توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

نطحت عنزان ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اتدرون فيما انتطحا ، قالوا لا ندرى ، قال : لكن الله يدرى وسيقضى بينهما.

ومنها ما رواه المجلسى رحمه‌الله سبحانه فى البحار باب محاسبة العباد وباب التوبة عن محاسن البرقى : ابى رفعه قال : ان امير المؤمنين عليه‌السلام صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ، ثم قال : ايها الناس ان الذنوب ثلاثة ، ثم امسك ، فقال له حبة العرنى : يا امير المؤمنين فسرها لى ، فقال : ما ذكرتها إلا وأنا اريد ان افسرها ، ولكنه عرض لى بهر حال بينى وبين الكلام ، نعم ، الذنوب ثلاثة : فذنب مغفور وذنب غير مغفور وذنب نرجو ونخاف عليه ، قيل : يا امير المؤمنين فبينها لنا ، قال : نعم ، اما الذنب المغفور فعبد عاقبه الله تعالى على ذنبه فى الدنيا فالله احكم واكرم ان يعاقب عبده مرتين ، واما الّذي لا يغفر فظلم العباد بعضهم لبعض ، ان الله تبارك وتعالى اذا برز لخلقه اقسم قسما على نفسه فقال : وعزتى وجلالى لا يجوزنى ظلم ظالم ولو كف بكف ولو مسحة بكف ونطحة ما بين الشاة القرناء الى الشاة الجماء ، فيقتص الله للعباد بعضهم من بعض حتى لا يبقى لاحد عند احد مظلمة ، ثم يبعثهم الله الى الحساب ، واما الذنب الثالث فذنب ستره الله على عبده ورزقه التوبة فاصبح خاشعا من ذنبه راجيا لربه ، فنحن له كما هو لنفسه ، نرجو له الرحمة ونخاف عليه العقاب.

ومنها ما فى البحار باب محاسبة العباد عن تفسير العسكرى عليه‌السلام عند ذكر معجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكلام الذئب مع الراعى ، قال الذئب : ولكن الشقى كل الشقى من يشاهد آيات محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فى اخيه على عليه‌السلام وما يؤديه عن الله من فضائله ثم هو مع ذلك يخالفه ويظلمه وسوف يقتلونه باطلا ويقتلون ذريته ويسبون حريمهم ، لا جرم ان الله قد جعلنا معاشر الذئاب ـ انا ونظرائى من المؤمنين ـ نمزقهم فى النيران يوم فصل القضاء وجعل فى تعذيبهم شهواتنا وفى شدائد آلامهم لذاتنا.

ثم قال المجلسى رحمه‌الله : اقول : الاخبار الدالة على حشر الحيوانات عموما وخصوصا وكون بعضها مما يكون فى الجنة كثيرة سيأتى بعضها فى باب الجنة وقد مر

٦٢١

بعضها فى باب الركبان يوم القيامة وغيره كقولهم عليهم‌السلام فى مانع الزكاة : تنهشه كل ذات ناب بنابها ويطؤه كل ذات ظلف بظلفها ، وروى الصدوق فى الفقيه باسناده عن السكونى باسناده ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ابصر ناقة معقولة وعليها جهازها فقال : اين صاحبها ، مروه فليستعد غدا للخصومة ، وروى فيه أيضا عن الصادق عليه‌السلام انه قال : اى بعير حج عليه ثلاث سنين يجعل من نعم الجنة ، وروى سبع سنين ، وقد روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استفرحوا ضحاياكم فانها مطاياكم على الصراط ، وروى ان خيول الغزاة فى الدنيا خيولهم فى الجنة ، انتهى ، وتلخص من جميع ذلك ان حشر الحيوانات فى الجملة ثابت.

قول الشارح : فلا يجب اعادتهم فى الآخرة ـ اى لا يجب اعادة بعض الحيوانات فى الآخرة نظرا الى دليل المتكلمين من وجوب الانتصاف والعوض لانهما يمكن حصولهما فى الدنيا لها ، وذلك لا ينافى ثبوت حشر الحيوانات فى الجملة نظرا الى الآيات والاخبار.

قول المصنف : ولا يتعين منافعه ـ فى سائر الشروح : ولا يتعين منافع ، وهذا اصح ، وعلى اى فالمراد واضح ، وهو ان العوض لا يجب ان يكون منفعة معينة بخلاف الثواب.

اقول : الكلام هاهنا فى مقامات ثلاثة :

الاول ما حكم العوض اذا كان اسقاطا للعقاب ودفعا للضرر لا نفعا كما فى عوض الكافر ، فالحق فيه ان الجزء الساقط من عذابه من سنخ عذابه اذ لا يتصور غير ذلك.

الثانى ما الدليل على عدم وجوب كون العوض منفعة معينة ، وهو كما بينه الشارح ان العوض لا يجب ان يشعر صاحبه بانه عوض كما مر وما كان كذلك لا يجب ان يكون نفعا معينا.

الثالث ما مناط تعيّن الثواب ، وظاهر الشارح هنا والقوشجى انه يجب ان يكون من جنس ما الفه المكلف واحبه من ملاذ الدنيا لانه فى الدنيا رغب فى تحمل المشاق

٦٢٢

بترك المحرمات واتيان الواجبات رجاء ان يصل فى الآخرة الى امثال ما احبه والفه فى الدنيا من الملاذّ ، وإليه اشير فى قوله سبحانه : ( كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً ) ، ولو اعطى فى الآخرة ثوابا غيرها احبه واشتهاه لكان مغرورا بالوعد مغبونا بالعمل.

اقول : فى هذا الكلام وجوه من النظر : الاول ان وجوب العلم بكون شيء فى الجنة ثوابا دون العوض لا يستلزم كونه من جنس المألوف فى الدنيا ، والثانى ان العوض أيضا ان كان من غير جنس ما الفه اشتهاه لكان المعوض مظلوما لانه صبر على الآلام كما تحمل مشاق التكليف رجاء وصوله الى مألوفه ومحبوبه فى الآخرة ، والثالث ان الثواب لو لم يكن من جنس المألوف فى الدنيا بل كان ألذّ واشهى منه بمراتب كان اولى ولا يتصور غبن ولا غرور ، والرابع ان ملاذ الجنة ونعيمها لا تقاس بملاذ الدنيا ونعيمها ولا دليل على انها من جنسها ، والآيات الشاملة على الفواكه والحور وغيرها لا تدل على ازيد من الاشتراك فى المفهوم وان اهل الجنة يلتذون بها ويبتهجون منها ، واما بحسب الحقيقة فلا دليل على الاتحاد فيها ، بل الآيات والاخبار الكثيرة الناطقة بانتفاء خواص اشياء الدنيا عنها من الكدورات والكثافات والتبعات والاحتياج فى حدوثها الى مقدمات دالة على اختلافها معها فى الحقيقة ، والخامس ان العقلاء يتحملون المشاق رجاء ما وعدهم الآمر بالتحمل من المنافع والفوائد مع عدم علمهم بجنسها وكمها وكيفها ان كانوا معتقدين بصدق الواعد وكثرة عطائه وعلو كرمه كما اشير إليه بقوله تعالى : ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ).

وقال الطبرسى فى مجمع البيان ذيل الآية : وقد ورد فى الصحيح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : ان الله يقول اعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، بله ما اطلعتكم عليه ، اقرءوا ان شئتم : فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة اعين ، رواه البخارى ومسلم جميعا ، انتهى ، واما قوله تعالى : ( كُلَّما رُزِقُوا ) الخ فمن المتشابه ، فسّرت بتفاسير مختلفة مذكورة فى كتبها.

٦٢٣

وروى المجلسى رحمه‌الله فى البحار باب الجنة عن تفسير الامام عليه‌السلام ذيل قوله تعالى : ( كُلَّما رُزِقُوا ) الخ : فاسماؤه كأسماء ما فى الدنيا من تفاح وسفر جل ورمان وكذا وكذا ، وان كان ما هناك مخالفا لما فى الدنيا فانه فى غاية الطيب ، وانه لا يستحيل الى ما يستحيل إليه ثمار الدنيا من عذرة وسائر المكروهات من صفراء وسوداء ودم ، بل لا يتولد عن مأكولهم الا العرق الّذي يجرى من اعراضهم اطيب من رائحة المسك.

ان قلت : روى فى البحار باب الجنة عن تفسير القمى رحمه‌الله ذيل قوله تعالى وزرابى مبثوثة قال : كل شيء خلقه الله فى الجنة له مثال فى الدنيا الا الزرابى فانه لا يدرى ما هى ، قلت : ان المماثلة فى الاصطلاح هى الاتحاد فى الحقيقة ، واما فى العرف فاعم من ذلك ، فالحق ان الموعود ثوابا هو الجنة وهو فوق ما يتمناه الانسان وليس من جنس ما الفه فى الدنيا وان سمى باسمائه.

قول الشارح : واحتج القاضى الخ ـ عدم القدرة على الاستيفاء والمطالبة وعدم عرفان المقدار والجنس لا ينافى القدرة على الاسقاط.

قول الشارح : وفى هبته نفع الخ ـ اشارة الى شرطين لصحة اسقاط الحق : انتفاع المسقط له بالاسقاط وان كان دفع ضر عنه والا كان الاسقاط لغوا عبثا ، وامكان انتقال الحق من ذيه إليه والالم يتحقق الاسقاط بانشائه.

قول الشارح : اذا علم دينه الخ ـ بفتح الدال اى حقه وملكه ، وان بالفتح عطف عليه ، وآثر بصيغة الماضى من الايثار اى الاختيار عطف على علم ، فاذا تمت هذه الثلاثة تم المقتضى للاسقاط ، وحاصل كلام الشارح ان المقتضى للاسقاط فيما نحن فيه موجود والمانع الشرعى وكذا العقلى مفقود ، وشرطه متحقق ، فالعوض ان كان على المخلوق صح اسقاطه.

اقول : الآيات والاخبار الكثيرة دالة على حسن العفو والصفح عن الظالم والترغيب عليه لا سيما اذا كان مؤمنا قريبا ، بل فى الاحاديث ما يدل على ان الله تعالى يدعو عباده يوم القيامة الى التتارك والتعافى ويعدهم على ذلك بالتفضل والانعام ،

٦٢٤

فالاسقاط حسن شرعا وعقلا وكل ما هو حسن صحيح اذا جمع الشروط ، ويحتمل ان يكون مراد المصنف : انه لا يصح ان يسقط الله سبحانه العوض عن الظالم من دون الرضا ممن له العوض اى المظلوم لان الانتصاف واجب.

قول الشارح : لانتفاء الضرر عنه ـ اى عن صاحب الحق فى اختيار هذا الاحسان وهذا تعليل للايثار ، وهو غير تام لان الانسان ربما يؤثر الاحسان بهذا الوجه او بغيره وان كان فيه ضرره ، فالاحسان باسقاط الحق او بغيره معقول صحيح وان كان فيه ضرره فلا يشترط بانتفاء الضرر ، نعم يشترط بانتفاء الضرر اذا كان معه منع شرعى كما عند السفه ، ويمكن ارجاع الضمير المجرور الى من عليه العوض ، فالكلام اشارة الى شرط آخر لصحة الاسقاط وهو ان لا يكون ضررا عليه ، بل يكون احسانا إليه.

قول الشارح : وعلى هذا لو كان العوض الخ ـ اى لو كان العوض حقا لمظلوم على ظالم امكن المظلوم ان يجعله هبة مستحقة لغير الظالم من العباد كما امكنه ان يجعله هبة للظالم نفسه.

قول الشارح : فلا يصح نقله الخ ـ اى فلا يصح نقله الى الغير لانه لا يستحق المدح على ما عمله صاحب الثواب ، بل مدح احد وتعظيمه على عمل الغير قبيح ، وقد مران الثواب لا بد من اشتماله على المدح والتعظيم.

قول الشارح : كانه لم يفعل ـ اى كانه تعالى لم يفعل الالم بمن يعطيه العوض فينتفى عنوان الظلم.

قول الشارح : ولا يخرج ما فعلناه الخ ـ اى لا يجب ان يخرج ما فعلناه عن كونه ظلما ، بل الواجب اداء الحق سواء بقى عنوان الظلم أم لا ، ولذلك يجب علينا التوبة أيضا.

المسألة الخامسة عشرة

( فى الآجال )

قول المصنف : واجل الحيوان الوقت الخ ـ يطلق الاجل على مدة الشيء

٦٢٥

كقوله تعالى : ( فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ ) ، وعلى نهاية مدة الشيء كقوله تعالى : ( فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ ) ، والمبحوث عنه هنا المعنى الثانى للحيوان.

ثم انه انما قال : الوقت الّذي علم الله تعالى الخ ، ولم يقل الوقت الّذي تبطل حياته فيه للاشارة الى ان لكل حادث كالاجل وغيره صورة علمية عند الله تعالى ، وواقعة فى الوجود ، وهما متوافقتان دائما لان الواقع لا يتخلف عما علمه تعالى وان لم يكن العلم مؤثرا تاما فى ذلك ، وصورة تقديرية عند عمال الملكوت باذنه تعالى واعلامه ، والواقع قد يتخلف عن هذه لان الله تعالى يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب ومن هذا ينشأ كون الاجل اجلين : احدهما ما عند الله تعالى والثانى ما فى لوح التقدير ، قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ ) ، فما عند الله هو الواقع بتّا باسبابه الكاملة ، وما قضاه فى لوح التقدير قد تتم اسبابه فيوافق ذلك او لا تتم فيتخلف ، وهو تعالى مع علمه بذلك ازلا لسر سلطان الربوبية لا يطلعهم على ان اسباب هذا المقضى تتم أو لا ، فرب مقدر فى اللوح لا تتم اسبابه وهو تعالى يعلم وهم لا يعلمونه فيمحى فلا يقع ، ويقال عند ذاك : بدا لله سبحانه ، فالاجل لكل نفس بحسب ما فى علم الله والواقع ليس الا واحدا وتعدده باعتبار ما قلنا ، هكذا يستفاد من كلمات اهل بيت النبوة سلام الله عليهم ، واما المخالفون فقد تحيروا فى امر البداء وتفسير الاجل وتعيين الاجلين ، فملئوا زبرهم وتفاسيرهم مما لا يسمن ولا يغنى من جوع ومن الطعن علينا فى مذهب البداء ، وهو عليهم عمى اولئك ينادون من مكان بعيد ، وقد اوردنا الكلام فى البداء فى التذييل لتوحيد الصدوق ، فحاصل مراد المصنف ان الاجل واحد وليس هو الوقت المقدر المعلوم المضروب عند عمال الملكوت لانه قد يتغير بل الّذي فى علمه تعالى ، وان اطلق عليه الاجل أيضا.

قول الشارح : وجاز ان يكون موت الخ ـ وأيضا الموت الم فينبغى البحث عن وجه حسنه ، وهو كونه من مقدمات الوصول الى الغاية القصوى الانسانية.

قول الشارح : ونعنى بالوقت الخ ـ اعلم ان الوقت هو الزمان ، لكن الزمان يؤخذ لا بشرط بمعنى عدم اعتبار اضافته الى حادث أو لا اضافته إليه ، واما

٦٢٦

الوقت فيؤخذ باعتبار الاضافة الى حادث ، فيقال : وقت الصلاة وقت طلوع الشمس ، ثم الحادث اما حادث فى الزمان باق فى امتداده كالصلاة ووجود زيد والحركة من نقطة الى نقطة واما حادث فى الآن وطرف الزمان كطلوع الشمس ووصول المتحرك الى نقطة المنتهى ، والوقت يطلق على ظرف القسمين ، فالوقت اعم من الزمان لانه يطلق على الزمان المنقسم وعلى الآن الّذي هو طرف الزمان ولا ينقسم ، ومراد الشارح بالحادث ظرف القسم الاول من الحادثات ، ومراده بما يقدر تقدير الحادث ظرف القسم الثانى من الحادثات اى الحادثات فى الآن ، ومعنى قوله : يقدر تقدير الحادث اى يقال للحادث فى الآن : الموجود الزمانى بمعنى انه ليس بخارج عن الزمان كالمجردات وان لم يكن موجودا فى الزمان بل فى طرفه ، والمثالان فى كلامه من القسم الثانى اى الواقع فى الآن.

قول الشارح : فاجل الحيوان هو الوقت الخ ـ اى هو الآن الّذي علم الله تعالى ذلك فيه.

قول الشارح : واجل الدين هو الوقت الخ ـ اى هو الزمان الّذي جعلاه محلا لادائه فان اداء الدين وان كان بالدقة العقلية يقع فى الآن ، لكن الغريمين يضربان له زمانا كيوم كذا وليلة كذا.

قول المصنف : والمقتول يجوز الخ ـ اى لو لا القتل ، وذلك لان القتل اخص من الموت لانه يقع بالقتل وبغيره ، وانتفاء الاخص لا يستلزم انتفاء الاعم ولا ثبوته فهو على امكانه يكون باقيا.

قول الشارح : من المعلوم منه ـ كلمة من موصولة.

قول الشارح : له اجلان ـ قد علمت آنفا ان الاجل فى علمه سبحانه وفى الواقع واحد سواء تحقق بالقتل أم بغيره وتعدده انما هو باعتبار البداء.

قول الشارح : بل تقديرى ـ اى ما كان يعيش إليه اجل للمقتول على تقدير ان لا يقتل وان لا يموت بسبب آخر ، بل يبقى الى حين ، واما ان قتل او مات بسبب آخر مكان القتل فهو اجله ليس له اجل آخر.

٦٢٧

قول الشارح : ولما وجب القود الخ ـ اى ولما وجب القصاص على القاتل لانه لم يفوت حياة المقتول ، اقول : هذا الاستدلال لو تم وليس كذلك فانما ينهض لابطال مذهب الموجبين لموته.

قول الشارح : ما تقدم ـ فى المسألة الرابعة عشرة فى العلم من مباحث الكيف وفى المسألة الخامسة من هذا الفصل من قوله : والعلم تابع.

قول الشارح : من ان العلم لا يؤثر فى المعلوم ـ اى لا يكون علة تامة لموت المقتول حين القتل حتى يجب موته بالعلم ولو لم يقتل لان العلم تابع اى له مطابقة للمعلوم ، واعترض على هذا الجواب بان الخصم تسلم ان العلم ليس موجبا لموته لو لم يقتل بل له موجب آخر مكان القتل ان مات ، لكن الموت بسبب آخر مكان القتل واجب لئلا يلزم خلاف ما علمه تعالى كما لو علم تعالى ان فلانا يزنى فى ساعة كذا ومكان كذا فالزنا واجب باسبابه لا بالعلم ، وما نحن فيه كذلك فانه تعالى علم موته فى وقت كذا فان لم يقع بالقتل فرضا وجب ان يقع بسبب آخر ، فهذا الجواب ينفعكم فى ابطال الجبر ولا ينفعكم هنا ، والجواب ان معلومه تعالى فيما نحن فيه انه يموت بالقتل وقد مات به لا الموت مطلقا ، واما الموت مطلقا فكما انه ممكن ان يقع وقت القتل لو لا القتل وان لا يقع امكن ان يكون معلوما له تعالى وقت القتل لولاه وان لا يكون معلوما له تعالى وقته لولاه بل يكون معلوما له تعالى فى وقت آخر ، فصحيح الاستدلال ان المقتول لو لم يمت بالقتل لزم خلاف معلوم الله تعالى ، لا انه لو لم يمت ولو بغير القتل لزم ذلك إذ لا سبيل لنا الى علمه تعالى ، بل كلما وقع امر نحكم بعد الوقوع انه كان فى علمه سبحانه كذلك.

قول الشارح : فبذبحه فوت الخ ـ فيكون عوضه على الذابح مساويا لما فوته عليه فليس محسنا إليه.

قول الشارح : اما الاول فليس بلطف الخ ـ ليس البحث فى الاجل بهذا المعنى ، مع انه لطف بمعنى المحصل للغرض ، وتقدم ذكر المعنيين للطف فى اوّل المسألة الثانية عشرة.

٦٢٨

المسألة السادسة عشرة

( فى الارزاق )

قول المصنف : والرزق ما صح الخ ـ اقول : الرزق تكوينى وهو ما ينتفع به المخلوق فى بقائه ، وتشريعى وهو ما فسره المصنف ، فان الحيوان كالفارة والهرة والغراب ينتفع بما فى مزارع الناس وبيوتهم وبساتينهم ولهم منعها مع انه رزق لها بلا شبهة وذلك لان الحيوان ليس له تشريع ، وكذا ما ينتفع به الغاصب بالغصب والسارق بالسرقة وامثالهما بوجه محرم فهو رزق له مع قطع النظر عن التشريع والتكليف وليس رزقا لهم نظرا إليه من حيث انهم ممنوعون عن الانتفاع به شرعا ، والى التكوينى اشير فى قوله تعالى : ( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها ) ، ولو فرض ان انسانا لا ينتفع فى عمره الا بالحرام لم يخرج عما على الله سبحانه رزقه ، والى التشريعى اشير بقوله تعالى : ( وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ ) ، فالنزاع بين الاشاعرة والمعتزلة يمكن ان يرجع الى اللفظ.

ثم البحث عن الرزق لانه فعل الله عز وجل وهذا الفصل منعقد لذلك ، ولانه لطف بمعنى المحصل لغرضه تعالى.

قول الشارح : الرزق عند المجبرة الخ ـ ليس الرزق منحصرا فيما اكل كما يأتى التصريح به فى كلامه ، ولا المجبرة حصروه فيه فقوله مثال ، نعم بعض الاشاعرة على ما نقل القوشجى والمجلسى رحمه‌الله فى البحار باب الارزاق عن البهائى رحمه‌الله خص الرزق بما تربى به الحيوان من الاغذية والأشربة ، لكنه ليس بشيء.

قول الشارح : لان للمالك منعها منه ـ اى لمالك الطعام سواء كان مالك البهيمة أيضا أم لا وسواء كانت مما يملك أم لا.

قول الشارح : والغاصب اذا استهلك الخ ـ مناط كون الشيء رزقا تكوينيا

٦٢٩

هو الاستهلاك والانتفاع بالفعل ، ومناط كونه تشريعيا امكان الانتفاع به بالتصرف الجائز شرعا ، والامثلة المنقولة من المعتزلة يظهر حالها من المناطين.

قول الشارح : وليس الرزق هو الملك الخ ـ بل بينهما عموم من وجه ، وهذا رد على ما ذهب إليه المعتزلة على ما نقل الاشعرى فى المقالات من انهم زعموا ان الله سبحانه انما رزق الخلق ما ملكه اياهم ، ومفاد هذا الكلام ان كل رزق ملك ، والحق هو العموم من وجه بينه وبين الرزق التكوينى ، واما التشريعى فكل ملك رزق لا العكس.

قول الشارح : فحينئذ الارزاق كلها الخ ـ اى فاذا كان التكوين والتشريع بيده تعالى فالارزاق كلها من قبله تعالى.

قول المصنف : والسعى فى تحصيله الخ ـ يمكن فرض كراهته أيضا كما اذا منع عن مندوب كحضور الجماعة والسعى فى حوائج الاخوان مع عدم الحاجة.

قول الشارح : قد يجب مع الحاجة الخ ـ اتى بقد لافادة التمثيل ، لا ان الحاجة مناط الوجوب وطلب التوسعة مناط الاستحباب والقناعة مناط الاباحة ومنع السعى عن الواجب مناط الحرمة.

المسألة السابعة عشرة

( فى الاسعار )

قول المصنف : اعتبار العادة ـ اى عادة الناس فى قيمة المتاع او عادة المتاع من حيث القيمة.

قول المصنف : واتحاد الوقت ـ ان من المتاع ما له وقت بحسب رغبة الناس إليه كالثلج والفحم او بحسب حصوله كالفواكه ، ومنه ما ليس له وقت خاص كاكثر

٦٣٠

اثاث البيوت والمعدنيات والحيوانات فما له وقت لا بد من اعتبار اتحاد الوقت بحسبه كالعام الماضى وهذا العام مثلا.

قول المصف : والمكان ـ اتحاد المكان ظاهر ، وهو البلد او ما فى حكمه سواء كان مكان المتاع او متجره.

قول المصف : وإلينا أيضا ـ خلافا للاشاعرة فانهم انما يسندون كل سعر إليه تعالى بناء على مذهبهم من استناد كل حادث إليه.

اقول : ان الاخبار الدالة على ان السعر انما هو الى الله عز وجل وانه تعالى وكل بالسعر ملكا لا تدل على مذهب الاشاعرة لان سياقها سياق سائر الكلمات الصادرة عن بيت الوحى من استناد الاشياء كلها إليه تعالى ، فلا ينافى ذلك وجود الاسباب الوسطية واستناد بعض الامور الى غيره.

قول الشارح : بان يحمل السلطان الخ ـ التسعير وهو حمل الحاكم او ظالم احدا على ان يبيع او يشترى متاعا بغير ما يرضاه حرام لانه تصرف فى حق الغير من دون رضاه ، والاخبار دالة عليه ، منها ما رواه الصدوق فى التوحيد باب الاسعار عن احمد بن زياد بن جعفر الهمدانى رضي‌الله‌عنه عن على بن ابراهيم بن هاشم عن ابيه عن غياث بن ابراهيم عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عليهم‌السلام قال : مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمحتكرين فامر بحكرتهم ان تخرج الى بطون الاسواق وحيث تنظر الابصار إليها ، فقيل يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو قوّمت عليهم ، فغضب عليه‌السلام حتى عرف الغضب فى وجهه ، وقال : انا اقوم عليهم؟! انما السعر الى الله عز وجل ، يرفعه اذا شاء ويخفضه اذا شاء ، وقيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو سعرت لنا سعرا فان الاسعار تزيد وتنقص ، فقال عليه‌السلام : ما كنت لا لقى الله عز وجل ببدعة لم يحدث لى فيها شيئا ، فدعوا عباد الله يأكل بعضهم من بعض.

٦٣١

المسألة الثامنة عشرة

( فى الاصلح )

قول المصنف : والاصلح قد يجب الخ ـ اعلم ان الله سبحانه لا بخل فى ساحة قدسه فما كان مورد الفيض اتاه ، فما لكل موجود من فيضه فهو الاصلح له ، ورعاية الاصلحية للموجود ذى الاختيار تكون بالتكوين والتشريع معا ، والممنوع انما منع لقصوره تكوينا او تقصيره اختيارا ، ولكن رعاية ذلك لا تكون بحسب مصالح الدنيا فقط ولا بحسب مصالح الشخص كما يظهر من بعض الكلمات ، بل الله تعالى يراعى مصالح عباده فى الدنيا والآخرة معا برحمته الواسعة على جميع الخلق ، فرب شيء لا يكون مصلحة لشخص فى دنياه بل فى آخرته ، أولا لنفسه بل لنوعه او لشخص آخر مع رعاية حقه وتدارك ما فات عليه.

ثم ان الاجماع منعقد من الامامية واخبارهم دالة على ان الله تعالى لا يفعل بعباده الا الاصلح لهم ، قال المفيد رحمه الله تعالى فى اوائل المقالات : ان الله تعالى لا يفعل بعباده ما داموا مكلفين الا اصلح الاشياء لهم فى دينهم ودنياهم ، وانه لا يدخرهم صلاحا ولا نفعا ، وان من اغناه فقد فعل به الاصلح فى التدبير وكذلك من افقره ومن اصحه ومن امرضه فالقول فيه كذلك.

قول الشارح : ليس بواجب على الله تعالى ـ هذا مذهب الاشاعرة أيضا لكن على مبناهم ، والشيخان من المعتزلة.

قول الشارح : فى حال دون حال ـ اى حال وجود الداعى وانتفاء الصارف ، لا حال تحقق الصارف كعدم شرط او قابلية او وجود مفسدة له او لغيره ، فالاصلح واجب ان امكن وقوعا لا ان امكن ذاتا ، ولا يبعد ان ينصرف اطلاق قول البلخى الى ما ذهب إليه ابو الحسين ، ولم يذكر قيده لوضوحه.

٦٣٢

قول الشارح : فى الزائد على ذلك القدر ـ اى على ذلك القدر من المال لزيد فى المثال المذكور آنفا.

قول الشارح : فان وجب ايجاده الخ ـ اى ايجاد ذلك الزائد لزم وجوب ايجاد ما لا نهاية له من الزوائد لانا نفرض انتقاء المفسدة وثبوت المصلحة فى كل زائد بعد زائد ولو فى مورد واحد ووجود ما لا نهاية له ممتنع.

والجواب اجمالا ان غير المتناهى الممتنع وجوده فى الخارج لا يتصور فيه الاصلح وغير الاصلح حتى يقال واجب ذلك فيه أم لا فالكلام فى الممكن ، واما تفصيلا فان كل ممكن بالنظر الى نفسه من حيث هو هو صالح له الوجود ، واما بالنظر الى غيره فقد يكون وجوده اصلح من عدمه وقد يكون عدمه اصلح من وجوده ، واختيار الاصلح من الطرفين واجب من القادر المختار الحكيم الغنى العالم وترك الاصلح قبيح ، ثم ان نوعا من الاصلح وان لم ينته الى حد نقول بوجوب ايجاده ولا يلزم منه محال لان ايجاد افراد غير متناهية على سبيل التعاقب واقعا فى زمن غير متناه كنعم الجنة التى لا تنقطع لاهلها ابدا ليس ممتنعا ، بل الممتنع حصول غير المتناهى من الافراد مجتمعة ، وهذا غير لازم ، فالحق ان الاصلح واجب وان كان كذلك.

ثم ان الاصلح كما قلنا لا يراعى بحسب امكانه الذاتى ولا بحسب مصالح الدنيا فقط ولا بحسب اشخاص العباد ولا بحسب ما نراه مصلحة ، ثم ان الدعاء لا ينافى وجوب الاصلح وليس سؤالا منه تعالى ان يغير ما هو الواجب عليه تعالى ، بل هو بشرائطه اصلح للعباد من تركه.

قول الشارح : وقال ابو الحسين الخ ـ توضيح كلام ابى الحسين ان ذلك القدر من المال لزيد فى المثال المذكور ان كان فى الزائد عليه الى غير النهاية مفسدة فوجوب ذلك القدر وقبح الزائد معلوم ، وان لم يكن فى ذلك الزائد مفسدة فوجوب اصل ذلك القدر غير معلوم وعلى هذا فانه تعالى قد يفعل ذلك القدر وقد لا يفعله لان الداعى حاصل لفعل ذلك القدر وذلك الزائد معا لان المفروض انتفاء المفسدة فيه فيجب من هذه الجهة ، وان فعلهما معا شاق على الله تعالى لان ايجاد غير المتناهى شاق والمشقة

٦٣٣

تجرى مجرى الصارف فيقبح من هذه الجهة ، فيصير إرادة الفاعل مترددة بين الجهتين اى الداعى الى فعل غير المتناهى والصارف عنه فلا يمكن الحكم بوجوب الفعل ولا وجوب الترك.

اقول : لا يخفى ما فى هذا الكلام من الخبط والشناعة لان التردد بين فعل غير المتناهى وتركه لا يستقيم دليلا على نفى وجوب اصل ذلك القدر المتناهى حتى يقال فانه تعالى قد يفعل ذلك القدر وقد لا يفعله ، وثانيا ان المشقة لا تتصور فى حقه تعالى بل الممتنع لا يقبل الوجود والممكنات جميعا على الاستواء فى جنب قدرته مع ان الممتنع لا يوصف بالشاق ، وثالثا ان الداعى الى الممتنع غير معقول ، ورابعا كيف يمكن تصور الترديد بين فعل الممتنع وتركه مع انه تعالى منزه عن الترديد فى ارادته ، فالحق فى الجواب ما بيناه ، ثم ان مثاله غير مناسب للمقام لانه كائنا ما كان متناه وكلامنا فى الزائد الى غير النهاية مع ان المشقة بنفسها لا تجرى مجرى الصارف لان الفاعل ان رأى المصلحة فى الفعل يتحمل مشقته والا فلا.

قول الشارح : فبحصوله الخ ـ اى فتجويز العدم بحصول الداعى فيما الخ ، وهذا من ذاك فان الفعل المنتفى بالاستحالة كيف يتصور فيه حصول الداعى مع علم الفاعل بها وكذا تجويز العدم فيه غير معقول.

قول الشارح : وللنفاة وجوه اخر ـ ذكرها القوشجى فى شرحه فراجع ، وبما ذكرنا يظهر الجواب عنها.

٦٣٤

المقصد الرابع

فى النبوة

٦٣٥

المسألة الاولى

( فى حسن البعثة )

قول المصنف : والبعثة حسنة الخ ـ اعلم ان الفطرة كما تشاهد الاله ووحدته على ما مر بيانه فى مسألة اثبات الصانع وتوحيده تطالب التعقل والهداية من ربه الى ما فى العالم من الحقائق والمعارف ، وتطالب أيضا بعد ما يرى الانسان لنفسه الاختيار فى حركاته وسكناته ان يبين له ربه ما يصلحه ويوجب سعادته وما يفسده ويوجب شقاوته بعد ما علم من نفسه عدم الاهتداء الى ذلك وحيرته فى المراحل ، والى هذا اشير فى الحديث : ان الله سبحانه بعث الأنبياء الى الناس ليعقلوا منه فان هذه الغاية من بعثة الأنبياء مطالبة الفطرة ، فالفطرة تنقبض وتحزن لو لم تر ما تطلبه من ربه حاضرا ميسور الوصول ، وتفرح وتنبسط اذا رأته كذلك ، والله تعالى لم يرد ذلك ولم يرض به لان الفطرة ذات منزلة عنده سبحانه اذ هى من حقيقة التوحيد على ما بينه اصحاب الوحى سلام الله عليهم ، فلذلك اكثروا التذكرة بان الارض لا تخلو من الحجة واوّل من وجد فى الدنيا حجة الله وآخر من فقد منها حجة الله ، فالفطرة ناطقة وبحقيقتها السليمة شاهدة على ان من الحسن الواجب عليه تعالى ان يكلم عباده ويبين لهم طريق الوصول الى بابه والتقرب بجنابه وان لا يتركهم سدى حيارى متخالفين لم يكن لهم ركن التوحيد والوحدة يلتجئون إليه وقد خلفهم لعبادته وذلك للوصول الى رحمته.

ثم ان بعضا من النفوس قابل لان ينزل عليه من الله تعالى ما ينزل من دون وساطة انسان آخر سواء كان جامعا لشرائط التبليغ الى بعض الناس او كلهم او لم يكن وبعضا منها غير قابل لذلك فلا بد له من وساطة حجة من الله عليه كما ورد التنبيه على ذلك فى الاحاديث.

ثم ان الانسان الطالب بفطرته بيان الحق تعالى المحب بالحقيقة للوقوف على

٦٣٦

ما ليس فى حيطة ادراكه من المعارف وما عند ربه من اخبار الحقائق اذا سمع مناديا ينادى للايمان ان آمنوا بربكم آمن بادنى وميض يدل على صدق مقاله وحقيّة دعواه كما نقل فى سبب ايمان سلمان وابى ذر رحمهما الله عز وجل.

وبهذا كله نطق منصور بن حازم فى محضر الصادق عليه‌السلام وقرره على ما ورد فى حديث رواه الكلينى رحمه‌الله فى الكافى باب الاضطرار الى الحجة عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى عنه قال : قلت لابى عبد الله عليه‌السلام : ان الله اجل واكرم من ان يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون بالله ، قال : صدقت ، قلت : ان من عرف ان له ربا فينبغى له ان يعرف ان لذلك الرب رضا وسخطا وانه لا يعرف رضاه وسخطه الا بوحى او رسول ، فمن لم يأته الوحى فقد ينبغى له ان يطلب الرسل فاذا لقيهم عرف انهم الحجة وان لهم الطاعة المفترضة ، الخ.

والمنكرون انما انحرفوا عن الطريقة بالهوى وكدورة فطرتهم بظلمات الشهوات وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا ، فالاستدلال على حسن البعثة ووجوبها تاكيد وتفصيل لما تحكم به الفطرة ، وقلّما ينفع من تلوثت نفسه بالشهوات وانغمر قلبه فى حب اللذات الفانيات الا من ادركته العناية الربانية وخلصته من اسر الهوى والاخلاد الى هذه الارض الدنية ، ولكن وظيفة التبليغ والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتى هى احسن لا ترتفع ابدا عن اهله ، وذلك معذرة الى الله او لعلهم يرجعون فان القلوب بيد الله والمصير الى الله.

ثم ان من اراد تحقيق الاديان وتحرى الحق فعليه بالابتداء بالاسلام لان تحقيق المتاخر يغنى عن تحقيق المتقدم واما تحقيق المتقدم لا يغنى عن تحقيق المتاخر.

ثم ان العقل يحكم بحسن وجود الانسان الكامل وكمال فائدته بل بوجوبه بين افراد الاناسى الذين يرون انواع النقائص فى انفسهم بالبداهة من دون حاجة الى تجشم استدلال ، فقول المصنف : لاشتمالها على فوائد الخ تحليل للموضوع لا استدلال على المطلب.

٦٣٧

قول المصنف : فيحصل اللطف للمكلف ـ بل البعثة من اعلى مصاديق اللطف بالمعنيين المحصل للغرض والمقرب من الطاعة المبعد من المعصية ، فهى لكونها لطفا واجبة.

قول الشارح : ومنعت البراهمة منه ـ قال الشهرستانى فى الملل والنحل : من الناس من يظن انهم سموا براهمة لانتسابهم الى ابراهيم عليه‌السلام ، وذلك خطأ فان هؤلاء هم المخصوصون بنفى النبوات اصلا وراسا ، فكيف يقولون بابراهيم عليه‌السلام ، والقوم الذين اعتقدوا نبوة ابراهيم عليه‌السلام من اهل الهند فهم الثنوية منهم القائلون بالنور والظلمة على راى اصحاب الاثنين ، وهؤلاء البراهمة انما انتسبوا الى رجل منهم يقال له براهم ، وقد مهد لهم نفى النبوات ، وقرر استحالة ذلك فى العقول بوجوه ، ثم ذكر الوجوه ، ويأتى ذكرها عند قول المصنف : وشبهة البراهمة الخ ، ثم قال : ان البراهمة تفرقوا اصنافا : فمنهم اصحاب البددة ، ومنهم اصحاب الفكرة ، ومنهم اصحاب التناسخ ، ثم ذكر مذاهب كل صنف بالتفصيل.

وقال الامامى فى جنات الخلود : البراهمة من اهل النحل ، يقولون لعالمهم برهمن ، وبرهما اسم ملك يقولون : انه واسطة بين الخالق والمخلوق.

وقال المقدس الاردبيلى فى حاشيته على القوشجى : قيل هم قوم من علماء الهند ، وقيل هم المنسوبون الى برهمن حكيم من حكماء الهند.

وقال الأسفراييني فى التبصير : البراهمة ينكرون جميع الأنبياء ، ولكنهم يقولون بحدوث العالم وتوحيد الصانع.

اقول : البراهمة جمع ، مفرده البرهمى كالاشاعرة والاشعرى ، والبرهمى منسوب الى برهما ، وهذا الجمع والنسبة انما وقع فى كلام العرب لا فى كلامهم ، واما المنسوب الى برهما فى كلامهم برهمن على وزان سمندر ، والجمع برهمنان على وزان الجمع الفارسى ، ويطلق برهمن أيضا بالخصوص على عالمهم ورئيسهم ، ثم انهم ليسوا من اهل التوحيد كما زعم الأسفراييني ، قال المحقق العلام الميرزا ابو طالب الشيرازى فى آخر المجلد الاول من اسرار العقائد نقلا عن كتاب دبستان المذاهب :

٦٣٨

ان اسم الاله الاول واصل الآلهة عندهم برنجن ، واعتقادهم فيه انه كان وحده ولم يكن معه احد ، وكان فى سرته شجرة نيلوفر لها الف ورقة ، وحدث برهما من تلك الشجرة ، وكان لبرهما أربعة وجوه ، له من كل وجه شخصية مخصوصة ، واحد من تلك الوجوه مهاديو ، ولمهاديو ثمان ايدى ، وكان فى سرة برهما شجرة من نيلوفر لها خمسمائة ورقة الى آخر ما نقل عنهم من نظائر هذه العقائد فى آلهتهم المتعددة.

وقال المحدث القمى رحمه الله تعالى فى السفينة : البراهمة قوم لا يجوزون على الله تعالى بعثة الرسل ، قال ابن جوزى فى كتاب تلبيس ابليس : ومن الهند البراهمة قوم قد حسن لهم ابليس ان يتقربوا باحراق نفوسهم ، ثم ذكر حكايات فى قتلهم انفسهم فى افعال عجيبة نقلا عن ابى محمد النوبختى رحمه الله تعالى.

قول الشارح : ومنها ازالة الخوف الخ ـ حاصل هذا الكلام ان العبد حيث انه مملوك بجميع حيثياته يحصل له الخوف بالتصرف لاحتمال عدم رضا المولى بذلك ، وبعدم التصرف أيضا يحصل الخوف لاحتمال ان يكون المولى طالبا منه عملا وتصرفا ، فاذا جاء المبعوث من عنده وبيّن موارد رضاه زال الخوف.

اقول : هذه مسألة الحظر والاباحة المبحوث عنها فى اصول الفقه ، والحق ان الخوف لا يحصل للعبد بالتصرفات الضرورية لاصل التعيش والبقاء بحيث لو تركها ادى ذلك الى هلاكه وتعذر معيشته ، وكذا احتمال طلب المولى لا يظهر له ثمرة الا فى استحقاق العقاب بترك المحتمل ، وهذا أيضا مدفوع بقبح العقاب بلا بيان عقلا.

قول الشارح : ومنها ان بعض الاشياء الخ ـ هذا اشارة الى ان اصول الطب من الأنبياء سلام الله عليهم ، وهو كذلك كغيره ، فان البشر يهتدى الى المصالح الدنيوية كالاخروية بهداية المبعوثين من عنده تعالى.

قول الشارح : ومنها ان النوع الانسانى الخ ـ قد مضى هذا الوجه تفصيلا فى المسألة الحادية عشرة من الفصل الثالث من المقصد الثالث عند بيان حسن التكليف على

٦٣٩

مسلك فلاسفة الاسلام ، وهو بعينه مذكور فى كتب الفلاسفة لحسن البعثة لان التكليف والبعثة متلازمان ، والمصنف ضمن وجه الفلاسفة وجه المتكلمين ولم يأت به على حدته اختصارا.

وللالهيين وجه آخر لحسن البعثة مذكور فى كتبهم ، ملخصه ان الناقص فى الغاية لا يناسب الكامل فى الغاية ولا يستفيد منه فلا بد من واسطة ليحصل الكمال له منه بسببه ، ولعل المصنف اراد بقوله : وتكميل اشخاصه الخ الاشارة الى هذا الوجه ، وهذا مأخوذ من حديث رواه فى الكافى باب الاضطرار الى الحجة عن على بن ابراهيم عن ابيه عن العباس بن عمرو الفقيمى عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله عليه‌السلام انه قال للزنديق الّذي سأله من اين اثبتّ الأنبياء والرسل ، قال : انا لما اثبتنا ان لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز ان يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ثبت ان له سفراء فى خلقه يعبرون عنه الى خلقه وعباده ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفى تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم فى خلقه والمعبرون عنه جل وعز ، وهم الأنبياء عليهم‌السلام وصفوته من خلقه حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس ـ على مشاركتهم لهم فى الخلق والتركيب ـ فى شيء من احوالهم مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة ، ثم ثبت ذلك فى كل دهر وزمان مما اتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين لكيلا تخلو ارض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته.

قول الشارح : فبعضهم مستغن الخ ـ هم الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم.

قول الشارح : للاتصال بالامور العالية ـ اى بالملكوت ومبادى الوحى.

قول الشارح : والقوة البشرية عاجزة عنه ـ ان قلت : ان القوة البشرية كافية لاحداث الصنائع والآلات التى يحتاج البشر إليها فى تعيشهم الدنيوى وبقائهم فيها كما نشاهده لا سيما اليوم ، قلت : كلما يرتقى العلم والصنعة اى علم كان او صنعة كانت فهو تكميل لما كان فى العصر المتقدم حتى ينتهى الى اعصار الأنبياء عليهم‌السلام ، فكل آلة

٦٤٠