توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

قول الشارح : ومنشأ الفرق هو الخ ـ الفرق بين الفعلين باقتران القدرة وعدمه ضرورى لا يقبل الانكار وان انكره جهم بن صفوان ، لكن الاشاعرة قالوا ان القدرة غير مؤثرة ، فيرد عليهم ان كون القدرة غير مؤثرة غير معقول ، فالفرق على مذهبهم ليس فارقا لان القدرة على ذلك كسائر الاوصاف التى لا دخل لها فى الفعل.

قول الشارح : وتقرير الشبهة الاولى الخ ـ هذه الشبهة تحليل للصور المتصورة لفعل العبد من حيث اللاصدور امكانا وامتناعا حين الصدور ، ومعلوم انه واجب ضرورى بشرط المحمول حين الصدور ، وبعبارة اخرى ان وجود فعل العبد حين الصدور واجب. وهل عدمه ممكن او ممتنع ، وفى صورة الامكان التى تخرج الوجود أيضا عن الوجوب هل يرجح الفاعل احد الطرفين على الآخر لمرجح أم لا ، وعلى فرض لزوم المرجح هل هو اختيار العبد او غيره ، وفى صورة كون المرجح اختيار العبد هل اختياره ضرورى او غير ضرورى ، وفى صورة كونه غير ضرورى هل ينتهى الى اختيار ضرورى او لا ينتهى ، والاخير لا ذاهب إليه للزوم التسلسل ، واما سائر الصور فاليها ذاهبون.

فالاشعرى ذهب الى ان عدم الفعل ممتنع لان وجوب وجوده يستلزم امتناع عدمه ، فاذا امتنع عدم الفعل كان الفاعل مجبورا ، والمصنف تسلم المقدم ومنع الاستلزام بان وجوب وجوده لا يستلزم كون الفاعل مجبورا لان هذا الوجوب باختيار الفاعل وداعيه والوجوب بالاختيار لا ينافى الاختيار لان كون الفعل ممكنا اختيارا يتساوى طرفاء انما هو بالنسبة الى ما قبل الاختيار لاحد طرفيه ، واما حال الاختيار لاحدهما فواجب ، وردّ بان العبد ليس له حال قبل الاختيار لانه اما فاعل او تارك ففى حال الفعل اختار وجوده فيجب وفى حال الترك اختار عدمه فيمتنع ، فأي حال لم يكن له فيه اختيار وداع حتى يتحقق بالنسبة إليه تساوى الفعل عدما ووجودا ، فدائما اما يتم علة الفعل بداعى الفعل فيجب واما يتم علة الترك بداعى الترك فيجب ، واجيب عنه بان الترك لا يحتاج الى اختيار وداع لان الاختيار دائما يتعلق بالفعل لان المراد بهذا الاختيار هو المقارن للارادة الحادث عند الفعل لا الاختيار

٥٦١

الذاتى ، واما الترك فيكفيه عدم الاختيار والداعى ، فلذلك قيل ان امتثال النهى بصرف الترك من دون دخل لكف النفس.

وتقرير البحث بطريق آخر ان يقول الاشعرى : ان العبد لو كان فاعلا بقدرته واختياره لتمكن من الفعل والترك ، والتالى باطل لانه حال الفعل لا يتمكن من الترك لوجوب الفعل وامتناع الترك وحال الترك لا يتمكن من الفعل لوجوب الترك وامتناع الفعل ، واما بيان اللزوم فان القادر المختار من يصح منه الفعل والترك ، والجواب منع بطلان التالى ان اريد بالتمكن مطلق التمكن لانه حال الفعل له تمكن من الترك فى الحال الثانى وحال الترك له تمكن من الفعل فى الحال الثانى ، وهذا معنى الاستطاعة الثابتة للانسان بالعقل والنقل والوجدان ، ومنع الملازمة ان اريد بالتمكن من الفعل والترك التمكن منهما فى حال كل منهما.

والمعتزلى ذاهب الى ان عدم الفعل ممكن ، ويقول تارة الزاما للخصم : ان الفاعل يرجح احدهما على الاخر من دون حاجة الى المرجح كما يقوله الاشعرى فى جواب الفلسفى المطالب له مرجح حدوث العالم فيما لا يزال لان الإرادة صفة من شانها الترجيح والتخصيص من دون حاجة الى امر آخر ، واخرى يقول : ان المرجح اختيار العبد ، وهو ضرورى لانه مستقل فيه.

والفلسفى ذاهب الى ان عدم الفعل ممكن ويقول : ان المرجح لا بد منه ، وهو اختيار العبد ، وليس بضرورى لحدوثه ، ولكنه لا بد ان ينتهى الى اختيار ضرورى ، وهو الاختيار الازلى للواجب تعالى.

والعارف ذاهب الى ان عدم الفعل ممكن ويقول : ان المرجح غير اختيار العبد لان الفعل فعل الله والاختيار اختياره فى المظهر الانسانى.

اقول : ان الفعل وجودا وعدما فى كل آن باختيار العبد اختيارا ذاتيا لا ينفك عنه فى آن ، فبه يقبل الى الفعل فيختاره فعلا اى يتصف بالاختيار الفعلى ، ويدبر عنه فيتصف باختيار الترك من دون استقلال له فى شيء من وجوده وشئونه ، بل اذا امدّه الله بعطائه وحوله وقوته.

٥٦٢

قول الشارح : كما فى حق الواجب تعالى الخ ـ هذا ما اشار إليه المصنف بقوله : كالواجب ، وهو نقض اورده على الاشعرى بان الواجب تعالى يجب عنه الفعل مع الداعى ، فلو كان وجوب الفعل مع الداعى يخرج الفاعل عن كونه قادرا مختارا لزم ذلك فيه تعالى ، واجاب الخصم عن ذلك بامور باطلة ذكرها القوشجى ، لا جدوى فى ذكرها.

قول الشارح : وبه اجابوا عن الشبهة الخ ـ اى بجواز الترجيح بلا مرجح ، والشبهة هى امتناع حدوث العالم زمانا كما اشار المصنف الى جوابها بقوله : والحدوث اختص بوقته الخ ، وشرحها الشارح مع جوابها فى المسألة السادسة من الفصل الثالث من المقصد الثانى.

قول الشارح : ان العبد لو كان موجد الافعال الخ ـ هذا الكلام مختلس عما نقل من ان الجعد بن درهم جعل فى قارورة ماء وترابا فاستحال دودا وهوام ، فقال لاصحابه : انا خلقت ذلك لانى كنت سبب كونه ، فبلغ ذلك جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، فقال : ليقل : كم هى ، وكم الذكران منه والاناث ان كان خلقه ، وكم وزن كل واحد منهن ، وليأمر الّذي سعى الى هذا الوجه ان يرجع الى غيره ، فانقطع وهرب ، نقله فى البحار من كتاب الغرر للسيد المرتضى رضي‌الله‌عنه ، والجعد بن درهم كان استاد جهم بن صفوان وكان زنديقا ملحدا مبتدعا ، والعجب من هذا الاستاد البالغ نهاية التفويض وهذا التلميذ البالغ نهاية الجبر ، لعنهما الله ، وعما جرى بين الصادق عليه‌السلام وابن ابى العوجاء على ما روى الصدوق رحمه‌الله فى التوحيد باب حدوث العالم عن مروان بن مسلم قال : دخل ابن ابى العوجاء على ابى عبد الله عليه‌السلام فقال : أليس تزعم ان الله خالق كل شيء ، فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : بلى ، فقال : انا اخلق ، فقال له : كيف تخلق ، فقال : احدث فى الموضع ثم البث عنه فيصير دواب ، فاكون انا الّذي خلقتها ، فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : أليس خالق الشيء يعرف كم خلقه ، قال له : بلى ، قال : فتعرف الذكر منها من الانثى ، وتعرف كم عمرها ، فسكت.

٥٦٣

اقول : كلامه عليه‌السلام لا يدل على ان كل فاعل يجب ان يعلم تفاصيل فعله ، بل يدل على ان من ادعى انه يخلق كما يخلق الله تعالى يجب ان يعلم خلقه كما يعلم ويتصرف فيه كما يتصرف ، مع انهما لم يكونا فاعلين لتلك الدود والدواب اصلا.

قول المصنف : ومع الاجتماع الخ ـ المراد بالاجتماع اجتماع ارادتين المستتبع لاجتماع تعلقى قدرتين ، لا اجتماع قدرتين على شيء من دون ارادته ، وكذا قول الشارح : اجتماع قادرين اى قادرين مريدين ، فلذلك قال المصنف : يقع مراده وقال الشارح فى بيان بطلان التالى : فلانه لو اراد الله الخ لان اجتماع قدرتين بدون التعلق والإرادة غير متصور.

قول الشارح : وهذا هو المرجح ـ قال الفخر الرازى فى الاربعين : الحجة الرابعة لو كانت قدرة العبد صالحة للايجاد فاذا اراد الله تسكين جسم واراد العبد تحريكه فاما ان يقع المراد ان أو لا يقع واحد منهما وهما محالان ، او يقع مراد الله تعالى دون مراد العبد وهو أيضا محال لان الله تعالى وان كان قادرا على ما لا نهاية له والعبد ليس كذلك الا ان ذلك لا يوجب التفاوت بين قدرته تعالى وقدرة العبد فى هذه الصورة لان الحركة الواحدة والسكون الواحد ماهية غير قابلة للقسمة والتفاوت بوجه من الوجوه واذا كان المقدور غير قابل للتفاوت لم يكن القدرة على مثل هذا المقدور قابلة للتفاوت فيمتنع ان يكون قدرة الله تعالى على ايجاد هذه الحركة اقوى من قدرة العبد على ايجاد السكون.

اقول : تعالى الله عما قال وويل للذين هذا امامهم وليضحك الثكلى من استدلاله بعدم التفاوت بين الحركة والسكون وعدم قبولهما القسمة على عدم التفاوت بين قدرتى القادرين المريدين لهما مع ان عدم قبول القسمة والتفاوت فى الحركة غير معقول.

قول الشارح : ان الفاعل يجب ان يخالف الخ ـ قد مر تفصيل هذا المطلب فى المسألة السابعة والتاسعة من الفصل الثالث من المقصد الاول ، لكن الاشاعرة غلطوا فى الصغرى.

٥٦٤

قول الشارح : والا لزم التسلسل ـ اى فى الحدوثات على فرض تحقق الحدوث فى الخارج لان لكل حدوث حدث فى الخارج حدوثا وله حدوث وهكذا الى غير النهاية.

قول الشارح : وانما يؤثر فى الماهية ـ اى يجعلها جعلا بسيطا على القول باصالتها او فى الوجود على القول باصالته.

قول الشارح : على ما مر ـ فى المسألة السابعة والتاسعة من الفصل الثالث من المقصد الاول.

قول المصنف : والسمع متأول الخ ـ اقول : كل ما تمسك به المعتزلة من السمع لمدعاهم فانما هو يفيد نفى الجبر لا اثبات التفويض ، وكل ما تمسك به الاشاعرة منه لمدعاهم فانما يفيد نفى التفويض لا اثبات الجبر.

المسألة السابعة

( فى المتولد )

هذه المسألة فرع المسألة السابقة فان من انكر استناد الافعال المباشرة الى العباد كالاشعرى ينكر استناد الافعال المتولدة أيضا بطريق اولى ، واما القائلون باستناد الافعال المباشرة إليهم فبعضهم كمعمر والنظام وثمامة تحاشوا عن استناد المتولدات إليهم.

قول الشارح : الافعال تنقسم الخ ـ اعلم ان الحكماء قسموا الافعال بتقسيمات الى اقسام مذكورة فى كتبهم ، واما المتكلمون فقسموا الفعل الى ما ليس فى محل وسموه المخترع ، وهو الجسم والى ما حدث فى الجسم ، والثانى الى المباشر والمتولد ، والمباشر هو الفعل الحادث فى الجسم أولا بلا واسطة فعل آخر ، والمتولد ما يحدث بسبب فعل آخر سواء كان فى محل الفعل الاول او فى جسم آخر كالميل المسمى عند المتكلمين بالاعتماد الّذي يحدث فى الحجر الهابط ويحدث بسببه الحركة فى الحجر

٥٦٥

وكالقوة الحادثة فى العضلة المتولدة منها حركة العضو وكالحركة الحادثة فى المفتاح بسبب حركة اليد وكتحريك الشجرة المتولد منها قطع الثمرة من الغصن وكضرب السيف على العنق الموجب لفصل الرأس عن البدن ، ثم ان المتولد قد يكون بواسطة واحدة وقد يكون باكثر ، وامثلة ذلك كثيرة.

قول الشارح : بالقدرة فى محلها ـ الفعل الحادث بالقدرة يختص بالمختار والفعل المباشر وكذا المتولد لا يختص به ، كما يظهر من مثال الشارح ، فالتخصيص للاشارة الى ان النزاع هنا فى المباشر والمتولد من الفاعل المختار.

قول الشارح : فالاول مختص بنا الخ ـ اى المباشر لانه تعالى لا يفعل فعلا يحدث فى ذاته ، والثالث اى ايجاد الاجسام يختص به تعالى ، والثانى اى المتولد مشترك كما يحدث الحركة من الجسم الّذي خلقه ، ولا يخفى ان ذلك كله على مبنى المتكلمين من ان ما خلقه الله تعالى ليس الا الاجسام وما فيه من الاعراض ، وفيه نظر بل منع.

قول الشارح : وقال معمر ـ قال الشهرستانى : الفرقة السادسة من المعتزلة المعمرية اصحاب معمر بن عباد السلمى ، وهو من اعظم القدرية فرية فى تدقيق القول بنفى الصفات ونفى القدر خيره وشره من الله تعالى والتكفير والتضليل على ذلك ، وانفرد عن اصحابه بمسائل : منها انه قال : ان الله تعالى لم يخلق شيئا غير الاجسام ، فاما الاعراض فانها من اختراعات الاجسام اما طبعا كالنار التى تحدث الاحراق ، واما اختيارا كالحيوان يحدث الحركة والسكون الخ ، توفى معمر سنة ٢٢٠ ، وفى ضبط الاسم قال ابن الاثير فى اللباب : انه بفتح الميمين بينهما عين ساكنة وفى آخره راء

قول الشارح : لا فعل للعبد الا الإرادة الخ ـ تفصيل مذهبه هذا انه قال على ما فى الملل والنحل : ليس للانسان فعل سوى الإرادة مباشرا ولا متولدا ، وافعاله التكليفية من القيام والقعود والحركة والسكون فى الخير والشر كلها مستندة الى ارادته لا على طريق المباشرة ولا على طريق التوليد ، وهذا عجيب ، غير انه بنى ذلك على مذهبه فى حقيقة الانسان ، وهو عنده ما هو عند الفلاسفة من انه جوهر قائم بنفسه ، لا متحيز ولا متمكن ، تعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف ، فميز بين افعال النفس التى

٥٦٦

هى الانسان عنده وبين القالب الّذي هو جسده ، فقال : فعل النفس هو الإرادة فحسب ، وما سوى ذلك من الحركات والسكنات والاعتمادات فهى من فعل الجسد ، فنفى ان يكون هذه الافعال للنفس بالمباشرة او التوليد ، بل للجسد باحدهما.

قول الشارح : الا الفكر ـ الظاهر ان هؤلاء احتذوا حذاء معمر ، لكنهم جعلوا الفكر مكان الإرادة.

قول الشارح : شيء منساب فى الجملة ـ اى جار فى البدن جريا ما ، قال الشهرستانى : والنظام وافق الفلاسفة فى قولهم ان الانسان فى الحقيقة هو النفس والروح ، والبدن آلتها وقالبها ، غير انه تقاصر عن ادراك مذهبهم فمال الى قول الطبيعيين منهم : ان الروح جسم لطيف مشابك للبدن مداخل للقلب باجزائه مداخلة المائية فى الورد والدهنية فى السمسم والسمنية فى اللبن ، وقال : ان الروح هى التى لها قوة واستطاعة وحياة ومشية ، وهى مستطيعة بنفسها ، والاستطاعة قبل الفعل.

قول الشارح : حركات القلب ـ اى افعاله لا بمعنى النقلة كحركات الاجسام.

قول الشارح : منفصلا عن الجملة كالكتابة الخ ـ اى منفصلا عن جملة الروح والبدن ، وهو الافعال التوليدية للانسان ، فانه قال : ان ما حدث خارجا عن جملة الانسان الّذي هو محل قدرته على افعاله خارج عن قدرته فليس فعله فهو فعل الله تعالى كما قال ثمامة ، لكنه لا يسند ذلك الى الله تعالى أيضا ، بل يقول : لا فاعل له اصلا.

قول الشارح : وقال ثمامة ـ قال ابن النديم فى تكملة الفهرست : ابو بشر ثمامة بن اشرس النميرى من بنى نمير ، نبيه من جلة المتكلمين المعتزلة ، كاتب بليغ ، وبلغ من المأمون منزلة جليلة ، واراده على الوزارة فامتنع ، الى ان قال : وبلغ المأمون انه لا يقوم لطاهر بن الحسين ، ويقوم لابى الهذيل ويأخذ ركابه حتى ينزل ، فسأله عن ذلك فقال : ابو الهذيل استادى منذ ثلاثين سنة ، وقال ابن الاثير فى اللباب : ابو معن ثمامة بن اشرس النميرى ينسب إليه طائفة من المعتزلة الذين يقال لهم الثمامية

٥٦٧

وهو من المعتزلة البصريين ، ورد بغداد واتصل بالرشيد وغيره من الخلفاء ، وله اخبار يحكيها عنه الجاحظ ، ومن مذهبه ان اكثر اليهود والزنادقة الدهرية يصيرون فى القيامة ترابا ولا يدخلون جنة ولا نارا ، وكذلك قوله فى اطفال المؤمنين ، انتهى ، توفى ثمامة سنة ٢١٣.

قول الشارح : التجئوا فى هذا المقام الخ ـ اقول : ويمكن ان يستدل عليه بقياس المساواة ، فان المتولد مستند الى المباشر وهو الى الفاعل والمستند الى المستند الى الشيء مستند الى ذلك الشيء.

قول الشارح : لا عليه ـ اى لا على انا فاعلون للمتولد لانه ضرورى والضروريات لا يجوز الاستدلال عليها لانه تحصيل للحاصل.

قول الشارح : نعم يجوز الاستدلال الخ ـ فيه نظر لان الاستدلال هو تحصيل المطلوب المجهول بالمقدمات المعلومة ، وبعبارة اخرى هو ايجاب العلم بشيء العلم بشيء آخر مع كون العلم ملحوظا آليا ومعنى حرفيا لا بالاستقلال ، والدلالة هى اقتضاء العلم بشيء العلم بشيء آخر ، والمعلوم بالضرورة كما هو منكشف عند النفس من دون مقدمات استدلالية منكشف عندها بوصف انه ضرورى غير محتاج إليها ، نعم يجوز اللفت والتنبيه عليه لامكان الغفلة عن الوصف كامكانها عن الموصوف كما يمكن عدم العلم بمعنى الضرورة تصورا.

قول الشارح : مشروط بالعلم ـ لفظة بالعلم فى العبارة من زيادة النساخ لان الدور على زعمه بين حسن المدح والذم وبين استناد المتولد إلينا على ما فعل الجماعة ، ويشهد بالزيادة قوله : فلو جعلنا الاستناد إلينا ، ثم مع ذلك ان الدور ليس يلزم لان استناد المتولد إلينا يعلم بحسن المدح والذم عليه واما هو فمعلوم بالفطرة والبداهة والعقل والشرع والعرف ، نعم توجيه المدح والذم على فعل معين الى فاعله يتوقف على العلم بانه مستند إليه ، ثم ان المصنف لم يخالف طرز استدلال تلك الجماعة لان اقتضاء العلم هو الدلالة كما قلنا آنفا فكانه قال : وحسن المدح والذم على المتولد يدل على اضافته إلينا ، والعجب انه قال فى نهج الحق : وحسن المدح والذم فرع

٥٦٨

على العلم بالصدور عنا ، والامر على العكس كما هو صريح المصنف هنا الا ان اراد الفرعية بحسب الثبوت لا الاثبات.

قول المصنف : لاحق ـ اى لاحق بالفعل المتولد ، فلا ينافى امكانه المصحح لتعلق القدرة به ، وهذا نظير كلامه فى المسألة السابقة : والوجوب للداعى الخ ، واشار الشارح رحمه‌الله الى هذا التنظير بقوله : كما ان الفعل يجب الخ.

قول الشارح : هذا جواب عن اشكال الخ ـ بل اتاه الاشاعرة بصورة الاستدلال على مدعاهم فى كتبهم.

قول الشارح : بالقدرة المصححة ـ اعلم ان الامكان الذاتى فى الفعل مصحح لتعلق قدرة ما به ، وقدرة الفاعل مصححة للامكان النسبي فى الفعل ، والفرق بينهما قد ذكر فى المسألة الخامسة والعشرين من الفصل الاول من المقصد الاول.

قول الشارح : وعند فرض وقوعه الخ ـ عطف على قوله : عند وجود القدرة والداعى ، وقوله : وجوبا لاحقا مفعول مطلق لقوله : يجب ، وقوله : لا يؤثر صفة لقوله : وجوبا لاحقا.

قول الشارح : وان كان المحرق هو الله تعالى ـ على مذهب الاشاعرة.

قول الشارح : ووجوب الدية حكم شرعى الخ ـ جواب عن سؤال ، وهو ان المحرق لو كان غير الملقى فلم وجب الدية على الملقى.

المسألة الثامنة

( فى القضاء والقدر )

قول المصنف : والقضاء والقدر الخ ـ هذا دفع لما تمسك به الاشاعرة لاثبات الجبر فى الافعال ، وهو ان الاجماع والكتاب والسنة قد قامت على ان الحوادث كلها حتى افعال العباد بقضاء الله تعالى وقدره ، وما وقع بهما ليس تحت اختيارنا

٥٦٩

لخروجهما عنه ، والجواب ان للقضاء والقدر معانى يحمل ما ورد فى الآيات والاخبار على ما يوافقه الادلة القطعية على بطلان الجبر ، لا على معنى الخلق ليلزم منه الجبر.

اعلم ان الصدوق رحمه‌الله نقل عن بعض اهل العلم فى كتاب التوحيد معانى عشرة للقضاء الوارد فى كتاب الله تعالى ، منها هذه الثلاثة ، وذكر فى كتب اللغة للقدر مصدرا واسما للمصدر وغيرهما اكثر من عشرين معنى ، وللقضاء كذلك قريبا من عشرين معنى ، والحكماء فسروا القضاء بوجود الاشياء فى العالم العقلى مجملة ، والقدر بوجودها مفصلة فى الاعيان ، راجع الفصل الحادى والعشرين من النمط السابع من الاشارات وغيره ، وقد ورد فى الاحاديث المروية عن معادن العلم والحكمة واهل بيت الوحى صلوات الله عليهم تفسير القدر والقضاء على خلاف ذلك ، يراجع الطالب الكافى والتوحيد والبحار وغيرها.

قول الشارح : وهو خلاف قولكم ـ لانكم قلتم فى مقام الاعتذار : لا يجب الرضا بالقبيح بل يحرم من حيث هو كسب ، بل يجب به من حيث هو فعله تعالى.

قول الشارح : الاصبغ بن نباتة ـ قال الشيخ الطوسى رحمه‌الله فى الفهرست : الاصبغ بن نباتة رحمه‌الله كان من خاصة امير المؤمنين عليه‌السلام وعمّر بعده وروى عهد مالك الاشتر الّذي عهده إليه امير المؤمنين عليه‌السلام لما ولاه مصر ، وروى وصية امير المؤمنين عليه‌السلام الى ابنه محمد بن الحنفية الخ ، وهو يدعى بالمجاشعى التميمى الحنظلى الكوفى ، وكان من شرطة الخميس لامير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو الّذي حمل سلمان على سرير الى مقابر لما اراد ان يكلم الموتى واعان امير المؤمنين عليه‌السلام على غسله.

قوله : وهم قدرية هذه الامة ـ قد ورد فى الاحاديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة الطاهرين عليهم‌السلام ذم القدرية ، واطلق هذا الاسم فى الاحاديث على المجبرة كما فى هذا الحديث ، وعلى المفوضة كما فى حديث رواه الصدوق رحمه‌الله فى باب القضاء والقدر من التوحيد عن على بن سالم عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته

٥٧٠

عن الرقى أتدفع شيئا من القدر ، فقال : هى من القدر ، وقال عليه‌السلام : ان القدرية مجوس هذه الامة ، وهم الذين ارادوا ان يصفوا الله بعدله فاخرجوه من سلطانه ، وفيهم نزلت هذه الآية : يوم يسحبون فى النار على وجوههم ذوقوا مس سقر انا كل شيء خلقناه بقدر.

والظاهر ان اطلاق القدرية على المجبرة باعتبار استناد الافعال عندهم الى تقدير الله تعالى فقط ، وعلى المفوضة باعتبار استنادها عندهم الى تقدير انفسهم فقط.

قوله : وهو الامر من الله تعالى والحكم الخ ـ هذا والاستشهاد بالآية فى كلامه عليه‌السلام دليل صريح على ان مراده عليه‌السلام معنى الالزام وهو احد المعانى المذكورة فى المتن ، فما اقبح قول القوشجى وعناده وتعاميه بعد ذكر هذا الحديث : ان هذا الحديث لا يوافق شيئا من المعانى المذكورة فى المتن فايراده للتأييد محل تأمل.

قوله : وهو يقول ـ هذا الحديث مشهور بين الفريقين مذكور فى الكتب ، وقد ذكره الصدوق رحمه‌الله فى التوحيد باسانيد أربعة ، فيه ابيات اخرى بعد البيتين هى هذه :

فليس معذرة فى فعل فاحشة

قد كنت راكبها فسقا وعصيانا

لا لا ولا قائلا ناهيه اوقعه

فيها عبدت اذا يا قوم شيطانا

فلا احب ولا شاء الفسوق ولا

قتل الولى له ظلما وعدوانا

انى يحب وقد صحت عزيمته

ذو العرش اعلن ذاك الله اعلانا

قول الشارح : ابو الحسن البصرى ـ هو ابو الحسين البصرى المذكور آراؤه كثيرا فى هذا الكتاب ، وابو الحسن كما فى كثير من النسخ من خطاء النساخ.

قول الشارح : محمود الخوارزمى ـ هو محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمى المعروف بالزمخشرى صاحب تفسير الكشاف ، ولد يوم الاربعاء السابع والعشرين من شهر رجب سنة سبع وستين وأربعمائة بزمخشر من قرى خوارزم وتوفى ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة بجرجانية خوارزم بعد رجوعه من مكة ،

٥٧١

كان على مذهب الاعتزال فى الاصول وله على ما حكى عن ترجمته المطبوعة فى الجزء الاخير من الكشاف :

اذا سالوا عن مذهبى لم ابح به

واكتمه كتمانه لى اسلم

فان حنفيا قلت قالوا بانه

يبيع الطلا وهو الشراب المحرم

وان مالكيا قلت قالوا باننى

ابيح لهم اكل الكلاب وهم هم

وان شافعيا قلت قالوا باننى

ابيح نكاح البنت والبنت تحرم

وان حنبليا قلت قالوا باننى

ثقيل حلولى بغيض مجسم

المسألة التاسعة

( فى الهدى والضلالة )

قول المصنف : والهدى مقابل له ـ تقابل العدم والملكة بالإضافة الى الله تعالى ومن تصدى لهداية الخلق من قبله لان اضلاله تعالى هو عدم هدايته لمن لم يكن له اهليتها وقابليتها لا انه فعل يوجب الضلالة فيه لانه قبيح ، وتقابل التضاد بين هداية ارباب الهداية واضلال المضلين من الجن والانس حيث ان هدايتهم ان لم تقع فى محل لعدم القابلية وقع فيه اضلال المضلين اى فعل يوجب الضلالة

ثم اعلم ان الهداية هى جعل ما يتمكن به الموجود ان يسلك سبيل كماله ويصل غايته ، والاضلال بعدم هذا الجعل او بمانع عن هذا السلوك ، وللهداية من الله تعالى ست مراحل :

الاولى هداية التكوين وهى عامة لكل موجود فانه تعالى جعل كل موجود من العلويات والسفليات بحيث يهتدى باختيار او تسخير او غير ذلك ما دام موجودا الى ما يصلح له من الامور كاهتداء الحيوان للسفاد والهرب من الموت والفرار من العدو والجمع لما يصلحه من الغذاء مما فى لجج البحار وما فى لحاء الاشجار والمفاوز

٥٧٢

والقفار وفهم بعضها عن بعض منطقها وما تفهم به اولادها عنها ونقلها الغذاء إليها ، وكاهتداء الشمس والقمر والنجوم فى مسيرها صيفا وشتاء ، اوجا وحضيضا وغيرها ، وكاهتداء الملائكة الى ما امروا به من التدبير والنزع والقاء الذكر والتنزل بالامر وغيرها ، ولا يشذ عن هذه الهداية موجود فانه تعالى خلق ما خلق ودبر امره ، والضلالة فى هذه المرحلة بالاعدام او بالتصادم وهو فى السفليات لانه تعالى لا يسلك بموجود على خلاف ما خلق له ويصلح به ، والى هذه الهداية الاشارة بقوله تعالى : ( قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ) ، وبقوله تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى ) ، وفى الروايات لها شواهد وبيانات.

المرحلة الثانية هداية العقل فانه تعالى كرّم بالعقل الهادى المنير بعض خلقه من العالين والسافلين ، ومعلوم ان لواجد العقل كما لا ليس لفاقده ، ويهتدى به الى امور لا يهتدى هو إليها ، والضلالة فى هذه المرحلة بعدم اعطاء العقل كالنبات والحيوان او بزواله بآفة كالمجنون الآدمى ، ولكنه ليس بقبيح اذ ليس فيه منع استحقاق مع ان المجنون لا يكلف بشيء ويعود عاقلا يوم المعاد ، او بعدم الجرى على مقتضاه ومستدعاه اختيارا وهذا من العبد ، وإليه الاشارة بقوله تعالى : ( أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ ) ، وبقوله تعالى : ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ).

المرحلة الثالثة هداية الدعوة بالرسل والكتب والأوصياء والعلماء ، وهى عامة لكل عاقل له داع على خلاف داعى العقل من الجن والانس وغيرهما ان كان ، سواء قبل الدعوة أم لم يقبل ، والضلالة فى هذه المرحلة من العبد فحسب لعدم جريه على ما اوجب عليه العقل من الفحص عن احوال الداعى والنظر فى دعوته وما يقرن بها من البينات والمعجزات وترك العناد واللجاج فى قباله ، وإليها اشير بقوله تعالى : ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ).

٥٧٣

لمرحلة الرابعة هداية التشريع وهى جعل الاحكام والآداب والسنن ليتمكن الذين قبلوا الدعوة ان يسلكوا سبيل ما دعاهم إليه النبي ، والضلالة فى هذه المرحلة كالسابقة من العبد لانه تعالى لم يترك امة ارسل إليهم رسولا بلا كتاب وميزان وتكليف ، وان شئت فقل من الله باعتبار انه تعالى لا يهدى العبد فى هذه المرحلة بالجبر والالجاء اذا لم يقبل هو باختياره دعوة الداعين إليه ، وعدم هدايته تعالى للعبد فى هذه المرحلة مع تقصيره فى المرحلة السابقة ليس بقبيح وهو ظاهر ، بل الهداية بالالجاء نقض لغرضه تعالى ، وإليها اشير بقوله تعالى : ( الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) ، وبقوله تعالى : ( وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ).

المرحلة الخامسة هداية اللطف ، وهى خاصة بمن اعتنى والتزم باحكام التشريع وسننه وراعى طريقة التقوى حق رعايته ، فان الله تعالى يحمى عبده الصالح المجتنب عما يسخطه ويكرهه عن مضار الدنيا ويجنبه عن مضلات الفتن ويلطف به الطافا ظاهرة او خفية حتى يخرج من الدنيا سالما دينه راضيا عنه ربه ، وهذا اخص من اللطف المبحوث عنه فى المسألة الثانية عشرة ، والاضلال فى هذه المرحلة من الله تعالى ، لكنه ليس بقبيح فانه تعالى لا يحسن ان يلطف هذا اللطف بمن يخالفه باختياره ويعانده بترك الاتباع لرسله وانبيائه اذ ليس له اهلية ذلك ، وان شئت فقل من العبد باعتبار انه حرم نفسه عن هذه الهداية بترك الاهتداء فى المرحلة السابقة ، وإليها الاشارة بقوله تعالى : ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، وبقوله تعالى : ( أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ).

المرحلة السادسة هداية الفلاح والاثابة فى الآخرة ، ومقابلها الاضلال بمعنى الهلاك والتعذيب ، والى ذلك اشير فى قوله تعالى : ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ ) ، وفى قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) ، وهذه من الله تعالى باعتبار ومن العبد باعتبار كالمرحلة الخامسة.

٥٧٤

ثم ان الهداية فى كل مرحلة متوقفة على التى قبلها ، فان امتنع العبد فى مرحلة عن القبول كان القبول فيها باختياره لم يتحقق الهداية من الله تعالى فى المراحل المتأخرة مع ان الهداية فى كل المراحل منه تعالى ، فاذا لم يهد الله فقد ضل لان من يهدى الله فهو المهتدى ومن لم يهده ويضلله فليس له ولى مرشد من دون الله تعالى ، فكل ما فى القرآن من اسناد الاضلال إليه تعالى وعدم هدايته للظالمين والكافرين والفاسقين فيحمل على واحدة من المراحل الثلاث الاخيرة لسوء اختيار العبد فى المرحلة الثانية او الثالثة او الرابعة.

ثم ان المعانى الثلاثة للهداية المقابلة لمعانى الاضلال الثلاثة فى كلام المصنف تنطبق على المراحل الثلاث الاخيرة ، والاخير من معانى الاضلال فى كلامه ينطبق على المرحلة الاخيرة ، والفرق بين الاشارة الى الخلاف وفعل الضلالة ان الاول يكون الضلالة بفعل الضال نفسه وان كان جعل المقدمات او بعضها من الغير والثانى يكون الضلالة من فعل الغير فيه ، والاشاعرة ذهبوا بناء على اصلهم الى ان الضلالة فى العبد تكون من قبيل الثانى اى يخلق الله تعالى الضلالة فى العبد ، وقد بينا ان الاضلال من الله تعالى هى عدم الهداية فى اى من المراحل لعدم القابلية لا انها فعل الضلالة الا فى المرحلة الاخيرة فانها الاهلاك والعقاب وكان ذلك حقا على العبد لسوء اختياره فى بعض المراحل السابقة ، لكنها فى هذه المرحلة أيضا عبارة عن عدم الهداية بالنظر الفلسفى.

قول الشارح : فالله تعالى نصب الخ ـ هذا اشارة الى المرحلة الثالثة والرابعة.

قول الشارح : وفعل الهداية الضرورية الخ ـ هذا اشارة الى المرحلة الثانية.

قول الشارح : ولم يفعل الايمان فيهم ـ خلافا للاشاعرة حيث قالوا : ان الله تعالى يخلق الايمان والهداية فى العبد كما يخلق الكفر والضلال فيه.

قول الشارح : فمعانى الهداية صادقة الخ ـ اى فمعانى الهداية الثلاثة المذكورة فى المتن صادقة فى حقه تعالى ، لكن الثانى منها انه ليس بمعنى ان الله تعالى

٥٧٥

يخلق الهداية فى العبد ، بل يجعل مقدمات الاهتداء من العقل والأنبياء والكتب والأوصياء وغير ذلك حتى يهتدى العبد بجريه طبقا لتلك المقدمات.

قول الشارح : واذا قيل انه تعالى الخ ـ قد علمت ان فعل الهداية من الله تعالى فى جميع المراحل الست ، لكن القبول فى بعضها يتوقف على اختيار العبد كما بينه الصادق عليه‌السلام فى حديث رواه الصدوق فى التوحيد باب التعريف والبيان عن بريد بن معاوية العجلى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : ليس لله على خلقه ان يعرفوا قبل ان يعرفهم ، وللخلق على الله ان يعرفهم ، ولله على الخلق اذا عرفهم ان يقبلوه ، وقال تعالى : ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ).

قول الشارح : وقول موسى عليه‌السلام الخ ـ ذكر الصدوق فى التوحيد فى باب القضاء والقدر والفتنة ان الفتنة على عشرة اوجه ، وجه منها الضلال ، واتى بشواهد من الآيات للتسعة الباقية ، وذكر اللغويون قريبا من ثلاثين معنى للفتنة عدة منها متقاربة ، والشارح اتى بهذا الكلام جوابا لتمسك الاشاعرة بهذه الآية لمدعاهم.

المسألة العاشرة

( فى انه تعالى لا يعذب الاطفال )

بل مطلق غير المكلف كما هو عنوان كلام المصنف ، بل كل من لم يتم عليه الحجة عقلا او نقلا من دون تقصير من نفسه فيه سواء كان مكلفا او غير مكلف لقبح ذلك عقلا ولروايات فى هذا الباب ، منها ما رواه الصدوق فى التوحيد باب التعريف والبيان عن ابن الطيار عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : ان الله عز وجل احتج على الناس بما آتاهم وعرفهم ، ومنها ما رواه هناك عن عبد الاعلى بن اعين قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمن لم يعرف شيئا ، هل عليه شيء ، قال : لا ، ومنها ما رواه هناك عن

٥٧٦

ابى الحسن زكريا بن يحيى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم.

قول الشارح : ذهب بعض الحشوية ـ هم جماعة يستندون فى كل شيء من الاصول والفروع الى رواية رويت من دون رعاية شرائط الحجية ، قال القاضى السعيد التسترى رحمه‌الله فى حاشية احقاق الحق فى مبحث انه تعالى ليس بجسم : اختلف فى الحشوية فقيل باسكان الشين لان منهم المجسمة والمجسمة محشو ، والمشهور انه بفتحها نسبة الى الحشاء لانهم كانوا يجلسون امام الحسن البصرى فى حلقته فوجد فى كلامهم رويا ، فقال : رووا هؤلاء الاحشاء الحلقة اى جانبها ، والجانب سمى حشاء ومنه الاحشاء لجوانب البطن ، كذا فى شرح منهاج الاصول للاسنوى المصرى ، انتهى.

قول الشارح : يعذب اطفال المشركين ـ هنا قصة بين الاشعرى واستاده مذكورة فى حاشية مقدمة الشوارق ، هى ان الشيخ أبا الحسن الاشعرى قال لاستاده ابى على الجبائى : ما تقول فى ثلاثة اخوة مات احدهم مطيعا والآخر عاصيا والثالث صغيرا ، فقال : ان الاول يثاب بالجنة والثانى يعاقب بالنار والثالث لا يثاب ولا يعاقب ، قال الاشعرى : فان قال الثالث : يا رب لم امتنى صغيرا وما ابقيتنى لاكبر فأومن بك واطيعك فادخل الجنة ، فما يقول الرب ، قال الجبائى : يقول الرب : انى كنت اعلم منك انك لو كبرت لعصيت فدخلت النار فكان الاصلح لك ان تموت صغيرا ، قال الاشعرى : فان قال الثانى : يا رب لم لم تمتنى صغيرا لئلا اعصى فادخل النار ، فما ذا يقول الرب فبهت الجبائى ، وترك الاشعرى مذهبه.

اقول : مذهبنا فى الاطفال والمجانين وغيرهم ممن لم يتم عليهم الحجة فى الدنيا ما رواه الصدوق فى التوحيد باب الاطفال وعدل الله عز وجل فيهم عن زرارة بن اعين ، قال : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام صلى على ابن لجعفر عليه‌السلام صغير وكبر عليه ، ثم قال : يا زرارة ان هذا وشبهه لا يصلى عليه ، ولو لا ان يقول الناس : ان بنى هاشم لا يصلون على الصغار ما صليت عليه ، قال زرارة : فقلت : فهل سئل عنهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : نعم قد سئل عنهم فقال : الله اعلم بما كانوا عاملين ، ثم

٥٧٧

قال : يا زرارة اتدرى ما قوله : الله اعلم بما كانوا عاملين ، قال : فقلت : لا والله ، فقال : لله عز وجل فيهم المشية ، انه اذا كان يوم القيامة احتج الله تبارك وتعالى على سبعة : على الطفل وعلى الّذي مات بين النبي والنبي وعلى الشيخ الكبير الّذي يدرك النبي وهو لا يعقل والابله والمجنون الّذي لا يعقل والاصم والابكم ، فكل هؤلاء يحتج الله عز وجل عليهم يوم القيامة ، فيبعث الله إليهم رسولا ويخرج إليهم نارا فيقول لهم : ان ربكم يأمركم ان تثبوا فى هذه النار فمن وثب فيها كانت عليه بردا وسلاما ومن عصاه سيق الى النار ، وروى فى البحار عن الكافى عن العدة عن سهل عن غير واحد رفعه انه سئل عن الاطفال ، فقال : اذا كان يوم القيامة جمعهم الله واجج نارا وامرهم ان يطرحوا انفسهم فيها ، فمن كان فى علم الله عز وجل انه سعيد رمى نفسه فيها وكانت عليه بردا وسلاما ، ومن كان فى علمه انه شقى امتنع فيأمر الله تعالى بهم الى النار ، فيقولون : يا ربنا تأمر بنا الى النار ولم يجر علينا القلم؟ فيقول الجبار : قد امرتكم مشافهة فلم تطيعونى فكيف لو ارسلت رسلى بالغيب إليكم ، ونظائر الحديث كثيرة باسناد صحيحة فى الكافى والتوحيد وغيرهما.

قال الصدوق رحمه‌الله فى الخصال : ان قوما من اصحاب الكلام ينكرون ذلك ويقولون : انه لا يجوز ان يكون فى دار الجزاء تكليف ، ودار الجزاء للمؤمنين انما هو الجنة ، ودار الجزاء للكافرين انما هى النار ، وانما يكون هذا التكليف من الله عز وجل فى غير الجنة والنار فلا يكون كلفهم فى دار الجزاء ، ثم يصيرهم الى الدار التى يستحقونها بطاعتهم او معصيتهم ، فلا وجه لانكار ذلك ، ولا قوة الا بالله ، انتهى.

ثم ان ما ورد فى بعض الاخبار من ان اولاد المشركين والكفار مع آبائهم فى النار مطلق يقيد بما لم يمتثل امر دخول النار فى القيامة كما ان هذا التكليف يخصص بغير اطفال المؤمنين ، واما هم فيلحقون بآبائهم من دون هذا التكليف تكرمة لهم على ما ورد فى اخبار صحيحة ، منها ما رواه فى البحار عن الفقيه فى الصحيح عن الحسن بن محبوب عن على بن رئاب عن الحلبى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : ان الله تبارك وتعالى يدفع الى ابراهيم وسارة اطفال المؤمنين يغذوانهم بشجرة فى الجنة لها اخلاف

٥٧٨

كاخلاف البقر فى قصر من الدر ، فاذا كان يوم القيامة البسوا واطيبوا واهدوا الى آبائهم ، فهم ملوك فى الجنة مع آبائهم ، وهو قول الله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ).

والحاصل ان اطفال المؤمنين يلحقون بآبائهم ، وغيرهم يكلفون بدخول تلك النار فمن عصى فهو فى النار ومن اطاع فهو فى الجنة ، وقد ورد فى بعض الاخبار ان هؤلاء خدم اهل الجنة ، بخلاف اطفال المؤمنين فانهم ملوك فيها.

قول الشارح : ويلزم الاشاعرة تجويزه ـ لانهم على اصلهم يجوزون كل قبيح على الله تعالى ، وان كانوا فى المسألة على اقوال ثلاثة ، قال المجلسى رحمه‌الله فى البحار باب الاطفال : قال النووى فى شرح صحيح المسلم : اختلف العلماء فيمن مات من اطفال المشركين ، فمنهم من يقول : هم تبع لآبائهم فى النار ، ومنهم من يتوقف فيهم ، والثالث وهو الصحيح الّذي ذهب إليه المحققون انهم من اهل الجنة ، واستدلوا باشياء الخ.

قول الشارح : احتجوا بوجوه ـ اى بعض الحشوية.

قول الشارح : قول نوح عليه‌السلام الخ ـ وصورة الاستدلال ان ولدا لكافر فاجر كفار لقول نوح عليه‌السلام وكل فاجر كافر فى النار للاجماع والآيات ، والجواب منع الصغرى لان كلامه محمول على التجوز اى ولا يلدوا الا من يصير فاجرا كفارا ان بقى حتى البلوغ ، وعلم ذلك من وحيه تعالى إليه : انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن.

قول الشارح : انا نستخدمه ـ اى بالاسترقاق ، وصورة الاستدلال ان العقوبة بلا ذنب لو كانت قبيحة لقبح منا استخدام اطفال الكفار بالاسترقاق لان الاستخدام عقوبة لهم والتالى باطل بالاجماع ، والجواب ان الخدمة وان كان الطفل يتألم ويتأذى بها لكنها ليست عقوبة له اذ ليس كل الم ومشقة عقوبة ، بل ذلك احسان إليه فى الواقع لتسببه به لدخوله فى الاسلام بعد بلوغه.

قول الشارح : نعم استخدامه عقوبة لابيه ـ كما اذا استرقت نفسه ، مع

٥٧٩

ان النظر الاصلى ما قلنا.

قول الشارح : وامتحان له ـ اى محنة وابتلاء له.

قول الشارح : يعوض عليه الخ ـ على ان يكون وجوب العوض عاما للمسلم وغيره ، ويأتى تفصيله فى المسألة الرابعة عشرة.

قول الشارح : والجواب ان المنكر الخ ـ توضيحه ان تبعية طفل الكافر فى بعض الاحكام لابيه فى الدنيا لا تستلزم التبعية فى جميع الاحكام على ان القياس مع الفارق لان التبعية فى تلك الامور لا تستلزم قبيحا بخلاف التبعية فى التعذيب فى الآخرة بلا عصيان فان ذلك قبيح كما قلنا.

المسألة الحادية عشرة

( فى حسن التكليف وبيان ماهيته ووجه حسنه وجملة من احكامه )

قول الشارح : التكليف مأخوذ الخ ـ يقال : كلفت الامر على صيغة الثلاثى وتكلفته اى حملته وارتكبته على مشقة ، والتكليف فى اللغة هو الحمل والبعث على الفعل الشاق.

قول الشارح : وحده انه إرادة الخ ـ كلمات العلماء فى تحديد التكليف وفى انه مساوق للحكم التكليفى أم لا فى كتب الكلام والاصول مختلفة.

قال الشارح العلامة فى التهذيب : البحث السادس المندوب ليس مأمورا به لان الامر للوجوب وهو يضاد الندب ، نعم هو تكليف ، والاباحة ليس تكليفا لانتفاء الطلب فيه ، ولا يقع التكليف الا بفعل ، فالمطلوب فى النهى كف النفس عن الفعل ، والفعل حالة وجوده واجب فلا يقع التكليف به خلافا للاشعرى.

وقال محشى التهذيب : زعم ابو اسحاق ان المباح داخل تحت التكليف ، وخالفه الباقون لان التكليف بالشيء يستدعى كونه مطلوبا ولا بد فيه من ترجيح الجانب المطلوب

٥٨٠