توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

بن محمّد احمد الغزالى الملقب حجة الاسلام زين الدين الطوسى الفقيه الشافعى لم يكن للطائفة الشافعية فى آخر عمره مثله اشتغل فى مبدأ امره بطوس على احمد الراذكانى ثم قدم نيسابور واختلف الى دروس امام الحرمين ابى المعالى الجوينى وجدّ فى الاشتغال حتى تخرج فى مدة قريبة وصار من الاعيان المشار إليهم فى زمن استاذه وصنف فى ذلك الوقت وكان استاذه يتبحبح به ولم يزل ملازما له الى ان توفى الجوينى فى التاريخ المذكور فى ترجمته فخرج من نيسابور الى العسكر ولقى الوزير نظام الملك فاكرمه ، الى ان قال : وصنف الكتب المفيدة فى عدة فنون ، وعد كتبه نحو سبعة عشر كتابا ، الى ان قال : ثم الزم بالعود الى نيسابور والتدريس بها بالمدرسة النظامية فاجاب الى ذلك بعد تكرار المعاودات ثم ترك ذلك وعاد الى بيته فى وطنه واتخذ خانقاه للصوفية ومدرسة للمشتغلين بالعلم فى جواره ووزع اوقاته على وظائف الخير من ختم القرآن ومجالسة اهل القلوب والقعود للتدريس الى ان انتقل الى ربه وكانت ولادته سنة خمسين وأربعمائة وقيل سنة احدى وخمسين وتوفى يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة خمس وخمسمائة بالطابران رحمه الله تعالى ودفن بظاهر الطابران وهى قصبة طوس.

اقول : ذكر المحدث الفيض الكاشانى رحمه الله تعالى فى مقدمة كتاب المحجة البيضاء ان الغزالى هذا استبصر فى اواخر عمره وتاب ورجع الى المذهب الحق.

وذكر ابن خلكان فى ترجمة اخيه ابى الفتوح احمد بن محمّد الغزالى : الطوسى بضم الطاء المهملة وسكون الواو وبالسين المهملة نسبة الى طوس وهى ناحية بخراسان تشتمل على مدينتين تسمى احداهما طابران بفتح الطاء المهملة وبعد الألف باء موحدة ثم راء مفتوحة وبعد الألف الثانية نون والاخرى نوقان بفتح النون وسكون الواو وفتح القاف وبعد الألف نون ولهما ما يزيد على الف قرية والغزالى بفتح الغين المعجمة وتشديد الزاء المعجمة وبعد الألف لام هذه النسبة الى الغزال على عادة اهل خوارزم وجرجان فانهم ينسبون الى القصار القصارى والى العطار

٢٨١

العطارى وقيل ان الزاء مخففة نسبة الى غزالة وهى قرية من قرى طوس وهو خلاف المشهور ولكن هكذا قاله السمعاني فى كتاب الانساب والله اعلم.

قوله : مجردة عن المواد ـ لانها كليات.

قوله : هاهنا معلومات غير منقسمة ـ يعنى بحسب المقدار وان كانت بتحليل العقل منقسمة الى الجنس والفصل.

قوله : فان واجب الوجود غير منقسم ـ اى مفهومه لان حقيقته غير معلومة.

قوله : لانا قد بينا ـ فى المسألة السادسة من الفصل الاول.

قوله : واذا ثبت هذه المقدمات ثبت تجرد النفس ـ حاصلها قياس من الشكل الثانى هو ان النفس الناطقة غير منقسمة للمقدمات الثلاث ولا شيء من الماديات بغير منقسم للمقدمة الرابعة فالنفس الناطقة ليست بمادية فهى مجردة لعدم الواسطة.

قوله : وفيه نظر للمنع من المساواة مطلقا عدا المساواة الخ ـ يعنى نمنع اذا كان كل جزء من العلم علما وكان علما بكل ذلك المعلوم ان يكون مساويا لكل العلم الا فى تعلقه بكل المعلوم كما ان كل العلم متعلق بكل المعلوم ، واما فى ما عدا التعلق فنمنع لزوم مساواة جزء العلم لكله ومساواة جزء الشيء لكله فى التعلق بشيء ليست بباطلة.

والجواب ان هذا المنع متوجه على القول بان حقيقة العلم هى نفس الاضافة ، واما على القول بانه حقيقة ذات الاضافة فمساواته له فى الاضافة والتعلق تستلزم مساواته له فى المقدار الّذي هو مفروض على تقدير الانقسام ، والمساواة فى المقدار بين الجزء والكل باطلة بالضرورة.

قوله : لانها تقوى على تعقلات الاعداد الغير المتناهية ـ وتقوى على تعقل الكليات والتصديق بالواقعات أيضا والموجود الحال فى المادة لا يقع منه هذه التعقلات والتصديقات بالبديهة ، على ان التعقل فى بدء الامر قبول ثم يتبعه افعال من النفس هى احاطة النفس بالافراد غير المتناهية المندرجة تحت الكلى المعقول

٢٨٢

اجمالا وتركيب المعقولات وتحليلها ، مع ان بعض النفوس البشرية الكاملة تقوى على امور لا تكون من شأن الماديات قطعا ، فلا وجه لنظر الشارح العلامة.

قوله : وقد بينا ان القوة الخ ـ فى المسألة الثانية عشرة من الفصل الثالث من المقصد الاول.

قوله : وقبول ما لا يتناهى فى الجسمانيات ممكن ـ كهيولى الاجسام فان لها قبولا لا يقف على حد فتأمل.

قوله : لو حلت جسما ـ حتى تكون جسمانية.

قوله : ما يعقل محلا ـ اى ما يفرض انه محل للنفس بفرض العقل.

المسألة السادسة

( فى ان النفس البشرية متحدة فى النوع )

قول المصنف : ودخولها تحت حد واحد يقتضي وحدتها ـ اعلم ان التعريف التفصيلى للنفس الانسانية هو كمال اوّل لجسم طبيعى آلى ذى حياة يصدر عنه التغذية والتنمية والتوليد والاحساس والحركة الارادية والتعقل وما يتبعه من الفكر والنظر والتصديق واستنباط الآراء ، وهذا الحد انما هو حد للنفس بما هى نفس اعنى بما هى متعلقة بالبدن ومدبرة له ومستعملة للقوى والاعضاء لصدور تلك الافعال فالنفس اسم لذلك الجوهر المجرد من حيث هذا التعلق والاضافة اذ من المعلوم انها كمال للجسم الطبيعى لتعلقها به لا من حيث جوهرها فى ذاتها ، وهذا هو السر فى عد مبحث النفس من مباحث الطبيعيات ، ولا شبهة فى ان هذا الحد منطبق على كل فرد من النفوس البشرية مأخوذا مع هذا التعلق والاضافة من دون لحوق قيد آخر به ، فمعنى دخول النفوس البشرية تحت حد واحد انه لو سئل بما هو عن كل فرد فرد منها باعتبار هذا التعلق لكان الجواب ذلك الحد المذكور من دون زيادة ونقصان ، ولا احتمال لان يكون للنفس من هذه الحيثية شيء آخر لم يذكر فى الحد ، كما ان للطائر مثلا حدا واحدا نوعيا ينطبق على كل فرد من حيث هو طائر وهو

٢٨٣

الحيوان السائر فى الجوّ بالجناح وهذا لا ينافى اختلاف ما صدق عليه هذا الحد فى الحقيقة ولا يستلزمه كان او لم يكن ، فما اورده الشارح العلامة غير وارد اصلا.

قول الشارح : والزمناه الدور الخ ـ هذا الزام بما ليس بلازم لان استفادة وحدتها فى الماهية ليس من الدخول فى الحد الواحد بل بتحليل العقل كل فرد فرد وتمييز ذاتياته عن عرضياته والحكم بان كل ماله هذه الذاتيات من دون نقصان وزيادة فهو فرد لمفهوم المحدود فيكون الحد راجعا الى المفهوم باعتبار افراده فى نفس الامر.

قوله : والاقرب فى الجواب الخ ـ اقول : ان الجوابين فى المآل واحد والاول ادقّ فتأمل.

المسألة السابعة

( فى ان النفوس البشرية حادثة )

قول الشارح : اختلف الناس فى ذلك الخ ـ قال الحكيم السبزوارى رحمه‌الله فى حاشيته على الاسفار فى الفصل الثانى من الباب السابع من سفر النفس : وجه الضبط فى استيفاء الاقوال فى الحدوث والقدم المنفس انه اما ان يقال بحدوث النفس او بقدمها والقائل بالحدوث اما ان يقول بحدوثها قبل حدوث البدن تصحيحا للذرّ والعهد والميثاق واما ان يقول بحدوثها مع حدوثه وهو قول اكثر الحكماء والمتكلمين واما ان يقول بحدوثها بحدوثه بل حدوثها حدوثه وهو قول المصنف قدس‌سره والقائل بالقدم اما ان يقول بالقدم الذاتى وهو قول من يقول النفس هى الاله كما نقل الشيخ فى الشفاء وهو مذهب الغلاة تعالى عن ذلك واما ان يقول بالقدم الزمانى والحدوث الذاتى فاما ان يقول بالقدم فى هذه السلسلة العرضية كما يقول به التناسخية واما ان يقول بالقدم فى السلسلة الطولية والقائل الثانى اما ان يقول بقدمها بما هى نفوس جزئية واما ان يقول بقدمها بما هى عقل كلى وهذا الاخر هو قول الفيلسوف الاعظم افلاطون الإلهى

٢٨٤

قوله : وتقرير هذه الحجة ان النفوس الخ ـ هذه الحجة تنفى ما عدا القول بحدوث النفس مع حدوث البدن والقول بحدوثها بحدوثه الّذي هو مذهب صاحب الاسفار.

قوله : لزم اتصاف كل واحد بالضدين ـ الاولى ان يقال : لزم اتصاف الواحد بالضدين لان المتصف بالمتضادين هو النفس الواحدة فيهما بل فى جميع افراد الانسان ، والحاصل ان النفس الانسانية لو كانت واحدة فى جميع الافراد لزم ان تتصف فى زمان واحد بالعلم ومقابله والإرادة ومقابلها والجبن ومقابله والسخاوة ومقابلها والرحم ومقابله والعداوة ومقابلها وهكذا اذ نرى بالحس والوجدان ان افراد الانسان متصفون بهذه المتضادات بعضهم ببعضها فى زمان واحد والتالى باطل بالضرورة

قوله : والاول باطل أيضا لانها لو تكثرت الخ ـ توضيحه ان النفس الانسانية المتكثرة فيما لا يزال اما ان كانت متكثرة فى الازل وهذا خلاف المفروض لان المفروض انها واحدة فى الازل واما ان تكثرت بعد ان كانت واحدة فى الازل وهذا محال اذ لا يمكن الا بان يبطل وينعدم النفس الاولى الواحدة وتحدث نفوس اخر كثيرة وهذا محال لما عرفت فى المسألة السابعة والاربعين من الفصل الاول من المقصد الاول من ان القديم لا يجوز عليه العدم ، مع ان هذا قول بحدوث هذه النفوس التى يكون النزاع فيها.

ان قلت : ان تكثر الواحد لا يستلزم انعدامه كما فى الحقيقة النوعية المتكثرة بالافراد وكما فى المادة المتكثرة بالصور ، قلت ان الواحد ان كان له وجود لنفسه وبالاصالة فى الخارج ينعدم بزوال وحدته لان الوحدة الحقيقية تلازم الوجود الحقيقى بل هو عينها ، وما مثلت به من الحقيقة النوعية والمادة لا وجود له بالاصالة ولنفسه فى الخارج.

قوله : اما ان كانتا حاصلتين قبل الانقسام ـ اى قبل انقسام النفس الواحدة ، ومعنى الكلام ان كون الكثرة موجودة للنفس حين كونها واحدة.

قوله : حدثتا بعد الانقسام ـ اى حدثت الكثرة بعد ان انقسمت النفس

٢٨٥

الواحدة وتكثرت.

قوله : واظن ان قوله رحمه‌الله وإلا لزم اجتماع الضدين الخ ـ حاصل الكلام ان الفرض الاول اى بقاء النفس الواحدة فيما لا يزال بوحدتها يستلزم اجتماع المتضادات فى الشيء الواحد ، والفرض الثانى اى كون الكثرة الموجودة الآن موجودة للنفس فى الازل اجتماع للضدين اذ المفروض انها فى الازل واحدة ، والفرض الثالث اى زوال النفس الازلية اجتماع للنقيضين اذ يلزم ان يكون الازلى الّذي لا يجوز عدمه معدوما ، والتعبير بالضدين فى هذا الفرض تسامح.

قوله : لان القول بالوحدة الخ ـ اشارة الى الفرض الاول.

قوله : والقول بالكثرة فيما لا يزال مع حصولها الخ ـ اى مع حصول الكثرة قبل انقسام النفس الواحدة ، وهذا اشارة الى الفرض الثانى.

اعلم ان انقسام الواحد الى الكثير انما يكون اذا كان للواحد مادة او موضوع والنفس الازلية لا مادة له ولا موضوع لانها ليست بعرض ولا مادة للنفس الا البدن والبدن حادث لانه من المركبات العنصرية وهى حادثة بالاتفاق والبرهان فلا يكون البدن مادة للنفس الازلية ، فاطلاق الانقسام على تكثر النفس الواحدة كما وقع فى كلام الشارح خطأ ، والحق فى التقرير ما قررنا.

قوله : والقول بالكثرة مع تجددها الخ ـ اى تجدد الكثرة بعد انقسام النفس الواحدة ، وهذا اشارة الى الفرض الثالث.

قوله : واما الثالث فلان اختلاف العوارض الخ ـ حاصل الكلام ان النفوس الازلية الواحدة بالنوع المتكثرة بالشخص لا تكون متكثرة الا بالابدان المتكثرة لان اختلاف العوارض الّذي هو سبب لتكثر الافراد لا يمكن الا بالموضوع وموضوع العوارض المختلفة للنفس البشرية انما هو البدن ووجود البدن فى الازل ممتنع لانه من المركبات العنصرية التى يحتاج وجودها الى الحركة والزمان وما يوجد فى الزمان فهو حادث.

قوله : لان نسبة العارض الى المثلين واحدة ـ اى نسبة كل عارض الى

٢٨٦

فردين من النفس واحدة فلا ترجيح لان يوجد فى احدهما دون الاخر من دون مرجح والمرجح ليس الا المادة وهى البدن.

قوله : لاستحالة الانطباع عليها ـ اى يستحيل ان ينطبع النفس فى المادة كانطباع اللون فى الموضوع وانطباع الصورة المائية مثلا فى الجسم لان ذلك ينافى تجردها الّذي اثبت فى المسألة الخامسة.

قوله : وإلا لزم التناسخ ـ اى ولو كان قبل البدن الّذي تعلقت به نفس بدن كانت تلك النفس متعلقة به وهكذا الى الازل لزم التناسخ وهو محال لما يأتى قريبا.

المسألة الثامنة

( فى ان لكل نفس بدنا واحدا وبالعكس )

قول المصنف : وهى مع البدن على التساوى ـ اى لا يتعلق ببدن واحد الا نفس واحدة ولا تتعلق نفس واحدة الا ببدن واحد ، اما الاول فهو امر وجدانى ضرورى فان كل انسان يجد ذاته ذاتا واحدة ، وتعدد الشئون والقوى غير تعدد النفس ، واما الثانى فان تعلق نفس واحدة ببدنين او اكثر على وجهين : اما على الاجتماع بان تدبر تلك النفس الواحدة فى بدنين معا وهذا باطل أيضا ضرورة ، وذكر لزوم كون معلوم احدهما معلوما للآخر ولزوم كون كليهما سخيين او بخيلين او شجاعين او جبانين مثلا وكذا باقى الصفات مع ان الامر ليس كذلك او اجتماع المتضادات فى الشيء الواحد لو كان احدهما سخيا والاخر بخيلا او احدهما شجاعا والاخر جبانا وهكذا تنبيه عليه ، واما على التعاقب بان تدبر تلك النفس الواحدة بدنا ثم تتركه وتحل بدنا آخر وتشتغل بتدبيره ثم تتركه وتحل بدنا آخر وهكذا وهذا هو التناسخ ، وسيأتى ذكره قريبا ، الا انه كان ينبغى ذكر هذا القسم والاستدلال على بطلانه أيضا هنا لان كلام المصنف : وهى مع البدن على التساوى شامل لهذا القسم أيضا ، ولذا احال المصنف بوجه بطلان التناسخ على هذا الموضع بقوله : وإلا بطل ما اصلناه من التعادل.

٢٨٧

المسألة التاسعة

( فى ان النفس لا تفنى بفناء البدن ولا بعده ابدا )

قول المصنف : ولا تفنى بفنائه ـ ان كثيرا من القوم جعلوا الكلام فى موضعين : الاول انها لا تفنى بفناء البدن والثانى انها لا تفنى مطلقا ، والكلام فى الموضع الثانى يغنى عن الكلام فى الموضع الاول فلذا اتى الشارح بدليلين على انها لا تفنى مطلقا.

قول الشارح : اما الاوائل فقد اختلفوا أيضا ـ هذا الاختلاف على المبنى فان من الاوائل من قال بمغايرة النفس للبدن فهو على انها لا تفنى ، ومنهم من قال انها هو او امر حال فيه فهو لا محالة على انها تفنى بفناء البدن بل لا معنى لفناء النفس عنده الا فناء البدن.

قوله : اما اصحابنا ـ يعنى المتكلمين فى قبال الفلاسفة ، وقد نقل الاجماع من المتكلمين على بقاء النفس بعد البدن.

قوله : على ما يأتى ـ فى المسألة الرابعة من المقصد السادس إن شاء الله تعالى.

قوله : لما ثبت من امتناع الخ ـ فى المسألة الاربعين من الفصل الاول من المقصد الاول.

اعلم ان على هذا المطلب شواهد من الآيات والاخبار : كقوله تعالى : ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ) ، وقوله تعالى : ( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) ، وقوله تعالى : ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ ) ، وغيرها على كثرتها

وكقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقتم للبقاء لا للفناء ، وقوله : خلقتم للابد وانما تنقلون من دار الى دار ، وقوله : الارض لا تأكل محل الايمان ، وامثال هذه الاخبار التى تدل مطابقة او التزاما على بقاء النفوس البشرية كثيرة بحيث تجاوزت عن حد التواتر ويحصل اليقين للمسلم الناظر فيها قطعا.

٢٨٨

قوله : فاستدلوا بانها لو عدمت لكان امكان الخ ـ هذا بيان لكبرى قياس هو ان النفس مجردة لما مر فى المسألة الخامسة وكل مجرد يمتنع عليه العدم ، وتوضيح ذلك يستدعى رسم امور :

الاول انك قد علمت الفرق بين الامكان الذاتى والامكان الاستعدادى وانه غير الاستعداد فى المسألة الثانية والثلاثين من الفصل الاول من المقصد الاول

الثانى ان فساد الموجود امر متجدد حادث فى الزمان وكل متجدد حادث كذلك كونا كان او فسادا مسبوق بحامل استعداد لذلك الكون او الفساد ، اما الصغرى فظاهرة واما الكبرى فلان المتجدد لو لم يكن مسبوقا بحامل استعداد ولم يكن امكانه مقيدا به لما كان متجددا بل كان دائميا اذ لا وجه لتجدد الممكن الا تقيد امكانه بشيء سابق عليه.

الثالث لو عرض الفساد على المجرد لكان فساده امرا متجددا فله حامل استعداد وحامل استعداد الفساد اما ذاته واما غيره ، الاول محال لان حامل استعداد الشيء حين عروض الفساد عليه يجب ان يكون موجودا فالشيء لو كان هو بنفسه حامل فساده لما بقى حين عروض الفساد عليه فلا يكون حامل فساده فبقى ان يكون غيره ، فذلك الغير اما امر اجنبى عنه واما تابع من توابعه فعلا او لازما او عارضا واما فاعل له واما موضوع له واما مادة له لا طريق الا الى الاخير فيكون للمجرد لو عرض عليه الفساد مادة وكل ما له مادة فهو مادى فلزم ان يكون المجرد ماديا مركبا وهذا خلف

قوله : لان القابل يجب وجوده مع المقبول ـ سواء كان المقبول كون شيء او فساده ، وهذا اشارة الى ما قلنا من ان حامل استعداد الشيء حين عروض الفساد عليه يجب ان يكون موجودا اذ لو لم يكن موجودا لما كان قابلا لكون ذلك الشيء او فساده مع انه قابل له

قوله : ولا يمكن وجود النفس مع العدم ـ اى مع عروض العدم والفساد عليها فلا تكون حاملة استعداد فسادها كما بينا.

٢٨٩

قوله : على ان تلك المادة الخ ـ توضيحه ان النفس لو كانت لها مادة فاما ان يستحيل الفساد والعدم على تلك المادة أوّلا ، الاول يستلزم المطلوب اذ نقول ان النفس هى تلك المادة اذ لا نعنى بالنفس الا جوهرا مجردا يستحيل عليه الفساد ويكون محلا للصور المجردة ، والثانى يستلزم ان تكون لتلك المادة مادة اخرى فننقل الكلام الى تلك المادة الاخرى فاما ان يستحيل عليها الفساد أو لا وهكذا فاما ان ينقطع الكلام الى مادة يستحيل عليها الفساد او لا ينقطع فان انقطع فتلك المادة هى النفس فان لم ينقطع لزم التسلسل اى وجود موادّ غير متناهية.

قوله : لانها مبنية على ثبوت الامكان الخ ـ هذا الاشكال غير وارد لان المراد بالامكان المذكور فى هذه الحجة هو استعداد الفساد والاستعداد سواء كان للفساد او الكون امر موجود حال فى المادة او الموضوع كما مر بيانه فى المسألة الثانية والثلاثين من الفصل الاول من المقصد الاول واشير إليه آنفا ، نعم لو استشكل بان مبنى هذه الحجة ان كل حادث مسبوق بالمادة وقد مر ابطال ذلك من المصنف فى المسألة السادسة والاربعين من الفصل الاول من المقصد الاول لكان له وجه.

قوله : لكن ذلك ينتقض الخ ـ هذا النقض غير وارد على مبنى الحكماء لانهم قائلون بان الجواهر البسيطة المجردة يمتنع عليها الفساد والعدم ، فلذلك قلت كما اشار إليه صاحب الاسفار ان هذه الحجة لا تختص بالنفس بل تعم كل جوهر بسيط مجرد.

قوله : لكن لم لا يجوز القول بكون النفس ـ هذا الاشكال اورده الفخر الرازى فى شرحه على الاشارات للشيخ ابن سيناء فى اوائل النمط السابع عند قول الشيخ : ولانه اصل فلن يكون مركبا الخ ، واجاب المصنف عنه فى شرحه على الاشارات بان النفس لو كانت لها هيولى وصورة فهيولاها اما ذات وضع او غير ذات وضع والاول محال لان ذا الوضع لا يكون جزءا لما لا وضع له ، والثانى لا يخلو اما ان تكون مع كونها غير ذات وضع ذات قوام بانفرادها او لم تكن فان كانت كانت عاقلة بذاتها على ما مر ( من ان كل مجرد عاقل فان المراد بالقائم بانفراده هو ما لا يحل فى الموضوع

٢٩٠

او المادة وهو المجرد ، وهذا المطلب فى هذا الكتاب يأتى فى آخر المسألة الثانية والعشرين من مبحث الكيف فى الفصل الخامس ) وكانت هى النفس وقد فرضناها جزءا منها هذا خلف ، وان لم تكن ذات قوام بانفرادها فاما ان يكون للبدن تأثير فى اقامتها او لم يكن فان كان كانت النفس غير مستغنية فى وجودها عن البدن فلم تكن ذات فعل بانفرادها على ما مر وقد فرغنا من ابطال هذا القسم ( اى عدم كون النفس ذات فعل بانفرادها ، وهذا المطلب فى هذا الكتاب يأتى عن قريب فى المسألة الحادية عشرة ) وان لم يكن للبدن تأثير فى اقامتها كانت باقية بما يقيمها من الصور وان لم يكن البدن موجودا وهو المطلوب.

وحاصل الجواب ان هيولى النفس بعد ان ثبت انها ليست بذات وضع وليست وحدها نفسا اما ان تقوم بالبدن او تقوم بالصور الحالة فيها والاول باطل لما مر والثانى يثبت المطلوب اذ مطلوبنا فى هذا المقام ان النفس لا تفنى بفناء البدن سواء كانت لها هيولى وصورة أم لم تكونا لها بل كانت هى بسيطة فان كونها مركبة منهما لا يضر بمطلوبنا هنا اذ على فرض ثبوت الهيولى والصورة لها ليستا هما من سنخ الهيولى والصورة الجسمانيتين

ثم قال المصنف بعد هذا الجواب : ثم ان الصور المقيمة اياها والكمالات التابعة لتلك الصور لا يجوز ان تفسد وتتغير بعد انقطاع علاقتها عن البدن لان التغير لا يوجد الا مستندا الى جسم متحرك كما تقرر فى الاصول الحكمية.

قوله : ثم ينتقض ذلك بامكان الحدوث الخ ـ هذا الايراد أيضا للفخر الرازى فى شرح الاشارات ، وتوضيح الايراد على ما ذكر المصنف فى شرح الاشارات ان الفساد والحدوث متساويان فى احتياجهما الى امكان يسبقهما والى محل لذلك الامكان او فى استغنائهما عن ذلك فان استغنى امكان الحدوث عن المحل مع وقوع الحدوث فليستغن امكان الفساد عنه أيضا مع وقوع الفساد وان افتقر امكان الحدوث الى محل هو البدن فليكن البدن أيضا محلا لامكان الفساد وبالجملة يجوز ان يكون البدن شرطا لوجود النفس ويلزم منه انعدام المشروط عند فقدان الشرط

٢٩١

واجاب عنه بما حاصله ان الشيء كما لا يكون محلا لامكان حدوث ذاته ولا امكان فساد ذاته لا يكون محلا لامكان حدوث ما هو مباين القوام له ولا محلا لامكان فساده وهذا ظاهر بديهى اذ لو جاز ان يكون الشيء محلا لمباينه فى القوام لكان كل شيء محلا لكل شيء وهو باطل بالضرورة ، بل الشيء انما يكون محلا لامكان حدوث ما هو متعلق القوام به ومحلا لامكان فساده كالاعراض الحالة فى الموضوعات والصور الحالة فى المواد فان البياض مثلا يتقوم بالجسم والصورة المائية مثلا تتقوم بالمادة الجسمية بحيث اذا فسد الجسم فسد البياض والصورة المائية وان كان تحصل الجسم نوعا مخصوصا اى الابيض او الماء انما هو بالبياض والصورة المائية.

والنفس البشرية ليست متعلقة القوام بالبدن فلا يكون البدن محلا لامكان حدوثها ولا لامكان فسادها.

بيان ذلك ان البدن فى تكامله فى الرحم يبلغ حدا يحصل له استعداد فيضان الصورة الانسانية التى يتقوم بها ويتحصل بها نوعا معينا هو الانسان فالبدن يصير انسانا بحلول تلك الصورة فيه فهو محل لامكان حدوثها الا ان تلك الصورة لا تحدث الا بحدوث نفس مجردة مرتبطة بالبدن ارتباط التدبير والاستعمال اذ من المعلوم ان البدن انسان وله صورة انسانية ما دامت النفس مرتبطة به هذا النوع من الارتباط فالبدن محل لامكان حدوث الصورة الانسانية وحدوث هذا الارتباط فهو محل لفسادها وفساده لا لفساد النفس المجردة من حيث هى جوهر مجرد ، وبعبارة اخرى ان البدن محل لإمكان حدوث النفس من حيث هى مبدأ قريب لحدوث الصورة الانسانية لا من حيث هى جوهر مجرد وكذا محل لفسادها من حيث هى مبدأ له فاذا فسدت الصورة الانسانية بفساد البدن وزوال الارتباط لم يلزم فساد ذات المبدأ بل فساد وصف كونه مبدأ لان وجود الشيء يستدعى وجود مبدئه ولكن عدمه لا يستلزم عدمه.

واما كون البدن المستعد شرطا لحدوث النفس فهو حق الا انه ليس كل شرط يلزم من انتفائه انتفاء المشروط كالبيت فانه يبقى بعد موت البناء الّذي كان شرطا

٢٩٢

فى حدوثه.

ثم قال : فان قيل لم اوجب استيجاب البدن لحدوث صورة ما حدوث مبدأ لتلك الصورة ولم يوجب استيجابه لفساد تلك الصورة فساد مبدأ ذلك وما الفرق بين الامرين قلنا لان ما يقتضي حدوث معلول ما فانما يقتضي وجود جميع علل ذلك المعلول بشرائطها وما يقتضي فساد معلول لا يقتضي فساد العلل بل يكفيه فساد شرط ما ولو كان عدميا.

المسألة الحادية عشرة

( فى كيفية تعقل النفس وادراكها )

قول الشارح : اعلم ان التعقل الخ ـ الادراك ينقسم الى التعقل وهو ادراك الكليات والمجردات ، والى التوهم وهو ادراك المعانى الجزئية والمراد بالمعنى هو كل جزئى لم يدرك باحدى الحواس الخمس الظاهرة ، والى الاحساس وهو ادراك الصور الجزئية باحدى الحواس الخمس الظاهرة من الاجسام فى الخارج ، والى التخيل وهو ايراد المتخيلة الصور الجزئية فى الحس المشترك بعد ان وقعت فى الخزينة فالفرق بين الاحساس والتخيل ان الاول هو ارتسام الصور الجزئية فى الحس المشترك من الخارج بتوسط الحواس الخمس والتخيل هو ارتسامها فيه من داخل الدماغ والخزينة بايراد المتخيلة.

وفى الادراك اصطلاحان احدهما ما مر وهو اعم من الاخر الّذي هو بمعنى الاحساس فقط. ويأتى بيانهما فى المسألة السادسة عشرة من مبحث الكيف فى الفصل الخامس ، والشارح استعمله فى هذه المسألة وما بعدها بكلا المعنيين.

قوله : وقد ذهب جماعة الخ ـ هذا يوهم ان فى كون العقل مدركا للكليات بنفسه خلافا بين القدماء والمتأخرين وهذا يعارض ما نقل بعض الشارحين من انه لا نزاع فى ان مدرك الكليات فى الانسان هو النفس.

قوله : وتدرك الامور الجزئية بواسطة الخ ـ ادراك النفس بواسطة القوى

٢٩٣

الجسمانية يتصور على وجوه :

الاول ان يكون القوى كالآلات الخارجية بحيث لم يكن لها سهم فى التأثر بل المتأثر بانطباع الصور والمعانى الجزئية هو النفس كما تتأثر من الصور الكلية بنفسها ، كما ان الآلات الخارجية لا سهم لها فى التأثير وانما هو من الفاعل ، وهذا باطل لما يأتى من امتياز المحل المنطبع فيه الصورة الجزئية المتمايز احد جانبيها عن الاخر.

الثانى ان يكون الانطباع فى القوى أولا ومنها فى النفس ثانيا بان تكون النفس أيضا مدركة فى طول القوى فيكون هنا ادراكان ومدركان كالقدر الّذي يتأثر من النار المجاورة له أولا ثم يتأثر الماء الّذي فيه بواسطته وهذا باطل أيضا لان الوجد ان يشهد بوحدة الادراك والمدرك.

الثالث ان يكون تأثر القوى عين تأثر النفس لاندكاك القوى وانطوائها من حيث الانية فى النفس فان النفس فى وحدتها عقل باعتبار التعقل ووهم باعتبار التوهم وخيال باعتبار التخيل وهكذا احساس وشهوة وغضب الى آخر شئونها فلذا يسند الانسان جميع افعاله وانفعالاته الى شيء واحد وشخص فارد هو المعبر عنه بلفظ انا ، وهذا هو المذهب الحق الّذي عليه المحققون.

هذه احتمالات فى كون القوى واسطة ، وقيل باستقلال كل قوة فى ادراك ما هو مختص بها من دون مداخلة النفس كما انها فى التعقل مستقلة من دون مداخلة القوى وهذا مذهب سخيف لانا نجد فينا حاكما بين المدركات المختلفة من الموهوم والمحسوس بانواعه والمتخيل وغيرها كما يحكم بان المحبة كائنة فى هذا الانسان وان هذا الّذي تخيلته قد ابصرته قبل عشر سنوات وغير ذلك والحاكم لا بدّ ان يحضره الطرفان حتى يحكم بينهما والحضور يستلزم ادراكهما.

وهاهنا احتمال آخر ذكره بعض وهو ان كلا من النفس والقوى فى عرض الاخرى مدركة بالاستقلال وهذا باطل أيضا لما مر فى الاحتمال الثانى.

قوله : هى محال الادراكات ـ يعنى ان المدركات منطبعة فى تلك القوى

٢٩٤

التى تكون منطبعة فى اجزاء الدماغ

قوله : وقد سلف تحقيق ذلك ـ فى المسألة الخامسة عند بيان الوجه الخامس

قوله : ثم اختصاص كل واحدة منهما الخ ـ توضيحه انه ليس كل مختلفين بالوضع موجودا فى الخارج كالعينين فى وجه الآدمي ، بل يمكن لنا ان نخترع بقوتنا المتخيلة شكلا لم ندركه اصلا كمربع يكون فى جانبيه مربعان اصغر منه كل منهما كالآخر فى كل شيء الا فى الوضع والمحل او عينين فى وجه آدمى احداهما فى جبهته والاخرى فى ذقنه والتفاوت بين العينين ليس الا فى الوضع والمحل وهذا الاختلاف فى المحل ليس بحسب الخارج اذ المفروض انهما غير مدركتين وغير مأخوذتين من الخارج فتعين كون الاختلاف فى الوضع والمحل بحسب اختلاف محل القوة الآخذة ، فلو كانت النفس بتجردها مدركة لهما لم يكن محل احداهما غير محل الاخرى ولم تتمايزا لانها مجردة لا يعقل فيها اختلاف وضع ومحل فتبين ان هاهنا قوى غير النفس مادية تدرك الجزئيات.

المسألة الثانية عشرة

( فى القوى النباتية )

قول الشارح : سيأتي بيانه ـ عن قريب فى آخر هذه المسألة.

قوله : اخص من الاولى ـ اى بحسب المتصف بهذه القوى لا من حيث صدق بعضها على بعض.

قوله : اما للجزئى وهو الاحساس ـ ان الاحساس قد يطلق على ما يقابل التعقل مطلقا كما هاهنا وهذا اما بالتجوز او بالاشتراك ، ونظير هذا الاطلاق يأتى فى كلام المصنف فى الفصل الخامس فى مبحث اللذة والالم.

قوله : يتوقف فعله على اربع قوى ـ ويقال لهذه الاربع خوادم الغاذية.

قوله : قد تتضاعف الخ ـ اعلم ان لكل عضو من اعضاء البدن هذه الاربعة اذ كل عضو يجذب إليه شيئا من مادة الغذاء مناسبا له كافيا لبقائه وشئونه ويمسك

٢٩٥

المجذوب ويهضمه اى يجعله مشابها لاجزائه ويدفع ما يفضل من ذلك ، ولكن بعضا من الاعضاء يفعل هذه الاعمال لنفسه ولغيره لا بمعنى انه يعمل عمل الغير بل هو مثلا يجذب أولا ويمسكه حتى يجذب منه سائر الاعضاء غير ما يجذب لنفسه بل الجذبان فى الواقع مختلفان كما لا يخفى وهذا معنى التضاعف.

قوله : والتى تمسكه هناك ـ عطف على التى قبلها اى والمعدة التى تمسك غذاء كلية البدن وتغيره وتدفعه

قول المصنف : والنمو مغاير للسمن ـ قالوا النمو هو الزيادة فى الاجزاء الاصلية من العظام والعروق والرباطات وغيرها وغايته بحسب النوع الى ثلاثين سنة ثم يكون واقفا الى اربعين ثم يشرع فى الذبول المقابل له الى آخر عمره ، والسمن هو الزيادة فى اللحم والشحم والدم ويمكن حصوله فى جميع ازمان العمر ويقابله الهزال.

قول الشارح : متداخلة فى اجزاء المزيد عليه ـ يعنى عند النمو تجذب الاجزاء الاصلية جوهر الغذاء وهو يداخلها ويزيد عليها.

قوله : على شكل الكرات ـ اى كل جنين يكون شكله كريا لوحدة الفاعل ووحدة المحل القابل ، ولكن يمكن ان يقال ان تلك القوة مسخرة تحت مدبر شاعر كما ان القوة المتخيلة قوة واحدة ولكن تفعل افعالا مختلفة من التركيب والتحليل وايراد الصور فى الحس المشترك وغيرها بتدبير النفس وتسخيرها.

المسألة الثالثة عشرة

( فى انواع الاحساس )

قول الشارح : وهو لدفع الضرر ـ اى الضرر المتوجه الى الحواس ومحالها يدفع بالعضو اللامس ويمكن ان يكون وجه التقديم ان الحيوان لا يخلو من اللمس ما دام حيا بخلاف الاربعة الباقية فان الحيوان يمكن ان يصير فاقدا لاحدها او اكثر ، او ان اللمس عام لجميع الحيوانات صغيرها وكبيرها ولا يمضى امر حيوان

٢٩٦

بدونه بخلاف الباقية فان من الحيوانات ما هو فاقد لبعضها فى اصل الخلقة.

قوله : فالجمهور على انها قوى اربع ـ قال صاحب الشوارق : الجمهور على ان اللامسة قوة واحدة بها يدرك جميع الملموسات كسائر الحواس فان اختلاف المدركات لا يوجب اختلاف الادراكات ليستدل بذلك على تعدد مباديها وذكر فى القانون ان اكثر المحصلين على ان اللمس قوى اربع وقال فى الشفاء ويشبه ان يكون قوى اللمس قوى كثيرة الخ ، فقول الشارح العلامة مأخوذ من كلام الشيخ واراد صاحب الشوارق بالجمهور المتكلمين.

قول المصنف : ومنه الشم ويفتقر الخ ـ الاقوال فى الشم ثلاثة :

الاول ان الهواء المتوسط يتكيف بكيفية ذى الرائحة من دون ان يخالطه اجزاء متحللة من الجسم ذى الرائحة وقوة الشم يتأثر من الهواء المتكيف.

الثانى ان اجزاء متحللة من الجسم ذى الرائحة تخالط الهواء وينقل الهواء تلك الاجزاء الى الخيشوم ويتأثر قوة الشم من تلك الاجزاء.

الثالث ان الهواء المتوسط لا يتكيف ولا يخالطه الاجزاء بل قوة الشم يتأثر من الجسم ذى الرائحة رأسا ولكن الهواء يمكن الجسم من التأثير فى الشامة.

اقول : الحس والتجربة يشهدان بان الجسم المتوسط بين ذى الرائحة وقوة الشم يتكيف بكيفيته ويخالطه اجزاء متحللة منفصلة من بعض الاجسام ذات الروائح ، واما القول الثالث فغير معقول

قول الشارح : قد فارقتا لين الدماغ الخ ـ اى ليس على لين الدماغ ولا على صلابة العصب بل متوسط بينهما.

قوله : المصنف ; نبه الخ ـ كلام المصنف ظاهر فى القول بتكيف الهواء ظهورا تاما وان كان الامران جائزين بل واقعين ، ولم يذكر الشارح القول الثالث لبعده عن الحق وعدم اشتهاره.

قول المصنف : ومنه السمع ـ وهو قوة مودعة فى العصب المفروش فى مقعر الصماخ وذلك العصب متصل الى اعصاب الدماغ ، والصماخ عظم شبية البوق طرفه

٢٩٧

الا وسع الى الخارج وفى طوله فرجة والتواء.

قول الشارح : ذهب قوم الى ان السمع الخ ـ لا شبهة ان السمع انما يتعلق بالصوت وسيأتى بيان حقيقة الصوت فى الفصل الخامس فى مبحث المسموعات إن شاء الله تعالى ، واختلف فى ان هذا التعلق لوصول الصوت بسبب الهواء الى السامعة او لتعلقها به مع كونه بعيدا عنها ، وذكرت للمذهب الاول أمارات :

الاولى ادراك الجهة التى يتكون فيها الصوت وادراك قربها وبعدها ولو لا وصول الصوت من تلك الجهة الى السامعة لما ادركت الجهة وقربها وبعدها ، وصاحب الشوارق ذكر هذه الامارة للمذهب الثانى ، والحق ان المذهبين مشتركان فيها.

الثانية تأخر السماع عن الابصار كما جرّب ان من ضرب فأسا على خشب من بعيد رأى ضربه قبل سماع صوته بزمان وهذا الزمان هو زمان حركة الصوت من موضع تكونه الى السامعة فلو كان السماع بنفس تعلق الحاسة بالصوت لما تأخر عن الرؤية.

الثالثة من وضع فمه على طرف انبوبة ووضع انسان آخر اذنه على طرفه الاخر وتصوّت فيها بصوت عال سمعه ذلك الآخر دون غيره من الحاضرين فلو لم يكن لوصول الهواء المنضغط دخل فى السماع لكان الباقون سامعين لذلك الصوت أيضا.

الرابعة ان الصوت يميل مع الريح لان الصوت يسمعه الانسان الّذي يكون فى جهة تهب الريح إليها دون من هو فى الجهة المقابلة لها وما ذلك الا لان الهواء يوصل الصوت إليه ولا يوصله إليه.

قوله : وفيه نظر لان الصوت الخ ـ الجواب ان الجدار يتكيف بالصوت كالهواء ولا يلزم نفوذ الهواء فيه مع انه ممكن ، واشكال الحروف والكلمات ليست كالاشكال المرئية حتى يمتنع بقائها عند تغير الجسم المتكيف بها ، واطلاق الشكل عليها على سبيل التجوز.

٢٩٨

قول المصنف : وهى قوة مودعة الى قوله بتلك ـ ليس فى سائر الشروح ، والشارح العلامة لم يأت به فى الشرح أيضا ، فكانه زيادة من النساخ ، ويمكن ان يكون هو الشرح من الشارح سقط اقول من القلم وخطّ الناسخ فوقه بالقلم.

قوله : بعد تلاقيهما بتلك ـ اى بعد تلاقى العصبتين بتلك القوة المودعة فى الملتقى الّذي تلك القوة فيه اكثر ويسمى ذلك الملتقى بمجمع النورين ، والتقائهما على سبيل التقاطع بحيث يبتدى احداهما من جانب الدماغ الايمن وينتهى الى الحدقة اليسرى ويبتدى الاخرى من جانب الدماغ الايسر وينتهى الى الحدقة اليمنى.

قوله : وهو راجع فينا الى تأثر الحدقة ـ عند جماعة من الفلاسفة والمعتزلة ، وراجع الى خروج الشعاع عند الرياضيين وعند المصنف فى هذا الكتاب على ما يأتى عن قريب ، ويمكن ان يكون مختار المصنف ان تحقق الابصار بكلا الامرين تأثر الحدقة وخروج الشعاع كما يشعر به الباء فى قوله : بخروج الشعاع ، واما فى الله تعالى فراجع الى صفة زائدة على الذات مغايرة للعلم عند الاشاعرة والى العلم بالمبصرات عند غيرهم.

قول الشارح : وذهبت الاشاعرة الخ ـ يعنى وذهبت الاشاعرة تبعا للرياضيين الى ان الابصار فينا معنى زائد على تأثر الحدقة هو خروج الشعاع او غيره ، ولا يبعد ان يكون فى الشرح سقط كثير.

قوله : شرائط الادراك ـ اى شرائط الادراك بالبصر الّذي هو الابصار.

قوله : او فى حكم المقابل ـ كوجه الانسان الّذي يراه فى المرآة.

قوله : لوقوع التفاوت الخ ـ فيه ان هذا المقدار من التفاوت لا يوجب ابصار بعض الاجزاء الّذي يقع عليه عمود المثلث دون باقى الاجزاء الّذي يقع عليه ضلعا المثلث ، والحاصل ان الشارح العلامة وافق الاشاعرة فى ان السبب فى رؤية الكبير صغيرا عن بعد هو رؤية بعض الاجزاء دون بعض الا ان الاشاعرة يقولون ان جميع اجزاء المرئى متساوية فى الشرائط والشارح يقول ليس كذلك بل يتفاوت الاجزاء بحسب القرب والبعد من الحدقة فيكون القريب مرئيا دون البعيد ، وهذا

٢٩٩

خطأ ظاهر ، وليس هو سببا لذلك ، بل السبب على القول بخروج الشعاع المخروطى هو ان زاوية المخروط التى هى عند الحدقة كانت اوسع اذا كان المرئى اقرب من الحدقة فيرى اكبر وكانت اضيق اذا كان المرئى ابعد منها فيرى اصغر ، وتفصيل الكلام يطلب من المطولات.

قوله : ويتحقق التفاوت الخ ـ يعنى تفاوت اجزاء المرئى فى القرب والبعد من الحدقة يتحقق ويعلم من فرض خروج هذه الخطوط الثلاثة منها الى المرئى لان الخط الشعاعى الواصل الى كل من الطرفين اطول من الواصل الى الوسط.

قوله : ضلعا مثلث ـ اى مثلث مسطح ان كان المرئى خطا واما ان كان سطحا فكان الشعاع الخارج من الحدقة على شكل مخروط قاعدته اقصر من اطرافه.

قوله : لانه يوتر الحادة ـ يعنى يصير وترا لكل من الزاويتين الحادتين اللتين يكتنف بكل منهما احد الضلعين ونصف القاعدة ، ووتر المثلث كل ضلع منه باعتبار وقوعه فى مقابل زاوية من زواياه الثلاث ، ووتر الزاوية الحادة اقصر من وتر الزاوية القائمة وهو اقصر من وتر الزاوية المنفرجة فى مثلث واحد تقوم احدى زواياه تارة وتنفرج اخرى.

قوله : يوتر ان القائمة ـ يعنى هما يوتران زاويتين قائمتين احداهما فى جانب من الخط العمود والاخرى فى جانب آخر منه.

قوله : اختلف الناس فى كيفية الابصار الخ ـ الاقوال فى كيفية الابصار ترتقى الى سبعة : القول بخروج الشعاع المنشعب الى ثلاثة اقوال : هى القول بان الشعاع الخارج من العين على شكل مخروط مصمت رأسه عند الحدقة وقاعدته عند المرئى ، والقول بان المخروط مركب من خطوط شعاعية مستقيمة اطرافها التى عند الحدقة مجتمعة ثم تمتدّ متفرقة الى المرئى كلما تقرب منه يزداد تفرقها ، والقول بان الشعاع الخارج خط واحد مستقيم فاذا انتهى الى المرئى تحرك على سطحه بسرعة فيتشكل مخروطا ، وهذه الثلاثة مذاهب الرياضيين.

٣٠٠