توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

متى بن يونس الا انه كان دونه فى السن وفوقه فى العلم وعلى كتب متى بن يونس فى علم المنطق تعويل العلماء ببغداد وغيرها من امصار المسلمين بالمشرق لقرب مأخذها وكثرة شرحها وكانت وفاة ابى بشر ببغداد فى خلافة الراضى ، وقدم ابو نصر الفارابى على سيف الدولة ابى الحسن على بن ابى الهيجاء عبد الله بن حمدان الى حلب واقام فى كنفه مدة بزىّ اهل التصوف وقدمه سيف الدولة واكرمه وعرف موضعه من العلم ومنزلته من الفهم ورحل فى صحبته الى دمشق فادركه اجله بها فى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة ، ثم ذكر اسماء مصنفاته وهى تسعة وستون مصنفا.

قول المصنف : ويعرض لها وحدة باعتبار الخ ـ هذا اشارة من المصنف الى مناط كون الحركة واحدة وحدة شخصية ، ومناطه وحدة جميع متعلقات الحركة وحدة شخصية الا المحرك فان تعدده لا ينافى وحدة الحركة شخصا سواء كان تعدده بحسب العرض أم بحسب الطول ، اما بحسب العرض فكما ان عشرة رجال ينقلون حجرا أو يديرون دولا با او تسخن النار والشمس معا ماء او تنمو شجرة بنفوذ الاجزاء الارضية والمائية معا فيها ، واما بحسب الطول فكما يفرض كل محرك فى هذه الامثلة عقيب الاخر بحيث يقع الفعل من اللاحق بدون انقطاع فعل السابق ، وحيث ان التحريكات متصلة فالحركات متصلة فهى واحدة ، واما لزوم وحدة كل من الخمسة الباقية فى وحدة الحركة فلما ذكره الشارح رحمه‌الله.

قول الشارح : الثانى وحدة الزمان الخ ـ اى وحدة الزمان كوحدة الموضوع لا بدّ منها فى وحدة الحركة اذ لو كانت الحركة الواحدة فى زمانين لزم اعادة الحركة المعدومة بانقضاء الزمان الاول فى الزمان الثانى واعادة المعدوم ممتنعة لما مر فى المسألة الاربعين من الفصل الاول من المقصد الاول

قوله : الثالث وحدة المقولة الخ ـ حاصل كلامه ان وحدة الموضوع والزمان لا تكفى فى وحدة الحركة بل لا بد فيها من وحدة المقولة التى فيها الحركة لان الجسم الواحد فى الزمان الواحد يمكن ان يتحرك بحركتين مختلفتين بحسب المقولة ، واما اصل المطلب وهو امتناع كون الحركتين المختلفتين بحسب المقولة

٤٠١

واحدة بحسب الشخص فظاهر لا يحتاج الى الاستدلال.

قوله : واذا اتحدت الاشياء الثلاثة الخ ـ يعنى ان مناط وحدة الحركة شخصا هو وحدة كل من الستة التى تتعلق بها الحركة الا المحرك ، ولكن وحدة هذه الثلاثة تستلزم وحدة المبدأ ووحدة المنتهى فلذا اكتفى المصنف بذكر هذه الثلاثة قوله : لكن كل واحد منهما غير كاف الخ ـ توضيحه ان وحدة هذه الثلاثة لا تستلزم وحدة المبدأ ووحدة المنتهى جميعا بل تستلزم وحدة احدهما اذ يمكن ان يكون الجسم الواحد فى الزمان الواحد يتحرك فى المقولة الواحدة مع وحدة المبدأ وتعدد المنتهى او وحدة المنتهى وتعدد المبدأ كما اذا تحرك الجسم من مركز الارض مثلا الى نقطة من سطحها ومن تلك النقطة الى نقطة اخرى من سطحها من دون توقف على النقطة الاولى ففى هذا المثال يكون المتحرك واحدا والزمان واحدا والمقولة واحدة مع انا لو جعلنا مركز الارض فقط مبدءا فالمنتهى متعدد او جعلنا النقطة الثانية فقط منتهى فالمبدأ متعدد فوحدة تلك الامور الثلاثة لا تستلزم وحدة المبدأ ووحدة المنتهى جميعا مع ان وحدة كل منهما من دون وحدة الاخر غير كافية فى وحدة الحركة كما فى ذلك المثال فان تلك الحركة ليست واحدة بل هى اثنتان احداهما من مركز الارض الى النقطة الاولى والثانية من النقطة الاولى الى النقطة الثانية اذ لا يمكن الحركة الواحدة الى جهتين مختلفتين ، مع ان النقطة الاولى مبدأ باعتبار الحركة الثانية ومنتهى باعتبار الحركة الاولى فوحدة تلك الثلاثة لا تستلزم وحدة المبدأ ولا وحدة المنتهى.

اقول : ان زمان الحركتين ليس واحدا فى هذا المثال اذ لا بد من تخلل زمان بينهما يكون الجسم فى ذلك الزمان ساكنا اذ انقطاع حركة انما يكون فى آن وشروع حركة اخرى انما يكون فى آن ولو لم يكن بين الانين زمان فاصل لزم تتالى الانين وهو محال لاستحالة تركب الزمان من الآنات لما مر فى استحالة تركب الجسم والمسافة والحركة والزمان من الاجزاء التى لا تتجزى فى المسألة السادسة من الفصل الاول ، ويأتى زيادة توضيح لهذا المطلب قريبا ذيل قول المصنف : ولا اتصال

٤٠٢

لذوات الزوايا الخ.

قول المصنف : واختلاف المتقابلين الخ ـ اشارة الى مناط اختلاف الحركات نوعا واتحادها نوعا ، فمناط الاختلاف نوعا هو اختلاف واحد من هذه الثلاثة بمعنى ان الحركتين اذا تخالفتا فى المبدأ او فى المنتهى او فى المقولة تخالفتا بحسب النوع والحقيقة سواء توافقتا فى سائر الامور الخمسة أم لا ، واما اذا توافقتا فى هذه الثلاثة جميعا توافقتا بحسب النوع والحقيقة سواء توافقتا فى الثلاثة الاخر أم لا

قول الشارح : وأيضا الصاعدة ضد الهابطة ـ اى الحركة من السفل الى العلو مخالفة بحسب الحقيقة للحركة من العلو الى السفل لاختلاف مبدئهما ومنتهاهما ، وهما وان كانا متضادين ولكن تعبير التضاد هنا غير مناسب لان البحث من حيث اختلاف النوع والحقيقة.

قول المصنف : وتضاد الاولين التضاد ـ اى تضاد المبدأ والمنتهى مقتض للتضاد بين الحركات ، وتضاد المبدأ والمنتهى فى الحركة الكيفية يكون بالذات كما فى الحركة من السواد الى البياض وبالعكس ومن الحرارة الى البرودة وبالعكس بخلاف الحركة فى المقولات الثلاث الباقية فان الحركة الكمية حركة من مقدار الى مقدار اكبر منه او اصغر والحركة الوضعية حركة من وضع الى وضع والحركة الاينية حركة من مكان الى مكان ومعلوم انه ليس بين المقدارين والوضعين والمكانين تضاد بالذات لفقدان شرائط التضاد فيها ، ولكن يتضاد المقداران لعارض الكبر والصغر والوضعان لعارض التقدم والتأخر والمكانان لعارض القرب والبعد من مركز العالم او محيطه.

قول الشارح : وهى الداخلة تحت جنس واحد ـ لان المقولات لا تضاد بينها اذ تجتمع فى موضوع واحد وكذا الحركة فى المقولات فالتضاد انما هو بين الانواع المندرجة تحت جنس واحد كما بين فى آخر المسألة الحادية عشرة من الفصل الثانى من المقصد الاول.

قوله : فعلة تضادها ليس تضاد المتحرك الخ ـ لان المتحرك جسم ولا تضاد

٤٠٣

بين الاجسام بالذات الا باعتبار العارض كالحجر والنار فانهما متضادان باعتبار البرودة والحرارة ، وعلى اى حال فلا تلازم اصلا بين تضاد المتحركين وتضاد الحركتين اذ يمكن ان يتضاد المتحركان مع تماثل الحركتين لإمكان صعود الحجر قسرا وصعود النار طبعا فان الحركتين متماثلتان وان يتضاد الحركتان مع تماثل المتحركين لامكان صعود حجر قسرا وهبوط حجر آخر طبعا فان الحركتين متضادتان ، بل مع وحدة المتحرك شخصا كما ان يصعد حجر قسرا ويهبط هو بعينه طبعا.

قوله : ولا تضاد المحرك الخ ـ اى لا يستلزم تضاد الحركتين تضاد المحركين كرجلين يصعد احدهما عن السلم ويهبط الاخر عنه فان الحركتين متضادتان والمحرك فيهما الإرادة ، ولا تضاد المحركين يستلزم تضاد الحركتين كما يصعد نار بالطبع وحجر بالقسر.

قوله : ولا الزمان لعدم تضاده ـ يعنى لا يمكن التضاد بين الزمانين حتى يقتضي التضاد بين الحركتين.

قوله : ولا ما فيه لاتحاد المسافة فيهما ـ اى ولا تضاد المقولتين يقتضي تضاد الحركتين لان المقولات لا تضاد بينها اصلا ، ولانه يمكن ان يكون المسافة التى يتحرك فيها الحجر فى الصعود والهبوط واحدة فالحركتان متضادتان والمسافة التى هى ما فيه الحركة ليست متعددة حتى يتصور فيها التضاد.

قوله : ولا يمكن التضاد بالاستقامة الخ ـ اى لا يمكن ان يقع التضاد بين الحركة الاينية المستقيمة والحركة الاينية المستديرة اذا كان المبدأ فيهما واحدا والمنتهى فيهما واحدا بسبب وصف الاستقامة والاستدارة لان الوصفين غير متضادين ، وقد مر ما يناسب ذلك فى المسألة السابعة والعشرين من مبحث الكيف.

قول المصنف : ولا مدخل للمتقابلين الخ ـ قد علمت فى المسألة الرابعة من الفصل الاول ان المنقسم بالذات هو الكم وغيره ينقسم بسبب حلوله فى الكم او فيما يحل فيه الكم او حلول الكم فيه ، والحركة ليست كما بالذات فلا بد ان انقسمت ان يكون انقسامها بسبب الغير الّذي تتعلق الحركة به ولكن المتقابلين والفاعل

٤٠٤

لا دخل لها فى انقسام الحركة اذ لا هى تنطبق على واحد منها ولا واحد منها ينطبق عليها : فانقسامها انما يكون بسبب الزمان العارض المنطبق عليها او المقولة التى هى فيها وتنطبق عليها سواء كانت مسافة او غيرها او المتحرك الّذي هو موضوع لها فتأمل.

قول الشارح : الاول ان هذه الكيفية الخ ـ حاصل هذا الاستدلال هو ان هذه الكيفية تقبل الشدة والضعف بالقياس الى غيرها ولا شيء من الفصول بقابل لهما فلا شيء من هذه الكيفية بفصل لشيء فلا تختلف ماهية الحركة بهما اذ اختلاف الماهية انما هو بالفصول.

قوله : الثانى انا نقسم الجنس الخ ـ توضيحه ان الحركة الصاعدة نوع والحركة إلها بطة نوع آخر لما مر قريبا فالصعود والهبوط فصلان تنقسم الحركة بهما الى نوعين وتختلف ماهيتها بهما فاذن لا يمكن ان يكون السرعة والبطء فصلين تختلف ماهية الحركة بهما الى نوعين لان فصل الشيء لا يمكن ان يكون ازيد من واحد فى مرتبة واحدة

قوله : وهاتان قسمتان الخ ـ الشيء اما ان ينقسم انقسامات عرضا كما يقال : الجسم اما سماوى واما عنصرى وهو اما متحرك واما ساكن وهو اما بسيط واما مركب ويقال لها الانقسامات غير المترتبة ، واما طولا كما يقال : الجسم اما نام واما غير نام والنامى اما متحرك بالارادة او غير متحرك بالارادة والمتحرك بالارادة اما ناطق او غير ناطق ويقال لها الانقسامات المترتبة ، وفى القسم الاول تعرض الانقسامات جميعا على ذلك الشيء أولا من دون ترتيب بينها ، وفى القسم الثانى لا تعرض القسمة اللاحقة عليه الا بواسطة القسمة السابقة ، وحاصل المراد ان الانقسامات فى القسم الاول لا يمكن ان تكون بالفصول الا واحدا منها ، وفى القسم الثانى يمكن ان يكون جميعها بالفصول.

قوله : وقد تبين ان الجنس الخ ـ فى المسألة الرابعة من الفصل الثانى من المقصد الاول.

٤٠٥

قول المصنف : الممانعة الخارجية او الداخلية ـ قد مر بيانهما فى المسألة الخامسة من مبحث الكيف.

قول الشارح : لما تقدم فى الخ ـ فى المسألة السادسة من الفصل الاول ذيل قول المصنف : ويلزمهم ما يشهد الحس بكذبه الخ.

قول المصنف : ولا اتصال لذوات الزوايا ـ اى ولا اتصال للحركات ذوات الزوايا فان المتحرك اذا كان سائرا على خط متوجها الى جهة ثم توجه الى جهة اخرى بحيث وقع على خط آخر وحصل بين الخطين زاوية حدث له سكون زمانا ما فى ملتقى الخطين فينفصل الحركة على الخط الثانى عن الحركة على الخط الاول بتخلل ذلك السكون ويصير المتحرك متحركا بحركتين مختلفتين من حيث الجهة.

قوله : والانعطاف ـ اى ولا اتصال للحركات ذوات الانعطاف ، والانعطاف فى اللغة توجه الشيء من جهة الى جهة اخرى ، والمراد به هنا هو رجوع المتحرك من منتهى الحركة الى مبدئها بحيث وقع فى الرجوع على الخط الّذي كان واقعا عليه فى الذهاب بعينه ، فلا تحدث حينئذ زاوية فله سكون فى المنتهى ثم حركة متوجها الى المبدأ.

قول الشارح : يريد ان كل حركتين مستقيمتين الخ ـ المراد بالحركة المستقيمة ما فى قبال الحركة الدورية سواء كان المتحرك على خط مستقيم او على خط منحن ثم وقع على خط مستقيم او على خط منحن بحيث تحدث زاوية بينهما.

قوله : على غير الاستقامة ـ اى بحيث لا تكون الحركة الثانية مستقيمة من المنتهى الى المبدأ كما فى صورة الانعطاف بل من المنتهى الى جهة اخرى.

قوله : لان لكل حركة علة تقتضى الخ ـ توضيح هذا الاستدلال ان وصول الجسم بمنتهى الحركة كوصوله بكل حد من الحدود الوسطية فى اثناء المسافة انما هو فى آن لا فى زمان اذ لو كان فى زمان لم يكن ما فرضناه منتهى بمنتهى اذ بقى بعد من المسافة شيء ولهذا الوصول علة هى ميل الجسم الّذي هو علة لوصول الجسم

٤٠٦

بكل حد من الحدود الوسطية ولو لا هذا الميل لم يكن وصول فلم يكن الحركة الى المنتهى ، ثم ان المفروض ان للجسم مفارقة عن ذلك المنتهى ضرورة توجهه الى جهة اخرى لتحقق الحركة الثانية ولهذه المفارقة أيضا علة هى ميل الجسم الى تلك الجهة الاخرى اذ لو لا هذا الميل لما تحققت الحركة الى تلك الجهة وهذه المفارقة وكذا علتها انما تقع فى آن أيضا اذ لو كانت فى زمان لكان الجسم متحركا لا مفارقا لان المراد بالمفارقة هو اوّل المفارقة لا المفارقة التدريجية المتصفة بالقرب والبعد عن مبدئها التى لا تحصل الا بالحركة ، فللجسم عند المنتهى فى مفروض الكلام ميلان : ميل الوصول به وميل المفارقة عنه ويستحيل اجتماع الميلين فى آن واحد لتضادهما فهما فى آنين ويستحيل تتالى الانين فلا بد ان يكون بينهما زمان يكون الجسم فى ذلك الزمان ساكنا اذ لو كان متحركا فاما ان يكون قبل الوصول واما ان يكون بعد المفارقة وهذا خلف اذ المفروض انه فى المنتهى ، فالجسم بين الحركتين ساكن زمانا والحركتان منفصلتان لا اتصال بينهما ، واما استحالة تتالى الانين فلان الآن نهاية الزمان ولا وجود للنهايتين الا بالفصل بينهما اذ لو لا الفصل لا يعقل النهاية الا فرضا ولا يفرض الا واحدا مشتركا.

واعترض على هذا الاستدلال بانه لا يستحيل اجتماع الميلين فى آن واحد كما ان الجسم يصل بكل حد من الحدود الوسطية ويفارق عنه فى آن واحد اذ لو كان وصوله ومفارقته فى آنين لزم سكونه فى الحد لما ذكرتم وهو محال لاستحالة تخلل السكنات فى اثناء الحركة ، والجواب ان الفرق بينهما موجود وهو ان ميل الوصول بالحد ليس غير ميل المفارقة عنه لان الميل الى جهة واحدة فان الجسم يميل الى الحد وعن الحد لميله الى تلك الجهة فالميل كالحركة واحد له الى كل حد من الحدود نسبة واحدة فليس له بالنسبة الى كل حد ميلان حتى يقعا فى آنين بخلاف ما نحن فيه فان ميل الجسم الى المنتهى الى جهة وميله عن المنتهى الى جهة اخرى هما متضادان لا يجتمعان فى آن واحد فتدبر فان للاقوام فى هذا المطلب كلمات ومشاجرات.

٤٠٧

قول المصنف : والسكون حفظ النسب ـ السكون كالحركة يقع فى المقولات الاربع ، واختلف فى السكون الاينى ما هو؟.

لا شبهة فى ان للجسم اذا لم يتحرك ثلاثة امور متلازمة : الاول كونه واستقراره فى مكان غير متبدل عليه ، الثانى حفظ نسبه مع الاجسام الثابتة على حالها ، الثالث عدم الحركة عنه مع شأنيته لها ، واطلاق السكون على كل من هذه المفاهيم صحيح لا جدوى للنزاع فيها.

ولا يخفى ان نظير المعنى الاول والثالث يأتى فى السكون الوضعى والكيفى والكمى بان يقال مثلا : السكون الكيفى كون الجسم واستقراره فى كيف غير متبدل عليه ، او عدم الحركة عنه كيفا مع شأنيته لها ، وكذا فى الكم والوضع ، والمصنف حيث ذهب الى المعنى الثانى قال : وفى غير الاين حفظ النوع اذ لا يأتى المعنى الثانى فى غير السكون الاينى اذ نسب الجسم مع سائر الاجسام انما تعتبر بحسب المكان.

ان قلت : وبحسب الوضع أيضا ، قلت : لا اذ المراد بهذه النسب هو نسب القرب والبعد فاذا كان الجسم محفوظا باقيا على ابعاد ثابتة معينة مع سائر الاجسام الثابتة فهو ساكن اينا والا فهو متحرك اينا سواء تغير وضعه فى مكانه أم لا.

ثم ان عدم الحركة فى غير هذه المقولات عدم مطلق اذ ليس فيه شأنية الحركة.

قول الشارح : حصول الجسم فى حيز الخ ـ هذا عبارة اخرى عن المعنى الاول.

قول المصنف : يقابل الحركتين ـ اختلف فى ان ما يقابل الحركة الاينية هو السكون فى المبدأ او المنتهى او كلاهما ، فاذا قيل بالاول فالحركة السابقة على هذا المبدأ التى كانت إليه لا تقابل هذا السكون لانه سكون فى المنتهى بالنسبة إليه بل التى تقابله هى الحركة التى كانت منه ، واذا قيل بالثانى فالحركة اللاحقة بهذا المنتهى التى كانت منه لا تقابل هذا السكون لانه سكون فى المبدأ بالنسبة إليه بل التى تقابله هى الحركة التى كانت إليه ، واذا قيل بالثالث فالحركتان اى ما

٤٠٨

الى المبدأ وما من المبدأ وكذا ما الى المنتهى وما من المنتهى تقابلان السكون ، وحاصل القول الثالث ان الجسم اذا كان ساكنا فى مكان فحركته الى هذا المكان وحركته من هذا المكان كلاهما يقابلهما السكون وهذا هو مراد المصنف

قول الشارح : من ان المقابل للحركة الخ ـ اشارة الى القول الاول.

قوله : او ان السكون مقابل للحركة الخ ـ اشارة الى القول الثالث.

قوله : والا لكان المتحرك الى جهة الخ ـ حاصله انه لا واسطة بين الحركة والسكون فاذا لم تكن الحركة الى المبدأ مقابلة للسكون فيه كما هو لازم القول الاول لم يكن المتحرك إليه متحركا لانه لم يكن متصفا بمقابل السكون.

قوله : الثانى ان السكون ضد الخ ـ هذا الوجه غير محتمل فى كلام المصنف لان البحث فى السكون الاينى

قوله : انما يتم ببقاء الجسم فى مكان على وضعه ـ قد علمت ان المراد بهذه النسب هو نسب الجسم مع سائر الاجسام الثابتة بحسب القرب والبعد وهذه النسب محفوظة سواء تحرك الجسم وضعا أم لم يتحرك.

قوله : وجب ان يكون السكون مقابلا الخ ـ هذا خطاء لان السكون فى المكان سكون اينى يقابل الحركة الاينية ، وما يقابل الحركة الوضعية المستديرة هو السكون الوضعى

قول المصنف : وفى غير الاين حفظ النوع ـ هذا صحيح فى الحركة الكيفية لان كل مرتبة من مراتب الكيفيات القابلة للشدة والضعف حقيقة ونوع غير مرتبة اخرى منها كما ذكرنا فى المسألة الرابعة من مبحث الكم والمسألة السادسة من مبحث الكيف فاذا كان الجسم ساكنا فى الكيف فانما هو ساكن فى فرد هو نوع مغاير لفرد آخر منه نوعا ، واما فى الكم والوضع فليس كذلك لان سكون الجسم فى كل منهما انما هو استقراره فى فرد منهما ، فالحق ان يقال. وفى غير الاين حفظ الفرد ، ولذلك قال الشارح القوشجى : واعترض عليه بان الحركة فى المقولات الثلاث قد تكون من صنف الى صنف او من فرد الى فرد فيكون النوع هنا محفوظا

٤٠٩

ولا سكون فالصواب ان يقال السكون هو الاستقرار زمانا ما فيما يقع فيه الحركة انتهى ، وسكت صاحب الشوارق عن الجواب ، ولكن عرفت انه فى مقولة الكيف صحيح.

قول الشارح : ولا تعلق له بما منه وما إليه ـ اى ليس للسكون مبدأ ومنتهى بل انما هما للحركة.

قول المصنف : ومن الكون طبيعى وقسرى وارادى ـ اعلم ان القوة التى هى مبدأ للحركة هى القوة الطبيعية او القوة الارادية ، واما القوة القسرية فهى تابعة لاحداهما كما ان انسانا رمى حجرا او حجرا وقع على حجر فحرّكه فان القوة القسرية حدثت فى الاول من الإرادة وفى الثانى من الطبيعة ، وكما هى تابعة لاحداهما انما تحدث فى محل احداهما فيقع بينهما التدافع والتمانع حتى تنتفى القوة القسرية ، اما حدوثها فى محل القوة الطبيعية فكالمثالين المذكورين واما حدوثها فى محل القوة الارادية فكما ان انسانا دفع انسانا الى جهة او حجرا وقع على انسان فدفعه الى جهة ، ثم ان حدوثها فى محل القوة الارادية انما هو اذا كان ذو القوة الارادية متعلقا بالمادة حتى يكون القسر بالنسبة الى المادة لان المفارق ذاتا لكونه شاعرا عاقلا يقبل ما يرد إليه بالاختيار لو كان فيه قبول واستعداد له ولانه لا يقع فيه الحركة حتى يكون بالقسر أولا بالقسر فالقسر انما هو بالنسبة الى موضوع الحركة وهو لا يكون الا الجسم فالجسم له حركتان طبيعية وقسرية ، واما الحركة الارادية فهى انما باعتبار القوة المحركة لا باعتبار نفس الحركة فان حركة بدن الحيوان بإرادته قسرية للبدن من حيث هو بدن وجسم اى موضوع للحركة كما ان سقوط الحيوان من شاهق حركة طبيعية لبدنه ، والحاصل ان القوة المحركة اما طبيعية واما ارادية ، واما القسرية فهى تابعة لاحداهما تحدث فى الجسم بسبب الإرادة او الطبيعة ، واما الحركة فباعتبار محلها اما طبيعية واما قسرية ، واما الارادية فهى باعتبار المحرك ، واما الميل الّذي هو مبدأ قريب للحركة فكالحركة وقد مضى بحثه فى المسألة الخامسة من مبحث الكيف ، واما السكون فقسه على الحركة فى

٤١٠

ذلك كله ، ومراد المصنف بالكون هاهنا جنس تلك الاربعة المذكورة فى صدر مبحث الاين ، وانما خصه الشارح كغيره بالحركة والسكون لان الاجتماع والافتراق يرجعان إليهما ، ومعنى الكلام ان الكون اما مستند الى الطبيعة او الى الإرادة او الى القوة القسرية المستندة الى احداهما.

قول الشارح : مستفادة من الخارج ـ اشارة الى استناد القوة القسرية الى احدى القوتين.

قول المصنف : عند مقارنة امر غير طبيعى ـ اى مقارنة الطبيعة لامر غير طبيعى ، وذلك الامر فى الحركة الاينية هو خروج الجسم عن مكانه الطبيعى ، وفى الكيفية خروجه عن كيفه الطبيعى ، وفى الكمية خروجه عن مقداره الطبيعى ، وفى الوضعية خروجه عن وضعه الطبيعى ، وفى الثلاثة الاولى يرجع الجسم الى مكانه الطبيعى وكيفه الطبيعى ومقداره الطبيعى بالحركة الاينية والكيفية والكمية كما مثل به الشارح ، واما الخارج عن وضعه الطبيعى فيرجع إليه بالحركة الاينية لا الوضعية فلذا ترك الشارح مثاله.

قول الشارح : يفتقر فى الرد إليه الى الانتقال ـ اى يفتقر الجسم فى رجوعه الى الامر الطبيعى الّذي هو حصوله فى مكانه الطبيعى او وضعه الطبيعى او كمه الطبيعى او كيفه الطبيعى الى الحركة.

قول المصنف : لترد الجسم إليه فيقف ـ اى انما يحصل الحركة الطبيعية عند تلك المقارنة لتردّ الطبيعة الجسم الى الامر الطبيعى فيقف الجسم عند حصول الغاية التى هى ذلك الامر الطبيعى الّذي عبر عنه الشارح بالحالة الطبيعية.

قول الشارح : قيل لعدم الاختصاص الخ ـ اى قيل ليست غاية الحركة الطبيعية الهرب عن الحالة غير الطبيعية لان الحالة غير الطبيعية متعددة كثيرة ولا اختصاص للهرب عن بعضها دون بعض للترجيح بلا مرجح ، وهذا التعليل ممنوع اذ المهروب عنه جميع الطرق غير الطبيعية فيختص الهارب بان يتحرك فى الطريق الطبيعى ، فالحق ان الغاية بالذات هى حصول الحالة الطبيعية والهرب عن الحالات

٤١١

غير الطبيعية غاية بالعرض.

قوله : تطلب بالحركة عين ما هربت عنه ـ وتهرب بالحركة عن عين ما طلبته فلا يكون الحركة الدورية طبيعية فهى اما ارادية كحركة الافلاك عند الفلاسفة او قسرية كحركة الدولاب ، واسناد الطلب والهرب الى الحركة تجوز فان الطالب والهارب هو المتحرك.

قوله : فلا يقال ان الطبيعة فى منتصف الخ ـ اى فلا يقال ان المتحرك بالحركة المستقيمة أيضا يطلب ما يهرب عنه ويهرب عما يطلبه لانه يطلب كل حد من الحدود الوسطية فى المسافة ويهرب عنه فهى أيضا لا تكون طبيعية ، لانا قلنا ان علة الحركة الى نقطة غير علة الحركة عن تلك النقطة وبعبارة اخرى ان علة الطلب لحد غير علة الهرب عنه فالطبيعة من حيث هى هى لا تطلب ذلك الحد ولا تهرب عنه بل هى من حيث هى هى تطلب الوصول بمكانها الطبيعى ولا تهرب عنه ، بخلاف الحركة الدورية فان فيها علة الطلب لنقطة عين علة الهرب عنها فلا تطلب نقطة فى دور واحد الا وتهرب عنها فلو كانت طبيعية لطلبت نقطة لم تهرب عنها

قول المصنف : وقسريها مستند الى قوة الخ ـ اعلم ان القوة القسرية المحركة بالمباشرة وان كانت مستفادة من الخارج لكنها ليست امرا خارجا مفارقا عن المقسور بل تحدث فيه من الخارج والا لم تقع الحركة فيما لم يكن المفيد للقوة ملازما للمتحرك ، ولا شبهة فى ان المقسور يضعف قوته شيئا فشيئا حتى تنتفى وتستقر الطبيعة على حالها ، ولا شبهة فى ان فى المقسور كالمتحرك بالطبع والإرادة ميلا يحس به الانسان اذا عارضه بشيء من بدنه ، ولكن الشبهة فى ان تلك القوة المحركة للمقسور بالمباشرة هل هى عين هذا الميل أم غيره فظاهر المصنف الاول وصريح الشارح الثانى ، والحق مع المصنف لان البديهة تشهد بان القاسر لا يحدث فى المقسور قوتين بل بقوته يحدث فيه ميلا يتحرك به المقسور ، فقوة القاسر بمنزلة الطبيعة تحدث ميلا فى المقسور فيتحرك الا انها خارجة عن المتحرك والطبيعة داخلة فيه ، ومراد المصنف بالقوة المستفادة هو الميل لا شيء آخر ، كما هو صريح كلام الشيخ

٤١٢

ابن سيناء على ما نقل عنه صاحب الشوارق حيث قال : لكنا اذا حققنا الامر وجدنا اصح المذاهب مذهب من يرى ان المتحرك يستفيد ميلا من المحرك والميل هو ما يحس بالحس اذا حوول ان يسكن الطبيعى بالقسر او القسرى بالقسر الاخر فيحس هناك من القوة على المدافعة التى تقبل شدة ونقصانا فمرّة تكون اشد ومرّة تكون انقص ما لا يشك فى وجوده فى الجسم وان كان الجسم ساكنا بما قسر انتهى.

قول الشارح : اما ان تكون مع ملازمة المحرك ـ للمتحرك كالجالس فى السفينة ، والحجر الّذي يجره انسان بحبل ، والطفل الّذي يحمله انسان ، والثقل الّذي يحمله حمال ، ولا قسر حقيقة فى هذا القسم لان القاسر لا يحدث فى المقسور قوة قسرية مستقلة ، بل المقسور يصير جزءا من القاسر يتحرك بحركته تبعا وبالعرض قوله : قابلة للضعف بسبب الامور الخ ـ اى تلك القوة فى المقسور تضعف شيئا فشيئا بسبب المعاوق الخارجى والطبيعة التى هى معاوقة من الداخل معا ، وقد مضى بيان هذا المطلب فى المسألة الخامسة من مبحث الكيف ذيل قوله : ان المتحرك اذا كان خاليا عن المعاوقة.

قوله : وعندى هنا اشكال فان الواحد الخ ـ توضيح الاشكال ان القوة المستفادة التى كانت اوّل حدوثها قوية واحدة بالشخص والواحد بالشخص الّذي كان قويا ينعدم عند عروض الضعف اذ لو لم ينعدم لزم ان يكون القوى ضعيفا وهو محال ولو انعدم لزم انعدام الحركة من اوّل الامر لانعدام علتها فلا بد ان نلتزم بان هاهنا شيئا يتجدد شخصا بعد شخص كل شخص اضعف مما قبله وهو الميل وله علة ثابتة الى نهاية الحركة هى تلك القوة المستفادة ، والجواب ان القوى ينعدم عند عروض الضعف من حيث وصف القوة لا من حيث ذاته لانه لا شيء من القوة والضعف بجزء ولا لازم لشيء حتى يستلزم زواله زوال الكل او الملزوم بل عرض يطرأ ويزول ، مع ان تلك القوة المستفادة لو كانت باقية بحالها من اوّل الحركة الى آخرها فلا موجب لتضعف الميل شيئا فشيئا ، ولو قال : الموجب له مدافعة الطبيعة قلنا : فلتكن هى موجبة لتضعف تلك القوة من دون احتياج الى اثبات امر آخر مسمى بالميل.

٤١٣

قوله : ويتجدد الميول ما لم يحصل الخ ـ اشارة الى سبب انتفاء تلك القوة المستفادة التى تحدث الميول المتجددة على مذهب الشارح ، اى يتجدد الميول شخصا بعد شخص ما دام لم يحصل للهواء تلبد اى تراكم وتصلب اى غلظة وتكاثف يمنع ذلك التلبد والتصلب عن نفوذ الجسم وحركته فينتفى الميل فتنتفى تلك القوة بالكلية ، وفيه ان الجسم يخرق الهواء لا انه يدفعه ليتراكم ، والسبب لضعف القوة اى الميل وانتفائها مدافعة الطبيعة لها ومغلوبيتها شيئا فشيئا.

قول المصنف : وطبيعى السكون الخ ـ لم يتعرض لقسرى السكون لعدم البحث والخلاف فيه ، ولا لارادى الحركة والسكون اذ بحث الإرادة فى مبحث الكيف وبحث الفعل الارادى ومباديه فى المسألة العاشرة وما بعدها فى الفصل الثالث من المقصد الاول يغنى عن البحث فيهما هاهنا.

قوله : وتعرض البساطة ومقابلها ـ قد مر فى المسألة الخامسة من مبحث الكيف عند قول الشارح : واختلف ابو على وابو هاشم ما يناسب هذا المطلب

قول الشارح : فى محل متحرك بالعرض ـ اى فى محل متحرك تكون حركته بالنسبة الى النملة بالعرض.

قوله : ان المعنى الّذي جعل علة ـ هذا المعنى هو الكائنية فان قوما من المعتزلة عللوا الكون فى المكان بها

المسألة السادسة

( فى الخامس من الاعراض التسعة وهو المتى )

قول المصنف : الخامس المتى ـ ذكر فى سائر الشروح متى بلا الف ولام والصحيح مع الألف واللام كالاين فى جميع الشروح لانه لم يستعمل فى الكلام هاهنا ظرفا ، بل اسم للمقولة.

قوله : وهو النسبة الى الزمان الخ ـ اعلم ان الحوادث الواقعة فى الزمان على ثلاثة اقسام : الاول ما يحصل فى الآن دون الزمان كحصول المتحرك فى كل حد

٤١٤

من الحدود المتوسطة بين المبدأ والمنتهى ، الثانى ما يحصل فى الزمان تدريجا بحيث لا يمكن ان يبقى شيء منه فى امتداد الزمان كالحركة والتكلم ، الثالث ما يحصل فى الزمان باقيا بحيث يمضى عليه زمان وهو باق بذاته ككثير من الاشياء.

قول الشارح : ويحصل للحركة عدد بالاعتبارين ـ اى يحصل لها اجزاء متصفة بالتقدم والتأخر باعتبار المسافة وباعتبار الزمان.

قول المصنف : وبالعرض لمعروضها ـ اى لمعروض المتغيرات.

قول الشارح : قد بينا فيما تقدم ـ فى المسألة السادسة من الفصل الثالث

المسألة السابعة

( فى السادس من الاعراض التسعة وهو الوضع )

قول الشارح : دون الوحدة ـ فانها لا تقبل الاشارة سواء عرضت على المفارق او المقارن

قوله : وبسبب نسبة اجزائه الى الامور الخارجة عنه ـ اى الامور التى ليست باجزاء له ، وهذه النسبة تكون للجسم المحيط على الاطلاق كالفلك الاعلى الى الامور المحاطة له ، وللجسم المحاط على الاطلاق كالارض الى الامور المحيطة به ، ولما بينهما الى الامور المحيطة والمحاطة معا

قوله : لكان الانتكاس قياما ـ وليس كذلك بل هو وضع آخر لان نسبة اجزاء الانسان المنتكس الى الامور الخارجة غير نسبة اجزاء الانسان القائم إليها قوله : فان الانتصاب والانتكاس قد يقبلان الخ ـ فان القائم على رجليه اشد انتصابا من المتكى على العصا ، وان الّذي يضع رأسه على الارض ورجلاه فى الهواء اشد انتكاسا من الّذي يغوص فى الماء من رأسه.

لمسألة الثامنة

( فى السابع من الاعراض التسعة وهو الملك )

قول المصنف : السابع الملك الخ ـ ويقال له الجدة وله أيضا ، اعلم ان التملك هو واجدية شيء لشيء حقيقة او اعتبارا وهذه الواجدية نسبة بين الشيئين فإضافة

٤١٥

النسبة الى التملك فى كلام المصنف بيانية ، وهذا المعنى مغاير للمعنى الّذي نقله الشارح عن الشيخ ابى على بن سيناء لا سيما بالنظر الى متفاهم العرف فان المتبادر من التملك عندهم هو تلك الواجدية بحيث يكون الواجد ذا شعور يتمكن من التصرف فيما هو واجد له ، وانى لم اجد فى كتب القوم معنى مصطلحا للتملك حتى نتكلم عليه

المسألة التاسعة

( فى الثامن والتاسع من الاعراض التسعة وهما ان يفعل وان ينفعل )

قول الشارح : فى مقولة الفعل والانفعال ـ ذكرهما معا لانهما متلازمان متضايفان لا يتحقق احدهما من دون الاخر

قوله : وهما عبارتان عن تأثير الشيء ـ اعلم ان التأثير هو الايجاد وهو اما لا فى زمان واما فى زمان ، وما فى الزمان اما دفعى واما تدريجى وكذا التأثر ، والفعل عند القوم عبارة عن الايجاد واعطاء الاثر تدريجا وشيئا شيئا والانفعال عبارة عن قبول الاثر كذلك كحال النار والماء فى التسخين والتسخن ، فلذا قالوا : فى تفسير ان يفعل هو تأثير الشيء فى غيره على اتصال غير قار وان ينفعل هو تأثر الشيء عن غيره على اتصال غير قار ، فما دام الشيء يؤثر ولم يستقر الاثر على حد يطلق على التأثير ان يفعل وعلى التأثر ان ينفعل لان هيئة المضارع تدل على حال الصدور والقبول ، واذا استقر الاثر وتم الصدور والقبول يطلق عليهما الفعل والانفعال ، ثم للاثر الحاصل مطلقا سواء كان حين الحصول او حين الاستقرار نسبة الى المؤثر فبهذا الاعتبار يقال له الفعل ونسبة الى المتأثر فبهذا الاعتبار يقال له الانفعال ، وقد مر فى ذيل قول الشارح : وفيه نظر لان المادة الخ فى المسألة الثالثة من الفصل الثانى ما يناسب ما هاهنا.

بعون الله وفضله ورحمته تم الجزء الاول فى الامور العامة والطبيعيات وباذنه وتوفيقه يتلوه الجزء الثانى إن شاء الله فى الإلهيات ووقع الفراغ من التأليف يوم الجمعة رابع رجب المرجب سنة ١٣٨٠ الهجرية القمرية والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا

وصلى الله على محمّد واهل بيته الاطهار الابرار.

٤١٦

٤١٧

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

المقصد الثالث

( فى اثبات الصانع تعالى وصفاته وآثاره )

الفصل الاول

( فى وجوده تعالى )

قول المصنف رحمه‌الله : فى اثبات الصانع ـ ان المصنف عنون اثبات الصانع وبرهن على موجود واجب الوجود ، فان سألت كيف ذلك مع ان الموجود سواء كان واجبا او ممكنا لا يثبت انه صانع الا بعد اثبات الحياة والقدرة والعلم والإرادة له ، فاثبات موجود واجب الوجود لا يستلزم اثبات انه صانع مع انه بصدد اثبات الصانع.

قلت : هذا الايراد انما يتوجه لو كان المصنف بصدد اثبات الصانع فى الفصل

٤١٨

الاول ، وليس كذلك ، بل المقصد كافل لاثبات الصانع باثبات وجوده فى الفصل الاول واثبات صفاته اللازمة له فى الفصل الثانى

فان قلت : لم قال كذلك؟ ولم يقل فى اثبات واجب الوجود كما فعل الحكماء حتى يتوهم هذا الايراد.

قلت : ان المصنف مشى فى هذا الكتاب ممشى المتكلمين ، وانهم اتوا بهذا العنوان فى مبحث اثبات المبدأ الاول كما ان المشائين عنونوا البحث بواجب الوجود ، والاشراقى بنور الانوار ، والعرفاء بالوجود المطلق ، وكل الى ذاك الجمال يشير والمتكلمون انما عدلوا عن اطلاق واجب الوجود عليه تعالى لتوقيفية اسمائه تعالى وسيأتى الكلام فى ذلك إن شاء الله تعالى.

ثم ان صاحب الشوارق قال : ان المصنف انما عدل من عنوان واجب الوجود الى عنوان الصانع للاشارة الى انه انما يمكن الاستدلال عليه تعالى من سبيل النظر فى معلولاته التى هى مصنوعاته على طريقة الآن التى انما تفيد وجود العلة من حيث هى علة وصانع لا من حيث ذاتها دون اللم الّذي هو الاستدلال من العلة على المعلول حيث لا علة له تعالى.

اقول : سيأتي عن قريب بيان ان هذا الاستدلال فى كلام المصنف ليس إنيا ولا لمّيّا ولا من سبيل النظر فى معلولاته ومصنوعاته ، بل سبيله النظر الى الموجود من حيث هو موجود مع قطع النظر عن خصوصية الوجوب والامكان والعلية والمعلولية والقدم والحدوث وغيرها.

والعجب انه بعد سطور قال : الثالث منهج الحكماء الالهيين وهو النظر فى الموجود من حيث هو موجود مع قطع النظر عن كونه حادثا او قديما متحركا او غير متحرك الى غير ذلك على ما هو موضوع العلم الإلهى.

وقد قيل : انما عدل منه إليه لانه اذا قيل فى اثبات واجب الوجود صارت المسألة حينئذ ضرورية لان ما وجب وجوده فهو موجود بالضرورة فلا يحتاج الى الاثبات.

وقال صاحب الشوارق : ذلك ليس بحق لان المسألة ليست هى ان الواجب

٤١٩

الوجود موجود ، بل هى ان من الموجود ما هو واجب وجوده ، وهى راجعة الى ان لهذا العنوان فردا ولهذا المفروض حقيقة.

اقول : لا فرق بين التعبيرين لان مرجع قولنا : الواجب الوجود موجود ان المعنون بوجوب الوجود موجود فى الخارج.

والحق ان معرفة المبدأ ضرورية فطرية باى عنوان اشير إليه ، وكل ما استدل عليه تنبيه على المغفول عنه.

وقد ورد فى الاخبار عن ائمتنا الاطهار صلوات الله عليهم ان الله عز وجل لا يعرف الا به ولا واسطة لمعرفته ، بل هو الدال بذاته على ذاته ، وذلك لان الامر الفطرى لا يتصور له واسطة ، ولا شيء اعرف عند ذى الفطرة منه ، وهذه المعرفة كمعرفة الشيء بنفسه ، فتدبر ، ولا تغفل ، فان لهذا الكلام غورا غائرا.

ان قلت : كيف تنفى الواسطة؟ وفى احاديثهم عليهم‌السلام : بنا عرف الله ، وهل معنى هذا الا انهم عليهم‌السلام واسطة بينه وبين خلقه فى معرفته؟.

قلت : انهم عليهم‌السلام واسطة بمعنى ان لا امر من الله عز وجل يتنزل الى الخلق الا بهم ، ولا امر من الخلق يصعد إليه تعالى الا بهم ، ومعرفته تعالى منه ، والتى نفيناها هى ما باصطلاح اهل الميزان ، وهو ما عند المستدل من علم بشيء يوجب العلم بما ليس عنده علمه ، فان معرفة الموجود بمبدئه لا تعزب عنه حتى يحتاج لحصولها الى شيء آخر ، وهذا لا ينافى ان يكون لوجود المعرفة فى العارف واسطة كوجود نفس العارف ، فيوجد فيه المعرفة لا بواسطة ما عنده من الصور والمقدمات العلمية ، ولذلك ورد فى الاخبار ان معرفته تعالى من صنعه لا من صنع العبد ، فتدبر.

قول المصنف : وصفاته ـ عطف على الصانع ، اى فى اثبات انه مسلوب عنه صفات وثابت له صفات ، فلا يرد ان الصفات السلبية لا معنى لاثباتها ، ويمكن عطفه على اثبات ، وهكذا عطف آثاره.

قول المصنف : الموجود ان كان واجبا الخ ـ تقرير هذا البرهان على وجه ابسط : ان ما بمشهدنا موجود ، والموجود اما واجب واما ممكن ، فما بمشهدنا

٤٢٠