توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

والتالى باطل بالحس والتجربة.

ولا يخفى ان هذا الدليل ينفى كون الارض ذات سطوح متعددة ، ولا يثبت كونها كرية ، اذ لو ادعى احد انها بيضية فله ان يقيم هذا الدليل.

قوله : والسائر على خط الخ ـ هذا دليل ثان على كرية الارض ويرد عليه ما يرد على الاول.

قوله : والبعد بينه وبين القلة الخ ـ يعنى والحال ان البعد بين راكب البحر وبين رأس الجبل بالخط المستقيم اكثر من البعد بينه وبين اسفله بالخط المستقيم وذلك لان الضلع الثالث من المثلث القائم الزاوية اطول من كل واحد من الضلعين المكتنفين بالزاوية القائمة كما بين فى محله.

قوله : من مزاوجات الكيفيات الخ ـ اى من الازدواجات الثنائية التى لا اقل منها ولا اكثر لما مر من ان العنصر اما حار ويابس او حار ورطب او بارد ويابس او بارد ورطب.

قوله : عند إلحاح النفخ الخ ـ كما يضع الحداد الفحم فى الكور وينفخ عليه بالكير شديدا فاذن يشتعل الفحم من دون تقريب نار منه.

قوله : اجسادا صلبة حجرية ـ كالملح والزاج وهذه الامثلة للانقلاب الى الملاصق واما الانقلاب الى غير الملاصق بواسطة او واسطتين يعلم بالقياس عليه

قوله : هى الفلك الاثير ـ الاثير فى اللغة المؤثر والمختار على صيغة المفعول.

وفى الاصطلاح هو الجسم الفلكى ، ويطلق على كرة النار أيضا لشرافتهما التى توجب اختيارهما وتقدمهما على سائر العناصر للبحث ، اما شرافة النار فلكثرة فوائدها ومنافعها ، واما شرافة الافلاك فلانها آباء والعناصر امهات ولانها احياء ، ناطقون ، مظاهر للعقول الكلية وأماكن للروحانيين والمقربين ، عاشقون لجمال الحق الاول ، دائرون على الدوام حبا وولها ، كذا قيل فى وجه التسمية.

قوله : فقالوا ان كل جزء من الفلك الخ ـ مرادهم به ان السطح المقعر من فلك القمر مكان للسطح المحدب من كرة النار بحيث يكون السطحان ملتصقان

٢٦١

لا يزلق احدهما عن الاخر فعبروا عن هذا الالتصاق بان كل جزء مفروض من مقعر الفلك مكان لجزء مفروض من محدب الكرة بمعنى ان مكان هذا الجزء لا يتبدل لعدم الزلق وهذا لا يستدعى اختلاف اجزاء الفلك فى شيء اصلا. فحال كرة النار بالنسبة الى فلك القمر كحال الكوكب بالنسبة الى فلك التدوير على قول من لا يرى للكوكب حركة بنفسه ، فلا يتوجه ما اورده اخيرا بقوله : مع ان الفلك بسيط لا جزء له ولو فرض الخ ، لان هذه التجزية فى سطحه المقعر بحسب الفرض ولا تنافى بساطته ولا تستلزم اختلاف الاجزاء فى شيء.

قوله : كالساكن فى السفينة ـ وجه الشبه ان الحامل والمحمول فى المثال والممثل له فى حكم شيء واحد.

قوله : لان الشهب لا تتحرك الى جهة واحدة الخ ـ هذا الاشكال غير وارد لان الحركات المختلفة لعلها تكون لنفس الشهب لا تبعا لكرة النار لانها على ما قالوا أدخنة متراكمة تتصاعد وتصل الى كره النار وتحترق بها ومن الممكن ان يتوجه احتراق كل منها الى جهة

قوله : وإلا لزم حركة كرة الهواء الخ ـ هذا النقض غير متوجه اذ من الممكن ان يكون فى غير كرة النار مانع او فيها شرط لم يكن فى غيرها.

قوله : المجاور للارض الخ ـ اى الطبقة الاولى هى الهواء المجاور للارض

قوله : المتسخن لمجاورة الارض ـ لان الارض تتسخن بسبب شعاع الشمس المنعكس والهواء المجاور لها يصير متسخنا لذلك

قوله : المتشعشع بشعاع النير ـ اى المتنور بشعاع الشمس المنعكس لان الشعاع اذا نفذ ولم ينعكس بوصوله الى كثيف لم يؤثر حرارة ولا ضياء.

قوله : وهى بخارية حارة ـ اى الطبقة الاولى سميت بالبخارية الحارة.

قوله : بخلاف التراب المتاثر عنه سريعا ـ هكذا فى النسخ وهو غلط من القلم ، والصحيح التراب المتناثر اى التراب الّذي ينفصل ويتناثر عن العضو سريعا

قوله : انه محيط باكثر الارض ـ انما قال باكثر الارض مع ان المصنف قال

٢٦٢

بثلاثة ارباع الارض اشارة الى ان ثلاثة ارباع تقريبية لا تحقيقية.

قوله : متعادلة ـ اى فى الكمية والمقدار.

قوله : والا لاستحال الاضعف ـ اى يضمحل وينتفى لصغره وقلته ، وهذا حكم لا به علم ولا ظن

قوله : والا فاما ان يكون فوق الارض الخ ـ اى وان لم يكن كرة الماء هذا البحر المشاهد المحيط بثلاثة ارباع الارض فاما ان تكون فوقها او تحتها والتالى باطل بقسميه.

قوله : والا لكان اصغر من الارض ـ اى وان لم يكن التالى باطلا بقسميه وكانت كرة الماء اما تحت الارض واما فوقها غير هذا البحر المشاهد المحيط لكانت اصغر من الارض واضعف ولزم استحالته وعدم عنصره.

قوله : فان كانت بسيطة فالمطلوب الخ ـ اى فان كانت الارض غير ممتزجة بغيرها من المركبات الفاسدة كاصول الاشجار وغيرها فهو المطلوب وان كانت ممتزجة فلا بد ان تكون شفافة لغلبة الاجزاء الارضية كثيرا وليست بشفافة لانها مرئية ، واجيب بان الرؤية لا تنافى الشفوف لان الزجاجة مرئية شفافة.

قوله : ثم نقضوا كبرى ذلك بالقمر ـ يعنى نقضوا قول خصمهم : ان الارض بسيطة وكل بسيط شفاف بالقمر فانه بسيط وليس بشفاف لكونه ملونا : واجيب بان اللون لا ينافى شفوفا ما كالماء والزجاجة.

المسألة الثالثة

( فى البحث عن المركبات )

قول الشارح : وبدء من ذلك بالبحث عن بسائطها ـ حيث قال : فهذه الاربعة اسطقساتها ، والمركبات تتكون منها.

قوله : هى اجزاء العالم ـ اى اجزاء العالم الكائن الفاسد وهو ما دون القمر من الاجسام والاعراض

٢٦٣

قوله : من المعادن والنباتات ـ وغيرها من الحيوانات والمركبات الناقصة المسماة بكائنات الجوّ من الابخرة والادخنة والسحاب والرعد والبرق والصاعقة والهالة وقوس قزح وغيرها ، وفى الحديث : لا تقولوا قوس قزح فان قزح ( على وزان عمر ) اسم شيطان ولكن قولوا قوس الله.

قوله : تسمى اسطقسات ـ وتسمى عناصر من حيث ان المركب ينحل إليها ، واصول الكون والفساد من حيث ان كلا منها ينقلب الى الاخر.

قوله : انكساغورس ـ قال القفطى فى اخبار العلماء : انكساغورس اليونانى حكيم مشهور مذكور كان قبل ارسطوطاليس وعاصره وهو من مشاهير الفلاسفة ومذكوريهم وله مقالات منقولة فى مدارس التعليم.

وقال الحكيم السبزوارى رحمه‌الله فى تعليقته على الاسفار : نقل عن انكساغورس ان اصل العالم الّذي ابدعه المبدأ الاول هو الخليط.

قول المصنف : وتفعل الكيفية فى المادة الخ ـ اعلم ان كلا من هذه العناصر الاربعة له مادة وصورة وكيفية ولا ريب انه عند التركيب يفعل فى الباقية وينفعل عنها ولا يمكن ان يكون فاعلا من حيث هو منفعل لما مر فى المسألة السادسة من الفصل الثالث من المقصد الاول من امتناع اتحاد الفاعل والقابل ، فالاحتمالات المتصورة على ما هم عليه من ان الفاعل احدى الثلاث اى المادة والصورة والكيفية وكذا المنفعل ستة من كون كل واحدة منها فاعلة واحدى الباقيتين منفعلة ، واما كون المادة فاعلة فغير ممكن لانها ليس لها فعلية ليكون لها شأن التأثير فهى المنفعلة لا محالة لان لها شأنا فى المقام فالفاعل اما الصورة او الكيفية وكونه الصورة ينتقض بما اورده الشارح العلامة فالفاعل هو الكيفية والمنفعل هو المادة.

قوله : متشابهة فى الكل متوسطة ـ معنى التشابه ان الكيفية الحاصلة من تفاعل الاربعة فى كل جزء من اجزاء المركب تساوى الحاصلة فى سائر الاجزاء فى الحقيقة النوعية والاختلاف انما هو من حيث المحل حتى ان الجزء النارى الّذي كان قبل التركيب فى غاية الحرارة كالجزء المائى فى الحرارة والبرودة واليبوسة

٢٦٤

والرطوبة ، ومعنى التوسط ان كل جزء منها متوسط فى الكيفية بين الكيفيتين المتضادتين بمعنى انه يستسخن بالقياس الى البارد المحض ويستبرد بالقياس الى الحار المحض ويسترطب بالقياس الى اليابس المحض ويستيبس بالقياس الى الرطب المحض.

قول الشارح : وفعل كل منهما فى الاخر ـ اى فعل كل من الحار الّذي هو النار والهواء والبارد الّذي هو الماء والارض فى الاخر وفعل كل من الرطب الّذي هو الهواء والماء واليابس الّذي هو النار والارض فى الاخر ، فلا يتوهم ان مراده ان الفعل والانفعال انما هما بين اثنين اثنين لان كلا من العناصر الاربعة يفعل فى الباقية وينفعل عنها اذ لو لا ذلك لما حصلت الكيفية المتشابهة ، وفى بعض النسخ : وفعل كل منها فى الاخر لكنه لا يناسب قوله : اذا اجتمعا.

قوله : ويلزم من الاول الخ ـ لو فرضنا الفاعل والمنفعل فى كل من العناصر الاربعة شيئا واحدا.

قوله : وفيه نظر لان المادة الخ ـ توضيحه ان مادة الماء الحار المنفعلة لا تنفعل ولا تستحيل ولا تنكسر فى ذاتها لان المادة لا تتغير ولا تستحيل عن كونها مادة اذ هى باقية بحالها أولا وآخرا بل انما تنفعل فى الكيفية الفاعلة التى هى الحرارة الفاعلة فى مادة الماء البارد مثلا بمعنى ان الحرارة تستحيل من الشدة الى الضعف وتنكسر سورتها وحدّتها وكذا الحال فى مادة الماء البارد ، فاذا كان الامر كذلك فالفاعل والمنفعل فى الحقيقة والواقع هما الحرارة والبرودة اذ هما تكسر كل منهما الاخرى وتنكسر منها ، فاذن هما اذا تفاعلتا فى آن واحد يلزم ان يكون الشيء الواحد غالبا ومغلوبا دفعة واحدة بالنسبة الى شيء واحد لان كلا منهما غالبة ومغلوبة بالنسبة الى الاخرى وهو محال لان الغالبية تستلزم شدة الحرارة والمغلوبية تستلزم ضعفها وكون الحرارة الواحدة فى زمان واحد شديدة وضعيفة اجتماع النقيضين لان الشدة حيثية الوجود والضعف حيثية العدم ، واذا فعلت احداهما قبل الاخرى ثم فعلت الاخرى يصير الغالبة مغلوبة والمغلوبة غالبة وهو محال أيضا لانه يستلزم الوجود بعد العدم والعدم بعد الوجود من غير سبب

٢٦٥

فائدة وزيادة توضيح وتحقيق ـ ان الانفعال قد يستعمل بمعنى قبول الاثر كما يقال انفعل منه اى قبل منه الاثر ويقال له التأثر وفى قباله الفعل والتأثير بمعنى صدور الاثر من الفاعل وايصاله الى القابل ، ولا شبهة ان الانفعال بهذا المعنى غير الفعل اذ هما معنيان متقابلان متضائفان احدهما عنوان ينتزع من الفاعل والاخر من القابل ، وقد يستعمل بمعنى انكسار سورة الشيء فى صفة واستحالته من مرتبة قوية لتلك الصفة الى مرتبة ضعيفة لها وهذا المعنى لا يضايفه الفعل بل للشىء المنفعل بهذا المعنى اضافة الى ضده المقاوم الّذي تنكسر سورته بسببه وبالعكس كالماء الحار والماء البارد اذا اختلطا وهى اضافة التكاسر وبهذا المعنى استعمله الشارح العلامة فى اعتراضه على المصنف ، وقد يستعمل بمعنى الاثر الّذي يقال له الفعل بالقياس الى الفاعل والانفعال بالقياس الى المنفعل كما يقال له المفعول والمقبول بالاعتبارين فان الاثر له اضافتان الى الطرفين ، والنزاع فى ان الفعل والانفعال واحد او اثنان نشأ من الخلط بين المعنى الاول والثالث والا فلفظى.

اذا عرفت هذا فالمادة انما تنفعل بالمعنى الاول فى نفسها لا فى غيرها بمعنى انها تقبل الكيفيتين المتضادتين.

ان قلت : قبولها لهما يستلزم اجتماع الضدين ، قلت : انهما بعد التكاسر لا تبقيان متضادتين بل تنقلبان الى كيفية واحدة متوسطة.

وبالمعنى الثانى تنفعل فى الكيفية بالتفسير الّذي قدمناه من ان المنفعل اى المستحيل فى الحقيقة هو الكيفية التى تفعل فى الكيفية المقابلة اى تكسر سورتها وتحيلها من مرتبة شديدة الى مرتبة ضعيفة وتنكسر منها وكذا الكيفية المقابلة فاذا كانت كل منهما كاسرة للاخرى ومنكسرة منها توجه ايراد اجتماع الغالبية والمغلوبية او صيرورة المغلوب غالبا والغالب مغلوبا ،

وهذا الايراد لا يتوجه على القول بكون الفاعل هو الصورة لان الصورة حينئذ تفعل فعلين اعطاء اثرها للمادة وكسر السورة فان الصورة النارية مثلا تجعل اثرها فى المادة وتكسر سورة برودة الماء ولكن تأثيرها الاول عام لسائر العناصر وتأثيرها

٢٦٦

الثانى يختص بما يضادها فى الكيفية ، وهكذا سائر العناصر

فالحق كما يأتى التصريح به فى كلام الشارح فى المسألة الخامسة من مبحث الكيف فى الفصل الخامس ان الفاعل هو الصورة وهى كما تؤثر فى مادة نفسها تؤثر فى مادة غيرها ، والمادة واحدة تقبل الاثر من اى مؤثر كان ، والمنفعل هو المادة لانها تقبل اثر الصورة ، والكيفية اثر صادر من الصورة واصل بالمادة ، وكسر سورة كل من الكيفيتين المتضادتين تفعله صورة مقابلتها ، ولا يمكن ان تكون الكيفية كاسرة السورة لما مرّ ، بل الكسر يقع بالكيفية لا من نفسها بل مما هو فاعل الكيفية وهو الصورة ، فالكيفية آلة ، والصورة معطية الكيفية للمادة وكاسرة سورة الكيفية المضادة لكيفيتها ، والمادة منفعلة فى نفسها اى قابلة للكيفية من الصورة ومنفعلة فى كيفيتها اى تستحيل كيفيتها من مرتبة قوية الى مرتبة ضعيفة ، والكيفية مفعولة ومقبولة وآلة لكسر السورة ، والصورة كالمادة من حيث هى صورة باقية بحالها أولا وآخرا والتغير للكيفية.

واما الاشكال الّذي اورده الشارح العلامة على القول بكون الفاعل هو الصورة فغير وارد لان قبول مادة الماء للحرارة لا يستلزم وجود صورة تقتضى الحرارة بل يستلزم وجود الحرارة باى محل قامت سواء كان مادة صورتها او مادة غير صورتها والصورة المائية المكيفة مادتها بالحرارة بالعرض كافية للفعل والتأثير لان الاعطاء كما يمكن من الواجد بالاستقلال يمكن من الواحد تبعا وبالعرض.

قوله : عارض ينتهى بها ـ اى عارض ينقل حرارة النار من حدها الى حد اضعف هو حدها حين كونها جزءا من المركب.

قوله : وابطله الشيخ الخ ـ توضيحه ان بطلان الصورة وحدوث صورة اخرى فساد وكون لا مزاج لانه انما يكون عند بقاء الممتزجات باعيانها مع ان عروض العارض على العنصر بانفراده واحالة كيفيته الى كيفية اخرى امر ممكن واقع ولكن ذلك لا يستفيض صورة مركبة حتى يصير لحما او غيره لان ذلك يتوقف على حصول مزاج مستعد لها وحصول المزاج انما هو بتركيب العناصر.

٢٦٧

قوله : ولان الكاسر باق مع الانكسار ـ اذ لو لم يبق توجه اشكال اجتماع الغالبية والمغلوبية او صيرورة الغالب مغلوبا والمغلوب غالبا.

قوله : فان شرطوا التركيب كان هو جوابنا ـ يعنى فان شرطوا التركيب لبطلان نارية الجزء النارى وتكونها صورة اخرى كان ذلك نقضا عليهم فيما ذهبوا إليه من امكان صيرورة النار البسيطة لحما وان لم يشرطوا لزمهم ما مر من انه كون وفساد لا مزاج.

قوله : من الاعتدال ـ مناط اعتدال المزاج هل هو كمال تصغر الاجزاء المستلزم لكمال الخلط والامتزاج فكلما كانت اجزاء البسائط اصغر كان من الاعتدال اقرب وكلما كان اكبر كان منه ابعد ، أم تساوى العناصر فى المقدار حجما او وزنا ، أم اختلافها فيه كذلك ، أم تساوى الاجزاء المتصغرة من كل عنصر حجما او وزنا ، أم اختلافها كذلك. أم بالاختلاط من بعض هذه الصور التسعة مع بعض الّذي ينقسم الى صور؟

ظاهر الشارح العلامة هو الاول حيث قال فيما يأتى : الامزجة تختلف باختلاف صغر اجزاء البسائط وكبرها الا ان ظاهره حيث قال لان البسائط اما ان تتساوى فيه ( اى فى المركب ) وهو المعتدل هو كون المناط تساوى العناصر فى المقدار باحد القسمين او تساوى الاجزاء المتصغرة فيه باحد القسمين ، اللهم الا ان يقال : ان المناط هو مجموع كمال تصغر الاجزاء وتساوى الاجزاء المتصغرة حجما فتأمل ، مع انه لا يأبى عن الامكان ان يقال : ان مناط الاعتدال كمال التوسط فى الكيفيات المتضادة فالوسط الحقيقى هو المعتدل بقول مطلق وكلما كان اقرب إليه فهو اقرب الى الاعتدال وكلما كان ابعد فهو ابعد منه وقد مضى معنى التوسط فى اوّل المسألة وهذا هو الحق كما يأتى الايماء إليه فى كلام الشارح وغيره الا ان هذا الاعتدال والاختلاف بحسب القرب منه والبعد منه لا يتم الا باعتدال فى اجزاء الاسطقسات واختلاف فيها.

قول المصنف : بحسب الشخص ـ اى شخص المركب ومزاجه.

قوله : مزاج ذو عرض له طرفا افراط وتفريط ـ اعلم ان الانواع الاولية

٢٦٨

للمركبات التامة هى المعدن والنبات والحيوان المسماة بالمواليد الثلاثة وتحت كل منها انواع كثيرة فان المعدن ينقسم الى الجامد والمائع المنقسم الى اللاصق كالنفط وغير اللاصق كالزيبق والجامد ينقسم الى الجواهر الشفافة كالالماس والياقوت والى غير الشفافة المنقسم الى الفلز كالحديد والنحاس والذهب والرصاص والى غير الفلز المنقسم الى الطين كطين داغستان وطين الطباشير والطين الاحمر والى غيره كالحجر المعدنى ، والنبات ينقسم الى البحرى والبرى المنقسم الى ذات الاثمار وغيرها المنقسم الى ذات الورد وغيرها ، والحيوان ينقسم الى البحرى والبرى المنقسم الى الطائر وغير الطائر المنقسم الى ذوات القوائم وغيرها مما فى احصاء خالقها.

ولا شبهة ان تلك الانواع والتى تحتها وتحت ما تحتها مختلفة اختلافا لا يكون بسبب الهيولى ولا بسبب الجسمية المشتركة لان كلا منهما حقيقة واحدة فى الجميع ولا بسبب المبدأ الفياض ولا بسبب العناصر لان الاختلاف بها لا يزيد على أربعة فهو اذن بسبب التركيب وما يعرض بعده من المزاج فان الامزجة تختلف باختلاف التراكيب التى تختلف باختلاف الكيفيات التى تختلف باختلاف مقادير اجزاء الاسطقسات ، ولما كان انقسام الاسطقسات غير متناه بمعنى انه لا يقف على حد كان التركيب غير متناه والمزاج الّذي يبتنى على التركيب غير متناه فكلما خرج مزاج الى الوجود امكن مزاج آخر غير ما خرج إليه فلذلك لم يكن اثنان ولو من نوع واحد متوافقين فى كل شيء ، وعدم التناهى هذا هو طول المزاج للنوع ، وله عرض محدود بجانبين يقال لهما طرف الافراط وهو الطرف المنتهى الى نوع آخر اشرف وطرف التفريط وهو الطرف المنتهى الى نوع آخر اخسّ ، فلنوع المعدن طرف تفريط لو تنازل فى المزاج عنه وبعد من الاعتدال اكثر مما كان للحق بالعنصر كالطين الاصفر مثلا وطرف افراط لو تصاعد فيه عنه وقرب من الاعتدال اكثر مما كان للحق بالنبات كالمرجان مثلا ، ولنوع النبات طرف تفريط لو تنازل عنه للحق بالمعدن كذات اشواك تنبت فى قفار البر وطرف افراط لو تصاعد عنه للحق بالحيوان

٢٦٩

كالنخل فان له بعض خواص الحيوان كما ذكر فى مظانه ، ولنوع الحيوان طرف تفريط لو تنازل عنه للحق بالنبات كالخراطين وطرف افراط لو تصاعد عنه للحق بالمجردات كالازكياء من نوع الانسان ، هذا فى الانواع الاولية وكذا انواع الانواع فان العقيق مثلا له طرفان وشجر التفاح مثلا له طرفان والبقر مثلا له طرفان يكون الخارج من احد الطرفين داخلا فى نوع آخر ، وهذا هو عرض المزاج للنوع.

قول الشارح : فاعلم ان الامزجة تسعة الخ ـ هذا التقسيم للمزاج المطلق بحسب الاعتدال والخروج عنه فالمعتدل قسم واحد والخارج اقسام ثمانية.

قيل : ان المعتدل لا يمكن وجوده لان اجزائه متساوية فى الميل الى احيازها الطبيعية متقاومة فلا يقسر بعضها بعضا على الاجتماع لامتناع ان يغلب بعض من الامور المتقاومة بعضا آخر منها وطبائعها داعية الى الافتراق بالتوجه الى أحيازها الطبيعية المختلفة فيحصل الافتراق قبل حصول الفعل والانفعال فانه يستدعى مدة لانه حركة من كيفية الى اخرى فلا يحصل بينها مزاج لتوقفه على حصول تلك الحركة وحدوثه بعد انقطاعها ، وقد مرت الاشارة الى هذا فى المسألة الثامنة من الفصل الاول عند قول الشارح : ولا استمرار للمعتدل لسرعة انفعاله بالامور الغريبة.

والجواب ان الاعتدال ليس بتساوى العناصر حتى يلزم ذلك مع ان اجتماع الاجزاء وبقاء المركب ليس بقسر بعضها بعضا بل يقسرها الصورة المتعلقة به على الاجتماع.

قوله : او يغلب احدهما الخ ـ الغالب اما واحد من الاربعة هو احد الفعليين او احد الانفعاليين مع اعتدال الآخرين ، وهذا أربعة اقسام لان الغالب اما الحار على البارد او البارد على الحار مع اعتدال الآخرين الانفعاليين واما الرطب على اليابس او اليابس على الرطب مع اعتدال الآخرين الفعليين ، واما اثنان هما احد الفعليين واحد الانفعاليين من دون الاعتدال بينها وهذا أيضا أربعة اقسام لان الغالب فى الفعليين اما الحار واما البارد وعلى كل من التقديرين فالغالب فى الانفعاليين اما الرطب واما اليابس

وقال الشارح القديم والشارح القوشجى فى وجه الاقسام التسعة : لان مقادير

٢٧٠

الكيفيات المتضادة فى الممتزج ان كانت متساوية فهو المعتدل والا فهو غير المعتدل وغير المعتدل اما خروجه عن الاعتدال فى كيفية مفردة وهو أربعة اقسام الخارج عن الاعتدال فى الحرارة فقط او الرطوبة فقط او اليبوسة فقط او البرودة فقط واما خروجه عن الاعتدال فى كيفيتين فلا يمكن فى المتضادين بل اما فى الحرارة واليبوسة او فى الحرارة والرطوبة او فى البرودة واليبوسة او فى البرودة والرطوبة فهذه أربعة اقسام اخر فالخارج عن الاعتدال ثمانية والمعتدل واحد فيكون الجميع تسعة انتهى

وفيه ان هذا التعبير فى هذا التقسيم خطأ لان الخارج عن الاعتدال فى كيفية مفردة ممتنع اذ لو كان خارجا عن الاعتدال فى الحرارة مثلا لكان بالضرورة خارجا عنه فى البرودة أيضا لكن فى إحداهما الى الزيادة وفى الاخرى الى النقصان ، وقولهما ولا يمكن فى المتضادين خطأ فرع الخطأ الاول اذ كما قلنا يكون الخروج فى المتضادين واقعا فى احدهما الى الزيادة وفى الاخر الى النقصان ، نعم خروجهما معا الى الزيادة او الى النقصان ممتنع ، فالحق التعبير بالغالب كما فى كلام الشارح العلامة رحمه الله تعالى ، ولكنهما ارادا من كلامهما ما بيناه طبقا لكلام الشارح الا انهما اخطئا فى التعبير ، ولا يخفى ان فى كلام الشارح رحمه‌الله وكلامهما اشارة الى ما مر من ان الاعتدال والخروج عنه هو باعتبار الكيفيات.

٢٧١

الفصل الثالث

( فى بقية احكام الاجسام )

المسألة الاولى

( فى وجوب تناهى الاجسام )

قول الشارح : هذا هو الدليل الثانى ـ سمى هذا بالبرهان السلمى لشباهة ضلعى الزاوية والابعاد المفروضة بينهما بالسلم ، وعلى هذا المطلب براهين اخر مسماة بالبرهان الترسى وبرهان المسامتة وبرهان الموازاة ذكرت فى مظانها.

المسألة الثانية

( فى ان الاجسام متماثلة )

قول الشارح : وذهب النظام ـ قال ابن النديم فى الفهرست : ابراهيم بن سيار بن هانئ النظام ويكنى أبا اسحاق كان متكلما شاعرا اديبا وكان يتعنف أبا نواس وله فيه عدة مقطعات واياه عنى ابو نواس بقوله :

فقل لمن يدعى فى العلم فلسفة

حفظت شيئا وغابت عنك اشياء

لا تحظر العفو إن كنت امرأ حرجا

فان حظر كه بالدين ازراء

وقال صاحب روضات الجنات : الاديب الكامل المتكلم العلام ابو إسحاق ابراهيم بن سيار البصرى المعروف بالنظام صاحب المعرفة بالكلام هو الامام المتكلم الرئيس المعتزلى المشهور استاد الجاحظ المعتزلى ومن المنسوب إليه القول بالطفرة فى تركب الجسم من الاجزاء التى لا تتجزى ومنع امكان وقوع اجماع الطائفة على امر عادة فضلا عن حجيتها تبعا لبعض الخوارج وذكر بعض العلماء انه طالع كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة.

٢٧٢

وقال المحدث القمى رحمه‌الله فى سفينة البحار : النظام كشدّاد هو ابو إسحاق ابراهيم بن سيار بن هانى البصرى ابن اخت ابى الهذيل العلاف شيخ المعتزلة وكان النظام استاد الجاحظ واحمد بن الخالط قالت المعتزلة انما سمى بذلك لحسن كلامه نظما ونثرا وقال غيرهم انما سمى بذلك لانه كان ينظم الخرز فى سوق البصرة ويبيعها ذكر ترجمته الصفدى فى كتاب الوافى بالوفيات ونقلها منه صاحب العبقات وذكر عنه انه قال نصّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ان الامام عليّ وعينه وعرفت الصحابة ذلك ولكنه كتمه عمر لاجل ابى بكر رضى الله عنهما وقال ان ع ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى القت المحسن من بطنها وقال الاجماع ليس بحجة فى الشرع وكذلك القياس ليس بحجة وانما الحجة قول الامام المعصوم عليه‌السلام الخ.

اقول : ان النظام هذا كان فى زمن هارون الرشيد العباسى وهو غير النظام النيسابورى حسين بن محمّد بن الحسين العارف المفسر صاحب التفسير الكبير المعروف بتفسير النيسابورى الّذي كان فى المائة التاسعة.

قوله : ويراد بهما الانسان والفرس ـ فالمحدود حقيقة هو الانسان والفرس وان عبر عنهما بلفظ واحد هو الحيوان ، والاولى ان يمثل بان الحيوان اما ناطق واما غير ناطق.

المسألة الرابعة

( فى ان الاجسام يجوز خلوها عن الطعوم والروائح والالوان )

قول الشارح : بقياس اللون على الكون ـ يعنى ان الاشعرى قاس وقال كما لا يجوز خلو الجسم عن الكون اى الحركة او السكون والاجتماع او الافتراق لا يجوز خلوها عن اللون فالمقيس اللون ، والمقيس عليه الكون ، والحكم المشترك بينهما هو وجوب اتصاف الجسم بكل منهما والجامع بينهما الّذي هو علة الحكم عرضية كل من الكون واللون ، فرد عليه أولا بان القياس لا يفيد اليقين فلا يليق بالمباحث العقلية ، وثانيا بان هذا القياس خال عن الجامع اذ الكون هو مقولة الاين

٢٧٣

واللون من مقولة الكيف ومطلق العرضية لا يصلح للعلية والجامعية لانه امر انتزاعى لا يثبت حكما واقعيا هو اتصاف الجسم بكل منهما ، وثالثا بان الفرق حاصل بين المقيس والمقيس عليه فان الكون معلول لنفس الحقيقة الجسمية فلا يعقل خلو متحيز عنه بخلاف اللون فانه معلول لعوارض اخر كالتكاثف وغيره ربما لا توجد فى الجسم ،

قوله : وبما قبل الاتصاف على ما بعده ـ يعنى انه قاس أيضا وقال كما لا يجوز خلو الجسم بعد اتصافه بلون معين عن اللون فلو زال عنه لونه عرض له لون مكانه لا يجوز خلوه عنه قبل الاتصاف به ، فالمقيس الجسم قبل الاتصاف باللون ، والمقيس عليه الجسم بعد الاتصاف به ، والحكم وجوب اتصاف الجسم باللون ، والجامع الّذي هو علة الحكم هو الجسمية المطلقة ، فرد عليه أولا بما رد عليه أولا فى القياس السابق ، وثانيا ان مطلق الجسمية لم يثبت عليته لوجوب الاتصاف باللون بعد الاتصاف بلون معين حتى يجرى فى المقيس بل الثابت خلافه ، وثالثا ان الحكم وهو وجوب الاتصاف وامتناع خلو الجسم عن اللون فى المقيس عليه وهو الجسم بعد الاتصاف باللون ممنوع اذ يمكن عروض التخلخل فى الجسم الملون فيزول لونه ، ورابعا بان الفرق على تقدير تسليم الحكم فى المقيس عليه بينه وبين المقيس حاصل وهو ان امتناع الخلو بعد الاتصاف فى المقيس عليه لان الخلو عن اللون المعين متوقف على طريان الضد فلو طرأ فالجسم متصف بالطارى ولو لم يطرأ فهو متصف بذلك اللون المعين بخلاف قبل الاتصاف فان الخلو لا يتوقف على طريان الضد اذ الخلو حاصل من دون الطريان.

اقول : وخامسا بان هذا القائس كان مجنونا لان قياسه مشتمل على التناقض الصريح اذ كيف يعقل وجوب اتصاف الجسم باللون وامتناع خلوه عنه قبل الاتصاف به ، وسادسا بان هذا القائس اجرى قياسه فى الالوان فلا بد ان يتكلم فى الطعوم والروائح والاضواء.

٢٧٤

المسألة السادسة

( فى ان الاجسام حادثة )

قول الشارح : وعليها مبنى القواعد الاسلامية ـ من اثبات الصانع المختار والمعجزات التى وقعت فى السماويات وتطبيق ما هو ظاهر الكتاب من فناء السماوات يوم القيامة على القاعدة العقلية وغير ذلك.

قول المصنف : على ما مر ـ فى المسألة الرابعة من الفصل الثالث من المقصد الاول وهى مسألة ابطال التسلسل.

قوله : ويوصف كل حادث الخ ـ هذا ليس الا الوجه الثالث الّذي ذكره فى تلك المسألة اى مسألة ابطال التسلسل.

قوله : والضرورة قضت الخ ـ هذه كبرى القياس الّذي قرره الشارح العلامة وما قبلها من كلام المصنف صغراه مع حجتها.

قول الشارح : وهو محال لتخلف الاثر عنه ـ اى انتهاء الحادث الى المؤثر التام القديم محال لتخلف الاثر عنه فلا بد ان يكون المنتهى الى القديم التام قديما وهو المطلوب.

قوله : ان العالم محدث لما تقدم ـ فى صدر المسألة والعالم عند المصنف واضرابه هو الاجسام والاعراض الحالة فيها والنفوس الحادثة المتعلقة بها واما الهيولى فثبت عنده عدمها واما العقل فلم يثبت عنده وجوده.

قوله : بين نفى الامكان والامكان المنفى ـ قد سبق معنى هذا الكلام فى المسألة الحادية عشرة من الفصل الاول من المقصد الاول.

قوله : وقد سلف تحقيقه ـ فى المسألة السادسة والاربعين من الفصل الاول من المقصد الاول وفى المسألة السابعة من الفصل الاول من المقصد الثانى.

قوله : والجواب ما تقدم ـ فى المسألة الرابعة والثلاثين من الفصل الاول من المقصد الاول.

٢٧٥

الفصل الرابع

( فى الجواهر المجردة )

المسألة الاولى

( فى العقول المجردة الكلية )

قول الشارح : باعتبار كثرة جهاته ـ قد سبق ذكر هذه الجهات فى المسألة الثالثة من الفصل الثالث من المقصد الاول.

قوله : فان المختار تتعدد آثاره وافعاله ـ لان المختار هو ما يفعل بالقصد والإرادة الزائدة على ذاته فهى اما متعددة بنفسها او يتعدد تعلقها فأيا ما كانت فآثاره متعددة.

قوله : وسيأتى الدليل على انه مختار ـ فى المسألة الاولى من الفصل الثانى من المقصد الثالث

قوله : ثم نقول لا نسلم الخ ـ من هنا اعتراضات من الشارح ليست فى المتن.

قوله : بل الايون عنه معدومة ـ اى الامكنة التى هى غير امكنة الافلاك.

قوله : خروج الاوضاع كمال مفقود له ـ فيكون مطلوبه كمالا محسوسا لا امرا معقولا

قوله : وحدوث الاستكمال ـ ليكون المستكمل أيضا حادثا.

قوله : وقد بينا وجوب انقطاعه ـ فى صدر المسألة.

قوله : ولكن الخلاء ممتنع لذاته ـ فيكون انتفائه واجبا لا ممكنا

قوله : لا نسلم كون الامتناع ذاتيا ـ بل امتناعه بسبب وجود الجسم كما اشرنا إليه فى المسألة العاشرة من الفصل الاول.

٢٧٦

المسألة الثانية

( فى النفس الناطقة )

قول المصنف : كمال اوّل لجسم طبيعى آلى ذى حياة بالقوة ـ هذا التعريف شامل للنفوس الحيوانية والناطقة ، وقوله : كمال شامل لكل كمال مجردا او ماديا أولا او ثانيا ، وكمال كل شيء هو ما يكون به ذلك الشيء بالفعل وهو اما ان يتحصل به نوعه وحقيقته وهو الكمال الاول ، والكمال الثانى هو ما يتوقف على الاول من الصفات والقوى ، وبقيد الألى خرج صور البسائط وصور المعدنيات وصور المركبات الناقصة فانها وان كانت كمالات لاجسام طبيعية الا انه لا يصدر عنها افعال بالآلات ، وبقيد ذى حياة خرجت النفس النباتية ، والمراد به كون الجسم الطبيعى الألى بحيث يمكن ان يصدر عنه ما يصدر عن الاحياء ، وكثير منهم اخذوا هذا التعريف للنفوس الثلاث وذكروا لدخول النفس النباتية توجيها كالشارح القوشجى ، هذا ما عليه المتقدمون ، واما المتأخرون فاسقطوا قيد ذى حياة بالقوة وفسروا الآلات بالقوى ليعم التعريف جميع النفوس ، راجع شرح المنظومة ، وقوله : بالقوة متعلق بالصدور المقدر اى ذى حياة يصدر عنه الفعل بالقوة اى لا دائما بل قد يصدر وقد لا يصدر ، وهذا القيد لخروج النفس الفلكية اذ صدور الفعل عنه دائمى مستمر ، والاحتياج الى هذا القيد لخروج النفس الفلكية انما هو على القول بان كل فلك تعلقت به نفس واحدة والافلاك الجزئية آلات لافعالها ، واما على القول بان كل فلك كلى او جزئى بل كل جسم سماوى تعلقت به نفس فلا حاجة الى هذا القيد اذ هى خرجت بقيد الألى ، والمصنف اورد هذا التعريف العام ثم شرع فى احكام النفس الناطقة لانها اهم فى المقصد الإلهى ولان النفس الناطقة واجدة لما لغيرها من القوى والافعال وستذكر فى آخر الفصل ، ولذلك خصص الشارح أيضا التعريف بالنفس الناطقة.

تنبيه : قال بعض الاكابر : الاولى ان يقرأ آلى فى التعريف بالرفع ليكون نعتا لكمال لا بالجر ليكون نعتا لجسم لان نسبة الآلة الى الفاعل اولى من نسبتها

٢٧٧

الى القابل.

تنبيه آخر : قد يقال الجسم الطبيعى ويراد به ما يقابل الجسم التعليمى وقد يقال ويراد به ما يقابل الجسم الصناعى الّذي يصنع بقدرتنا كالكرسى والباب والفرش والبيت والكوز وغيرها فان كمال الجسم الصناعى ليس نفسا بل ولا جوهرا ، والمأخوذ فى التعريف ما يقابل الصناعى.

قول الشارح : واذا اخذ بمعنى الجنس ـ المراد بالجنس والفصل هنا الحقيقيان اللذان هما منشئان لانتزاع الجنس والفصل المنطقيين.

المسألة الثالثة

( فى ان النفس الناطقة ليست هى المزاج )

قول المصنف : وهى مغايرة لما هى شرط فيه لاستحالة الدور ـ يعنى لو كانت النفس هى المزاج كما حكى عن جالينوس لزم توقف الشيء على نفسه اذ النفس اما شرط للمزاج او مشروط بالمزاج فلو كانا شيئا واحدا لزم توقف الشيء على نفسه الّذي يعبر عنه بالدور النفسى اى الدور فى نفس الشيء وهو محال لاستلزامه كون الشيء الواحد موجودا ومعدوما فى وقت واحد

واما ان المزاج شرط او مشروط فشرط بالقياس الى النفس التى تحل فى المركب الّذي هذا المزاج حصل من تفاعل اجزائه ومشروط بالقياس الى التى توجب تفاعل الاجزاء كنفس الوالدين للحيوان والنواة وما شابهها للنبات ، وبهذا انحل ما نظر فيه الشارح العلامة رحمه الله تعالى.

قول الشارح : ان الادراك انما يكون بواسطة الانفعال الخ ـ يعنى ان احساس الامور الجزئية انما هو بواسطة انفعال المزاج ومثل باللمس لانه اظهر فى ذلك فان الانسان اذا قارن جلده جسما باردا او حارا مثلا فلا محالة يتأثر العضو وينفعل من البرودة او الحرارة وهذا التأثر ليس الا بطلان كيفية العضو التى هى مزاجه وحصول كيفية اخرى من ذلك الجسم وحينئذ فالادراك حاصل بالضرورة و

٢٧٨

مزاج العضو باطل لما قلنا فاذا كان الادراك حاصلا فالمدرك حاصل أيضا بالبديهة والمدرك هو النفس ليس غير لان الهيولى والجسمية المطلقة واجزاء العناصر ليس لها شأن الادراك ولا الكيفية العارضة لان المدرك منفعل والشيء لا ينفعل عن نفسه والمزاج قد بطل فالمدرك ليس الا النفس فهو غير المزاج اذ هو موجود حين عروض الكيفية العارضة والمزاج معدوم والموجود غير المعدوم.

اقول : ولقائل ان يقول : ان مزاج العضو لا يبطل بالكلية بل ينكسر ويستحيل من حد الى حد ثم يرجع الى حده الاول اذ بطلانه كذلك يوجب صيرورة العضو فالجا.

المسألة الخامسة

( فى تجرد النفس )

قول الشارح : كبنى نوبخت ـ قال الشيخ الجليل البحاثة محمّد على التبريزى المشتهر بالمدرس فى ريحانة الادب ما هذا مضمونه : نوبخت كان رجلا مجوسيا فى زمن المنصور الدوانيقى وكان عالما بعلوم الاوائل لا سيما علم النجوم وكان متمهرا فائقا على اقرانه فيه ، اسلم فى زمن المنصور واما تشيعه فغير معلوم ، ولكن ذريته المذكورون فى كتب التراجم بآل نوبخت او بنى نوبخت او النوبختيين كانوا شيعيين علماء ولهم تآليف قيمة فى الكلام وغيره والاحتجاجات مع المخالفين ، والنوبختيون يزعمون ان نسبهم ينتهى الى الشجاع المشهور الفارسى كيو بن كودرز ، والنوبختى فى كتب الرجال لقب حسن بن محمّد وحسن بن موسى وغيرهما ، ثم ذكر ان نوبخت المذكور كان محبوسا فى سجن الاهواز قبل اسلامه ووقعت له قصة مع المنصور الدوانيقى كانها صارت سببا لخلاصه من السجن واسلامه ، ثم ذكر احوال عدة من بنى نوبخت.

وقال ابن النديم فى الفهرست : الحسن بن موسى النوبختى وهو ابو محمّد الحسن ابن موسى بن اخت ابى سهل بن نوبخت متكلم فيلسوف كان يجتمع إليه جماعة من النقلة لكتب الفلسفة مثل ابى عثمان الدمشقى وإسحاق وثابت وغيرهم وكانت المعتزلة

٢٧٩

تدّعيه والشيعة تدّعيه ولكنه الى حيز الشيعة ما هو لان آل نوبخت معروفون بولاية على وولده عليهم‌السلام فى الظاهر فلذلك ذكرناه فى هذا الموضع وكان جمّاعة للكتب قد نسخ بخطه شيئا كثيرا وله مصنفات وتآليف فى الكلام والفلسفة وغيرهما وله من الكتب كتاب الآراء والديانات ولم يتمه ، كتاب الرد على اصحاب التناسخ ، كتاب التوحيد وحدث العلل ، كتاب نقض كتاب ابى عيسى فى الغريب المشرقى ، كتاب اختصار اختصار الكون والفساد لارسطاليس ، كتاب الاحتجاج لعمر بن عباد ونصرة مذهبه ، كتاب الامامة ولم يتمه.

قوله : والمفيد ـ قال صاحب روضات الجنات : الشيخ المتقدم الوحيد والحبر المتبحر الفريد ابو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن نعمان بن سعيد العربى العكبرى البغدادى الملقب بالشيخ المفيد كان من اجل مشايخ الشيعة ورئيسهم واستادهم وكل من تأخر عنه استفاد منه وفضله اشهر من ان يوصف فى الفقه والكلام والرواية اوثق اهل زمانه واعلمهم انتهت رئاسة الامامية إليه فى وقته وكان حسن الخاطر دقيق الفطنة حاضر الجواب له قريب من مائتي مصنف كبار وصغار كما عن خلاصة العلامة مأخوذة عن رجال النجاشى الّذي هو من جملة رجال مجلسه البهى ومن الاصل المذكور أيضا بعد تعداد احد وثلاثين رجلا من آبائه الكبراء الصدور وايصال سلسلة نسبه المزبور الى اوّل من تكلم بالعربية وهو يعرب بن قحطان المشهور وصفه ثم نقل عن الاصل المذكور كتبه ومصنفاته الى ان قال مات رحمه‌الله ليلة الجمعة لثلاث خلون من شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وأربعمائة وصلى عليه سيدنا المرتضى رحمه‌الله بميدان الاشنان وضاق على الناس مع كبره ودفن فى داره سنين ثم نقل الى مقابر قريش بالقرب من جانب رجلى سيدنا وإمامنا ابى جعفر الجواد عليه‌السلام الى جانب قبر شيخنا الصدوق ابى القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، ثم ذكر سائر اوصافه واحواله رضوان الله عليه بطوله ، ولا حاجة الى ذكره لانه رحمه‌الله اشهر عند اهل العلم من ان يذكر.

قوله : والغزالى ـ قال ابن خلكان فى وفيات الاعيان : هو ابو حامد محمّد بن محمّد

٢٨٠