توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

قول الشارح. وعن شبهة البلخى الخ ـ يعنى ان الطاعة والمعصية والعبث والسفه وغيرها اعتبارات تعرض للفعل بالنسبة إلينا على حسب اختلاف دواعينا وبواعثنا وهذه الاعتبارات لا تقتضى اختلاف ذات فعلنا الّذي هو التحريك ، فامكن ان يصدر عنه تعالى التحريك مجردا عن هذه الاعتبارات.

قول الشارح : وعن شبهة الجبائيين الخ ـ يعنى ان عدم الفعل انما يستند الى عدم الإرادة والداعى للفعل لا الى ارادته لان عدم الفعل حاصل من دون إرادة الفاعل حتى ان الفاعل ان كان مشتغلا بفعل فصرفه صارف وقطعه فانما يقطعه بقطع الإرادة له وإرادة امر آخر لا بإرادة قطعه ، فقولهما : على تقدير ان يريد الله احداثه والعبد عدمه مغالطة ، وعلى هذا فكل شخص من اشخاص الفعل اراده قادر ، فان لم يرده قادر آخر فهو وان اراده يقع بقدرة اسرعهما فى التأثير ولا يقتضي ذلك عجز الاخر ، وان كانا متساويين ولم يكن احدهما اسرع فيه بان تتم مقدمات تاثيرهما فى آن واحد وقع الفعل باشتراكهما والا فالتأثير لاحدهما فقط ولم يكن التمام فى آن واحد لامتناع اجتماع قدرتين مستقلتين على مقدور واحد على ما بين فى مبحث القدرة من مباحث الاعراض ، هذا ان كان القادران فى عرض واحد كما هو ظاهر جواب الشارح ، واما ان كان قدرة احدهما تحت قدرة الاخر وفى طولها ومندكّة فيها كالواجب والممكن فلا امتناع فى استناد فعل واحد شخصى الى ارادتهما وقدرتهما على ما بين فى مبحث الامر بين الامرين.

٤٤١

المسألة الثانية

( فى انه تعالى عالم )

قول الشارح. وكيفية علمه ـ اشار المصنف الى كيفية علمه تعالى انه حضورى لا حصولى كما عليه الشيخ وغيره بقوله : ولا يستدعى العلم صورا الخ.

قول الشارح. الاول منها للمتكلمين ـ قال صاحب الشوارق : هذا الوجه غير مختص بالمتكلمين بل هو مذكور فى كتب الحكماء أيضا.

ثم ان للمتكلمين وجها آخر لاثبات علمه تعالى ، وهو انه تعالى قادر لما مرو كل قادر فهو عالم لان القادر هو الّذي لا يفعل الا عن المشية والعناية ولا يعقل ان يكون الفعل عن المشية والعناية الا ان يكون الفاعل عالما به.

اعلم ان من المتكلمين من يتمسك فى اثبات علمه وقدرته وسائر صفاته وافعاله بالكتاب والسنة لانه اذا ثبت عند العاقل صدق الرسول بالمعجزة حصل له العلم بكل ما اخبر به فلا احتياج الى الادلة العقلية فيما عدا اثبات مبدأ واجب الوجود جاء هو من عنده ، واثبات ذلك أيضا يكفيه الفطرة ، ولذلك قال ياسر ابو عمار رحمها الله متى ظهر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بدعوته : ان الّذي يدعونا إليه هو الّذي كان فى قلبى مع ان معرفة المبدأ الواجب لا تنفك عن المعرفة بانه قادر عالم حي مريد الخ لان استدعاء الوجود موجودا بالذات يجرى فى وجود كل صفة.

قال العلامة المجلسى رحمه‌الله فى البحار باب التوحيد ونفى الشريك : السابع الادلة السمعية من الكتاب والسنة ، وهى اكثر من ان تحصى ، وقد مر بعضها ، ولا محذور فى التمسك بالأدلّة السمعية فى باب التوحيد ، وهذه هى المعتمد عليها عندى ، انتهى.

اقول : هذا حق مع ان اكثر السمعيات مشتمل على شواهد واضحة وبراهين

٤٤٢

لائحة واشارات لطيفة يهتدى الطالب بالتأمل فيها الى صفوة الحقيقة ولب المعرفة.

لكن العمدة فى المقام ما قيل وحقا قيل : ان من تزملت فطرته باغشية الشهوات والعادات ومحبة ما ارتسم فى نفسه من رسوم الآباء والامهات وتكدر عقله من اشتغاله بالفانيات الداثرات واترافه فى اللذات الحسيات وفيما يصرفه عن الباقيات الصالحات لم ينفعه عقلى ولا سمعى ، بل وان دخل فى المباحث العلمية لم يزد فى روحه الا تحيرا ولا فى نفسه الا عجبا وتكبرا ولا عند جلسائه الا جدالا سيئا ومراء ولا من الله عز وجل الا بعدا ومقتا.

قول الشارح. انه تعالى فعل الافعال المحكمة ـ اما انه تعالى فعل الافعال فلا مرية فيه بعد ان ثبت كونه واجبا وما سواه ممكن ، واما انها محكمة فقد قالوا فى معنى الاحكام كلمات لا تخلو عن الايراد والنقاش ، والحق فيه ان يقال ، ان الاحكام هو كون المصنوع بحيث يترتب عليه ما اراده الصانع ان يترتب عليه من دون زيادة ونقصان وكان على الحد الّذي ينبغى ان يكون عليه ، ونحن اذا تاملنا فى كل مصنوع فى العالم وجدناه كذلك.

قول الشارح. وكل من كان كذلك فهو عالم ـ صرح الشارح العلامة كغيره بضرورية هذه المقدمة ، وذلك حق ، وقد ينبه عليها بامثلة كما ان من راى خطوطا منتظمة او سمع الفاظا فصيحة تنبئ عن معان دقيقة واغراض صحيحة لم يشك فى انها صادرة عن علم ورويّة لا محالة.

ثم ان صاحب الشوارق اورد اشكالا ونقضا على هذه المقدمة فاجاب عنهما ، يوجب مزيد التنبيه ، من اراده فليراجع.

والحاصل انا استدللنا باحكام الصنع على علم الصانع بفعله وذلك يستلزم علمه بنفسه لانه يعلم انه يفعله فهذا الدليل عام من جهة علمه بنفسه وبغيره.

قول الشارح. يأتى فيما بعد ـ فى المسألة الثانية عشرة وما بعدها.

قول الشارح. واما ان كل مجرد عالم بغيره ـ قد مر بيان هذا المطلب مشروحا فى آخر مبحث العلم من مباحث الاعراض.

٤٤٣

اقول : ان كل مجرد عالم بغيره ليس على اطلاقه ، بل اذا كان ذلك الغير مجردا مقارنا للمجرد العاقل ، فلذا ذهب الحكماء الى ان علمه تعالى بالجزئيات انما هو على نحو الكلى كما مر بيانه فى المسألة التاسعة عشرة من مبحث العلم من مباحث الاعراض.

اعلم ان هذا الدليل على عكس الاول من حيث انه يدل على علمه بافعاله أولا ثم على علمه بنفسه ، وهذا يدل أولا على علمه بنفسه ثم على علمه بغيره ، ومشترك معه فى ان كلا منهما يعم الدلالة لعلمه بنفسه وبغيره بخلاف الدليل الاخير فانه لا يدل على علمه بذاته ، بل قضية انه تعالى عالم بذاته تؤخذ فى مقدماته كما يأتى بيانه.

قول الشارح. فانه لا ينفك عن الامور العامة ـ كالامكان والوجود والوحدة وغيرها فان كل معقول يصح ان يعقل معه احد هذه الامور.

قول الشارح : واما ثبوت العاقلية ـ اى ثبوت عاقلية المجرد لمجرد آخر قارنه.

قول الشارح : وفى هذا الوجه ابحاث الخ ـ قد مر احد هذه الابحاث مع جوابه فى آخر مبحث العلم من مباحث الاعراض ، وذكر القوشجى تلك الابحاث والاعتراضات فى شرحه فى آخر مبحث العلم ، وذكرها الكاتبى فى عين القواعد وردها الشارح العلامة فى شرحه له.

قول الشارح : والوجه الثالث الخ ـ بيانه انه تعالى عالم بذاته لما مر آنفا فى كلام الشارح فى بيان الدليل الثانى وهذه المقدمة نتيجة الدليل الثانى ، وكلما كان الشيء عالما بذاته كان عالما بمعلولاته لان العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول ، واذ كان كل ممكن معلولا له تعالى بواسطة أولا بواسطة كان عالما بكل ممكن.

قول الشارح : على ما يأتى ـ فى المسألة الثامنة والتاسعة.

قول الشارح : على ما تقدم ـ فى الفصل الاول من هذا المقصد.

٤٤٤

قول الشارح : وقد سلف ـ فى المسألة السابعة عشرة من مبحث العلم من مباحث الاعراض.

قول الشارح. على ما تقدم ـ اى آنفا.

قول المصنف : والاخير عام ـ قد مر فى طى المباحث ان الدليل الاول والثانى عامان من حيث دلالتهما على علمه بنفسه وبغيره بخلاف هذا الاخير ، وهذا عام من حيث دلالته على علمه بكل ما سواه بخلافهما لان الاول يدل على انه تعالى عالم بما صنعه محكما متقنا ، واما ان كل شيء هو من صنعه وكل ما صنعه محكم متقن فذلك امر خارج عن هذا الدليل ، والثانى يدل على علمه بكل مجرد سواه لا بكل ما سواه كما مرت الاشارة إليه.

ثم ان صاحب الشوارق عدّ الدليل الثانى والثالث دليلا واحدا لان مجرد استناد الكل إليه ليس دليل العلم حيث قال : والوجه ما ذكرنا كما لا يخفى على من تتبع كتب الشيخ سيما الاشارات تتبع فحص واتقان ، وظاهر كلام المصنف وان كان يوهم التثليث لكن الاظهر عند التدبر خلافه اذ ليس مجرد استناد الكل إليه دليل العلم بل بعد الضم الى الدليل الدال على علمه بذاته ، انتهى.

اقول : احد الشقين من نتيجة الدليل الثانى وهو انه تعالى عالم بذاته مأخوذ فى الدليل الثالث كما مر بيانه لا نفس ذلك الدليل منضم إليه ، واخذ نتيجة دليل فى مقدمات دليل آخر لا يقتضي ان يكون الدليلان دليلا واحدا ، فهو خالف صريح كلام المصنف وسائر الشراح لزلة وقعت له.

ثم ان كلام الشيخ فى الاشارات صريح فى خلاف ما استفاده منه لانه قال فى النمط السابع : واجب الوجود يجب ان يعقل ذاته بذاته على ما تحقق ويعقل ما بعده من حيث هو علة لما بعده ومنه وجوده ، ويعقل سائر الاشياء من حيث وجوبها فى سلسلة الترتيب النازل من عنده طولا وعرضا ، انتهى ، قوله : على ما تحقق اشارة الى دليل التجرد المذكور فى النمط الثالث والرابع ، وقوله : من حيث هو علة الخ اشارة الى دليل الاستناد ، فتوهم صاحب الشوارق من اخذ الشيخ نتيجة ذلك الدليل فى دليل

٤٤٥

الاستناد انهما واحد ، فكلام المصنف مشتمل على دلائل ثلاثة كما عليه الشارح العلامة وغيره لا اثنين كما زعم.

قول الشارح : شيء من الممكنات ولا من الممتنعات ـ ان المشهور بين المتكلمين ان علمه تعالى اعم تعلقا من قدرته تعالى فانها تختص بالممكنات واما علمه فيعمها والممتنعات والواجبات.

قال صاحب المواقف : البحث الثانى ان علمه تعالى يعم المفهومات كلها الممكنة والواجبة والممتنعة فهو اعم من القدرة لانها تختص بالممكنات دون الواجبات والممتنعات ، وانما قلنا بعمومه للمفهومات لمثل ما مر فى القدرة وهو ان الموجب للعلم ذاته والمقتضى للمعلومية ذوات المعلومات ومفهوماتها ونسبة الذات الى الكل سواء فاذا كان عالما ببعضها كان عالما بكلها ، انتهى.

اقول : هذا تفخيم للمطلب من دون الفخامة فان الواجب الخارج عن تعلق قدرته انما هو ذاته تعالى بمعنى امتناع تصور اعتبار فى تعلقها بها كما ان تعلق علمه بذاته انما هو بضرب من الاعتبار على ما يأتى قريبا فى كلام المصنف ، والا فذاته تعالى عين العلم كما انها عين القدرة ، واما تعلق علمه بالممتنع دون قدرته فان كان المراد به العدم المحض الّذي لا اشارة إليه اصلا فهو ليس فى الصقع الربوبى ولا العبودى ولا له شأن من الشئون من المعلومية وغيرها ، وما تصورنا من مفهومه فانما هو مفهوم الوجود حينما فرضه العقل ان لا يكون لا انه مفهوم مأخوذ من شيء ، وان كان المراد به مفاهيم سائر الممتنعات كشريك البارى واجتماع النقيضين وغيرهما فانما هى ممكنات كائنات فى الذهن مفهومات تركيبية مأخوذات من عدة امور جمعها المتخيلة لان يأخذ العقل منها ذلك المفهوم كما اشار الشارح العلامة إليه بقوله : لان وجود الصورة فى الذهن من الممكنات الخ ، والحاصل ان الممتنع ليس له ذات حتى تقتضى المعلومية ، واما مفهوم الممتنع فى الاذهان فانما هو من الممكنات ، فلا محصل لهذا التفريق مع ان سياقهما فى القرآن واحد فانه تعالى كما يقول : ان الله على كل شيء قدير ، يقول :

٤٤٦

ان الله قد احاط بكل شيء علما ، فتدبر كى ينكشف لك ان نسبة علمه تعالى الى الممتنعات كيف تكون ان لم يكن فى الوجود ذهن او كان ولم يقع فيه مفهوم الممتنع فانها تختلف بحسب اختلاف الاقوال فى كيفية علمه تعالى.

قول الشارح : وابتدأ باعتراض الخ ـ ان صاحب الشوارق حمل كلام المصنف على الجواب عن شبهة من نفى علمه تعالى مطلقا بذاته وبغيره حيث قال : الفرقة الاولى من نفى علمه تعالى مطلقا متمسكا بان العلم اما اضافة محضة او صفة ذات اضافة على ما مر فى مسألة العلم وعلى التقديرين يستدعى نسبة بين العالم والمعلوم والنسبة تستدعى المغايرة بين الطرفين فلا يمكن تحققها حيث لا مغايرة اصلا فلا يمكن ان يعلم ذاته واذا امتنع علمه بذاته امتنع علمه بما سواه لان علمه بغيره يستلزم علمه بذاته على ما مر ، انتهى.

وذكر شارح المواقف ان النافين لعلمه تعالى بنفسه فرقة من الدهرية والنافين لعلمه مطلقا فرقة من قدماء الفلاسفة.

اقول : الظاهر انهما فرقة واحدة كما هو ظاهر الشوارق لانه عدّ النافين فرقتين احداهما التى ذكرناها والاخرى من نفى علمه بغيره مع كونه عالما بذاته ولم يعد منهم من نفى علمه بنفسه مع كونه عالما بغيره اذ لا يعقل اثبات علمه بغيره ونفى علمه بنفسه لانه اذا علم الغير الّذي هو فعله علم انه يفعله فعلم نفسه كما مر فى تعليقة الدليل الاول.

قول الشارح : ولا مغايرة فى علمه بذاته ـ اى لا مغايرة بين العالم والمعلوم فى علمه بذاته.

قول الشارح والجواب ان المغايرة الخ ـ اقول : الاولى ان يقال : لا حاجة الى المغايرة اصلا فى علم الشيء بنفسه حتى اعتبرناها كعلمنا بانفسنا لان المقتضى لهذا النحو من العلم هو كون الشيء مجردا قائما بذاته وان ذاته حاصلة له لا تغيب عنه وهذا امر حقيقى لا مدخل فيه للاعتبار ، ثم بعد ذلك يعتبر العقل ان تلك الذات عالمة لانها مجردة قائمة بالذات فان كل مجرد قائم بالذات عاقل ، ومعلومة لانها حاصلة لها ،

٤٤٧

وليس معنى العلم والتعقل الا حصول مجرد لمجرد ، وحصول الشيء لذاته اشد انحاء الحصول لان سلب الشيء عن نفسه ممتنع.

والى هذا اشار الشيخ فى الشفاء على ما حكى عنه صاحب الشوارق بقوله : فقد فهمت ان نفس كونه معقولا وعاقلا لا يوجب ان يكون اثنين فى الذات ولا اثنين فى الاعتبار أيضا فانه ليس يحصّل الامرين ( اى عنوان العاقل والمعقول ) الا اعتبار ان مهيته مجردة لذاته وانه ماهية مجردة ذاتها لها ، انتهى.

وعلى هذا اندفع الاشكال الّذي اورد على الجواب على ما حكاه الرازى فى الاربعين والشارح القديم فى شرحه بان تعلق العلم لو كان متوقفا على التغاير الاعتبارى لزم الدور لان اعتبار التغاير اى اعتبار كونه عالما ومعلوما يتوقف على تعلق العلم لان من دون تعلق العلم لا يتصور عالم ولا معلوم ، والجواب ان تعلق العلم اى علم الشيء بذاته لا يتوقف على التغاير الحقيقى ولا الاعتبارى ، بل هو حاصل بنفس الذات المجردة الحاصلة فى الوجود ، والمحصل لاعتبار كونه عالما ومعلوما انما هو اعتبار المعنيين فى ذات واحدة هما انه مجرد وان ذاته حاصلة له ، ففى الحقيقة لا تعلق ولا علم متعلق ولا توقف على اعتبار التغاير ، بل هنا شيء واحد هو عالم باعتبار انه مجرد ومعلوم باعتبار انه مجرد حاصل لنفسه وعلم باعتبار حصول مجرد لنفسه ، والحاصل ان ظهور المجرد لدى نفسه لا يحتاج الى شيء وراء ظهوره الّذي هو نفس وجوده ، وبهذا يكون هو مصداقا لمفاهيم العلم والعالم والمعلوم جميعا.

قول المصنف : ولا يستدعى العلم صورا الخ ـ ان كلام المصنف هذا جواب عن الاعتراض المذكور واشارة الى ما هو مختاره فى كيفية علمه تعالى بالاشياء فان فيها اختلافا كثيرا.

قول الشارح : بالماهيات المغايرة له ـ اى بما سواه تعالى من الماهيات والحقائق ، والوصف توضيحى لان الماهيات كلها مغايرة له تعالى ، وهؤلاء معترفون بانه تعالى عالم بذاته. فلازم مذهبهم انكار قاعدة ان العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول وانكار صدور الاشياء عنه بالاختيار والعناية.

قول الشارح : يستلزم تكثره تعالى ـ اى يستلزم حصول الكثرة فى ذاته

٤٤٨

تعالى لان ما سواه من الاشياء مختلفة كثيرة ، وصور الاشياء المختلفة الكثيرة كثيرة بالضرورة. وحصول الكثرة فى ذاته تعالى محال لما فى المسألة السادسة عشرة ، بل يستلزم تكثر ذاته تعالى كما هو ظاهر العبارة بناء على عينية علمه لذاته تعالى.

قول الشارح : وكونه قابلا فاعلا ـ اما كونه قابلا فلان تلك الصور لا تكون فى ذاته من دون قبولها اياها ، واما كونه فاعلا فلامتناع حاجته فيما هو كماله الى غيره ، واتحادهما محال لما مر فى المسألة السادسة من الفصل الثالث من المقصد الاول ،

قول الشارح : ومحلا لآثاره ـ اى محلا لتلك الصور التى هى آثاره ، وهذا لازم المحال الاول.

قول الشارح : وانه تعالى لا يوجد الخ ـ اى لا يوجد شيئا من الاعيان الخارجية التى تنفصل عن ذاته من دون توسط تلك الصور التى لا تنفصل عن ذاته حتى الصادر الاول لان القائل بتلك الصور يقول : انها حاصلة من ذاته ويحصل الاشياء بعدها على طبقها ، وذلك محال لانا ننقل الكلام فى ايجاد تلك الصور ، هل هو بلا واسطة صور اخرى أم بواسطتها ، فان كان الاول فليكن ايجاد الاشياء الخارجية بلا واسطة الصور ، وان كان الثانى لزم التسلسل فى الصور.

ثم ان هاهنا محالا آخر ذكره المصنف فى شرح الاشارات ، وهو كونه تعالى موصوفا بصفات زائدة نظير ما ذهب إليه الاشاعرة فى الصفات والزيادة تستلزم الامكان على ما بين فى محله.

فهذه خمس محالات متلازمة لزمت من كون علمه تعالى بالاشياء بالصور ، فذهب فرقة من الفلاسفة للزوم هذه المحالات الى نفى علمه تعالى بغيره ، فاجاب المصنف بان العلم لا يستدعى الصور فى ذات العالم ، بل قسم من العلم يكون بحضور المعلوم عند العالم وحصوله له بحقيقته وصورته النفسية الذاتية لا بالصورة المغايرة بحسب الوجود المساوية بحسب الماهية ، وهو المسمى بالعلم الحضورى ، وعلمه تعالى بالاشياء كذلك كعلمه بذاته ، وللاقوام فى هذا المقام مسالك مذكورة فى المطولات ،

قول الشارح : هو الحصول عند المجرد ـ لا الحصول فى المجرد ، والفرق بينهما ظاهر ، ويعبر عن الاول بالحضور.

٤٤٩

قول الشارح : على ما تقدم ـ فى صدر المبحث حيث قال : لانا لا نعنى بالتعقل الا الحصول ، واما ما تقدم فى مبحث الاعراض فهو تقرير العلم الحصولى.

قول الشارح : وحصول الاثر للمؤثر اشد الخ ـ لانه منه وقائم به من حيث حقيقته بخلاف المقبول فانه ليس من القابل ، بل فيه ، ولا قائما به من حيث حقيقته.

قول الشارح : مع ان الثانى لا يستدعى الخ ـ اى مع ان الثانى الّذي يكون الحصول فيه اضعف كحصول الصورة المعقولة فى ذاتنا لا يستدعى علمنا به صورة اخرى بل علمنا به هو نفس حضور تلك الصورة عندنا وحصولها لنا ، فعلم البارى تعالى بآثاره التى هى ظاهرة له وحاضرة عنده لا يستدعى صورا منها بطريق اولى لانها اشد حصولا وحضورا وظهورا له مما فى ذواتنا لنا لما قلنا.

قول الشارح : فانا اذا عقلنا ذواتنا ـ هذا ليس فى مورد البحث اذ الكلام فى العلم بالغير لا فى علم العاقل بذاته ، لكنه تنظير من حيث عدم الاحتياج الى صورة مغايرة لتقريب الامر الى الذهن.

قول الشارح : ثم اذا ادركنا شيئا الخ ـ انما هذا هو مورد البحث.

قول الشارح : وإلا لزم تضاعف الصور ـ اى وان لم تكن الصورة المعقولة معلومة بنفسها من دون حاجة الى صورة اخرى لزم التسلسل وعدم تناهى الصور لان كل صورة فرضت حالها حال الصورة الاولى.

قول الشارح : مع ان تلك الصورة حاصلة الخ ـ الظرف متعلق بقوله : ندرك ، والكلام بيان لاولوية حصول الاشياء وحضورها عند الواجب تعالى من حصول الصور المعقولة عندنا ، اى انا ندرك تلك الصورة كذلك مع انها حاصلة لذاتنا لا بانفراد ذاتنا لانها قابلة لها ، بل بمشاركة من المعقولات اى المجردات التى هى العقل الفعال وما قبله الى ان ينتهى الى الواجب تعالى على ما ذهب إليه الحكماء وهذه المشاركة ليست فى التأثير لان النفس قابلة لها فقط ، ولكن الله تبارك وتعالى متفرد فى التأثير لآثاره ، جلت عظمته ، ويحتمل ان يكون مراده بالمعقولات المبادى التصوّرية والتصديقيّة.

٤٥٠

قول الشارح : من غير افتقار ـ الجار متعلق بقوله : فحصول العلم.

قول الشارح : العلتان متغايرتين ـ العلتان صفة لقوله : ذاته وعلمه ، ومتغايرتين خبر كانت.

قول الشارح : فكذا معلوله الخ ـ جواب لقوله : ولما كانت ذاته الخ ، وحاصل مراده ان علمه بذاته عين ذاته من حيث الحقيقة ، ومتغايران باعتبار المفهوم وباعتبار التعلق وعدمه فان العلم يعتبر فى مفهومه التعلق بخلاف الذات ، وكذا الحال فى آثاره تعالى ومعلولاته فان علمه بآثاره عين آثاره من حيث الحقيقة وغيرها باعتبار المفهوم وباعتبار الصدور والحضور فان الآثار يعتبر معها عنوان الصدور والعلم بها يعتبر فيه عنوان الحضور فان ما صدر عنه بما انه صادر عنه معلول له وبما انه حاضر عنده علم له به وذلك لوجوب التناسب بين العلة والمعلول فان ذاته التى علة لآثاره متحدة مع علمه بذاته الّذي هو علة لعلمه بآثاره فيجب اتحاد المعلولين لاتحاد العلتين.

قول الشارح : صاحب التحصيل ـ هو بهمنيار تلميذ الشيخ ابى على بن سيناء

قول الشارح : فى شرح الاشارات ـ فى النمط السابع فى الفصل السابع عشر.

قول الشارح : جميع المحالات ـ اى المحالات الخمس التى مر ذكرها.

قول الشارح : وتقرير الاعتراض الخ ـ توضيحه ان الله تعالى لو كان عالما بالجزئيات المتغيرة كما لو علم ان زيدا حي ثم مات لزم له الجهل المركب او تغير علمه لان علمه لو لم يتغير عند تغير المعلوم لزم الاول ولو تغير فهو الثانى وكلاهما محالان فى حقه تعالى ، اما الاول فهو ظاهر ، واما الثانى فلان العلم من الصفات الحقيقية ذات الاضافة وتغيرها يوجب تغير الذات وهو مستلزم للامكان.

قول الشارح : وتقرير الجواب الخ ـ توضيحه ان التغير او الجهل يلزم على القول بالعلم الحصولى الّذي هو حصول صورة المعلوم فى ذات العالم ، فتفصى القائلون به فى هذا المقام عن هذا الاشكال بالقول بان علمه تعالى بالجزئيات على الوجه الكلى واما على القول بالعلم الحضورى فلا يلزم ذلك لانه ليس بارتسام الصورة فى ذات العالم فلا يوجب تغير المعلوم تغيرا فى ذاته ، بل يوجب تغير اضافة بينه وبينه ، وهو جائز

٤٥١

فانه اذا علم ان زيدا حي ثم مات لا يتغير حينئذ الانسبة الحضور ، ففى الاول يحضر عنده زيد مع الحياة وفى الثانى يحضر عنده مع الموت ، فلا جهل ولا تغير الا فى المعلوم ونسبته.

قول الشارح : كالقدرة التى تتغير الخ ـ اعلم ان الصفات ثلاثة اصناف : الحقيقية المحضة كالحياة والاضافية المحضة كالابوة والحقيقية ذات الاضافة ، وهذه الاخيرة قسمان : ما لا يتغير بتغير المضاف إليه كالقدرة وما يتغير بتغيره كالارادة ، والعلم ان كان حضوريا فكالقدرة وان كان حصوليا فكالارادة.

قول الشارح : لانها امور اعتبارية ـ قد مر بيان ذلك فى المسألة الثالثة من مبحث المضاف من مباحث الاعراض.

قول الشارح : وإلا لجاز ان لا يوجد ـ هذا بيان الملازمة ، اى وان لم يجب الحادث الّذي تعلق به العلم قبل حدوثه لجاز ان لا يوجد.

قول الشارح : فينقلب علمه تعالى جهلا ـ هذا مغالطة لان الانقلاب لا يتفرع على الامكان ، بل يتفرع على ان لا يوجد الحادث.

قول الشارح : والجواب ان اردتم الخ ـ توضيحه ان الوجوب الّذي ادعيتم لزومه للحادث يتصور على ضروب أربعة : الاول الوجوب الذاتى ، وهذا باطل بالبديهة لان الحادث الممكن لا ينقلب واجبا بالذات على اى حال ، الثانى الوجوب بالغير السابق على وجود الحادث ، وهذا باطل أيضا لانه يأتى من قبل العلة التامة والعلم ليس علة تامة للمعلوم ، الثالث الوجوب اللاحق بالحادث ، وهو باطل كذلك اذ لا دخل للعلم ولا لشيء آخر فى هذا الوجوب بل هو يعتبر للشىء ما دام موجودا ، فالملازمة على هذه الفروض ممنوعة ، الرابع وجوب مطابقة المعلوم للعلم ، وهذا الوجوب انما هو من المعلوم للعلم لا من العلم للمعلوم فان العلم اذا كان صحيحا وجب ان يطابق المعلوم سواء كان مقدما عليه أم لا ، وهذا معنى اصالة المعلوم وتبعية العلم الّذي مر فى المسألة الرابعة عشرة من مبحث العلم من مباحث الاعراض ، وعلى هذا الفرض فبطلان التالى ممنوع.

٤٥٢

قول الشارح : بوجوب علمه تعالى ـ اى بوجوب معلومه الحادث الّذي تعلق به علمه تعالى قبل حدوثه.

قول الشارح : واجب الصدور عن العلم ـ اشارة الى الضرب الثانى.

قول الشارح : وجوب المطابقة لعلمه ـ اشارة الى الضرب الرابع.

قول الشارح : وجوب لاحق ـ اى لاحق بالعلم من جهة المعلوم.

اقول : قد ظهر لك ان المراد بالاعتبارين فى كلام المصنف كما اشار إليه الشارح ان المعلوم ممكن باعتبار ذاته ، ان يوجد أو لا يوجد انما هو مستند الى علته التامة وعدمها لا الى العلم ، وواجب من حيث المعلومية باعتبار مطابقة العلم له اى يجب ان يطابقه العلم والا لم يكن علما ولا المعلوم معلوما ، وليس المراد بهما ان المعلوم ممكن باعتبار ذاته وواجب باعتبار غيره اى ممكن بالذات وواجب بالغير كما فى بعض الشروح لان من الظاهر المعلوم ان الخصم لم يدّع لزوم الوجوب الذاتى للمعلوم الحادث حتى يجاب بان الوجوب له بالغير لا بالذات ، بل ادعى وجوبه بالغير اى وجوبه بتعلق العلم به قبل حدوثه.

ثم انه تعالى لو امتنع علمه بالشيء قبل حدوثه لكان علمه انفعاليا لا فعليا ولكان تعالى موجبا فى فعله لان الاختيار يستلزم العلم السابق.

تتميم

نسب القول بعدم علمه تعالى بالحوادث قبل حدوثها فى اربعين الرازى ومقالات الاسلاميين والملل والنحل والتبصير فى الدين الى بعض اجلاء اصحاب الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم كزرارة وهشامين ومؤمن الطاق ، وهذه النسبة إليهم كغيرها افتراء وخلط واشتباه.

نعم ان من الآيات والاخبار ما بظاهره يوهم هذا المعنى ، ولذلك ذهب الى هذا المذهب رئيس الطائفة الشيخية احمد بن زين الدين الاحسائى ، ولكن

٤٥٣

لتلك الآيات والاخبار توجيهات لطيفة صحيحة مذكورة فى مظانها ، بها يجمع بين العلم الذاتى والفعلى ، وليس هاهنا مقام التفصيل.

المسألة الثالثة

( فى انه تعالى حي )

قول المصنف : وكل قادر عالم حي ـ هذه كبرى قياس لاثبات كونه تعالى حيا ، صغراه انه تعالى قادر عالم لما مر ، والكبرى ضرورية لظهور ان العلم والقدرة مشروطان بالحياة ، مع ان الاقوام كلهم متفقون فى ثبوت هذه الصفة له تعالى من دون خلاف فى شيء.

قول الشارح : واختلفوا فى تفسيره الخ ـ اى فى مفهوم الحياة وماهيتها للواجب تعالى بعد اتفاقهم على ثبوتها له.

فهى عند الاشاعرة صفة ثبوتية زائدة قائمة بذاته تعالى لاجلها يصح ان يعلم ويقدر ، وعند ابى الحسين البصرى من المعتزلة عبارة عن كونه تعالى لا يستحيل ان يقدر ويعلم ، وعند غير ابى الحسين فظاهر بعضهم كصاحب المواقف والقوشجى موافقة الاشاعرة فى تفسيرها ، وظاهر آخرين كالشارح وصاحب الشوارق موافقة ابى الحسين.

اقول : ان الّذي يظهر من كتب القوم انهم لم يختلفوا فى مفهوم الحياة له تعالى كثبوتها لانهم لما وصفوه بالعلم والقدرة بالاتفاق ووجدوا الميت ممتنع الاتصاف بهما وصفوه تعالى بصحة الاتصاف بهما لمكان العلم والقدرة وفسروا الحياة بهذه الصحة ، ثم ان الاشاعرة لما كان مبناهم زيادة الصفات لم يرتضوا بان يكون مفهوم حياته تعالى هذه الصحة لانها عبارة عن الامكان وهو امر سلبى ، فقالوا : انها صفة ثبوتية زائدة توجب هذه الصحة.

ثم لا يخفى ان هذا المفهوم مشترك بين الواجب والممكن ، اما حقيقة حياته تعالى فغير حياة الحيوان لانها من الكيفيات النفسانية التى مر فى المسألة الخامسة والعشرين

٤٥٤

من مبحث الاعراض انها صفة تقتضى الحس والحركة مشروطة باعتدال المزاج لان هذا الشرط ممتنع فى حقه تعالى ، هذا ما قال المتكلمون فى تفسير حياته تعالى.

اما الحكماء فيدور كلامهم فى الحياة بحسب المفهوم حول الادراك والفعل فان الحى عندهم هو الدّراك الفعّال ، وقد اكتفى بالدّراك فقط كما فى موضع من إلهيات الشفاء واما بحسب الحقيقة فيدور حول الوجود.

قال الحكيم السبزوارى رحمه‌الله فى شرح الاسماء : ثم الحياة قد تطلق ويراد بها الوجود ولذا كان احد اسماء الوجود المطلق المنبسط هو الحياة السارية فى كل شيء ، وبهذا الاعتبار كل ما هو موجود فهو حي : فالجمادات حية ، وتسبيحها بهذا الاعتبار ، وقال بعد تفسيرها بالادراك والفعل : فبهذا الاعتبار فالحيوان ولو كالخراطين وما فوقه حية والجمادات ليست حية اذ ليست دراكة فعالة ولو على سبيل اقل ما يعتبر فى الدرك والفعل. وهو تعالى حي بكلا المعنيين اذ له اعلى مراتب الوجود وله اعلى مراتب العلم والقدرة كما علمت ، انتهى.

اقول : على اصالة الوجود فحقيقة كل صفة كمالية هى الوجود ، فاينما تحقق الوجود تحققت شئونه ، فالدرك والفعل والقدرة ان كانت من شئون الوجود فكل موجود حي بكلا المعنيين مع اختلاف المراتب بين الموجودات فى الوجود وشئونه.

المسألة الرابعة

( فى انه تعالى مريد )

قول المصنف : وتخصيص بعض الممكنات الخ ـ اشارة الى دليلين شبيهين ذكرهما الشارح فى الشرح :

الاول انه قال : تخصيص بعض الممكنات بالايجاد ، يعنى انه تعالى لم يوجد كل ممكن يدرك العقل امكانه فانه لم يوجد بحرا من زيبق فى الارض ولم يوجد انسانا له الف راس ولم يوجد آلافا من الشموس والاقمار ، وهكذا مع انها من الممكنات ،

٤٥٥

فتخصيص بعضها بالايجاد دليل على خصوصية فى الفاعل الموجد ، بها اختار ايجاد بعض الانواع والافراد دون بعض ، وتلك الخصوصية تسمى بالارادة ، وليست بالعلم والقدرة وغيرهما من اوصاف الذات لان نسبة كل منها الى جميع الممكنات سواء ، فلا يتصور كونها مخصصة لبعضها.

الثانى انه قال : فى وقت ، وهذا الظرف متعلق بقوله : بالايجاد يعنى انه تعالى اوجد كلا من الممكنات التى اوجدها فى وقت وهذا التخصيص الوقتي يدل على تلك الخصوصية كالتخصيص الايجادى.

ثم ان الدليل النقلى على كونه تعالى مريد الكتاب والسنة واجماع المسلمين بل اهل الملل اجمعين ، وقال الشيخ المفيد رحمه‌الله فى اوائل المقالات : واقول ان الله تعالى مريد من جهة السمع والاتباع والتسليم على حسب ما جاء فى القرآن ، ولا اوجب ذلك من جهة العقول ، انتهى ، ومراده رحمه‌الله ان اطلاق المريد عليه تعالى لما ورد فى السمع ، ولو لا ذلك لا يستقيم اطلاقه عليه تعالى بالمفهوم الّذي عندنا. الا بصرفه الى مفهوم العلم او الاحداث على ما يأتى بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى.

قول الشارح : اختلفوا فى معناه الخ ـ انما تعرض لاقوال الاقوام فى معنى الإرادة وتحديدها ذيل هذا الكلام من المصنف مع انه بيان لهليتها البسيطة لما فيه من الاشارة الى تفسيرها بالمفهوم ، وهو ان الإرادة صفة مخصصة للشىء بالايجاد.

قول الشارح : على معنى ان علمه الخ ـ اى ان ارادته تعالى هى علمه بما فى فعله من المصلحة الداعية الى الايجاد ، فالداعى هو علمه تعالى بما يصدر عنه بهذا الاعتبار ، فلا يرد عليه انه لا شيء من العلم له شأن التخصيص لانه تابع ونسبته الى الجميع وجميع الاوقات سواء وكل إرادة لها شان التخصيص فلا شيء من العلم بشيء من الإرادة لان الّذي ليس له شان التخصيص هو مطلق العلم والّذي له شان التخصيص هو العلم بالشيء بما ان فيه مصلحة ، ولا بأس بان يكون المقيد واجدا لخصوصية لم تكن للمطلق ، فتامل.

٤٥٦

قول الشارح : وقال النجار ـ قال ابن النديم فى الفهرست : ابو عبد الله الحسين ابن محمد بن عبد الله النجار ، وكان حائكا فى طراز العباس بن محمد الهاشمى من جلة المجبرة ومتكلميهم ، وقد قيل : انه كان يعمل الموازين من اهل بم ، واذا تكلم كان كلامه صوت الخفاش ، وكان من اهل الناظرين ، وله مع النظام مجالس ومناظرات وقال ابو المظفر الأسفراييني فى التبصير فى الدين : الباب السابع فى تفصيل مقالات النجارية وبيان فضائحهم ، وهم اتباع الحسين بن محمد النجار ، وهؤلاء يوافقون اهل السنة فى بعض اصولهم مثل خلق الافعال والاستطاعة والإرادة وابواب الوعيد ، ويوافقون القدرية فى بعض الاصول مثل نفى الرؤية ونفى الحياة والقدرة ويقولون بحدوث الكلام ، والقدرية يكفرونهم بسبب ما وافقوا فيه المعتزلة من المسائل ، انتهى ، ثم ذكر طوائفهم.

قول الشارح : غير مغلوب ولا مستكره ـ هذا المفهوم غير مطابق لمفهوم الإرادة ، بل هو مفهوم لازم لكونه تعالى نافذ القدرة فى كل شيء واما ما قال الفخر الرازى فى ردّ هذا القول من ان الجماد والنائم غير مقهور مع انه ليس بمريد فمردود لان النجار ما اراد بعدم المقهورية عدما مطلقا بل عدم الملكة.

قول الشارح : عالم بافعال نفسه الخ ـ الظاهر ان مراد الكعبى ان ارادته تعالى لافعال نفسه هو نفس علمه بها من دون التقييد بالمصلحة فمذهبه مذهب الحكماء ثم ان ما ذكر من مذهب الكعبى هنا موافق لما نقل عنه الشارح القديم والقوشجى وصاحب الشوارق وابو المظفر الأسفراييني فى التبصير ، ومخالف لما نقل عنه المفيد رحمه‌الله فى اوائل المقالات والفخر الرازى فى الاربعين والبراهين والشهرستانى فى الملل والنحل حيث نقلوا عنه : ان معنى كونه تعالى مريدا هو انه فاعل لافعاله.

قول الشارح : انه صفة زائدة على العلم ـ لكن ابو على وابنه ابو هاشم الجبائيان بعد اتفاقهما مع الاشاعرة فى ان الإرادة صفة زائدة مغايرة للعلم خالفاهم كما يأتى فى كلام الشارح فى كونها قديمة قائمة بذات البارى تعالى ، بل هما قالا : انها حادثة قائمة بنفسها.

٤٥٧

قول الشارح : مطلقا ـ اى باى من المعانى فسرناها لان الكلام هنا فى هليتها مع قطع النظر عن مفهومها وماهيتها.

قول المصنف : وليست زائدة على الداعى ـ اختلفوا فى إرادة الله تعالى ، هل هى صفه سلبية او ثبوتية ، والاول هو قول النجار كما مر وهو فى غاية السخافة ، والثانى يتصور على صورتين.

الاولى ان تكون قديمة ، اما عين ذاته ، وذلك مذهب الحكماء واكثر المعتزلة والامامية ، واما زائدة على ذاته وهو مذهب الاشاعرة.

الثانية ان تكون حادثة ، اما فى ذاته تعالى وهو مذهب الكرامية ويأتى تزييفه واما حادثة قائمة بنفسها لا فى محل ، وهو مذهب ابى الهذيل العلاف المعتزلى وبعض اصحابه على ما حكى الاشعرى فى مقالات الاسلاميين والشهرستانى فى الملل والنحل ، ومذهب ابى على وابى هاشم على ما حكيا وحكى الشارح هنا ، واما حادثة هى نفس الفعل والاحداث ، وهذا قول النظام واصحابه من المعتزلة على ما حكى عنه الاشعرى والشهرستانى ، ومذهب الكعبى على حكاية المفيد والفخر الرازى والشهرستانى كما مر ، ونسب الاشعرى هذا المذهب الى بعض الشيعة ، وهو اختيار المفيد رحمه‌الله ، قال فى اوائل المقالات : ان إرادة الله تعالى لافعاله هى نفس افعاله ، وارادته لافعال خلقه امره بالافعال ، وبهذا جاءت الآثار عن ائمة الهدى من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مذهب سائر الامامية الا من شذ منها عن قرب وفارق ما كان عليه الاسلاف ، وإليه يذهب جمهور البغداديين من المعتزلة وابو القاسم البلخى خاصة وجماعة من المرجئة ويخالف فيه من المعتزلة البصريون ، ويوافقهم على الخلاف فيه المشبهة واصحاب الصفات ، انتهى ، وهذا أيضا مذهب اصحاب الحديث من الامامية ، وكذا الشيخية ذاهبة إليه ، وبه وردت اخبار صريحة كثيرة عن اهل البيت عليهم‌السلام فى الكافى والتوحيد وغيرهما كما صرح به المفيد رحمه‌الله ، وظاهر القرآن فى مواضع ذكر الإرادة يلائم هذا القول وعلى هذا فارادته تعالى من صفات فعله لا من صفات الذات.

٤٥٨

ثم انه لا يأبى بل يقرب جدا رجوع مذهب ابى الهذيل وابى على وابى هاشم الى هذا القول ، فانظر.

اقول : لا شبهة ولا نزاع فى انه تعالى لا يخفى عليه شيء ولا يغفل عن شيء ولا يعزب عنه مثقال ذرة فى الارض ولا فى السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا فى كتاب مبين ، ولا شبهة أيضا انه تعالى ليس بين علمه بالفعل ونفس الفعل شوق وتروّ وتفكر وهمّ وتردد وغير ذلك مما يعترى انفسنا ويختلط بإرادتنا ويتوسط بين علمنا بالشيء واحداثنا اياه لانه تعالى ليس محل الحوادث ، فلا يبقى مما يصح ان نسميه الإرادة فى حقه تعالى الا علمه بالاشياء او احداثه لها ، فطائفة ممن ذكرنا ذهبوا الى الاول ، واخرى الى الثانى ولا يعبأ بمذاهب آخرين.

ثم لا يخفى ان الإرادة بحسب المفهوم ليست بالعلم بل هو تطلب الشيء نفسا او طبعا او غيرهما لشيء بحيث ان اجتمع شرائطه ولم يمنعه مانع لوقع هو منه ، وهذا المفهوم عام لا يختص بذوى الشعور فان الجدار الّذي تضعضعت قواعده يريد ان ينقض بطبعه فمغايرة مفهوم الإرادة لمفهوم العلم غير خفى على المطلع بمواضع استعمالها فى اى لغة يفرض ، وحقيقة هذا المفهوم ومصداقه فينا هو الشوق الاكيد المستعقب لحركة العضلات ، فتفسيرها بالعلم انما هو تفسير حقيقى وبيان لحقيقتها ومصداقها فى حقه تعالى ، واباء المفيد عن اطلاق المريد عليه الا اتباعا لوروده فى القرآن كما حكينا عنه انما هو لذلك لان مفهوم الإرادة هذا لا ينطبق على مصداقها وحقيقتها فى حقه تعالى والحاصل ان ما يتحقق به فينا الإرادة وبه يكون مصداقها فينا يبتدئ بعلمنا بالفعل وينتهى الى احداثنا له على الترتيب الّذي مر فى المسألة الخامسة والعشرين من الفصل الخامس فى مباحث الاعراض التسعة ، وحيث ان تلك الامور الواقعة بين العلم والاحداث ممتنعة فى حقه تعالى فحقيقة ارادته تعالى واحد منهما.

ان قلت : ان وجه تفسير حقيقة ارادته تعالى بالعلم هو اتحادهما حقيقة والاتحاد لا يختص بهما ، بل كل صفة من صفاته الذاتية متحدة مع الاخرى والكل مع الذات كما

٤٥٩

بين فى محله. ولا قائل بتخصيص بعض صفاته بذلك دون بعض ، فلتفسر بصفة اخرى ، قلت : ذلك حق ، لكن العلم من حيث هو علم مع قطع النظر عن عينيته وزيادته مناط لتحقق الإرادة فى القادر المختار مع قطع النظر عن عينيتها وزيادتها أيضا دون سائر الصفات ، فلذلك فسروها بالعلم دون غيره.

ان قلت : ان صح تفسير ارادته تعالى بالعلم فما وجه اصرار ائمتنا صلوات الله عليهم على ما فى احاديثهم على نفى كونها علما ؛ قلت : لعله لرعاية تنزيهه تعالى عن توهم تخلف مراده تعالى عن ارادته لان العلم قديم وافعاله تعالى حادثة والحادث متخلف عن القديم ، والتخلف هكذا يوهم ممنوعية المريد عن وصول مراده لنقص فى نفسه او لامر فى خارجها ، وهو لا يليق بجنابه تعالى ، لكن هذا التوهم انما هو بحسب اذهان العامة وهم عليهم‌السلام فسروها بالاحداث رعاية لافهامهم ، واما الخاصة فاذا فسروها بالعلم لم يغفلوا عن هذا بل اعتقدوا ان علمه تعالى تعلق بافعاله على نحو يقع كل فى مقامه من قطع الزمان ان كان من الزمانيات او ما فوقه ان لم يكن منها ، فلم يتخلف مراده عن ارادته التى هى علمه لان معلومه الّذي هو مراده انما علم على هذا النحو ، او لعله لدفع توهم قدم العالم لان المريد لا يكون الا المراد معه ، ولو فسرت بالعلم وهو ازلى توهم قدم المراد ، وهذا أيضا غير متوهم عند الخاصة لما قلنا.

ثم ان لاصحاب النظر فى المباحث العقلية كالمولى محسن الكاشانى فى علم اليقين والمحقق اللاهيجى فى الشوارق وكوهر مراد والحكيم السبزوارى فى اسرار الحكم والسيد الداماد فى قبساته والعلامة المجلسى فى البحار وغيرهم فى غيرها كلمات وتوجيهات لما صدر عن اهل البيت سلام الله عليهم من ان ارادته تعالى حادثة ومن صفات الفعل ، لا سعة فيما بيدى لذكرها والكلام فيها. هذا كله ما فهمنا من الاقوام فى هذا المقام.

ثم اقول باسم الله عز وجل وبه التوفيق والتسديد : ان للارادة مفهوما واحدا فى جميع الموارد ينطبق على حقيقتها اينما تحققت فى الواجب او الممكن ذا شعور كان

٤٦٠