توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

لمصلحة النظام الكلى مع قابلية العبد كما مر نظيره فى المسألة التاسعة من ان كل مرتبة من الهداية مشروطة بالاستعداد الحاصل من كمال العبد فى المرتبة السابقة.

قال المولى المقدس احمد الاردبيلى رحمه‌الله فى حاشيته على شرح القوشجى : لم يثبت بالدليل وجوب كل ما يصدق انه مقرب او مبعد فى الجملة بل عدمه ظاهر.

وقال المفيد رحمه‌الله فى اوائل المقالات : القول فى اللطف والاصلح ، اقول : ان ما اوجبه اصحاب اللطف من اللطف انما وجب من جهة الجود والكرم لا من حيث ظنوا ان العدل اوجبه وانه لو لم يفعل لكان ظالما ، انتهى.

وانك ترى كثيرا فى كتب الكلام والاصول : ان اللطف واجب لا ان كل لطف واجب فان المراد هو هذا المعنى لا المعنى الاول لان كل لطف لا يحصل الغرض الا به فهو واجب.

ثم انك قد علمت ان الخلق مقدمة للتكليف وهو غايته ، وكذا التكليف مقدمة لتعريض العبد فى معرض الثواب والسعادة والرحمة وهو غايته ، والتعريض مقدمة لحصول ذلك فى الآخرة بالاستحقاق وهو غايته ، فلا بأس بتسمية كل من هذه المراتب مع لوازمه لطفا للمتأخر عنه وان لم يكن لطفا لنفسه ، فالتكليف نفسه لطف لحصول غرض وغاية هو ذلك التعريض وليس لطفا لنفسه.

قول الشارح : ولم يكن له حظ فى التمكين ـ اى يكون المكلف بدونه متمكنا من فعل الطاعة وترك المعصية.

قول الشارح : عن الآلة ـ المراد بها كل ما له مدخلية فى تمكن المكلف من فعل الطاعة وترك المعصية.

قول الشارح : وقد يكون اللطف محصلا الخ ـ حاصل كلامه ان اللطف على معنيين : المقرب والمحصل ، والمحصل هو الّذي يكون المصنف بصدد بيانه وذكر احكامه ، وهو ما يحصل عنده الطاعة من المكلف على سبيل الاختيار ، وهذا

٦٠١

بخلاف المقرب له حظ فى تمكين المكلف من فعل الطاعة وترك المعصية بل التكليف نفسه من هذا اللطف كما مر بيان ذلك آنفا.

قول الشارح : ولولاه لم يطع الخ ـ هذا تتمة الكلام فى اللطف المقرب ، وقوله : قد يكون اللطف الى قوله : الاختيار جملة معترضة بينهما ، فلا تغفل ، ومعنى الكلام : ولو لا اللطف المقرب لم يطع المكلف لاشتغاله بالامور الملهية وغفلته عن خطر امر التكليف وغرضه تعالى منه مع انه متمكن من جهة الاختيار وحصول الآلات من ان يطيع أو لا يطيع فى حال وجود هذا اللطف وحال عدمه اذ قلنا ان هذا اللطف ليس له حظ فى تمكين المكلف من الفعل والترك.

قول الشارح : وهذا بخلاف التكليف الخ ـ حاصل كلامه فى الفرق بين اللطف والتكليف ان التكليف اذا تحقق فالعبد يتمكن من ان يطيع أو لا يطيع وبدونه لا يتمكن لان مناط الامتثال وعدمه هو وجود التكليف سواء كان مع اللطف أو لا معه ، واما اللطف فلا يناط به الطاعة وعدمها ، فمن الممكن ان يتمكن العبد منها بدونه لكنه معه يقرب من الامتثال كالمثال المذكور فى كلام الشارح ، وهذا فى اللطف المقرب ، واما اللطف المحصل فقد عرفت ان التكليف نفسه منه.

قول الشارح : انه يحصل غرض المكلف ـ على صيغة المعلوم من باب التفعيل ، والمكلف على صيغة الفاعل.

قول الشارح : ان وجوه القبح معلومة الخ ـ ان كان اللطف من فعله تعالى فانتفاء القبح عنه قطعى لانه تعالى لا يفعل القبيح ، وان كان من فعل الملطوف له او غيره من المكلفين فكذلك لان الله تعالى كلفه به وهو لا يكلف بالقبيح.

قول الشارح : وليس ذلك استدلالا الخ ـ جواب سؤال ، هو ان كونكم مكلفين بترك القبيح لا يفيد الا عدم علمكم بالقبح فيما هو لطف ، ولا يثبت بذلك العلم بعدم القبح فيه ولا ينتفى احتمال وجود القبح ، فاجاب بانا لم نستدل بعدم العلم بالقبح على العلم بعدم القبح ، بل استدللنا بان تكليفه تعالى بشيء يوجب العلم بانه لا قبح فيه.

٦٠٢

قول الشارح : والاول باطل الخ ـ اى كون تكليف الكافر مع وجود اللطف باطل لان هذا اللطف اما لا يؤثر واما يؤثر ، وعلى الاول فليس ما فرض لطفا بلطف لانه لم يؤثر ولم يحصل الملطوف فيه عنده ، وعلى الثانى فيكون الكافر مؤمنا لان اثر اللطف هو ذلك.

قول الشارح : ان اللطف ليس معناه الخ ـ حاصل الجواب اختيار ان تكليف الكافر مع وجود اللطف ، ولكن قولكم : فيكون الكافر مؤمنا لان اثر اللطف ذلك ممنوع لان اثره لو كان ذلك لكان الجاء لا لطفا.

قول الشارح : ان الاخبار بان المكلف الخ ـ هذا قياس استثنائى صورته ان اللطف لو كان واجبا لما فعل الله تعالى ما ينافيه لكنه تعالى فعل ذلك لانه تعالى اخبر ان المطيع سعيد فى الآخرة من اهل الجنة والعاصى شقى فيها من اهل النار ، والاول يوجب الرجاء المفرط فى المطيع فيغرى بالمعاصي ، والثانى يوجب اليأس المفرط فى العاصى فلا يأتى بالطاعات.

قول الشارح : لجواز ان يقترن به الخ ـ وذلك كالايات التى اوعد فيها العاصين بالعذاب فان المؤمن اذا قرأها يحصل فى نفسه الخشية ويمتنع من الاقدام على المعاصى ، وكذلك نقول فى العاصى فان ياسه يجبر بالآيات التى وعد الله تعالى فيها العفو للعاصين والمغفرة لهم ، واما الكفار فالجاهل منهم بصدق اخبار الله تعالى لا يفيده الوعد والوعيد شيئا ، وان افاده كما اذا اطلع عليها وكان شاكا فالكلام فيه كالكلام فى العاصى فان آيات الوعد تجره الى الرجاء وآيات الوعيد تجره الى الخوف فيحصل الاعتدال وهو لطف ومصلحة ، واما العارف منهم المعاند فليكن ما كان وعليه لعنة الابد.

قول المصنف : دون الذم ـ فى حسن الذم أيضا نظر ، وذم الباعث غيره على القبيح قياس مع الفارق ان كان عالما بالقبح ، ومع الجهل فحسن الذم ممنوع أيضا ، وذم ابليس لعنه الله لا يدل على انه حق حسن ، نعم القبيح مذموم فى نفسه ، بل اقول : ان اللطف ان كان مقربا فمع منعه لا يقبح الذم ولا التعذيب أيضا ، واما ان كان محصلا

٦٠٣

كاللطف فى بعثة الرسول الّذي مثل به الشارح فمع منعه يقبح التعذيب والذم.

قول المصنف : ويزيد اللطف الخ ـ اقول : نفس إباحة اكثر الافعال لا تخلو من لطف لان المكلف معها يكون فى سعة من اختياره ويسهل عليه مقدمات الالزاميات.

قول الشارح : امراض الله تعالى ـ بكسر همزة امراض.

المسألة الثالثة عشرة

( فى الالم ووجه حسنه )

قول الشارح : فى هذا الكلام مباحث ـ اصل عقد هذه المسألة للرد على الاشاعرة حيث قالوا للعدلية : انكم تقولون بالحسن والقبح العقليين ، فما وجه حسن الآلام الواردة من الله تعالى على العباد من الامراض وغيرها مع انه تعالى عالم بكل شيء رءوف بعباده ، فتصدوا لبيان وجوه الحسن فى ذلك.

قول الشارح : وجب البحث عنها أيضا ـ فى المسألة الآتية.

قول الشارح : وذهبت الثنوية الخ ـ لانهم يزعمون ان الآلام امور وجودية كلها من مبدأ شرير هو الظلام وكل ما يصدر منه قبيح ، والثنوية اصحاب الاثنين الازليين النور والظلام ينسبون الخيرات الى النور والشرور الى الظلمة بخلاف المجوس فانهم قائلون بحدوث الظلمة مع اشتراكهم معهم فى الاسناد الى المبدءين ، والثنوية على فى الملل والنحل يفترقون الى المانوية والمزدكية والديصانية والمرقيونية والكينوية المنشعبة الى الصيامية الذين يمسكون عن اللذات والتناسخية القائلين بتناسخ الارواح خلافا لسائر الثنوية ، ولهؤلاء الفرق اختلافات كثيرة مذكورة فى محلها.

قول الشارح : الى حسن جميعها الخ ـ لا عقلا ، بل لان الكل مستند إليه تعالى عندهم وكل ما فعله عز وجل حسن ، وهم لا يقولون بوجوب الاعواض على الآلام أيضا.

٦٠٤

قول الشارح : وذهبت البكرية ـ قال ابو الحسن الاشعرى فى مقالات الاسلاميين : هم اصحاب بكر بن اخت عبد الواحد بن زيد ، ثم ذكر مذاهبهم واختلافهم مع سائر الفرق.

وقال محمد محيى الدين فى ذيل الكتاب : سماه صاحب الميزان بكر بن زياد الباهلى ، وذكر عن ابن حبان انه قال عنه : دجال واضع للحديث ، وكان يحدث عن ابن المبارك ، وقال البغدادى : وظهر خلاف البكرية من بكر ابن اخت عبد الواحد ابن زياد ، وخلاف الضرارية من ضرار بن عمرو ، وخلاف الجهمية من جهم بن صفوان ، وكان ظهور جهم وبكر وضرار فى ايام ظهور واصل بن عطاء فى ضلالته.

وقال الكوثرى فى ذيل التبصير : عبد الواحد بن زيد من اصحاب الحسن البصرى ، زاهد صوفى متروك الحديث ، وابن اخته بكر من اضل خلق الله بالنظر الى ما يسرده المصنف هنا ، ومن الغريب قول ابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث : وهو من احسنهم حالا فى التوقى ، ولعله وجد فى كلامه فى الصورة ما يوافق هواه فخفف اللهجة معه.

قول الشارح : واهل التناسخ ـ اصل عقيدة التناسخ نشأ من قوم من الصابئة سموا الحرنانية ، وسرت فى غيرهم حتى الامة الاسلامية ، فان منهم قوما يقال لهم الخرمدينية من اتباع ابى مسلم عبد الرحمن بن مسلم الخراسانى ، وجملة الكلام فى هذه العقيدة ابطال القيامة وانكار الدار الآخرة ، وليست دار الا هذه الدار ، لكن لها ادوارا غير متناهية ، يحدث فى كل دور مثل ما حدث فى الدور الماضى ، واما الارواح فباقية بقاء الابد ، تتناسخ اى يدخل كل روح بعد خراب قالبها بفصل او بلا فصل فى قالب آخر ، فان كان قبل ذلك خيرا يقتضي ذلك ان يدخل فى قالب حسن من القوالب الانسية او غيرها ويكون بذلك مسرورا مبتهجا منعما ، وهذا جنته ، وان كان قبل ذلك شريرا يقتضي ذلك ان يدخل فى قالب ردّى من كلب او خنزير او بعوضة او حية او غيرها ويكون بذلك معذبا محزونا ، وهذا جهنمه ، وهكذا الامر الى ابد الآباد ، وللكلام فى التناسخ ذيل طويل ، والمصنف رحمه‌الله لم يتعرض فى

٦٠٥

مبحث المعاد لابطاله وكان مناسبا ، ولكنه تعرض له اجمالا فى المسألة العاشرة من الفصل الرابع من المقصد الثانى.

قول الشارح : استحقت الالم عليها ـ اى استحقت الالم فى هذه الابدان على الذنوب التى فعلت فى الابدان السابقة.

قول الشارح : وهذا قول البكرية ـ اى علة الحسن هى الاستحقاق لا غير ، لكن لا لعلة التناسخ اذ لم يعهد منهم القول به وان لم يبعد.

قول الشارح : احدها ان يكون مستحقا ـ بالحد او غيره.

قول الشارح : نفع عظيم ـ دنيويا كقطع عضو لسلامة البدن ، او اخرويا كالمرض الّذي يوجب ارتفاع الدرجة فى الآخرة ، وكذلك دفع الضرر.

قول الشارح : لانا متى ـ متعلق بقوله : يحسن عند شروطه.

اقول : للألم تقسيمات : بحسب الفاعل فهو اما الله عز وجل او المخلوق المكلف او غير المكلف ، وبحسب المتألم فهو اما مستحق للعوض او غير مستحق له ، وبحسب وقته فهو اما فى هذه الدار او فى الآخرة ، وبحسب كونه سببا بنفسه لنفع كالحجامة أولا ، وبحسب وقوع عوضه فهو اما يمكن فى هذه الدار او لا يمكن اعتياضه الا فى الدار الآخرة ، وبحسب الحكم فهو اما حسن او قبيح ، وبحسب وجه الحسن او القبح فهو ما فى كلام المصنف.

قول الشارح : هذا شرط لحسن الالم الخ ـ اعلم ان وجه الحسن فى القسم الاول والرابع والخامس متقدم على الالم بمعنى ان وقوع شيء يقتضي حسن الايلام بخلاف الوجه الثانى والثالث فان حسن الايلام فيهما لتحصيل شيء هو النفع او دفع الضرر الزائدين على الالم ، وكل منهما يسمى بالالم المبتدأ لتقدمه على وجه حسنه ، والفرق بينهما ان المشتمل على دفع الضرر الزائد على الالم من المتألم مرضى عند كل احد مطلوب لكل عاقل بخلاف المشتمل على النفع وان كان زائدا ، فلا بد من اشتماله على امر آخر حتى يصير حسنا وهو اللطف.

ان قلت : اذا كانت الزيادة الى حد يرضى به كل احد على ما يأتى اشتراطه

٦٠٦

فى كلام الشارح فى آخر المسألة فلا احتياج فى حسنه الى اشتماله على اللطف ، بل نفس ذلك لطف كالتكليف ، وقد روى فى الكافى باب شدة ابتلاء المؤمن بالاسناد الى عبد الله بن ابى يعفور قال : شكوت الى ابى عبد الله عليه‌السلام ما القى من الاوجاع ـ وكان مسقاما ـ فقال لى : يا عبد الله لو يعلم المؤمن ما له من الاجر فى المصائب لتمنى انه قرض بالمقاريض ، قلت : ان لم يشتمل على اللطف لزم العبث فى بلائه تعالى اياه كما اشار إليه الشارح رحمه‌الله لانه تعالى قادر على ان يتفضل عليه من دون ابتلائه بالالم المقتضى للعوض بخلاف الثواب المترتب على التكليف فانه لا يمكن من دون سبق التكليف على ما مر بيانه فى المسألة الحادية عشرة ، والحديث كامثاله مطلق لا يدل على ان الله عز وجل يتفضل بالعوض على المصيبة من دون ان يكون لها وجه اللطف.

ثم اعلم ان المتالم كما مرت الاشارة إليه من قبل قريبا اما مستحق للألم كالسارق المجتمع فيه شرائط قطع اليد واللص المتألم بدفع المهاجم عليه اياه والاقوام الذين اخبر الله تعالى فى الكتاب بتعذيبهم على تعديهم حدود الله تعالى وغيرهم ممن حسن ايلامهم حدا او تعزيرا او قصاصا او عقوبة او غير ذلك ، وهذا كله يجمعه الوجه الاول والخامس فى كلام المصنف ، واما غير مستحق للألم كالانبياء والأوصياء والاولياء والورعين من العباد والاطفال بل الحيوانات ، وهذا كله يجمعه الوجه الثانى والثالث والرابع فى كلامه ، ويسمى هذا بالالم المبتدأ بالمعنى الاعم بمعنى عدم سبق المقتضى لاستحقاقه وان كان فى الوجه الرابع سبق جرى العادة عليه.

ثم ان ظاهر كلام الشارح رحمه‌الله فى نهج الحق اشتراط اللطف فى الالم المبتدأ بالمعنى الاعم لا فى المشتمل على النفع فقط كما هو صريح المصنف هنا ، قال رحمه‌الله فى نهج الحق : المطلب التاسع عشر فى الاعواض ، ذهبت الامامية الى ان الالم الّذي يفعله الله تعالى بالعبد اما ان يكون على وجه الانتقام والعقوبة وهو المستحق لقوله تعالى : ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ) ، وقوله : ( أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ) ، ولا عوض فيه ، واما ان يكون على وجه الابتداء ، وانما يحسن فعله من الله تعالى

٦٠٧

بشرطين : احدهما ان يشتمل على مصلحة اما للمتألم او لغيره ، وهو نوع من اللطف لانه لو لا ذلك لكان عبثا والله تعالى منزه عنه ، الثانى ان يكون فى مقابلته عوض للمتألم يزيد على الالم بحيث لو عرض على المتالم الالم والعوض اختار الالم والا لزم الظلم والجور من الله تعالى على عبيده لان ايلام الحيوان وتعذيبه على غير ذنب ولا لفائدة تصل إليه ظلم وجور ، وهو على الله تعالى محال ، انتهى ، وهذا الّذي قال متوجه ، فتدبر.

قول الشارح : الّذي يختار المولم ـ بصيغة المفعول اى المتالم ، وهذا اشارة الى ما قال رحمه‌الله فى كلامه المنقول آنفا من نهج الحق.

قول الشارح : اختلف الشيخان ـ من شيوخ الاعتزال ، هما ابو على وابنه ابو هاشم الجبائيان.

قول الشارح : فلم يشرط هذا الشرط ـ اى لم يشرط اشتمال الالم المبتدأ على اللطف لئلا يلزم العبث ، بل قال : ان الا لم المبتدأ المشتمل على نفع المتألم حسن ما لم يلزم منه ظلم ، وذلك اذا كان النفع الى حد يرضى بالالم فى قباله ، قال الشهرستانى فى الملل والنحل : اختلف ابو على وابو هاشم فى فعل الالم للعوض ، فقال ابو على : يجوز ذلك ابتداء لاجل العوض ، وعليه بنى آلام الاطفال ، وقال ابنه : انما يحسن ذلك بشرط العوض والاعتبار جميعا.

قول الشارح : لكونه ظلما لكونه عبثا ـ هكذا فى المطبوعة حديثا ، والظاهر لزوم العاطف ، وفى المطبوعة باصبهان معطوف بأو ، وعلى كل فمراده اعتبار الامرين.

قول الشارح : لمكلف آخر ـ لان الصبى ليس مكلفا حتى يكون موردا للطف وفيه انه ممكن لا سيما اذا كان مراهقا ، وفى الحديث مرض الصبى كفارة لوالديه.

قول الشارح : ولهذا يقبح منا الخ ـ اى كسر يد الغريق ثم تخليصه قبيح من دون مصلحة وتقدمة للكسر فى تخليصه لان هذا وان لم يكن ظلما لان نفع نجاته من الغرق اكثر من ضره بكسر يده لكنه قبيح قطعا لان ايلامه اياه بكسر يده امر عبث لان تخليصه ممكن من دون ذلك ، وكذا المثال الثانى لانه ليس ظلما لتوفية الاجرة

٦٠٨

لكن النزح المتعب عبث لامكان اداء مقدار الاجرة احسانا من دون هذا التعب.

قول الشارح : فى كتاب نهاية المرام ـ ليس هذا الكتاب بالايدى ، ولعل الجواب لزوم العبث كما ذكرنا تفصيله.

قول الشارح : ان يقع الامراض ـ بل سائر المصائب.

قول الشارح : لانه الم واصل الخ ـ حاصل الاستدلال ان المقتضى للعقاب موجود وهو الكفر والفسق ، والمانع لا يتصور الا تعجيل العقاب فى الدنيا لان الكافر لعله يؤمن والفاسق يتوب فاذا يرتفع مقتضى العقاب فيكون التعجيل عبثا ، لكن هذا المانع ليس بمانع على فرض ان يكون فى التعجيل مصلحة لهما او لبعض المكلفين كما فى الحدود فانها قصم لحدة القوة الحيوانية فى مرتكب الفواحش وعبرة لغيره من الناظرين.

اقول : ايلام الكافر ان كان باهلاكه كالامم السالفة فهو عقاب قطعا وشروع فى عقابه الّذي استحق بكفره ، فالكلام فى غير هذا النوع من الايلام ، وفى الاخبار ما يوافق هذا القول.

قول الشارح : ومنع قاضى القضاة الخ ـ هو القاضى عبد الجبار المعتزلى ، ويرد عليه أيضا ان المصيبات الواردة على الكافر والفاسق هل توجب عدم عقابهما فى الآخرة او تخفيفه أم لا ، فعلى الاول فهى عقابهما او بعضه ، وعلى الثانى فهى ظلم بهما.

قول الشارح : هذا مذهب الشيخين الخ ـ حاصل كلام الطرفين ان هاهنا ثلاثة اشياء : الالم اللطفى ، والطاعة التى يفعلها العبد المتالم الملطوف من جهة اللطف ، والثواب على هذه الطاعة ، والمصنف ومن على مذهبه يقولون : ان الثواب فى قبال الطاعة ، والالم يبقى مجردا ليس فى قباله شيء ، وهو قبيح لان الالم من دون عوض ظلم ، فلا بد ان يكون هنا امر آخر عوضا عن الالم فهو النفع او دفع الضرر ، والآخرون يقولون : ان الالم اللطفى حيث يكون علة للطاعة والطاعة علة للثواب فلا

٦٠٩

قبح فيه وان لم يكن معه نفع آخر لان العبد يتحمل هذا الالم لوصول الثواب كما ان الانسان يتحمل مشاق السفر وغيره ليبيع متاعه ليحصل له الربح.

اقول : اللطف ان كان للمتألم بحيث يتألم هو فى طريق طاعته التى يثاب عليها فالحق مع الآخرين ، وان كان لغيره وكان تالمه من موجبات طاعة ذلك الغير فالحق مع المصنف.

قول الشارح : لما يؤدى إليه الالم ـ من اللطف والعبرة.

قول الشارح : هذا مذهب ابى الحسين الخ ـ ملخص الكلام ان كلا من اللذة والالم يحصل به اللطف الّذي يحصل بالآخر فهل يحسن التبادل او يتعين اختيار اللذة ، ابو هاشم على الاول وابو الحسين على الثانى ، قال الاشعرى فى المقالات : اختلف المعتزلة فى الالم واللذة ، فقال قوم : لن يجوز ان يؤلم الله سبحانه احدا بالم تقوم اللذة فى الصلاح مقامه ، وقال قوم : يجوز ذلك.

اقول : من البديهى قبح اختيار الالم بدلا عن اللذة لو كانا متساويين من جميع الجهات من حيث اللطف والمصلحة ، الا ان يكون فى الالم مصلحة اخرى ليست فى اللذة وان كانت خفية.

قول الشارح : لاجل لطف الغير ـ لا فرق فى اصل المطلب هنا بين ان يكون اللطف للغير او للمتألم ، ثم ان الظاهر ان النزاع بينهما لفظى لان أبا هاشم يفرض الكلام فيما اذا كان الالم مشتملا على منفعة غير كونه لطفا دون اللذة ، وأبا الحسين يفرض الكلام فيما اذا كانت اللذة كالالم مشتملة على تلك المنفعة.

قول الشارح : صار حصول اللطف الخ ـ اى صار حصول الالم اللطفى سببا لمنفعتين هما اللطف والمنفعة المفروضة فى الالم دون اللذة ، فيتخير المكلف ان يفعل الالم بالمكلف فيحصل له اللطف والمنفعة جميعا ، او اللذة فيحصل له اللطف فقط.

٦١٠

المسألة الرابعة عشرة

( فى الاعواض )

قول الشارح : فالنفع جنس الخ ـ ان المعتزلة عرفوا الثواب بالنفع المستحق مع مدح وتعظيم واجلال ، والعوض بالنفع المستحق الخالى عن ذلك ، والتفضل بالنفع الغير المستحق ، ولكن اختلفوا فى نعيم الجنة على ما حكى الاشعرى فى المقالات هل هو ثواب او تفضل ، فقوم قالوا : كل ما فى الجنة ثواب ليس بتفضل وقال آخرون : بل ما فيها تفضل ليس بثواب.

اقول : كل ما اعطى الله تعالى عباده من الوجود وشئونه فى الدنيا او الآخرة تفضل ، ليس للعبد استحقاق بالحق الاصالى لان له ملك الوجود كله ، فلا معنى لحق لغيره بالاصالة ، بل الله تعالى جعل بلطفه وكرمه لهم حقا واجرا وجزاء وعوضا فى قبال الطاعات الاختيارية وغيرها من الآلام والمصائب كما فيما بين العباد من الاعمال والاجور وغيرها من الحقوق ، ووعد بها ويفى بوعده ، بل بكرمه اضعاف ما وعده ، بل لا يمكن ان يكون نعيم الجنة كله ثوابا فانه فضل من الله سبحانه ورحمة لان ثواب الطاعات ولو بلغ ما بلغ من الاعداد المتعذر احصاؤها متناه ونعيم الجنة غير متناه.

قال المفيد رحمه‌الله فى اوائل المقالات ما ملخصه : ان نعيم اهل الجنة على ضربين : تفضل محض وهو ما يتنعم به الاطفال والبله والبهائم فيها اذ ليس ذلك لهم فى الجنة على التكاليف ، وما هو تفضل من جهة وثواب من اخرى وهو تنعم المكلفين ، وانما كان تفضلا لانهم لو منعوها ما كانوا مظلومين اذ ما سلف لله عندهم من نعمه وفضله واحسانه يوجب عليهم اداء شكره وطاعته وترك معصيته ، واما كونه ثوابا فلان اعمالهم اوجبت فى جود الله وكرمه تنعيمهم واعقبتهم الثواب واثمرته لهم فصار ثوابا من هذه

٦١١

الجهة ، وهذا مذهب كثير من اهل العدل من المعتزلة والشيعة ، ويخالف فيه البصريون من المعتزلة والجهمية ومن اتبعهم من المجبرة.

قول الشارح : وقد سبق بيان وجوب الخ ـ ذيل كلام المصنف : ولا بدّ فى المشتمل على النفع من اللطف.

قول الشارح : لانه يموت قبل الانتفاع به ـ اى لان الأب يموت قبل الانتفاع بولده.

قول الشارح : وعندى فى هذا الوجه نظر ـ اى فى ايجاب تفويت المنافع عن العبد استحقاق العوض له ، لكن فى الروايات ما يدل على ان الله عز وجل يعوض المؤمن كرما وجودا عما فاته فى الدنيا من النعم ، منها ما رواه فى الكافى باب فضل فقراء المسلمين عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : ان الله جل ثناؤه ليعتذر الى عبده المؤمن المحوج فى الدنيا كما يعتذر الاخ الى اخيه ، فيقول : وعزتى وجلالى ما احوجتك فى الدنيا من هو ان كان بك على ، فارفع هذا السجف فانظر الى ما عوضتك من الدنيا ، قال : فيرفع فيقول : ما ضرنى ما منعتنى مع ما عوضتنى ، اقول : بل اطلاق الرواية يشمل ما اذا كان تفويت المنافع لمصلحة نفسه.

قول الشارح : ولو فعل به تعالى فعلا لو شعر به الخ ـ هذا ينافى ما مر من قوله : ولو آلمه ولم يشعر به الخ ، لكن هذا مذهبه وذاك منظور فيه عنده كما صرح به.

قول الشارح : الرابع امر الله تعالى الخ ـ امره تعالى بالايلام او اباحته اما يكون بالانسان كالختان وبعض المعالجات بالكىّ وقطع العضو وشرب الادوية المرة وذبح اسماعيل على نبينا وآله وعليه السلام وغير ذلك فوجوب العوض فى ذلك ظاهر ، واما يكون بالحيوان كالامثلة التى فى الكتاب وغيرها فالعوض فى ذلك يتصور على ان يكون الحيوان محشورا فى الآخرة كما هو مذهب البعض او يكون باقيا فى الدنيا بعد التألم الى حين ، وكذا الكلام فى الوجه الخامس.

قول الشارح : الخامس تمكين غير العاقل الخ ـ اعلم ان الممكن ( بصيغة

٦١٢

الفاعل ) من الاضرار اما الله تعالى واما الخلق ، والممكن ( بصيغة المفعول ) اما العاقل واما غير العاقل ، وكذا الممكن عليه اما عاقل واما غير عاقل ، وهذه ثمانى صور ، احكامها مختلفة ، وسيأتي الاشارة الى بعضها فى كلام المصنف ، ثم التمكين اما تكوينى وهذا مورد البحث هنا ، واما تشريعى وهو راجع الى الوجه الرابع.

قول الشارح : وقال آخرون ان العوض الخ ـ هذا غير متصور اذا كان فاعل الالم حيوانا لم يكن له شيء يعتنى به ، فالعوض حينئذ على الله تعالى او على مالك الحيوان ان كان له مالك ومكنه من الاضرار.

قول الشارح : ان كان الحيوان ملجأ ـ الالجاء هو الحمل على الفعل بسلب الإرادة ، ولعل المراد به هنا اعم منه ومن الاضطرار كالحيوان الجائع شديدا.

قول الشارح : ينتصف للجماء من القرناء ـ القرناء تانيث الاقرن وهو الحيوان الّذي على راسه قرنان كالتيس ، والجماء تانيث الاجم وهو بخلافه.

قول الشارح : جرح العجماء جبار ـ الجرح بالفتح مصدر ، والعجماء هى البهيمة سميت بها لعدم تكلمها ، والاضافة الى الفاعل ، والجبار على وزان السؤال يفسر بالهدر ، وهو مأخوذ من الجبران ، اى ليس جرح البهيمة كجرح الانسان موجبا للجبران بالقصاص على البهيمة ، بل هو منجبر بدونه لعدم تكليفها ، وهذا لا ينافى ايجابه عوضا على الله تعالى او على مالكها.

قول الشارح : وبان العوض لو كان الخ ـ اى ان العوض لو كان على الله تعالى فى غير صورة الالجاء لما حسن منع البهيمة عن الايلام لان الايلام الّذي يعوض الله تعالى عنه حسن والمنع عن الحسن ليس بحسن.

قول الشارح : وهو يصدق بتعويض الخ ـ اى الانتصاف يصدق بذلك ، ويصدق أيضا بالانتقام بان يحشر هما ويمكن الجماء على ان تفعل بالقرناء بمثل ما فعلت هى بها فى الدنيا ، ولا يبعد ان يكون مرادهم بان العوض على فاعل الالم هذا المعنى.

قول الشارح : وعن الثانى بان المراد انتفاء القصاص ـ اى الجواب عن

٦١٣

استدلال النافين للعوض مطلقا كما ذكرنا فى بيان الحديث الّذي استدلوا به ، على ان كون جرح العجماء جبارا لا يدل على ان مطلق اضرارها جبار.

قول الشارح : وعن الثالث بالفرق الخ ـ اى الجواب عن قياس قاضى القضاة وصورة قياسه ان صانع السيف يعطى السيف لمن يتمكن به عن القتل ، والله تعالى يعطى قوة الافتراس للسبع الّذي يتمكن بها من القتل ، فلو كان عوض ما فعله السبع على الله تعالى لزم ان يكون عوض ما فعله الّذي بيده السيف على صانعه ، والجواب ان القياس مع الفارق لان السبع غير عاقل ولا مكلف ولا ممنوع من الافتراس بخلاف من بيده السيف ، وأيضا ان الله تعالى جعل القوة فى السبع ليفعل ما يكون به سد جوعه ، وصانع السيف لا يعطى من يبيعه ليقتل من اراده.

قول المصنف : بخلاف الاحراق الخ ـ هذا اشارة الى بيان فرض ان يكون الممكن عاقلا مكلفا ، او له ولى سواء كان الممكن عليه عاقلا او غير عاقل ، فالعوض حينئذ عليه لا على الله تبارك وتعالى.

اقول : ليس كل من الملقى والشاهد علة تامة لايصال الالم ولا قادرا على التعويض بما يرضى به المتألم ويختار معه الالم ، فوجوب العوض عليهما يستلزم اما الظلم بالمتالم او تكليفهما بما لا يطاق ، مع ان هذا خلاف ما فى الروايات بإطلاقها من وعد الاعواض لكل من يصاب من المؤمنين ببلية ، نعم على الملقى فى النار غيره وشاهد الزور وامثالهما حد او دية او قصاص ، لكنه ليس بعوض بالمعنى المبحوث عنه فى الكلام لان ذلك ليس فى اكثر الموارد نفعا يحصل للمظلوم ويرضى به.

قول المصنف : والانتصاف عليه تعالى الخ ـ الانتصاف هو اخذ العوض من الظالم للمظلوم بما يوازى ظلمه به لا ازيد ولا انقص فى الدنيا او فى الآخرة.

اقول : لما قال المصنف ان عوض الآلام المستندة إلينا يجب علينا لا عليه تعالى اشار الى ان الواجب عليه تعالى حينئذ هو اخذ هذا العوض من الظالم ودفعه الى المظلوم ثم فرع عليه ان تمكين ظالم ليس له فى حال الظلم هذا العوض قبيح ليس بجائز لانه تعالى لا يمكنه الانتصاف حينئذ مع انه واجب عليه تعالى ، وابو هاشم منع لزوم

٦١٤

كون العوض عند الظالم فى حال الظلم ، بل اللازم حصول هذا العوض عنده ولو بعد وقوع الظلم الى آخر عمره فيأخذ الله تعالى منه فى الدنيا او الآخرة ويدفعه الى المظلوم واما ايراد السيد المرتضى رحمه الله تعالى بان التبقية تفضل على الظالم والتفضل عليه ليس بواجب وما ليس بواجب لا يكون مقدمة للانتصاف الواجب فجوابه ان غير الواجب اذا كان مقدمة للواجب صار واجبا بالعرض ، واما الكعبى فمنع لزوم حصول العوض عند الظالم مطلقا وذهب الى جواز تمكين الظالم لان الواجب عليه تعالى اعطاء العوض للمظلوم ، فان لم يكن عند الظالم يتفضل عليه من خزائن رحمته ثم يدفعه الى المظلوم واما ايراد ان التفضل على الظالم ليس بواجب ولا يعلق عليه الواجب فجوابه ان هذا ليس من باب التعليق ، بل يتفضل لئلا يضيع حق المظلوم ، فاذا كان فى ارادته تعالى ان يوصل المظلوم بحقه فلا يقبح تمكين الظالم من الظلم وان لم يكن عنده ما يوازى ظلمه اصلا ، هذا وساقول ما فيه عن قريب.

قول المصنف : فلا يجوز تمكين الظالم الخ ـ اقول : هذا منقوض بما وقع من الظلم فى موارد كثيرة من طغام الناس على الأنبياء والاولياء صلوات الله عليهم واهل الايمان ، فالحق ان التمكين جائز ان اقتضته الحكمة وان العوض فى هذه الصورة أيضا عليه تعالى حسب وعده على مقدار منزلة المظلوم عنده عز وجل لان الظالم كيف يوجد عنده فى الآخرة عوض يفى بحق المظلوم ويرضى به لا سيما اذا كان الظالم كافرا او ضالا والمظلوم ممن رضى بالبلاء وصبر عليه فى سبيل طاعته ونصرة دينه تعالى ، واما الظالم فيعاقب فى الدنيا بما قرر فى الفقه من الحدود والتعزيرات وغيرها او فى الآخرة بلون من الوان العذاب حسب ظلمه او يشمله العفو من صاحب الحق او وليه ان كان من المؤمنين ولم يظلم عنادا ، وفى الآيات والروايات ما يدل على ذلك ، وهو تعالى ولى التوفيق.

قول الشارح : وقال السيد المرتضى رحمه‌الله ـ هو ابو القاسم على بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن الامام موسى الكاظم عليه‌السلام الملقب

٦١٥

بالسيد المرتضى وعلم الهدى ، هذا واخوه ابو الحسن محمد الملقب بالسيد الرضى سلام الله عليهما امرهما فى الفضائل والعلوم اشهر من ان يذكر.

قول المصنف : فان كان المظلوم الخ ـ بل كل من استحق عوضا يعطاه فى الآخرة كما اطلقه الشارح سواء كان مظلوما أم لا.

وحاصل الكلام هنا ان العوض لمن فى الجنة اما دائم بالاستحقاق او منقطع بالاستحقاق ، وعلى الثانى اما ان يديمه الله عز وجل فضلا منه ابدا أو لا ، وعلى الفرض الاخير فلا بد ان يكون انقطاعه غير متبين له حتى لا يحزن به لان الجنة دار سرور وبهجة لا يليق بها الحزن والالم.

اقول : ان المعتزلة قاسوا نعيم الجنة بنعيم الدنيا وملأوا كتبهم من هذه الكلمات فحكموا باحكام لا تليق بتلك الدار ، والمصنف رحمه‌الله جرى فى هذه المباحث مجراهم وقد قال الله تعالى : ( وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ ) ، وقال تعالى : ( قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) ، فالمناط فى الخلود وابدية البهجة والسرور والنعمة والحبور هو فضل الله تعالى ورحمته والا فثواب اعمالنا واعواضنا لا يفى بشطر من ذلك وان بلغ ما بلغ لامتناع وفاء المتناهى بغير المتناهى ، فحيث ان الفضل بيده وقد وصفه فى كتابه بالعظم وامر بتبشير المؤمنين بان لهم من الله فضلا كبيرا فلا معنى لانقطاع ما يتفضل على عباده فيها باى وجه كان.

قول المصنف : وان كان من اهل العقاب الخ ـ اى وان كان من له العوض من اهل العقاب اسقط الله تعالى بدل اعواضه جزءا من العقاب بحيث لا يظهر له تخفيف العذاب فلا يحصل له السرور بحصول التخفيف بان يفرق الله تعالى القدر الناقص الّذي اسقطه من عذابه على الاوقات المتعددة ، قال القوشجى : وفى بعض النسخ : بحيث يظهر له التخفيف وهو سهو من قلم الناسخ.

اقول : والحق ذلك وان لم يكن من قلم المصنف اذ لا دليل على وجوب خفاء

٦١٦

تخفيف العذاب على المعذب فى الآخرة ، بل العدل يقتضي تبينه له اذ كان مستحقا لذلك ، والآثار دالة على ان ارباب الفضائل من الكفار كالحاتم الطائى يرون فى النار فوائد فضائلهم فكيف بمستحقى الاعواض ، بل فى ظهور التخفيف عليهم مصلحة هى ظهور عدله تعالى وفضله فى عباده فيحصل لهم حسرة وندامة من عدم ايمانهم وطاعتهم.

قول الشارح : علم ان آلامه بعد اسقاط الخ ـ علم على بناء الفاعل يرجع ضميره الى المعذب المستحق للعوض وكلمة بعد متعلق بعلم توسطت مع مدخولها بين اسم ان وخبرها الّذي هو اشد ، وتوضيح كلامه ان اللازم عدم ادراكه الراحة بتخفيف عذابه ، فهو اما يحصل بان يخفف من اوّل الامر جميع القدر الساقط من عقابه بان استحق لو لا التخفيف للعوض مرتبة من العذاب فجعل فى مرتبة اخف من ذلك ، فبعد الاسقاط والتخفيف ووقوعه فى العذاب اذا علم ان آلامه وعذابه لو لا التخفيف كانت اشد مما فيه لا يظهر له انه فى راحة لان الراحة انما تظهر وتدرك اذا انتقل من الاشد الى الاخف ولكنه من اوّل الامر جعل فى الاخف ، وهذا الفرض غير مذكور فى كلام المصنف.

وله مناسبة لما ذكرنا ، ولكن ادراك الراحة غير السرور بالعلم بالتخفيف ، واما يحصل بان ينقص من عذابه ذلك القدر متفرقا على الاوقات بحيث لا يظهر له خفة العذاب من عذاب كان فيه قبل ان تحصل له الخفة ، وذلك اذا كانت الخفة فى كل دفعة قليلة جدا ، وكذلك عطاء العوض لمن فى الجنة متفرقا على الاوقات فانه اذا كان المعطى فى كل وقت قليلا غايتها لم يلتفت الى انقطاعه ، ولكن اللازم من مذهبهم عدم تبين الانقطاع فيحزن وعدم تبين الخفة فيفرح ، وذلك لا ينحصر فى التفرق على الاوقات كما مر فى كلام الشارح ويأتى.

قول الشارح : الاول انه لو كان العوض الخ ـ حاصل كلام ابى على انه لو كان منقطعا فأي مانع من ايصاله الى مستحقه فى الدنيا بعد وجود المقتضى وهو استحقاقه لذلك وامكان اعطاء المنقطع فى الدنيا ولو بتعميره زمانا طويلا مع انا نعلم يقينا ان اكثر الاعواض لا يصل الى مستحقه فيها بل يؤخر الى الدار الآخرة ، والجواب أولا

٦١٧

ان التأخير ربما يكون لمصلحة هى خلوص العوض عن كدورات الدنيا او غير ذلك ، وثانيا ان دليلك لا يثبت وجوب دوام كل عوض وهو مدعاك بل ما يؤخر الى الآخرة ، وثالثا ان العوض المنقطع ربما يكون على قدر لا يسعه جميع زمان الدنيا فيؤخر الى الآخرة ، ورابعا ان العوض لا بد ان يكون مناسبا للألم ورب الم لا يمكن ان يوجد فى الدنيا ما يناسبه من الاعواض ، وخامسا ان الآلام المبتدأة لا سيما ما يصيب المؤمنين ليست لتوفير الدنيا عليهم بل لان يصيروا موردا لكرامة الله تعالى فى الدار الآخرة كما تنطق بذلك احاديث ، فلا يدل تأخير العوض الى الآخرة على وجوب دوامه.

قول المصنف : ولا يجب اشعار صاحبه الخ ـ اى ولا يجب اعلام صاحب العوض بان الله تعالى اوصله الى هذه النعمة والمنفعة التى يلتذ بها فى الجنة عوضا عن ذلك الالم المخصوص او عوضا عن الم من آلامه ، ولا يجب اعلامه بانه تعالى اوصله الى نعم عوضا عن آلامه ، بل يجوز ان ينسى فى الجنة آلامه فى الدنيا ولا يشعر بانه فى نعم عوضا عنها.

قول الشارح : بتوفيره عوضا له ـ فسر الايصال بالتوفير لانه سبب لوفور النعمة عليه.

قول الشارح : اذ يجب فى الثواب الخ ـ بيانه ان الفرق بين الثواب والعوض هو اعتبار التعظيم وعدمه ، وفائدة التعظيم فيما يعطاه ثوابا لا تتحقق الا مع علمه بانه ثواب له ، وذلك لان التعظيم ينتزع من عمل او عطاء او غير ذلك مع اضافة قصد المعظم به الى جهة التعظيم فى المعظم ، وعنوان التعظيم وان كان حاصلا بهذا القدر من دون علم المعظم به ، لكن فائدة التعظيم له وابتهاجه به لا تحصل الا مع علمه بتلك الاضافة ، وجهة التعظيم فيما نحن فيه ايمان العبد وطاعته ، واما العوض فهو ما يلتذ وينتفع به العبد بالاستحقاق وهذا حاصل له وان لم يشعر بانه عوض.

قول الشارح : فما يجب ايصاله الى المثاب الخ ـ المراد بالمثاب معناه اللغوى اى المعطى ، وكذا الاعواض اى ما يعطى فى قبال شيء عمل او امر آخر.

قول الشارح : وحينئذ امكن ان يوفره الخ ـ اختلف المعتزلة فى عوض

٦١٨

غير المكلفين من الحيوانات على خمسة اقوال : فقال قوم : ان الله تعالى يعوضها فى المعاد وانها تنعم فى الجنة وتصور فى احسن الصور فيكون نعيمها لا انقطاع له ، وقال قوم يجوز ان يعوضها الله تعالى فى دار الدنيا ويجوز ان يعوضها الله فى الموقف ويجوز ان يكون فى الجنة ، وقال جعفر بن حرب والاسكافى : قد يجوز ان تكون الحيات والعقاب وما اشبهها من الهوام والسباع تعوض فى الدنيا او فى الموقف ثم تدخل جهنم فتكون عذابا على الكافرين والفجار ولا ينالهم من الم جهنم شيء كما لا ينال خزنة جهنم ، وقال قوم : قد نعلم ان لها عوضا ولا ندرى كيف هو ، وقال عباد : انها تحشر وتبطل.

واختلف الذين قالوا بادامة عوضها على مقالتين : فقال قوم : ان الله يكمل عقولهم حتى يعطوا دوام عوضهم لا يؤلم بعضهم بعضا ، وقال قوم : بل تكون على حالها فى الدنيا.

واختلفوا فى الاقتصاص لبعضها من بعض على ثلاثة اقوال : فقال قائلون : يقتص لبعضها من بعض فى الموقف وانه لا يجوز الا ذلك وليس يجوز الاقتصاص والعقوبة بالنار ولا بالتخليد فى العذاب لانهم ليسوا بمكلفين ، وقال قوم : لا قصاص بينهم ، وقال قوم : ان الله سبحانه يعوض البهيمة لتمكينه البهيمة التى جنت عليها ليكون ذلك عوضا لتمكينه اياها منها ، وهذا قول ابى على الجبائى ، هكذا فى مقالات الاسلاميين للاشعرى.

وقال الرازى فى تفسيره عند قوله تعالى واذا الوحوش حشرت : قال قتادة : يحشر كل شيء حتى الذباب للقصاص ، وقالت المعتزلة : ان الله تعالى يحشر الحيوانات كلها فى ذلك اليوم ليعوضها على آلامها التى وصلت إليها فى الدنيا بالموت والقتل وغير ذلك فاذا عوضت عن تلك الآلام فان شاء الله ان يبقى بعضها فى الجنة اذا كان مستحسنا فعل ، وان شاء ان يفنيه افناه على ما جاء به الخبر ، واما اصحابنا فعندهم انه لا يجب على الله شيء بحكم الاستحقاق ولكن الله تعالى يحشر الوحوش كلها فيقتص للجماء من القرناء ثم يقال لها موتى فتموت.

٦١٩

وقال المجلسى رحمه‌الله فى البحار باب محاسبة العباد من كتاب المعاد : واما حشر الحيوانات فقد ذكره المتكلمون من الخاصة والعامة على اختلاف منهم فى كيفيته.

وقال الطبرسى رحمه‌الله عند قوله تعالى : ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) : اى جمعت حتى يقتص لبعضها من بعض ويقتص للجماء من القرناء ويحشر الله سبحانه الوحوش ليوصل إليها ما تستحقه من الاعواض على الآلام التى نالتها فى الدنيا وينتصف لبعضها من بعض فاذا وصل إليها ما استحقته من الاعواض فمن قال ان العوض دائم تبقى منعمة الى الابد ومن قال تستحق العوض منقطعا فقال بعضهم يديمه الله لها تفضلا لئلا يدخل على المعوض غم بانقطاعه وقال بعضهم : اذا فعل الله بها ما استحقته من الاعواض جعلها ترابا.

اقول : قد مر ان اختيار المصنف والشارح ان عوض الآلام بالعاقل وغير العاقل على الله سبحانه الا ان يكون الالم من العاقل المكلف فالعوض عليه والانتصاف باخذ العوض عليه تعالى ، وقد قلنا : ان الاعواض كلها على الله تعالى بحسب وعده كرما وفضلا لا بالحق الاصالى ، واما تعذيب الظالم فى الدنيا والآخرة فلا ينفع المظلوم فلا يكون عوضا عما ورد عليه من الآلام وان كان شفاء لصدره شيئا ما ، واما الاقوال المذكورة فلها شواهد فى الاخبار.

منها انه قال فى مجمع البيان عند قوله تعالى : ( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) ومعناه يحشرون الى الله بعد موتهم يوم القيامة كما يحشر العباد فيعوض الله تعالى ما يستحق العوض منها وينتصف لبعضها من بعض ، وفيما رووه عن ابى هريرة انه قال : يحشر الله الخلق يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شيء ، فيبلغ من عدل الله يومئذ ان يأخذ للجماء من القرناء ، ثم يقول كونى ترابا ، فلذلك يقول الكافر يا ليتنى كنت ترابا ، وعن ابى ذر قال : بينا انا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذ

٦٢٠