توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

منشأ فى ذاتيهما جامع بينهما.

ان قلت : ان اشتراك الواجبين فى الوجود والشيئية ان استلزم تركب كل منهما فالواجب مشترك مع الممكن فيه أيضا فيلزم تركب كل من الواجب والممكن لقضية الامتياز بغير ما اشتركا فيه مع ان الواجب ممتنع فيه التركيب ، قلت : ان الامتياز بينهما لا يستلزم تركب الواجب لان امتياز الممكن عن الواجب بالماهية المستلزمة لتحدده فلا يلزم تركيب الواجب لانه منزه عن هذه الماهية بخلاف الواجبين فان الامتياز بينهما ان كان بالماهية او بشيء آخر فى احدهما لزم تركبه فلا يكون واجبا وان كان الاخر منزها عن ذلك.

البرهان الثانى ان الواجب الوجود موجود لما مر فى الفصل الاول وكل موجود متعين لا محالة ، ثم ان تعينه اما لذاته بمعنى ان ذاته تقتضى هذا التعين واما لغيره بمعنى ان تعينه هذا معلول له ، فالاول يقتضي امتناع ان يكون له ثان وهو المطلوب لان تعين الشيء يختص به ويمتنع الاشتراك فيه لان فردية كل فرد ووحدته الملازمة لوجوده فى الخارج انما هى بتعينه ، فلو كان تعينه مقتضى طبيعته وحقيقته امتنع ان يوجد فرد آخر من تلك الطبيعة فى الخارج لانه لو وجد وجد ذلك التعين فيه بحكم الاقتضاء فيقع الاشتراك فى التعين وهو محال ، والثانى يقتضي ان يكون الواجب الوجود معلولا لغيره للملازمة بين الوجود والتعين وهذا خروج الواجب عن كونه واجبا ، وهو خلف.

الثالث ان الواجب الوجود تعالى صرف الوجود وكل ما هو صرف الوجود يمتنع ان تعرضه الكثرة فالواجب الوجود يمتنع ان تعرضه الكثرة فهو واحد ، اما الصغرى فلان الواجب لو كان ماهية عرضها الوجود لاحتاج فى ذاته الى سبب العروض والمحتاج ممكن ، واما الكبرى فلان عروض الكثرة اما بغيره واما بذاته وكلاهما محال ، اما الاول فلاستلزامه كون الواجب معللا فيما يجعله كثيرا وكل ما هو محتاج فى شيء الى غيره ليس بواجب ، واما الثانى فلان صرف الشيء وجودا كان او ماهية بل العدم كذلك لا يمكن ان يتكثر بذاته من دون انضياف شيء إليه لان معنى التكثر وجود الافراد له والافراد لا توجد الا بامتياز بعضها عن بعض

٤٨١

والامتياز لا يتحقق الا بانضمام الامور المتخالفة إليه ، ولان التكثر لو كان بذاته امتنع تحقق الشيء لانك كل ما فرضت منه فى الخارج امتنع ان يوجد الا بوصف الكثرة فتحقق الواحد منه ممتنع فتحقق الكثير أيضا ممتنع لانه يمتنع ان يوجد من دون الواحد وبيان هذا البرهان بوجه اوضح واخصر ان يقال : ان الواجب تعالى صرف الوجود وصرف الوجود اما ان يقتضي الوحدة فهو المطلوب ، واما ان يقتضي الكثرة فيلزم امتناع تحققه فى الخارج بالبيان المذكور ، واما لا يقتضي الكثرة ولا الوحدة فيلزم كونه معللا بالغير فى وحدته وكثرته والمعلل ممكن.

الرابع ان الواجبين يشتركان فى الحقيقة لان الوجوب لو كان عرضيا فى الشيء لكان ممكنا ، ولا شبهة انهما لقضاء الاثنينية لا بد لهما مما يمتاز كل منهما عن الاخر ، ولا يمكن الامتياز بنفس ما اشتركا فيه ولا بالجزء للزوم التركيب ولا بلازم الحقيقة للاشتراك كالحقيقة ، فلا بد ان يكون بامر خارج عارض ، فيكون كل منهما معللا فيه

الخامس ان الواجبين لا بد ان يكون كل منهما واجدا لما يفقده الاخر لقضية الامتياز ، فما يجده احدهما دون الاخر ان كان كما لا من سنخ الوجود فالآخر الفاقد له ناقص وان كان نقصا من سنخ العدم فهو نفسه ناقص ، والناقص ليس بواجب.

السادس ان كل كثير مسبوق بالواحد ولا شيء من الواجب بالذات مسبوق بالواحد لان المسبوق بالواحد ممكن فلا شيء من الكثير بالواجب بالذات ، وينعكس الى انه لا شيء من الواجب بالذات بكثير.

السابع انه لو كان فى الوجود واجبان فاما ان يقترن باحدهما هوية مميزة أم لا ، والثانى باطل اذ لا يعقل الاثنينية من دون مميز ، والاول اما ان يكون المميز من ذاته فلا اثنينية أيضا لعدم الامتياز لان الذاتى مشترك بينهما لانهما معا واجبان ، واما ان يكون من خارج ذاته فيلزم امكانه لان ما يكون تميزه وتعينه من الخارج فهو معلل.

٤٨٢

الثامن انك اذا علمت ان الواجب تعالى هويته حقيقة الوجود فكلما لاحظت له ثانيا تجده عين الاول لانك فى لحاظك الثانى لا تلاحظ الا نفس الوجود وهذا الملحوظ هو الّذي لاحظته أولا ، فالعقل اينما طار بجناحه لا يرى الا واحدا من الموجود الحق الّذي هويته نفس حقيقة الوجود.

التاسع لو كان فى الوجود واجبان لكان كل منهما محدودا وجوده بالآخر وكل ما كان محدودا وجوده فهو ممكن.

العاشر لو كان الواجب بالذات كثيرا فعدد الكثرة اما يكون متناهيا أم لا ، والثانى باطل لان المعدود كلما تحقق فى الخارج تحقق متناهيا وان بلغ ما بلغ ، والثانى يحتاج الى المرجح اذ لو فرض اثنان مثلا فيسأل انه لم لا يكون خمسة ولو فرض خمسة مثلا فيسأل انه لم لا يكون أربعة ، وهكذا ، والمرجح يمتنع ان يكون نفس الكثير ولا واحدا منه لانه من الكثير ، فهو امر خارج عن المجموع ، فهو العلة والكثير معلول لانه جعله على تلك المرتبة من الكثرة ، والمعلول ليس بواجب ، تلك عشرة كاملة.

واما وحدة الصانع فاعلم ان المراد بالصانع هنا الصانع بالاستقلال لا من شيء ولا بشيء بحيث لا يكون صنعه موقوفا الاعلى نفس ذاته ، والا فكثير من الممكنات صانع لاشياء من اشياء بامداد الحق تعالى اما بان يعدّ المادة فقط لافاضة الصورة من الغير كالصانع من الآدميين فانه يركب المادة ويهيئه فيفاض الصورة عليها بعد كمال الاستعداد ، او يفيض الصورة على المادة بامداد الحق تعالى واذنه كالعقل الفعال المفيض للصور المادية على الكائنات على ما عليه الحكماء ، او يعدّ المادة ويفيض الصورة عليها بامداده تعالى واذنه كعيسى على ما هو ظاهر الآية : انى اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا باذن الله ، او يفيض الصورة المجردة بلا مادة بامداده تعالى واذنه كافاضة العقل الاول العقل الثانى مثلا على مذهب الحكماء ، وعلى كل فاطلاق الصانع عليه تعالى وعلى غيره وان كان بمفهوم واحد ، لكنه ليس على حد سواء ، وهذا امر لا ينكره احد من القائلين بالتوحيد الا الاشاعرة الذين يقولون ان كل

٤٨٣

ما يقع فى الوجود فهو صنع الله تعالى من دون وساطة شيء ولا علية شيء لشيء ، بل ترتب امور على امور بمحض جرى عادته تعالى على ما هو مذكور فى كتبهم ، وهذا القول منكر عندنا ، وان كان اطلاق الصانع على غيره بالحد الّذي يطلق عليه تعالى منكرا أيضا.

قال الامام امير المؤمنين عليه‌السلام فى خطبة ذكرها الصدوق رحمه‌الله فى التوحيد فى الباب الثانى والكلينى رحمه‌الله فى الكافى باب جوامع التوحيد : الواحد الاحد الصمد الّذي لا يغيره صروف الازمان ولا يتكأده صنع شيء كان ، انما قال لما شاء كن فكان ، ابتدع ما خلق بلا مثال سبق ولا تعب ولا نصب ، وكل صانع شيء فمن شيء صنع ، والله لا من شيء صنع ما خلق ، وقال الامام الرضا عليه‌السلام فى حديث الفتح بن يزيد الجرجانى الّذي ذكر الكلينى رحمه‌الله فى باب معانى الاسماء من الكافى والصدوق رحمه‌الله فى الباب الثانى من التوحيد : وان كل صانع شيء فمن شيء صنع ، والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شيء ، وكذا فى اخبار اخرى.

والحاصل ان الّذي خلق العالم برمته اى جملة الممكنات ما به علمنا وما ليس به علمنا لا من شيء واحد لا شريك له ، وهذا لا ينافى ان يكون بعض المخلوقين الّذي هو من جملة العالم صانعا لبعض الاشياء بامداده واذنه تعالى بحيث يكون صنعه تحت ملكه وسلطانه تعالى ، وعليه عدة دلائل :

الاول لو كان له شريك فاما واجب واما ممكن ، فالاول يستلزم تعدد الواجب وقد مر بطلانه بالأدلّة العشرة ، والثانى يستلزم ان يكون هو خالقا لنفسه لانه من جملة العالم.

الثانى ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا ) السورة ٢١ الآية ٢٢ ، والتالى باطل لعدم البطلان والفساد فى العالم وكون كل امر فى محله مدبرا متصلا بسائر الامور تحت تدبير واحد ، والى بطلان التالى اشار الامام الصادق عليه‌السلام فى حديث رواه الصدوق فى التوحيد فى باب الرد على الثنوية عن هشام بن الحكم قال : قلت لابى عبد الله عليه‌السلام ما الدليل على ان الله واحد ، قال : اتصال التدبير وتمام الصنع كما قال الله عز وجل

٤٨٤

( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا ) ، وأيضا الى بطلان التالى اشار عليه‌السلام فى حديث رواه الكلينى رحمه‌الله فى باب حدوث العالم والصدوق رحمه‌الله فى باب الرد على الثنوية من التوحيد وفى البحار باب التوحيد عن الاحتجاج عن هشام بن الحكم بقوله : فلما راينا الخلق منتظما والفلك جاريا والتدبير واحدا واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر دل صحة الامر والتدبير وائتلاف الامر على ان المدبر واحد.

واما الملازمة فان الآلهة المتعددة يتعادون ويتعاندون ويذهب كل بما خلق ويعلو كل على الآخر لان مقتضى الالوهية والربوبية الكبرياء والعز والغلبة على غيره والتفرد بالامر والحكومة على من سواه فعند ذلك يقع الفساد والاختلال وبطلان النظام المنجر الى فناء الكل ، وبهذه الملازمة نطق التنزيل بقوله تعالى : ( مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) السورة ٢٣ الآية ٩١ ،

ان قلت : ان العقل يجوز ان يتسالموا على كل امر ولا يريد احدهم الا ما يريده الآخرون فحينئذ لا يقع الفساد ، قلت : ان التسالم اما لخضوع بعضهم لبعض عند الاختلاف والخاضع لغيره يمتنع ان يكون إلها ، او لحكومة احدهم على الآخرين ، فهو المتفرد بالالوهية دونهم.

ان قلت : يمكن ان يكون تسالمهم لاجل علم كل منهم بالمصلحة فى كل شيء والمفسدة فى كل شيء فلا يريد احدهم الا ما يريده الآخرون طبقا لعلمه بذلك فلا يقع بينهم اختلاف حتى يحتاجون الى حاكم او خضوع بعضهم لبعض ، قلت : ان المتعددين مختلفون من حيث الذوات او الصفات لقضية التمايز فيمتنع ان لا يختلفوا فى شيء مما يصدر عنهم.

ان قلت : ان الوهم لا يأبى ان يتخيل عوالم متعددة غير مرتبطة ويكون لكل عالم إله يختص به ويتصرف فيه ويدبر اموره وينظم نظاما بحسبه ولا يكون له ربط بعالم آخر وإلهه حتى يقع تغالب واختلاف ثم فساد واختلال ، قلت : أولا ان مثل الآلهة المتعددة هكذا كمثل الآلهة المتعددة فى عالم واحد فان كبرياء الالوهية يقتضي العلو

٤٨٥

والعز كيفما كان الامر ، وثانيا نرجع الى البرهان الاول ونقول ان هؤلاء الآلهة يمتنع ان يكونوا واجبى الوجود لامتناع تعدد الواجب ، فاحدهم واجب والباقى ممكن فهو الاله الحق القيوم على الكل وغيره الممكن تحت سلطانه ونفاذ امره ، وفى قوله تعالى : ( قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً ) السورة ١٧ الآية ٤٢ اشارة الى هذا ، وثالثا ذكر الحكماء لامتناع عالمين غير مرتبطين دليلا فى كتبهم تركناه لعدم خلوه عن النقاش ، وسيأتى ذكر ذلك فى مبحث المعاد إن شاء الله تعالى ، ورابعا وحدة العوالم المتعددة لا بدّ منها لوحدة حقيقة الوجود الّذي قام به كل شيء ،

الثالث لو تعدد الصانع لما اخبر الرسل عن الواحد لكنهم باجمعهم اخبروا عن الواحد بعينه ، وبهذا البرهان صرح امير المؤمنين عليه‌السلام فى ضمن وصية لابنه الحسن المجتبى عليه‌السلام مذكورة فى النهج فى الكتاب الحادى والثلاثين بقوله : واعلم يا بنى انه لو كان لربك شريك لأتتك رسله ولرايت آثار ملكه وسلطانه ولعرفت افعاله وصفاته ولكنه إله واحد كما وصف نفسه ، لا يضاده فى ملكه احد ولا يزول ابدا ، ولم يزل اوّل قبل الاشياء بلا اولية وآخر بعد الاشياء بلا نهاية ، واحتمال كذب الرسل مندفع لان صدقهم ثبت بالمعجزات ، واحتمال ان احد الإلهين يمنع الآخر عن الارسال واظهار الآثار باطل يستلزم انتفاء الالوهية عنه لان الممنوع ليس إلها واحتمال انه بنفسه واختياره لا يرسل ولا يظهر مندفع لان كبرياء الالوهية منافية لذلك مع ان ذلك يستلزم كذب الأنبياء فى اخبارهم بان الإله واحد ورضا الإله المرسل بهذا الكذب وهذا ينافى الالوهية والنبوة.

ان قلت : ان اثبات رسالتهم يتوقف على اثبات الالوهية ولو اثبت هذا برسالتهم وصدقهم فى الرسالة لزم الدور ، قلت : ان اثبات رسالتهم يتوقف على الالوهية لا على وحدة الإله ، فاثباتها باخبار الرسول من عند الله الثابت صدقه بالمعجزات لا يستلزم الدور ، ولذلك جعل العلامة المجلسى رحمه‌الله من الادلة على التوحيد ما ورد فى الكتاب والسنة حيث قال فى باب التوحيد من البحار : السابع الادلة السمعية من الكتاب والسنة

٤٨٦

وهى اكثر من ان تحصى وقد مر بعضها ولا محذور فى التمسك بالأدلّة السمعية فى باب التوحيد وهذه هى المعتمد عليها عندى ، انتهى.

الرابع لو تعدد الصانع فاما ان يستند العالم الى كل منهما بان يكون علة تامة فيلزم اجتماع العلتين التامتين على معلول واحد وهو محال على ما مر فى الفصل الخامس من المقصد الثانى فى احكام القدرة ، واما ان يستند إليهما جميعا بان لا يكون كل منهما كافيا لايجاد كل موجود فلا يكون احد منهما إلها صانعا للعجز المفروض فيه ، فلا بد من إله فوقهما.

الخامس ان على مدعى التعدد أن يأتى بالبرهان عليه ولا برهان له ، فالواحد مقطوع ، والزائد مشكوك لا يصار إليه ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ ) السورة ٢٣ الآية ١١٨ ، وقال تعالى : ( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ ) السورة ٢١ الآية ٢٤ ، وقال تعالى : ( أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) السورة ٢٧ الآية ٦٤ ، وفى هذا المقام قال الامام الرضا عليه‌السلام فى حديث رواه الصدوق رحمه‌الله فى التوحيد فى باب الرد على الثنوية عن الفضل بن شاذان ، يقول : سأل رجل من الثنوية أبا الحسن على بن موسى الرضا عليهما‌السلام وانا حاضر ، فقال له : انى اقول ان صانع العالم اثنان فما الدليل على انه واحد ، فقال عليه‌السلام : قولك انه اثنان دليل على انه واحد لانك لم تدّع الثانى الا بعد اثباتك الواحد فالواحد مجمع عليه واكثر من الواحد مختلف فيه

السادس انه كما ان معرفة الصانع فطرية فمعرفة وحدانيته أيضا فطرية فان المنقطع قلبه الى الله تعالى عند الاضطرار والشدائد وهجمة البلايا والحوادث لا يختلج بباله بالفطرة انى الى اىّ من الآلهة التجئ وبأيهم استغيث ، فالفطرة كما تدل على الوجود تدل على الوحدة.

السابع لو كان للعالم صانعان فاما ان يكون لاحدهما او لكل منهما مرجح فى صدور كل ممكن عنه أم لا ، فعلى الاول يكون الصانع من له المرجح دون الآخر ،

٤٨٧

وعلى الثانى يلزم صدور كل ممكن مرتين وهو محال للزوم تحصيل الحاصل ، وعلى الثالث يلزم صدور كل ممكن بلا مرجح.

قول الشارح : والا لكان كل واحد الخ ـ اى وان لم يكن التركيب فى الواجب باطلا لكان ما فرضناه واجبا ممكنا وهذا خلف ، وامتناع التركيب فى الواجب يأتى فى المسألة العاشرة.

المسألة التاسعة

( فى انه تعالى مخالف لغيره من الماهيات )

اعلم ان اطلاق ان له الماهية بالمعنى الاعم التى هى نفسية الشيء وهويته التى بها هو هو عليه تعالى صحيح حتى ورد فى الشرع فيما رواه الكلينى رحمه‌الله فى باب اطلاق القول بانه شيء من الكافى والصدوق فى باب الرد على الثنوية من التوحيد من قول السائل للصادق عليه‌السلام : فله انية ومائية؟ قال عليه‌السلام : نعم ، لا يثبت الشيء الا بانية ومائية

قول الشارح : وهذا مذهب اكثر العقلاء الخ ـ مورد البحث ان ماهيته وذاته تعالى هل هى مباينة لذوات الممكنات بمعنى انه تعالى يمتاز بنفس ذاته عنها وان كان مشتركا معها فى كثير من المفاهيم ، او مساوية معها وتمتاز عنها بالصفات الحقيقية الزائدة كالعلم التام والقدرة التامة او الاحوال كالالهية والعالمية والقادرية ، فالاول قول الاكثر وهو مذكور فى كثير من كلمات ائمتنا صلوات الله عليهم ، والثانى قول جماعة من مشايخ علم الاصول على ما حكاه الرازى فى الاربعين ، والثالث قول ابى هاشم الجبائى ، والاحوال قد مضى تفسيرها فى المسألة الثانية عشرة من الفصل الاول من المقصد الاول ، وحاصل استدلال الفريقين ان الذات يطلق عليه تعالى وعلى غيره بمفهوم واحد فلو لا الاشتراك لما صح هذا الاطلاق ، فاذا كان مشتركا مع غيره فى الذات فلا بد

٤٨٨

ان يكون الامتياز بالصفات والاحوال لانحصار ما يشير إليه العقل فى الذات والصفة ، والحال نوع من الصفة عند القائل به ، والجواب ان هذا من باب اشتباه المفهوم بالحقيقة فانه تعالى مشترك مع غيره فى كثير من المفاهيم العامة والخاصة كالشيء والموجود والعالم والقادر وغيرها والذات منها ، والاشتراك فى المفهوم لا يستدعى الاشتراك فى الحقيقة بحدها ، والدليل قائم على مباينة حقيقته مع غيره كما يأتى.

ثم ان مقتضى استدلالهم تساوى ذاته مع ذوات الممكنات وذوات الممكنات بعضها مع بعض أيضا ، فيلزم جواز اتصاف كل شيء بما يتصف به غيره واجبا كان او ممكنا لان حكم الامثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد ، وهذا باطل بالضرورة.

والدليل على القول الحق ان ماهية الواجب هى حقيقة الوجود ولا شيء من حقيقة الوجود بماهية ممكن فليس ماهية الواجب بشيء من ماهية ممكن ، اما الصغرى فقد مر بيانها فى المسألة السادسة والثلاثين من الفصل الاول من المقصد الاول ، واما الكبرى فلان الوجود لو كان ماهية ممكن او جزء ماهيته لما اتصف بكونه لا يقتضي الوجود ولا العدم فلا يكون ممكنا هف.

ثم ان الادلة القائمة على وحدة الواجب تعالى فى المسألة السابقة قائمة هنا أيضا لان الواجب الوجود بالذات لو كان مساويا فى الذات مع غيره لكان الغير واجب الوجود بالذات وقد ثبت امتناع تعدده ، واما بيانات اهل بيت الوحى سلام الله عليهم فى نفى مثله تعالى ففى كثرة كاثرة.

المسألة العاشرة

( فى انه تعالى غير مركب )

قول الشارح : واعلم ان التركيب الخ ـ قد مر بيان اقسام التركيب فى المسألة الرابعة من الفصل الثانى من المقصد الاول.

٤٨٩

قول الشارح : واعلم ان التركيب الخ ـ قد مر بيان اقسام التركيب فى المسألة الرابعة من الفصل الثانى من المقصد الاول.

المسألة الحادية عشرة

( فى انه تعالى لا ضد له )

قول الشارح : لان الضد يقال بحسب المشهور الخ ـ قد مر بيان المشهورية والتحقيق فى التضاد فى المسألة الحادية عشرة من الفصل الثانى من المقصد الاول.

قول الشارح : على المحل او الموضوع ـ اشارة الى المذهبين فى التضاد فان بعضا اخذ التضاد بين العرضين فقط فاخذ الموضوع فى التعريف وبعضا بينهما وبين الصورتين أيضا فاخذ المحل فيه ، وزاد السبزوارى فى غرر احكام سلبية للوجود قيدا آخر هو ان يكونا تحت جنس قريب ، وفى النظر انه مستدرك ، مع ان نفسه لم يذكره فى مبحث التقابل ، فانظر.

قول الشارح : مع التنافى بينهما ـ هذا بحسب التضاد المشهورى ، واما التضاد الحقيقى فيقيد بان يكون بينهما غاية التنافى والبعد.

قول الشارح : وأيضا على مساو الخ ـ اى المساوى فى مبدأ افعاله مع الآخر الممانع اياه عن التأثير ، وفسر الاحسائى فى المجلى بالمماثل فى القوة الممانع فى الوجود ، وقال الشيخ فى اواخر النمط الرابع من الاشارات : الضد يقال عند الجمهور على مساو فى القوة مانع ، وكل ما سوى الاول فمعلول والمعلول لا يساوى المبدأ الواجب فلا ضد للاول من هذا الوجه ، ويقال عند الخاصة لمشارك فى الموضوع معاقب غير مجامع اذا كان فى غاية البعد طباعا ، والاول لا يتعلق ذاته بشيء فضلا عن الموضوع ، فالاول لا ضد له بوجه ، ومراده بالجمهور جمهور الناس.

اقول : ان الجمهور يطلقون الضد على كل مخالف ممانع سواء كان مساويا فى

٤٩٠

القوة أم لا ، وعند الاقتران اما يتساقط التأثيران واما يغلب احدهما على الآخر فينتفى ، واما فى حقه تعالى فلا يتصور اقتران ذى اثر له حتى يقع التمانع لان كل شيء خاضع له وكل موجود محكوم بحكمه مقهور تحت سلطانه ونفاذ قدرته ، واحسن ما قيل فى هذا المبحث من تفسير الضد ما قال الفارابى فى كتاب آراء اهل المدينة الفاضلة : انه لا يمكن ان يكون له ضد ، وذلك يتبين اذا عرف ما معنى الضد ، فان الضد مباين للشىء ، فلا يمكن ان يكون ضد الشيء هو الشيء اصلا ، ولكن ليس كل مباين هو الضد ، ولا كل ما لم يمكن ان يكون هو الشيء هو الضد ، لكن كل ما كان مع ذلك معاندا شانه ان يبطل كل واحد منهما الآخر ويفسده اذا اجتمعا ، ويكون شان كل واحد منهما انه ان يوجد حيث الآخر فيه موجود يعدم الآخر ، ويعدم من حيث هو موجود فيه لوجود الآخر فى الشيء الّذي كان فيه الاول ، وذلك عام فى كل شيء يمكن ان يكون له ضد ، فانه ان كان الشيء ضدا للشيء فى فعله لا فى سائرا حواله فانّ فعليهما فقط بهذه الصفة ، وان كانا متضادين فى كيفيتهما فكيفيتهما بهذه الصفة ، وان كانا متضادين فى جوهرهما فجوهرهما بهذه الصفة ، انتهى ، فمحصل كلامه ان الضد هو المباين الغير المشارك فى الاصل والماهية المعاند الممانع فعلا او كيفية او ذاتا بحيث يكون فى شان كل منهما وامكانه ان يفسد ويبطل بالآخر من حيث فعله او ذاته او كيفيته اذا اجتمعا ، وهذا احسن تعاريف الضد ، يشمله بكلا المعنيين ، وكلامه صريح فى ان الضد لا يمكن ان يكون مثلا ، ثم شرع فى الادلة مع ان هذا التعريف يكفى فى اثبات امتناع ان يكون له تعالى ضد.

قول الشارح : وقد بينا انه تعالى لا مثل له الخ ـ اقول لا يمكن ان يكون ضد الشيء مماثلا له كما صرح الفارابى فى كلامه المنقول آنفا لان المثلين من حيث هما مثلان لا يعقل التمانع والتعاند بينهما فان امتناع اجتماعهما فى محل واحد لامتناع تعددهما مع وحدة المحل لا لنفسهما ، فلا يصح الاستدلال لانتفاء الضد بانتفاء المثل كما فعل الشارح رحمه‌الله.

٤٩١

المسألة الثانية عشرة

( فى انه تعالى ليس بمتحيز )

قول الشارح : وخالف فيه المجسمة ـ يأتى ذكر اصناف القائلين بذلك فى المسألة الخامسة عشرة إن شاء الله تعالى.

قول الشارح : والدليل على ذلك الخ ـ قد اقيم على هذه المسألة دلائل : الاول ما ذكره الشارح رحمه‌الله وهو ان كل متحيز حادث وكل حادث ممكن ، اما الكبرى فظاهرة ، واما الصغرى فقد سبق تقريرها فى المسألة السادسة من الفصل الثالث من المقصد الثانى.

ان قلت : ان المثبت فى تلك المسألة حدوث كل جسم لا حدوث كل متحيز ، قلت : التحيز والجسمية متلازمان خلافا للقائلين بالجوهر الفرد الذاهبين الى ان التحيز اعم من الجسمية لان التحيز يكون للجسم وللجوهر الفرد الّذي ليس بالجسم عندهم ، وعلى هذا فالمكان الملازم للجسمية عند الكل اخص من التحيز أيضا عندهم لكن القول بالجوهر الفرد قد ابطل فى المسألة السادسة من الفصل الاول من المقصد الثانى ، ثم انه يكفى لكلا الفريقين نفى التحيز عنه تعالى عن نفى المكان والجسمية لانه لازم لهما عند الكل الا ان بعضا كالرازى فى الاربعين والبراهين جعل نفى التحيز ونفى المكان فى المسألتين.

الثانى ان كل متحيز منقسم بناء على بطلان الجوهر الفرد سواء كان الحيز هو السطح او البعد وكل منقسم مركب وكل مركب ممكن فكل متحيز ممكن فما ليس بممكن ليس بمتحيز.

الثالث كل متحيز حادث ولا واجب وجود بحادث فلا متحيز بواجب الوجود الرابع كل متحيز واجب التناهى ، وقد مر بيان ذلك فى المسألة الاولى من

٤٩٢

الفصل الثالث من المقصد الثانى وكل متناه قابل للزيادة والنقصان فكل متحيز قابل لذلك ، والواجب يمتنع عليه ذلك لانه تغير وهو من آيات الحدوث.

الخامس لو كان تعالى متحيزا لكان جسما ، فاما مباين لهذه الاجسام فى الحقيقة او مشترك فى جزء ذاتى او مساولها فيها ، فعلى الاول فاطلاق الجسم عليه مجرد لفظ بالاشتراك ولا يصح شرعا ولا عرفا ، وعلى الثانى يلزم التركيب ، وعلى الثالث يلزم المماثلة ، وقد مر امتناعهما عليه تعالى فى المسألة التاسعة والعاشرة.

المسألة الثالثة عشرة

( فى انه تعالى ليس بحالّ فى غيره )

قول الشارح : وخالف فيه بعض النصارى الخ ـ على ما فى الباب العاشر من انجيل يوحنا خطابا لليهود : فان لم تؤمنوا بى فآمنوا بالاعمال لكى تعرفوا وتؤمنوا ان الأب فى وانا فيه ، وفى الباب الرابع عشر منه أيضا خطابا لفيلبس : الست تؤمن انى انا فى الأب والأب فى ، الكلام الّذي اكلمكم به لست اتكلم به من نفسى لكن الأب الحالّ فى هو يعمل الاعمال ، صدقونى انى فى الأب والأب فى ، وفى هذا الباب خطابا لاصحابه : فى ذلك اليوم ( اى يوم رجعته الى الدنيا ) تعلمون انى انا فى ابى وانتم فى وانا فيكم ، وعلى ما قال عبد المسيح فى كتابه ( شعاع تابنده ) على ما نقله صاحب اسرار العقائد ما مضمونه : ان النصارى قالوا ان عيسى ابن الله لان الله نزل فى بطن مريم واكتسى باللحم فصار جوهر الله بسبب الالتحام فى بطن الام ابن الله.

ثم ان الشارح قال : بعض النصارى مع ان الإنجيل صريح فى ذلك لان بعض علماء النصارى قبل الاسلام وبعده انكروا التثليث والحلول والاتحاد ، وصنفوا فى ذلك كتبا وظهر النزاع بينهم على ما هو مسطور فى اسرار العقائد وغيره.

٤٩٣

ان قلت : ان علماء المسيحيين يقولون : ان الله روح حل فى جسد عيسى كما فى كتبهم وتفاسيرهم ومباحثاتهم وفى الباب الرابع من انجيل يوحنا ، وذلك نظير نفخ الروح فى جسد آدم على ما نطق به القرآن الكريم ، قلت : ان الكلامين متخالفان لان القرآن لم يقل ان الله روح حل فى جسد آدم ، بل قال : نفخت فيه من روحى ، والفاعل غير المفعول والمضاف غير المضاف إليه ، والرسول والائمة صلوات الله عليهم مفسرون وعلماء الاسلام مصرحون بان الاضافة للاختصاص والتشريف فقط كما اضاف تشريفا الى نفسه بقعة من الارض فقال : بيتى ، لا انها بيت له حقيقة ، فالمعنى ان الله تعالى خلق روحا اشرف منسوبا إليه تشريفا ونفخ فى جسد آدم ، واما علماء المسيحية فمصرحون ومصرون بان الله تعالى بنفسه حل فى جسد عيسى واتحد معه على ما فى زبرهم.

قول الشارح : وبعض الصوفية القائلين الخ ـ بل هم قائلون بانه تعالى حال فى كل شيء على ما هو ظاهر كلماتهم فان الاشياء عندهم مظاهر لحقيقته تعالى ، نعم ان الانسان الكامل على زعمهم مظهر كلى جامع بين مظهرية الذات والصفات والافعال ، قال شيخهم ابن العربى فى الفص اليوسفي من فصوصه : فكل ما ندركه فهو وجود الحق فى اعيان الممكنات ، وقال فى الفص الآدمى : ولو لا سريان الحق فى الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود ، وقال فى الفص الهودى : وبالاخبار الصحيح انه عين الاشياء والاشياء محدودة وان اختلفت حدودها فهو محدود بحد كل محدود فما يحد شيء الا وهو حد الحق فهو السارى فى مسمى المخلوقات والمبدعات ، وقال فى الفص الالياسى : واذا اعطاه الله المعرفة بالتجلى كملت معرفته بالله فنزه فى موضع وشبه فى موضع وراى سريان الحق فى الصور الطبيعية والعنصرية ، وقال فى الفص اللقمانى : فمن لطفه ولطافته انه فى الشيء المسمى كذا المحدود بكذا عين ذلك الشيء ، وقال فى الفص الهارونى : فان العارف من يرى الحق فى كل شيء بل يراه عين كل شيء وغير هذه العبارات فى كتابه هذا وغيره ولغيره ممن احتذى بحذائه فى هذا السلوك الاعتقادى.

٤٩٤

ان قلت : قد صدر عن اهل بيت النبوة صلوات الله عليهم نظائر هذه الكلمات الظاهرة فى انه تعالى داخل فى الاشياء كما قال امير المؤمنين عليه‌السلام فى حديث رواه الكلينى فى الكافى والصدوق فى التوحيد فى باب انه لا يعرف الا به : داخل فى الاشياء لا كشىء داخل فى شيء وخارج من الاشياء لا كشىء خارج من شيء سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره ، قال عليه‌السلام فى حديث ذعلب الّذي رواه فى باب جوامع التوحيد من الكافى ورواه الصدوق فى كتاب التوحيد : هو فى الاشياء كلها غير متمازج بها ولا بائن منها ، وقال عليه‌السلام فى حديث آخر لذعلب رواه الصدوق فى التوحيد أيضا : هو فى الاشياء على غير ممازجة خارج منها على غير مباينة ، فوق كل شيء فلا يقال شيء فوقه وامام كل شيء فلا يقال له امام ، داخل فى الاشياء لا كشىء فى شيء داخل وخارج منها لا كشىء من شيء خارج ، وقال عليه‌السلام فى خطبة رواها الصدوق فى الباب الثانى من التوحيد : فارق الاشياء لا على اختلاف الاماكن وتمكن منها لا على الممازجة ، وقال عليه‌السلام فى خطبة رواها أيضا فى ذلك الباب : بل هو فى الاشياء بلا كيفية ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جوابا للسائل فى حديث رواه الكلينى فى باب النهى عن الكلام فى الكيفية والصدوق فى الباب الثالث والاربعين من التوحيد : هو فى كل مكان ، وليس فى شيء من المكان بمحدود ، وقال الحسين بن على عليهما‌السلام فى دعاء عرفة : وانت الّذي تعرفت الى فى كل شيء فرأيتك ظاهرا فى كل شيء وانت الظاهر لكل شيء.

قلت : ان هاهنا ثلاثة معان متصورة :

الاول ان تكون الاشياء موجودة بوجود فى قبال وجوده تعالى وهو بوجوده كان حالا فيها كما يحل الروح فى البدن والحرارة فى الجسم والجسم فى المكان وغير ذلك من حلول الاشياء بعضها فى بعض ، وهذا منكر عند العقلاء اجمعين ، وقد ورد بالتواتر عن لسان اهل بيت الوحى نفيه كما فى الكافى والتوحيد والبحار وغيرها ، بل الصوفية انكروا هذا المعنى ونفوه فى تآليفهم أيضا ، قال القونوى فى مفتاح الغيب والنصوص بعد ان وصفه تعالى بالتعين المقيد بصفات الممكنات : وذلك

٤٩٥

لسريانه تعالى فى كل شيء بنوره الذاتى المقدس عن التجزى والانقسام والحلول فى الارواح والاجسام ، وقال ابن الفارض فى التائية الكبرى من ديوانه :

متى حلت عن قولى انا هى او اقل

وحاشا لمثلى انها فىّ حلت

وقال فيها بعد ابيات :

ولى فى اتم الرؤيتين اشارة

تنزه عن راى الحلول عقيدتى

وقال المولى صدر الشيرازى فى المشاعر بعد ان اثبت ان الوجود بالحقيقة هو الواحد الحق المتعال فكل ما سواه بما هو مأخوذ بنفسه هالك دون وجهه الكريم : اياك ان تزل قدمك من استماع هذه العبارات وتتوهم ان نسبة الممكنات إليه تعالى بالحلول والاتحاد ونحوهما ، هيهات ان هذه تقتضى الاثنينية فى اصل الوجود الخ ، وغير ذلك من كلمات القوم فى زبرهم ، ثم لا يخفى ان الدليل المذكور فى كلام الشارح رحمه‌الله ينفى هذا المعنى فقط.

الثانى ان تكون الممكنات قائمة بوجوده الواجبى الّذي هو عين ذاته تعالى بحيث لم يكن لها وجود اصلا الا وجوده تعالى متحددا بحدود الامكان متصفا بلوازمه من التحول والتغير والسكون والحركة والتعدد والزيادة والنقصان وغيرها من لوازم المحدودية والامكان ، وليس الوجود الا لحدوده ولا الحدود الا لوجوده ، وليس فى الدار غيره ولا اثر ولا صفة ولا حالة الا له ، وهو بنفسه حق وهو بنفسه خلق ، وهو فى مرتبة الاطلاق وجود لا بشرط وهو فى مرتبة التقييد يجتمع مع كل شرط ويتقيد بكل حد ، وهذا مذهب الصوفية على ما ترس كتبهم.

قال ابو المعالى صدر الدين محمد بن اسحاق القونوى فى المقام التاسع من الفصل الاول من مفتاح الغيب فى مبحث نسبة صفات الحق إليه باعتبار تعلقه بالمظاهر وفى كتاب النصوص : ومتى ادرك او شوهد او خاطب او خوطب فمن وراء حجاب عزته فى مرتبة نفسه المذكورة بنسبة ظاهريته وحكم تجليه ومنزل تدليه من حيث اقتران وجوده التام بالممكنات وشروق نوره على اعيان الموجودات ، وليس غير ذلك ، وهو سبحانه من هذا الوجه اذا لمح تعين وجوده مقيدا بالصفات اللازمة لكل متعين من الاعيان

٤٩٦

الممكنة التى هى فى الحقيقة نسب علمه جمعا وفرادى وما يتبع تلك الصفات من الامور المسماة شئونا وخواص وعوارض والآثار التابعة لاحكام الاسم الدهر المسماة تلك اوقاتا والمراتب والمواطن فان ذلك التعين والتشخص يسمى خلقا وسوى كما ستعرف سره عن قريب إن شاء الله تعالى ، وينضاف إليه اذ ذاك كل وصف ويسمى بكل اسم ويظهر بكل وسم ويقبل كل حكم ويتقيد فى كل مقام بكل رسم ويدرك بكل مشعر من بصر وسمع وعقل وفهم وغير ذلك من المدارك والقوى فاذكروا علم ، وذلك لسريانه تعالى فى كل شيء بنوره الذاتى المقدس عن التجزى والانقسام والحلول فى الارواح والاجسام فافهم.

الثالث ان تكون موجودية الممكنات به ، وان ليس الوجود الا له ، له ملك السماوات والارض ، وهو داخل فى الاشياء على ان لا تكون الاشياء اشياء لولاه ، وان لا تكون الموجودات موجودات لو لا اجراء توحيده عليها من دون ان يتطور باطوار الامكان ويتحدد بحدوده ويتصف باوصافه وشئونه ،

ثم انه لا شبهة فى بطلان المذهب الثانى كالاول لان من البديهى ان هذا الانسان مثلا بحدوده ليس بحقيقة الوجود والشيئية التى هى ذات الحق تعالى ولا هو بالانسان كذلك ، وادعاء الشهود هنا غير مسموع ولا معقول ، ولان الامكان من سنخ العدم وكذلك شئونه فلا يعقل تنزل الحق عن مقام ذاته إليه واتصافه بنقيضه ، وسريانه فى الموجودات لا يقتضي ذلك ، والحكم بذلك من العين الحولاء من حيث لا تشعر ، واعطاء شيئية ما للحدود الامكانية ، وقياس على سريان بعض الاشياء فى بعض ، ولان قول بعضهم : ان ما نراه من الاشياء موجود ولا موجود الا الحق الواحد فما نراه ليس الا الحق الواحد مغالطة من جهة عدم تكرر الاوسط لان الموجود فى الصغرى ليس الموجود الّذي هو صرف الوجود والّذي فى الكبرى الموجود الّذي هو صرف الوجود ، ولان سريانه فى الاشياء بلا كيفية وهذا المذهب يستلزم اثبات الكيفية ، ولانه خلاف ما ورد عن اصحاب الوحى وسطر فى الزبر عن ارباب الولاية عليهم‌السلام بالتواتر المفيد للقطع واليقين الّذي يمنعنا بنور الفرقان الحاصل من هدايتهم وولايتهم ان نستمع الى ترهات المتصوفة الذين

٤٩٧

اكثرهم بل كلهم خارجون عن نور الولاية الالهية الى ظلمات انفسهم المظلمة المستعلية المستكبرة على الحق الصراح واهله الذين هم اقرب الخلائق كلهم من الله تعالى واعرفهم به ، ونحن نذكر بعض ما صدر عنهم عليهم‌السلام فى هذا الباب لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد.

قال امير المؤمنين عليه‌السلام : هو الّذي لم يسبقه وقت ولم يتقدمه زمان ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان ولم يوصف باين ولا بما ولا بمكان ، الّذي بطن من خفيات الامور وظهر فى العقول بما يرى فى خلقه من علامات التدبير ، الّذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا بنقص ، بل وصفته بافعاله ودلت عليه بآياته.

وقال الرضا عليه‌السلام : فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته ، ولا حقيقته اصاب من مثله ، وذاته حقيقة ، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه ، وغبوره تحديد لما سواه ، ومن وصفه فقد الحد فيه ، لا يتغير الله بانغيار المخلوق ، كما لا يتحدد بتحديد المحدود ، لا تصحبه الاوقات ، ولا تضمنه الاماكن ، ولا تأخذه السنات ، ولا تحده الصفات ، ولا تقيده الادوات ، بتشعيره المشاعر عرف ان لا مشعر له ، وبتجهيره الجواهر عرف ان لا جوهر له ، وبمضادته بين الاشياء عرف ان لا ضد له ، وبمقارنته بين الامور عرف ان لا قرين له ، شاهدة بغرائزها ان لا غريزة لمغرزها ، دالة بتفاوتها ان لا تفاوت لمفاوتها ، لا ديانة الا بعد المعرفة ، ولا معرفة الا بالاخلاص ، ولا اخلاص مع التشبيه ، ولا نفى مع اثبات الصفات للتشبيه ، فكل ما فى الخلق لا يوجد فى خالقه ، وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه ، لا تجرى عليه الحركة والسكون ، وكيف يجرى عليه ما هو اجراه ، او يعود إليه ما هو ابتداه ، اذا لتفاوتت ذاته ولتجزأ كنهه ولامتنع من الازل معناه ولما كان للبارئ معنى غير المبروء ، ولو حد له وراء اذا حد له امام ، ولو التمس له التمام اذا لزمه النقصان كيف يستحق الازل من لا يمتنع من الحدث ، وكيف ينشئ الاشياء من لا يمتنع من الانشاء ، اذا لقامت فيه آية المصنوع ولتحول دليلا بعد ما كان مدلولا عليه ، ليس فى محال القول حجة ، ولا فى المسألة عنه جواب ، ولا فى ابانته عن الخلق ضيم ، ولا بامتناع الازلى ان ينشأ ، وما لا بدء له ان يبدأ.

٤٩٨

وقال امير المؤمنين عليه‌السلام : الحمد لله الواحد الاحد الصمد المتفرد ، الّذي لا من شيء كان ، ولا من شيء خلق ما كان ، قدرته بان بها من الاشياء وبانت الاشياء منه ، فليست له صفة تنال ، ولا حدّ يضرب له الامثال ، كلّ دون صفاته تعبير اللغات ، وضل هنالك تصاريف الصفات ، وتعالى الله الّذي ليس له وقت معدود ولا اجل ممدود ولا نعت محدود ، حد الاشياء كلها عند خلقه اياها ابانة لها من شبهه وابانة له من شبهها ، الواحد الاحد الصمد المبيد للابد والوارث للامد ، الّذي لم يزل ولا يزال وحدانيا ازليا قبل بدء الدهور وبعد صرف الامور.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما عرف الله من شبهه بخلقه ، ولا وصفه بالعدل من نسب إليه ذنوب عباده.

وقال امير المؤمنين عليه‌السلام : سبحانه وبحمده ، لم يحدث فيمكن فيه التغير والانتقال ، ولم يتصرف فى ذاته بكرور الاحوال ، ولم تحط به الصفات فيكون بادراكها اياه بالحدود متناهيا ، وما زال ليس كمثله شيء عن صفة المخلوقين متعاليا ، الّذي لمّا شبهه العادلون بالخلق المبعض المحدود فى صفاته ذى الاقطار والنواحي المختلفة فى طبقاته وكان عز وجل الموجود بنفسه لا بآياته انتفى ان يكون قدروه حق قدره فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الانداد وارتفاعا عن قياس المقدرين له بالحدود من كفرة العباد : وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ،

وقال الرضا عليه‌السلام : هو الممتنع من الصفات ذاته ، ومن الابصار رؤيته ، ومن الاوهام الاحاطة به ، لا امد لكونه ، ولا غاية لبقائه ، لا تشمله المشاعر ولا يحجبه الحجاب ، فالحجاب بينه وبين خلقه لامتناعه مما يمكن فى ذواتهم ولإمكان ذواتهم مما يمتنع منه ذاته ، ولافتراق الصانع والمصنوع والرب والمربوب والحادّ والمحدود.

وقال الصادق عليه‌السلام : واحد صمد ازلى صمدى ، لا ظل يمسكه ، وهو يمسك الاشياء باظلتها ، لا خلقه فيه ولا هو فى خلقه ،

٤٩٩

وقال عليه‌السلام : الله غاية من غيّاه ، والمغيّا غير الغاية ، توحد بالربوبية ، ووصف نفسه بغير محدودية ، فالذاكر الله غير الله ، والله غير اسمائه ، وكل شيء وقع عليه اسم شيء سواه فهو مخلوق.

وقال الرضا عليه‌السلام : ان الخالق لا يوصف الا بما وصف به نفسه ، جل عما وصفه الواصفون ، نأى فى قربه وقرب فى نأيه ، فهو فى بعده قريب وفى قربه بعيد ، كيف الكيف فلا يقال له كيف ، وايّن الاين فلا يقال له اين ، اذ هو مبدع الكيفوفية وو الاينونية ، لم يتزايد ولم يتناقص ، مبرأ من ذات من ركب فى ذات من جسمه ، فرق بين من جسمه وصوره وشيأه وبينه اذ لا يشبهه شيء ، والله جل جلاله واحد لا واحد غيره ، لا اختلاف فيه ولا تفاوت ولا زيادة ولا نقصان.

وقال عليه‌السلام : من شبه الله بخلقه فهو مشرك ، ومن وصفه بالمكان فهو كافر ، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كاذب.

وقال امير المؤمنين عليه‌السلام : مباين لجميع ما احدث فى الصفات ، وممتنع عن الادراك بما ابتدع من تصريف الذوات ، وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرف الحالات ، فلا له حد منسوب ، ولا له مثل مضروب ، ولا شيء عنه محجوب ، تعالى عن ضرب الامثال والصفات المخلوقة علوا كبيرا.

وقال عليه‌السلام : لا ينقلب شأنا بعد شان ، البعيد من حدس القلوب ، المتعالى عن الاشباه والضروب ، الوتر علام الغيوب ، فمعانى الخلق عنه منفية ، المعروف بغير كيفية ، وكيف يوصف بالاشباح ، وينعت بالالسن الفصاح من لم يحلل فى الاشياء فيقال هو فيها كائن ، ولم ينأ عنها فيقال هو عنها بائن ، ولم يخل منها فيقال اين ، ولم يقرب منها بالالتزاق ، ولم يبعد عنها بالافتراق ، بل هو فى الاشياء بلا كيفية ، وهو اقرب إلينا من حبل الوريد ، وابعد من الشبه من كل بعيد.

وقال الصادق عليه‌السلام : اما التوحيد فان لا تجوّز على ربك ما جاز عليك ، واما العدل فان لا تنسب الى خالقك ما لا مك عليه.

٥٠٠