توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

عائدة الى مذاهب الفلاسفة.

قوله : واما الدائرة وهى سطح الخ ـ قد مر فى المسألة السادسة من الفصل الاول ان الدائرة اما خطية واما سطحية وكلام المصنف هنا يحتملهما ، وقد مضى فى تلك المسألة اختلاف القائلين بالجزء الّذي لا يتجزى وغيرهم فى وجودها.

قوله : الّذي عند المحيط الخ ـ نعت لطرف ، وتوضيح الكلام انا اذا سلمنا ان الخط المستقيم موجود فلا محالة يكون له طرفان ، ثم امكن لنا ان نثبت احد طرفيه ونأخذ طرفه الاخر ونحرك الخط دورا حتى يرجع الى مكانه الاول فبعد تمام هذا الدور يحصل لنا دائرة سطحية حقيقية اذ لو وقع الخط فى اثناء التدوير على جزء من اجزاء الامكنة التى يدور عليها وكان الخط غير منطبق على ذلك الجزء لارتفاعه او انخفاضه ولزم خروج الخط من الاستقامة ازلنا المرتفع وملانا المنخفض سواء كان اقل من الجزء او اكثر منه او مساويا له ، وكذا يحصل لنا دائرة خطية حقيقية اذ كما ان نفس الخط يحدث دائرة سطحية يحدث طرفه المتحرك دائرة خطية.

قوله : اذ المستقيم يستحيل الخ ـ اى الخط المستقيم لا يمكن ان يبقى ويعرض عليه الاستدارة كما هو الشأن فى توارد المتضادين.

قوله : وضد الواحد واحد لا غير ـ لما مر فى آخر المسألة الحادية عشرة من الفصل الثانى من المقصد الاول.

قول المصنف : والشكل هيئة احاطة الحد الخ ـ اضافة الهيئة الى الاحاطة بيانية ، والشكل اما مجسم كالكرة والمكعب واما مسطح كالدائرة والمربع.

واعترض الشارح القوشجى بان تعريف المصنف غير جامع لعدم شموله الشكل المسطح ، واعتذر صاحب الشوارق بان قيد بالجسم ليس من تتمة التعريف بل اورده للتمثيل اى بالجسم مثلا.

اقول : يمكن ان يكون عدم ذكر بالسطح للاكتفاء باحد المتقابلين عن الاخر لالتفات الذهن إليه عند ذكره كما فى قوله تعالى : ( سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ).

قول الشارح : ذكر القدماء الخ ـ الفرق بين قولهم وقول المحققين انهم

٣٨١

ظنوا ان الشكل هو نفس الخط او الخطوط المحيطة ونفس السطح او السطوح المحيطة فيكون الشكل من مقولة الكم ، واما التحقيق فاثبت انه هيئة الاحاطة فيكون من الكيفيات العارضة على الكم.

قوله : بسبب احاطة الحد ـ الاحاطة هذا فى كلام الشارح بمعنى المصدر وما فى كلام المصنف بمعنى اسم المصدر.

٣٨٢

( الثالث من الاعراض التسعة المضاف )

قول الشارح : وهو قسيم مقابل لما تقدم من المقولات ـ جعل الشارح العلامة المقولات العشر على قسمين : النسبية وغير النسبية ، والثانى قد مضى بحثه واحكامه من اوّل المقصد الثانى الى هنا ، والاول يبحث عنه من هنا الى آخر المقصد ، وانما جعله فى مسائل متوالية مع انه سبع من المقولات لقلة مباحثها واشتراكها فى كونها امورا نسبية ، ولا يخفى ان الاولى منها اى المضاف نفس النسبة والاضافة والبواقى كل منها باعتبار نسبة لا تنفك عنه.

ان قلت : لو اقتضى عروض النسبة على الشيء عدّه من الامور النسبية فليعدّ الجوهر والكم والكيف أيضا منها لعروضها عليها كما يأتى فى كلام المصنف : انها تعرض للموجودات اجمع ، قلت : ان الفارق ان هذه السبع تكون النسبة جزء مفهومها بخلاف الجوهر والكم والكيف وان كان كل منها معروضا للاضافة بحسب الوجود.

ثم ان الفرق بين النسبة والاضافة هو العموم والخصوص فان الاضافة هى النسبة المتكررة بمعنى انها اذا عقلت فانما عقلت مع نسبة اخرى تقابلها وبالعكس.

بيان ذلك ان شيئا وشيئا آخر اذا كان بينهما علاقة فاذا عقلا باعتبار تلك العلاقة يقال لهما المنتسبان ولتلك العلاقة النسبة كالامكان بين الماهية والوجود والاتصاف بين الجسم والشكل واللزوم بين النار والحرارة مثلا ، فاذا كان احدهما اصلا فى تلك العلاقة والاخر تابعا يقال له المنسوب إليه وللآخر المنسوب ينسب هذا الى ذاك لا بالعكس كما يقال : رأس الانسان ولا يقال انسان الرأس ، ويقال جناح الطائر ولا يقال طائر الجناح ، ويقال شكل الجسم ولا يقال جسم الشكل ، ويقال وجود الماهية ولا يقال ماهية الوجود ، ويقال حرارة النار ولا يقال نار الحرارة ، وفى هذا القسم لا تكون النسبة متكررة منعكسة بحيث يكون للمنسوب إليه أيضا

٣٨٣

نسبة الى المنسوب ، وقد تكون النسبة متكررة منعكسة بحيث يكون النسبة من الطرفين ويكون كل منهما اصلا لواحدة من النسبتين كالعلة والمعلول والأب والابن فانه يقال : علة المعلول ومعلول العلة ويقال ابن الابن وابن الأب ، والنسبتان اى العلية والمعلولية والابوة والبنوة متلازمتان يقال لكل منهما الاضافة ، وكل منهما نسبة بين الطرفين الا ان الاصل فى العلية ذات العلة والاصل فى المعلولية ذات المعلول وكذا غير ذلك من الاضافات المختلفة الاطراف ، وهذا معنى قولهم ان الاضافة هى النسبة المتكررة ، فكل من العلية والمعلولية مع لحاظ الاخرى اضافة ومع قطع النظر عنها نسبة ، فاذا يقال : الله تعالى علة العالم فالعلية فى هذا الكلام نسبة واذا يقال : الله تعالى علة المعلول فالعلية فى هذا الكلام اضافة ، وكذا اذا يقال : العالم معلول الله تعالى فالمعلولية فى هذا الكلام نسبة واذا يقال : العالم معلول العلة فالمعلولية فى هذا الكلام اضافة ، ويأتى زيادة توضيح فى ذلك ذيل قول المصنف : ويجب فيه الانعكاس.

ثم ان من الاضافات ما لا يكون فيه اصل وتابع بل كل من الطرفين فى عرض الاخر كالاخوة والمعية والتقابل والمحاذاة والموازاة وامثالها على كثرتها ويقال لها الاضافات المتشابهة الاطراف ، واختلف فى هذا القسم من الاضافة هل هو واحد قائم بالطرفين أم تكررت النسبة ويكون لكل من الطرفين نسبة الى الاخرى الا انهما فى القسم الاول مختلفتين وفى هذا القسم متشابهتين ، وقد مرت الاشارة إليه فى المسألة الرابعة من الفصل الاول ، ويأتى بيان ان الحق فى هذا القسم أيضا هو التكرر والتعدد واتصاف كل من الطرفين باضافة على حدته.

المسألة الاولى

( فى اقسام المضاف )

قول الشارح : المضاف قد يقال الخ ـ حاصله ان هاهنا وصف هو الابوة مثلا ، وموصوف هو ذات الأب ، ومجموع الوصف والموصوف ، ويقال للوصف المضاف

٣٨٤

الحقيقى ، ولكل من الموصوف والمجموع منهما. المضاف المشهورى ، ولكن اطلاق المضاف على ذات الموصوف انما هو باعتبار الوصف لا من حيث هى هى ، ثم ان الموصوف بالإضافة قد يكون عارضا على شيء آخر كالوحدة العارضة على شيء الموصوفة بالعلية للكثرة والكثرة العارضة على شيء الموصوفة بالمعلولية للوحدة وكالقلة والكثرة العارضتين على عددين عارضين على شيئين والقرب والبعد العارضين على زمانين عارضين على شيئين وامثالها ، فكما يقال لمعروض الاضافة مضاف مشهورى يقال لمعروض معروضه بواسطة او وسائط أيضا مضاف مشهورى

المسألة الثانية

( فى خواص المضاف )

قول المصنف : ويجب فيه الانعكاس ـ هذا احدى الخواص الثلاث للمضاف وهى وجوب الانعكاس.

اعلم ان الانعكاس اما فى القضية وهو ما ذكر فى المنطق واما فى المفرد وهو كون الشيئين بحيث يصح ان يضاف كل منهما الى الآخر اما بلا واسطة حرف او بواسطته ، وجوبا او تخييرا ، يكون فى الجانبين حرف واحد او فى احد الجانبين حرف مغاير لما فى الجانب الآخر ، كقولنا : الأب اب الابن والابن ابن الأب ، العبد عبد المولى والمولى مولى العبد او عبد للمولى ومولى للعبد ، المار مارّ بالممرور والممرور ممرور بالمارّ ، العالم عالم بالمعلوم والمعلوم معلوم للعالم ، فاذا اضيف احد الشيئين الى الاخر ولم يضف الاخر إليه تخلف هذه الخاصة ولم يطلق المضاف الى شيء منهما ، بل يطلق المنسوب فى اصطلاحهم على هذا المضاف وان اطلق المضاف عليه على اصطلاح النحويين كقولنا رأس الانسان ، كبير القوم ، عبد زيد ، جزء الكتاب فان الرأس والكبير والعبد والجزء وان نسبت الى هذه الامور لكنها ليست بمضافات لعدم الانعكاس بل تصير مضافات اذا نسبت الى ذى الرأس والصغير والمولى والكل.

٣٨٥

ثم ان هذه الخاصة لا تختص بالمضاف المشهورى بل تأتى فى المضاف الحقيقى أيضا ( وفاقا للشارح العلامة والشارح القديم وخلافا للشارح القوشجى حيث قال : واما المضاف الحقيقى فلا نسبة فيه حتى يتصور فيه الانعكاس اذ لا يقال الابوة ابوة للبنوة ، وصاحب الشوارق حيث قال : وهذه الخاصة انما هى للمضاف المشهورى فقول المصنف ويجب فيه اى فى المضاف المشهورى او فى المضاف مطلقا لكن باعتبار تحققه فى المشهورى ) لان الانعكاس فى المضاف المشهورى انما هو باعتبار المضاف الحقيقى فكما يصح ان يقال : الأب اب للابن يصح ان يقال الابوة ابوة للبنوة لا نرى بينهما فرقا الا ان الأب ينسب الى الابن بالإضافة العارضة عليه والابوة تنسب الى البنوة بنفسها مع ان ما ذهبا إليه مخالف لظاهر المصنف لان الضمير فى قوله : ويجب فيه الانعكاس والتكافؤ يرجع الى المضاف فى صدر كلامه لان التكافؤ يكون فيه لا فى المشهورى فقط بالقطع والاتفاق فوحدة السياق تقتضى ان يكون الانعكاس فيه أيضا.

قوله : والتكافؤ ـ يعنى ان المضافين سواء كانا حقيقيين او مشهوريين يكونان معا فى الوجود والعدم فلا يعقل ان يكون الأب موجودا من دون الابن او الابوة موجودة من دون البنوة سواء كان الوجود بحسب الخارج او بحسب الذهن فان المتقدم بالزمان المضاف الى المتأخر بالزمان قد لا يجتمع معه فى الخارج اذ من الممكن ان يكون المتأخر موجودا الآن والمتقدم قد فنى قبل زمان طويل كالأناسي الموجودين فى هذا الزمان بالنسبة الى الاناسى الموجودين فى زمان نوح على نبينا وآله وعليه السلام وان العالم المضاف الى المعلوم قد لا يجتمع معه فى الخارج اذ من الممكن ان يكون العالم موجودا والمعلوم لم يوجد وسيوجد بعد زمان طويل كالعالم بالخسوف الّذي يقع بعد شهور او كالعالم باعادة الاموات يوم الحشر بعد دهور كما يمكن ان يكون المتضائفان كلاهما معدومين فى الحال ، ولكن لا بد ان يجتمعا فى الذهن حتى يتضايفا ، بل المتضائفان الموجود ان فى الحال سواء كانا حقيقيين او مشهوريين من حيث هما متضائفان انما هما موجودان بحسب الذهن لان الاضافة

٣٨٦

كما يأتى فى المسألة الآتية امر اعتبارى ذهنى غير ثابت فى الاعيان والمركب من الامر الذهنى والخارجى او المقيد بالامر الذهنى غير ثابت فى الخارج أيضا ، نعم ذات المعروض من حيث هى هى فى الخارج وليس كلامنا فيه.

قوله : بالفعل او بالقوة ـ اما التكافؤ بالفعل فككون الشخصين يكون احدهما مقلد او الاخر مقلدا ، واما التكافؤ بالقوة فككون الشخصين اجتمع شرائط التقليد بينهما ولكن لمّا يقع.

قول الشارح : هاتان خاصتان مطلقتان الخ ـ اى وجوب الانعكاس ووجوب التكافؤ خاصتان مطلقتان للمضاف مطلقا سواء كان مشهوريا او حقيقيا بخلاف الخاصة الثالثة اى العروض للموجودات اجمع فان الوجود والوحدة والتميز كل منها عارض للموجودات اجمع ، والمراد بالخاصة المطلقة هى الخاصة الحقيقية وقد مر ذكرها وذكر الخاصة الاضافية فى آخر المسألة الثالثة من الفصل الثانى من المقصد الاول.

قوله : من حيث كان مضافا إليه ـ قيد الحيثية لاخراج ما اذا كان كل من الشيئين مضافا الى الاخر لا من حيث كان الاخر مضافا إليه كما يقال : زيد عبد عمرو وعمرو مولى زيد فان العبد مضاف الى عمرو ولكن عمرو ليس مضافا الى العبد من حيث هو عمرو ومن حيث ذاك عبد بل من حيث هو مولى ومن حيث ذاك زيد ، وكذا المولى مضاف الى زيد ولكن زيد ليس مضافا الى المولى من حيث هو زيد ومن حيث ذاك مولى بل من حيث هو عبد ومن حيث ذاك عمرو ، فاذا كان التضايف هكذا فلا يقال ان فيه الانعكاس بخلاف ما اذا كان العبد والمولى يضاف كل منهما الى الآخر.

قوله : والمتقدم مصاحب المتأخر ذهنا ـ اشارة الى ما ذكرنا فى ذيل قول المصنف : والتكافؤ ، جوابا لما يقال من ان التكافؤ قد يتخلف فى بعض الموارد بحسب الخارج.

تنبيه ـ لفظ المضاف اما مصدر ميمى فاطلاقه على المضاف المشهورى باعتبار

٣٨٧

الوصف ، واما اسم مفعول فاطلاقه على المضاف الحقيقى على مسلك من يقول ان المبدأ اولى بالاتصاف به من غيره فان كل شيء مضاف بالإضافة والاضافة مضاف بنفسها كما ان كل شيء موجود بالوجود والوجود موجود بنفسه وكل شيء واحد بالوحدة وهى واحدة بنفسها.

المسألة الثالثة

( فى ان الاضافة ليست ثابتة فى الاعيان )

قول المصنف : وثبوته ذهنى ـ لا شبهة فى ان بعض الاضافات كالابوة والبنوة والمولوية والعبودية والعلية والمعلولية والفوقية والتحتية وامثالها على كثرتها يتصف الموضوعات بها فى الخارج ولكن صرف الاتصاف لا يكفى فى وجود الوصف فى الخارج ما لم يكن العروض فى الخارج ، وقد مر الفرق بين العروض والاتصاف فى آخر المسألة الثالثة من الفصل الاول من المقصد الاول ، فالقائل بوجود الاضافة فى الخارج نظر الى اتصاف بعض الموضوعات ببعض الاضافات فيه ، والمصنف استدل بالوجوه الاربعة على عدم امكان عروض الاضافة على الموضوعات فى الخارج وان كان اتصاف الموضوعات الخارجية بالإضافات لا يحتاج الى اعتبار عقلى لان تلك الموضوعات مناشى انتزاع تلك الاضافات فى نفس الامر ، واما العروض فيحتاج إليه لان العارض لا بد ان يكون موجودا بحياله فى ظرف العروض.

قول الشارح : واجاب الشيخ ابو على الخ ـ حاصل كلام الشيخ فى رد هذا الاستدلال ان كل شيء فى الخارج مضاف الى ما يضايفه بالإضافة واما الاضافة فبنفسها مضاف الى اى شيء تضاف فلا تحتاج الى اضافة اخرى ، والجواب ان هذا غير منكر فان الابوة مضاف الى البنوة بنفسها الا ان المستدل يقول ان الابوة مثلا اذا كانت عارضة حالة فى الخارج فى ذات الأب فهل يحصل بين الابوة التى هى عارضة وذات الأب التى هى معروضة اضافة العارضية والمعروضية أم لا ، فباليقين انها تحصل ، فان قلتم ان العارضية والمعروضية أيضا عارضتان حالتان فى العارض والمعروض

٣٨٨

فى الخارج فيرجع الكلام ويتسلسل ، وان قلتم لا فى الخارج فقد نقضتم كلامكم.

قوله : حد المضاف المطلق ـ المضاف المطلق هو ما له نسبة الى شيء وبالعكس بان يعقل ماهية كل منهما بالقياس الى الاخر سواء كان له ماهية اخرى غير ماهية الاضافة أم لا فان الأب بما هو اب يعقل ماهيته بالقياس الى غيره وان كان له من حيث ذاته ماهية غير ماهية الاضافة ، فالمضاف المطلق مقسم للمضاف الحقيقى والمشهورى.

قوله : لكن فى الاعيان اشياء كثيرة بهذه الصفة ـ اى بصفة انها تعقل بالقياس الى غيرها كالاب والابن والمتقدم والمتأخر والعلة والمعلول بل كل موجود فى الخارج بهذه الصفة ، ولكن ذلك لا يستلزم ان يكون الاضافة وصفا خارجيا لما قلنا من ان الاتصاف فى الخارج لا يستلزم كون الوصف فى الخارج كما ان الممكن موجود فى الخارج وليس الامكان وصفا خارجيا.

قوله : واما كون هذا المعنى المضاف بذاته الخ ـ هذه العبارة نقلت هاهنا عن إلهيات الشفاء ناقصة ، وعبارته الصحيحة : واما كون هذا المعنى المضاف بذاته فى هذا الموضوع فهو من حيث انه فى هذا الموضوع ماهية معقولة بالقياس الى هذا الموضوع وله وجود آخر مثلا وجود الابوة فى الأب امر زائد على ذات الأب وذلك الوجود أيضا مضاف لكن ليس ذلك هذا فليكن هذا عارضا من المضاف لزم المضاف وكل واحد منهما مضاف لذاته الى ما هو مضاف إليه بلا اضافة أخرى لذاته فالكون محمولا مضاف لذاته والكون ابوة مضاف لذاته انتهى.

فى هذا الكلام اشار الشيخ الى ما ذكرنا من ان الاضافة اذا كانت حالة فى الخارج يحصل لها اضافة العارضية.

وحاصل كلامه ان الابوة لها حيثيتان : حيثية هى هى وحيثية انها عارضة على الموضوع ، وبالحيثية الاولى تضاف الى البنوة بنفسها وبالحيثية الثانية تضاف الى الموضوع المعروض باضافة العارضية ، فالابوة العارضة على الموضوع معروضة للعارضية فههنا اضافتان : نفس الابوة وعارضيتها ، ولكن كل واحدة منهما مضافة

٣٨٩

الى ما يقابلها لذاتها لا لاضافة اخرى ، الابوة الى البنوة والعارضية الى المعروضية.

والجواب ذلك الجواب فان الابوة والعارضية لو كانتا فى الخارج لاستلزمت كل منهما اضافة اخرى هى عارضيتها على موضوعها وهكذا فيتسلسل.

قوله : فليكن هذا عارضا من المضاف لزم المضاف ـ اى فليكن العارضية عارضا من مقولة المضاف لزم المضاف الّذي هو الابوة.

قوله : والكون محمولا الخ ـ اى فكون الابوة محمولا وعارضا اضافة بنفسها لا باضافة اخرى وكذا كون الابوة ونفسها اضافة بنفسها لا باضافة اخرى.

قوله : وامتازت عنها بخصوصية ـ تلك الخصوصية خصوصية ماهية الاضافة

قوله : فاتصاف وجودها بتلك الخصوصية ـ اى صيرورة الوجود وصفا لتلك الخصوصية ، او يكون من باب القلب فى الكلام اى فاتصاف ماهيتها المخصوصة بوجودها.

قوله : اضافة سابقة على وجود الاضافة ـ لان الاضافة ما لم تتصف ماهيتها بالوجود لم تكن موجودة فى الخارج

ان قلت : ان الاتصاف نسبة بين الماهية والوجود والنسبة متأخرة عن الطرفين فكيف يكون سابقا على وجود الاضافة ، قلت : ان النسبة متأخرة عن كل واحد من الطرفين ومتقدمة على المجموع اى الاضافة الموجودة فيما نحن فيه لانها جزء المجموع.

قوله : فيلزم تقدم وجود الاضافة على وجودها ـ اى فيلزم تقدم وجود الاضافة التى هى الاتصاف على مطلق الاضافة الموجودة ، ومن مطلق الاضافة نفس الاتصاف فيلزم تقدم وجود الاتصاف على وجوده وهو محال.

قوله : ويحتمل عوده الى المحل الخ ـ ان الاضافة لو كانت موجودة فى الخارج فلا بدّ لها من محل موجود قبلها واتصاف المحل بالوجود اضافة متقدمة على المحل الموجود فهذا الاتصاف الّذي هو اضافة أيضا لو كان موجودا فى الخارج يستلزم اتصافا لمحله الموجود قبله وهذا الاتصاف اما ذاك فيلزم تقدم الشيء على

٣٩٠

نفسه او غيره فيلزم التسلسل فى الاتصافات

قوله : فلما بينا من امتناع الخ ـ فى المسألة الرابعة من الفصل الثالث من المقصد الاول.

قوله : وأما ثانيا فلان تلك الخ ـ هذا الوجه مع الوجه الثالث واحد والتعبير مختلف ، وحاصل الكلام ان كل عدد له اضافات الى ما فوقه من مراتب الاعداد غير المتناهية فلو لم تكن هذه الاضافات ذهنية بل ثابتة فى الخارج لزم وجود ما لا يتناهى فى الخارج بحسب الاضافات وبحسب مراتب الاعداد المضاف إليها.

لا يقال : ان الاعداد متناهية فى الخارج لا محالة فالاضافات أيضا متناهية بتناهيها ، لانا نقول. نعم كلما يقع العدد فى الخارج يقع متناهيا ولكن الاضافات لا يمكن ان تقف على حد لان الاثنين مثلا له اضافة الى الف الف مليون مثلا سواء وقعت فى الخارج أم لا فاذا كانت الاضافات هكذا وكانت موجودة فى الخارج لزم وجودها فى الخارج غير واقفة على حدّ ويستلزم وجود الاعداد فى الخارج غير واقفة على حدّ أيضا وهو محال.

قال الشارح القوشجى : واجيب عن الوجوه الاربعة بان القائل بوجود الاضافة ليس قائلا بوجود افرادها كلها بل بوجودها فى الجملة فجاز ان يكون بعضها موجودا دون بعض.

اقول : اىّ فرد من الاضافة فرض فى الخارج يأتى فيه الوجه الاول والثانى اى التسلسل وتقدم الوجود.

المسألة الرابعة

( فى ان كل مضاف مشهورى له مضاف حقيقى )

قول المصنف : ويختص كل مضاف مشهورى الخ ـ اما فى الاضافات المختلفة الاطراف فظاهر وبالاتفاق ، واما فى المتشابهة الاطراف فلان الاخوة مثلا تنتزع من الاخوين بعد وجودهما وتحمل على كل منهما بعد الانتزاع فلو كانت

٣٩١

الاخوة عرضا واحدا قائما بالطرفين لما امكن حملها على كل منهما على حدته بل كان من الواجب ان تحمل عليهما معا ويقال : هما اخ ، كما تحمل التركيب على امور متعددة وتقول : هذا مركب مشيرا الى عدة امور مجتمعة لانه عرض واحد للمجموع من حيث هو مجموع.

قول الشارح : هيئة مدركة ـ اى قوة بها يدرك العاشق ما فى المعشوق من الكمالات ، والعشق محبة مفرطة بحيث لا يبالى المحب بشيء فى طريق وصوله الى محبوبه.

قوله : وفى المعشوق هيئة ـ اى حسن او جمال او كمال ، والعشق الحقيقى الّذي ليس فوقه عشق ولا شيء هو العشق بمن هو منبع الكمال كله وعين الكمال وهو الحق تعالى الّذي قال فيه اكمل الممكنات : لا اثنى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك.

المسألة الخامسة

( فى الرابع من الاعراض التسعة وهو الاين )

قول الشارح : وهو نسبة الشيء الى مكانه بالحصول فيه ـ اعلم انك اذا قلت : الجسم متمكن او فى المكان فههنا جسم له وجود ومكان له وجود ونسبة بين الجسم والمكان كسائر النسب بين القضايا ، وان شئت فعبر عن هذه النسبة بكون الجسم فى المكان او كون المكان للجسم كما تعبر عن النسبة فى قولك : زيد قائم كون زيد قائما او كون القيام لزيد ، وهذه النسبة التى هى عبارة عن الكون الرابط هى ذلك الوجود للغير الّذي مر بيانه فى المسألة الثانية والعشرين والمسألة الثانية والاربعين من الفصل الاول من المقصد الاول ، فلذلك المتكلمون يسمون الاين بالكون لان الاين هو النسبة والكون الرابط بين الموضوع والمحمول اذا كان المحمول متمكن او فى المكان ، ومعلوم ان هذا الكون غير الموضوع وغير المحمول وغير وجود الموضوع وغير وجود المحمول ، لكن التغاير بينه وبين الاخير بالاعتبار كما مر

٣٩٢

بيانه فى تلك المسألة ،

ثم ان المتكلمين يعترفون بوجود الاين وان انكروا وجود سائر الاعراض النسبية فتدبر.

قول المصنف : وانواعه أربعة ـ وجه الحصر فى الاربعة ان يقال : ان حصول الجسم فى المكان اما ان يقاس الى حصول جسم آخر أو لا ، وعلى الاول اما ان يتوسطهما ثالث وهو الافتراق أو لا وهو الاجتماع ، وعلى الثانى اما ان يكون حصول الجسم فى المكان بان يكون فى مكان واحد فى رمان ما وهو السكون أو لا وهو الحركة ، ولا يخفى ان الحركة المذكورة فى هذا التقسيم كما فى تعريف المتكلمين على ما يأتى هى الحركة الاينية وذلك لان المتكلمين لم يثبتوا الحركة فى غير مقولة الاين على ما نقل ، ولكن المصنف كغيره تبعا للحكماء جعل بحث الحركة فى المقولات الاربع اذ لا محل انسب لبحثها غير هذا المبحث وان انعقد لبحث الاين واحكامه.

قوله : فالحركة كمال اوّل الخ ـ اعلم ان كمال الشيء هو ما يكون له من الفعليات سواء حصل بعد ما كان له بالقوة والامكان أم كان له بالوجوب لذاته الا ان القوم خصوا الكمال فى مبحث الطبيعيات بما كان للشىء بالقوة ثم حصل له بالفعل كحصول العلم للانسان بعد ما لم يكن عالما والا فالكمال هو حصول شيء لشيء مطلقا ، ولا شبهة ان الحركة هى حصول اين او وضع او كيف او كم للجسم بعد ما لم يكن له فهى لا محالة كمال له.

ثم ان الحركة فى اىّ من المقولات الاربع فرضت لها مبدأ ومنتهى وللجسم حال حصوله فى المبدأ امكانان وقوتان : امكان توجهه الى المنتهى وامكان حصوله فى المنتهى وكل منهما اى التوجه الّذي هو الحركة والحصول فى المنتهى كمال للجسم والاول متقدم على الثانى والثانى متفرع على الاول ، ولكن حين حصول الكمال الاول يكون الجسم بعد شيئا بالقوة بالنسبة الى الكمال الثانى ، فالحركة كمال اوّل لشيء يكون بالقوة بالنسبة الى كمال ثان متفرع على هذا الكمال الاول ،

٣٩٣

ثم ان هذا الشيء له حيثيتان : حيثية انه شيء بالقوة بالنسبة الى هذا الكمال الثانى وحيثية انه نوع من الجسم ، وله من كل من الحيثيتين كمال اوّل ، كماله الاول من حيث انه نوع من الجسم هو صورته النوعية لان الصورة النوعية كمال اوّل متقدم بالنسبة الى الآثار والافعال المترتبة المتفرعة عليها ، وكماله الاول من حيث انه شيء بالقوة بالنسبة الى هذا الكمال الثانى هو حركته ، والحاصل ان الحركة كمال اوّل للمتحرك من حيث هو متحرك لم يصل بعد الى المنتهى.

قول الشارح : والجسم فى تلك الحال بالقوة فى المكان الثانى ـ اى ان الجسم فى حال حصوله فى المكان المنتقل عنه اى المبدأ يكون شيئا بالقوة بالنسبة الى حصوله فى المكان الثانى اى المنتهى كما انه شيء بالقوة بالنسبة الى الحركة أيضا اذ حال كونه فى المبدأ لم يتحقق بعد حركته ، او المعنى ان الجسم فى حال الحركة يكون بعد شيئا بالقوة بالنسبة الى حصوله فى المكان الثانى اى المنتهى.

قوله : لان الحركة تفارق سائر الكمالات الخ ـ هذا الكلام بظاهره لا محصل له لان التفريق بين الحركة وغيرها بان غيرها اذا حصل خرج ذو الكمال من القوة الى الفعل دون الحركة ليس بصحيح ، بل الحركة أيضا اذا حصلت خرج ذو الحركة من القوة الى الفعل ، وكون المتحرك بالقوة ليس باعتبار الحركة بل باعتبار حصوله فى المكان الثانى اى منتهى الحركة ، نعم ان الجسم حين كونه فى مبدأ الحركة يكون بالقوة باعتبار الحركة وباعتبار حصوله فى المنتهى ، واما اذا حصلت له الحركة فليس بالقوة الا بالاعتبار الثانى ، فبيان الحيثية هو ما مر عن قريب ، نعم ان الجسم فى اثناء الحركة يكون بالقوة بالنسبة الى الحركة الباقية الى المنتهى فتدبر.

قوله : فهى الحصول فى المكان الثانى لا غير ـ اعلم ان للحركة مبدءا ومنتهى بينهما حدود يقع المتحرك فى كل واحد من تلك الحدود ويتركه حتى يقع فى المنتهى فيقف. ولا شبهة انه لا وقوف له فى شيء من تلك الحدود ولا حركة له فيه اذ لو وقف فى الحد لم يكن متحركا ولو تحرك فيه لم يكن الحد حد الآن الحد

٣٩٤

لا ينقسم فالجسم له حصول فى كل حد من الحدود المتوسطة لا وقوف له فيه ولا حركة ، واما فى المبدأ والمنتهى فهو ساكن والا لم يكن المبدأ مبدءا ولا المنتهى منتهى بل حد من الحدود الوسطية ، فالجسم ليس فى المبدأ ولا فى المنتهى ولا فى واحد من تلك الحدود المتوسطة متحركا ، بل تحركه انما هو بالقياس الى ما بين المبدأ والمنتهى من دون نسبته الى الحدود ، فمراد الشارح بالمكان الاول هو المبدأ وبالمكان الثانى المسافة بين المبدأ والمنتهى ، ومعلوم انه ليس بين المبدأ وتلك المسافة واسطة ، فالحركة هى الحصول فى المكان الثانى اى المسافة لا غيرها من المبدأ والمنتهى وكل واحد من الحدود المتوسطة.

قول المصنف : ووجودها ضرورى ـ لما فرغ المصنف عن بيان مفهوم الحركة بخاصة من خواصها وهى كونها كمالا للجسم بذلك التقيد صرح بان وجودها ضرورى لا يحتاج الى الاستدلال.

اعلم ان الجسم المتبدل عليه الاحياز المتعددة مثلا له حالة هى التبدل والتغير بحسب المكان ولا شبهة ان هذه الحالة امر حاصل ثابت للجسم فى الخارج ما دام متوسطا بين المبدأ والمنتهى وهذه الحالة تسمى بالحركة التوسطية وهذه هى التى وجودها ضرورى ، ثم ان الجسم بسبب هذه الحالة له نسب الى الحدود المتوسطة بين المبدأ والمنتهى ، ومعلوم انها نسب متعددة مختلفة بحسب الانقسامات الممكنة للمسافة ، وقد مرّ ان الجسم له حصول فى كل واحد من تلك الحدود المتوسطة لا سكون له فيه ولا حركة ، ولكن يمكن ان يحفظ هذه الحصولات كل بعد آخر فى الخيال مترتبة متدرجة ليحصل فى الخيال امر ممتد من هذه الحصولات ، فهذا الامر الممتد الحاصل من الحصولات المنسوبة الى الحدود يسمى بالحركة القطعية ولها وجود فى الخيال لا فى الخارج لان النسب غير موجودة فيه ، والحاصل ان كون الجسم بين المبدأ والمنتهى لو لم يعتبر نسبته الى الحدود المتوسطة فهو موجود فى الخارج وان اعتبرت فمعدوم فيه موجود فى الخيال ، وقس على ذلك الحركة فى سائر المقولات.

٣٩٥

قول الشارح : احدها ان الحركة لو كانت موجودة الخ ـ والجواب انها بمعنى القطع منقسمة فى الخيال لا فى الخارج اذ ليست بهذا المعنى موجودة فيه ، واما بمعنى التوسط فهى منقسمة بحسب المسافة.

قوله : الثانى ان الحركة ليست الخ ـ والجواب ان المراد بالمكان الثانى ان كان المسافة بين المبدأ والمنتهى فالحركة ما انتهت بل موجودة باقية الى المنتهى وان كان المراد به الحد الثانى فالحق معكم ولكنا لا نقول ان حصول الجسم فى الحد حركة.

قوله : الثالث ان الحركة ليست واحدة الخ ـ والجواب ان الحركة بمعنى التوسط واحدة موجودة فى الخارج قابلة للانقسام ، وبمعنى القطع واحدة موجودة فى الخيال قابلة للانقسام ، واما حصول الجسم فى الحد فليس بالحركة

قوله : ولكن باعتبارين ـ اى تلك النقطة الواحدة التى هى مبدأ للحركة الوضعية المستديرة ومنتهى لها أيضا تكون مبدءا باعتبار قبل الحركة ومنتهى باعتبار بعد الحركة.

قوله : فى المتكثر ـ اى فيما لا يكون المبدأ والمنتهى واحدا متحدا

قوله : او عرضا كالحركة من اليمين الى الشمال ـ فان المبدأ فى هذه الحركة نقطة فى طرف اليمين والمنتهى فيها نقطة فى طرف الشمال والنقطتان ليس بينهما التضاد بحسب الذات بل التضاد وعدم الاتحاد بينهما بسبب ان احداهما عارضة حالة فى محل والاخرى عارضة حالة فى محل آخر.

قوله : اعنى ذا المبدأ وذا المنتهى ـ اى الحركة فانها ذات مبدأ ومنتهى

قوله : وفيه ما فيه ـ اذ اختلاف الوصفين بالاعتبار لا يستلزم اختلاف محلهما فهما فى محل واحد ولا يعقل تضادهما.

قول المصنف : فان بسائط الجواهر توجد دفعة ـ ولو وجدت تدرجا حتى تصدق الحركة فى الجوهر فاما ان يكون الجوهر الّذي فرضت حركته باقيا بجوهريته ونوعيته فى حال الحركة والتدرج أو لا والاول يستلزم ان يكون الحركة

٣٩٦

والتغير فى عارض من عوارضه لا فى جوهريته والثانى يستلزم ان يكون التغير كونا وفسادا لا حركة فالجوهر البسيط يفسد دفعة ويوجد دفعة لا تدرجا.

قوله : ومركباتها تعدم بعدم اجزائها ـ معناه انه ان وقعت الحركة فى الجوهر المركب فلا بد ان ينتقل من نوع الى نوع آخر وذلك لا يمكن الا بانعدام ذلك الجوهر وحصول جوهر آخر وانعدامه يتحقق بانعدام واحد من اجزائه البسيطة ولكن قد عرفت ان انعدام البسيط كوجوده دفعى لا تدريجى فانتقال الجوهر المركب من نوع الى نوع آخر دفعى لا تدريجى فلا حركة فى الجوهر

قول الشارح : اذ المتحرك باق الخ ـ قد مر هذا الاستدلال فى المسألة السادسة من الفصل الاول من المقصد الاول.

قوله : لان الانتقال من التبرد الخ ـ توضيحه ان معنى الحركة فى المقولة هو انتقال الجسم من فرد من تلك المقولة الى فرد آخر منها والتسخن هو توجه الجسم نحو السخونة والتبرد هو توجه الجسم نحو البرودة ، فالتبرد ان لم يكمل فالجسم بعد متوجه الى البرودة فلا معنى لانتقاله الى التسخن لان ذلك يستلزم ان يكون الجسم متوجها الى السخونة والبرودة معا وهو محال وان كمل التبرد فلا معنى أيضا لذلك بل الانتقال انما هو من البرودة الى التسخن لان بعد كمال التبرد قد انقطع التبرد وحصل البرودة التى هى اثر الفاعل فلو فرض انتقال للجسم فهو انما من البرودة لا من التبرد فالحركة فى الانفعال اى انتقال الجسم من فرد منه كالتبرد الى فرد آخر منه كالتسخن محال ، وكذا حال الفعل فى هذا المثال اى التسخين والتبريد.

قوله : التخلخل والتكاثف ـ يطلق التخلخل والتكاثف على معان ثلاثة : الاول رقة القوام وغلظه وهما من مقولة الكيف المحسوس ، والثانى الانتفاش وهو ان يتباعد اجزاء الجسم بعضها عن بعض بحيث يداخلها جسم غريب كما فى القطن المنفوش الّذي يداخل الهواء اجزائه عند النفش والاندماج وهو ان يتقارب اجزاء الجسم بحيث يخرج عن خلالها جسم غريب كما فى القطن الملفوف الّذي يخرج

٣٩٧

عن خلال اجزائه الهواء عند اللفّ وهذان اى الانتفاش والاندماج يرجعان الى الحركة فى الاين بحسب اجزاء الجسم المنفوش او الملفوف والى الحركة فى الوضع بحسب مجموع الجسم ، الثالث ما ذكره الشارح العلامة الّذي يرجع الى الحركة فى الكم.

قوله : اما الاول فالمراد به الخ ـ وبعبارة اخرى التخلخل هو قبول المادة مقدارا وكمية اكبر من كمية اخرى والتكاثف قبولها مقدارا وكمية اصغر من كمية اخرى كالهواء فى داخل القارورة فان ذلك الهواء قبل المص متكاثف وبعد المص متخلخل.

قوله : بناء على ان المقدار امر زائد الخ ـ يعنى امكان هذا المعنى من التخلخل والتكاثف مبنى على ان يكون المقدار عرضا زائدا قائما بالجسم ويكون الجسم قابلا له بان يخلع مقدارا ويتلبس بمقدار آخر وذلك انما يكون اذا كان الجسم مركبا من الهيولى والصورة لان الهيولى قابل محض يتوارد عليه المقادير المختلفة لانه لا يقتضي بنفسه مقدارا معينا ويقبل كل مقدار يرد عليه بخلاف ما اذا كان الجسم بسيطا فانه يختص حينئذ كل جسم بمقدار لا ينتقل عنه الى مقدار آخر فزيادة الجسم او نقصانه انما يكون حينئذ بزيادة اجزاء جسمانية او نقصان اجزاء جسمانية ، وقد مر بيان هذا الاختلاف فى المسألة السابعة من الفصل الاول ، الا ان المصنف لم يلتفت الى هذا البناء اذ هو ليس قائلا بتركب الجسم من الهيولى والصورة واشار الى امكان هذا المعنى من التخلخل والتكاثف بوقوعه كما فى القارورة المكبوبة والانية المتصدعة.

قوله : ان القارورة اذا كبت على الماء الخ ـ اى ان القارورة بشرط ان يكون رأسها ضيقا جدا اذا مصت مصا شديدا بحيث يخرج منه بعض الهواء الّذي فيه وشدّ راسها بالاصبع لئلا يدخل فيها هواء آخر من الخارج وكبت على الماء دخل فيها الماء بخلاف ما اذا لم تمصّ فان الماء لا يدخلها ، وحينئذ فنقول دخول الماء لا يتصور الا بوجهين : احدهما ان القارورة اذا مصت وخرج منها الهواء بقى مكان الهواء الخارج

٣٩٨

خاليا فدخل فيها الماء عند الكبّ وهذا محال لاستحالة الخلاء ، والثانى ان الهواء الباقى فيها بعد المص قبل مقدارا غير طبيعى اكثر من مقداره الاول الطبيعى بالتخلخل فاذا كبت القارورة على الماء عاد الى مقداره الاول شيئا فشيئا بالتكاثف الّذي يحصل من برودة الماء فدخلها الماء.

اقول : فيه نظر اذ ليس هذا سر دخول الماء فى صورة المص وعدم دخوله فى صورة عدم المص اذ لو كان دخول الماء بسبب تكاثف الهواء الباقى وعوده الى مقداره الاول امكن ان يدخل الماء بتكاثف الهواء من دون المص اذ كما امكن تكاثف الهواء الباقى ببرودة الماء امكن تكاثف مجموع الهواء ببرودته من دون ان اخرج بعضه بالمصّ.

قوله : مع ان الخلاء والملا الخ ـ اى مع ان امتناع الخلاء وامكان الملا يأتيان بالسوية فى صورة المص وصورة عدم المص ، ولا يخفى انه لا احتياج الى هذه الجملة فى بيان المطلب.

قوله : وليس ذلك بمداخلة اجزاء النار الخ ـ ولا لخروج اجزاء الماء من الانية فبقى ان يكون لزيادة مقدار ما هو فيها من الماء.

قوله : وعندى فى هذين الوجهين نظر ـ يمكن ان يكون نظره فى الوجه الاول ما مر آنفا ، وفى الوجه الثانى ان تصدع الانية يحتمل ان يكون مستندا الى تأثير النار.

قوله : وتلك الزيادة ليست مطلقا الخ ـ اى الزيادة الصادق عليها النموّ ليست مطلق الزيادة بل الزيادة بهذا النحو الخاص ، وقد مر هذا فى المسألة الثانية عشرة من الفصل الرابع.

قوله : احدثت المنافذ فى الاصل ـ اى فى الاجزاء الاصلية من البدن.

قوله : ابى نصر الفارابى ـ قال القفطى فى اخبار العلماء : محمّد بن محمّد بن طرخان ابو نصر الفارابى الفيلسوف من الفاراب احدى مدن الترك فى ما وراء النهر فيلسوف المسلمين غير مدافع دخل العراق واستوطن بغداد وقرء بها العلم الحكمى

٣٩٩

على يوحنا بن جيلاد المتوفى بمدينة السلام فى ايام المقتدر واستفاد منه وبرز فى ذلك على اقرانه واربى عليهم فى التحقيق وشرح الكتب المنطقية واظهر غامضها وكشف سرها وقرب متناولها وجمع ما يحتاج إليه منها فى كتب صحيحة العبارة لطيفة الاشارة منبهة على ما اغفله الكندى وغيره من صناعة التحليل وانحاء التعليم واوضح القول فيها عن طرق المنطق الخمسة وافاد الانتفاع بها وعرف طرق استعمالها وكيف يصرف صورة القياس فى كل مادة منها فجاءت كتبه فى ذلك الغاية الكافية والنهاية الفاضلة ثم له بعد هذا كتاب شريف فى احصاء العلوم والتعريف باغراضها لم يسبق إليه ولا ذهب احد مذهبه فيه ولا يستغنى طلاب العلوم كلها عن الاهتداء به وتقديم النظر فيه وله كتاب فى اغراض افلاطون وارسطوطاليس يشهد له البراعة فى صناعة الفلسفة والتحقيق بفنون الحكمة وهو اكبر عون على تعلم طريق النظر وتعرف وجه الطلب اطلع فيه على اسرار العلوم وثمارها علما علما وبين كيف التدرج من بعضها الى بعض شيء شيء ثم بدء بفلسفة افلاطون يعرف بغرضه منها وسمى تواليفه فيها ثم اتبع ذلك بفلسفة ارسطوطاليس فقدم لها مقدمة جليلة عرف منها بتدرجه الى فلسفته ثم بدء بوصف اغراضه فى تواليفه المنطقية والطبيعية كتابا كتابا حتى انتهى به القول فى النسخة الموجودة الى اوّل العلم الإلهى والاستدلال بالعلم الطبيعى عليه فلا اعلم كتابا اجدى على طلب الفلسفة منه فانه يعرف بالمعانى المشتركة لجميع العلوم والمعانى المختصة بعلم علم منها ولا سبيل الى فهم معانى قاطيغورياس وكيف هى الاوائل الموضوعة لجميع العلوم إلا منه ثم له بعد هذا فى العلم الإلهى والعلم المدنى كتابان لا نظير لهما احدهما المعروف بالسياسة المدنية والاخر المعروف بالسيرة الفاضلة عرف فيهما بجمل عظيمة من العلم الإلهى على مذهب ارسطوطاليس فى المبادى الستة الروحانية وكيف يوجد عنها الجواهر الجسمانية على ما هى عليه من النظام واتصال الحكمة وعرف فيهما بمراتب الانسان وقواه النفسانية وفرق بين الوحى والفلسفة ووصف اصناف المدن الفاضلة واحتياج المدنية الى السير الملكية والنواميس النبوية ، وكان ابو نصر الفارابى معاصرا لابى بشر

٤٠٠