توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

قوله : وهذا الوجود المطلق والعدم المطلق امران معقولان ـ هذا تفسير لكلام المصنف : ويعقلان معا وفى تفسيره اقوال أربعة : الاول هذا الّذي ذكره الشارح رحمه‌الله من ان مراده التصريح بامكان تعقل كل من الوجود المطلق والعدم المطلق ردا لقوم ذهبوا الى ان العدم المطلق غير ممكن التصور وفيه انه لو كان هذا مراده لكان لفظ مع لغوا محضا الثانى ما قاله الشارح القديم من انه تفريع على قوله وقد يجتمعان لان عروض الوجود على مفهوم العدم وبالعكس فى الذهن يستتبع تعقلهما معا وفيه انه يصح لو كان العطف بالفاء الثالث ما ذهب إليه القوشجى من انه بمعنى يفرضان معا يعنى كما يمكن ان يجتمع الوجود والعدم فى موضوع واحد بان يكون احدهما بحسب نفس الامر والاخر بحسب الفرض يمكن ان يجتمعا بان يكون كلاهما بحسب الفرض واما اجتماع كليهما بحسب نفس الامر فهو مستحيل وفيه أولا ما قلنا من إرادة المفروضية من دون قرينة وثانيا انه لو كان هذا مراد المصنف كان ينبغى ان يقول كما قد يعقلان معا وثالثا يلزم ارتكاب التجوز فى مادة يعقلان من دون قرينة وعلاقة الرابع ما فى الشوارق من انه اشارة الى امكان تعقل كل من مفهومى الوجود والعدم من دون اضافته ونسبته الى شيء ما اصلا وفيه أولا ما يرد على تفسير الشارح العلامة من لغوية لفظ مع وثانيا ان الضمير المثنى فى يعقلان يرجع فى كلام المصنف الى الوجود والعدم المطلقين لا الى مفهومى الوجود والعدم من حيث هما مفهومان وان كان هو غير جازم بهذا التفسير.

اذا علمت هذه فاعلم ان مراد المصنف به دفع توهم امتناع اجتماع الوجود والعدم المطلقين باعتبار التقابل فى التصور كما هو ممتنع فى نفس الامر وهذا اشارة اجمالية الى ما يأتي تفصيله فى المسألة السابعة والثلاثين فراجع ويمكن حمل كلام الشارح العلامة على ذلك وان كان قاصرا عن تادية المراد وحاصل كلام المصنف هاهنا ان الوجود والعدم المطلقين يمتنع اجتماعهما باعتبار التقابل بحسب نفس الامر ويمكن اجتماعهما لا باعتبار التقابل ويمكن اجتماعهما أيضا باعتبار التقابل بحسب التصور والتعقل.

٤١

قوله : وغيره من الماهيات ـ الضمير راجع الى الانسان الاول.

المسألة الخامسة عشرة

( فى ان عدم الملكة يفتقر الى الموضوع )

قول المصنف : ويفتقر الى الموضوع كافتقار ملكته ـ اى يفتقر عدم الملكة الى الموضوع كافتقار وجود ملكته الملكة عبارة عن ماهية جوهرية او عرضية تثبت لغيره كالانسانية لزيد والحيوانية للانسان والكتابة والعلم له والمشى للمتحرك بالارادة والقرشية لمن نشأ فى قبيلة قريش ووجود الملكة وجود هذه الماهيات وعدمها عدمها.

قول الشارح : بل له حظ ما من الوجود ـ لانه ليس عدما صرفا بل يعتبر فيه الاضافة الى امر وجودى فله باعتبار تقيده بالامر الوجودى حظ من الوجود بالعرض فان الجليس يستفيد من الجليس.

قوله : فانه عبارة عن عدم الخ ـ هذا اشارة الى برهان احتياج عدم الملكة الى الموضوع الموجود خارجا او ذهنا وصورته ان عدم الملكة عدم شيء عن شيء فلو لم يكن له موضوع هو ذلك الشيء لانقلب الى العدم المطلق فان عدم الكتابة مثلا لو كان له موضوع كما فى قولنا زيد لا كاتب فهو عدم مقيد واما لو لم يكن له موضوع كما فى قولنا الكتابة معدومة فهو عدم مطلق واما الوجود سواء كان مطلقا او وجود ملكة فلا بد له من موضوع خارجا او ذهنا وهذا واضح واما العدم المطلق فلا يمكن ان يكون موضوعه موجودا فى الخارج كقولنا العنقاء معدوم والا يصير القضية كاذبة.

قوله : مع امكان اتصاف الموضوع بذلك الشيء ـ اى لا بد ان يكون موضوع العدم الّذي ينفى عنه الملكة قابلا لوجودها لان وجودها لا محالة يكون لموضوع قابل لامتناع ان يكون كل شيء موضوعا لكل شيء فلما كان وجود الملكة لموضوع قابل لها كان عدمها أيضا عن موضوع قابل لها لانه لو لم يكن كذلك

٤٢

لم يكن العدم عدم تلك الملكة لانها غير مرتبطة حينئذ بذلك الموضوع مثلا اذا قلنا الجدار لا عالم فان العلم ليس ملكة للجدار حتى يكون هذا العدم عدم ملكة عن الجدار الا بحسب الجنس.

ان قلت : لو وجب ان يكون سلب الملكات عن الموضوعات القابلة لها فما تقول فى كثير من القضايا التى لا يراعى فيه ذلك مع انها صحيحة متداولة فى العرف والعلوم كقولنا لا شيء من الانسان بحجر والحمار ليس بعاقل والنبات ليس بذى إرادة والعقل ليس بمادى والارض ليست متحركة وغيرها على كثرتها وهذه الموضوعات ليست قابلة للملكات المسلوبة عنها قلت : هذه السلوب باعتبار اتصاف نوع هذه الموضوعات او جنسها القريب او البعيد بتلك الملكات ومن هنا يتجه القول بالتعميم فى موضوع عدم الملكة كما يأتى عن قريب بيانه.

قوله : فذهب قوم الى ان ذلك الموضوع شخصى ـ اى يجب ان يكون كل شخص من اشخاص الموضوع لو كان كليا قابلا للملكة كما فى قولنا الطفل الذكر امرد فان المرودة عدم نبت اللحية عن الطفل الذكر الّذي من شانه ان يصير ملتحيا وهذا لا يختص بطفل ذكر دون طفل ذكر ويجب ان يكون ذلك الشخص بعينه قابلا لها لو كان شخصيا وغير هؤلاء قوم لم يوجبوا ذلك وقالوا لو كان الموضوع قسما او نوعا وكان لبعض اشخاصه قابلية ذلك كفى كما فى قولنا الذكر امرد او الانسان امرد مع ان الذكر يشمل الرجل الّذي زال عنه شأنية الالتحاء وبلغ حد الفعلية والانسان يشمل المرأة التى ليست لها شأنية ذلك اصلا لكن يصح باعتبار قابلية البعض وكفى ان يكون شخص آخر من نوعه قابلا لها لو كان الموضوع شخصيا وفرقة تجاوزوا عن ذلك وقالوا لو كان الموضوع جنسا قريبا او بعيدا وكان لبعض افراد انواعه ذلك كفى كما فى قولنا الحيوان امرد او الجسم امرد وكفى ان يكون شخص اخر من جنسه القريب او البعيد قابلا لها لو كان الموضوع شخصيا او نوع اخر من الجنس قابلا لها لو كان الموضوع نوعيا.

اعلم ان التقابل على ما يأتى بحثه فى المسألة الحادية عشرة من الفصل الثانى

٤٣

هو امتناع اجتماع الاثنين المتخالفين والاثنان اما وجود ووجود وهو تقابل التضاد او التضايف واما وجود وعدم سواء كانا مطلقين او مقيدين وهو تقابل السلب والايجاب فان كان لموضوع العدم خصوصية هى قابليته للوجود فيخص باسم تقابل العدم والملكة فالاول اعم من الثانى اذا علمت هذا فالتقابل بين الوجود المطلق والعدم المطلق تقابل السلب والايجاب كما مر من الشارح فى المسألة الثامنة اذ التقابل بينهما قد يكون بدون تلك الخصوصية كقولنا شريك البارى موجود ، شريك البارى معدوم وقد يكون مع تلك الخصوصية كقولنا زيد موجود ، زيد معدوم واما التقابل بين الوجود المقيد والعدم المقيد فهو منوط بالاقوال المختلفة فمن يقول بكفاية قابلية موضوع العدم للوجود مطلقا ولو بحسب الجنس البعيد او الا بعد فعنده بين جميع القضايا السالبة ومقابلاتها تقابل العدم والملكة اذ ما من موضوع سلب عنه شيء الا يكون لشخصه او نوعه او جنسه القريب او البعيد او الابعد قابلية وجود ذلك الشيء ومن لا يقول بذلك فعنده بينهما تقابل السلب والايجاب اذ بعض الموضوعات التى سلب عنه شيء يكون له قابلية المسلوب وبعضها لا يكون له ذلك.

المسألة السادسة عشرة

( فى أن الوجود بسيط )

قول المصنف : بل هو بسيط ـ هذا ارتقاء من نفى التركيب من الجنس والفصل الى نفى التركيب مطلقا وسيجيء فى المسألة الثالثة من الفصل الثانى بيان اقسام التركيب إن شاء الله تعالى ومما يستدل به على نفى التركيب عن الوجود مطلقا ان التركيب من مختصات الماهية لما يأتى فى المسألة المذكورة ولا شيء من الوجود بالماهية فلا شيء من التركيب فى الوجود.

قال صاحب الشوارق رحمه‌الله والحاصل انه بعد ملاحظة ان المراد من الوجود انما هو كون الشيء وتحققه لا امر اخر وراء ذلك يحكم العقل ضرورة بانه لا يمكن ان يكون له جزء اصلا فما يستدل به على ذلك تنبيه فلا يضر المناقشة فيه.

٤٤

قول الشارح : فلا يقع الامتياز الا بالمقدار ـ لان الامتياز بين الكل والجزء اما بالمقدار كبعض ماء حوض وكله او بالطبيعة كمادة الجسم وصورته.

المسألة السابعة عشرة

( فى تكثر الوجود وتشكيكه )

قول المصنف : على عوارضها ـ اى عوارض الموضوعات وهى الماهيات فان الماهية لها وجود خاص والوجود العام يعرض على هذا الوجود بالتشكيك أولا وعلى الماهية بواسطته.

قول الشارح : الوجود طبيعة معقولة الخ ـ اعلم ان فى المعقول قاعدة مسلمة بديهية وهى ان الطبيعة من حيث هى هى لا تتكثر ولا تتعدد وفى بعض العبارات صرف الشيء لا يتثنى ولا يتكثر بل لا بدّ لتكثره من انضمام امر اخر ولو كان اعتباريا مثلا طبيعة الانسان من حيث هى طبيعة لا يعقل فيها التكثر وانما تتكثر بانضمام العوارض اللاحقة المختلفة بها حتى تتحصل لها افراد متعددة وكذلك طبيعة الحيوان تتكثر بانضمام الفصول المنوعة المختلفة وكذا طبيعة البياض تتكثر بسبب الموضوعات المتعددة فتمايز الافراد بسبب انضمام العوارض الخارجة عن الطبيعة وكذلك تمايز الاقسام وتمايز الانواع بسبب انضمام الفصول التى هى اجزاء للانواع وقد يكون التمايز بين امرين بتمام الطبيعة كالاجناس العالية فان كلا منها يتمايز عن الاخر بتمام نفس الطبيعة لا بالفصول لانها ليس فوقها جنس ولا بالعوارض لانها ليست افرادا فالتمايز اما بتمام الطبيعة او ببعضها او بامور خارجة عنها واما لوازم الطبيعة فهى تابعة لها لا يحصل بها التمايز فان التمايز بها هو التمايز بنفس الطبيعة.

ثم ان الاشراقيين وتبعهم كثير من المتاخرين قالوا ان هاهنا قسما رابعا من التمايز هو بالكمال والنقص فى الطبيعة الواحدة بان يكون الكامل والناقص كلاهما تلك الحقيقة الواحدة بعينها وانما التمايز بينهما بمحض وقوع احدهما فى مرتبة ووقوع الاخر فى مرتبة اعلى منها او اسفل ومثلوا لذلك بالنور الحسى فان التمايز

٤٥

بين فردين منه ليس بتمام الذات لانهما ماهية واحدة ولا بالفصول لانهما بسيطان ولان النور طبيعة نوعية والطبيعة النوعية ليس تمايز افرادها بالفصول ولا بالعوارض والا لكان متواطيا مع انه مشكك ولانه لا يعقل للنور عارض الا الضعف والشدة اى وقوع فرد منه فى مرتبة ووقوع اخر فى مرتبة اخرى فالتمايز والاختلاف بين افراده انما هو بالشدة والضعف والمراد بالفرد ما يقع فى مرتبة وان كان هو أيضا له افراد متعددة بحسب القوابل اذا علمت هذا فلا شبهة فى ان للوجود افرادا متكثرة بحسب تكثر الماهيات فان وجود الانسان ووجود الماء ووجود الارض ووجود السماء ووجود البياض مثلا متكثرة متمايزة مع انها مشتركة فى طبيعة الوجود وهى مقولة عليها حمل الطبيعة على الافراد فيقال وجود الانسان وجود ، وجود البياض وجود الخ فههنا بحثان : الاول بما ذا يتمايز الوجودات الخاصة بعضها عن بعض الثانى هل حمل الوجود على الوجودات الخاصة بالتشكيك او بالتواطى فظاهر قول المتكلمين المنقول عنهم ان التمايز بين الوجودات الخاصة انما هو بتحصص الوجود العام الّذي يكون لكل ماهية حصة منه فان الوجود الخاص بكل ماهية ليس الا ذلك الوجود العام المشترك مع اعتبار تقيده واضافته الى تلك الماهية فتمايز الوجودات الخاصة انما هو بنفس تلك الاضافة والتقيد وهذا يلائم القول باصالة الماهية الّذي عليه صاحب الاشراق واكثر المتكلمين ويحمل عليه بالمواطاة بالتشكيك الحاصل من اختلاف الماهيات كما يأتى بيانه فى حمل حقيقة الوجود على الوجودات الخاصة الحقيقية وعلى الماهيات بالاشتقاق بذلك التشكيك وهذا المنقول عن المتكلمين حق لو لم يكن الوجود الا هذا الامر الاعتبارى الانتزاعى لكنه لا يقدر احد ان يتفوه بهذا ولو تفوه به فى مبحث ناقض هو كلامه فى مباحث اخرى لان الحكماء والمتكلمين اجمعين اما مصرحون بان الوجود متحقق فى الخارج او يقولون ان الخارج ظرف لنفس الوجود من دون اعتبار لا لوجوده وليس بين الكلامين فرق بحسب المعنى بل بحسب التعبير وما هؤلاء الا انهم يخافون عن التعبير الاول حسبانا منهم انه ينافى قولهم باصالة الماهية لا التعبير الثانى وان كنت تريد ان تتحقق ما قلت فعليك بالمراجعة الى مباحث

٤٦

الامور العامة من الشوارق فانك تجده رحمه‌الله فى ضيق لم يجد عنه مخلصا الا بالاعتراف اخر الامر بان للوجود حقيقة فى الخارج ولا يخفى ان ظاهر كلام الشارح رحمه‌الله هذا المذهب المنقول عن المتكلمين وان امكن توجيهه الى غيره.

الثانى قول المشائين من الحكماء وهو ان التمايز بين الوجودات الخاصة انما هو بتمام ذواتها فان تمايز وجود الانسان عن وجود الماء مثلا انما هو بتمام الذات ليس بينهما جهة وحدة اصلا وصدق الوجود العام عليها من قبيل صدق العارض على المعروض لا بمعنى المحمول بالضميمة كحمل البياض على الجسم حتى يلزم ان يكون للوجود العام وجود وتحقق فى الخارج بل بمعنى ان العقل ينتزع عن تلك الوجودات الخاصة معنى واحدا ثم يحمله عليها فى صقعه وهذا القول يلائم القول باصالة الوجود وصاحب الشوارق طبقه على كلام المصنف رحمه‌الله والحكيم السبزوارى رحمه‌الله رد هذا القول بان المعنى الواحد لا ينتزع من حقائق متباينة متخالفة من دون جهة وحدة تكون هى فى الحقيقة منشأ لانتزاع ذلك المعنى الواحد واتى لذلك بدليل فى شرحها ونقل عن صدر المتالهين رحمه‌الله انه قال امتناع انتزاع مفهوم واحد من حقايق متخالفة من حيث التخالف من الفطريات.

الثالث قول الفهلويين حكماء الفرس وهو على ما نقل الحكيم السبزوارى فى منظومته ان تمايز الوجودات الخاصة بعضها عن بعض انما هو بالكمال والنقص فالميز بين الوجودين ليس بتمام ذاتيهما لانهما حقيقة واحدة ولا بالفصل لانهما بسيطان ولا بالعوارض والا لكانت الحقيقة متواطية مع انها مشككة فالتمايز بالكمال والنقص لان اقسامه محصورة فى أربعة والاشراقيون أيضا ذهبوا الى هذا المذهب فى التمايز الا انهم حيث لم يعتقدوا بحقيقة الوجود ولم يروا فى الخارج الا الماهيات جعلوا الماهية موردا للكمال والنقص وقالوا ان التفاوت والتمايز بين الوجودات بسبب الكمال والنقص الواقعين فى الماهيات.

والحق الحقيق بالتحقيق والتصديق بعد ان لم نعتقد باصالة الماهيات ولم نقل بان الوجودات حقايق متباينة بتمام الذات ان تكثر الوجود وتمايزه انما هو بتكثر

٤٧

الماهيات وتمايزها لان حقيقة الوجود السارية فى هياكل الاشياء التى يتوجه إليها الاولياء وليس لها هلاك ولا فناء لا تتصف بالكمال والنقص من حيث هى هى بل هى الكمال الحقيقى كله وبعد تعينها بالماهيات المتكثرة التى هى اعتبارات الجاعل القيوم تعالى تتكثر بحسب اختلاف تلك الماهيات فيحصل لتلك الحقيقة مراتب كلها كمال حقيقى بحسب مراتب الماهيات التى كلها نقص حقيقى فاذا قلنا مراتب الوجود تختلف بالكمال والنقص او قلنا مراتب الماهيات تختلف بالكمال والنقص كما هو مقالة اهل الاشراق فبالعرض والمجاز لان الوجود من حيث هو هو كمال لا غير ونقص وجود بالإضافة الى وجود اخر باعتبار تحدده بماهية دون ماهية والماهية من حيث هى هى نقص لا غير وكمال ماهية بالإضافة الى ماهية اخرى باعتبار الوجود نعم ان الماهيات من حيث هى هى مختلفات ولكن هذا الاختلاف لا يوجب كمالا لواحدة منها اذ الكمال فرع الحقيقة ولا حقيقة للماهية بل هى اعتبار صرف واما الوجود من حيث هو هو لا اختلاف فيه وبذلك يتحقق لمراتب الوجود التشكيك فى حمل تلك الحقيقة عليها فاذا قلنا ان وجود العقل وجود عنينا بذلك ان وجود العقل هى تلك الحقيقة بعينها تحددت وتعينت بالماهية العقلية واذا قلنا ان وجود الجسم وجود عنينا ان وجود الجسم هى تلك الحقيقة بعينها تحددت وتعينت بالماهية الجسمية لكن تلك الحقيقة فى القضية الاولى اولى واقدم واحق بالحمل منها فى القضية الثانية وهذا واضح وهذا التفاوت والتشكيك انما هو من قبل الماهيات وهذا معنى المقولية بالتشكيك فى حقيقة الوجود واما الامر الواحد العام المشترك المنتزع من هذه الحقيقة فهو أيضا فى التشكيك تابع لما ينتزع منه لكنه لا يحمل على الماهية ولا على تلك الحقيقة ولا على الوجودات الخاصة الحقيقية بالمواطاة بل بالاشتقاق ولكن حمله على الماهية بالعرض اذ ليس منتزعا منها وعليها بالذات.

قوله : لاستحالة عروض الخ ـ اى يمتنع ان يعرض وجود الانسان مثلا على سائر الماهيات.

قول المصنف : فليس جزء من غيره مطلقا ـ اى لا جزء من الماهيات ولا من

٤٨

الوجودات الخاصة وهذا صريح فى رد قول المتكلمين اذ لو كان الوجود الخاص حصة من العام لكان جزء منه ذاتيا له.

قوله : على ما يأتى ـ فى المسألة الرابعة والثلاثين.

المسألة الثامنة عشرة

( فى ان الشيئية من المعقولات الثانية )

قول المصنف : والشيئية من المعقولات الثانية ـ سيجيء إن شاء الله تعالى تعريف المعقول الثانى وبيان ان فيه اصطلاحين منطقيا وفلسفيا فى ذيل المسألة السادسة والثلاثين.

قوله : وليست متأصلة فى الوجود ـ اى ليس لها فى الخارج فرد بإزاء مفهومها كالطبائع المتاصلة مثل الانسان والماء والسواد وغيرها بل لها منشأ انتزاع فى الخارج وهو الاشياء الخارجية وسيجيء إن شاء الله تعالى بيان الفرق بين المعقول الثانى الفلسفى والمنطقى من ان الثانى ليس له منشأ انتزاع فى الخارج بخلاف الاول بعد اشتراكهما فى عدم الفرد فى الخارج بإزاء المفهوم وان الاول اعم من الثانى.

قوله : فلا شيء مطلقا ثابت ـ اى ليس للشيئية المطلقة الّذي هى الوجود فرد ثابت فى الخارج بل الاشياء الخارجية اما فرد للانسان او الماء او الحمار او البياض او الشجر او الحجر او غيرها.

قوله : بل هى تعرض لخصوصيات الماهيات ـ اى ليست الشيئية ذاتية لشيء من الاشياء الخارجية بل هى عرضية لكل ماهية خاصة ولذلك لم يكن لها فى الخارج فرد لان فرد الطبيعة ما تكون الطبيعة ذاتية له كطبيعة الانسان بالنسبة الى زيد مثلا.

اعلم ان عروض الشيئية على الماهيات كنفسها ليس فى الخارج لان العروض فى ظرف يستلزم وجود العارض فى ذلك الظرف والشيئية ليست موجودة فى الخارج ويأتى توضيح ذلك كله فى المسألة السادسة والثلاثين إن شاء الله تعالى.

٤٩

قول الشارح : ابو على بن سيناء ـ قال ابن خلكان فى وفيات الاعيان : الرئيس ابو على الحسين بن عبد الله بن سيناء الحكيم المشهور كان ابوه من اهل بلخ وانتقل الى بخارى وكان من العمال الكفاة وتولى العمل بقرية من ضياع بخارى يقال لها خرميثن من امهات قراها وولد الرئيس ابو على وكذلك اخوه بها واسم أمه ستارة وهى من قرية يقال لها افشنة بالقرب من خرميثن ثم انتقلوا الى بخارى وانتقل الرئيس بعد ذلك فى البلاد واشتغل بالعلوم وحصل الفنون ولما بلغ عشرة سنين من عمره كان قد اتقن علم القرآن العزيز والادب وحفظ اشياء من اصول الدين وحساب الهند والجبر والمقابلة ثم توجه نحوهم الحكيم ابو عبد الله الناتلى فانزله ابو الرئيس ابى على عنده فابتدأ ابو على يقرأ عليه كتاب ايساغوجى واحكم عليه علم المنطق واقليدس والمجسطى وفاقه اضعافا كثيرة حتى اوضح له منها رموزا وفهمه اشكالات لم يكن الناتلى يدريها وكان مع ذلك يختلف فى الفقه الى اسماعيل الزاهد يقرأ ويبحث ويناظر ولما توجه الناتلى نحو خوارزم شاه مأمون بن محمّد اشتغل ابو على بتحصيل العلوم كالطبيعى والإلهى وغير ذلك ونظر فى الفصوص والشروح وفتح الله عليه ابواب العلوم ثم رغب بعد ذلك فى علم الطب وتامل الكتب المصنفة فيه وعالج تادبا لا تكسبا وعلمه حتى فاق فيه الاوائل والاواخر فى اقل مدة واصبح فيه عديم القرين فقيد المثل واختلف إليه فضلاء هذا الفن وكبرائه يقرون عليه انواعه والمعالجات المقتبسة من التجربة وسنه اذ ذاك نحوست عشرة سنة وفى مدة اشتغاله لم ينم ليلة واحدة بكمالها ولا اشتغل فى النهار به سوى المطالعة وكان اذا اشكلت عليه مسألة توضأ وقصد المسجد الجامع وصلى ودعا الله عز وجل ان يسهلها عليه ويفتح مغلقها له وذكر عند الامير نوح بن نصر السامانى صاحب خراسان فى مرضه فاحضره وعالجه حتى برء واتصل به وقرب منه ودخل الى دار كتبه وكانت عديمة المثل فيها من كل فن من الكتب المشهورة بايدى الناس وغيرها مما لا يوجد فى سواها ولا سمع باسمه فضلا عن معرفته فظفر ابو على فيها بكتب من علم الاوائل وغيرها وحصل نخب فوائدها واطلع على اكثر علومها واتفق بعد ذلك احتراق تلك الخزانة فتفرد

٥٠

ابو على بما حصله من علومها وكان يقال ان أبا على توصل الى احراقها لينفرد بمعرفة ما حصله منها وينسبه الى نفسه ولم يستكمل ثمانى عشرة سنة من عمره الا وقد فرغ من تحصيل العلوم باسرها التى عاناها وتوفى ابوه وسن ابى على اثنتان وعشرون سنة وكان هو وابوه فى الاحوال ويتقلدان للسلطان الاعمال ولما اضطربت امور الدولة السامانية خرج ابو على من خراسان الى كركانج وهى قصبة خوارزم واختلف الى خوارزم شاه على بن مأمون بن محمّد وكان ابو على على زى الفقهاء ويلبس الطيلسان فقرروا له فى كل شهر ما يقوم به ثم انتقل الى نسأ وابى ورد وطوس وغيرها من البلاد وكان يقصد حضرة الامير شمس المعالى قابوس بن وشمكير فى اثناء هذا الحال فلما اخذ قابوس وحبس فى بعض القلاع حتى مات ذهب ابو على الى دهستان ومرض بها مرضا صعبا وعاد الى جرجان وصنف بها الكتاب الاوسط ولهذا يقال له الاوسط الجرجانى واتصل به الفقيه ابو عبيد الجرجانى واسمه عبد الواحد ثم انتقل الى الرى واتصل بالدولة ثم الى قزوين ثم الى همذان وتقلد الوزارة لشمس الدولة ثم تشوش العسكر عليه فاغاروا على داره ونهبوها وقبضوا عليه وسالوا شمس الدولة قتله فامتنع ثم اطلق وتوارى ثم مرض شمس الدولة بالقولنج فاحضره لمداواته واعتذر إليه واعاده وزيرا ثم مات شمس الدولة وتولى تاج الدولة فلم يستوزره فتوجه الى اصبهان وبها علاء الدولة ابو جعفر بن كاكويه فاحسن إليه وكان ابو على قوى المزاج وتغلب عليه قوة الجماع حتى انهكته ملازمته واضعفته ولم يكن يدارى مزاجه وعرض له قولنج فحقن نفسه فى يوم واحد ثمانى مرات فقرح بعض امعائه وظهر له سحج واتفق سفره مع علاء الدولة فحصل له الصرع الحادث عقيب القولنج فامر باتخاذ دانقين من كرفس فى جملة ما يحقن به فجعل الطبيب الّذي يعالجه فيه خمسة دراهم منه فازداد السحج به من حدة الكرفس فطرح بعض غلمانه فى بعض ادويته شيئا كثيرا من الافيون وكان سببه ان غلمانه خانوه فى شيء فخافوا عاقبة امره عند برئه وكان مذ حصل له الا لم يتحامل ويجلس مرة بعد اخرى ولا يحتمى ويجامع فكان يمرض اسبوعا ويصح اسبوعا ثم قصد علاء الدولة همذان من اصبهان

٥١

ومعه الرئيس ابو على فحصل له القولنج فى الطريق ووصل الى همذان وقد ضعف جدا واشرفت قوته على السقوط فاهمل المداواة وقال : المدبر الّذي فى بدنى قد عجز عن تدبيره فلا تنفعنى المعالجة ثم اغتسل وتاب وتصدق بما معه على الفقراء ورد المظالم على من عرفه واعتق مماليكه وجعل يختم فى كل ثلاثة ايام ختمة وكان نادرة عصره فى علمه وذكائه وتصانيفه وصنف كتاب الشفاء فى الحكمة والنجاة والاشارات والقانون وغير ذلك مما يقارب مائة مصنف ما بين مطول ومختصر ورسالة فى فنون شتى وله رسائل بديعة منها رسالة حي بن يقظان ورسالة سلامان وابسال ورسالة الطير وغيرها وانتفع الناس بكتبه وهو احد فلاسفة المسلمين وله شعر ثم ذكر ابن خلكان له اشعارا الى ان قال : وفضائله كثيرة مشهورة وكانت ولادته فى سنة سبعين وثلاثمائة فى شهر صفر وتوفى بهمذان يوم الجمعة من شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ودفن بها وحكى شيخنا عز الدين ابو الحسن على بن الاثير فى تاريخه الكبير انه توفى باصبهان والاول اشهر رحمه الله تعالى وكان الشيخ كمال الدين بن يونس رحمه الله تعالى يقول ان مخدومه سخط عليه واعتقله ومات فى السجن وسيناء بكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح النون وبعدها الف ممدودة.

اقول : ذكر القفطى فى كتاب اخبار العلماء باخبار الحكماء نقلا عن املاء الشيخ على احد تلاميذه انه قال : وكان ابى ممن اجاب داعى المصريين ويعد من الاسماعيلية وقد سمع منهم ذكر النفس والعقل على الوجه الّذي يقولونه ويعرفونه هم وكذلك اخى وكانا ربما تذاكرا بينهما وانا اسمع منهما وادرك ما يقولانه وابتداءً يدعواننى أيضا إليه.

المسألة التاسعة عشرة

( فى تمايز الاعدام وعليتها بحسب الذهن )

قول المصنف : ولهذا استند عدم المعلول الى عدم العلة ـ اعلم ان العلية ليست بين الاعدام حقيقة بل بالعرض والمجاز فان العلية كما يأتى فى الفصل

٥٢

الثالث هى كون الشيء بحيث يصدر عنه شيء اخر وهذا المعنى غير متصور بين الاعدام بل اطلاق العلة على العدم بالنظر الى الملكة فى صقع العقل فان العقل اذا نظر الى وجود السحاب مثلا يحكم بان له علية لوجود المطر ثم عند عدم السحاب يحكم بعدم المطر لا ان عدم السحاب يصدر منه عدم المطر وللاشارة الى هذا قال استند عدم المعلول الى عدم العلة ولم يقل عدم العلة علة لعدم المعلول كما عبر به بعض مسامحة.

قوله : لا غير ـ اى لا يستند غير عدم المعلول الى عدم العلة او لا يستند عدم المعلول الى غير عدم العلة وكلا التقديرين صحيح.

قول الشارح : واما العدمات ـ اى اعدام الملكات.

قوله : فقد منع قوم الخ ـ هم من المتكلمين وحاصل استدلالهم ان الاعدام لو كانت متمايزة لكانت ثابتة والتالى باطل بالبداهة والمقدم مثله واما الملازمة فبينة اذ التمايز لا يتصور من دون الثبوت والجواب ان المراد بالثبوت ان كان بحسب الخارج فنمنع الملازمة وان كان بحسب الذهن فمسلم لكن بطلان التالى ممنوع لان الاعدام ثابتة فى الذهن.

قوله : لمطلق العدم ـ اى للعدم المطلق المتصور الثابت فى الذهن.

قوله : لتوهم من يعكس القول الخ ـ منشأ التوهم ان العدمين متلازمان فلا رجحان لاستناد احدهما الى الاخر دون العكس والجواب ان هذا صحيح بحسب الذهن واما بحسب الخارج فان العقل يحكم بما قلنا لا بالعكس اى يحكم بدخول الفاء التفريعية على عدم المعلول لا على عدم العلة فيقال انعدمت حركة اليد فانعدمت حركة المفتاح لا عكسا.

قوله : كما يأتى ـ فى المسألة الثالثة والاربعين.

قوله : فهو برهان لمى ـ البرهان هو الحجة التى يكون جميع مقدماتها يقينية سواء كانت قياسا بجميع اقسامه او استقراء تاما او تمثيلا يقينى الجامع وينقسم الى اللمى والإني وهذا التقسيم يأتى فى القياس الاقترانى فقط اذ يقال فى مقام التقسيم ان الحد الاوسط اذا كان علة لثبوت الاكبر للاصغر فى الواقع كما كان

٥٣

علة له فى الذهن اى كما يكون واسطة لاثبات الاكبر للاصغر يكون واسطة لثبوته له أيضا فالبرهان لمى والا سواء كان الامر بالعكس اى يكون ثبوت الاكبر للاصغر علة للاوسط او كان كلاهما معلولين لامر ثالث فالبرهان انى مثال الاول : كل انسان حيوان وكل حيوان جسم فان الحيوان علة لثبوت الجسم للانسان اى لو لم يكن الانسان حيوانا لم يكن جسما مثال الثانى : الانسان ضاحك وكل ضاحك متعجب فان الضحك معلول لثبوت التعجب للانسان مثال الثالث : الانسان ضاحك وكل ضاحك كاتب فان الضحك والكتابة ليس شيء منهما معلولا للآخر بل كلاهما معلول لامر ثالث هو الانسان ولا يخفى ان هذا التقسيم يجرى فى الوجود والعدم ويخص البرهان الإني باسم الدليل ولا اسم خاص للبرهان اللمى.

قوله : للامر نفسه ـ اراد الشارح بنفس الامر فى هذا المبحث الخارج المقابل للذهن وان كان بحسب الاصطلاح اعم من ذلك ويأتى بيان معنى نفس الامر فى المسألة السابعة والثلاثين إن شاء الله تعالى.

المسألة العشرون

( فى أن عدم الاخص اعم من عدم الاعم )

قول الشارح : المسألة العشرون ـ هذه هى القضية المشهورة فى المنطق ان نقيضى الاعم والاخص اعم واخص لكن بعكس العينين.

قوله : ولا يصدق عليه عدم الحيوان الخ ـ اى لا يصدق على غير الانسان عدم الحيوان كليا بل جزئيا لان الحيوان غير الانسان احد انواع غير الانسان فلا يمكن ان يقال كل غير الانسان غير الحيوان اذ بعض غير الانسان حيوان.

قوله : ويصدق أيضا عدم الانسان على ما ليس بحيوان ـ اى كما يصدق عدم الانسان على الحيوان لما مر من ان الحيوان غير الانسان احد انواع غير الانسان يصدق على عدم الحيوان فغير الانسان بعضه حيوان وبعضه غير حيوان فهو اعم من غير الحيوان على عكس العينين.

٥٤

المسألة الواحدة والعشرون

( فى قسمة الوجود والعدم الى المحتاج والغنى )

قول الشارح : والاول ممكن ـ اى الوجود المحتاج الى العلة والعدم المحتاج إليها هو وجود الممكن وعدمه.

قوله : والثانى واجب او ممتنع ـ اى الوجود الغنى عن العلة هو وجود الواجب والعدم الغنى عنها هو عدم الممتنع.

المسألة الثانية والعشرون

( فى الوجوب والامكان والامتناع )

قول المصنف : واذا حمل الوجود الخ ـ لا شبهة ولا خلاف فى انه اذا كان محمول القضية غير نفس الوجود والعدم كقولنا الانسان ضاحك والفرس غير ناطق كانت لها ثلاثة اجزاء : الموضوع والمحمول والنسبة التى هى ثبوت المحمول للموضوع فى الايجاب وانتفائه عنه فى السلب وهذان الثبوت والانتفاء هما الوجود والعدم المقيدان اللذان مضى البحث عنهما وهذان رابطتان فى امثال هذه القضية وهذان يلاحظان معنى حرفيا لا بالاستقلال ولذلك لا يؤتى لهما فى الكلام بلفظ دال عليهما ولا احتياج إليه فى لغة العرب اذ الدال عليهما هو هيئة القضية خلافا لجمهور المنطقيين حيث ذكروا لهما الفاظا وقد تكلف كثير واتوا بلفظ دال على هذا الوجود المسمى بالرابط فى مقام التمثيل وقالوا مثلا الانسان يوجد كاتبا مكان الانسان كاتب وهذا تكلف مستغنى عنه بل ضار بالمقصود لان الوجود المقيد الرابط ينقلب وجودا مطلقا محمولا اذ لفظ يوجد يصير محمولا دالا على الوجود المطلق ولفظ كاتبا يصير حالا من متعلقات المحمول وينقلب القضية الى قولنا الانسان موجود فى حال الكتابة مع ان تعبيرهم ليس متعارفا فى المحاورات العامة والخاصة ولا يخفى ان لحاظهما معنى حرفيا لا يخرجهما عن طبيعة الوجود والعدم لان الفرق بين المعنى الاسمى

٥٥

والحرفى هو استقلال اللحاظ وعدم استقلاله وهذا لا يوجب الفرق فى ذات الملحوظين ويأتى بيان المعنى الاسمى والحرفى فى المسألة الثانية والاربعين إن شاء الله تعالى واما اذا كان محمول القضية نفس الوجود والعدم كقولنا الحمار موجود والانسان معدوم فظاهر الشارح العلامة رحمه‌الله والشارح القديم والقوشجى وصاحب الشوارق بل صريحهم وغيرهم ان لهذه أيضا ثلاثة اجزاء وقال صاحب الشوارق فى جواب من اعترض عليه بان هذا يستلزم ان يكون للوجود وجود آخر : انما يلزم ان يكون للوجود وجود لغيره ولا استحالة فيه والمحال ان يكون للوجود وجود فى نفسه وهو غير لازم لان ثبوت شيء لشيء لا يستلزم ثبوت الثابت فى نفسه ومراده بالوجود فى نفسه هو الوجود المطلق المحمول كما يقال الوجود موجود وهذا مستحيل اذ فى هذه القضية وجود الوجود لنفس الوجود وبالوجود لغيره هو الوجود المقيد بالمحمول كما يقال الانسان موجود وهذا غير مستحيل اذ فى هذه القضية وجود الوجود للانسان والحاصل ليس للوجود وجود مطلق بل له وجود مقيد بمعنى ان الوجود يتصف بوجود هو للغير ففى قولنا الانسان موجود اتصف الانسان بالوجود المطلق واتصف الوجود بوجود هو للانسان كما ان الكتابة فى قولنا الانسان كاتب اتصفت بوجود هو للانسان وفيه ان ثبوت شيء لشيء كالعروض فى اى ظرف كان يستلزم ثبوت الثابت فى نفسه فى ذلك الظرف لان الشيء ما لم يكن له ثبوت فى نفسه لا يعقل ثبوته لغيره نعم ثبوت شيء لشيء لا يستلزم ثبوت الثابت فى الخارج مطلقا بل يكفى ثبوته ذهنا لو كان ثبوته لغيره بحسب الذهن الا ان ثبوت الوجود فى نفسه هو نفس الوجود لا ثبوت زائد على نفسه فالجواب عن الاعتراض انه لا استحالة فى ان يكون للوجود وجود اخر فيما نحن فيه لان هذا الوجود الاخر انما هو للغير والوجود لغيره ليس غير الوجود فى نفسه الا بالاعتبار توضيح ذلك ان الوجود على أربعة اقسام : وجود فى نفسه لنفسه بنفسه وهو وجود الواجب تعالى ووجود فى نفسه لنفسه بغيره وهو وجود الجوهر ووجود فى نفسه لغيره بغيره وهو وجود العرض ووجود فى غيره لغيره بغيره وهو وجود النسبة وامثالها مما ليس ملحوظا مستقلا والفرق بين الثالث والرابع

٥٦

انما هو باعتبار الملحوظية بالاستقلال وعدم الملحوظية بالاستقلال والا فذاتهما واحدة فان فى قولنا الانسان كاتب يلاحظ وجود الكتابة أولا بالاستقلال ثم يلاحظ هل هذا الوجود للانسان أم لا فانه فى اللحاظ الثانى يكون آلة لتعرف حال الانسان ووجود الكتابة باللحاظ الاستقلالى وجود فى نفسه وباللحاظ الألى وجود لغيره وكذا قولنا الانسان موجود فان الوجود فى المحمول تارة يلاحظ مستقلا واخرى اليا الا ان بين القضيتين فرقا من جهة وتسوية من اخرى اما التسوية فالدال على الوجود الألى هو هيئة القضية فى كلتا القضيتين واما الدال على الوجود الاستقلالى فلفظ المحمول فى القضية الاولى بالالتزام ولفظ المحمول فى القضية الثانية بالتضمن لان الموجود يدل بمادته على الوجود والكاتب يدل بهيئته على الواجدية التى هى النسبة المستلزمة للطرفين الذين هما الانسان ووجود الكتابة وسيجيء زيادة توضيح لذلك فى المسألة الثانية والاربعين وظاهر المصنف هنا وصريح الحكيم السبزوارى فى مبحث المفرد والمركب من لئاليه فى المنطق والمولى اسماعيل الاصبهانى فى حاشيته على الشوارق فى هذه المسألة ان لهذه القضية جزءين ولم يكن لها رابطة راسا لان المحمول يغنى غناء النسبة وفيه ان الرابطة لا بدّ منها فى كل قضية والا لم تكن القضية قضية لعدم ارتباط المحمول بالموضوع من دون رابطة فالحق عندى قول الاولين.

المسألة الثالثة والعشرون

( فى ان هذه المواد الثلاث لا يمكن تعريفها )

قول الشارح : ومع ذلك فتعريفاتهم دورية ـ اى مع ان هذه المذكورات فى تعاريف هذه الثلاثة لا تفيد الا شرح اللفظ فلو ارادوا بها التعاريف الحقيقية فهى دورية او مع ان هذه الاشياء معلومة للعقلاء لا تحتاج الى اكتساب فلو ارادوا بها التعاريف الحقيقية فهى دورية قال الشيخ ابن سيناء فى إلهيات الشفاء فى الفصل الخامس من المقالة الاولى وقد تعسر علينا ان نعرف حال الواجب والممكن والممتنع بالتعريف المحقق أيضا بل بوجه العلامة وجميع ما قيل فى تعريف هذه

٥٧

مما بلغك من الاولين قد يكاد يقتضي دورا وذلك لانهم على ما مر لك فى فنون المنطق اذا ارادوا ان يحدوا الممكن اخذوا فى حده اما الضرورى واما المحال ولا وجه لهم غير ذلك فاذا ارادوا ان يحدوا الضرورى اخذوا فى حده اما الممكن واما المحال واذا ارادوا ان يحدوا المحال اخذوا فى حده اما الضرورى واما الممكن ثم قال بعد اتيان امثلة لكل واحد منها : واما كشف الحال فى ذلك فقد مر لك فى انولوطيقا على ان اولى هذه الثلاثة فى ان يتصور أولا هو الواجب وذلك لان الواجب يدل على تاكد الوجود والوجود اعرف من العدم لان الوجود يعرف بذاته والعدم يعرف بوجه ما من الوجوه بالوجود انتهى.

اقول : بوجه العلامة اى بوجه التعريف اللفظى وانولوطيقا اثنان الاول فن القياس والثانى فن البرهان ومعنى قوله والعدم يعرف الخ انه لا يعرف بذاته بل يعرف بانه رفع للوجود فمعرفته يحتاج الى اضافة الى الوجود ان كان مطلقا فمطلق وان كان مقيدا فمقيد.

المسألة الرابعة والعشرون

( فى القسمة الى هذه الثلاثة )

قول الشارح : ان القسمة الحقيقة الخ ـ اعلم ان القسمة الحقيقية قد تطلق على ما يمتنع فيه الخلو والجمع معا فى مقابل ما يمتنع فيه الخلو فقط او الجمع فقط وقد تطلق على ما يقابل الترديد وهى التى يكون المقسم فيها كليا مأخوذا مع قيود متخالفة ليحصل انواع او اقسام او افراد كقولنا الحيوان اما ناطق او غير ناطق اى اما حيوان ناطق او حيوان غير ناطق والانسان اما ذكر او انثى والرجل اما زيد او عمرو او بكر او غيرهم ومقابلها الترديد وهو الّذي لا يجب ان يكون المقسم فيه امرا كليا كذلك بل يردد فى شيء بين امور متخالفة كقولنا زيد اما ابن عمرو او ابن غيره وزيد اما فى البحر واما غير غريق والبعوضة اما يتوالدا ويتولدا ويتكون فى البيض او يتكون من دون شيء منها وحرمة الخمر اما لميعانها او لطعمها او لاسكارها او للونها

٥٨

او لغير هذه وهذه القسمة يخص باسم السبر والتقسيم الترديدى ومقابله بالحقيقي وقد مر فى المسألة الرابعة ان القسمة الحقيقية قد تطلق على المنفصلة التى لا يمكن انقلاب احد القسمين الى الاخر فراجع ومراد الشارح ما هو مقابل القسمة الترديدية الّذي يشمل ما يمكن فيه الانقلاب وما لا يمكن فيه واما النسبة بين هذه الثلاثة فبين المعنى الاول والثانى عموم من وجه لصدقهما على قولنا الحيوان اما ناطق او غير ناطق وتخلف الثانى عن الاول فى قولنا العالم اما معلم فى الحال او متعلم فى الحال وتخلف الاول عن الثانى فى قولنا زيد اما فى الدار او فى خارجها وبين المعنى الاول والثالث عموم من وجه أيضا لصدقهما على قولنا الموجود اما ممكن او واجب وصدق الاول دون الثالث فى قولنا الجسم اما ساكن او متحرك وصدق الثالث دون الاول فى قولنا الموجود اما قديم بالذات او قديم بالغير وبين الثانى والثالث عموم من وجه أيضا لصدقهما على قولنا المفهوم اما كلى او جزئى وصدق الثانى دون الثالث على قولنا الانسان اما جاهل او عالم وصدق الثالث دون الثانى على قولنا زيد اما ابن عمرو او ابن غيره.

قوله : باعتبار الغير ـ هذا الغير اما وجود العلة وهو يقتضي وجوب المعلول واما عدم العلة وهو يستتبع امتناع المعلول.

قوله : الامكان الذاتى ـ هذا القيد توضيحى لان الامكان لا يكون بالغير لما يأتى فى المسألة السابعة والعشرين.

المسألة الخامسة والعشرون

( فى اقسام الضرورة والامكان )

قول المصنف : وقد يؤخذ الامكان الخ ـ اعلم ان مفهوم الامكان هو سلب الضرورة وهو يطلق على معان ثمانية :

الاول : سلب ضرورة الوجود او العدم ويقابله ضرورة الوجود او العدم اعنى سلب ضرورة الوجود الّذي يشمل الامكان الخاص والامتناع يقابله ضرورة الوجود

٥٩

التى هى الوجوب وسلب ضرورة العدم الّذي يشمل الامكان الخاص والوجوب يقابله ضرورة العدم التى هى الامتناع فكل من الوجوب والامتناع يقابل الشامل للاثنين الباقيين من الثلاثة المسمى بالامكان العام ولاجل ذلك يكون الامكان العام اما فى طرف الوجود ويقابله الامتناع واما فى طرف العدم ويقابله الوجوب وهذان هما المعبر عنهما بالطرف الموافق للقضية والمخالف لها فالقضية ان كانت موجبة كقولنا الانسان كاتب بالامكان العام فامكان النسبة فيها سلب ضرورة عدم الكتابة عن الانسان الّذي هو الطرف المخالف للقضية لانها موجبة وان كانت سالبة كقولنا الانسان ليس بحمار فامكان النسبة فيها سلب ضرورة وجود الحمارية للانسان الّذي هو الطرف المخالف للقضية لانها سالبة ولهذا اشتهر فى ألسنتهم ان الامكان العام هو سلب ضرورة الجانب المخالف ولكن هذا باعتبار اخذ الامكان العام فى القضية واما لو لا هذا الاعتبار فتفسيره ما ذكرت كما فى المتن ولا يحتاج الى التقييد بالطرف المخالف وقد يفسر الامكان العام كما فى شرح المطالع بسلب امتناع الوجود وهذا يشمل الامكان الخاص والوجوب وهذا هو الطرف الموافق فى القضية الموجبة وسلب امتناع العدم وهذا يشمل الامكان الخاص والامتناع وهذا هو الطرف الموافق فى القضية السالبة والتفسير ان متلازمان ويسمى هذا المعنى بالامكان العام لان مفهومه شامل للخاص واحدى الضرورتين وقد يعبر عنه بالعامي بياء النسبة اى الامكان المنسوب الى العرف العام لان العرف يفهم من الامكان هذا المعنى فاذا قيل ان هذا الامر ممكن يفهم منه انه ليس بممتنع او قيل ان عدمه ممكن يفهم منه انه ليس بواجب.

الثانى : سلب ضرورة الوجود والعدم معا ويقابله الضرورة ان اضيفت الى الوجود فهى الوجوب وان اضيفت الى العدم فهى الامتناع ويقال له الامكان الخاص لانه مندرج تحت المعنى الاول والخاصى لانه منسوب الى العرف الخاص فان الحكماء لما راوا ان سلب الضرورة هاهنا احق لانه بالنسبة الى الطرفين وضعوا له اسم الامكان.

الثالث : سلب الضرورة الذاتية والوصفية والوقتية عن الطرفين والضرورة

٦٠