توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

على الآخر ولا ترجيح لاحد طرفى المباح على الآخر.

وقال فى اوائل التهذيب فى بيان الحكم الشرعى : الحكم خطاب الشرع المتعلق بافعال المكلفين بالاقتضاء او التخيير او الوضع ، والاقتضاء قد يكون للوجود مع المنع من النقيض فيكون وجوبا ولا معه فيكون ندبا ، وقد يكون للعدم مع المنع من النقيض فيكون حراما ولا معه فيكون مكروها ، والتخيير الاباحة ، والوضع كالحكم على الوصف بكونه شرطا او سببا او مانعا ، وربما رجع بنوع من الاعتبار الى الاول.

وقال فيه بعد فصول : الخطاب هو الكلام المقصود به الافهام.

وقال ابو حامد الغزالى فى المستصفى من علم الاصول فى الفن الاول من القطب الاول : ان الحكم عندنا عبارة عن خطاب الشرع اذا تعلق بافعال المكلفين.

وقال فيه فى اواخر الفن الثانى : فان قيل فالمباح هل يدخل تحت التكليف وهل هو من التكاليف ، قلنا : ان كان التكليف عبارة عن طلب ما فيه كلفة فليس ذلك فى المباح ، وان اريد به ما عرف من جهة الشرع اطلاقه والاذن فيه فهو تكليف ، وان اريد به انه الّذي كلف اعتقاد كونه من الشرع فقد كلف ذلك لكن لا بنفس الاباحة بل باصل الايمان ، وقد سماه الاستاذ ابو اسحاق رحمه‌الله تكليفا بهذا التأويل الاخير ، وهو بعيد مع انه نزاع فى الاسم.

وقال المفيد رحمه‌الله فى اوائل المقالات فى الصفحة السابعة والستين : ان التكليف انما هو الزام ما يثقل على الطباع ويلحق بفعله المشاق.

وقال اللاهيجى فى كوهر مراد : التكليف ويقال له الحكم أيضا خطاب إلهى متعلق بافعال العباد من حيث الاتصاف بالحسن والقبح على سبيل الاقتضاء او التخيير ، والمراد بالاقتضاء هو الطلب والطلب اما متعلق بالفعل واما بالترك والتخيير تسوية بين الفعل والترك.

وقال الشيخ بهاء الدين العاملى فى زبدة الاصول : الحكم الشرعى طلب الشارع من المكلف الفعل او تركه مع استحقاق الذم بمخالفته وبدونه او تسويته بينهما لوصف مقتض لذلك.

٥٨١

وقال الطريحى فى مجمع البحرين : والتكليف فى عرف المتكلمين بعث من يجب طاعته على ما فيه مشقة ابتداء بشرط الاعلام.

وقال الشيخ الطوسى رحمه‌الله فى التبيان فى سورة البقرة : يقال كلف وجهه كلفا ، وبخده كلف اى اثر ، والكلف بالشيء الايلاع به لانه لزوم يظهر اثره عليه ، وكلف كلفا اذا احب ، وتكلف الامر تكلفا تحمله ، وكلفه تكليفا الزمه ، واصل الباب الكلف : ظهور الاثر.

وقال فى سورة الاعراف : التكليف من الله هو إرادة ما فيه المشقة ، وقال قوم : هو اعلام وجوب ما فيه المشقة او ندبه والإرادة شرط ، وقال قوم : التكليف هو تحميل ما يشق فى الامر والنهى ومنه الكلفة وهى المشقة ، وتكلف القول اى تحمل ما فيه المشقة حتى اتى على ما ينافره العقل : وقال فى سورة المؤمنون : التكليف تحميل ما فيه المشقة بالامر والنهى والاعلام.

وهو مأخوذ من الكلفة فى الفعل ، والله تعالى مكلف عباده تعريضا لهم للنفع الّذي لا يحسن الابتداء بمثله وهو الثواب.

وقال الطبرسى رحمه‌الله فى مجمع البيان فى سورة البقرة : التكليف الالزام الشاق ، ثم قال ما قاله الطوسى فى اصل المادة.

وقال فى موضع آخر فى تفسير لا يكلف الله الخ : اى لا يامر ولا ينهى احدا الا ما هو له مستطيع

وقال فى الاعراف : التكليف من الله سبحانه هو إرادة ما فيه المشقة من الكلفة التى هى المشقة اى لا نلزم نفسا الا قدر طاقتها وما دونها.

وقال الاحسائى فى المجلى : التكليف هو الحمل على فعل مشق من واجب الطاعة ابتداء ، ولا بد فيه من الاعلام وقدرة المكلف عليه وحصول النفع بسببه.

وقال فى شرحه : قيد مشق ليخرج بذلك ما لا مشقة فيه من الافعال لان التكليف لا يتحقق بدونها لانه لغة مشتق من الكلفة وهى المشقة ولهذا لم يتحقق التكليف بالمستلذات الشهوية ، ثم قال : ان قلت : ورد التكليف بما ليس بمشق كالا كل من الهدى

٥٨٢

ونكاح الحليلة وكالتسبيحة الواحدة ، قلت : يريد بالمشق ما يستلزم جنسه المشقة ولا اعتبار بالاشخاص ، والتكليف من حيث جنسه مشق وان كان باعتبار اشخاصه قد يقع فيها ما ليس كذلك ، او نقول : ان هذه الافعال اذا لم يلاحظ فيها الطبيعة بل انما فعلت بملاحظة الامر تحققت المشقة بفعلها خصوصا اذا روعى فيها تحقق الاخلاص الواجب فى جميع الطاعات فان تحققه فيها فى غاية الصعوبة لكونها افعالا ملائمة للطبع ، واما استلذاذ اهل الله المقبلين على اوامره غاية الاقبال بخدمة معبودهم وكون ذلك لا ينافى طباعهم فطور وراء طور التكليف.

اقول : اخذ المشقة فى حد التكليف لكونها اصلا فى اللغة غير صحيح مع انك قد عرفت من كلام الشيخ الطوسى رحمه‌الله ان الاصل لا ينحصر فى ذلك ، بل يأتى بمعنى المحبة وظهور الاثر والايلاع بالشيء ، ومن الممكن ان يكون التكليف مأخوذا من الكلف بمعنى المحبة ، ويكون تكليف الشارع بالافعال تحبيبه إليها وترغيبه لها كما قال تعالى : ( وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ ) ، وهذا المعنى يقوى فى المندوب والمكروه اذ ليس فيهما الزام فعلا او تركا ، وعلى كل فاخذ كون الفعل المكلف به شاقا فى معنى التكليف ليس مما ينبغى خصوصا فى المطلوب تركه اذ ليس فى الترك مشقة ، والقول بان المطلوب فى الترك كف النفس كما وقع فى كلام العلامة رحمه‌الله فى التهذيب ليس بحق لان لازم ذلك عدم موافقة من لا يأتى بالمنهى لعدم الرغبة او الالتفات إليه او عدم العلم به المنهى وكونه عاصيا مخالفا ، وهذا مما على خلافه اجماع المسلمين كافة ، وتقييد التكليف بما فى الوسع المفسر بما دون مدى الطاقة والمجهود واستفراغ القدرة فى الآيات يدل على ان التكليف صادق من دون المشقة ، بل مقتضى ذلك ان لا تكليف فى الشرع الا بما لا مشقة فيه ، وكذا ادلة نفى الحرج والضرر والعسر ، فالحق ان هذا القيد مخل وان كان بعض ما كلف به الشارع شاقا على اكثر النفوس كالجهاد ، نعم نفس التكليف والالزام من الغير شاق على من لم يكن له محبة ورجاء صادق فى ذلك الغير كما قال تعالى : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ ) ، وقال تعالى : ( وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ ) لان النفس لكونها مختارة بالذات تحب التخلية واطلاق العنان

٥٨٣

فى كل شيء ، ولكن كون المشقة وصفا عارضا على التكليف قابلا للزوال لا يستلزم ان يكون من اجزاء ماهيته كون المكلف به شاقا من حيث هو هو حتّى يتحقق التكليف.

ثم ان التكليف ليس له حقيقة شرعية ، بل يستعمل فى لسان الشرع والمتشرعة والعرف بمعنى واحد ، وهو البعث على الفعل الاختيارى او الزجر عنه بالخطاب او ما يجرى مجراه فلا يكون الاباحة تكليفا وان كان حكما فان الحكم فيما نحن فيه نسبة الفعل الاختيارى الى رضا الشارع وعدمه ، وليس أيضا من الامور الواقعية الداخلة تحت احدى المقولات ، بل هو كالحكم امر انتزاعى ومفهوم اعتبارى يعتبره العقل على عدة امور ، هى إرادة من يجب طاعته لما يصدر عن غيره بالاختيار او كراهته كذلك والخطاب المنبئ عن تلك الإرادة او الكراهة بالخصوص او العموم على جهة الابتداء لان الإرادة المسبوقة لا تؤثر مع السابقة ، واما الاعلام كالقدرة فمن شرائط فعلية التكليف وتنجزه لا انشائه.

قول الشارح : والمشقة لا بد من اعتبارها ـ قد قلنا ما فيه ، وحاصله ان التكليف شاق على النفوس لا ان تحقق التكليف لا بد له من ان يكون المكلف به شاقا فى نفسه

قول الشارح : فنقول التكليف حسن ـ ليس فى هذه المسألة مخالف من اصحاب الديانات ، وخلاف الاشاعرة فى وجوبه لا فى حسنه لكن شرعا ، واما البراهمة فانكروا حسنه لانكارهم حسن البعثة ، ويأتى مقالتهم فى المسألة الاولى من المقصد الرابع.

قول الشارح : لان الله تعالى فعله الخ ـ هذا استدلال الاشاعرة على حسن التكليف من ان التكليف قد فعله الله تعالى وكل ما فعله حسن فالتكليف حسن.

قول الشارح : ووجه حسنه اشتماله الخ ـ هذا استدلال المعتزلة على حسن التكليف ، وحاصله ان التكليف مشتمل على المصلحة وكل ما هو مشتمل على المصلحة حسن فالتكليف حسن ، واما قولهم : لا تحصل بدونه ليس جزءا من الدليل ، بل هو دفع اعتراض هو ان تلك المصلحة ان حصلت بدون التكليف لكان التكليف عبثا لغوا

٥٨٤

لكنها تحصل بدونه لان من الممكن ان يدخل الله تعالى عباده الجنة ابتداء ، والجواب ان المصلحة ليست دخول الجنة ، بل التعريض لذلك وجعل العباد فى معرض ان يستحقوا ذلك باختيارهم وهذا لا يحصل الا بالتكليف والابتلاء.

قول الشارح : لزم العبث ـ اى لزم العبث فى التكليف لانه لا يكون حينئذ مقدمة غير لازمة وهو قبيح محال عليه تعالى.

قول الشارح : ولا شك ان التعظيم الخ ـ هذا جواب عن سؤال هو انه ما المانع من ان يعطى الله تعالى عباده الثواب والجنة من دون تقدمة التكليف والتعريض بذلك ، والجواب ان ما يعطى الله تعالى عباده فى الجنة منافع عظيمة خالصة دائمة مع التعظيم والمدح ، وذلك من دون الاستحقاق الحاصل بالاطاعة وموافقة التكليف قبيح كتعظيم المجانين والصغار والبهائم ، فالمانع لزوم القبح فى اعطاء ذلك من دون الاستحقاق الحاصل به.

نقل المجلسى رحمه الله تعالى فى البحار باب علة خلق العباد وتكليفهم عن الاحتجاج انه روى انه اتصل بامير المؤمنين عليه‌السلام ان قوما من اصحابه خاضوا فى التعديل والتجويز ، فخرج حتى صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ، ثم قال : ايها الناس ان الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه اراد ان يكونوا على آداب رفيعة واخلاق شريفة ، فعلم انهم لم يكونوا كذلك الا بان يعرفهم ما لهم وما عليهم. والتعريف لا يكون الا بالامر والنهى ، والامر والنهى لا يجتمعان الا بالوعد والوعيد ، والوعد لا يكون الا بالترغيب والوعيد لا يكون الا بالترهيب ، والترغيب لا يكون الا بما تشتهيه انفسهم وتلذه اعينهم والترهيب لا يكون الا بضد ذلك ، ثم خلقهم فى داره واراهم طرفا من اللذات ليستدلوا به على ما وراءهم من اللذات الخالصة التى لا يشوبها الم ، الا وهى الجنة ، واراهم طرفا من الآلام ليستدلوا به على ما وراءهم من الآلام الخالصة التى لا يشوبها لذة ، الا وهى النار ، فمن اجل ذلك ترون نعيم الدنيا مخلوطا بمحنها ، وسرورها ممزوجا بكدرها وغمومها.

وفى البحار باب احتجاجات الصادق عليه‌السلام عن الاحتجاج ، قال الزنديق :

٥٨٥

اخبرنى عن الله عز وجل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين وكان على ذلك قادرا ، قال عليه‌السلام : لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب لان الطاعة اذا ما كانت فعلهم ولم تكن جنة ولا نار ، ولكن خلق خلقه فامرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته واحتج عليهم برسله وقطع عذرهم بكتبه ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون ويستوجبون بطاعتهم له الثواب وبمعصيتهم اياه العقاب.

ان قلت : ان التعظيم والمدح قبيح من دون الاستحقاق ، واما نفس النعم الاخروية ان اعطاها الله تعالى عباده من دون التعظيم والمدح فلا كما ابتدأ تعالى بالنعم قبل استحقاقها فى هذه الدار ، وأيضا ما حال من يدخل الجنة بالشفاعة مع ان الاخبار الكثيرة ناطقة بان كثيرا ممن شملتهم الشفاعة مستحقون للنار ، هل هو معظم ممدوح فى الجنة أم منعم فقط ، وما حال من يدخل الجنة بعد لبثه فى النار احقابا هل هو كذا أم كذا ، وأيضا نقل العلامة المجلسى رحمه‌الله فى البحار باب النار من كتاب المعاد عن تفسير القمى ذيل آية يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ، قال : هو استفهام لانه وعد الله النار ان يملاها فتمتلى النار ، ثم يقول لها : هل امتلأت وتقول هل من مزيد على حد الاستفهام ، اى ليس فىّ مزيد ، قال : فتقول الجنة : يا رب وعدت النار ان تملأها ، ووعدتنى ان تملأني ، فلم لا تملأني وقد ملأت النار ، قال : فيخلق الله يومئذ خلقا يملأ بهم الجنة ، فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : طوبى لهم انهم لم يروا غموم الدنيا وهمومها.

قلت : ان الله تعالى اراد ان يكون الانسان على اشرف المقامات واعلى الدرجات بالاستحقاق من قبل اختيارهم وذلك لا يمكن الا من طريق التكليف وجعلهم فى معرض ذلك كما مر فى الحديثين ، ومن لا يصل الى شيء من ذلك او يصل الى بعض الدرجات دون بعض بالاستحقاق او بتفضل من الله او بشفاعة ولى من اولياء الله فهو لقاطع من نفسه او من غيره انقطع عن الوصول الى الغاية ، فامكان ان يكون قوم من الآدميين او غيرهم فى الآخرة منعمين فقط او مع قسط من الاكرام لا يستلزم ان يترك الله تعالى ما اراده للنوع الانسانى وان حصل ذلك لبعض ، وان كان مذهب المعتزلة الا الجبائى

٥٨٦

على ما نقل ابو الحسن الاشعرى فى مقالات الاسلاميين انه لا يجوز ان يبتدئ الله الخلق فى الجنة ويتفضل عليهم باللذات من دون سبق التكليف وتحمل المشاق ، لكن هذا المذهب مردود عندنا للحديث المذكور ولما قلنا ولما مر فى اطفال المؤمنين فى المسألة العاشرة ولان الحور والغلمان والملائكة فى الجنة منعمون فيها من دون سبق تكليف.

قول الشارح : وبعثه ـ بصيغة الماضى عطف على جعل ، وكذا قوله : علم.

قول المصنف : والمعاوضات والشكر باطل ـ المعاوضات مجرور معطوف على الجرح ، والشكر مبتدأ وباطل خبره ، وتغيير السياق لان الاولين منع لكبرى القياس الّذي ذكرناه ذيل قول الشارح : ووجه حسنه اشتماله الخ ، وهى قولهم : وكل ما هو مشتمل على المصلحة حسن بان الكلية ممنوعة لان هذه المصلحة كمصلحة التداوى بعد الجرح عمدا ومن جرح عمدا احدا ثم داواه حتى يبرأ جرحه فقد فعل قبيحا لان العقلاء يذمونه ولان هذه المصلحة عوض عن مشقة التكليف الواردة على العبد والمشتمل على المصلحة العوضية حسن اذا كان برضاء الطرف الآخر وليس كذلك ، والثالث منع لصغراه التى هى قولهم : التكليف مشتمل على المصلحة لان من المحتمل ان يكون التكليف شكرا للنعم الدنيوية السابقة على اتيان ما كلف به والشكر لا يشتمل على مصلحة للمكلف.

قول الشارح : هذه ايرادات على الخ ـ اعلم ان الخصم اذا اقام دليلا على نقيض مطلوب المستدل من دون تعرض لمقدمات مطلوبه سمى ذلك معارضة بالمثل او بالغير ، واذا تعرض لابطال احدى مقدماته بعينها او كلها سمى ذلك منعا ونقضا تفصيليا ومناقضة ، واذا تعرض لابطال دليله باثبات خلل فيه من دون تعيين سمى ذلك نقضا اجماليا ، وعلى كل منها يطلق الايراد ، وتفاصيل ذلك مذكورة فى علم البحث والمناظرة.

قول الشارح : لا يشترط فيه رضاء المكلف ـ اقول : رضاء المكلف حاصل وشرط المعاوضة موجود لانه ليس مجبورا فى العمل ، بل يأتى اختيارا ويستحق

٥٨٧

الاجر على ما اتى به ان كان قصده لله مع ان هذا بحسب ما جعله الله تعالى لعباده من الاستحقاق ، واما بحسب الواقع فالكل بفضله ورحمته ، ولا بدّ للعبد من الخوف والرجاء.

قول الشارح : الثالث لم لا يجوز الخ ـ هذا الايراد نقله الشارح فى المسألة الخامسة من المقصد السادس عن ابى القاسم البلخى المعتزلى مع ذهابه الى ان الثواب فى الآخرة تفضل منه تعالى فقط لا اجر على استحقاق.

قول الشارح : احدهما ان الجرح مضرة الخ ـ هذا الجواب لا يوافق القول بان المشقة لا بد من اعتبارها فى التكليف كما مر فى اوائل المسألة فى كلام الشارح على ان المشقة حاصلة سواء كان التكليف نفسه شاقا أم كان المشقة فى المكلف به ، فالحق ان يقال فى الفرق : ان المكلف يقبل التكليف ويأتى بالمكلف به اختيارا بخلاف المجروح فانه يرد عليه الجرح من الجارح بلا اختيار منه مع ان الاختيار يهون ثقل التكليف والعمل.

قول الشارح : بخلاف التكليف ـ فان ما يحصل للعامل المطيع فى الآخرة من المنافع واللذات لا يقاس بغيره من المنافع فلا يكون فى الواقع عوضا عن مشقة التكليف.

قول الشارح : ان المراضاة تعتبر الخ ـ قد قلنا ان المراضاة حاصلة هاهنا وان لم يكن فى ذلك معاوضة حقيقة.

قول الشارح : وعن الثالث ان الشكر الخ ـ حاصله دفع احتمال كون التكليف شكرا لانه لو كان شكر الزم العبث من جهة المشقة المعتبرة فى التكليف التى ليست معتبرة فى الشكر مع ان ازالتها عن التكاليف ممكنة فابقاؤها لغو عبث ، فتأمل.

اقول : التحقيق ان التكليف وهو فعل الله تعالى يمتنع ان يكون شكر النعمة ، ولكن موافقة التكليف من العبد شكر لنعمه تعالى وان كان العبد قاصرا عن اداء حق

٥٨٨

شكره بالغا ما بلغ ، وذلك مع كونه شكرا مشتمل على مصلحة هى استحقاق العبد بحسب وعده تعالى لثواب الآخرة.

قول المصنف : المستلزمة ـ صفة للامور الثلاثة المذكورة لا للانذارات.

قول الشارح : وتحقيقه ان نقول ان الله الخ ـ هذا الدليل يشتمل على مقدمات :

الاولى ان بقاء الانسان فى الدنيا فى الجملة لحصول الكمالات لاشخاصه حسن.

الثانية ان بقاء النوع بحيث يحصل لاشخاصه الكمالات والمدارج النوعية لا يمكن الا بالتعاضد والتعاون فيما يحتاجون إليه من الاعمال والصناعات وبالتجمع الحاصل فيه التعاليم والتربيات لان كل انسان وحده وان امكن تعيشه بالعسر فى الآجام وشعاب الجبال بالاكتفاء بعشب الارض وحشيشها وبعض الصيود ومياه الانهار لكنه لا يحصل له الكمالات الدنيوية والاخروية ولا يصل الى ما خلق لاجله.

الثالثة ان اجتماعهم مع تباين شهواتهم وتغاير امزجتهم واختلاف قواهم وطلب كل باقتضاء شهوته ما فى يد غيره من الامر المطلوب ودفعه باقتضاء غضبه عما عليه من الامر المرغوب مظنة للتنازع والفساد ومورد للفتن والاختلال ، وذلك ينجر الى انحلال الجمع وتفرق الشعب ونقض الغرض من التجمع والتعاون.

الرابعة وجوب وضع قوانين وسنن بحسب اختلاف الطبقات وتفاوت الافراد والاصناف من الرجال والنساء والعلماء والجهال والاغنياء والفقراء والصغار والكبار وغير ذلك حتى يراعى العدل فيهم ويتعادلون بها فيما بينهم ، فان اختلاف الخلق من حيث التكوين يقتضي التفاوت بينهم فى التشريع والا لم يراع العدل ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا واذا استووا هلكوا ، وانما وضع القوانين والسنن لئلا يقع بينهم بسبب الجرى عليها تنازع ، وان وقع رجعوا إليها واستقاموا عليها.

الخامسة ان وضعها لا بد له من واضع.

ثم الواضع اما انفس الافراد او بعضهم لا على التعيين او بعضهم معينا بلا مرجح

٥٨٩

او معه ، والاول يستلزم محذور التنازع والفساد ، والثانى محال لان غير المعين مطلقا لا يقع منه شيء وغير المعين عند الناس لا يجوز العقل اتباعه فى قوانينه ، والثالث محال للزوم الترجيح بلا مرجح ولزوم التنازع أيضا ، فتعين الرابع ، والمرجح لا بد ان يكون مرجحا فى المقام بان يكون ذلك البعض من كمال القوى وقوة الكمالات بحيث يستحق الانقياد إليه والطاعة له فيما يأمر وينهى ويضع ويرفع.

ثم ان تعيين هذا البعض وان له هذا الاستحقاق ان كان من الناس عاد محذور التنازع مع عدم اطلاعهم على سرائر الاشخاص ، فلا بد ان يكون من الله تعالى ، وذلك انما يكون بمعجزات تدل على ان ذلك البعض بما يأتى به من الاحكام والقوانين من عند الله تعالى.

ان قلت : انا نرى شعوبا واقواما يعيّنون شخصا او اشخاصا لا من عند الله تعالى ويلتزمون طاعته ويقرون باستحقاقه لذلك بلا تنازع بينهم ، قلت : اولئك كالانعام بل هم اضل واولئك هم شر الدواب واولئك هم الغافلون عن مدارج الكمالات الانسانية لان الانسان الملتفت الى مقامه ، الطالب لكماله ، المستكمل مدارج عرفانه ، الذائق حلاوة قرب الحق وانسه ، الشائق الى لقائه كيف يمكن ان يرضى باتباع من هو مثله فى الحاجة الى الاهتداء بهاد يعرف سلوك طريقة الانسانية والوصول الى المبدأ الحق الّذي يحكم به الفطرة ولقائه ، قل هل من شركائكم من يهدى الى الحق قل الله يهدى للحق أفمن يهدى الى الحق احق ان يتبع أم من لا يهدى الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون ، نعم من لا يلتفت الى مقام الانسانية لانغماره فى البهيمية يرضى بذلك طلبا لما له من اللذائذ الحيوانية ولو بالاوهام ، وبالرضاء لا يقع التنازع مع ان التنازع فيما هم فيه يقع بينهم كثيرا بل فى الاكثر ، ثم يحصل الهدوء والهدنة بالغلبة المخوّفة من بعضهم.

والحاصل ان حسن التكليف ليس بالنظر الى منافع هذه الدنيا فقط ، بل الى منافع الانسان وكمالاته من بدء ظهوره الى الابد بلا امد ، وذلك لا يتأتى الا بتعيين التكاليف وبيان الشرائع وإراءة الطريقة ممن له احاطة بشئون تكوين الانسان وسيره الى بلوغه بغايته ووصوله بآخرته وخصوصيات ذلك.

٥٩٠

قول الشارح : ثم من المعلوم تفاوت الخ ـ يشير الى ان واضع السنة لا بد له من ان يعمل اعمالا فى الناس حتى تستعمل سنته فيما بينهم ، وهذا غير مذكور فى المتن.

قول الشارح : احكام شريعة ـ بكسر همزة احكام.

قول الشارح : ولما كان النبي لا يتفق الخ ـ هذا اشارة الى ان جعل السنة يجب ان يكون على وجه تبقى بعد جاعلها الى زمان نسخها وتجديد غيرها ان لم تكن ابدية ، وهذا أيضا غير مذكور فى المتن.

قول الشارح : فيحصل لهم من تلقى الاوامر الخ ـ اى فيحصل لهم من استعمال السنة الالهية تلك الامور الثلاثة ، وحصول تلك فى نفوس الاشخاص يوجب من انفسهم ان يقيموا العدل بينهم ويقنع كل منهم بحقوقه.

قول الشارح : عند الاوائل ـ اى الحكماء قبل الاسلام ، وتبعهم من ظهر منهم بعده.

قول المصنف : وواجب لزجره الخ ـ يمكن ان يؤتى هذا البرهان بهذه الصورة : التكليف زاجر للعبد عن القبائح وكل ما هو كذلك واجب عليه تعالى لان فعله لطف وتركه اغراء بالقبيح اى تخلية للعبد فى سبيل الهلكة وذلك قبيح.

قول الشارح : وانكرت الاشاعرة ذلك ـ لانكارهم الوجوب عليه تعالى مطلقا بناء على انكارهم الحسن والقبح العقليين.

قول الشارح : وقد ذكر امورا الخ ـ جملة الشروط المذكورة عشرة : اثنان لنفس التكليف ، واثنان للمكلف به ، وثلاثة للمكلف ، وثلاثة للمكلف ، ثم ان الاولى عد هذه العشرة مع امور اخرى ذكرها الشارح فى نهج الحق وغيره فى غيره شروطا للتكليف كما صنع المصنف لان التكليف كما قلنا امر منتزع من الثلاثة فما يشترط للمكلف مثلا من حيث هو مكلف يرجع الى الاشتراط للتكليف ، لكن بعضها شروط انشائه وبعضها شروط تنجزه ، والتفاصيل فى محلها.

قول الشارح : احدهما انتفاء المفسدة فيه الخ ـ هذا بإطلاقه ليس بشرط

٥٩١

اذ لا يقبح الامر بشيء مع استلزامه مفسدة ضعيفة فى جنب مصلحة الامر ، ولا يقبح النهى عن شيء مع استلزامه مصلحة ضعيفة فى جنب مفسدة النهى.

قول الشارح : متقدما على الفعل الخ ـ اى لا يكون التكليف بشيء فى الزمان السابق على الخطاب ولا فى زمن الخطاب ، بل فى مستقبله بقدر من الزمان حتى يتمكن المكلف من استعلام التكليف وتحصيل مقدمات المكلف به ان كانت له مقدمات فى ذلك القدر من الزمان.

قول الشارح : احدهما امكان وجوده ـ اى امكان وجوده للمكلف ، ولا يكفى امكانه فى نفسه.

قول الشارح : قد اشتمل على صفة زائدة الخ ـ هذا على ان لا يكون المباح تحت التكليف ، وقد مر ذكر الاختلاف فيه فى اوائل المسألة.

قول الشارح : وامكان الآلة ـ المراد بالآلة هو ما اصطلح فى اصول الفقه بمقدمة الواجب بل كل مكلف به ، فان مقدمة المكلف به كنفسه لا بد ان تكون ممكنة للمكلف.

ثم ان سائر الشروط التى لم تذكر هنا هى وجود المكلف وعقله وبلوغه وخطابه بما يفهم والتكليف بما يستحق به الثواب وان لا يكون امرا بما نهى عنه او نهيا عما امر به الا بالنسخ.

ثم ان اللازم على الاشاعرة من انكار الحسن والقبح العقليين انكار اشتراط هذه الامور كلها ، ولكنى لم اجد فيما طالعت الا ذكر انكارهم لبعضها ، وتفصيل الكلام والنقض والابرام فى مظانها.

قول الشارح : نحو التكاليف السمعية ـ كالتكليف بالعلم بكثير من مسائل الامامة والمعاد.

قول الشارح : كظن القبلة وغيرها ـ بمعنى اكتفاء الشارع بتحصيل الظن مكان العلم مع عدم امكانه تسهيلا على المكلف ، لا ان الظن مطلوب فى نفسه لانه لا يغنى من الحق شيئا.

٥٩٢

قول المصنف : وهو منقطع للاجماع ـ ذكر المفيد رحمه‌الله فى اوائل المقالات كلاما فى فصول فى ان اهل الآخرة هل هم مأمورون او غير مأمورين ، وهل هم مكلفون او غير مكلفين ، وهل هم مختارون لافعالهم أم مضطرون أم ملجئون ، وهل يقع منهم قبيح من الافعال أم لا ، وذكر اختلاف الاقوام فيها.

اقول : ان المستفاد من الآيات والاخبار ان اهل الجنة مختارون فى افعالهم فاعلون لها بالارادة اعلاها بل ارادتهم كارادة الله تعالى فى عدم الفصل ، ولا يفعلون القبيح لغناء هم عنه ، ولا يؤمرون ولا ينهون بما يثقل عليهم ولا تطيب به نفوسهم ، بل هدوا الى ما تطيب وتلتذ به نفوسهم من ذكر ربهم ومناجاته وعبادته والتحيات الحسنة بين انفسهم ، واما اهل النار فليس لهم اختيار فى شيء الا التكلم بعض الاحيان باذن الله تعالى ، ولا يمتنعون عن الكذب لقوله تعالى : ( ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ) ، وهذا يدل على انهم لو كانوا مختارين فى افعالهم لم يمتنعوا عن غير الكذب من القبائح ، واما قوله تعالى : ( لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ ) فليس هذا الاكل والشرب على سبيل الاختيار والاشتياق لانهم يعذبون به ولو كان كذلك لامتنعوا منه ، بل يكون بالالجاء بان يفعل ذلك بهم فى بطونهم او الاكراه بان يحملوا على ذلك قهرا او الاضطرار بان يشتد الم الجوع والعطش فيهم حتى يرضوا بذلك الاكل والشرب واذ ليس لهم اختيار فلا امر ولا نهى ، وسيأتي إن شاء الله فى المسألة السادسة من المقصد السادس بعض الكلام فى ذاك.

قول الشارح : ولا بد من تراخ الخ ـ هذا اشارة الى السؤال والحساب والميزان قبل دخول الجنة والنار ، وان لم يكن ذلك وادخل الله الناس الجنة على تفاضل درجاتهم وادخلهم النار على اختلاف دركاتهم لزم الجاؤهم فى ذلك واما مع الحساب فيتعين عند كل احد مقدار ثوابه او عذابه واصلهما.

قول المصنف : وعلة حسنه عامة ـ اى عامة لتكليف الناس من اجتمع

٥٩٣

فيه شرائطه من الكافر والمؤمن ، وليس الايمان شرطا لحسنه ، فهو ثابت على المؤمن والكافر.

اقول : النزاع بين المثبتين والنافين ليس فى تكليف الكافر بالاصول وعقابه عليها لا سيما العقلية منها كاثبات الصانع والنظر فيما يأتى النبي من المعجزات ، وليس أيضا فى الفروع العقلية من حيث العقاب الاخروى كلطم الصغير وقتله ، بل انما هو فى تكليفه بالفروع الشرعية كالحج والصيام بمعنى ان الله تعالى يريدها منه كما يريدها من المسلم وانه يعاقب عليها فى الآخرة كما يعاقب على الاصول أم لا ، لا بمعنى ان على الحاكم ان يجبره على الامتثال وعلى المسلمين ان يأمروه بها لان غير الكتابى يقتل فى دار الاسلام او يستسلم ان اسلم ، والكتابى يفعل به احدهما او يؤخذ منه الجزية ، واما الاعمال فهو يقرر فيها على مذهبه لعموم الزموهم بما الزموا به انفسهم ، وما ثبت بالأدلّة العامة او الخاصة كإلزامه بشرائط الذمة واخذه بالحدود والديات والقصاص وباداء الخمس من الارض المشتراة من المسلم لا ينافى ذلك ، فمن ذلك علم ان المسألة كلامية.

ثم للمثبتين وجوه :

الاول ان رحمة الله تعالى واسعة ، ومقتضى ذلك إرادة تعريض كل احد للنجاة والفوز بالسعادة الدائمة والدرجات الرفيعة فى الآخرة ولذلك كانت دعوته عامة لجميع الخلق ، وان اراد شيئا اراد ما يتوقف عليه ، ومما يتوقف عليه التعريض للنجاة التكليف كما مر بيانه فى اوّل المسألة ، فالكافر يراد له التكليف اذ يراد له ما يتوقف على التكليف ، واعترض عليه بان التعريض لذلك ليس علة تامة بل هو مقتض والمانع موجود وهو الكفر ، والجواب ان الكفر ليس مانعا بل الاسلام شرط لصحة بعض الاعمال كالعبادات ، فالله تعالى يريد الحج مثلا من الكافر بشرط ان يسلم كما يريد الصلاة من المسلم بشرط ان يتطهر لا مطلقا ، ولا يريد هما حال الكفر والحدث ، ونفى المقيد لا يستلزم نفى المطلق ، وببيان آخر ان الكافر يعاقب فى الآخرة بترك الصلاة والصيام والحج وغيرها ، ولا يقبل منه عذر انى لم اكن مسلما لامكان تحصيل الشرط له.

٥٩٤

الثانى الآيات الناطقة بان الأنبياء عليهم‌السلام دعوا المشركين والكافرين الى الفروع كالعبادة والتقوى والسجود والشكر والاحسان وترك الفساد فى الارض والبخس فى الميزان وغيرها كما دعوهم الى الايمان بالاصول.

الثالث الآيات الآمرة او الناهية العامة لجميع الناس كقوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ، وقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ) ، وقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) ، وقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ ) ، وغير ذلك واورد عليه بان هذه الآيات مخصصة بما تدل على اختصاص الحكم بالمسلمين كقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) ، وقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا ) ، وقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) ، وغير ذلك ، والجواب ان اختصاص الخطاب لا يستلزم اختصاص الحكم الثابت عمومه بالأدلّة الاخرى كما خوطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فى القرآن بما قد علم عمومه لغيره ، فلعل اختصاص الخطاب لتشريف المؤمنين وتوهين الكافرين او لوجه آخر ، مع ان التخصيص لا يكون الا مع اختلاف الحكم نفيا واثباتا ووحدة متعلقة فى العام والخاص والطائفتان من الآيات ليست كذلك ، فما ثبت خصوصه كالصيام لا يضر بما ثبت عمومه كالحج فكل منهما فى مكانه ، فاذا ثبت عموم التكليف بالحج مثلا للمؤمن والكافر ثبت عموم التكليف بغيره لعدم القول بالتفصيل.

الرابع الآيات الدالة على عذاب الكافر بالخصوص لتركه الفروع والدالة بالعموم على عذاب تارك الفروع كقوله تعالى : ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ) ، وقوله تعالى : ( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى ) ، وقوله تعالى : ( قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ) ، وقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) ، وقوله تعالى : ( وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها ) وقوله تعالى : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ) ، وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ )

٥٩٥

وتفريع العذاب على مخالفة الفروع يدل على انها مكلف بها وتوصيفه بالخلود يدل على ان الكافر داخل تحت التكليف بها لان المؤمن ليس بخالد فى العذاب.

الخامس ما دل عليه العقل وهو ان كل واقعة لها حكم واقعى من الحسن والقبح على ما تقرر فى المسألة الاولى ، ادركهما العقل أم لا ، ولا ريب ان ذلك معلوم عند الله تعالى ، وهو تعالى يريده او لا يريده ، ولا مدخلية للفاعل فى ذلك اذا اجتمع فيه الشرائط ، نعم على الله تعالى البيان بالشرع او العقل ، فكل احد مع اجتماع الشرائط مطلوب منه فعل الحسن وترك القبيح كائنا من كان ، والجهل بالنبى او بما اتى به ليس مانعا ، بل عذر للمكلف ان كان عن قصور.

قول الشارح : بيان المقدمة الاولى ـ اى صغرى قياس اتاه النافون دليلا على مدعاهم ، وهى ان تكليف الكافر ضرر الخ ، ولم يذكر كبراه لظهورها ، وهى كل ضرر لا مصلحة فيه لا يكون حسنا ، فلا يكون تكليف الكافر حسنا.

قول الشارح : سوء اختيار الكافر لنفسه ـ حيث عاند النبي او تساهل فى التحقيق عن حاله.

قول المصنف : وهو مفسدة الخ ـ اكثر الشارحين كالشارح العلامة جعلوا هذا والّذي قبله جوابين عن دليلين للخصم ، وهو كما ترى اذ لا فرق بين قوله فى تقرير الاول : ان تكليف الكافر ضرر محض وقوله فى تقرير الثانى : وهذا التكليف يستلزم الضرر بالمكلف الا فى اللفظ ، ومعلوم ان الكبرى فى كليهما واحدة ، فالحق ان يكون الجملتان جوابا واحدا عن دليل واحد للخصم ، وتقريره ان الكافر يتضرر من التكليف لانه وان لم يتحمل مشقته فى الدنيا لكنه يعاقب فى الآخرة على ترك الامتثال ، وهذا الضرر مفسدة توجهت من قبل التكليف ، وانكم شرطتم حسن التكليف بخلوه عن المفسدة ، والجواب ان هذا الضرر الّذي سميتموه بالمفسدة حاصل من سوء اختيار الكافر لا من جهة التكليف ، والمفسدة التى شرطنا خلو التكليف عنها هى ما يلزم من نفس التكليف.

٥٩٦

قول الشارح : الّذي يخطر لنا الخ ـ عدم جزمه رحمه‌الله لان الكلام لا يستقيم على ان يكون جوابا عن سؤال آخر كما قلنا.

ثم ان النافين لتكليف الكافر استدلوا بوجوه لا بأس بذكرها والجواب عنها :

الاول ان الكافر لو كان مكلفا لصحت منه العبادات ، والتالى باطل بالاجماع ولان العبادة مشروطة بنية القربة وهى لا تتحقق من الكافر ، والجواب ان الملازمة بين التكليف وصحة العبادة ممنوعة من الطرفين فان الصبى لا سيما المميز يصح عنه اكثر العبادات وهو غير مكلف ، والبالغ فى وقت الصلاة حال الحدث مكلف بالصلاة ولا تصح عنه ، فعدم صحة العبادة من الكافر ليس لانه غير مكلف ، بل هو لفقدان شرط من شروط الصحة وهو الاسلام كالفاقد للطهارة.

الثانى لو كان الكافر مكلفا بالفروع وجب عليه القضاء ان اسلم ، والتالى باطل لان الاسلام يجبّ ما قبله ، والجواب أولا ان ذلك كذلك لكن الشارع رفع عنه ذلك تسهيلا وترغيبا وتأليفا ، وثانيا ان الجباب مطلقا ممنوع.

الثالث لو كان الكافر مكلفا بالفروع لزم تكليف ما لا يطاق او الغاء ما هو معتبر قطعا لان الشارع لو طلب منه العبادة فى حال الكفر بشرط الاسلام لزم الاول او بلا شرطه لزم الثانى ، والجواب ان الاسلام شرط وهو ممكن الحصول للكافر.

الرابع استصحاب عدم التكليف حال صغره ، والجواب ان اليقين بعدم تكليفه فى تلك الحال نقض بالأدلّة اليقينية على تكليفه بعد بلوغه.

الخامس قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : طلب العلم فريضة على كل مسلم فان هذا العلم علم الفروع لان الانسان لا يكون مسلما الا بعد معرفة الاصول ، فاذا كان علم الفروع فرضا على المسلم لا على الكافر فالعمل بالفروع أيضا فرض عليه لا عليه ، والجواب ان الوصف لا مفهوم له مع انه يمكن ان يكون المراد مطلق العلم وهو فريضة على المسلم والكافر لان المسلم يطلق على من اقر بالدعوة الظاهرة وان لم يكن عارفا بالمعارف كلها وذكر المسلم بخصوصه لعله لاهتمام شانه.

ثم ان من النافين لتكليف الكافر بعض الاخباريين كالمحدث الكاشانى والامين الأسترآبادي وصاحب الحدائق رحمهم‌الله على ما حكى فى العناوين لروايات ظاهرها ذلك.

٥٩٧

منها ما فى تفسير القمى عن احمد بن ادريس عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابى جميلة عن ابان بن تغلب قال : قال ابو عبد الله عليه‌السلام : يا ابان اترى ان الله عز وجل طلب من المشركين زكاة اموالهم وهم يشركون حيث يقول : وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون ، قلت له : كيف ذلك جعلت فداك فسره لى ، قال : فويل للمشركين الذين اشركوا بالامام الاول وهم بالأئمة الآخرين كافرون ، يا ابان انما دعا الله العباد الى الايمان فاذا آمنوا بالله ورسوله افترض عليهم الفرائض.

ومنها ما فى الكافى باب معرفة الامام والرد إليه من كتاب الحجة عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن زرارة قال : قلت لابى جعفر عليه‌السلام : اخبرنى عن معرفة الامام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال : ان الله عز وجل بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله الى الناس اجمعين رسولا وحجة لله على جميع خلقه فى ارضه ، فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله واتبعه وصدقه فان معرفة الامام منا واجبة عليه ، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدقه ويعرف حقهما فكيف يجب عليه معرفة الامام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقهما ، قال : قلت : فما تقول فيمن يؤمن بالله ورسوله ويصدق رسوله فى جميع ما انزل الله ، يجب على اولئك حق معرفتكم؟ قال : نعم ، أليس هؤلاء يعرفون فلانا وفلانا ، قلت : بلى : قال : أترى ان الله هو الّذي اوقع فى قلوبهم معرفة هؤلاء ، والله ما اوقع ذلك فى قلوبهم الا الشيطان ، لا والله ما الهم المؤمنين حقنا الا الله عز وجل ، فاذا لم يجب معرفة الامام على الكافر لم يجب عليه الفروع بطريق اولى.

اقول : معنى الحديثين ان الكافر لا يلزم بالفرائض ولا بمعرفة الامام قبل ان اجاب الدعوة الى الله عز وجل والى رسوله لان ذلك ممتنع فى حقه ، وذلك لا يستلزم عدم تكليفه بها اصلا ، وهذا طريق الجمع بينها وبين روايات اخرى مخالفة لها.

منها ما فى البحار باب علة خلق العباد وتكليفهم عن علل الشرائع عن الطالقانى عن عبد العزيز بن يحيى الجلودى عن محمد بن زكريا الجوهرى عن جعفر بن محمد بن

٥٩٨

عمارة عن ابيه قال : سالت الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام فقلت له : لم خلق الله الخلق ، فقال : ان الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى ، بل خلقهم لاظهار قدرته وليكلفهم طاعته فيستوجبوا بذلك رضوانه ، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ولا ليدفع بهم مضرة ، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم الى نعيم الابد.

ومنها ما هناك عن علل الشرائع عن السنانى عن محمد الاسدى عن النخعى عن النوفلى عن على بن سالم عن ابيه عن ابى بصير ، قال : سالت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله عز وجل : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) ، قال : خلقهم ليأمرهم بالعبادة ، قال : وسالته عن قوله عز وجل : ( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) ولذلك خلقهم ، قال خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم.

ومنها ما هناك عن العلل عن ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقى عن الحسن بن فضال عن ثعلبة عن جميل عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : سالته عن قول الله عز وجل : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) ، قال : خلقهم للعبادة ، قلت : خاصة أم عامة؟ قال : لا ، بل عامة ، وقال المجلسى رحمه‌الله ذيل الحديث : لما توهم الراوى ان معنى الآية ان الغرض من الخلق حصول نفس العبادة فيلزم تخلف الغرض فى الكفار فلهذا سال ثانيا ان هذا خاص بالمؤمنين او عام لجميع الخلق فاجاب عليه‌السلام بانه عام اذ الغرض التكليف بالعبادة وقد حصل من الجميع.

ومنها ما مر ذكره من كلام امير المؤمنين عليه‌السلام فى الاحتجاج : ايها الناس ان الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه اراد ان يكونوا على آداب رفيعة الخ.

ومنها رواية ابن ابى عمير فى باب الجهاد على ما فى العناوين : حكم الله فى الاولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء الا من علة او حادث ، ويكون الاولون والآخرون أيضا فى منع الحوادث شركاء ، والفرائض عليهم واحدة ، يسال الآخرون عن اداء الفرائض كما يسال عنه الاولون ويحاسبون به كما يحاسبون.

والحاصل ان الله تعالى اراد من كل احد جميع مراتب الدين من الاصول والفروع ان اجتمعت الشرائط ، ولكن الانسان لا يلزم ولا يجوز للمسلمين ان يلزمونه بالمرتبة

٥٩٩

اللاحقة مع عدم قبوله للمرتبة السابقة ، بل يلزم بالاول فالاول.

المسألة الثانية عشرة

( فى اللطف وماهيته واحكامه )

قول المصنف : ليحصل الغرض به ـ اى غرضه تعالى من خلق العباد باللطف اعلم ان الغرض من خلق العباد وتكليفهم واحد ، لكنه طولا بمعنى انه تعالى خلقهم ليكلفهم بطاعته وعبادته ، وكلفهم بها ليجعلهم فى معرض الثواب والسعادة الدائمة والرحمة الابدية ، وجعلهم فى معرض ذلك ليحصل لهم ذلك بالاستحقاق ، فحصول السعادة الدائمة غاية للخلق بواسطتين وللتكليف بواسطة واحدة ، فيصح جعل كل من هذه الثلاثة غاية للخلق وغاية لما قبله وللذى قبل ما قبله ، ثم انه اذا لم يعبده قوم ولم يدخلوا فى معرض الثواب لم يبطل الغرض ، ويكون كمن هيأ طعاما لقوم ودعاهم ليأكلوه ، فحضروا ولم يأكله بعضهم مع تلطفه بهم بانحاء الالطاف فانه لا ينسب الى السفه ويصح غرضه فان الاكل موقوف على اختيار المدعو ، وكذلك المسألة فان الله تعالى اذا ازاح علل المكلفين فيما يحتاجون إليه بالقدرة والآلات وارسال الرسل وانزال الكتب ونصب اعلام الهداية والتنبيه على مهالك الغواية والضلالة وامرهم بما يصلح لهم فعله ونهيهم عما يضرهم فعله فمن خالف فقداتى من قبل نفسه لا من قبله سبحانه.

ثم ان اللطف بهذا المعنى اى فعل ما يحصل به غرضه تعالى سواء كان فعله او فعل غيره بامره على ما يأتى تفصيله فى كلام المصنف واجب بلا شبهة وارتياب لان نقض الغرض بترك ماله دخل فى حصوله سفه وقبيح ، واما اللطف بمعنى ما يكون المكلف معه اقرب الى فعل الطاعة وابعد من فعل المعصية فليس بواجب على الله تعالى مطلقا لانه تعالى يقدر ان يلطف بعباده جميعا حتى يكونوا على الطريقة المستقيمة باهلاك ائمة الضلال وتأييد ائمة الهدى ولم يفعل ، نعم يجب منه ما هو مقتضى جوده ورأفته ولم يكن منافيا

٦٠٠