توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

قال فى البحار فى مجلد تاريخ نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله : واما وجه اعجازه فالجمهور من العامة والخاصة ومنهم الشيخ المفيد قدس الله روحه على ان اعجاز القرآن بكونه فى الطبقة العليا من الفصاحة والدرجة القصوى من البلاغة الخ ، والمحتمل تبدل الرأي للمفيد رحمه‌الله من احدهما الى الآخر.

ثم ان صرفه تعالى اياهم اما بسلب قدرتهم على الاتيان بمثله وان كانوا قادرين عليه قبل البعثة ، او بحجب علمهم بنظم كلام مثله ، او بقطع دواعيهم الى ذلك.

اقول : ان القول بالصرفة بصورها الثلاثة باطل وان ذهب إليه هؤلاء الاعلام لما ذكره الشارح رحمه‌الله من ان الانسب حينئذ كونه انزل عن كلام عامة العرب وادخل فى الركاكة لان عدم تيسر المعارضة بالكلام النازل ابلغ فى خرق العادة ، ومن ان فصاحته العليا كانت مدركة لهم بالذوق الطبعى ولمن يدرك الفصاحة بالذوق الكسبى بتمرن العلوم العربية والآداب الكلامية وموردا لعجبهم ، وكانوا يستعظمونها بل ربما يرقصون ويترججون عند استماع الآيات ، اللهم الا ان يقول القائل بالصرفة : ان الله تعالى كما صرفهم عنه قلب فهمهم وادراكهم فادركوا ما لا يقصرون عن اتيانه مكان ما يقصرون فاستعظموا وتعجبوا منه.

الثانى مذهب غير الصرفة بان يكون كتاب الله تعالى وكلامه فى نفسه امرا خارقا للعادة فوق القوى البشرية ، وهذا مذهب الجمهور من العامة والخاصة ، ولكن اكثرهم اقتصروا بذكر جهة الفصاحة والاسلوب ، وهو قصر فى حق القرآن لانه شامل لجهات كثيرة ، كل منها خارج عن طاقة البشر ، معجز بحياله لمن ادركه بقدر فهمه وادراكه ، وقد تحدى القرآن بتلك الجهات لا بالفصاحة والاسلوب فقط لان الامر لو كان كذلك لم يتعد التحدى شعوب العرب لان من المستقبح ان يتحدى بهما من ليس من اهلهما اصلا كما يقبح من عالم فلسفى ان يقول لطفل ابن ثلاث سنين : ان لم تصدقنى انى عالم بالعلوم الفلسفية فأت نبحث فى مسائلها ، لكنه تحدى جميع الجن والانس بقوله : قل لئن اجتمعت الجن والانس على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.

٦٦١

واما الجهات فالفصاحة والاسلوب والمعارف الحقيقية فى عالم الطبيعة وما فوقها والصفات الالهية والاخلاق الفاضلة والاحكام التشريعية والسياسات المدنية والاخبار المغيبة الماضية والمستقبلة واحوال المبدأ والمعاد وعدم الاختلاف فى مطالبه وغير ذلك مما هو ظاهر الكتاب مع ما فى بواطنه من الخواص والاسرار والعلوم الغريبة التى لم ينكشف للبشر الى الآن الا قليل منها.

فالقرآن معجز لكل من عنده فن من فنون المعارف والعلوم فانه يراه متعاليا عن الكل فى ذلك الفن ولا يصل بفكره الى اقصى تعاليه ، ولم يقدر احد من الناس على طبقاتهم الى اليوم ان يورد على حرف منه شيئا الا عنادا وجهلا وقد اجيب بما يدمغ فكرته الجاهلة العنيدة ، هذا كله معجز من اى انسان صدر ، كيف ومن اتى به صلوات الله عليه وآله لم يتربّ فى حجر معلم ولم يتعلّم كلمة من احد من الناس.

قول الشارح : وقال اهل الحق ـ اى اهل الحق فى هذه المسألة.

قول الشارح : الاطيبين ـ فى كتب اللغة الاطيبان الاكل والجماع ، او الدهن والفرج ، او الشحم والشباب ، ويقابلهما الاخبثان وهما البول والغائط ، او السهر والضجر ، او الضراط والسعال ، يقال : ذهب الاطيبان وبقى الاخبثان.

قول الشارح : واحتج السيد الخ ـ نقل القوشجى هذا ودليلا آخر عن القائلين بالصرفة ، وذكر جوابهما.

قول المصنف : والنسخ تابع الخ ـ ان المنكرين لنبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله اوردوا شبهات فى اصلها وفى عمومها ، والمصنف نقل هنا شبهتين مع الجواب ثم استدل على عمومها ، ومن اراد تفاصيل ذلك فليراجع المطولات كاسرار العقائد وانيس الاعلام وبيان الحق والاربعين وغيرها.

قول المصنف : وقد وقع حيث الخ ـ هذا نقض بموارد خاصة وقع فيها النسخ ، ويقال كلية : لو كان النسخ باطلا على ما قررتموه لزم القول بدوام شرع آدم على نبينا وآله وعليه السلام وبطلان كل شريعة بعده والتالى باطل باجماع المال.

٦٦٢

قول المصنف : مختلق ـ اقوى الدليل على اختلاقه ما فى كتبهم من بشارات انبياء بنى اسرائيل بظهور نبى صاحب شريعة بعد موسى عليه‌السلام.

منها ما فى التوراة فى سفر التثنية فى الاصحاح الثامن عشر فى الآية الخامسة عشرة انه يقول موسى عليه‌السلام لبنى إسرائيل : يقيم لك الرب إلهك نبيا من وسطك من اخوتك مثلى ، له تسمعون حسب كل ما طلبت من الرب إلهك فى حوريب يوم الاجتماع قائلا : لا اعود ، اسمع صوت الرب إلهى ولا ارى هذه النار العظيمة لئلا اموت قال لى الرب : قد احسنوا فيما تكلموا اقيم لهم نبيا من وسط اخوتهم مثلك واجعل كلامى فى فمه فيكلمهم بكل ما اوصيه به ويكون ان الانسان الّذي لا يسمع لكلامى الّذي يتكلم به باسمى انا اطالبه.

اقول : كلمة مثلى تدل على انه صاحب شريعة مثل موسى عليه‌السلام لا انه تابع لموسى فى الشريعة كانبياء بنى اسرائيل بعده ، وكلمة من اخوتك ومن وسط اخوتهم تدل على انه ليس من بنى اسرائيل لان الصحيح حينئذ ان يقول منك ومن وسطهم فليس هو عيسى عليه‌السلام لانه فى بنى اسرائيل فهو ينطبق على نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله كما استشهد الرضا عليه‌السلام بذلك فى جواب راس الجالوت اليهودى فى مجلس المأمون على ما رواه الصدوق رحمه‌الله فى حديث طويل فى اواخر التوحيد والعيون عن الحسن بن محمد النوفلى الهاشمى ونقله المجلسى رحمه‌الله فى البحار باب احتجاجات الرضا عليه‌السلام مع اهل الاديان.

وذلك ان قال رأس الجالوت : من اين تثبت نبوة محمد ، قال الرضا عليه‌السلام : شهد بنبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله موسى بن عمران وعيسى بن مريم وداود خليفة الله عز وجل فى الارض ، فقال له رأس الجالوت : ثبّت قول موسى بن عمران ، قال الرضا عليه‌السلام : هل تعلم يا يهودى ان موسى اوصى بنى اسرائيل فقال لهم : انه سيأتيكم نبى من اخوتكم فبه فصدقوا ومنه فاسمعوا ، فهل تعلم ان لبنى اسرائيل اخوة غير ولد اسماعيل ان كنت تعرف قرابة اسرائيل من اسماعيل والنسب الّذي بينهما من قبل ابراهيم عليه‌السلام الخ.

٦٦٣

وامثال هذه البشارات كثيرة فى اسفار التوراة وغيرها من كتب الأنبياء عليهم‌السلام من اراد الاطلاع على مواضعها فليراجع اسرار العقائد وبيان الحق وانيس الاعلام وكتاب رد اليهود وبشارات العهدين وغيرها.

قول الشارح : ان جماعة اليهود الخ ـ اى قالوا : لو سلمنا جوازه عقلا نمنع وقوعه لشريعة موسى عليه‌السلام ، وفى الشرح القديم : ذهبت جماعة من اليهود الى جواز الخ.

قول الشارح : ان هذا الحديث مختلق ـ ان قال اليهود : نظير هذا الحديث موجود فى التوراة فى سفر التكوين فى الاصحاح السابع عشر بقوله : وقال ابراهيم لله : ليت اسماعيل يعيش إمامك ، فقال الله : بل سارة امرأتك تلد لك ابنا وتدعو اسمه اسحاق ، واقيم عهدى معه عهدا ابديا لنسله من بعده ، ومعنى ابدية العهد لنسل اسحاق هو كون النبوة فى بنى اسرائيل الى يوم القيامة ، فالتمسك بالتوراة لمدعانا لا بالحديث المروى.

فالجواب أولا ان هذا الكلام لا يثبت دوام شرع موسى ابدا لان عيسى عليه‌السلام من نسل اسحاق ، وثانيا ان هذا الكلام لا يعارض تلك البشارات التى ذكرناها لانها صريحة فى وجود نبى مبعوث صاحب شريعة بعد موسى وهذا ليس نصا ولا ظاهرا لاجمال كلمة الابد لكثرة استعمالها فى الزمان الطويل المنقطع فى التوراة كما نقل الشارح وفى غيرها ، وهذا الاستعمال ليس تجوزا وان كان فتلك البشارات قرائن قطعية على إرادة الزمان المنقطع هنا ، وثالثا ان يد التحريف الّذي شهدت به تواريخهم على ما بين فى مظانه وشهدت به كثيرة من كلمات التوراة سلبت الوثوق وصحة الاستدلال بها الا ما قطع بعدم تحريفه او تلقاه الخصمان بالقبول.

قول الشارح : ونسب الى ابن الراوندى ـ هو ابو الحسين احمد بن يحيى بن اسحاق الراوندى البغدادى ، والجماعة المنسوبة إليه الراوندية ، وراوند قرية قريبة من كاشان ، ومدينة قديمة بالموصل ، وناحية بنيسابور ، والمشهور المنسوب إليه كثير من الاعلام هو الاول.

٦٦٤

فى كتاب اعتقادات المذاهب : الراوندية فرقة قالوا : كل كتاب نزل من السماء فالعمل به حق ، والنسخ ندامة ، والمعرفة به مصلحة ، قالوا : نزل على الأنبياء من السماء مائة وأربعة كتب كصحف آدم وصحف شيث وصحف ادريس وصحف ابراهيم وتوراة موسى وانجيل عيسى ، والعمل بكل منها حق وقراءة كل منها ثواب واحكام كل منها باقية ، ولا نقول : ان شيئا منها منسوخ لان النسخ دليل الندامة فانه لا يجوز عليه تعالى ان يحكم بحكم ثم يندم وينسخه او يحكم بحكم ثم يعلم عدم المصلحة فيه ، فعلم ان كلا منها باق لانه كلامه تعالى ، انتهى ، وهؤلاء غير الفرقة الراوندية اتباع عبد الله بن الحرب الذين ذكر النوبختى مذاهبهم فى فرق الشيعة.

ولابى محمد الحسن بن موسى النوبختى احد اعلام الشيعة فى القرن الثالث كتاب النكت على ابن الراوندى كما ذكر النجاشى.

ولابى سهل اسماعيل بن على النوبختى احد اعلام الشيعة وكبارهم خال ابى محمد النوبختى كتاب نقض اجتهاد الرأي على ابن الراوندى كما فى الفهرست لابن النديم.

وقال الكيلانى ذيل الملل والنحل : ابو الحسين الخياط مؤلف كتاب الانتصار والرد على ابن الراوندى ، دافع فيه عن المعتزلة وبرأهم مما رماهم به ابن الراوندى.

وعد الشهرستانى الرجل من الشيعة ومصنفى كتبهم.

اقول : الشهرستانى ليس موثوقا به فى ما ذكر ونقل مع ان كون الرجل من الشيعة لا يدل على استقامة طريقته لان الشيعة فرق كثيرة فرقة منهم اهل الحق والآخرون مبطلون.

وقال المحدث القمى رحمه‌الله فى الكنى والالقاب : ابن الراوندى ابو الحسين احمد بن يحيى بن اسحاق الراوندى البغدادى العالم المتقدم المشهور ، له مقالة فى علم الكلام وله مجالس ومناظرات مع جماعة من علماء الكلام ، وله من الكتب المصنفة نحو من مائة وأربعة عشر كتابا ، وكان عند الجمهور يرمى بالزندقة والالحاد ، وفى

٦٦٥

روضات الجنات وعن ابن شهرآشوب فى كتابه المعالم : ان ابن الراوندى هذا مطعون جدا ولكنه ذكر السيد الاجل المرتضى فى كتابه الشافى فى الامامة : انه انما عمل الكتب التى قد شنع بها عليه مغالطة للمعتزلة ليبين لهم عن استقصاء نقصانها ، وكان يتبرأ منها تبرءوا ظاهرا وينتحى من علمها وتصنيفها الى غيره ، وله كتب سداد مثل كتاب الامامة والعروس ، ثم ساق صاحب الروضات الكلام فى ترجمته ، وفى آخره : ان صاحب رياض العلماء قال : ظنى ان السيد المرتضى نص على تشيعه وحسن عقيدته فى مطاوى الشافى وغيره ، انتهى ، توفى سنة ٢٤٥ ( رمه ).

اقول : ان الرجل لم يذكر فى اصحاب الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم ولا راويا عن اصحابهم شيئا مع انه كان فى عصرهم وكان من اهل الفضل والكلام وكان قاطن بغداد ، وهذا يشعر بعدم استقامته مع ما سمعت من غير السيد المرتضى رحمه‌الله فى شانه ، مع ان تأليف كتاب يوجب التشنيع على مؤلفه والاعتذار بانه عمل ذلك مغالطة لفرقة باطلة بعيد جدا.

قول الشارح : لان بخت نصر استأصلهم الخ ـ حاصله ان هذا الحديث فى أفواههم ، ليس له سند موثوق به متصل الى موسى عليه‌السلام.

وبخت نصر اسم مركب ، وبخت بضم الباء وسكون الخاء والتاء الممدودة الساكنة قال الفيروزآبادي : اصله بوخت ومعناه ابن ، ونصر بالنون المفتوحة والصاد المشددة المفتوحة آخره راء صنم ، ثم لا شبهة انه كان ملكا قتل بنى اسرائيل وسباهم وافناهم ، ولكن الاقوال والاخبار فى تعيين زمانه مختلفة ، والمستنبط من جميعها والجمع بينها يقتضي القول بانه رجلان ، احدهما من نسل الآخر ، والاول كان بعد سليمان فى عهد ارميا عليهما‌السلام ، والآخر ظهر بعد قتل يحيى بن زكريا عليهما‌السلام ، وظهور كل منهما كان نقمة لبنى اسرائيل على فسادهم ، الاول بعد المرة الاولى والثانى بعد المرة الثانية كما اخبر تعالى بقوله : وقضينا الى بنى اسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى الارض مرتين الخ ، والتفاصيل فى التواريخ والتفاسير.

قول الشارح : لان لفظة التأبيد لا تدل الخ ـ لفظة الابد تدل على الدوام ،

٦٦٦

لكن دوام كل شيء بحسبه ، فالحكم بإطلاق الابدية والدوام لكل ممكن يعارضه عروض قاطع من انتفاء المقتضى او حدوث المانع ، فالكلام المقيد بالتأبيد من حيث الدلالة ومتكلمه من حيث الإرادة ساكتان عن الانتهاء وعدمه ، بل الانتهاء امر واقعى قهرى عند عروض القاطع ، فلو ان موسى عليه‌السلام كان قائلا هذا الكلام كان ناهيا عن ترك التمسك بالسبت ما دام المقتضى موجودا والمانع مفقودا ، لا انه آمر به وان اتى نبى آخر من عند الله ونسخه ، فالكلام يدل على الدوام لا انه يدل على ان لا شيء يقطع ذلك الدوام ، وهكذا الحال فى امثاله.

قول الشارح : والسمع يكذب قولهم الخ ـ الدليل السمعى من الكتاب يكفى فى ذلك لمن اعترف بنبوته فى الجملة لان الكتاب حينئذ حجة عليه.

قول الشارح : بان يترجم خطابه الخ ـ او بان يتعلم لغته ، وهو احسن واولى واحكم واحرى.

قول الشارح : بان يقربوا من الامكنة الخ ـ او بان ارسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليهم منذرا فى هيئة يستأنسوا بها كما ارسل امير المؤمنين عليه‌السلام الى الجن فانذرهم فحاربهم على ما ورد فى الخبر.

قول الشارح : انهم غير مكلفين الخ ـ وان كانوا مكلفين بالتكاليف العقلية مطلقا

ثم ان من الادلة السمعية على عموم نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله تعالى وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ، بل هذا يدل على عمومها للجن والانس والملائكة وغيرهم وقوله تعالى : ( قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ) ، وقوله تعالى : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) ، وقوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) ، وقوله تعالى : ( وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً ) ، وأيضا انه صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا بنى اسرائيل واهل الكتاب الى الايمان وتعرض لهم وحاربهم كما حارب المشركين ، فلو لم يكن مبعوثا إليهم لم يكن ليتعرض لهم. وأيضا ان القرآن ناطق فى مواضع بنسبة الكفر الى اليهود وغيرهم من اهل

٦٦٧

الكتاب اذ لم يؤمنوا به صلوات الله عليه وآله ، فلو لم يكن مبعوثا إليهم لم يصح ذلك.

ثم ليس للخصم ان يتمسك بقوله تعالى : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) ، وقوله تعالى : ( لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها ) ، وقوله تعالى : ( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ) ، وقوله تعالى : ( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ ) ، وقوله تعالى : ( قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) ، وقوله تعالى : ( كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ ) ، وقوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ ) لان الامر فى الآية الاولى والثانية بانذار الاقربين وأمّ القرى لا يستلزم عدم الامر بانذار غيرهم ، فانه تعالى قد قال : ( لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ ) ، وقال تعالى : ( لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) ، وقال تعالى : ( أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ ) ، وقال تعالى : ( وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ ) ، وقال تعالى : ( هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ ) ، ولان قوله تعالى : ( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ ) الخ تعجيب من فعل قوم من اليهود جاءوا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحكموه فى زناء وقع من محصنين من اشرافهم وارادوا بذلك تبديل ما وجب عليهما فى التوراة من الرجم ، فالآية تقرر حكم التوراة فى هذه المسألة لا انها تثبت لها استقلالا فى قبال القرآن ، كيف والقرآن يصرح بانه مهيمن على غيره من الكتب السماوية ، ويصرح أيضا بان ما فى ايديهم محرف عن اصله ، ولان قوله تعالى وليحكم اهل الإنجيل الخ ويا اهل الكتاب لستم الخ الزام لهم بما فى تلك الكتب من البشارة به صلى‌الله‌عليه‌وآله والامر بتصديقه ، واما الآية السادسة والسابعة فان البعث فى امة وقوم لا ينافى البعث الى غيرهم كما ان الرسالة بلسان قوم لا ينافى الرسالة الى غيرهم.

قول المصنف : وهو افضل من الملائكة الخ ـ وكذا آله المعصومون صلوات الله عليه وعليهم ، والأنبياء عليهم‌السلام كذلك ، بل الدليل المذكور يشمل

٦٦٨

الصلحاء من العباد ، وبعض الاخبار يدل على ذلك ، بل الاخبار دالة على ان الانسان من حيث هو انسان افضل من الملك.

اقول : المعتمد عندى فى هذا المطلب الاخبار لان هذا الدليل كغيره يمكن ان يخدش فيه ، والطالب يراجع الرابع عشر من البحار.

قول المصنف : وقهره على الانقياد عليها ـ اى قهر المضاد للقوة العقلية على الانقياد على القوة العقلية ، والمصدر مضاف الى المفعول.

قول الشارح : اختلف الناس هنا الخ ـ قال الفخر الرازى فى الاربعين : ذهب اصحابنا ( اى الاشاعرة ) والشيعة الى ان الأنبياء افضل من الملائكة ، وقالت الفلاسفة والمعتزلة : الملائكة السماوية افضل من البشر ، وهو اختيار القاضى ابى بكر الباقلانى وابى عبد الله الحليمى من اصحابنا.

قول الشارح : وجماعة الاوائل ـ اى الفلاسفة الاقدمين وتبعهم الآخرون ، قال الشيخ : اعلى طبقات الموجودات الامكانية الملائكة الروحانية الذين سماهم الحكماء العقول ثم الملائكة الذين سموهم النفوس الفلكية.

قول الشارح : احمزها ـ الاحمز الامض والاشق ، قال فى مجمع البحرين : فى حديث ابن عباس : افضل الاعمال احمزها اى اشقها وامتنها واقواها ، قيل : وليس بكلي فليس كل احمز افضل ولا العكس.

اقول : الحمزة فى الاصل بقلة حريقة حريفة ، فيقال : حامز لكل حاد من السلاح ، او كل لاذع من الشراب ، او كل قارص من الجسم ، او كل شاق من العمل ، او كل جارح من الكلام ، او كل قوى من المؤثر ، والافضلية فى هذا الحديث موضوع والاحمزية محمول فاذا ثبت ان عملا كذائيا افضل فهو احمز لا على العامل ليكون بمعنى اشق لان مناط فضل العمل العقل والمعرفة فكلما كان الانسان اعقل بدينه واموره واعرف بربه ونبيه واوصيائه صلوات الله عليهم كان افضل فى عمله على ما نطق به الآيات والاخبار ومناط كونه حامزا على العامل بمعنى كونه شاقا على بدنه وقواه هو كثرة الحركات البدنية والفكرية وسرعتها أو شاقا على نفسه هو كراهته وقلة حبه له ، فيحتمل

٦٦٩

ان يكون معناه احمز على الشيطان اى انه احدّ لقطع اسبابه وسبيله الى قلب عامله ، او احمز على النفس بمعنى انه اقبض واحفظ لها عن الوقوع فى شهواتها وهواها ، او احمز فى ازالة الرذائل النفسية او دفع النار الاخروية فهو بمعنى اقوى ، او احمز فى نفوس الناس بمعنى اجرح وانفع من جهة الموعظة.

قول الشارح : وهاهنا وجوه اخر الخ ـ ذكرها الرازى فى الاربعين ، ونقلها القوشجى وغيره.

٦٧٠

المقصد الخامس

فى الامامة

٦٧١

قول المصنف : فى الامامة ـ عرفها شمس الدين الاصبهانى الاشعرى الشارح القديم بانها عبارة عن خلافة شخص من الاشخاص للرسول عليه‌السلام فى اقامة قوانين الشريعة وحفظ حوزة الملة على وجه يجب اتباعه على كافة الامة ، والشارح البهشتى رحمه‌الله بانها رئاسة عامة فى الدين والدنيا نيابة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والقوشجى بانها رئاسة عامة فى امور الدين والدنيا خلافة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والشارح العلامة رحمه‌الله فى الباب الحادى عشر بانها رئاسة عامة فى امور الدين والدنيا لشخص من الاشخاص نيابة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

اقول : الامام فى كتاب الله إمامان : امام الحق والهدى يدعو الى الله تعالى ، وامام الضلالة والردى يدعو الى النار ، قال تعالى : ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) ، وقال تعالى : ( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) الى الحق ، وقال تعالى : ( وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) ، وقال تعالى : ( فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ) ، وقال تعالى : ( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) ، فهذه التعاريف ان كانت للاعم او الامامة الباطلة فقط فليست فى امور الدين ولا نيابة عن النبي فالقيدان مخلان ، وان كانت للامامة الحقة فلا بد من التقييد بكونها من قبل الله عز وجل ورسوله كما يشعر به ما فى الآيات من انه تعالى جعل للامامة من جعله لان الرئاسة فى امور الدين امر عظيم خطير لا تتاتى الا ممن جعله الله تعالى لذلك وسدده وعلمه ما يرتفع به اختلاف الناس حين يختلفون والا اختل امر الدين وذهب كل الى ما يهواه من الطريقة ، ولان النيابة لا تتصور الا بتعيين المنوب عنه لا سيما هذا المهم الّذي لا مهمّ فوقه اذ لا يعقل ان يدعى احد انى نائب عن فلان فى الامر الكذائى او يجعله جماعة نائبا عنه من دون نص وتصريح منه بذلك والعقلاء ينسبون الى الحمق والسفه والخبل من يدعى ذلك عن احد من دون ايجاب منه ولو فى ادنى الامور ، فلا بد من ذلك القيد فى التعريف كما اشار إليه المصنف فى بعض كتبه بقوله : فالحكمة تقتضى وجود رئيس قاهر آمر بالمعروف وناه عن المنكر مبين لما يخفى على الامة من غوامض الشرع فكان وجوده لطفا وهذا اللطف يسمى إمامة فتكون الامامة واجبة.

ان قلت : ان قوله تعالى : ( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) يدل على ان الامامة

٦٧٢

الباطلة أيضا من قبل الله تعالى ، قلت : ان الجعل فى تلك الآيات بمعنى التعيين بعد ان اعطاه الله تعالى لوازم الامامة والرئاسة ، وفى هذه الآية جعل تكوينى بمعنى تخليته تعالى الناس فى سبيل اختيارهم من يهوون إليه للامامة كتخليته تعالى عباده فى جميع افعالهم فكانه تعالى قال : وجعلنا هم مختارين فى الامامة الداعية الى النار فادعوا ذلك فائتم بهم اقوام لان من القبيح ان يعين تعالى مضلا مغويا ليطيعه العباد ويتبعوه ، وقد قال تعالى : ( وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ، وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ).

ثم ان الامامة من اصول الدين لا من فروعه ، بل صنو النبوة لان ما يحصل بها من الاغراض يحصل بالامامة الحقة ، ولان الباحثين ذكروها فى الاصول ، ولان من تعريفها يعرف انها من الاصول ، ولان بها حفظ اساس الشريعة وقوام حوزة الملة ، ولانه روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من طرق الفريقين : من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ، ولانها لو كانت من الفروع لجاز فيها التقليد ولجاز ان يجتهد كل احد فيها فيختار احدا للامامة ولكفى فيها ظن المجتهد والكل يمنعون الكل ، بل يكفرون من يقول بامامة غير على عليه‌السلام والعباس وابى بكر بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل بعضهم يكفرون ويبيحون قتل من يقول بامامة غير ابى بكر بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما وقع فى كلمات بعضهم من جواز التقليد فيها بل لا يجب البحث عنها فهو من المناقضات فى كلامهم ، ولان الدين يبتنى عليها فكيف لا تكون من اصوله ، ولان بالامامة تبقى النبوة ، ولان اناسا من اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ارتدوا بعده على ادبارهم القهقرى ويجلون عن الحوض يوم القيامة على ما فى احاديث فى الصحيحين ومن طرق الخاصة ولا وجه لارتدادهم وعدم نجاتهم يوم القيامة وحكم الله تعالى انهم ليسوا من امتك كما فى الاحاديث الا عدو لهم عن الامامة الحقة لان الكبائر مشفوع فيها بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا وجه لايجاب العدول عنها ذلك الا انها من الاصول ، ولان خواص النبوة من دعوة الخلق الى الحق ونشر احكام دين الله عز وجل بين العباد ثابتة للامامة ، ولان اطاعة الامام وولايته عدل اطاعة الله عز وجل واطاعة رسوله صلوات الله عليه وآله وولايته وولاية رسوله كما نطق به التنزيل.

٦٧٣

وبالجملة لو كانت هذه المسألة من الفروع لما وقع هذا التشاجر والتنازع والتحارب والتلاعن بين الطرفين ولما حكم بعض اهل السنة باباحة قتل الشيعة ولما وقع عملهم بذلك وتحريك عوامهم وامرائهم على قتل علماء الشيعة وصلحائهم وعلى اثارة الفتن والافساد من اوّل الامر الى اليوم على ما هو مسطور فى التواريخ وكتب الوقائع ، بل كانت كالفروع المهمة من الحج والصلاة واجزائهما وشرائطهما كافيا فيها ظن المجتهد او تقليد الغير ولم يكن سبيل الى تخطئة المجتهد الّذي ظن او قال فيها شيئا على خلاف ما قال الآخر فضلا عن تكفيره والحكم باباحة قتله ، هذا كله على ان بعضا منهم صرح بانها من الاصول.

قال القاضى السعيد الشهيد التسترى فى احقاق الحق : قد صرح القاضى البيضاوى فى مبحث الاخبار من كتاب المنهاج وجمع من شارحى كلامه بان مسألة الامامة من اعظم مسائل اصول الدين الّذي مخالفته توجب الكفر والبدعة ، وقال الاسروشنى من الحنفية فى كتابه المشهور بينهم بفصول الاسروشنى بتكفير من لا يقول بامامة ابى بكر ، انتهى.

فليس بالمكان قول بعض ارباب التأليف منهم بانها من المسائل الفرعية واسناد ذلك الى اهل السنة والاشاعرة كصاحب المواقف والفضل بن روزبهان.

ثم ان معنى كونها من الاصول هو وجوب الاعتقاد بامامة احد فى كل عصر يرضى الله تعالى بوصايته وخلافته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فى جميع ما كان للنبى الا النبوة ولاية فيه على العباد ، وهؤلاء لا يمكنهم هذا الاعتقاد فى احد من خلفائهم ، ومعنى كونها من الفروع هو وجوب نصب احد للرئاسة على الامة والزعامة فيهم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا الوجوب عند القائل به كفائى تخييرى لان اختيار فرقة بل احد احدا يكفى من اختيار الباقين ونصب كل احد يقوم مقام نصب آخر ، فاذ قيل لهم : لم اخترتم هذا دون ذاك ولم عزلتم سائر المسلمين عن ذلك فالجواب كان ينتهى الى اثارة الفتن الموجبة لهدم اساس الشريعة ومحو آثاره الّذي لم يكن يرضى به الله عز وجل

٦٧٤

ورسوله ووصى رسوله صلوات الله عليه وآله ولذلك قعد الوصى عن حقه ، واذ قيل للغابرين : لم اتبعتم ذلك قالوا : كذلك فعلت السالفة وهذا صريح فى تقليدهم اياهم وان ابوا عن الاعتراف به ، واذ قيل لهم : لم وضعتم عقيدتكم على اساس فعالهم قالوا : هل يتصور فى اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الاتفاق على الباطل ، والمطلع المصنف قد علم ان الاتفاق لم يتحقق ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد كان ينص على ان جماعة منهم يرتدون على اعقابهم ولا يرونه يوم القيامة ويجلون عن حوضه ويقول : يا رب اصحابى فيقول الله تعالى : هل شعرت ما عملوا واحدثوا بعدك.

والعاقل يكفيه التأمل فى ان الامر لو كان كما يقولون لم يكن لله على الناس حجة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لان الامر موكول على زعمهم الى الامة وليس بعض منهم حجة على بعض ، وكان لكل احد ان يأخذ بالقرآن ويذهب سبيله بحسب فهمه ورأيه واجتهاده وعقله او يقلد من يهواه من اهل العلم ، ولم يكن من فرق الامة هالكة مع ان النص والاجماع دالان على ان فرقة منهم ناجية والباقية هالكة ، ولم يكن لله تعالى ان يقول يوم القيامة لعبده : لم اخذت هذا المذهب وتركت ذلك المذهب لان العبد يجيب ويقول : يا رب انك لم تنصب لعبادك بعد نبيك طريقا وعلما ، بل كان بينهم كتابك وانى رأيت ان كلا منهم يجرى على كتابك بحسب فهمه وعقله وانى جريت عليه كذلك لان عقلى حجة عليّ دون عقل غيرى فيحج الله عز وجل ويخصمه تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ولله الحجة البالغة على الناس.

هذا مع ان النصوص الجلية المتواترة الكثيرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على خلافة امير المؤمنين عليه‌السلام وإمامته كما يأتى بعضها فى الكتاب لا تبقى مجالا لهذه المباحث.

ثم السر فى انحراف من انحرف عن الطريقة وعدل عمن نصبه الله تعالى علما للامة عدم قدرهم للدين حق قدره فرضوا بان يكون زمامه بيد كل جاهل وفاجر ، بل ما قدروا الله حق قدره فحسبوه جسما فى ذاته او مركبا فى حقيقته بصفاته او ظالما فى افعاله بعباده او مرئيا فى جهاته او عاجزا على ما اقدر عباده عليه او عابثا فى ارادته

٦٧٥

لما لديه ، ولا رسوله حق قدره ولا مكانته فى رسالته فضربوا له الامثال بالسهو والغفلة والعصيان وعدهم اياه واحدا من الناس فى ظاهره وباطنه الا انه نزل عليه كلام الله واجتهد فيه بحسب ادراكه كما كان لغيره من اصحابه وافراد امته ان يجتهد فيه وان كان على خلاف ما نطق به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما صرحوا به فى كتبهم من ان بعض الاصحاب فى موارد خلافهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واعتراضهم عليه كان يجتهد ويرى ذلك وكان تلك الخلافات والاعتراضات امورا اجتهادية كان غرضهم منها اقامة مراسم الشرع وادامة مناهج الدين ، فتبا وبعدا وسحقا لامة ترى ان اقامة مراسم الشرع وادامة مناهج الدين فى الخلاف والاعتراض على نبيها على حسب الاجتهاد والرأي.

المسألة الاولى

( فى ان نصب الامام واجب على الله تعالى )

قول الشارح : اختلف الناس هنا الخ ـ ضبط الاقوال ان يقال : ان نصب الامام واجب أم لا ، والثانى مذهب النجدات من الخوارج لعنهم الله اصحاب نجدة بن عامر الحنفى ، ومذهب الاصم المعتزلى عند الأمن واما عند ظهور الفتن فواجب ، ومذهب الغوطى عند ظهور الفتن واما عند الأمن فواجب على عكس ما قال الاصم على ما فى المقالات والملل والنحل وشرح القوشجى والاربعين.

واما القول بوجوب نصب الامام فيتصور أربعة : الوجوب على الله تعالى او على الناس وعلى كل من التقديرين سمعا او عقلا.

فالقائلون بالوجوب على الله تعالى عقلا هم الامامية والاسماعيلية ، ولكنهم قالوا بذلك لذهابهم الى ان النظر غير كاف فى حصول المعارف ، بل لا بد من معونة من معلم إلهى نبى او وصى نبى ، فوجب على الله ان لا يخلى العالم عن امام يرشد الخلق الى

٦٧٦

معرفته وسائر المعارف ، وكلامهم هذا حق بل يرجع الى قاعدة اللطف ، ولكن قولهم : ان النظر غير كاف مطلقا ليس بحق لان البديهة تشهد بان النظر كاف فى كثير من المسائل ، وقد مر تفصيل مبناهم هذا فى المسألة الثانية والعشرين فى مبحث العلم من مباحث الاعراض ، والامامية وان ذهب بعضهم الى مبنى الاسماعيلية كالصدوق فى التوحيد باب انه عز وجل لا يعرف الا به ، بل يظهر ذلك من الاخباريين ، لكنهم استدلوا على المطلوب هنا بناء على قاعدة اللطف بما ذكره المصنف رحمه‌الله من ان نصب الامام لطف وكل لطف واجب على الله تعالى.

اما الصغرى فمعلوم ان الامام كالنبى لطف بكلا المعنيين المذكورين فى مبحث اللطف من تحصيل الغرض ومن التقريب الى الطاعة والتبعيد عن المعصية ، بل الثانى جزء من الاول فان غرضه تعالى من ايجاد الخلق استحقاقهم لرحمته ودخول دار كرامته والبقاء ببقائه فى مقام السرور والابتهاج ومكان التنعم الدائم من دون نفاد ، وانه تعالى اراد لهم ذلك بتكامل نفوسهم فى العلم والعمل فى دار الابتلاء وقرار البلاء ، وهذا التكامل لا يتأتى لهم الا بكامل بينهم يرجعون إليه فى شبهاتهم وجهالاتهم ، ويرفعون إليه مخاصماتهم ، ويمتنعون به عن التغالب والتهاوش والتعادى ، ويأمرهم بالمعروف والعدل والاحسان ، وينهاهم عن المعاصى والمنكرات ، ويبعثهم على التناصف والتعادل ، ويبين لهم المجملات ، ويؤول لهم المتشابهات ، ويلقى إليهم المعارف وعلوم الاحكام ، ويعظهم بالمواعظ البالغة ، ويرقيهم الى المدارج العالية ، ويسلك بهم سبيل التوحيد والعبودية ، ويهديهم فى امورهم الى المصالح الدنيوية والاخروية ، وكتاب الله تعالى لا يكفيهم فى ذلك الا مع الّذي عنده علم الكتاب كما بين ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : انى تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا كتاب الله وعترتى اهل بيتى لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، والّذي عنده علم الكتاب لا يعرف الا بتعريفه تعالى وتبيينه فوجب عليه تعالى ذلك لئلا يلزم نقض الغرض ، ولقوله تعالى : ( إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى ) ، والكبرى قد مر فى مبحث اللطف انه بمعنى المحصل

٦٧٧

للغرض واجب كليا وان لم يكن بالمعنى الآخر كذلك لكنه جزء من المعنى الاول كما قلنا.

واما القول بوجوب نصب الامام على الله تعالى سمعا فقط فمن يعزل حكم العقل هنا طعنا فى قاعدة اللطف ان كان فلا بد له ان يتمسك بالأدلّة السمعية فان من الآيات ما استدل به على ذلك كقوله تعالى : ( إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى ) ، وقوله تعالى : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ، وقوله تعالى : ( قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) ، وقوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ، ومن الاحاديث ما هو صريح فى ذلك وعلى الطالب ان يراجع مظان تفاصيلها.

واما القائلون بوجوب نصب الامام على العباد عقلا فهم ابو الحسين البصرى والبغداديون من المعتزلة والجاحظ وابو الحسين الخياط وابو القاسم الكعبى من قدماء الاعتزال كما فى الاربعين للرازى ، وهذا أيضا مذهب الزيدية لانهم رأوا الامامة فى ولد الحسن او الحسين عليهما‌السلام بالشورى ، واستدل هؤلاء على ما نقله الرازى فى الاربعين بان نصب هذا الرئيس يتضمن دفع الضرر عن النفس ودفع الضرر عن النفس واجب عقلا فنصب الامام واجب عقلا.

اقول : ان القائلين بالوجوب السمعى على العباد أيضا استدلوا بهذا الدليل بعينه ، وعن قريب سنذكره والكلام عليه إن شاء الله عز وجل.

ثم ان تعجب فعجب مذهب المعتزلة هذا حيث التزموا فى كل مسألة بوجوب الالطاف على الله تعالى على مقتضى قواعدهم حتى وصلوا الى هذا المقام فنكصوا على الاعقاب وقالوا بعدم وجوب نصب الامام عليه تعالى مع عدم الشبهة فى كونه لطفا كالنبى وانت عرفت فى مبحث اللطف انه بمعنى المحصل للغرض واجب كليا ، وهم معترفون

٦٧٨

مثبتون للكلية فى ذلك المبحث ، ولعمرك ان هو الاسرّ الشقاوة الموجبة للانحراف عن باب الولاية ومدينة العلم والحكمة.

واما القائلون بوجوب نصب الامام على العباد سمعا فهم اصحاب الحديث والاشاعرة والجبائيان من المعتزلة بل غيرهما الا من عددناه فى القول السابق ، وهم استدلوا على مذهبهم بامور :

الاول الاجماع ، قال القوشجى فى شرحه : تمسك اهل السنة بوجوه ، الاول وهو العمدة اجماع الصحابة حتى جعلوا ذلك اهم الواجبات واشتغلوا به عن دفن الرسول ص.

اقول : لم يقم اجماع على ان نصب الامام واجب على العباد ، والا فمن اين هذه الاختلافات فى هذه المسألة حتى ذهب كثير من غير الشيعة الى عدم الوجوب اصلا ، بل الاجماع المدعى من الخصم المذكور فى كتبهم انما هو على اختيار ابى بكر ، وذلك غير المسألة المبحوث عنها ، مع انه لم يقع فيه أيضا من المسلمين اجماع ولا من الصحابة قطعا على ما بين فى محله.

الثانى ان نصب الامام مقدمة للواجب ومقدمة الواجب واجب ، اما الكبرى فظاهرة مسلمة ، واما الصغرى فلان الشارع امر باقامة الحدود وسد الثغور وتجهيز الجيوش للجهاد وكثير من الامور المتعلقة بحفظ النظام وحماية بيضة الاسلام.

اقول : ان وجوب المقدمة عقلى لا سمعى ، فيثبت بهذا الدليل ان تم وجوب نصب الامام عقلا لا سمعا ، مع ان وجوب المقدمة عام حتى فى حقه تعالى فانه تعالى اذا اراد شيئا لا يمكن ان يوجد الا بامر آخر فلا بد ان يريد ذلك الامر أيضا ، فاذا كان نصب الامام مقدمة لبقاء الدين ونظام امر المسلمين فعليه تعالى ان ينصبه لانه تعالى يريد بقاء الدين بحكمته كما يريده المسلمون باذنه وامره.

الثالث ما ذكره الرازى فى الاربعين من ان نصب الامام يتضمن اندفاع ضرر لا يندفع الا بنصبه ودفع الضرر عن النفس واجب بقدر الامكان ، وهذا يقتضي ان يجب على العقلاء ان ينصبوا لانفسهم إماما ، اما بيان المقام الاول فانا نرى ان البلد اذا حصل

٦٧٩

فيه رئيس قاهر مهيب سائس يأمرهم بالافعال الجميلة ويزجرهم عن القبائح كان حال البلد فى البعد عن التشويش والفساد والقرب من الانتظام والصلاح اتم مما اذا لم يكن مثل هذا الرئيس كائنا فيهم والعلم به ضرورى بعد استقراء العادات فثبت ان نصب الرئيس يقتضي اندفاع انواع من المضار لا تندفع الا بنصبه واذا كان كذلك كان نصب هذا الرئيس دفعا للضرر عن النفس ، واما ان دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الامكان فهذا متفق عليه بين العقلاء ، اما عند من يقول بالحسن والقبح العقليين فانه يقول : وجوب هذا معلوم فى بداهة العقول ، واما عند من ينكر ذلك فانه يقول : وجوب هذا ثابت باجماع الأنبياء والرسل وباتفاق جميع الامم والاديان ، انتهى ما ذكره بعين عبارته ، وغيره كالقوشجى اتى بهذا الدليل فى شرحه الا انه زاد فى الصغرى على دفع المضار جلب المنافع.

اقول : انظر ايها العاقل المنصف كيف قرر فى الصغرى ما قرره الامامية فى صغرى دليلهم من كون نصب الامام لطفا ، لكنهم يقولون : ان الله عز وجل اوجب على نفسه نظرا الى حكمته وعلمه وخبره ببواطن خلقه ورأفته وحنانه بعباده ان يقيم لهم من يقوم به جلب المصالح والمنافع ودفع المضار والمفاسد الدنيوية منها والاخروية قضاء لما اراد من خلق الخلائق ، وهؤلاء يقولون : لا بأس بان يهمل الله تعالى عباده ويتركهم مع اختلافاتهم وتخالف اهوائهم سدى ويكل هذا الامر الخطير الى انفسهم مع غلبة شهواتهم وكثرة شبهاتهم وجهالاتهم ، وانى للخلق بمعرفة الامام الناصح الّذي لا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحب ولم يكن ما يفسده اكثر مما يصلحه ، وكيف يعرف وقوع اختيارهم على من يطمئن القلب بامامته ويكون خيرا للامة فى دينهم ودنياهم تاركا للدنيا لاجل آخرته ، وانظر الى احوال كل واحد من الخلفاء الاموية والعباسية ومن بعدهم من رؤساء المسلمين ، بل انظر الى الاول والثانى وما نقل وقوعه منهما فى التواريخ والسير الّذي يأتى فى الكتاب ذكر بعضه.

واذكر الحديث الّذي رواه فى المجلد السابع من البحار باب ان الامامة لا تكون الا بالنص عن الاحتجاج عن سعد بن عبد الله القمى ، قال : سألت القائم عليه‌السلام

٦٨٠