توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

أيضا سائر المعتزلة ، وصنف المردار من المعتزلة كتابا فى تكفير ابى الهذيل ، وكذا الجبائى ، وذكرا فى تصنيفيهما ان قوله يؤدى الى قول الدهرية انتهى ، ثم ذكر بعض آرائه وبدعه.

وقال الشيخ محمّد الكوثرى فى ذيل هذا الكتاب : قال المسعودى : توفى العلاف سنة (٢٢٧) ، ويحاول ابو الحسين الخياط تبرئته من كثير مما يرميه به الراوندى فى ( فضيحة المعتزلة ) ، ويقول ابو الحسين الملطى : وابو الهذيل هذا لم يدرك اهل الجدل مثله.

قوله : ولا ينتفيان بالضد الواحد ـ مع انهما ينتفيان بالضد الواحد.

قول المصنف : فيتعاكسان فى العموم والخصوص ـ يمكن ان يكون مراده ان العلم المطلق والاعتقاد بالمعنى الاعم الّذي هو العلم التصديقى بالمعنى الاعم يتعاكسان وجودا وعدما فى العموم والخصوص كما هو الشأن فى كل عام مع خاصه ، وقد مضى نظير ذلك بين المحل والموضوع وبين الحال والعرض فى المسألة الاولى من الفصل الاول ، او يكون مراده ان الاعتقاد بالمعنى الاعم والعلم التصديقى بالمعنى الاخص يتعاكسان فى العموم والخصوص وجودا وعدما كذلك.

قول الشارح : والاعتقاد باعتبار آخر اعم من العلم ـ اى اعم من العلم التصديقى بالمعنى الاخص وفى هذا اشكال يأتى عن قريب.

قوله : لو اخذ العلم التصديقى الخ ـ اما لو اخذ باعتبار المعنى الاخص الّذي هو اليقين فقط فليس الاعتقاد احد قسمى العلم لانه ليس بالتصور ولا بالتصديق الجازم الثابت الذين هما قسما العلم المطلق.

قوله : من العلم بهذا الاعتبار ـ اى باعتبار المعنى الاعم ، بل هو مساوله ، وعلى اى حال فاحد الاشكالين ثابت على هذا التفسير لكلام المصنف لان العلم لو اخذ باعتبار المعنى الاخص فالاعتقاد ليس احد القسمين ولو اخذ باعتبار المعنى الاعم فليس الاعتقاد اعم من العلم ولا من احد قسميه بل مساو للعلم التصديقى ، وهذا

٣٤١

انما نشأ من هذا التفسير ، واما لو فسر كلام المصنف كما فسرناه باحد التفسيرين فلا اشكال.

قوله : باعتبار اصطلاحين ـ اشارة الى توجيه فى المقام وهو ان يقال على ما قال الشارح القديم وتبعه صاحب الشوارق والقوشجى : ان الاعتقاد باحد الاصطلاحين وهو اعتبار معناه الاخص اخص من العلم المطلق اذ هو شامل له وللتصور ، وبالاصطلاح الاخر اعم من العلم اذ هو شامل له وللظن والجهل المركب والتقليد.

اقول : فيه أولا ان الاصطلاحين يأتيان فى العلم التصديقى أيضا كما اشار إليه الشارح العلامة ، وثانيا ان نسبة الاعمية والاخصية فى كلام المصنف نسبة واحدة بين شيئين وهذا التوجيه يستلزم ان يكون الاعتقاد اخص من مطلق العلم واعم من العلم التصديقى بالمعنى الاخص فلا يصدق التعاكس ، وهذا هو الاشكال الموعود ، وثالثا يلزم استعمال لفظ الاعتقاد فى كلام المصنف أولا بالمعنى الاخص على ما فسروه وفى قوله : ويتعاكسان بالمعنى الاعم ولا دلالة على هذا الافتراق.

قوله : او ما يؤدى معناه ـ اى معنى اعتبار الاصطلاحين ، لم يخطر بالبال توجيه يؤدى معنى هذا التوجيه ولم يذكره الشارحون

قول المصنف : ويقع فيه التضاد بخلاف العلم ـ يعنى يقع فى الاعتقاد بالمعنى الاعم التضاد بين اقسامه فان الجهل المركب ضد لليقين اذا اعتبرا فى القضية الواحدة اذ هما تصديقان يمتنع اجتماعهما فى نفس واحدة ويمكن عروضهما عليها على التعاقب فان الاعتقاد بان صفات الله تعالى زائدة على ذاته مثلا والاعتقاد بانها ليست بزائدة على ذاته يمتنع اجتماعهما ويمكن حصول احدهما عقيب زوال الاخر فهما متضادان ، بخلاف العلم اى التصور والعلم التصديقى الاخص الّذي هو الاعتقاد الاخص أيضا ، اما التصور فظاهر ، واما العلم التصديقى الاخص فلانه يعتبر فيه المطابقة للواقع فلا يعقل التضاد بين افراده ، واما نفى التضاد بين التصور والتصديق فظاهر

قول الشارح : لكن وجه التضاد الخ ـ توضيحه ان القضيتين المتنافيتين

٣٤٢

اما بينهما السلب والايجاب كقولنا : الجنة والنار مخلوقتان الآن ، وليستا مخلوقتان الآن ، واما بينهما التضاد كقولنا : الجنة والنار مخلوقتان قبل البعث ، وهما ستخلقان بعد البعث ، وابو على قائل بان الاعتقادين المتعلقين بالاوليين غير متضادين بل المتضادان ما تعلقا بالآخريين ، وابو هاشم قائل بعكس ذلك.

اقول : هذا النزاع لا طائل تحته ولا ينبغى ذكره لان الكلام ليس فى النسبة بين القضيتين بل فى النسبة بين الاعتقادين المتعلقين بهما ، وهما سواء تعلقا بالاوليين او الاخريين متضادان.

قوله : واختاره البلخى ـ قال ابو المظفر الأسفرايني فى كتابه فى الملل والنحل ( التبصير فى الدين ) الفرقة السادسة عشرة منهم ( اى من المعتزلة ) الكعبية اتباع عبد الله بن احمد بن محمود البلخى المعروف بابى القاسم الكعبى ، وكان يدعى فى كل علم ، ولم يكن خلص الى خلاصة شيء من العلوم ، بل كان متحليا بطرف من كل شيء كان يدعى فيه شيئا من العلوم ، وخالف قدرية البصرة فى اشياء انتهى ، ثم ذكر تلك الاشياء.

قال الشيخ محمّد الكوثرى فى ذيل الكتاب : ابو القاسم الكعبى البلخى هو مؤلف كتاب المقالات المشهور اخذ الاعتزال عن ابى الحسين الخياط ، وكان الجبائى يفضله على شيخه توفى سنة (٣١٩).

قوله : لتجدده بعد ان لم يكن ـ اى لحدوثه بعد عدمه فلو كان امرا عدميا لم يتصور حدوثه بعد عدمه لان العدمى ليس له وجود حتى يكون له الحدوث ، والجواب ان هذا صحيح فى العدم المطلق واما عدم الملكة فله وجود وحدوث تبعا لها فعدم الملكة يحدث بعد زوال الملكة ، والشك هو التردد اى عدم الجزم باحد طرفى النسبة الحكمية على التساوى.

قوله : لعدم اتحاد المتعلق الخ ـ لان متعلق الشك نفس النسبة ومتعلق اليقين احد طرفيها وهما الايجاب والسلب.

اقول : فيه ان اتحاد المتعلق ليس شرطا فى تضاد العلم والشك وغيرهما

٣٤٣

مما يتعلق بنسب القضايا بل الشرط فى تضادها لو فرض كغيرها هو اتحاد المحل وهو النفس فيما نحن فيه ، الا ترى ان الاعتقادين المتضادين يمتنع اجتماعهما فى نفس واحدة فى زمان واحد ومتعلقهما اثنان وهما القضيتان المتناقضتان او المتضادتان.

قوله : من قبيل النسب والاضافات ـ اى من الامور المعروضة للاضافة.

قوله : واعلم ان رجحان الاعتقاد الخ ـ يعنى رجحان اعتقاد احد الطرفين غير اعتقاد رجحان احد الطرفين لان الرجحان فى الاول صفة للاعتقاد المتعلق باحد الطرفين والاعتقاد الراجح ينافى ان يكون على حد الجزم والا لم يكن راجحا بل جازما فهو لا يكون الا ظنا ، واما فى الثانى صفة لاحد الطرفين ويمكن ان يكون رجحان احد الطرفين فى الغاية فالاعتقاد المتعلق بهذا الرجحان يكون علما.

قوله : اعنى الشك المحض ـ الجهل البسيط الّذي يقابل العلم بالمعنى الاعم ينقسم الى عدم تصور النسبة اصلا والى عدم الجزم بالنسبة المتصورة على التساوى المسمى بالشك ، ومراد المصنف بالجهل هنا هو الثانى فلذا فسره الشارح العلامة بالشك ، وقيد المحض تأكيد وتوضيح اذ ليس للشك قسمان محض وغير محض ، اللهم الا ان الشك قد يطلق على عدم الجزم الشامل للظن وقيد المحض لخروجه.

المسألة الثانية والعشرون

( فى النظر واحكامه )

قول الشارح : وقد لا يكون كذلك ـ بل يراد لاستحضار ما هو حاصل فى الخزانة.

قول المصنف : ومع فساد احدهما قد يحصل ضده ـ اى مع فساد احد جزئى النظر قد يحصل الجهل المركب الّذي هو ضد العلم الخاص كما قد يحصل العلم.

بيان ذلك انه ليس كل نظر فاسد يحصل منه العلم والا لم يبق فرق بينه وبين الصحيح ، ولا انه يحصل الجهل من كل نظر فاسد ولا انه لا شيء منه حصل منه شيء اذ قد يحصل منه العلم كقولنا : العالم اثر القديم الموجب وكل اثر القديم الموجب

٣٤٤

وكل اثر القديم الموجب حادث فان المقدمتين كاذبتان مع ان النتيجة وهى العالم حادث صادقة ، واما حصول الجهل من الفاسد فكقولنا : العالم قديم وكل قديم مستغن عن المؤثر فان من اعتقد هاتين المقدمتين مع ان الصغرى كاذبة اعتقد النتيجة وهى العالم مستغن عن المؤثر وهو جهل مركب ، واما عدم اللزوم فهو ليس الا اذا كانت الصورة فاسدة لان لزوم النتيجة للقياس المشتمل على الشرائط الصورية ضرورى سواء كانت المقدمات صادقة أم كاذبة.

والحاصل ان الفساد ان كان من جهة الصورة سواء كانت المادة صحيحة أم لا لم تلزم النتيجة لا صادقة ولا كاذبة لان معنى فساد الصورة انها ليست من الضروب التى يلزمها النتيجة ، نعم قد يحصل النتيجة الصادقة فى بعض المواد اتفاقا كقولنا : لا شيء من الحجر بانسان وكل انسان بقر فلا شيء من الحجر ببقر لكنه ليس بحسب اللزوم ، واما اذا كان الفساد من جهة المادة فقط لزمت النتيجة اما صادقة واما كاذبة على ما فصل الشارح العلامة اذ النتيجة لا تنفك عن القياس الصحيح الصورة ولا دخل لصحة المادة فى اللزوم ، نعم ليس اللزوم لاحداهما معينة بل اما كاذبة واما صادقة ، ولا يخفى ان هذا لزوم من حيث الصورة بمعنى ان الناظر اذا ركب قياسا صحيح الصورة واعتقد صدق المقدمات الكاذبة لزمه الاعتقاد بصدق النتيجة الحاصلة وتلك النتيجة قد يتفق كونها صادقة فى الواقع وقد يتفق كونها كاذبة فيه فلا يتوهم ان المراد باللزوم ان الكاذب يستلزم الصادق اذ هو ممتنع بالضرورة او يستلزم الكاذب اذ هو ينافى التخلف فى بعض الموارد بحصول النتيجة الصادقة.

قول الشارح : لم يحصل العلم ـ اى حصولا بحسب اللزوم والا فقد مر مثال حصول النتيجة الصادقة من القياس الفاسد المادة فقط.

قوله : فى كل واحد ـ اى فى كل واحد من الاشكال الاربعة سواء كانت الصغرى فى الاشكال الثلاثة الباقية كاذبة او صادقة.

قوله : وإلا جاز الخ ـ اى وان لم تكن الصغرى فى الشكل الاول صادقة بل كانت هى والكبرى معا كاذبتين او كانت هى فقط كاذبة او لم تكن الكبرى فى الثلاثة

٣٤٥

الباقية كاذبة بل كانت الصغرى فقط كاذبة جاز ان تكون النتيجة كاذبة او صادقة ، والحاصل ان الشكل الاول لو كانت صغراه صادقة وكبراه كاذبة فالنتيجة كاذبة قطعا وإلا جاز الصدق او الكذب ، واما الاشكال الباقية فكل منها ان كانت كبراه كاذبة فالنتيجة كاذبة سواء كانت صغراه كاذبة أم لا وان لم تكن كبراه كاذبة بل كانت صغراه كاذبة فقط جاز الوجهان.

قوله : ما يقال من ان النظر الفاسد الخ ـ ان كان مراد هذا القائل ان لا شيء من النظر الفاسد يحصل منه الجهل لاحد فهو باطل لما مر من ان المعتقد بصدق المقدمات الكاذبة مع صحة صورة القياس يحصل له الجهل فى كثير من الموارد ، وان كان مراده ان ليس كل نظر فاسد يحصل منه الجهل لكل احد كما هو ظاهر استدلاله فهو حق لما مر من التخلف ولما ذكر فى استدلاله ، وعلى هذا فالنزاع لفظى اذ المثبت يثبت حصول الجهل جزئيا والنافي ينفى الاستلزام والحصول الكلى

قوله : وليس كذلك ـ منع من الشارح للملازمة بان نظر المحق فى شبهة المبطل لا يستلزم افادة الجهل اذ افادته مشروطة باعتقاد حقية المقدمات والمحق لا يعتقد بها.

اقول. هذا الاستدلال تام فى مقابل من يدعى الاستلزام وحصول الجهل من النظر الفاسد كليا لكل احد.

قوله : مع انه معارض بالنظر الصحيح ـ بيان المعارضة بان يقال : ان النظر الصحيح لا يستلزم العلم والا لكان المبطل اذا نظر فى دليل المحق افاده العلم ولكنه لا يفيده لانه معتقد ببطلان الدليل.

قوله : فان شرط اعتقاد الخ ـ يعنى فان اجاب الخصم عن المعارضة بان شرط افادة الصحيح للعلم هو اعتقاد حقية المقدمات والمبطل لا يعتقد بها رددنا ذلك عليه وقلنا ان شرط افادة الفاسد للجهل أيضا هو اعتقاد حقية المقدمات الكاذبة.

والحاصل من هذا البحث ان النظر الفاسد بحسب المادة لا يستلزم شيئا كالفاسد بحسب الصورة وان كان قد يحصل الكاذب وقد يحصل الصادق ولكن هذا

٣٤٦

الحصول ليس بالاستلزام ، الا ان صحة الصورة واعتقاد الناظر بصدق المواد الكاذبة يوجبان اعتقاده بصدق النتيجة التى قد يتفق صدقها واقعا وقد يتفق كذبها واقعا كما هو الحال فى جميع الاخطاء الواقعة للناظرين العارفين بتركيب الاقيسة وشرائطها ، واما الخاطئون فى صور الاقيسة فهم فى تيه آخر.

قوله : اختلف الناس هنا الخ ـ قد مر فى المسألة الخامسة عشرة ما يناسب ما هاهنا ، وقول الحكماء هو ان المقدمات معدة ومفيض العلم هو الجوهر القدسى المسمى بالعقل الفعال بمدد الحق تعالى

قوله : والحق ان النظر الصحيح يجب الخ ـ صريح فى رد الاشاعرة القائلين بجواز انفكاك العلم بالنتيجة عن العلم بالمقدمات ، ولكن ليس له ظهور فى احد القولين الآخرين اذ وجوب حصول العلم بالنتيجة هو مذهب الحكماء والمعتزلة معا الا ان الحكماء يقولون بافاضة العلم من عالم القدس والمعتزلة يقولون بتوليد المقدمتين اياه ، ومعنى التوليد ايجاب فعل الفاعل فعلا آخر كهدم السقف برفع العمود الّذي تحته واحراق الخشبة بإلقائها فى النار فان الرفع والالقاء فعلان بالمباشرة والهدم والاحراق فعلان بالتوليد ، وكذا ما نحن فيه على مذهب المعتزلة فان ترتيب المقدمات من الناظر يوجب حصول النتيجة من دون مدخلية شيء آخر فيه.

قوله : لتعذر العلم باظهر الاشياء الخ ـ هذا ما استدل به الملاحدة على الاحتياج الى المعلم فى المعارف الإلاهية ، وحاصله ان الانسان يحتاج فى العلوم القريبة من الحس الظاهرة عند مؤسسيها كالنحو والصرف والعروض والرياضيات وكذا الصناعات كالخياطة والنجارة الى مرشد ومعلم وبدونه لا تحصل له فكيف يستغنى عنه فى العلوم العويصة التى هى ابعد العلوم عن الحواس والمطلوب فيها اليقين.

اجيب بان هذه الفحوى القياسية لا تفيد الا ان حصول المعارف الإلاهية بدون المعلم صعب عسر واما امتناعه وتعذره على ما هو مدعاكم فممنوع ، ويحتمل ان يكون المراد باظهر الاشياء واقربها هوية الانسان التى يعبر عنها بانا فان النظر لم يفد اليقين بانها هذا الهيكل المحسوس او اجزاء لطيفة سارية فيه او جزء لا يتجزى

٣٤٧

فى القلب او جوهر مجرد حادث بحدوث البدن او مخلوق قبله او غير ذلك فاذا كان هذا حال المعرفة باقرب الاشياء من الانسان فكيف حال المعرفة بابعدها ، وجوابه هو ذلك الجواب.

واستدلوا أيضا بان كثرة الاختلاف بين العقلاء فى المعارف الإلاهية تدل على عدم استقلال العقل فيها فالمعلم محتاج إليه فيها ، والجواب ان الاختلاف انما وقع من الانظار الفاسدة الصادرة عنهم والمفيد للعلم انما هو النظر الصحيح ، نعم كثرة الاختلاف تدل على صعوبة تمييز الصحيح عن الفاسد.

قوله : بل هو مرشد الخ ـ يعنى ان المعلم يرتب المقدمات التى يعجز الانسان عن ترتيبها فبعد ان يرتبها ينظر الانسان فيها ويستنبط الحكم منها بعقله.

قوله : لحصلت العلوم الكسبية الخ ـ اذ مفردات المقدمات من دون الترتيب المخصوص موجودة فى اذهان الجميع.

قوله : ولم يقع خلل الخ ـ اى الخلل الواقع من جهة الصورة.

قوله : وإلا لزم التسلسل او اشتراط الخ ـ يعنى ان القياس لو احتاج الى الجزء الصورى فاما ان يحتاج الى الجزء الصورى الخارج من نفس هذا القياس فيلزم التسلسل اذ ذلك الجزء الصورى الخارج يكون أيضا فى ضمن قياس محتاج الى جزء صورى آخر وهكذا واما ان يحتاج الى الجزء الصورى فى نفس هذا القياس فهو احتياج الشيء الى نفسه واشتراطه بها ، والجواب ان احد المحالين يلزم ان اوجبنا احتياج كل جزء من الصورى والمادى الى الجزء الصورى وليس كذلك بل يحتاج المجموع الى الجزء الصورى احتياج الكل الى الجزء ويحتاج الجزء المادى الى الجزء الصورى احتياج احد جزئى المركب الى الجزء الاخر.

قوله : كل زائد ـ اى كل جزء وانما سمى الجزء زائدا لان كل جزء يزيد على آخر ويحصل الكل من مجموع الزيادات.

قول المصنف : وشرطه عدم الغاية الخ ـ المراد بالغاية هو القضية المطلوبة التى تسمى بعد النظر بالنتيجة وهى ذات حيثيتين : حيثية انها قضية متصورة بطرفيها

٣٤٨

والنسبة بينهما بدون تعلق الجزم والتصديق بنسبتها ايجابا او سلبا ، وحيثية انها معلومة ومتعلق بنسبتها الجزم ايجابا او سلبا ، فهى بالحيثية الاولى يشترط حضورها فى الذهن وبالثانية يشترط عدمها فيه ، وتفسير الشارح الغاية أولا بالعلم المطلوب وثانيا بالمطلوب ايماء الى هاتين الحيثيتين ، وجملة هذه الشرائط كون المطلوب بالحيثية الاولى حاضرا فى الذهن اذ الغائب عن الذهن او المجزوم به او بمقابله لا يطلب بالنظر.

قول الشارح : ان شرط النظر ـ سواء كان صحيحا او فاسدا.

قوله : فى طرفه ـ اى فى ضد الجهل المركب الّذي هو العلم المطابق للواقع.

قوله : والواقع مقابلها ـ اى الواقع بسبب النظر مقابل الفائدة العاجلة الدنيوية اذ الانسان بسبب النظر ومعرفته بالله وما يتعلق به يستنكف عن كثير من اللذات الدنيوية التى لو لا المعرفة لتمتع بها

قوله : وحصولها ممكن بدون النظر ـ بان يثيب الله عباده فى الآخرة ابتدءا من دون ان يعملوا بالواجبات ويتركوا المحرمات.

اقول : هذا خلاف الحكمة كما بين تفصيلا فى محله فلا يقع من الحكيم ، نعم ان لله تعالى فضلا وزيادة كثيرة على اجور العباد التى جعل لهم جزاءا لاعمالهم.

قوله : ولا يمكن تركبه من سمعيات محضة ـ ليس المراد به انه لا يمكن ان يتشكل قياس من المقدمتين السمعيتين بل المراد انّ المقدمات السمعية فى المعارف الدينية لا بدّ ان تنتهى الى المقدمات العقلية لان المقدمات السمعية المحضة تتوقف على معرفة صدق الرسول وكون الرسول صادقا فيما اخبر لو استفيد من السمع لدار بل لا بد من ان يستفاد من العقل وكذا معرفة الله وتوحيده.

قوله : وكلما يتساوى طرفاه الخ ـ اى كل ما لا سبيل للعقل الى الجزم باحد طرفيه ككثير من مباحث المعاد واكثر الاحكام الفرعية.

قوله : اذا تعارض دليلان الخ ـ توضيحه ان التعارض اما بين عقليين او نقليين او مختلفين وعلى اى من التقديرات اما ان يكون لاحد المتعارضين معتضد مما ليس

٣٤٩

بنظيره أو لا وفى جميع هذه الصور يجب العلاج ليرتفع التعارض فى الواقع او فى الاخذ ، ثم ان علاج تعارض العقليين صعب غاية الصعوبة لان احدهما شبهة ليس بدليل والاخر دليل ناقص البيان غير واف بالمطلوب فعلى المستدل ان قدر ان يستوفى البيان حتى تنحل الشبهة ويستقل الدليل بالدلالة ، واما فى صورة اعتضاد احدهما بالنقلى فان كان النقلى مفيدا للقطع فيؤخذ به ويحكم بصحة ما يعتضد به ويلقى ما يعارضه والا فلا والعلاج ما مضى ، واما علاج تعارض النقليين من دون اعتضاد احدهما بالعقلى فمذكور فى غير هذا الفن ، واما اذا تعارض العقلى والنقلى سواء كان لاحدهما اعتضاد بنقلى آخر أم لا فيأول النقلى ان امكن او يطرح ويقدم العقلى لما ذكره الشارح العلامة ، اللهم الا ان يكون النقلى مفيدا للقطع وحينئذ فالامر مشكل وان كان كلام القوم فيما اذا كان مفيدا للقطع لان غير القطعى ليس بحجة فى الاعتقاديات.

قوله : اما مع تعارض النقليين ـ اى فى صورة اعتضاد احدهما بالعقلى ليرجع الى تعارض العقلى والنقلى لان الكلام فيه.

قوله : لان العقلى اصل للنقلى الخ ـ ان قلت كون العقلى اصلا للنقلى لا يوجب تأويل كل نقلى يعارضه العقلى اذ من الممكن بل الواقع ان يعارض النقلى عقلى ليس باصل له اذ ليس كل عقلى اصلا لكل نقلى ، قلت اصلية العقلى وفرعية النقلى ليست باعتبار خصوصيات افراد العقليات والنقليات ، بل باعتبار ان العقلى حكم صريح مقطوع به من العقل فاذا كان حكم العقل معتبرا فهو معتبر فى جميع الموارد واذا لم يكن معتبرا فليس بمعتبر فى مورد فاذا حكم بعدم اعتباره فى مورد لغى اعتباره فى جميع الموارد بالمرة ويخرج من الاصلية مع انه اصل بالضرورة لان صحة النقل انما تثبت به فتأمل.

قوله : وهو مذكور فى القياس بالقوة ـ اى ليس المطلوب مذكورا فى القياس بهيئته بل اجزائه مذكورة فيه فهو مذكور فيه بالقوة ، كما ان اجزاء البيت من دون الانضمام بيت بالقوة فاذا انضمت صارت بيتا بالفعل.

قول المصنف : فالاول باعتبار الصورة القريبة الخ ـ اعلم ان القياس الاقترانى

٣٥٠

له صورة وهى الهيئة الحاصلة من انضمام مقدماته التى هى قضايا ، ومادة هى نفس تلك القضايا ، ثم ان لكل قضية صورة هى الهيئة الحاصلة من انضمام المحمول الى الموضوع ومادة هى نفس الموضوع والمحمول ، فللقياس صورة قريبة هى هيئة نفس القياس وبعيدة هى هيئة كل قضية قضية ، وهو باعتبار الصورة القريبة ينقسم الى الاشكال الاربعة المشهورة وباعتبار الصورة البعيدة ينقسم الى قياس حملى وهو القياس المركب من الحمليات الصرفة وقياس شرطى وهو القياس الّذي فيه قضية شرطية سواء كان جميع المقدمات شرطية كامثلة الشارح العلامة او بعضها شرطيا وبعضها حمليا كما يقال : كل نحوى عالم وكلما كان الشيء عالما فهو ليس بحمار فكل نحوى فهو ليس بحمار ، فكل قضية فى القياس من حيث صورتها صورة بعيدة له ومن حيث هى هى جزء ومادة له.

قوله : والبعيدة اثنان ـ اى وباعتبار الصورة البعيدة اثنان هما الحملى والشرطى.

قول الشارح : احدهما بحسب مادته اعنى مقدماته ـ اى بحسب نفس كل قضية مأخوذة فى القياس التى هى من حيث هى هى مادة له ومن حيث صورتها صورة بعيدة له ، ولكن غرض المصنف هنا تعلق بالحيثية الثانية ، فكان ينبغى ان يقول : احدهما بحسب الصورة البعيدة وهى هيئة كل قضية قضية والثانى بحسب الصورة القريبة وهى الهيئة العارضة لمجموع المقدمات.

قوله : فله اعتباران أيضا الخ ـ قد علمت ان كل قضية مأخوذة فى القياس لها صورة ومادة ومادتها نفس الموضوع والمحمول ، فهذان الاعتباران صورة القضية التى هى صورة بعيدة للقياس ومادة القضية التى هى الموضوع والمحمول ، الا ان المصنف لم يتعلق غرضه بالاعتبار الثانى اى اعتبار مادة القضية اصلا ، ولذلك لم يشرحه الشارح أيضا بل ذكره تكميلا للافادة.

قول المصنف وباعتبار المادة القريبة الخ ـ قد توهم ان مادة القياس القريبة هى القضايا المأخوذة فيه ومادته البعيدة هى مواد القضايا وهذا جهل وخطأ ، بل

٣٥١

الحق ما ذكره الشارح العلامة وغيره ، وحاصل الكلام ان مادة القياس البعيدة هى كل قضية قضية مأخوذة فيه ومادته القريبة هى مجموع القضايا المأخوذة فيه مع قطع النظر عن صورة القياس ، وصورته البعيدة هى صورة كل قضية قضية مأخوذة فيه وصورته القريبة هى صورة مجموع المقدمات المأخوذة فيه التى يقال له الشكل

قوله : وفيه ضعفه ـ اى وفى المنفصل الحقيقى ضعف ما للمنفصل الغير الحقيقى وهو أربعة.

قوله : والاخير ان يفيد ان الظن ـ حيث كان الاستقراء غير تام والتمثيل غير يقينى الجامع ، وانما اطلق المصنف افادة الظن لان الاستقراء التام والتمثيل اليقينى الجامع فى غاية الندرة ، بل يكاد ان يكونا معدومين فى المطالب العلمية.

قوله : والتعقل والتجرد متلازمان ـ التعقل هو ادراك ما يفارق المادة ولواحقها والتجرد كون الشيء مفارقا للمادة ولواحقها.

قول الشارح : بعد ما تقدم ـ اى ما تقدم فى المسألة الخامسة فى الفصل الرابع من الادلة القائمة على ان النفس العاقلة جوهر مجرد ، وتلك من جزئيات هذه المسألة ، وهذا الاستدلال مذكور أيضا فى تلك المسألة.

قوله : بان التعقل حال فى ذات العاقل الخ ـ اى الصورة المعقولة حالة فيها ، وهذا الدليل قياس استثنائى مركب من قياسين استثنائيين ، صورته ان العاقل لو لم يكن مجردا لكان ماديا منقسما بحسب الوضع والمقدار ولو كان كذلك لزم احد المحالات ، بيان الملازمة ان الصورة المعقولة اما حالة فيه أو لا والثانى باطل لانه خلاف الفرض لان العاقل لا يكون عاقلا الا ان يحل فيه الصورة المعقولة ، وعلى الاول اما ان تكون حالة فى احد جزئيه اى فى جزء غير منقسم منه وهذا مع انه خلاف الفرض اذ المفروض كون العاقل الّذي هو محل الصورة ماديا منقسما يفيد المطلوب لان ذلك الجزء هو العاقل وهو المحل للصورة المعقولة دون سائر الاجزاء المفروضة واذا فرضناه غير منقسم لكان مجردا اذ المادى الغير المنقسم الّذي امكن كونه محلا هو الجوهر الفرد فقط وقد ابطلنا وجوده ، واما ان تكون حالة

٣٥٢

فى جزئية او اكثر لو كانت الاجزاء المفروضة اكثر فحينئذ اما ان يكون الحال فى احد الجزءين او الاجزاء غير الحال فى الجزء الآخر فيلزم من ذلك انقسام الصورة المعقولة اذ الحال واحد لا اثنان وفرض التغاير هكذا فى الواحد لا يمكن الا بانقسامه ، واما ان يكون الحال فى احد الجزءين او الاجزاء عين الحال فى الجزء الاخر فيلزم من ذلك تعدد الواحد وهو محال اذ المفروض ان الحال واحد وفرض كون الواحد فى الجزءين ينافى وحدته اذ تعدد المحل يستلزم تعدد الحال الّذي يحل فيه حلولا سريانيا فكون العاقل ماديا يستلزم احد هذه الامور المستحيلة ، ثم ان انقسام الصورة المعقولة اما الى اجزاء متشابهة فى الحقيقة او الى اجزاء مختلفة فى الحقيقة والاول يستلزم وجود المقدار للصورة المعقولة المجردة وهو محال اذ المقدار ينافى التجرد ، والثانى يستلزم مع ذلك كون اجزاء الصورة المعقولة غير متناهية لان المحل لكونه ماديا ذا امتداد جسمانى يقبل القسمة الى غير النهاية فالحال فيه أيضا حيث يكون بالحلول السريانى يقبل القسمة الى غير النهاية ولكن الاجزاء الغير المتناهية فى المحل تكون بالقوة وفى الحال بالفعل والا لم تكن متخالفة فى الحقيقة والمفروض انها متخالفة.

قوله : اذ الحال اما انه يحل بتمامه الخ ـ بيان للملازمة.

قوله : او فى احد جزئيه ـ اى فى جزء غير منقسم منه ، وهذا التفسير وان كان خلاف الظاهر الا انه لا بدّ منه ، ويشهد به هاهنا قوله : والثانى يفيد المطلوب ويشهد به أيضا المقدمة الثالثة المذكورة لبيان هذا الاستدلال بعينه فى المسألة الخامسة فى تجرد النفس من الفصل الرابع فراجع.

قوله : ان اتحدا ـ اى ان كان الحال فى احد الجزءين عين الحال فى الجزء الآخر.

قوله : واذا ثبت ذلك فالجزءان الخ ـ بيان لبطلان احد الامور اللازمة من كون العاقل ماديا وهو انقسام الصورة المعقولة المجردة كما مضى ذكره اذ هو العمدة فى المقام.

٣٥٣

قوله : فاذن كل مجرد فانه يصح ان يقارن غيره ـ هذا لازم نتيجة القياس المذكور ، ونفس النتيجة ان كل مجرد فانه يصح ان يكون معقولا مع غيره من المعقولات فاذن يصح ان يقارن معقول معقولا اى يصح ان يقارن مجرد مجردا فى العقل اذ كل معقول مجرد ، فاذا ثبت صحة هذه المقارنة اى امكانها فنقول : امكان هذه المقارنة لا يتوقف على وجودها اذ امكان الشيء متقدم على وجوده ، وكذا المقارنة المطلقة لا تتوقف على هذه المقارنة المقيدة اذ المطلق متقدم على المقيد وذلك مما لا مرية فيه ، فثبت حينئذ ان مطلق مقارنة المجرد للمجرد ممكن من دون ان يتوقف على ثبوت مجرد مع مجرد فى العقل اى مقارنتهما فيه او على امكانها اذ لو لم يكن المطلق ممكنا لم يكن المقيد ممكنا فلم يكن مقارنة المجرد للمجرد فى العقل ممكنا ، وكذا لو توقف المطلق ثبوتا او امكانا على المقيد لدار اذ امكان المقيد وثبوته متوقفان على امكان المطلق وثبوته ، فاذا ثبت ان مطلق مقارنة المجرد للمجرد ممكن فلو وجد فى الخارج مجرد وقارنه مجرد آخر لكان عاقلا له اذ المانع من التعقل هو المادية وهى فى المقام منتفية وشرطه حلول احد المجردين فى الاخر وهو المفروض فى المقام لان المقارنة اما بحلول احد المقارنين فى الاخر او بحلولهما فى ثالث والثانى منتف فيما نحن فيه اذ المفروض ان المجرد الاول موجود فى الخارج قائم بذاته فمقارنته للمجرد الاخر انما هو بحلول الاخر فيه ، فثبت ان كل مجرد موجود فى الخارج قائم بذاته اذا قارنه مجرد آخر فهو عاقل له كالنفس الانسانية ، هذا غاية التوضيح لهذا الاستدلال على ما سلكه الشارح العلامة ، وسائر الشراح سلكوا مسلكا بزيادة مقدمات على هذه المقدمات ينتج ان كل مجرد موجود فى الخارج قائم بذاته عاقل لذاته دائما.

قوله : وهذا الدليل عندى فى غاية الضعف الخ ـ توضيح المناقشة ان توقف امكان الشيء على وجوده محال بالضرورة من دون شبهة من احد ، ولكن ليس ما نحن فيه من ذلك اذ ما نحن فيه انما هو توقف امكان مقارنة المعقول للمعقول على وجود مقارنة المعقول للعاقل والمقارنة الاولى غير المقارنة الثانية فليس امكان الشيء

٣٥٤

متوقفا على وجوده بل على وجود شيء آخر.

اقول : هذا عجيب منه كل العجب لانه رحمه‌الله عبر عن الترديد فى بيان الاستدلال بقوله : هذه الصحة اى صحة مقارنة معقول مع غيره اما ان تتوقف على ثبوت المجرد فى العقل أولا ، ثم اتى بهذه المناقشة على هذا التعبير ، مع انه ليس بصحيح ، بل التعبير الصحيح ان يقال : هذه الصحة اما ان تتوقف على مقارنة معقول مع غيره فى العقل أم لا ، والمراد بالغير هو معقول آخر لا العاقل كما هو صريح فى الكبرى اعنى قوله : وكلما صح ان يكون معقولا وحده صح ان يكون معقولا مع غيره ، اذ لو كان المراد بالغير هو العاقل كما هو منشأ وهمه رحمه‌الله لصار معنى الكبرى : وكلما صح ان يكون فى العاقل وحده صح ان يكون فى العاقل مع العاقل وهذا ظاهر الفساد لاتحاد المقدم والتالى وعدم فائدته فى الاستدلال ، والحاصل ان هذه المناقشة نشأت من قوله : اما ان تتوقف على ثبوت المجرد فى العقل ، وهو ناقص لبيان المطلب ، والتام ان يقال : اما ان تتوقف على مقارنة مجرد لمجرد فى العقل ، او ما يؤدى معناه.

المسألة الثالثة والعشرون

( فى احكام القدرة )

قول الشارح : ان الجسم من حيث هو غير مؤثر ـ اعلم ان التأثير قد يطلق ويراد به كون الشيء ذا اثر ، وقد يطلق ويراد به كون الشيء محدثا فى غيره اثرا وليس المراد هاهنا المعنى الاول لان الاجسام من حيث هى اجسام ذات آثار واحدة هى المكان والشكل والجهة كما مر تفصيله فى الفصل الاول ، فالمنفى هنا هو التأثير بالمعنى الثانى.

قوله : والا لتساوت الاجسام فى ذلك ـ اى لو كان الجسم من حيث هو هو محدثا فى غيره اثرا لكانت الاجسام كلها متساوية مشتركة فى ذلك الاثر والتالى باطل بالوجدان والبرهان ، اما الوجدان فانا لم نجد للاجسام السماوية والارضية

٣٥٥

اثرا واحدا فى غيرها ، واما البرهان فان تأثيرها فى المفارقات ممتنع ، وفى الطبائع الحالة فيها ممتنع لان الجسم من حيث هو هو قابل لتلك الطبائع والقابل للشىء لا يكون فاعلا له ، وفى النفوس المتعلقة بها أيضا ممتنع لذلك ان كانت النفس نباتية او حيوانية ، واما النفوس الانسانية فلو كانت متأثرة من الجسم من حيث هو هو لكنا شاعرين بذلك التأثير دائما ، وتأثير الاجسام من حيث هى اجسام بعضها فى بعض أيضا ممتنع لان ذلك البعض الّذي فيه التأثير اما ان يكون خاليا من ذلك الاثر وهذا خلف اذ المفروض ان كل جسم له ذلك الاثر واما ان لا يكون خاليا منه والتأثير حينئذ ممتنع اذ المتأثر باثر لا بدّ ان يكون خاليا من ذلك الاثر ، فالجسم من حيث هو هو غير مؤثر فى غيره ، وانما الاجسام يؤثر بعضها فى بعضها تأثيرا مختلفا باعتبار الصور والاعراض اللاحقة بها.

ثم التأثير فى الغير له مبدأ فى المؤثر يسمى ذلك المبدأ بالصفة المؤثرة والقوة ، وهى باعتبار مقارنة الشعور وعدمها وباعتبار وحدة الاثر او تعدده نوعا تنقسم الى أربعة اقسام ، احدها يسمى بالقدرة وهى القوة التى تكون مبدءا لافعال متعددة نوعا مقارنة للشعور كما فى الشرح.

قوله : اما ان يتشابه به التأثير او يختلف ـ اى اما ان يتحد الاثر نوعا او يتعدد نوعا ، والاول صادر من القوة الفلكية والقوة الطبيعية ، والثانى صادر من القوة الحيوانية والقوة النباتية.

قوله : وتسمى النفس النباتية ـ لا وجه للعدول من القوة الى النفس ، وان كانت النفس النباتية والقوة النباتية واحدة والتغاير بينهما بالاعتبار.

قوله : اما نسبته الى الفاعل فجاز ان تكون معللة ـ اى اما امكان الفعل الّذي ليس بحسب ذاته مجعولا ومعللا بل واجب فجاز ان يكون بالنسبة الى الفاعل معللا لان فى الامكان بحسب الذات ينظر الى الذات من حيث هى هى ، واما فيما نحن فيه فينظر الى ذات الفعل من حيث صدوره عن الفاعل ، فاذا اجتمعت فى الفاعل شرائط بحيث يتساوى الصدور واللاصدور ولم يتوقف احدهما الا على اختيار القادر

٣٥٦

يحكم بامكانه بالنسبة إليه ، فامكان صدور الفعل بالنسبة الى الفاعل مشروط بشرائط لا يكفى فيه نفس ذات الفعل.

قول المصنف : وتعلقها بالطرفين ـ اى الفعل والترك.

اعلم ان قدرة الحيوان حين فعل هى قدرته بعينها حين فعل آخر وكذا قدرته حين الفعل هى قدرته بعينها حين الترك ، وذلك لان القدرة لا تتعلق أولا باشخاص الافعال والتروك بل تتعلق أولا بالكلي ثم بالاشخاص.

بيان ذلك ان الحيوان القادر على تحريك الاجسام من اعضائه او غيرها اذا حرك يده ثم ترك واشتغل بتحريك حجر مثلا برجله ثم ترك واشتغل بتحريك جفنيه ثم ترك واشتغل بالفكر لم يشك عاقل فى ان قدرته فى جميع هذه الحالات واحدة وهى القدرة على التحريك وانما يختلف التحريك بسبب اضافته الى اشياء مختلفة ، وهذا الاختلاف لا يوجب اختلاف القدرة بل تختلف اضافتها الى اشخاص المقدورات ، فالقدرة دائما تتعلق أولا بالفعل الكلى لا بالترك الكلى لان الحيوان ما دام حيا لا يخلو عن فعل ما فى النوم كان أم فى اليقظة ، ولذلك عرفها المصنف فى النمط السابع من شرح الاشارات عند تقسيم الصفات ( بانها هيئة ما للذات بسببها يصح ان يصدر عن تلك الذات فعل ) ولم يذكر الترك ، وفى تنكير فعل اشارة الى ان تعلق القدرة ليس بفعل خاص ، ثم تتعلق ثانيا بالفعل الجزئى اى الكلى المقيد بسبب تعلقه واضافته الى شيء من الاشياء ، ثم تتعلق ثالثا بالترك لان الترك يعتبر بعد تعلقها بفعل خاص بان يعتبر تعلقها بترك سائر الافعال او بترك فعل خاص آخر ضد ذلك الخاص المشتغل به حين الاشتغال به.

اذا علمت هذا فقول الاشعرى : ان القدرة تتعلق بطرف واحد خطاء لان مراده من التعلق بطرف واحد ليس ما حققناه ، بل مراده انها حين تعلقها بالفعل ليست متعلقة بالترك وليس الترك مقدورا ، وحين تعلقها بالترك ليست متعلقة بالفعل وليس الفعل مقدورا ، وهكذا حين تعلقها بفعل ليست متعلقة بفعل آخر.

فنقول : ان اراد ان القدرة اى تلك الصفة النفسانية من حيث هى هى لا تتعلق

٣٥٧

بالفعل حين الترك ولا بالترك حين الفعل فهو باطل بالضرورة اذ يصير الفعل حينئذ ممتنعا او واجبا فلا يكون القدرة قدرة ، وان اراد ان القدرة من حيث هى متعلقة ومضافة الى فعل لا تتعلق بتركه ولا بفعل آخر فهو حق الا ان القدرة لا فى اللغة ولا فى العرف ولا فى الشرع ولا بين اصحاب العلوم ليست اسما لتلك الصفة بهذا القيد اى التعلق والاضافة الى فعل خاص او ترك خاص.

قول الشارح : وهو ان العرض لا يبقى ـ اى لا يبقى زمانين بل يتجدد آنا فآنا ، فلو كانت قدرة الفعل قبله لكانت معدومة حين الفعل وصدر الفعل من دون القدرة وهو محال بالبديهة ، والجواب ان هذا الاصل باطل لان القدرة من الاعراض القارة والعرض القار باق بضرورة العقول ، وثانيا لو سلمنا هذا الاصل لم نسلم الملازمة لان اللازم على ذلك كون القدرة السابقة على الفعل معدومة حين الفعل ولا يلزم منه صدور الفعل من دون القدرة لان القدرة المتجددة حاصلة حين الفعل.

قوله : لزم تكليف ما لا يطاق ـ وهو قبيح ، ان قلت : ان ذلك يلزم لو كانت القدرة منتفية اصلا ، واما كون الكافر قادرا على الايمان حال الايمان ينفى كون ذلك تكليفا بما لا يطاق اذ المقرر فى محله انه ليس يجب ان يكون المكلف قادرا على المكلف به حين الخطاب والتكليف بل قدرته على الفعل حين الفعل كافية فى حسن الخطاب والتكليف ، قلت : ان القدرة ليست شرطا لصحة الخطاب وتوجيه التكليف نحو المكلف لان التكليف حين العجز عن المكلف به صحيح اذا حصلت القدرة عليه حينا ما كما ذكرت ، الا ان القدرة شرط لتنجز هذا التكليف عليه ولن يتنجز ما لم يستطع عليه قبل الفعل اذ قبل الايمان لا ملزم له ان يؤمن حتى يحصل الشرط ويتنجز المشروط ، فالقدرة التى هى شرط للايمان لو كانت مقارنة له لم يتنجز عليه الايمان ابدا ، فالاولى فى تقرير الاستدلال ان يقال : لو لم تكن القدرة قبل الايمان لم يكن للكافر ملزم عليه.

قوله : وحالة الاخراج يستغنى عن القدرة ـ لان القدرة شرط صدور الفعل وشرط الصدور لا يمكن ان يكون مع الصادر زمانا الا ان يكون جزءا اخيرا من العلة

٣٥٨

التامة والقدرة ليست جزءا اخيرا منها لان الشوق الاكيد متأخر عنها فالقدرة لا يمكن ان تكون مع الصادر ، فاذا كانت القدرة شرطا للفعل الصادر فلا بد ان تكون قبله ، وتنعكس هذه القضية عكس النقيض الى ان القدرة لو لم تكن قبل الفعل لم تكن شرطا له ، واذا جعل هذا العكس صغرى وضم إليه قولنا واذا لم تكن شرطا له فهو يستغنى عنها انتجا فلو لم تكن قبل الفعل فهو يستغنى عنها والتالى باطل بالضرورة والاتفاق ، وبهذا التحقيق اندفع ما اورده الشارح القديم على هذا الدليل وتبعه القوشجى وصاحب الشوارق وتسلموه ، ولا جدوى لذكره ، والطالب يراجع.

قوله : الثالث لو لم تكن القدرة الخ ـ اجيب عن هذا بان الكلام فى القدرة الممكنة الحادثة لما سوى الله تعالى ، وقدرة الواجب خارجة عن محل النزاع.

قوله : فيلزم حصول الضدين معا ـ لان القدرة اذا حصلت حين الفعل فقط لتعلقت به فقط ، ولو فرضنا تعلقها بالترك لزم اجتماع الضدين اى الفعل والترك.

قوله : او ايجاب احدهما الخ ـ اى ايجاب احد الضدين فيتقدم احدهما على الاخر مع فرض مقارنتهما التى تلزم من فرض مقارنة القدرة للفعل لانها تتعلق بهما وهذا خلف ، وانما تعرض الشارح العلامة لهذا الاحتمال فى الدليل الثانى وجعل الدليل الثالث من تتمته ليدفع عن المصنف اشكال الخروج عن محل النزاع الوارد على الدليل الثالث ،

قوله : وهو مما قد اختلف فيه ـ اعلم انه قد وقع الاختلاف بين الاشاعرة وغيرهم فى ان قدرة العبد مؤثرة فى الفعل او كاسبة له ، فالأشاعرة الى انها كاسبة وغيرهم الى انها مؤثرة ، ومعنى التأثير هو ان العبد يوجد الفعل بقدرة اعطاه الله تعالى ومعنى الكسب هو ان الله تعالى يخلق فعل العبد مقارنا لقدرة العبد ، فالعبد محل للفعل الّذي خلقه الله تعالى فيه من دون ان يكون له فيه تأثير ، كما ان الشمس تحدث الحرارة فى الماء من دون تأثير منه ، وقالوا لقدرة العبد قدرة كاسبة لان القدرة موجودة فى العبد حين الفعل ولكنها لا تؤثر فى الفعل بل التأثير لقدرة الحق تعالى ، فقدرة الله

٣٥٩

تعالى عند الاشاعرة دائما مؤثرة سواء كانت لفعله او لفعل العبد وقدرة العبد دائما كاسبة بالمعنى الّذي ذكر ، والاشعرى اخذ هذا الاصطلاح من كتاب الله العزيز تعالى حيث عبر عن فعل العبد فى آيات كثيرة بالكسب كما فى قوله تعالى : ( لَها ما كَسَبَتْ ) ، واخترع هذا القول لدفع الشناعات اللازمة عليه من القول بالجبر لكنه فرار من المطر الى الميزاب ، والآن لا تعرض لنا لبيان فساد هذا القول وشناعته بل عدم معقوليته.

اذا علمت هذا فالاشعرى يقول ان اجتماع القادرين بقدرتين مؤثرتين على وقوع فعل واحد شخصى ممتنع لان القدرة المؤثرة ليست عنده الا واحدة ، وغيره يقول ذلك أيضا لما ذكره الشارح العلامة ، وكذا اجتماع القادرين عليه بقدرتين كاسبتين أيضا ممتنع عنده لان قدرة العبد وان كانت غير مؤثرة الا ان لها تعلقا ما بفعل يحدث فى محلها فلا يتعلق قدرة زيد بفعل شخصى حدث فى عمرو ، واما اجتماع القادرين بقدرتين إحداهما مؤثرة والاخرى كاسبة على فعل شخصى فجائز عند الاشعرى ،

قوله : والدليل عليه انه الخ ـ توضيحه ان الفعل الواحد الشخصى لو فرض وقوعه بقادرين فاما ان لا يحتاج إليهما وهو خلاف الفرض ، او يحتاج الى واحد منهما فقط وهو المطلوب ، او يحتاج الى كل واحد منهما فاما ان يستقل كل واحد منهما فى التأثير أو لا والثانى خلاف الفرض والاول يستلزم استغنائه بكل واحد عن كل واحد لان المفروض ان كل واحد يكفى فى صدور الفعل وحيث لا رجحان لاحدهما على الاخر لزم استغنائه عن كليهما وهذا خلف ، وهذه المسألة من جزئيات مسألة امتناع اجتماع العلتين التامتين على معلول واحد شخصى وهى المسألة الثالثة من الفصل الثالث من المقصد الاول.

قول المصنف : ولا استبعاد فى تماثلها ـ اى فى تماثل افراد القدرة لشخص واحد او لشخصين واكثر ، والشارح العلامة فرض الكلام فى شخصين وهو احسن مما صنع غيره من فرض فردين من القدرة لشخص واحد.

قوله : لان التماثل فى المتعلق الخ ـ يعنى ان التماثل فى المتعلق ( بكسر

٣٦٠