توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

هو الانفصال بآلة نفاذة فى محل الانفصال كما فى اللحم بتنفيذ السكين فيه والى الخرق الّذي هو الانفصال بسبب جرّ طرفى الجسم باليد او غيرها كما فى القميص اذا جرّ بقوة من طرفيه ويقال له القدّ والفتق أيضا والى الكسر الّذي هو انفصال الجسم اليابس بتصادم جسم آخر وهو ينقسم الى الفصم والقصم ، والثانية التى لا توجب انفصالا فيه تنقسم الى القسمة العارضية والقسمة الفرضية والاولى هى انقسام الشيء بسبب عروض عارضين مختلفين متقررين فيه كالجسم المتلون بلونين كالتفاح الواحد المنقسم الى الاحمر والاصفر او غير متقررين فيه بل بالقياس الى غيره كالجسم الّذي وقع الضوء على بعضه او حاذى بعضه جسما آخرا وماسّه فانه ينقسم الى المضىء والمظلم والى المحاذى وغير المحاذى والى المماس وغير المماس والعارض ليس له قرار فيه وقد يعبر عن وجود العارضين المختلفين باى من الوجهين بالسبب الحامل على الانقسام اى الباعث عليه بخلاف القسمة الفرضية فانها ليس فيها سبب حامل عليه بل الوهم او العقل يفرض للشىء المتكمم طرفين ويقسمه باعتبارهما والقسمة الفرضية تنقسم الى الوهمية والعقلية والوهمية هى انقسام المتكمم بسبب فرض الحد فيه كفرض النقطة فى الخط والخط فى السطح والسطح فى الجسم وفرض الآن فى الزمان وفرض الحد فى الحركة والعقلية هى هذه بعد عجز الوهم عن فرض الحد والانقسام فى الشيء المتكمم لغاية صغره وقلته وليس المراد بهذه العقلية تلك التى تكون باعتبار اجزاء الماهية وانما سميت هذه بالعقلية لان العقل يحكم بانقسام المتكمم حكما ساريا فى جميع افراده من الصغير والكبير والمتناهى وغير المتناهى والمدرك بالوهم وغير المدرك به ، هذا ، وانى فى بعض هذه لم اقتف القوم فى اصطلاحهم وانما اردت بيان حقائق الاقسام ، وان كان القوم أيضا خالف بعضهم بعضا فى الاصطلاح.

ثم ان المصنف رحمه‌الله اراد ان يبطل بكلامه هذا مذهب ذى مقراطيس فاشار فى ردّه الى قاعدة حكم الامثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد فان الانقسام بانواعه من الانفكاكى وغيره كما يجوز فى الجسم الكبير يجوز فى الجزء الصغير أيضا ولو وصل فى الصغر الى حد لا يدركه الوهم لان طبيعة الجسم فى صغيره وكبيره واحدة

٢٤١

فالقسمة بانواعها تحدث اثنينية اى تجعل الجزء الواحد جزءين اثنين يساوى طباع كل واحد من هذين الجزءين طباع ذلك الجزء الواحد الّذي هو مجموع هذين الجزءين فكما كان الانقسام جائزا بين ذلك الجزء الواحد وبين صاحبه الّذي كان معه قبل الانقسام جسما اكبر كان جائزا فى نفس ذلك الجزء الواحد لان الطبيعة فى جميع الاجزاء واحدة فلا معنى لانقسام ما هو ضعف الجزء وعدم انقسام الجزء فالانقسام الوهمى ملزوم للانقسام الانفكاكى وكون الملزوم من دون اللازم محال.

قوله : وامتناع الانفكاك لعارض الخ ـ دفع لدخل هو ان قائلا لو قال : ان ذى مقراطيس قائل بامتناع انقسام الجزء انقساما انفكاكيا لتحقق مانع فيه عنه وذلك المانع غير متحقق فيما هو اكبر من الجزء فاجاب عنه بان امتناع الانقسام الانفكاكى لمانع عارض كما فى الجزء من الصغر والصلابة وكما فى الفلك من الصورة المخالفة لهذه الصور على ما عليه الفلاسفة لا يقتضي الامتناع الذاتى الّذي هو ظاهر كلامه.

ان قلت : ان ظاهر كلامه على ما نقل عنه الشيخ فى طبيعيات الشفاء ان الجزء لا يتجزى لصغره وصلابته لا لذاته ، قلت : ان القوم فهموا من كلامه ان الصغر والصلابة لازمان لا ينفكان عن الجزء ، فيرد عليه ان لازم الطبيعة لا يعقل تخلفه عن بعض افراده فلو كان الجزء جسما كما يقول به وكان لازمه الصغر والصلابة لم يعقل زوالهما عن غيره من الاجسام فالصغر والصلابة لو كانا للجزء لكانا عارضين يمكن زوالهما.

ثم ان المصنف والشارحين لم يتعرضوا لابطال مذهب الشهرستانى صريحا لانه بطل بابطال الجزء اذ مذهبه ان الجسم البسيط مع انه متصل واحد يتجزى حتى يصل الى جزء غير منقسم اصلا لا وهما ولا غيره فاذا ثبت بطلان الجزء هكذا ثبت بطلان مذهبه ، ولكن يمكن حمل كلام المصنف فى ابطال مذهب ذى مقراطيس على ابطال مذهبه أيضا لانه يقول ان الجزء جسم فمذهبه باطل من وجهين.

قوله : طباع ـ هذه اللفظة بكسر الاول قد يستعمل جمعا للطبع وقد يستعمل بمعنى الطبيعة وهنا على الثانى استعملت ، وفرق بعضهم بين الطباع والطبيعة بانه اعم

٢٤٢

منها فانه يقال لمصدر الصفة الذاتية لكل شيء وانها تقال لمصدر الصفة الذاتية لشيء يصدر عنه الحركة والسكون من غير إرادة.

قول الشارح : ذى مقراطيس ـ قال القفطى فى اخبار العلماء : ذو مقراطيس فيلسوف يونانى صاحب مقالة فى الفلسفة متصدر فى زمانه لافادة هذا الشأن بارض يونان وقوله مذكور فى مدارس علومهم هناك وقد ذكره المترجمون ونقلوا اقاويله وهو القائل بانحلال الاجسام الى جزء لا يتجزأ وله فى ذلك تآليف نقلها المترجمون الى السريانية ثم الى العربية ورسائل حسنة مهذبة وكان فى زمن سقراط وكان نسبه روميا اغريقيا كذا ذكر ابن جلجل.

اقول : ان ذى فى صدر اسم هذا الرجل ليس من الاسماء الستة ليعرب باعرابها كما يظهر من القفطى اذ هو لفظ يونانى.

قوله : العوارض الاضافية او الحقيقية ـ الاولى هى العوارض غير المتقررة فى الموضوع بل بالقياس والاضافة الى الغير ، والثانية هى المتقررة فيه من دون مدخلية الغير كما مرت امثلتها.

قوله : ولطبيعة الخارج عنه ـ اى لطبيعة الجزء الاخر غير هذا الّذي هو مجموع الاثنين ، وفى بعض الشروح يكون فى المتن بعد قوله : طباع المجموع زيادة هى : وطباع الجزء الخارج الموافق له فى الماهية.

قوله : لما تقدم فى ابطال مذهب ذيمقراطيس ـ هذا اشارة الى ما قلنا من امكان حمل كلام المصنف على ابطال مذهب الشهرستانى أيضا

المسألة السابعة

( فى نفى الهيولى بمعنى غير الجسم )

قول المصنف : ولا يقتضي ذلك الخ ـ لا ريب فى ان الاجسام اصلا جوهريا ثابتا باقيا فى جميع حالاتها من التغيرات الجوهرية والعرضية قابلا لطريان الاتصال والانفصال ولتوارد الصور النوعية البسيطة والمركبة وقد سمى ذلك بالهيولى

٢٤٣

والمادة الاولى ومادة المواد ، وانما اختلفوا فى ان ذلك ما هو فذهب القائلون بالجزء بطوائفهم الثلاث الى ان ذلك هى الاجزاء تجتمع منها جملة فتتكون جسما ، وهذا المطلب باطل لبطلان اصله ، ولانه لو كان كذلك لما حلت الصور المختلفة النوعية فيها ولكانت الاجسام كلها حقيقة واحدة لان حصول صورة دون صورة فى المادة انما هو بحصول مزاج خاص واستعداد خاص فيها يستدعيان تلك الصورة النوعية الخاصة وحصول المزاج والاستعداد كذلك انما هو بتكاسر الاجزاء وتفاعلها على وجه خاص والتكاسر والتفاعل انما يحصلان بعد انحلال الاجزاء فلو لا الانحلال لكانت الاجزاء باقية بحالها على هيئة الاجتماع فلا موجب لحلول الصور المختلفة فى المادة الواحدة ، ولان الجزء من حيث هو جزء لا محالة يكون له تعين وهو اما تعين مائى او ارضى او نارى او هوائى او غيرها مما لا ندرى اسمه لو امكن والمادة لا بد ان لا يكون لها بنفسها تعين لتجتمع مع كل من التعينات المختلفة اذ لا يجتمع تعين مع تعين آخر كما ان الماء مثلا من حيث هو ماء لا يمكن ان يقبل تعين الهواء فالقابل لتعين الهواء هو المادة التى حلت فيها الصورة المتعينة المائية.

وذهب افلاطون واتباعه وجماعة من المتكلمين وابو البركات البغدادى وشيخ الاشراق والمصنف الى ان مادة المواد هى الحقيقة الجسمية المطلقة المتقومة بالابعاد الثلاثة الحال فيها الصور النوعية والجسم هو هذه الحقيقة وليست سوى هذه مادة للاجسام المختلفة.

وذهب ارسطاطاليس واتباعه وابو نصر الفارابى والشيخ ابن سيناء وكثير من حكماء الاسلام الى ان مادة المواد هى جوهر هو محل للحقيقة الجسمية المطلقة والجسم هو مجموع المحل والحال ، والشارح العلامة ذكر هاهنا برهانا لهم والمصنف ردّ مذهبهم بلزوم التسلسل او وجود ما لا يتناهى.

قول الشارح : ان الجسم البسيط لا جزء له ـ يعنى ان الجسم المطلق ليس مركبا من محل هو الهيولى وحال هو الصورة الجسمية كما ذهب إليه الشيخ وغيره بل هى حقيقة واحدة بسيطة هى محل لسائر الصور كما عليه المصنف وغيره.

٢٤٤

قوله : ابو البركات البغدادى ـ قال القفطى فى اخبار العلماء : هبة الله بن ملكا ابو البركات اليهودى فى اكثر عمره المهتدى فى آخر امره اوحد الزمان طبيب فاضل عالم بعلوم الاوائل من يهود بغداد قريب العهد من زماننا كان فى وسط المائة السادسة وكان موفق المعالجة لطيف الاشارة وقف على كتب المتقدمين والمتأخرين فى هذا الشأن واعتبرها واختبرها فلما صفت لديه وانتهى امرها إليه صنف فيها كتابا سماه المعتبر اخلاه من النوع والرياضى واتى فيه بالمنطق والطبيعى والإلهى فجاءت عبارته فصيحة ومقاصده فى ذلك الطريق صحيحة وهو احسن كتاب صنف فى هذا الشأن فى هذا الزمان ولما مرض احد السلاطين السلجوقية استدعاه من مدينة السلام وتوجه نحوه ولاطفه الى ان برء فاعطاه العطايا الجمة من الاموال والمراكب والملابس والتحف وعاد الى العراق على غاية ما يكون من التجمل والغنى وسمع ان ابن افلح قد هجاه بقوله :

لنا طبيب يهودى حماقته

اذا تكلم تبدو فيه من فيه

يتيه والكلب اعلى منه منزلة

كانه بعد لم يخرج من التيه

فلما سمع ذلك علم انه لا يجل بالنعمة التى انعمت عليه الا بالاسلام فقوى عزمه على ذلك وتحقق ان له بنات كبارا وانهن لا يدخلن معه فى الاسلام وانه متى مات لا يرثنه فتضرع الى خليفة وقته فى الانعام عليهن بما لا يخلفه وان كن على دينهن فوقع له بذلك ولما تحققه اظهر اسلامه وجلس للتعليم والمعالجة وقصده الناس وعاش عيشة هنيئة واخذ الناس عنه مما تعلمه جزءا متوفرا قال لى بعض اهل الفضل ان اوحد الزمان أبا البركات هذا كان جالسا فى مجلسه للاقراء وعليه ثوب اطلس مثمن احمر اللون من خلع السلجوقى اذ دخل عليه رجل من اوساط اهل بغداد وشكا إليه سعالا ادركه وقد طالت مدته ولم ينجع فيه دواء فامره بالقعود فقال له اذا سعلت وقطعت شيئا فلا تتفله حتى اقول لك ما تصنع فقعد ساعة وقطع فاستدعاه إليه وادخل يده فى كم ذلك الثوب الاطلس وقال له اتفل فيه فتوقف خشية على موضع يده من الثوب فانتهره فتفل وضم اوحد الزمان يده على ما فيها من الثوب والتفلة واخذ

٢٤٥

فيما الجماعة فيه من استفهام وافهام ساعة ثم فتح يده ونظر الثوب وموضع التفلة ساعة يقلبه ويتأمله ثم قال لبعض الحاضرين اقطع من هذه الشجرة نارنجة واحضرها وكان فى داره شجرة نارنج حاملة ففعل الرجل المأمور ذلك فلما احضر النارنجة قال للرجل الشاكى كل هذه فقال له ايها الحكيم متى كلته مت فقال ان اردت العافية فقد وصفتها لك فشرع الرجل واكل منها الى ان استنفدها فقال له امض وانظر ما يكون فى ليلتك فمضى الرجل ولما كان فى اليوم الثانى حضر وهو متألم فقال ما جرى لك قال ما نمت لكثرة ما نالنى من السعال فقال لاحد الجماعة احضر لى نارنجة من تلك الشجرة فاحضره اياها فقال للشاكى كلها أيضا فقال اذا اكلتها ما يبقى فى الموت شك فقال كلها فهى الدواء فاكل الرجل ومضى فلما كان فى اليوم الثالث جاء فسئله عن حاله فقال بتّ خير مبيت ولم اسعل فقال له برئت ولله الحمد واياك واكل النارنج بعدها ان تأكل بعدها نارنجة اخرى يحصل لك ما لا يرجى لك برئه وامره بما يستعمل فى المستقبل فلما قام من عنده سأله الجماعة عن السبب فقال اخذت تفلته فى الثوب الاطلس الاحمر واحميتها فى كفى ساعة ونظرت فيها هل بقى بعد ما تشرّبه الثوب مما تفل كالقشور والنخالة فلم اجده ولو وجدته دلنى على ان السعال قد قرح اما فى الرئة او فى الصدر وكلاهما صعب فلما لم اجد شيئا من ذلك علمت انه بلغم لزج زجاجى وقد لحج بقصبة الرئة وآلات التنفس فاردت جلائه من هناك وامرته بتناول النارنجة فلما عاد الى ووجد شدة علمت انها قد جلت وقطعت ما هناك ولم تستنفده فامرت بتناول الاخرى فجلت ما بقى فنهيته عن استعمال الاخرى لئلا يقرح الموضع بكثرة الجلاء فيقع فيما احترزنا منه فاستحسن الحاضرون ذلك من صناعته اللطيفة وكان الاطباء فى وقته يسألونه عن مسائل من الامراض فيجيب عنها بخطه فيسطرون ذلك عنه الى ان صار مؤلفا يتناقلونه بينهم وذكر ابن الزاغونى ان اسلام ابى البركات كان سببه انه كان فى صحبة السلطان محمود ببلاد الجبال وولى محمود ولاية العراق وكانت زوجته الخاتون بنت عمه سنجر وكان لها مكرما محبا معظما واتفق ان مرضت وماتت فجزع جزعا شديدا فلما عاين ابو البركات ذلك الجزع من محمود

٢٤٦

خاف على نفسه من القتل اذ هو الطبيب فاسلم طلبا لسلامة نفسه.

قوله : ويستحيل ان يكون القابل هو الاتصال نفسه ـ اى ويستحيل ان يكون القابل هو الجسم المطلق المتقوم بالاتصال اى الجوهر المتصل فى ذاته المسمى بالجسم المطلق.

المسألة الثامنة

( فى اثبات ان لكل جسم مكانا وشكلا )

قول الشارح : فيكون ذلك البعض طبيعيا ـ لان الجسم لو حل مكانا دون مكان بلا اقتضاء من طبيعته لزم الترجح من غير مرجح والمرجح ليس عند تجرد الجسم عن كل العوارض اى القواسر الا الطبيعة.

قوله : وهو الاستقامة ـ لان الخط المستقيم هو اقصر الخطوط المفروضة بين نقطتين فاذا رجع على الاستقامة لكان على اقصر الخطوط واقرب الطرق وانما يرجع على الاستقامة لان مطلوب الطبيعة ليس الا الوصول بمكانها.

قوله : ان تركب من جوهرين ـ كالدخان المركب من الاجزاء الارضية والنارية.

قوله : ان تساويا ـ اى فى قوة الميل والجذب الى مكانهما الطبيعى.

قوله : بينهما ـ اى فى منتصف مكانى الجوهرين.

قوله : والا تفرقا ـ اى وان لم يقف فى الوسط فلا بد من الافتراق بينهما اذ لا يمكن ان يكونا مجتمعين فى غير الوسط لتساوى قوتهما فى الميل فلو اتفق وجود المركب منهما فى غير الوسط فلا بد من الانتقال الى الوسط او الافتراق.

قوله : وان تركب من ثلاثة ـ كالبخار المركب من الاجزاء المائية والنارية والهوائية.

قوله : والا لكان فى الوسط ـ اى فى مكان يكون نسبة المركب فيه الى الامكنة الثلاثة متساوية ، والكلام فيه كالكلام فى المركب من جوهرين ، ولا يخفى

٢٤٧

ان التساوى فى قوة الميل والجذب غير ملازم للتساوى فى اجزاء البسائط.

قوله : وان تركب من أربعة ـ كالنبات والحيوان وغيرهما.

قوله : حصل فى الوسط ـ ان لم تحل فيه صورة سوى هيئة الاجتماع وحصوله فى الوسط لما ذكر فى المركب من جوهرين.

قوله : او ما اتفق وجوده فيه ـ ان حلت فيه صورة معدنية او نباتية او حيوانية ، ويقال لهذا المركب التام ولغيره الناقص ، وهذه الصور الثلاث لا تحل الا فيما ركب من العناصر الاربعة بعد التفاعل وحصول المزاج ، وحاصل الكلام ان المركب مطلقا لو كان فيه جزء غالب فى الميل والجذب فمكانه مكان ذلك الجزء والا فمكانه فى الوسط بحسب التناسب ان كان ثنائيا او ثلاثيا او رباعيا لم تحل فيه صورة من تلك الصور او فيما وقع واتفق وجوده ان حلت فيه ، هذا كله فى المكان الطبيعى واما القسرى فلا ظابط له بل هو تابع للقوة القاسرة فانه يمكن ان يقع كل من الاجسام البسيطة فى مكان الاخر بالقسر وكذا المركبات.

قوله : ولا استمرار للمعتدل ـ اى لا بقاء للمركب من العناصر بالتساوى وكذا الحال فى المركبات الناقصة مطلقا ، وفيه كلام يأتى فى آخر الفصل الثانى عند قول الشارح : فاعلم ان الامزجة تسعة.

قوله : على ما يأتى ـ فى المسألة الاولى من الفصل الثالث.

المسألة التاسعة

( فى تحقيق ماهية المكان )

قول المصنف : والمعقول من الاول البعد الخ ـ اعلم ان المكان على وزن المفعل فى الاصل اسم مكان من الكون وهو فى العرف ما يستقر عليه او فيه الجسم واطلاق المتمكن على الجسم الكائن فى المكان باعتبار استقراره وتمكنه عليه ، واما فى اصطلاح اهل المعقول فالاقوال المشهورة منهم ثلاثة : الاول ما ذهب إليه ارسطاطاليس والمشّاءون وابو نصر الفارابى والشيخ ابن سيناء وهو السطح الباطن من

٢٤٨

الجسم الحاوى المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوى كالسطح الباطن من الكوز المماس لاطراف الماء والسطح الباطن من الفلك المماس للسطح المحدب من الفلك الّذي تحته وكسطح الهواء المحيط بالاجسام الواقعة فيه المماس لظواهرها من الانسان والحيوان والاشجار والاحجار.

وفى قبال هذا القول قول بان المكان هو البعد الممتد من كل نقطة فى ذلك السطح المحيط الى مقابلتها فى جميع الاطراف بحيث يساوى هذا البعد الكمية السارية فى الجسم المتمكن ، وهذا القول ينشعب منه قولان : قول بان البعد الّذي هو المكان امر موهوم غير موجود فى الخارج بل الوهم يفرضه كذلك وإليه ذهب المتكلمون ، وقول بانه امر موجود فيه وإليه ذهب افلاطون والاشراقيون واختاره المصنف.

قول الشارح : افلاطون ـ قال ابن النديم فى الفهرست من كتاب فلوطرخس : افلاطون بن ارسطن ، ومعناه الفسيح ، وذكر ثاون ان اباه يقال له اسطون ، وانه كان من اشراف اليونانيين ، وكان فى قديم امره يميل الى الشعر فاخذ منه بحظ عظيم. ثم حضر مجلس سقراط فرآه يثلب الشعر فتركه ثم انتقل الى قول فيثاغورس فى الاشياء المعقولة ، وعاش فيما يقال احدى وثمانين سنة ، وعنه اخذ ارسطاليس ، وخلفه بعد موته ، وقال اسحاق : انه اخذ عن بقراط ، وتوفى افلاطن فى السنة التى ولد فيها الاسكندر ، وهى السنة الثالثة عشرة من ملك لاوخوس ، وخلفه ارسطاليس ، وكان الملك فى ذلك الوقت بمقدونية فيلبس ابو الاسكندر ، من خط إسحاق : عاش افلاطون ثمانين سنة. ما الفه من الكتب على ما ذكر ثاون ورتبه : كتاب السياسة فسره حنين بن إسحاق ، كتاب النواميس نقله حنين ونقله يحيى بن عدى. قال ثاون : وفلاطن يجعل كتبه اقوالا يحكيها عن قوم ، ويسمى ذلك الكتاب باسم المصنف له ، فمن ذلك : قول سماه تااجيس فى الفلسفة ( اى كتاب سماه كذا ) ثم عدّ كتبه المسماة باسماء الذين صنفها لهم بهذا النحو نحو ثمانية وثلاثين كتابا ، ثم قال : قال إسحاق الراهب : عرف فلاطن وشهر امره فى ايام ارطخشاشت المعروف

٢٤٩

بالطويل اليد. قال محمّد بن إسحاق : هذا الملك من الفرس ، ولا معاملة بينه وبين فلاطن وهو كستاسب الملك الّذي خرج إليه زرادشت والله اعلم.

قول الشارح : والامارات المشهورة فى المكان من قولهم الخ ـ اى الامارات التى فى السنة الناس كافة العالمين منهم والجاهلين وهى اربع :

الاولى انهم يقولون ان الماء فى الكوز وان الطائر فى الهواء ، فاذا سئلوا عن تفسير قولهم هذا يفسرونه بفطرتهم وبداهة عقولهم بان الماء فيما بين اطراف الكوز ، ولا ريب انهم يريدون باطراف الكوز اطرافه الداخلة وما بين اطرافه الداخلة هو البعد الممتد فى داخله لا السطح الباطن اذ هو عين الاطراف لا ما بينها ، ولازم هذا ان يتداخل المكان والكمية السارية فى المتمكن بخلاف القول بالسطح فانه لا يلزم منه تداخل.

الثانية انهم يقولون ان المكان والمتمكن متساويان فى المقدار ولا شبهة فى ان تساوى المقدار انما يقال ويقاس بين خط وخط آخر او بين سطح وسطح آخر او بين بعد سار فى جسم وبعد سار فى جسم آخر لا بين خط وسطح او سطح وبعد سار ، ولازم هذا ان يكبر كل من المكان والمتمكن بكبر الاخر ويصغر بصغره وان يستحيل حصول جسمين معا فيما يشغله احدهما ، وهذان اللازمان اعم لان القول بالسطح ملزومهما أيضا.

الثالثة انهم يقولون ان المكان خلا من المتمكن وان المكان امتلى من المتمكن ولا شبهة فى ان الخلوّ والامتلاء انما يصح ان يقال للفضاء لا لاطراف الفضاء ، ولازم هذا امكان حركة المتمكن حركة اينية فى امكنة متعددة فيما اذا كان الجسم المحيط به مائعا ، وهذا اللازم أيضا اعم لان الجسم المتحرك كما يتبدل عليه بعد بعد بعد كذلك يتبدل عليه سطح بعد سطح.

الرابعة انهم يقولون ان هذا الجسم هنا وذلك الجسم هنالك ، ولا شبهة فى ان هذه الاشارة انما هى الى المكان وصحة هذه الاشارة لا تتوقف على ان يحيط جسم بالجسم المشار الى مكانه ، ولازم هذا ان يكون لكل جسم مكان بخلاف القول بالسطح

٢٥٠

فانه يستلزم ان لا يكون للجسم المحيط بجميع الاجسام مكان لانه ليس ورائه جسم لوجوب تناهى الاجسام ، هذا. وبهذا النحو الّذي قررت عليه الامارات يظهر ان لا شيء منها ينطبق على القول بالسطح كما توهم ، ومنشأ التوهم اخذ اللازم مكان الملزوم فيما كان له لازم اعم.

قوله : انه ما يتمكن المتمكن فيه ويستقر عليه ـ هذا اشارة الى الامارة الاولى.

قوله : ويساويه ـ هذا اشارة الى الامارة الثانية.

قوله : وما يوصف بالخلو والامتلاء ـ اشارة الى الامارة الثالثة ، ولم يذكر الرابعة لكفاية الثلاث فى المقصود ، ويحتمل بعيدا ان يكون قوله : ويستقر عليه اشارة الى الامارة الرابعة.

قول المصنف : واعلم ان البعد منه ملاق الخ ـ حاصله ان البعد الّذي هو الكمية السارية فى الجسم التى يعبر عنها بالجسم التعليمى الحال فى الجسم الطبيعى ملاق ومقارن للمادة ، واما البعد الّذي هو المكان هو جوهر مجرد مفارق عن المادة يحل فيه الجسم ويتحد فى الوضع والاشارة مع البعد العرضى الحال فى الجسم ، وهذا الجوهر شيء متوسط بين المجرد المحض والمادى المحض لان له بعض خواص المادة وهو الوضع والاشارة ، وهذا جواب عن ايراد التداخل اللازم للامارة الاولى اذ هو محال بالبرهان والاتفاق بان الممتنع هو تداخل البعد المادى مع مثله واما تداخل البعد المجرد والمادى فليس بممتنع.

قول الشارح : فلو تشكك العقل ـ يعنى لو تشكك انسان فى ان هذا البعد الّذي بين اطراف الحاوى هل هو واحد او متعدد لزم السفسطة لان البديهة تشهد بانه واحد.

قوله : الملازمة لسطحها ـ يعنى للسطح الباطن من الفلك المحيط بها.

اقول : ان هؤلاء الخصوم ان ارادوا تعيين ما هو المفهوم لغة من لفظ المكان فقد مر انه مشتق من الكون فمعناه محل كون الجسم ، ولا شبهة فى ان محل كون

٢٥١

الجسم ليس الا الفضاء والبعد الّذي شغله وملأه ذلك الجسم ، وان ارادوا تعيين ما هو عند العرف فانهم يطلقون المكان على اعم من ذلك كله اذ يقولون : الماء فى الكوز ، زيد فى الدار ، زيد على السطح ، السمك فى البحر ، السبع فى رأس الجبل ، الشمس فى المشرق ، او تحت الارض ، القمر فى المغرب او فوق الرأس ، الاصبع فى الخاتم ، اليد فى الكم ، القدر على الاثافى وغير ذلك ويريدون المكان بمدخول الجار فى جميع هذه الامثلة من دون التفات الى تلك الامارات وتلك الخصومات والمشاجرات ، وان ارادوا الاصطلاح فلكل قوم ان يصطلحوا بينهم على ما يرونه صالحا لمقصدهم ولا مشاحة فى الاصطلاح ، ولكن المتكلمين على مزلق فى هذا الامر لان مذهبهم عدم المكان فى الخارج ووجوده فيه مبرهن بل بديهى ، واثبات وجود جوهر مجرد يحل فيه الجسم من الاشراقيين دونه خرط القتاد مع انه يستلزم ازدياد جوهر سادس على الجواهر الخمسة ، اللهم الا ان يبدلوا قولهم ويقولوا ان المكان هو الهيولى الاولى الحال فيها الصورة الجسمية كما عليه قوم من الاقدمين ، وفى قبالهم قوم آخرون منهم على ان المكان هو الصورة الجسمية.

المسألة العاشرة

( فى امتناع الخلاء )

قول الشارح : اختلف الناس الخ ـ قال الشارح القوشجى : القائلون بان المكان هو السطح مع بعض القائلين بالبعد المجرد الموجود لم يجوزوا ان يخلو المكان عما يشغله وعليه المصنف ، والباقون منهم مع القائلين بالبعد الموهوم على جوازه وهم اصحاب الخلاء.

قوله : واستدل عليه بان الخلاء الخ ـ توضيحه انا نفرض جسما متحركا بقوة معينة فى فرسخ من الخلاء فى ساعة ثم نفرض ان ذلك الجسم بعينه مع تلك القوة بعينها يتحرك فى فرسخ من الملا من هواء او ماء او غيرهما ولا محالة يقطع ذلك الفرسخ فى زمان اكثر من ساعة واحدة لان الملا معاوق مانع عن سرعته التى كانت

٢٥٢

له فى الفرض الاول وليكن هذا الزمان ساعتين ثم نفرض انه بعينه بتلك القوة بعينها يتحرك فى فرسخ من ملا ارق قواما من الملا الاول بنسبة النصف وحيث يكون رقة القوام على نسبة النصف يكون نسبة الزمان أيضا على نسبة النصف لان قصر زمان الحركة وطوله منوطان برقة قوام ما يتحرك فيه وغلظه مع وحدة المتحرك والقوة فكلما كان القوام ارق كانت الحركة اسرع والزمان اقصر وكلما كان اغلظ كانت الحركة ابطأ والزمان اطول ان كانت المسافة فى الحالين واحدة كما هو مفروض المثال ، وعلى هذا فزمان حركة ذلك الجسم فى القوام الارق يكون نصف زمان حركته فى القوام الاغلظ اذ نسبة القوام على النصف ونسبة المعاوقة تابعة لنسبة القوام ونسبة الزمان تابعة لنسبة المعاوقة ونصف ذلك الزمان هو ساعة واحدة فيلزم ان يكون زمان حركته فى الخلاء مساويا لزمان حركته فى الملا الارق وهو باطل بالضرورة للزوم تساوى وجود الملأ الارق وعدمه.

وبهذا البرهان يثبت امتناع الحركة فى الخلأ ويلزمه امتناع المكان الخالى عن الشاغل اذ قد مر فى المسألة السابقة ان لازم الامارة الثالثة للمكان امكان حركة الجسم فيه فما لم يمكن فيه الحركة فهو لم يمكن ان يكون المكان فما فرضناه مكانا خاليا ليس بمكان اصلا وهذا خلف لزم من فرض الخلأ لان فرضه يستلزم ان يكون المكان لا مكانا ، ومن هذا ظهر ان الخلأ الّذي استدل على امتناعه هو خلا المكان وهو فى داخل العالم الجسمانى لا خلا اللامكان وهو الخلاء المطلق الّذي يتصور فيما وراء عالم الاجسام اذ هناك ليس ملا من الجسم فيكون لا محالة خلا ، واما قولهم ان ما وراء العالم الجسمانى لا ملا ولا خلا فالمراد به ان هناك ليس جسم ليتحقق مكان حتى يكون خاليا او ممتليا فهناك لا جسم فلا مكان فلا ملأ مكانى ولا خلأ مكانى.

المسألة الحادية عشرة

( فى البحث عن الجهة )

قول المصنف : وليست منقسمة ـ يعنى ليست منقسمة اصلا ان كان الامتداد

٢٥٣

المشار به خطا لان نهاية الخط نقطة وهى لا تنقسم اصلا ، واما ان كان الامتداد المشار به سطحا فكان نهايته خطا وهو لا ينقسم باعتبار هذا الامتداد واما باعتبار امتداد نفسه فمنقسم ، وكذا ان كان الامتداد المشار به جسما فانه ينتهى الى السطح وهو غير منقسم من طرف الاشارة واما من الطرفين الآخرين فمنقسم ، وبعبارة اخصر ان الجهة طرف والطرف لا يعقل انقسامه من حيث هو طرف ، واما من حيث نفسه فيمكن انقسامه لو كان خطا او سطحا.

قوله : للحصول فيها ـ جواب دخل مقدر هوانا لا نسلم ان يكون كل ما قصد بالحركة موجودا حتى تكون الحركة للحصول فيها لان البياض الّذي يتحرك الجسم إليه من السواد او بالعكس مثلا معدوم ، وتقريب الجواب : ان كل ما تكون الحركة للحصول فيه كالجهة فهو موجود ، واما حركة الجسم الى البياض ليست للحصول فيه بل لتحصيله.

٢٥٤

الفصل الثانى

( فى احكام الاجسام )

قول الشارح : لما فرغ من البحث الخ ـ ان المصنف ذكر فى الفصل الاول اقسام الجوهر واحكامه من حيث هو جوهر من دون النظر الى نوع خاص منه وذكر احكام العرض كذلك وذكر حقيقة الجسم المطلق وبعض احكامه كالمكان وغيره من دون النظر الى نوع خاص منه أيضا ، وسيأتى ذكر بقية احكام مطلق الجسم فى الفصل الثالث ، وفى هذا الفصل ذكر انواع الجسم واحكامها ، وفى الفصل الرابع ذكر الجواهر المجردة من العقل والنفس واحكامها وذكر القوى البدنية من النباتية والحيوانية ، وفى الفصل الخامس ذكر اقسام العرض واحكامها وبتمام هذا الفصل يتم المقصد الثانى.

المسألة الاولى

( فى البحث عن الاجسام الفلكية )

قول الشارح : اما الكلية ـ المراد بالفلك الكلى الفلك الشامل لافلاك اخر صغيرة لا الكلى المذكور فى المنطق ، والفلك فى اللغة يأتى مصدرا بمعنى الدوران ويأتى اسما جامدا بمعنى الجسم المستدير يدور أو لا يدور ، وفى الاصطلاح جسم سماوى مستدير متحرك على الاستدارة له سطحان خارجى محدب وداخلى مقعر محيط بجسم آخر فلكا كان او كرة.

قوله : من هذه الافلاك السبعة ـ اى ما عدا الفلك الاطلس وفلك الثوابت فان كلا منهما متصل واحد لا اجزاء له ، واما غيرهما فيتجزى وينقسم الى اجزاء كل جزء فلك صغير جزئى ، وكل من هذه السبعة يختص بواحد من السيارات السبعة

٢٥٥

قوله : يقتضيه اختلاف حركات الخ ـ يعنى ان الراصدين رأوا لكل سيارة حركات مختلفة من الطول والعرض وغيرهما فاثبتوا لكل حركة متحركا ، مثلا رأوا للقمر فى خلال مدة حركات مختلفة فاثبتوا لفلكه الكلى اجزاء هى افلاك جزئية واسندوا كل حركة الى فلك جزئى بالمناسبة ، وتفصيل ذلك كله مسطور فى كتب الهيئة ، وانما اثبتوا لكل حركة متحركا لان الجسم الواحد لايمكن ان يتحرك حركتين مستقلتين مختلفتين من حيث الجهة الا ان يتخلل بينهما سكون وقد ثبت فى محله ان السكون غير جائز على الافلاك ، هذا ، والضمير المنصوب فى يقتضيه يرجع الى الانفصال ، والاحسن ان يؤتى بالمفرد المؤنث ليرجع الى اجسام كثيرة.

قوله : فلكا ممثلا ـ سمى به لتمثله وتشبهه بفلك البروج فى القطبين والمنطقة.

قوله : واثبتوا أيضا فلكا ـ اى لكل كوكب.

قوله : عن مركز العالم الارض ـ الارض بدل عن العالم بحسب النسخة وايا منهما كان الواقع كان صحيحا لان مركز العالم الجسمانى بكليته هو مركز الارض ، فان شئت فقل مركز العالم وان شئت فقل مركز الارض.

قوله : ينفصل عن الممثل او المائل ـ يعنى ينفصل عن الممثل فى غير فلك القمر وعن المائل فيه ، وانفصاله عنه بكونه فى ثخن الممثل او المائل بحيث انفصل كل منهما الى جزءين ومع الخارج المركز يصير المجموع ثلاثة اجزاء : الفلك الخارج المركز الّذي يسمى أيضا بالحامل لحمله تدوير الكوكب ، والجزء المحيط به الّذي يسمى بالمتمم الحاوى ، والجزء المحاط له الّذي يسمى بالمتمم المحوى ، والممثل يطلق على مجموع المتممين وقد يطلق على مجموع الثلاثة وقد يطلق على المتمم الحاوى فقط الا فى القمر فان ممثله جسم متوازى السطحين محيط بالمائل ولا يسمى متمما المائل ممثلا.

قوله : يتماس محدبا هما ومقعرا هما الخ ـ يعنى ليس الخارج المركز فى ثخن الممثل بحيث يكون كل من المتممين متوازى السطحين بل مائل الى جانب

٢٥٦

بحيث وصل نقطة من محدبه بنقطة من محدب الممثل فتماس محدباهما على نقطة مشتركة بينهما تسمى اوجا ووصل نقطة من مقعره بنقطة من مقعر الممثل فتماس مقعرا هما على نقطة مشتركة بينهما تسمى حضيضا ، وكذا الخارج المركز فى المائل.

قوله : أربعة وعشرون فلكا ـ اعلم ان مجموع الافلاك التسعة الكلية مع قطع النظر عن كواكبها اثنان وثلاثون جزءا : الفلك الاطلس وفلك الثوابت جزء ان وفلك زحل له أربعة اجزاء : الفلك الخارج المركز والمتممان وفلك التدوير الّذي هو فى ثخن الخارج المركز لا مثل الخارج المركز فيما بين المتممين بل فى جانب منه بحيث يماس بنقطتين متقابلتين من سطحه المحدب سطحى الخارج المركز وهو محل الكوكب وهو فيه ، وفلك المشترى والمريخ والزهرة امثال زحل بعينه فهذه مع اجزاء فلك الشمس احد وعشرون جزءا لان له ثلاثة اجزاء اذ ليس لها تدوير بل ملأت بتمام جرمها مكان التدوير ، وفلك عطارد له ستة اجزاء اذ هو كزحل الا ان خارج مركزه أيضا كنفس الممثل مشتمل على خارج مركز آخر يسمى الاول بالمدير لادارته الثانى والثانى بالحامل لحمله تدوير الكوكب ، وفلك القمر له خمسة اجزاء اذ مائل القمر كزحل وعليه جسم آخر كالقشر الضخم هو يسمى وحده بالممثل فهذه اثنان وثلاثون جزءا ، ولكنهم عدوا الافلاك كلها أربعة وعشرين فلكا لانهم لم يحسبوا كلا من المتممين فلكا بل عدوا فى غير عطارد كليهما فلكا واحدا وفيه الخارج المركز اثنان والاجزاء الثلاثة الباقية غير التدوير فلك واحد فينقص من الاثنين والثلاثين ثمانية اجزاء : جزء ان من عطارد وستة اجزاء من سائر الستة فيبقى أربعة وعشرون

وبوجه آخر : الافلاك الكلية تسعة والخارجة المراكز ثمانية والتداوير ستة ولفلك القمر فلك آخر هو قشره المسمى بالممثل ، فللقمر أربعة افلاك : الممثل المحيط بالمائل والمائل الشامل على الخارج المركز والخارج المركز الحامل للتدوير والتدوير ، والشارح القوشجى اشتبه وعدّ له خمسة افلاك : التدوير والخارج المركز والمائل والممثل والفلك الكلى وغفل ان الفلك الكلى ليس الا تلك

٢٥٧

الاربعة لان اجزائه خمسة والمتممان من الفلك المائل لا يعد ان فلكين بل واحدا ، ثم اعترض على المصنف بان الافلاك خمسة وعشرون لا أربعة وعشرون ، وهذا منه عجيب.

قوله : وتشتمل سبعة افلاك منها على خمسة كواكب متحيرة ـ وعلى الشمس والقمر ، وانما قيل لما عداهما متحيرة لتحيرها فى سيرها اذ قد ترى تجرى على مسيرها وقد ترى واقفة وقد ترى ترجع فى مسيرها الى الوراء ، والحالة الاولى تسمى بالاستقامة والثانية بالاقامة والثالثة بالرجوع ، وقد ذكر فى الهيئة سر ذلك.

قوله : وقول بعضهم ان ابعد الخ ـ اى قول بعضهم : ان بعد السطح المحدب لكل فلك كلى من مركز العالم الّذي هو مركز الارض كبعد السطح المقعر لفلك كلى فوقه لعدم الفاصلة بين السطحين باطل اى منقوض بفلك القمر لان بين سطحه المحدب وسطح عطارد المقعر جسم فاصل هو ممثل القمر الّذي يسمى بالجوزهر.

اقول : هذا النقض غير وارد لان هذا القائل يقول : ان ممثل القمر جزء من فلكه الكلى ومحدبه مماس لمقعر عطارد اذ مراده بكل سافل كل فلك كلى سافل ، مع ان الممثل المسمى بجوزهر القمر لو عدّ فلكا مستقلا لتم هذا الكلام ، وهذا من الشارح العلامة عجيب.

قول المصنف : والكل بسائط ـ اى كل الافلاك باجزائها وكواكبها بسائط بمعنى عدم تركبها من الاجسام المختلفة الطبائع.

قوله : الكيفيات الفعلية والانفعالية ـ هذه الكيفيات الاربع كل منها منشأ للفعل والانفعال كما يأتى بيانه فى المسألة الثالثة الا ان الفعل فى الحرارة والبرودة اظهر فسميت كل منهما بالفعلية والانفعال فى الرطوبة واليبوسة اظهر فسميت كل منهما بالانفعالية.

قول الشارح : وما ينسب إليهما ـ سيأتى بيان ما ينسب الى هذه الكيفيات فى المسألة الخامسة من مبحث الكيف فى الفصل الخامس.

قوله : ان الهواء العالى ابرد الخ ـ مع انه لو كانت فى السماويات حرارة

٢٥٨

لزم ان يكون العالى من الهواء احرّ لقربه منها

قوله : ولان الرطوبة اذا منعت الخ ـ اى الرطوبة بمعنى الرقة واللطافة اذا منعت عن كمال الحرارة كانت طبيعة الهواء الّذي هو حار ورقيق تقتضى امرين متنافيين لان منع احد الامرين للآخر ليس الا للتنافى بينهما.

قوله : وهو منقوض بالقمر ـ لان له لونا وماله لون ليس بشفاف.

المسألة الثانية

( فى البحث عن العناصر البسيطة )

قول المصنف كرة النار الخ ـ اصطلحوا على تسمية السماويات بالافلاك وعلى ما دون فلك القمر بالكرات ، والكرة فى اللغة جسم مستدير يلعب به الصبيان ، والعرف يطلقونها على كل جسم مستدير

قول الشارح : الازدواجات الممكنة الثنائية ـ لان الازدواج الثلاثى او اكثر محال للزوم اجتماع الضدين لان الحرارة والبرودة ضدان وكذا الرطوبة واليبوسة ، واما الازدواج الثنائي فممكن بل يظهر من كلام الشارح العلامة آنفا وجوبه بحسب الاستقراء.

قوله : الموضوع للحرارة واليبوسة الخ ـ اعلم ان هاهنا اشكالا وهو ان الرطوبة ان كانت بمعنى الرقة واللطافة فالنار أيضا رطبة لا يابسة بل اشد رطوبة من غيرها وان كانت بمعنى البلة فالهواء ليس برطب بل يابس ، واما الماء فبكل من المعنيين رطب والارض بكل من مقابليهما اى الجمود والجفاف يابسة.

قوله : وقد علمت الخ ـ فى المسألة الثامنة من الفصل الاول.

قوله : ينطبق بعضها على بعض ـ اى ليست مخلوطة ولا منفصلة بل بعضها محيط ببعض طبقا عن طبق.

قوله : لبساطتها ـ تعليل لكريتها.

قوله : ولان خسوف القمر الخ ـ توضيحه ان الربع المسكون من الارض

٢٥٩

له طول هو المسافة من المغرب الى المشرق وهو نصف الدائرة الّذي ينقسم على اصطلاح الرياضيين الى مائة وثمانين درجه وله عرض هو المسافة من القطب الشمالى لى خط الاستواء وهو ربع الدائرة الّذي ينقسم الى تسعين درجة ، وكل بلد فى الربع المسكون له طول هو بعده عن المغرب وعرض هو بعده عن خط الاستواء ، فكل بلد مع بلد آخر اما متفقان فى العرض وهو اذا وقعا على خط واحد طولى ، واما متفقان فى الطول وهو اذا وقعا على خط واحد عرضى ، واما مختلفان فيهما وهو اذا لم يقعا على خط مشترك لا فى الطول ولا فى العرض ، واما اتفاقهما فى الطول والعرض معا فغير معقول الا بالمسامحة لانه يقتضي اتحادهما ، فالبلد المخالف للآخر فى الطول هو ما وقع على خط عرضى غير ما وقع عليه الاخر سواء كان عرضهما واحدا او مختلفا ، ولازم الاختلاف فى الطول ان يكون احدهما اقرب الى المغرب من الاخر والاخر اقرب الى المشرق منه وان تطلع الشمس والقمر وسائر الكواكب للاقرب الى المشرق قبل ان يطلعن للابعد إليه اذا كانت الارض كرية محدودبة لان حدبة الارض مانعة عن رؤية الا بعد لها حين يراها الاقرب فى افقه بخلاف ما اذا كانت مسطحة مستوية فان طلوعها حينئذ يكون لجميع الساكنين فوق الارض اى الساكنين فى سطح واحد فى وقت واحد ، وكذا غروبها للاقرب الى المشرق يكون قبل غروبها للابعد إليه اذا كانت الارض كذلك بخلاف ما اذا كانت مسطحة مستوية ،

ثم ان خسوف القمر انما هو بحيلولة الارض بينه وبين الشمس والحيلولة انما تكون اذا كان القمر فى حال المقابلة للشمس وهو حال ان يكون البعد بينهما بمقدار نصف الدائرة بان يكون الشمس مثلا فى المشرق والقمر فى المغرب او بالعكس او يكون احدهما فوق الرأس والاخر تحت القدم ولا يكون بينهما بعد بحسب الشمال والجنوب.

اذا تبين هذا فالارض اذا لم تكن كرية محدودبة بل كانت مسطحة مستوية لكان الخسوف المرئى فى بلد فى وقت معين مرئيا فى جميع البلاد المخالفة له فى الطول فى ذلك الوقت اذا كانت فى السطح الّذي يكون ذلك البلد فيه لاستواء سطح الارض

٢٦٠