توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

وقال الكاظم عليه‌السلام : سبحان من لا يحد ولا يوصف ولا يشبهه شيء ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وقال العسكرى عليه‌السلام : يصور ما يشاء وليس بمصور ، جل ثناؤه وتقدست اسمائه ، وتعالى ان يكون له شبيه.

وقال الصادق عليه‌السلام : هو شيء بخلاف الاشياء وانه شيء بحقيقة الشيئية وقال عليه‌السلام : ان الله تبارك وتعالى خلو من خلقه وخلقه خلو منه ، وكل ما وقع عليه اسم شيء ما خلا الله عز وجل فهو مخلوق ، والله خالق كل شيء تبارك الّذي ليس كمثله شيء.

وقال الجواد عليه‌السلام فى جواب من قال اتوهم شيئا : نعم غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، انما يتوهم شيء غير معقول ولا محدود.

وقال الرضا عليه‌السلام : ما توهمتم من شيء فتوهموا الله غيره.

وقال الصادق عليه‌السلام : ان الله عظيم رفيع ، لا يقدر العباد على صفته ، ولا يبلغون كنه عظمته ، ولا يوصف بكيف ولا اين ولا حيث ، فالله تبارك وتعالى داخل فى كل مكان وخارج من كل شيء.

وقال عليه‌السلام : هو واحد احدى الذات ، بائن من خلقه : وبذلك وصف نفسه وهو بكل شيء محيط بالاشراق والاحاطة والقدرة.

وقال عليه‌السلام : كل موصوف مصنوع ، وصانع الاشياء غير موصوف بحد مسمى.

وقال الجواد عليه‌السلام : فربنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضد له ولا ند ولا كيف ولا نهاية ولا اقطار ، محرم على القلوب ان تمثله وعلى الاوهام ان تحده وعلى الضمائر ان تكيفه ، جل عن اداة خلقه وسمات بريته ؛ وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.

٥٠١

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان الله لا يوصف بخلقه.

وقال الصادق عليه‌السلام : انه لم يزل ولا يزال بحاله واحدا ؛ هو الاول قبل كل شيء ، وهو الآخر على ما لم يزل ؛ لا تختلف عليه الصفات والاسماء ما تختلف على غيره.

وقال الرضا عليه‌السلام : اما الواحد فلم يزل واحدا كائنا لا شيء معه بلا حدود ولا اعراض ولا يزال كذلك ؛ لم يتغير عز وجل بخلق الخلق ؛ ولكن الخلق يتغير بتغييره.

وقال عليه‌السلام : فى جواب عمر ان الصابى بعد ان قال عمران : ان الّذي كان عندى ان الكائن قد تغير فى فعله عن حاله بخلقه الخلق : احلت يا عمران فى قولك : ان الكائن يتغير فى وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره ؛ قال عمران : يا سيدى اهو فى الخلق أم الخلق فيه ؛ قال الرضا عليه‌السلام : جل يا عمران عن ذلك ؛ ليس هو فى الخلق ولا الخلق فيه ؛ تعالى عن ذلك ؛ ثم قال عليه‌السلام : واعلم يا عمران ان الواحد الّذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد وتقدير ؛ وكان الّذي خلق خلقين اثنين التقدير والمقدر ، وليس فى كل واحد منهما لون ولا ذوق ولا وزن ، فجعل احدهما يدرك بالآخر ، وجعلهما مدركين بانفسهما ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذى اراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده ، فالله تبارك وتعالى فرد واحد لا ثانى معه يقيمه ولا يعضده ولا يمسكه ، والخلق يمسك بعضه بعضا باذن الله ومشيته ، وانما اختلف الناس فى هذا الباب حتى تاهوا وتحيروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة فى وصفهم الله بصفة انفسهم ، فازدادوا من الحق بعدا ، ولو وصفوا الله عز وجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا ، فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا ارتبكوا ، والله يهدى من يشاء الى صراط مستقيم.

وقال السجاد عليه‌السلام : ضلت فيك الصفات وتفسخت دونك النعوت وحارت فى كبريائك لطائف الاوهام.

٥٠٢

هذا بعض ما ورد عنهم عليهم‌السلام مذكورا فى التوحيد والكافى والنهج وغيرها فى تنزيهه تعالى عن التحدد بالحدود الامكانية والتقيد بالصور الخلقية والاتصاف بالصفات الضالة والتشبيه بالممكنات الداثرة ، وكفاك فى ذلك قول السجاد عليه‌السلام : ضلت فيك الصفات ، فانظر فتفكر.

والحاصل انه تعالى نور بلا ظلمة لم يزل ولا يزال بلا تقيد بالحدود الامكانية من الوجودية والماهوية والعدمية وبلا تعين من التعينات الخلقية بشهادة ما ذكرنا من كلمات اهل البيت صلوات الله عليهم ، ولانه تعالى لو كان حقيقته وجودا لا بشرط ولم يمتنع عن التحدد والتعين الخلقى الامكانى وتنزل بذاته منازل الاشياء وتحدد بحدودها لزم تناهى ذاته لان الممكنات متناهية ، ولزم ان يكون المحدد محدودا ، ولزم ان لا يكون ذاته حقيقة وشيئا بحقيقة الشيئية بذاته اذ لا يأبى عن التشؤن بشأن الخلق والخلق ليس بحقيقة ، وتبا لمن سلك هذا المسلك حتى انتهى الى ان يقول : ان الاحتياج لكل من الطرفين الحق والخلق الى الطرف الآخر ، نظير ما قال الفلاسفة من لزوم بعض الموجودات لذاته تعالى مع ان الملزوم ليس الا اللازم ، والحكم بالوجوب او الامكان او الامتناع فيهما واحد ، والقول بان امكان المفارق المحض ليس فى نفس الامر بل فى مرتبة ذاته شعرى لان مرتبة ذاته من مراتب نفس الامر فى مراتب الامكان ، فالامكان لا ينفك عن نفسه فى اى مرتبة كان ، هذا ، اين التراب ورب الارباب ، وكيف يصفونه وهم فى هوّة الامكان المظلم محجوبون ، والى وجوه انفسهم التى هى من حيث هى هى من سنخ العدم لا الى وجهه الكريم متوجهون ، وهذا هو سر سلوكهم هذا المسلك.

المسألة الرابعة عشرة

( فى نفى الاتحاد عنه تعالى )

قول المصنف : والاتحاد ـ اعلم ان الاتحاد يجرى مجرى الحلول ، فهو على المعنى الاول من معانى الحلول ان يكون شيئان فى الخارج يتحدان بنحو من

٥٠٣

انحاء الاتحاد بحيث يصير وجودهما وجودا واحدا ، فهذا باطل فى حقه تعالى وفى كل شيئين أيضا لما ذكره الشارح من الدليل الخاص والعام ، وعلى المعنى الثانى الذاهب إليه الصوفية هو ان يكون الواجب تعالى كل شيء وكل شيء ذات الواجب كما هو مصرح فى كتبهم باصرح ما يفيد هذا المعنى ، وعلى المعنى الثالث هو ان الموجود الحق بالحقيقة هو الله تعالى وكل ما سواه موجود به قائم بوجوده من دون ان يكون لغيره وجود بذاته ولا ان يكون له تحدد بحد ، فلا اتحاد فى الوجود ولا اتحاد فى الحدود.

قول الشارح : يستلزم الوحدة ـ اى يستلزم ان يكون الواجب واحدا وغيره ممكنا.

قول الشارح : وأيضا فلو اتحد الخ ـ مر فى المسألة العاشرة من الفصل الثانى من المقصد الاول ذكر من امتناع الاتحاد.

المسألة الخامسة عشرة

( فى نفى الجهة عنه تعالى )

قول المصنف : والجهة ـ مر تفسير الجهة فى المسألة الحادية عشرة من الفصل الاول من المقصد الثانى ، وانما ذكرها لانها اعم من التحيز لان النقطة مثلا لها جهة وليس لها تحيز ، ولانها وقع فى كلام الكرامية ، ولكنهم صرحوا بانه تعالى جسم بعد قولهم انه تعالى فى جهة.

قول الشارح : جميع المجسمة ـ لان الجسمية تستلزم الكون فى الجهة وان لم يعبر كلهم به ، وابن الكرام اطلق عليه اسم الجوهر.

قول الشارح : اصحاب ابى عبد الله بن الكرام ـ اكثرهم كانوا بارض خراسان ، ومات ابن الكرام سنة مائتين وخمس وخمسين.

قول الشارح : محمد بن هيصم ـ قال الشهرستانى : الكرامية طوائف بلغ

٥٠٤

عددهم الى اثنتى عشرة فرقة ، واقربهم الهيصمية ، وقال بعد نقل مقالاتهم : وقد اجتهد ابن الهيصم فى ارمام مقالة ابى عبد الله فى كل مسألة حتى ردها من المحال الفاحش الى نوع يفهم فيما بين العقلاء مثل التجسيم فانه قال اراد بالجسم القائم بالذات الخ.

المسألة السادسة عشرة

( فى انه تعالى ليس محلا للحوادث )

قول المصنف : وحلول الحوادث فيه ـ المراد من حلول الحادث فيه اتصافه تعالى بما لم يكن له ، اعلم ان الصفة اما اضافة محضة كالمعية او حقيقة محضة كالحياة او حقيقة ذات اضافة كالعلم والقدرة ، وما استدل على امتناع تجدده هو الثانية والثالثة لا الاولى لان حدوثه لا يضر بساحة قدس وجوبه كما لا يضر حدوث الخلق الّذي هو منشأ لحدوث الاضافات بينه وبين مبدئه ، نعم من قال ان الاضافة صفة ثابتة فى الاعيان لزمه القول بحلول الحوارث فيه ، وقد مضى هذا البحث فى المسألة الثالثة من مبحث الاضافة فى الفصل الخامس من المقصد الثانى.

قول الشارح : وقد خالف فيه الكرامية ـ نقل مقالتهم فى كتب المذاهب ، ونقل عنهم الرازى فى الاربعين والقوشجى فى الشرح وغيرهما انهم قالوا : ان اكثر القرق قائلون بذلك ولسنا متفردين به ، فذكروا امورا الزموا الاقوام بها بالتشريك فى ذلك بزعمهم ، وليس بشيء لان ما ذكروه يرجع الى الاضافات والصفات الخلقية ، وقد قلنا ان حدوثها ليس فى ذاته تعالى وليس بضائر فى شيء.

قول الشارح : والدليل على الامتناع الخ ـ استدل على ذلك بوجوه :

الاول لو حدث فى ذاته امر لزم تغيره وانفعاله والتالى باطل لان ذلك ينافى وجوب الوجود ، وجه الملازمة ان منشأ التغير حصول ما لم يكن فى الشيء او زوال ما قد كان فيه ،

٥٠٥

الثانى لو كان تعالى محلا للحادث فان كان المقتضى له ذاته لزم ان يكون ما فرضناه حادثا ازليا وان يكون هو تعالى فاعلا وقابلا معا وهو فى الواجب محال لان جهة الفاعلية جهة الوجوب والواجدية وجهة القابلية جهة الامكان والاستعداد والفاقدية والجهتان متقابلتان فلا تجتمعان الا فى شيئين او فيما له الكثرة والتفاوت ، والى هذا اشار امير المؤمنين عليه‌السلام فى النهج فى الخطبة المائة والواحدة والثمانين وابنه الرضا عليه‌السلام فى حديث رواه الصدوق فى الباب الثانى من كتاب التوحيد : لا يجرى عليه السكون والحركة ، وكيف يجرى عليه ما هو اجراه ، ويعود فيه ما هو ابداه ، ويحدث فيه ما هو احدثه ، اذا لتفاوتت ذاته ولتجزأ كنهه ولامتنع من الازل معناه ، وان كان المقتضى له غيره لزم ان يكون حادثا مفتقرا ممكنا من حيث الصفة والممكن من حيثية ممكن بذاته لان الواجب بالذات واجب من جميع الجهات ، والى هذا اشار الرضا عليه‌السلام فى ذلك الحديث : كيف يستحق الازل من لا يمتنع من الحدث ، وكيف ينشئ الاشياء من لا يمتنع من الانشاء ، اذا لقامت فيه آية المصنوع ولتحول دليلا بعد ما كان مدلولا عليه.

الثالث لو كان تعالى محلا للحادث فان كان صفة كمالية حقيقية استحال خلو الذات عنها لان كل كمال منه يبتدأ وإليه ينتهى ، وان كان صفة نقص استحال اتصاف الذات بها.

ثم انه يمتنع ان يكون تعالى محلا لغيره مطلقا حادثا كان او قديما ، جوهرا او عرضا ، مجردا او ماديا لان ذاته حقيقة وحقيقة الشيئية ، فلا لغيره حقيقة حتى يحل فيه لتفريق كنهه وكنه خلقه كما ورد فى الحديث وإلا لزم تعدد الواجب لكن القوم حصروا البحث هنا فى الحوادث لان غيره حادث ولان الكرامية هكذا ادعوا ، ويأتى امتناع اتصافه بالصفات القديمة الزائدة على ذاته فى المسألة التاسعة عشرة.

٥٠٦

المسألة السابعة عشرة

( فى انه تعالى غنى )

قول المصنف : والحاجة ـ هى فقدان الشيء لما ينبغى له مع امكان تداركه بالغير ، فهى امر عدمى ، والغنى بخلافها ، وقول المصنف فى اوائل النمط السادس من شرح الاشارات : ان الغنى امر سلبى تفسير لقول الشيخ : الغنى التام هو الّذي يكون غير متعلق بشيء خارج عنه فى امور ثلاثة فى ذاته وفى هيئات متمكنة فى ذاته وفى هيئة كمالية اضافية لذاته ، انتهى ، فان عدم التعلق فى هذه الامور بالغير من لوازم الغنى ، لا نفس معناه لان الغنى يتحقق فى الشيء بما عنده من الامور الوجودية ، وقد يطلق الحاجة على ما يحتاج إليه ، ويطلق أيضا على ما الفاعل بصدده لاجل غاية مرادة ، وبهذا المعنى ورد فيما رواه الصدوق فى التوحيد فى الباب الثانى عشر بالاسناد عن خيثمة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) ، قال : دينه ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وامير المؤمنين عليه‌السلام دين الله ووجهه وعينه فى عباده ، ولسانه الّذي ينطق به ، ويده على خلقه ، ونحن وجه الله الّذي يؤتى منه ، لن نزال فى عباده ما دامت لله فيهم رويّة ، قلت : وما الروية ، قال : الحاجة ، فاذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه وصنع ما احب.

قول الشارح : فان وجوب الوجود يستدعى الخ ـ هذا مضمون قول الحكماء : الواجب الوجود بذاته واجب من جميع جهاته ، فظاهر ان الّذي يجب له بذاته جميع ما امكن له من شئونه لا يحتاج فى شيء الى غيره ، واما توقف اتصافه تعالى بالإضافات على الطرف الآخر مع انها ليست امورا فى الاعيان فلا يضر بغنائه لانها تتوقف على وجود الطرف الآخر ، ووجوده له تعالى فالامر كله يرجع إليه ، فلذا ورد فى الحديث انه خالق اذ لا مخلوق ؛ وذلك بهذا الاعتبار.

٥٠٧

قول الشارح : لانا نقول هذا بناء الخ ـ حاصل الجواب ان الدور اى توقف الواجب على الممكن وبالعكس من حيث الذات على ان يكون صفاته الحقيقية عين ذاته تعالى ظاهر ، وعلى القول بالزيادة وان امكن تصور الاحتياج لا على وجه الدور لكنه بعد التأمل أيضا يلزمه الدور المحال بالواسطة لان الصفة التى يحتاج الواجب فيها الى الممكن متوقفة على تاثير الممكن وتأثيره يتوقف على جهة التأثير وجهة التأثير تتوقف على وجود الممكن ووجوده يتوقف على الواجب فالممكن محتاج الى الواجب فى تحقق تلك الصفة ، والمفروض ان الواجب محتاج فى تحقق تلك الصفة بعينها الى الممكن.

قول الشارح : كما سيأتي ـ فى المسألة التاسعة عشرة.

قول الشارح : لان ذاته موقوفة الخ ـ هذا حكم من احكام امتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما فانه ما من شيء بالنسبة الى شيء آخر الا ان يكون على وجود ذلك الشيء او عدمه ، فان كان ذلك الشيء واجبا له او ممتنعا له فهو ، وان كان ممكنا متوقفا على الغير وجودا وعدما كان نفس الشيء الاول أيضا يتوقف على ذلك الغير لتوقفه على وجود ذلك الشيء او عدمه اذ لا يبقى عاريا عن وجوده وعدمه ، وهذا سر قولهم : الواجب الوجود بذاته واجب من جميع جهاته ، وعكس النقيض لهذه القاعدة ان ما ليس بواجب من جميع جهاته ليس بواجب الوجود بذاته ، فالممكن من جهة ممكن بذاته وسائر جهاته.

المسألة الثامنة عشرة

( فى استحالة الالم واللذة عليه تعالى )

قول الشارح : واما اللذة بهذا المعنى فقد اتفق الخ ـ اعلم ان اللذة والبهجة والسرور والفرح والانبساط الفاظ لها معنى واحد وجدانى لكل احد ، غنى عن الشرح

٥٠٨

والتحديد ، وكذا مقابلاتها ، وعرف الحكماء والمتكلمون اللذة مطلقا بادراك الملائم والالم مطلقا بادراك المنافى ، والشيخ شرح هذا المعنى فقال فى الاشارات فى اوّل النمط الثامن : ان اللذة هى ادراك ونيل لوصول ما هو عند المدرك كمال وخير من حيث هو كذلك ، والالم هو ادراك ونيل لوصول ما هو عند المدرك آفة وشر كذلك ، ونقل الشهرستانى فى الملل والنحل عن ثامسطيوس عن ارسطوطاليس عند ذكر مقالاته انه قال : اللذة فى المحسوسات هو الشعور بالملائم وفى المعقولات الشعور بالكمال الواصل إليه من حيث يشعر به ، ثم قال الشيخ بعد سطور : وكل لذة تتعلق بامرين بكمال خيرى وبادراك له من حيث هو كذلك ، وحاصل كلامه فى ماهية اللذة هو انها ادراك الكمال الّذي يكون خيرا اى مؤثرا ومختارا بالنسبة الى المدرك من حيث هو كمال وخير لان الشيء الملتذ به يمكن ان يكون له حيثيات متعددة مختلفة يكون اللذة من حيثية منها دون حيثية كالالتذاذ بحرارة النار فى الصرد دون احراقها ، ثم قال الشيخ بعد فصول : اجل مبتهج بشيء هو الاول بذاته لانه اشد الاشياء ادراكا لاشد الاشياء كمالا الّذي هو بريء عن طبيعة الامكان والعدم وهما منبعا الشر ولا شاغل له عنه ، وحاصل كلامه انه تعالى مدرك لذاته الّذي هو كمال كله مع انه فى اعلى مراتب الادراك والمدركية والمدركية فيصح اطلاق المبتهج عليه تعالى بنحو اجل وأليق اذ بين ان حقيقة اللذة هى ادراك الكمال الخيرى وانه تعالى مدرك لذاته الّذي هو كمال مؤثر بذاته من دون تعدد الحيثيات الّذي يأتى من قبل الامكان والعدم ومن دون ان يشغله شاغل عن الادراك ، ومعلوم ان لذته ليست مزاجية لانها تابعة للمزاج المنفى عنه تعالى.

اقول : الظاهر بالوجدان ان اللذة فينا لا سيما العقلية حالة تحصل عند الادراك كذلك لا انها متحدة الحقيقة معه حتى يحكم بثبوتها حيث يثبت مع ان تغاير علمنا وادراكنا حقيقة لعلمه وادراكه تعالى يمنعنا عن الجزم بصحة اطلاق الملتذ والمبتهج عليه تعالى

٥٠٩

ان قلت : ان ذلك يمنعنا عن اطلاق العالم عليه أيضا لتغاير الحقيقة ، قلت : ان اطلاق العالم عليه وعلينا بالمفهوم المشترك لانه علم بذاته ونحن يعرضنا والمصحح للاطلاق احد الامرين ، واما اطلاق الملتذ عليه تعالى باى اعتبار يساعدنا البرهان باعتبار انه تعالى لذة بذاته او باعتبار عروض اللذة عليه من غيره؟!.

ان قلت : ان اسناد السرور المرادف للّذة كثير فى الاخبار ، وقد ورد اسناد البهجة الى نوره تعالى فى المناجاة الشعبانية بقوله عليه‌السلام : إلهى والحقنى بنور عزك الابهج فاكون لك عارفا وعن سواك منحرفا ، قلت : احتمال المجاز قوى كنظائره من الغضب والرضا والتردد والاستهزاء والاستواء وغيرها ، بل متعين لانه نسب إليه عند حدوث الاحداث كتوبة العبد مثلا والحقيقة تستلزم عروض الحادث عليه ، واسناد البهجة الى نوره لا يستلزم الاسناد الى ذاته اذ لعل المراد به غير ذاته كما هو الظاهر ، فلا يقوم دليلا على ذلك.

قوله : كانه قد ارتضى ـ انما قال : كانه لان المصنف نفى صريحا الا لم واللذة المزاجية ، لا انه اثبت اللذة العقلية الا بالمفهوم ، وهذا المفهوم غير ثابت.

قول الشارح : يستدعى الاذن الشرعى ـ الدليل على توقيف تسميته وتوصيفه تعالى على بيان الشارع غير الاجماع قول الرضا عليه‌السلام فى الحديث التاسع فى الباب الثانى من توحيد الصدوق : انه من يصف ربه بالقياس لا يزال الدهر فى الالتباس ، وقوله عليه‌السلام فى الحديث السابع عشر فى الباب الثانى منه ، ان الخالق لا يوصف الا بما وصف به نفسه ، وقول الكاظم عليه‌السلام فى الحديث الواحد والثلاثين منه لمحمد بن ابى عمير : يا أبا احمد لا تتجاوز فى التوحيد ما ذكره الله تعالى ذكره فى كتابه فتهلك وقول الرضا عليه‌السلام لسليمان المروزى فى الحديث الطويل المذكور فى التوحيد فليس لك ان تسميه بما لم يسم به نفسه ، وقول الصادق عليه‌السلام فى الحديث الخامس عشر فى الباب الآخر من التوحيد لقوم من الذين يتكلمون فى الربوبية : اتقوا الله وعظموا الله ولا تقولوا ما لا نقول ، وقول موسى بن جعفر عليهما‌السلام فى حديث رواه الكلينى فى باب النهى عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى : ان الله اعلى واجل واعظم من ان يبلغ كنه صفته فصفوه بما وصف به نفسه وكفوا عما سوى ذلك ، وقوله تعالى :

٥١٠

( سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ) ،

وقال المفيد رحمه‌الله فى اوائل المقالات فى مبحث القول فى الصفات : انه لا يجوز تسمية البارى تعالى الا بما سمى به نفسه فى كتابه او على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله او سماه به حججه من خلفاء نبيه وكذلك اقول فى الصفات ، وبهذا تطابقت الاخبار عن آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو مذهب جماعة من الامامية وكثير من الزيدية والبغداديين من المعتزلة كافة وجمهور المرجئة واصحاب الحديث الا ان هؤلاء الفرق يجعلون بدل الامام الحجة فى ذلك الاجماع ، انتهى.

اقول : اعلم ان التوصيف اعم من التسمية لانه يكون بالاسناد مطلقا ، واما هى فانما تكون بالاسم مع قصد الوضع فالتسمية قسم من التوصيف ، وفى حديث رواه الصدوق رحمه‌الله فى التوحيد فى الباب التاسع والعشرين والكلينى رحمه‌الله فى باب حدوث الاسماء من الكافى عن محمد بن سنان ، قال سألته عن الاسم ما هو ، قال : صفة لموصوف ، ولا شبهة فى جواز التوصيف بالمشتق الّذي نبنيه من الفعل الّذي اسند إليه تعالى فى الشرع فيقال مثلا : انه تعالى معلم آدم ، مستهزئ المنافقين وان لم يرد عينه فى لسانه ، واما التسمية والدعاء به فمشكل ، وذهب الى الجواز ابو على الجبائى على ما ذكره الأسفراييني فى التبصير فى الدين والكيلانى فى ذيل الملل والنحل.

ثم لا شبهة أيضا فى التسمية والتوصيف بالمرادف لما ورد عن اصحاب الوحى سلام الله عليهم وان كان اللفظ غير عربى ، والنزاع ليس فى اللفظ وان اوهم ذلك بعض الكلمات ، بل فى المعنى الّذي يوصف تعالى به باى لفظ كان ، فان ورد عن الحجة توصيفه به فلا مانع من توصيفنا اياه باى لفظ اتفق الا ان يكون بين اللفظين فرق من جهة خصوصيات المعنى بعد الاشتراك فى اصله كالمحب والعاشق.

ثم انه لا شبهة فى عدم جواز توصيفه تعالى بما لم يرد عن الشرع ولم يدل على صحته العقل كقول بعض الجهال من المسلمين وغيرهم : انه جسم او صورة تعالى عن ذلك ، وانما النزاع فى جواز توصيفه بما لم يرد عن الشرع ودل على صحته العقل فالحق عدم الجواز لعظم الخطر ولعدم احاطة العقل بجميع جهات المعنى وادراكه كنه

٥١١

ذاته تعالى فالاقتصار على ما يوحى تعالى الى حججه متعين ، نعم لا بأس بتوصيفه بالمعنى اللازم للمعنى الوارد كالواجب الوجود اللازم لمعنى الموجود القديم وكالعلة اللازم لمعنى الخالق ، وان كان العلة اطلق عليه تعالى فى اواخر حديث المفضل بن عمر فى التوحيد حيث قال عليه‌السلام : واما لما ذا هو فساقط فى صفة الخالق لانه جل ثناؤه علة كل شيء وليس شيء بعلة له لان تجويز اطلاق معنى عليه تعالى يستلزم جواز اطلاق لازم ذلك المعنى عليه ، الا ان التسمية والدعاء بالمعنى اللازم مشكل أيضا.

المسألة التاسعة عشرة

( فى نفى المعانى والاحوال والصفات الزائدة فى الاعيان )

قول الشارح : ذهبت الاشاعرة الى ان الخ ـ اعلم ان المذاهب فى صفات الذات من حيث الزيادة والعينية خمسة :

المذهب الاول وهو الحق ان الله تعالى عالم مثلا بعلم هو ذاته كما انه تعالى موجود بوجود هو ذاته ، وكذا سائر صفاته الذاتية بمعنى ان ذاته بذاته حقيقة احدية تكون مصداقا وموضوعا لحقيقة الصفات الذاتية المختلفة بحسب المفاهيم ، فهو بذاته الاحدية نور بلا ظلمة وعلم بلا جهل وحياة بلا موت وقدرة بلا عجز وهكذا ، وهذا مذهب اتباع اهل البيت صلوات الله عليهم والفلاسفة الاسلاميين والاقدمين ومذهب ابى الهذيل العلاف من شيوخ المعتزلة على ما نقل بعض.

قال ابن سيناء فى رسالته النيروزية فى معانى الحروف الهجائية : واجب الوجود هو مبدع المبدعات ومنشئ الكل ، وهو ذات لا يمكن ان يكون متكثرا او متحيزا او متقوما بسبب فى ذاته او مباين فى ذاته ، ولا يمكن ان يكون وجود فى مرتبة وجوده فضلا عن ان يكون فوقه ، ولا وجود غيره ليس هو المفيد اياه قوامه فضلا عن ان يكون مستفيدا عن وجود غيره وجوده ، بل هو ذات هو الوجود المحض والحق

٥١٢

المحض والخير المحض والعلم المحض والقدرة المحضة والحياة المحضة من غير ان يدل بكل واحد من هذه الالفاظ على معنى مفرد على حدة ، بل المفهوم منها عند الحكماء معنى وذات واحد لا يمكن ان يكون فى مادة او مخالطة ما بالقوة او يتأخر عنه شيء من اوصاف جلالته ذاتيا او فعليا ، انتهى.

ولهذا المذهب دلائل :

الاول الاخبار الواردة عن ائمتنا صلوات الله عليهم ، روى الكلينى رحمه‌الله فى باب اطلاق القول بانه شيء من الكافى عن ابى عبد الله عليه‌السلام انه قال جوابا للسائل هو سميع بصير؟ : سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة ، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه ، ليس قولى انه سميع يسمع بنفسه وبصير يبصر بنفسه انه شيء والنفس شيء آخر ، ولكن اردت عبارة عن نفسى اذ كنت مسئولا وافهاما لك اذ كنت سائلا : فاقول : انه سميع بكله لا ان الكل منه له بعض ، ولكنى اردت افهامك والتعبير عن نفسى ، وليس مرجعى فى ذلك الا الى انه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى.

وروى فى باب صفات الذات عن ابى بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لم يزل الله عز وجل ربنا والعلم ذاته ولا

معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولا مبصر ، والقدرة ذاته ولا مقدور الخ.

وروى عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام انه قال فى صفة القديم : انه واحد صمد احدى المعنى ليس بمعان كثيرة مختلفة ، قال : قلت : جعلت فداك يزعم قوم من اهل العراق انه يسمع بغير الّذي يبصر ويبصر بغير الّذي يسمع ، قال : فقال : كذبوا والحدوا وشبهوا ، تعالى الله عن ذلك ، انه سميع بصير يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع ، وكل ذلك رواه الصدوق رحمه‌الله فى التوحيد فى الباب السادس والثلاثين والباب الحادى عشر.

وروى أيضا فى الباب العاشر عن منصور الصيقل عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : ان الله علم لا جهل فيه ، حياة لا موت فيه ، نور لا ظلمة فيه ، وعن يونس بن عبد الرحمن

٥١٣

قال : قلت لابى الحسن الرضا عليه‌السلام : روّينا ان الله علم لا جهل فيه : حياة لا موت فيه ، نور لا ظلمة فيه ، قال : كذلك هو ، وعن جابر الجعفى عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : ان الله نور لا ظلمة فيه وعلم لا جهل فيه وحياة لا موت فيه ، وعن عبد الاعلى عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، قال : علم الله لا يوصف منه باين ، ولا يوصف العلم من الله بكيف ، ولا يفرد العلم من الله ، ولا يبان الله منه ، وليس بين الله وبين علمه حد.

وروى فى الباب الحادى عشر من التوحيد عن الحسين بن خالد ، قال : سمعت الرضا على بن موسى عليهما‌السلام يقول : لم يزل الله تبارك وتعالى عليما قادرا حيا قديما سميعا بصيرا ، فقلت له : يا ابن رسول الله ان قوما يقولون : انه عز وجل لم يزل عالما بعلم وقادرا بقدرة وحيا بحياة وقديما بقدم وسميعا بسمع وبصيرا ببصر ، فقال عليه‌السلام : من قال ذلك ودان به فقد اتخذ مع الله آلهة اخرى وليس من ولايتنا على شيء ، ثم قال عليه‌السلام : لم يزل الله عز وجل عليما قادرا حيا قديما سميعا بصيرا لذاته ، تعالى عما يقول المشركون والمشبهون علوا كبيرا ، وعن هارون بن عبد الملك ، قال : سئل ابو عبد الله عليه‌السلام عن التوحيد ، فقال : هو عز وجل مثبت موجود ، لا مبطل ولا معدود ، ولا فى شيء من صفة المخلوقين ، وله عز وجل نعوت وصفات ، فالصفات له واسماؤها جارية على المخلوقين مثل السميع والبصير والرءوف والرحيم واشباه ذلك ، والنعوت نعوت الذات لا تليق الا بالله تبارك وتعالى ، والله نور لا ظلام فيه وحي لا موت فيه وعالم لا جهل فيه وصمد لا مدخل فيه ، ربنا نورى الذات حي الذات ، عالم الذات ، صمدى الذات ، وروى عن عثمان الاحمر ، قال : قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام : اخبرنى عن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعا بصيرا عالما قادرا؟ قال : نعم ، فقلت : ان رجلا ينتحل موالاتكم اهل البيت يقول : ان الله تبارك وتعالى لم يزل سميعا بسمع وبصيرا ببصر وعليما بعلم وقادرا بقدرة ، فغضب عليه‌السلام ، ثم قال : من قال ذلك ودان به فهو مشرك وليس من ولايتنا على شيء ، ان الله تبارك وتعالى ذات علامة سميعة بصيرة قادرة ، وروى عن هشام بن سالم ،

٥١٤

قال : دخلت على ابى عبد الله عليه‌السلام ، فقال لى : أتنعت الله ، فقلت ، نعم ، قال : هات ، فقلت : هو السميع البصير ، قال : هذه صفة يشترك فيها المخلوقون ، قلت : فكيف ننعته ، فقال : هو نور لا ظلمة فيه وحياة لا موت فيه وعلم لا جهل فيه وحق لا باطل فيه ، فخرجت من عنده وانا اعلم الناس بالتوحيد.

ومن الدليل السمعى أيضا ما ورد عنهم عليهم‌السلام من قولهم كثيرا : كمال التوحيد نفى الصفات عنه ،

والعجب العجاب ان العلامة المجلسى رحمه‌الله مع صراحة هذه الاخبار فى انه تعالى بذاته حقيقة كل من هذه الصفات قال فى اوّل ابواب الصفات من البحار : اعلم ان اكثر اخبار هذا الباب يدل على نفى زيادة الصفات اى على نفى صفات موجودة زائدة على ذاته تعالى ، واما كونها عين ذاته تعالى بمعنى انها تصدق عليها او انها قائمة مقام الصفات الحاصلة فى غيره تعالى ، او انها امور اعتبارية غير موجودة فى الخارج واجبة الثبوت لذاته تعالى فلا نص فيها على شيء منها وان كان الظاهر من بعضها احد المعنيين الاولين ، ولتحقيق الكلام فى ذلك مقام آخر ، انتهى.

اقول : الاحتمال الاول هو المتعين لصراحة الاخبار فيه ، والثانى مذهب المعتزلة وسيأتى ، والثالث مما تضحك به الثواكل وهو مذهب الفخر الرازى خاصة وسيأتي ، وأيضا من العجيب قوله : ولتحقيق الكلام الخ ، فان ذلك الباب مقامه.

الثانى من الدلائل انه تعالى لو لم يكن بذاته علما وقدرة وحياة وغيرها فاما يكون بذاته متقابلات هذه الصفات او يكون ذاته بذاته خالية عن المتقابلين جميعا قابلة معروضة ، وعلى فرض خلو الذات فاما تكون الصفات عارضة او لازمة لزوما خارجيا كالحرارة للنار او ذهنيا كالامكان للماهية ، والتوالى باطلة ، اما الاول فبالضرورة والاجماع ، واما الثانى والثالث فللزوم المادة فى المعروض لان العرض الخارجى سواء كان لازما او غريبا يستدعى مادة يحل فيها ، واما الرابع فللزوم كون كمالاته امورا ذهنية اعتبارية لا حقيقة خارجية ، فهو بذاته تلك الكمالات.

الثالث لو لم يكن بذاته كمالا كائنا ما كان بل كان امرا غير ذاته فى الخارج لا بحسب المفهوم لكان ذاته محدودة بالكمال لكن التالى باطل لان كل محدود

٥١٥

ممكن ، وبيان اللزوم ان التحدد الخارجى لازم التغاير الخارجى لانه يستلزم التمايز فى الخارج وهو لا يعقل الا ان يكون كل من الامرين فى حد غير حد الآخر ، لكنه تعالى ليس فى حد.

ان قلت : اذا يلزم ان لا يكون تعالى ممتازا عن غيره ، قلت : بحسب الحد كذلك اذ لا حد له وبحسب الحقيقة لا شيء غيره ، ولذلك قال امير المؤمنين عليه‌السلام داخل فى الاشياء لا بالممازجة وخارج عنها لا بالمباينة ، وقال الرضا عليه‌السلام : وذاته حقيقة ، وقال الصادق عليه‌السلام : هو شيء بحقيقة الشيئية ، وقال عليه‌السلام : لا شيء غيره ، وقال تعالى : ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ) ، وامثال هذه الكلمات التى تشير الى انه انما هو كل الكمال بذاته الاحدية من دون التحدد والتكثر ، تعالى عما يقول المشركون العادلون بالله علوا كبيرا ،

الرابع لو لم يكن بذاته علما وغيره من الكمالات الحقيقية لكان فى مرتبة ذاته عاريا عن الكمال مفتقرا الى الكمال والعراء عن الكمال والافتقار إليه نقص وهو محال عليه تعالى ، وكون الكمالات لوازم لذاته لا يستلزم ان يكون الملزوم فى حد ذاته كاملا لان التغاير محفوظ على فرض عدم العينية ، وهذا الدليل ما ذكره الشارح.

الخامس لو لم يكن بذاته حقائق تلك الصفات فاما ان لا يكون الصفات قائمة به ، او تكون قائمة به ، والاول يستلزم ان لا يصح ان يقال : انه تعالى عالم قادر الخ ، والثانى يستلزم ان تكون الصفات ممكنة لان كل ما هو قائم بغيره فهو ممكن ، والممكن من حيث الصفات ممكن بالذات لما مر فى المسألة السابعة عشرة.

السادس ان العلم مثلا كمال وكل كمال اما عين ذات الشيء او غيرها ، والفرض الاول اشرف والواجب يجب ان يكون على اشرف الفروض فى كل شيء.

السابع ان الوجود حقيقة يدور عليها ويتحقق بها حقيقة كل كمال وما يتحقق به حقيقة كل كمال ان كان عين شيء كان حقيقة كل كمال عين ذلك الشيء ، اما الكبرى فظاهرة ، واما الصغرى فلان العلم مثلا فى الخارج انما هو علم وجودا لا ماهية ومفهوما لانها اعتبارية ، فحقيقة العلم انما هى حقيقة الوجود ، والاختلاف من جهة المفهوم ،

٥١٦

فالواجب اذ هو ذاته حقيقة الوجود فانما هى حقيقة العلم ، وكذا غيره.

المذهب الثانى هو قول ابى الحسن الاشعرى واتباعه تبعا لسلفهم المسمين بالصفاتية وقول الكلابية اتباع عبد الله بن محمد بن كلاب القطان ، وهو ان صفاته تعالى معان ازلية زائدة قائمة بذاته تعالى ، والمعنى اصطلاح لهم فى الصفة ، وصرحوا كما فى شرح العقائد النسفية بان هذه الصفات ليست بعرض ولا مستحيلة البقاء ولا ضرورية ولا مكتسبة ، ومعتمدهم فى هذا القول امور أقواها انه قد ثبت بالكتاب والسنة والعقل والاجماع انه تعالى عالم قادر حي الى غير ذلك من الصفات ، وليست هذه الفاظا مترادفة بل يدل كل منها على معنى غير معنى الآخر وغير معنى الواجب والموجود ، وكل ما صدق عليه المشتق لا بدّ ان يكون مبدأ الاشتقاق قائما به ، فثبت ان كلا من هذه الصفات قائمة به ، والجواب منع الكبرى لامكان ان يكون نفس الذات مبدأ الاشتقاق فيصدق المشتق من دون الحاجة الى قيام مبدأ الاشتقاق بالذات كصدق الابيض على البياض والنير على النور والمعدوم على العدم والمظلم على الظلمة والموجود على الوجود ، بل الصدق الحقيقى الواقع فى محله هو صدق المشتق على مبدأ الاشتقاق مطلقا لان صدق الابيض على الجسم وصدق الموجود على الماهية انما هو بالعرض والواسطة لا بالذات ، وصدقهما على البياض والوجود بالذات اذ لولاهما لم يصدقا عليهما ، فصدق المشتق على شيء لا يستدعى ذاتا يقوم بها المبدأ ، بل يستدعى تحقق المبدأ باى نحو كان ، فبالنظر الى الدلائل التى ذكرناها على عينية صفاته لذاته ثبت ان صدق هذه المشتقات عليه تعالى من الضرب الثانى ، نعم ان قول المعتزلة كما يأتى مردود لانهم لا يقولون بالقيام ولا بالعينية ، فالمفهوم عندهم ليس له مصداق اصلا.

ثم ان الفخر الرازى من ائمة الاشاعرة خالف اصحابه فى هذه المسألة فقال فى الاربعين : اعلم ان اكثر الناس يخبطون فى تعيين محل النزاع فى هذه المسألة ، وتحقيق الكلام ان نقول : ان كل من علم امرا من الامور فانه لا بدّ ان يحصل بين العالم وبين المعلوم نسبة مخصوصة واضافة مخصوصة ، وهذه الاضافة هى التى يعبر عنها المتكلمون بالتعلق فيقولون العلم متعلق بالمعلوم ، وعندنا ان العلم عبارة عن نفس

٥١٧

هذا التعلق وعن نفس هذه الاضافة ، وندعى ان هذه الاضافة والنسبة مغايرة لنفس الذات ، والذات مع هذه الاضافة المخصوصة امر ان لا امر واحد ، انتهى ، وانت تراه فى خبط عظيم من جهات مع ان الكلام ليس فى العلم فقط.

ثم ان من عجيب امر هؤلاء انهم يقولون كما قال الاشعرى فى المقالات : ان اسماء الله تعالى هى الله ، ولا يقال : انها غير الله ، وان الاسم والمسمى عندهم واحد ، واما صفات الله فهى غير الله او ليست هى بالله ولا بغير الله على ما نقل بعضهم.

المذهب الثالث قول الكرامية وهو قول الاشاعرة مع كون الصفات حادثة ، قال الحكيم السبزوارى رحمه‌الله فى شرح منظومته : ونغمة حدوث صفاته الحقيقية فى طنبور معرفة الصفات قد زادها القائل الخارج عن مفطور العقل الانسانى ، تعيير وتقريع للكرامية حيث زادوا وقاحة وفظاعة ، فجمعوا بين زيادة الصفات الحقيقية وحدوثها ، ولا يرضى به فطرة العقل ، انتهى ، اقول : بعد اثبات بطلان قول الاشاعرة واثبات امتناع حلول الحوادث فيه تعالى لا يجوز البحث فيما قالوا ونقضوا وابرموا ، وانما وقعوا فى هذه الهاوية هربا عن الالتزام بتعدد القدماء ، والهارب والمهروب عنه كلاهما فيها.

المذهب الرابع قول ابى هاشم الجبائى من شيوخ المعتزلة واتباعه ، وهو ان البارى تعالى ليس ذاته عين الصفات ولا له صفات قائمة بالذات ، بل له احوال مثل العالمية والقادرية ، والحال عنده صفة للموجود لا معدومة ولا موجودة ولا معلومة ولا مجهولة بحيالها ، لكن يعلم الذات عليها نظير المعنى الحرفى ، ومراده انه لا يوجد حال ولا يعدم ولا يعلم حال عن حال الا باعتبار ذى الحال ، بل لا يتصف بالقدم والحدوث وسائر الامور الا بذلك الاعتبار ، وقد مر الكلام فى الحال وابطاله فى المسألة الثانية عشرة والثالثة عشرة من الفصل الاول من المقصد الاول.

ومجمل قول ابى هاشم هنا على ما نقله الشهرستانى فى الملل والنحل ان كونه تعالى ذاتا غير كونه عالما ، وكونه عالما غير كونه سميعا ، وكونه قادرا غير كونه حيا وهكذا ، والعقل يدرك فرقا ضروريا بين هذه القضايا ، فليس من عرف الذات

٥١٨

عرف كونه عالما ، فان معرفة الشيء مطلقا غير معرفته على صفة ، وهذه الاكوان اى كونه سميعا وكونه عالما الخ لا ترجع الى الذات وهو ظاهر ، ولا الى اعراض وراء الذات لانه يؤدى الى قيام العرض بالعرض لاشتراكها فى كونها صفة وعرضا فان ما به الاشتراك غير ما به الافتراق وقيام العرض بالعرض مستحيل عندهم ، فتعين كونها احوالا ، فكون العالم عالما مثلا حال وراء كونه ذاتا ، اى المفهوم منها غير المفهوم من الذات ، وكذلك غيره ، ثم اثبت للبارى تعالى حالة اخرى هى الالوهية اوجبت سائر الاحوال.

اقول : هذا الرجل مع خبطه فى القول بالحال يتقلقل كالاشعرى فى اراضى المفاهيم ولم يطر الى سماء الحقيقة ، وكانه فر من مذهب سائر المعتزلة لما يرد عليهم ، ولم يختر مذهب الصفاتية وهو اقل شناعة من مذهبه لانفته من وصمة التبعية وهو من شيوخ الاعتزال.

المذهب الخامس قول اكثر المعتزلة ومن وافقهم فى ذلك من الخوارج وكثير من المرجئة وبعض الزيدية على ما ذكره الاشعرى فى المقالات ، وهو انه تعالى عالم مثلا لا بعلم هو ذاته ولا بعلم هو صفة له زائدة ، بل الذات بوحدتها يترتب عليها آثار الصفات ولازم قولهم ان اطلاق العالم والقادر وغيرهما عليه تعالى يكون على التجوز اذ هو اطلاق من دون مبدأ الاشتقاق ، وبالحقيقة هم نافون للصفات وذاهبون الى التعطيل فيها ، وعباراتهم المنقولة عنهم مختلفة ، يمكن توجيه بعضها الى المذهب الاول ، كما يوهم بعض العبارات المنقولة عن الفلاسفة انهم يقولون بقول المعتزلة ، بل بعضهم كالتفتازانى شارح العقائد النسفية واللاهيجى فى كوهر مراد صرح بان الفلاسفة والمعتزلة على مذهب واحد ، وهذا خلاف ما قاله السابقون عليهما وما نقلنا عن الشيخ الرئيس عند ذكر المذهب الاول ، والعجب من صاحب المجلى حيث صرح بان الحكماء نافون للصفات مطلقا ذهنا وخارجا ، زيادة وعينا ، وان المعتزلة على القول بالاحوال من دون ذكر الاختصاص بابى هاشم الجبائى ، وهذا سهو منه ، ومجمل الكلام ان المعتزلة حسبوا انهم لو اثبتوا مصاديق بإزاء هذه المفاهيم لزم قيام معان زائدة بذاته تعالى ،

٥١٩

وذلك ينافى الاحدية ، ولم يتفطنوا ان حقيقة الوجود حقيقة كل صفة حقيقية.

قول الشارح : وجماعة من المعتزلة اثبتوا الخ ـ هؤلاء جماعة متفرقة قالوا بزيادة صفات عليه تعالى ، كقول معتزلة بغداد بان البقاء صفة ثبوتية زائدة على الوجود على ما نقل فضل بن روزبهان فى كتابه على نهج الحق للشارح العلامة رحمه‌الله ، وكقول معمر بن عباد السلمى بان البارى تعالى عالم بعلم وان علمه كان علما له لمعنى والمعنى كان لمعنى لا الى غاية وكذلك سائر الصفات على ما نقله الاشعرى فى المقالات ، وكقول العلاف بان الله تعالى مريد بإرادات لا محل لها وان له كلاما لا فى محل ، وكقول ابى الحسين البصرى بان صفاته تعالى كلها راجعة الى كونه عالما قادرا مدركا ، وكقول معمر بان الإرادة من الله تعالى للشىء غير الله وغير خلقه للشىء وغير الامر والاخبار والحكم فاشار الى مجهول ، وكقول الجبائيين بان الله تعالى مريد موصوف بإرادات حادثة لا فى محل وموصوف بتعظيم لا فى محل اذا اراد ان يعظم ذاته ، وكقول ابى على الجبائى بان الله تعالى يحدث عند قراءة كل قارئ كلاما لنفسه لا فى محل القراءة على ما ذكر الشهرستانى هذه الامور فى الملل والنحل ، وأيضا ان من الفلاسفة من قال بان علمه تعالى منفصل عن ذاته على ما نقل فى مبحث علمه تعالى من كتبهم.

قول الشارح : بالزائدة عينا ـ الزائدة صفة للجميع فان الاحوال وان كانت عند القائل بها لا موجودة ولا معدومة لكنها زائدة عنده على الذات.

قول الشارح : مغايرة لها بالاعتبار ـ اى زائدة على الذات باعتبار المفاهيم فى الذهن لا بحسب الخارج والعين.

المسألة العشرون

( فى انه تعالى ليس بمرئى )

قول الشارح : والدليل على امتناع الروية الخ ـ الدليل عليه امور :

٥٢٠