه.

قول الشارح : بخلاف المعرفة التى الخ ـ اى بخلاف معرفة المنعم التى كفى وجه الوجوب فى وجوبها علينا من دون لزوم الجزم بانتفاء المفسدة المانعة من الوجوب ، بل يكفى الظن فى ذلك ، والمراد بوجه الوجوب علة الوجوب والحكم ، ووجه وجوب معرفة المنعم هو وجوب شكر المنعم الّذي هو من الواجبات العقلية لان

٦٨٨

شكره لا يمكن الا بعد معرفته على ما فصل فى محله ، وتقرير الشبهة بهذه الصورة مأخوذ من الاربعين للرازى ، فانه أوردها على القائلين بان نصب الامام واجب عليه تعالى غافلا او متغافلا عن انها متوجهة إليهم أيضا ، بل تستقر عليهم دوننا كما قررنا من قبل.

وخلاصة ما قال فى الاربعين مع التوضيح ان كون نصب الامام مشتملا على المصلحة اللطفية لا يكفى فى وجوبه عليه تعالى حتى تبينوا خلوه عن جهات المفسدة ، وانتم ما بينتم ذلك ، لا يقال : انا فى هذا المقام انما نتكلم مع المعتزلة ، وهم يسلمون لنا ان المعرفة يجب علينا تحصيلها لانها لطف ومقدمة لاداء الواجبات كشكر المنعم مع احتمال اشتماله على المفسدة ، فان كان مجرد تجويز اشتمال الشيء على المفسدة يمنع من الحكم وجب ان لا تحكموا أيضا بوجوب تحصيل المعرفة لان هذا الاحتمال قائم فيه مع انكم وافقتمونا فيه ، لانا نقول : الفرق ظاهر ، وذلك لان المعرفة لطف ومقدمة لاداء الواجبات فيجب علينا تحصيلها ، ونحن اذا عرفنا كون الشيء مشتملا على وجه الوجوب ولم نعرف فيه جهة مفسدة مانعة عنه وان كان فيه احتمالها غلب على ظننا كون ذلك الشيء واجبا علينا ، والظن فى حقنا قائم مقام العلم فى كونه سببا لوجوب الفعل علينا ، فلا جرم كفى هذا القدر فى ان يجب علينا تحصيل معرفة الله تعالى ، اما انتم فانما توجبون نصب الامام على الله تعالى ، ولا يمكن الجزم بوجوبه عليه الا اذا ثبت انه خال عن جميع جهات المفسدة فى الواقع اذ ليس عنده تعالى جهل وظن ، وانى لكم بهذا الجزم ، فاين احد البابين من الآخر ، انتهى ما فى الاربعين.

اقول : نحن جزمنا بذلك وعلمناه علم اليقين اذ قلنا ذيل كلام المصنف : والمفاسد معلومة الانتفاء : ان كون نصب الامام لطفا يقتضي ان ينصبه الله تعالى والمانع فى حقه معلوم الانتفاء لان نصب من لا يترتب عليه مفسدة ممكن وقد فعل والا يلزم نقض الغرض.

٦٨٩

قول الشارح : فلا تكون واجبة عليه تعالى ـ اى فلا سبيل لنا الى الحكم القطعى بانها واجبة عليه تعالى.

قول الشارح : والجواب ان المفاسد الخ ـ قد علمت من قبل ان تقرير الشبهة والجواب عنها يختلف على القول بوجوب النصب عليه تعالى او على الناس ، والشارح رحمه‌الله قرر الشبهة على القول بوجوبه عليه تعالى وقرر هذا الجواب على القول بوجوبه على الناس ، وقوله : فيبقى وجه اللطف خاليا عن المفسدة فيجب عليه تعالى غير مناسب لهذا الجواب ، فراجع التعليقة التى على كلام المصنف : والمفاسد معلومة الانتفاء.

قول الشارح : فيبقى وجه اللطف ـ الاضافة بيانية.

قول الشارح : ولان المفسدة لو كانت لازمة الخ ـ عطف على قوله : لان المفاسد محصورة ، وهذا الكلام اشارة الى جواب القائلين بوجوب نصب الامام عليه تعالى عن هذه الشبهة ، وقد مر تقريره وتوضيحه من قبل فلا نعيده.

قول الشارح : ولقوله تعالى الخ ـ عطف على قوله : قطعا ، فان إمامة ابراهيم عليه‌السلام كانت خالية عن المفسدة بالاجماع.

قول الشارح : فيجب على تقدير الانفكاك ـ اى فيجب عليه تعالى ان يختار من ينفك عن المفسدة لان اللطف يقتضي ذلك وهو عالم بمن اتصف بذلك وقادر على خلقه ونصبه للامامة ، فلا مانع فى حقه بعد ثبوت المقتضى.

قول الشارح : والجواب ان انحصار اللطف الخ ـ قد مر توضيح الجواب على المسلكين ذيل قول المصنف : وانحصار اللطف الخ.

قول الشارح : ولهذا يلتجئ العقلاء الخ ـ هذا اشارة الى الجواب على القول بوجوب نصب الامام على الناس.

قول الشارح : والجواب ان وجود الامام الخ ـ قد مر توضيحه.

قول الشارح : احدها انه يحفظ الخ ـ هذا مضمون اخبار كثيرة بل متواترة على ما قال صاحب القوانين فى اوائل مبحث الاجماع من ان الزمان لا يخلو

٦٩٠

عن حجة لان المؤمنين ان زادوا شيئا ردهم وان نقصوا شيئا اتمه لهم ولو لا ذلك لاختلط على الناس امورهم ، والشيخ رحمه‌الله جعل هذا فى العدة مبنى حجية الاجماع.

قول الشارح : وثانيها ان اعتقاد الخ ـ نحن نعتقد ان الامام الثانى عشر عليه‌السلام وان كان غائبا عنا لكنا لسنا غائبين عنه ، بل نحن بمنظره ومرآه لا يغيب عنه شيء من امورنا واحوالنا ، يسمع كلامنا ويرى مقامنا ويطلع على احوالنا ، ونحن ندعوه ليلا ونهارا لحوائجنا وامورنا لاعتقادنا بان دعوته عند الله مستجابة وله لديه منزلة عالية رفيعة ، ونرى آثار وجوده وتصرفه وعطفه ورأفته فى كل اوان فى اليقظة والمنام ، وقد ظهر ويظهر صلوات الله عليه بعض الظهور لبعض اوليائه عند الضرورة ، ونحن ننتظر ظهوره ليملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، والمخالف فى عمى من ذلك كله لان الطاغوت قد اخرجه من نور الولاية الى ظلمات الغواية والضلالة ، وقد ذكر العلماء رضوان الله عليهم فى كتبهم تفاصيل هذا الاجمال ، فيعلم ان وجوده لطف وان لم يكن ظاهرا للناس ، ولا ينبغى ان يصغى الى خرافات الشبهات التى ابدعها ابليس فى صدور بعض الجهلة العميان وينفث بهم على اللسان.

قول الشارح : وهذا قد فعله الله تعالى ـ على ما يأتى ادلته الى آخر المقصد

قول الشارح : وهذا لم يفعله الرعية ـ اى كلهم ، مع ان الامة جميعا كانوا مستفيدين منهم صلوات الله عليهم بواسطة او بلا واسطة ، وهذا امر غير خفى على احد.

المسألة الثانية

( فى ان الامام يجب ان يكون معصوما )

قول المصنف : ويفوت الغرض ـ الظاهر انه عطف على يضاد ومن تمام الوجه الثالث ، لا انه وجه برأسه كما فعله الشارح ، اى يتفرع على الانكار عليه التضاد فى

٦٩١

امر الطاعة وفوت الغرض من نصبه ، وفى شرح البهشتى الأسفراييني رحمه‌الله : ولفوت الغرض من نصبه ، وعلى هذا يستقيم ان يكون وجها رابعا برأسه.

قول الشارح : ذهبت الامامية ـ اعلم ان الشيعة هم اتباع امير المؤمنين صلوات الله عليه على سبيل الولاء والاعتقاد لامامته بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ونفى الامامة عمن تقدمه فى مقام الخلافة وجعله فى الاعتقاد متبوعا لهم غير تابع لاحد منهم على وجه الاقتداء ، وان افترقت فى سائر الائمة صلوات الله عليهم ، والامامية فريق منهم قالوا بوجوب الامامة ووجود الامام فى كل زمان واوجبوا النص والعصمة والكمال لكل امام ، ثم حصروا الامامة بعد الحسن عليه‌السلام فى الحسين وولده عليهم‌السلام ، ثم ساقوها الى ابى الحسن الرضا عليه‌السلام ، واما الاثنا عشرية فهم القائلون بعد الرضا عليه‌السلام بامامة ابى جعفر محمد بن على الجواد ثم ابى الحسن على بن محمد الهادى ثم ابى محمد الحسن بن على الزكى العسكرى ثم ابنه الحجة القائم المنتظر المهدى صلوات الله عليهم على ما صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فى المتواتر إمامتهم ووصايتهم وخلافتهم عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله باسمائهم والقابهم ، فان الامامية اختلفوا بعد الرضا عليه‌السلام فى كل واحد من الاربعة كما اختلف الشيعة فيمن تقدمه على ما فى زبر السابقين كفرق الشيعة للنوبختى وغيره ، وما فى الافواه من ان القائل بامامة الرضا عليه‌السلام ثبت على إمامة الاربعة بعده لا اصل لصحته ، نعم يمكن ادعاء ان لم يبق من القائلين بامامة غيرهم عدة.

قول الشارح : الاسماعيلية ـ هم القائلون بامامة اسماعيل بن جعفر الصادق عليه‌السلام الّذي توفى قبله بسنين ، ثم افترقوا فرقتين : فرقة انكرت موت اسماعيل فى حياة ابيه ، وقالوا : كل ذلك على جهة التلبيس من ابيه على الناس لانه خاف فغيبه عنهم ، وزعموا ان اسماعيل لا يموت حتى يملك الارض ، يقوم بامر العباد ، وانه هو القائم لان اباه اشار إليه بالامامة بعده وقلدهم ذلك له واخبرهم انه صاحبهم ، والامام لا يقول الا الحق ، وفرقة اخرى اعترفوا بوفاته فى حياة ابيه ، وقالوا : ان الامر كان لاسماعيل ، فلما توفى قبل ابيه جعل الامر لمحمد بن اسماعيل وكان الحق له ، ولا يجوز

٦٩٢

غير ذلك لانها لا تنتقل من اخ الى اخ بعد الحسن والحسين عليهما‌السلام.

قول الشارح : الاول ان الامام الخ ـ هذا قياس استثنائى لا شبهة فى بطلان تاليه ، وهو احتياج الامام المفروض انه غير معصوم الى امام آخر ، وهلم جرا الى غير النهاية.

قول الشارح : ان المقتضى لوجوب الخ ـ اعترض عليه الرازى فى الاربعين والقوشجى فى الشرح بان المقتضى له ليس ذلك ، بل هو احتياج الامة الى اقامة الحدود وسد الثغور وتجهيز الجيوش للجهاد والى الامور المتعلقة بحفظ النظام وحماية بيضة الاسلام مما لا يتم الا بالامام ، ولا يلزم منه ان يكون معصوما.

اقول : كل السر في عدم اشتراطهم العصمة فى الامام حقارة الدين فى نظرهم وانه امر موكول الى انفسهم فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل كتاب الله فى ايديهم على زعمهم ومضى لسبيله ووكلهم الى انفسهم وحسبهم كتاب الله كما قال كبيرهم ردا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانهم وان قالوا فى تعريف الامامة انها رئاسة عامة فى امور الدين والدنيا خلافة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث يجب اتباعه على كافة الامة لكن لم يكن لهم رجل حائز للجهتين وليس ذلك عندهم بواجب ، بل الدنيا كانت بايدى امرائهم والدين ملعبة آراء علمائهم لا سيما اهل الاعتزال ، ثم انهم اوجبوا ان لا يكون فى كل عصر اكثر من امام واحد ، فكيف يرضى العاقل ان يتبعه مع انه مثله او ادون فى الفضل ويراه خاطئا فى كثير من تدابيره وسياساته ، وكيف يطمئن القلب فى اتباعه مع تجويز الخطأ عليه فى كل فعل وقول منه ، وهل هذا الا قول الزور والافك المحظور والجاء الناس الى السلوك على خلاف الفطرة والانسانية ، وهل الانسان ينتهى حيرته وتيهه فى المسالك الا ان يهتدى بعلم نصبه الله تعالى لعباده وسدده فى القول والفعل وعصمه من الخطاء والزيغ والشك والحيرة والجهالة ، وهل يجوز على الله تعالى ان يترك عباده سدى مهملين متحيرين مختلفين متنازعين من دون ان يجعل بينهم من يرتفع به هذه الامور على اليقين ، فان كان الدين من عند الله فلا بد ان يكون القائم به من عند الله ، وان كان القائم به من عنده فلا بد ان يكون معصوما من الشك

٦٩٣

والجهل والخطاء فى كل شيء والا يلزم جهله او عجزه او سفهه تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، فدين الله الّذي ارتضى لعباده لا يرتضى له بامام اختاره غيره ، فاذا كان امام الدين كالدين مختارا له تعالى فلا يكون الا معصوما كالنبى الّذي اتى به لان الامامة باعتراف الكل خلافة عن النبوة ، فلا بد ان يكون حال الامام كحال النبي حتى يقوم الدين على اساسه كما رضى الله تعالى به ، وكون الامام جائز الخطاء فى العلم والعمل ، جاهلا بنواميس الدين واسراره ومصالحه ومفاسده ، غافلا عماله وعليه ، متحيرا فى السياسات والتدابير ، محتاجا الى الرعية فى العلوم والمعارف ومبادى الافكار ، غير مرتبط بخالق الدين وشارعه ، غير معصوم وغير مسدد فى آنات دهره عن الهفوات ، غير قادر لاقامة العدل والاستواء والتفاضل اللائق بين جميع الطبقات بعلمه واحاطته بمصالح الكل وحقوقهم ، غيروا ضع نفسه فى منتصف العدالة الكلية بحيث لا يميل الى افراط ولا تفريط فى شيء ولا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحب ولا يعطى حق البعيد للقريب ولا يمنع البعيد لاجل القريب ينافى حقيقة الدين التى احب الله عز وجل ان تنشر بين عباده ، فلا يرضى الله تعالى لدينه إماما الا من اختاره ومن اختاره إماما لدينه لا يكون الا معصوما.

يا اهل الانصاف! هل يرضى عاقل ان يتولى امرا من اموره من ليس له بصيرة تامة بذلك الامر وقدرة كاملة على اتيانه كاملا ، وهل يجعل امره ملقى بين عدة يفعلون به ما يشاءون بأهوائهم وآرائهم ، وهل يرضى ان يكون صاحب امره من يختارونه بهوساتهم ، وهل يسلم من ذم الناس وملامتهم لهذا الاهمال ، وهل يعدّ عاقلا وان حفظ امره بالاتفاق ، انظروا الى هؤلاء القوم ، جوزوا عليه تعالى ذلك ونسبوا إليه تعالى الاهمال فى امر لا يقاس بامر من الامور وهو امر الدين ، والعجب من اهل الاعتزال القائلين بالعدل والحكمة كيف اختاروا لانفسهم هذا المذهب ، وليس ذلك الا لما قلت.

فمسألة العصمة على المبنى ، فمن كان مبناه ان اختيار الامام بايدى الناس فلا معنى لان يشترط فيه العصمة ، ومن كان مبناه ان الله عز وجل يختار من يشاء من عباده

٦٩٤

وما كان لهم الخيرة من امرهم فليس الامام عنده الا معصوما لما ذكرت.

قول الشارح : الثانى ان الامام حافظ للشرع الخ ـ هذا صغرى قياس كبراه وكل حافظ للشرع يجب ان يكون معصوما ، والمراد بحفظ الشرع حفظه بانفاذ الاحكام واجراء الحدود والسياسات ومنع المتغلبين واعطاء حقوق المظلومين والمحرومين ودفع شبهات المعاندين ونشر العلوم والمعارف بالبيانات المختلفة والطرق المناسبة وتبيين ما اشتبه على الناس من المسائل والجواب عما يسألون من المطالب واخذ الحقوق المالية والايصال الى اهلها والصرف فى محالها وغير ذلك مما هو وظيفة الامام ، ومعلوم ان الحفظ هكذا لا يتأتى من الكتاب ولا السنة ولا اجماع الامة ولا القياس ولا البراءة الاصلية ولا غيرها من امثالها ان كانت وما كانت ، ولا معنى لوصف هذه الامور بالعصمة وعدمها اذ هو عدم الملكة فلا بد له من موضوع قابل ، ولا يتأتى من انسان هذه الامور الا ان يكون واجدا لشريطة حفظ الدين والشريعة ، وليس ذلك الا شرطا واحدا وهو العصمة ، وهذا الدليل يرجع الى ان غير المعصوم هل يمكن ان يحفظ الشرع من الخلل أم لا ، نحن نقول بالثانى لان من لم يكن محفوظا من عند الله فى نفسه من الخلل فكيف يمكنه ان يحفظ دين الله عز وجل من الخلل.

اذا عرفت ذلك تبين لك فساد ما قال القوشجى وغيره ردا لهذا الدليل وجوابا عنه من ان الامام ليس حافظا لها بذاته بل بالكتاب والسنة واجماع الامة واجتهاده الصحيح ، فان اخطأ فى اجتهاده فالمجتهدون يردون والآمرون بالمعروف يصدون ، وان لم يفعلوا أيضا فلا نقض للشريعة القويمة.

اقول : ان امير المؤمنين عليه‌السلام رد أبا بكر المخطئ فى غصبه إرث فاطمة عليها سلام الله فهل ارتد برده وتنبه بذكره ، وأبا ذر رحمه‌الله رد عثمان المخطئ فى جمع الاموال واعطاء آل ابى معيط اياها فهل ارتد برده وتذكر بوعظه ، وكذلك معاوية ويزيد والاموية والعباسية وغيرهم الى اليوم ومن نصب للولاية من قبلهم فعلوا ما فعلوا وعلمائهم ساكتون او موافقون مشاركون معهم واولياء الله تعالى من اهل بيت النبوة واتباعهم وصلحاء الزمان والاتقياء ردوهم ووعظوهم وذكروهم فهل اتعظوا

٦٩٥

وادكروا وارتدوا عماهم عليه ، أم اشتدوا طغيانا وظلما وانجر الامر الى قتلهم وسبيهم وحبسهم ونفيهم وتشتيتهم وخراب البلاد وضلالة العباد واضاعة الصلوات واشاعة المنكرات والشهوات وتغلب الكفر على الاسلام وذلة اهل الايمان الى ان وصل الامر الى ما وصل اليوم ، والعجب من قول القوشجى : وان لم يفعلوا أيضا فلا نقض للشريعة القويمة ، فان لم يكن هذا نقضا لها فبما ذا يكون نقضها ، ولا تعجب لانى قلت لك : ان السرّ ان دين الله تعالى لا يسوى عندهم شأنا من شئون الدنيا التى بايديهم.

ان قلت : ان كلية الكبرى منقوضة بالفقيه فانه حافظ للشرع ولا يجب ان يكون معصوما ، قلت : ان الحافظ هو الامام المعصوم ، والفقيه يستحصل ما استحفظ واستودع عند الامام.

قول الشارح : لعدم احاطته الخ ـ ولو كان جامعا لجميع تفاصيل الاحكام كلياتها وجزئياتها لم يتأت منه الحفظ بالمعنى الّذي ذكرنا الا بانسان يعمل عليه ويجرى احكامه.

قول الشارح : ولا اجماع الامة الخ ـ ان اجماع اهل الحل والعقد من الامة اجمعين على كل امر لو اتفق كفى فى حفظ الشريعة ، ولكن كيف يمكن الاجماع هكذا فى امر واحد فضلا عن كل امر ، نعم يحصل اجماعهم واجتماعهم ووحدة كلمتهم بامام عادل منصوب من عند الله تعالى مطاع نافذ الكلمة بينهم بيده السلطان كما وعد الله عز وجل عباده بذلك ، ونحن ننتظره

قول الشارح : على تقدير عدم المعصوم الخ ـ اشارة الى ان المعتبر منه الاجماع الدخولى كما صرح به فى التهذيب بقوله : الاجماع انما هو حجة عندنا لاشتماله على قول المعصوم ، انتهى ، وذلك لان امكان الخطاء المانع عن حجية رأى الواحد يجرى عينا فى آراء الكثيرين ، ونفس عنوان المجموعية امر اعتبارى لا يترتب عليه شيء ، والى هذا اشار بقوله : فالمجموع كذلك ، ان قلت : يحصل الظن بل القطع من اتفاقهم بان ما اجمعوا عليه ثابت فى الواقع ، فكيف لا يترتب على نفس المجموعية شيء ، قلت : القطع ممنوع ، والظن مسلم ، ولكن كون هذا الظن حجة هو اوّل الكلام

٦٩٦

فالاجماع من حيث هو هو ليس حجة وان ذهب إليه اكثر العامة ، وسيأتى قريبا ابطال دليلهم ، فليس للشريعة حافظا.

ولا يخفى ان من العامة من يوافقنا فى عدم حجيته كالنظام من شيوخ المعتزلة ومن تبعه من علمائهم كعلى الاسوارى وابو جعفر الاسكافى وجعفر بن مبشر وجعفر بن حرب ومحمد بن شبيب وابو شمر وموسى بن عمران وكذا ابو الهذيل العلاف ومن تبعه ، راجع الملل والنحل للشهرستانى وغيره من كتب المذاهب.

قول الشارح : ولان اجماعهم ليس لدلالة الخ ـ المراد بالدلالة الدليل القطعى وبالامارة الدليل الظنى ، واشار بهذا الكلام الى ابطال دليل العامة على حجية الاجماع عندهم ، وبيانه انهم استدلوا على حجية اجماعهم على ما ذكره الغزالى فى المستصفى ونقل فى القوانين والضوابط والفصول بما حاصله : ان الامة او اهل الحل والعقد منهم اذا قضوا بقضية لم يقضوا بها الا عن مستند قاطع عند كل واحد منهم ، واتفاقهم على قضية من دون مستند غير متصور ، ولمستند ظنى ممتنع لان القرائح والآراء مختلفة فلا يمكن اتفاق كثيرين متفرقين بحسب الامكنة والازمنة على امر واحد ظنى يوجب لهم حكما واحدا كما يمتنع توافق عدة كثيرة فى البقاع المتعددة على اكل طعام واحد نوعى فى زمان واحد ، فاذن ليس اتفاقهم الا عن دليل قطعى ، فاذا كان اتفاقهم على امر عن دليل قطعى كان حجة قطعا ، وردّ بان الاتفاق على امر شرعى من غير مستند او مستند ظنى باطل باعتراف الخصم ، وما ادعى من الاجماعات انه كان عن مستند قطعى على ما ذكر فى هذا الدليل مردود أيضا بان انعقاد اجماع ان كان عن مستند قطعى كان ذلك ظاهرا معلوما لكل واحد من افراد المجمعين ، ولو كان كذلك لاشتهر ونقل إلينا ، واذ ليس فليس ، على ان ذلك المستند ان كان ليس الا عقليا او كتابيا او سنيا ، والاول والثانى لا يصل المجال الى الاجماع مع وجودهما ، والثالث يرجع الاجماع به الى الاجماع الّذي نحن نقول به ، فتبين ان ما ادعى من الاجماعات ان لم يكن بحيث يكشف عن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله او احد الأوصياء سلام الله عليهم

٦٩٧

ليس اجماعا حقا ، بل صورة اجماع بتقليد بعضهم لبعض كماله نظائر بين الناس فى امورهم.

ثم ان لهم استدلالات اخرى بالكتاب والاحاديث على حجية الاجماع على مذهبهم غير ناهضة على مطلوبهم ذكرت فى المطولات من كتب اصول الفقه.

قول الشارح : ولا للقياس ـ هكذا فى بعض النسخ ، والصحيح ولا القياس ليكون عطفا على اجماع الامة ، وكذا قوله : ولا للبراءة.

قوله : وأولو الامر منكم ـ اجمعت الامة على ان ولى الامر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الامام ، ولكن اختلفوا فى تعيينه.

قول الشارح : لزم ان يكون اقل درجة الخ ـ اى اشد عقوبة وابعد من الله تعالى منزلة ، وهذا مستدل عليه عقلا وشرعا كما ورد فى القرآن ان عذاب من يأتى بفاحشة مبينة من نساء النبي صلوات الله عليه وآله يضاعف ضعفين ، وفى الحديث ان العالم اذا لم يعمل بعلمه كان اشد عقوبة وحسرة يوم القيامة من الجاهل.

ثم ان على عصمة الائمة عليهم‌السلام ادلة اخرى من الكتاب والاحاديث ، ليس هنا مجال ذكرها.

قول المصنف : ولا ينافى العصمة القدرة ـ قد مر بعض الكلام فى العصمة فى المسألة الثالثة من المقصد الرابع.

قول الشارح : احدها ان يكون لنفسه الخ ـ ان قلت : ان هذا عين ما قال القائل بعدم تمكنه من المعصية من ان المعصوم مختص فى نفسه او بدنه بخاصة تقتضى امتناع اقدامه على المعصية على ما مر آنفا فى كلامه ، قلت : ان المراد بامتناع الاقدام امتناعه من دون دخالة اختياره ، والمراد بالملكة المانعة من الفجور المنع بها اختيارا ، والحق كما مر فى مبحث النبوة ان للمعصوم روحا فوق ارواح السائرين.

قول الشارح : بتتابع الوحى ـ ان قلت : الوحى منقطع عن غير الأنبياء عليهم‌السلام وان كان معصوما ، قلت : ان الائمة عليهم‌السلام على ما دلت عليه الاخبار الكثيرة محدّثون بواسطة الملائكة ، راجع الكافى وغيره.

٦٩٨

المسألة الثالثة

( فى ان الامام يجب ان يكون افضل من غيره )

هذه القضية تنعكس عكس النقيض الى ان الّذي لا يكون افضل من غيره يجب ان لا يكون إماما ، فمن ادعى الامامة او اختاره اناس إماما وفى الرعية افضل منه فامامته باطلة ، فاكثر العامة ذهبوا الى ان الثلاثة الذين تقدموا على امير المؤمنين عليه‌السلام افضل منه على الترتيب الواقع بينهم ، والوجود كله يكذّبهم ، وطوائف قلائل غيرهم فيهم متوقفون ذهبوا فى التفضيل بينهم الى غير ذلك كتقديم امير المؤمنين عليه‌السلام فى الفضل على عثمان دون الشيخين ، وآخرون وهم كثير من المعتزلة الى جواز تقديم المفضول مع قولهم بان امير المؤمنين عليه‌السلام افضل من الثلاثة.

اقول : المقايسة بينه وبين غيره الجفاء الاجفى فى حق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لانه نفسه ، وملأ فضائله محيط الامكان ومنه انتشرت فلا نسبة بينه وبينهم.

قوله : أفمن يهدى الى الحق الخ ـ استفهام تقرير يستقبح ترك الاحق والاولى فى الاتباع وهو من يهدى الى الحق من دون حاجة الى غيره من العباد واتباع المحتاج فى اهتداء نفسه الى هداية غيره ، ولا شبهة ان اتباع الافضل والائتمام به احق من اتباع غيره ، فتركه وتقديم المفضول عليه فى الاتباع قبيح بشهادة الآية.

قول الشارح : ويدخل تحت هذا الحكم الخ ـ قال الشارح القديم شمس الدين الاصبهانى فى شرحه : ولقائل ان يقول : اذا كان المفضول موصوفا بصفات يصلح بسببها لان يقوم بامر الامامة لا يقبح تقديمه لا عقلا ولا شرعا ، وأيضا الامامة منصب من المناسب الشرعية كالإمامة فى الصلاة فلو امتنع إمامة المفضول مع وجود الفاضل لكانت إمامة المفضول فى الصلاة ممتنعة مع وجود الفاضل والتالى باطل بالاجماع ،

٦٩٩

وأيضا لو لم يوجد من اهل الامامة إلا شخصان احد هما افقه والآخر اعرف بالسياسة وامور الامامة فاما ان يجعل كل منهما إماما او يجعل احدهما دون الآخر أو لا هذا ولا ذاك ، والاول محال بالاتفاق والثالث أيضا باطل لامتناع خلو الزمان عن الامام فلم يبق الا القسم الثانى ، وانما يلزم تقديم المفضول بالنسبة الى ما اختص به الآخر.

اقول : امثال هذه الشبهات مع وهنها انما تتطرق على القول بوجوب نصب الامام على الناس ، واما على القول بوجوبه عليه تعالى فلا لانه تعالى لم يكن لينصب لعباده رجلا للامامة وندبهم الى اطاعته ومتابعته فى كل شيء على سبيل التسليم والانقياد التام كالنبى صلوات الله عليه وآله ولم يكن افضل من الجميع فى جميع الفضائل النفسانية والبدنية لان الامام المنصوب من قبله تعالى هو خليفته فى الارض وحجته البالغة على الخلائق فى جميع الجهات ، فلو كان فى الرعية من هو افضل منه ولو فى جهة واحدة لم يكن حجة عليه فى تلك الجهة وكان يحرم عليه اتباعه فيها وكان هو مفتخرا على خليفة الله تعالى فيها ، وذلك يرجع الى الله تعالى اذ هو خليفته وحجته ، ولان امره تعالى عباده بالاطاعة المطلقة والخضوع المطلق لولى الامر الّذي هو الامام لو كان بين العباد افضل منه قبيح ، ينافى اطلاق الامر بذلك لان صريح العقل يحكم بقبح اطاعة الفاضل وخضوعه للمفضول فى جهة الفضل.

المسألة الرابعة

( فى وجوب النص على الامام )

هذه المسألة فرع مسألة وجوب نصب الامام عليه تعالى لان نصبه انما هو لاتباع العباد له ، وذلك يستدعى ان يعرفه وينص عليه بشخصه واسمه وخصوصياته بواسطة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يتمكنوا من اطاعته واتباعه ، وقد فعل ذلك ، والامة

٧٠٠