توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

قوله : وهاهنا سؤال صعب الخ ـ توضيحه : ان السائل المورد الّذي هو الفخر الرازى يقول : ان التفاوت بين حركة الجسم الاصغر وحركة الجسم الاكبر مسلم لقلة معاوقة الاصغر واما ان ذلك التفاوت بزيادة حركة الاصغر على حركة الاكبر مدة او عدة حتى يلزم انقطاع حركة الاكبر ونقصانها عن حركة الاصغر فتصير متناهية ويلزم من تناهيها تناهى القوة المحركة بعد ان فرضت غير متناهية فيلزم الخلف فغير مسلم لجواز ان يكون بحسب الشدة اى بحسب سرعة حركة الاصغر وبطء حركة الاكبر وهكذا يتحركان الى غير النهاية من دون ان ينقطع الاكبر عن الاصغر كالفلك التاسع والفلك الثامن فان التاسع اسرع حركة من الثامن مع ان حركتهما غير متناهية على ما عليه الفلاسفة ، وهذا السؤال مع جوابه وارد أيضا على البرهان الثانى القائم على استحالة صدور ما لا يتناهى عن القوة الطبيعية فلذلك اخر سائر الشراح ايراده عن البرهانين.

قوله : واجاب المصنف ١ الخ ـ توضيح الجواب على وجه لا يتوجه إليه نظر الشارح العلامة رحمه‌الله : انا لا ننكر وجود التفاوت بحسب السرعة والبطء ولكنه لا يضرنا وجوده ولا ينفعنا عدمه بل النافع فى تتميم البرهان هو التفاوت بحسب المدة او العدة وهو موجود ، بل لا يمكن وجود التفاوت بحسب السرعة والبطء الا اذا كان التفاوت بحسب إحداهما موجودا وذلك لان الحركتين السريعة والبطيئة ان كان زمانهما واحدا يقع التفاوت بحسب العدة لان قطعات السريعة حينئذ تكون اكثر وان اختلف زمانهما فالتفاوت بحسب المدة وهو ظاهر.

قوله : ولا شك فى ان كون القوة الخ ـ هذا يناسب القوة الطبيعية لانها يكون اعظم اذا كان القابل اكبر ويكون اقل اذا كان اصغر على ما يأتى بيانه ، والمناسب للقوة القسرية كما فى سائر الشروح ان يقال : ان كون القوة قوية على تحريك الكل اى الجسم الاكبر اقل من كونها قوية على تحريك الجزء اى الجسم الاصغر لان زيادة الحركات بحسب العدة او المدة التى يستدل بها على زيادة القوة المحركة انما هى بسبب الجسم الاصغر واما الجسم الاكبر فهو سبب لنقصان الحركات بحسبهما

٢٠١

فيستدل به على نقصان القوة المحركة فالقوة المحركة على تحريك الاكبر انقص منها على تحريك الاصغر.

ان قلت : كيف يكون القوة المحركة للجسم الاكبر اقل منها للجسم الاصغر مع ان قوة القاسر المحرك واحدة بالفرض بالنسبة الى كلا الجسمين والتفاوت بينهما بحسب زيادة الحركة ونقصانها انما هو من جهة كثرة المعاوقة فى الكبير وقلتها فى الصغير.

قلت : ان المراد بالقوة المحركة ليس ما هو فى ذات القاسر بل المراد بها القوة الحادثة فى الجسم بسبب القاسر فانها تحدث فى الكبير اقل مما تحدث فى الصغير لكثرة معاوقة الكبير وقلة معاوقة الصغير فالقوة القسرية هى هذه اذ هى التى تذهب بالجسم المقسور الى موضع معين وان كان احداثها من القاسر ، فالقاسر محرك بالتسبيب وتلك القوة محركة بالمباشرة.

قول المصنف : والطبيعى يختلف باختلاف الفاعل ـ تقريره : ان الجسمين اللذين احدهما اكبر من الاخر اذا تحركا بطبعهما من موضع الى موضع فلا مرية فى اختلافهما وتفاوتهما من حيث الحركة فذلك التفاوت اما من القوة الفاعلة المحركة او من غيرها ، والثانى محال لانه اما من امر غريب خارج عن الجسم والمفروض عدمه واما من نفس المحل الّذي هو الحقيقة الجسمية المشتركة بين جميع الاجسام فلزم ان تكون تلك الحقيقة المشتركة مقتضية للحركة او مانعة عنها حتى يقع التفاوت من جهتها وهذا محال لانها لو كانت مقتضية لها فاما مقتضية لها الى جانب مخصوص او الى كل الجوانب أولا الى جانب والاول يستلزم الترجح من غير مرجح ، والثانى يستلزم ان يكون كل جسم فى كل جانب ، والثالث يستلزم ان لا يكون جسم فى جانب ، والكل بديهى الاستحالة مع ان ما فى الوجود يشهد بخلافه ، ولو كانت مانعة عنها لكان الجسم الاكبر ابطأ حركة من الجسم الاصغر وهو ظاهر البطلان ، وأيضا لو كانت مقتضية للحركة او مانعة عنها لما كانت قابلة لها لاشتراط القابل بكونه لا بشرط بالنسبة الى المقبول فالجسمان اذن من حيث

٢٠٢

هما جسمان متساويان فى قبول التحريك والا لكان الجسم من حيث هو جسم مقتضيا له او مانعا عنه ، واما من لوازم الحقيقة الجسمية كالشكل والحيز والمقدار فلزم ما لزم أولا لان لازم اللازم لازم للملزوم الاول

فبقى ان يكون التفاوت من جهة اختلاف القوة الجسمانية الحالة فى اجزاء النوع الواحد التى تسمى بالطبيعة النوعية اختلافا بحسب الزيادة والنقصان لانها اذ حالة فى محلها حلولا سريانيا متجزئة بتجزيته ، او اختلاف الطبائع الحالة فى محالها اختلافا نوعيا كذلك ، والاختلاف الاول يقتضي اختلاف المقدار ولا يقتضي اختلاف الشكل بل يتفق منه اختلافه ، والاختلاف الثانى لا يقتضي اختلاف الشكل أيضا ويقتضي اختلاف المقدار والحيز والآثار ، فالتفاوت اذن من جهة القوة الفاعلة لا من جهة غيرها ، فلو حركت قوة الجسم الكبير جسمها وقوة الجسم الصغير جسمها مع اتحاد المبدأ حركات غير متناهية يجب ان يقع التفاوت الواجب بينهما فى الجانب الّذي فرض غير متناه فيلزم تناهى حركات الصغير فحركات الكبير أيضا لان التفاوت بينهما بقدر متناه ، وهذا خلف.

قول الشارح : او امر طبيعى ـ المراد به اما لازم من لوازم الطبيعة التى هى القوة الفاعلة المحركة واما الطبيعة النوعية المركبة وكلاهما تابعان لها فليس منهما التحريك والتفاوت فيه.

قوله : لانها اعظم ـ اى لان القوة الكبرى اعظم لعظم محلها فالقوة المحركة الطبيعية على تحريك الجسم الاكبر ازيد واعظم منها على تحريك الجسم الاصغر ، وهذا ما وعد من قبل.

قوله : والا لكان حال الشيء الخ ـ اى ولو لم تكن حركات القوة الكبرى اكثر لكان وجود الزيادة فى الجسم الاكبر وعدمها سيين فحال الطبيعة مع تلك الزيادة كحالها لا معها.

٢٠٣

المسألة الثالثة عشرة

( فى العلة المادية )

قول المصنف : والمحل المتقوم بالحال الخ ـ للمادة نسبتان نسبة الى الجزء الاخر وباعتبار هذه النسبة تسمى قابلا ومحلا ونسبة الى الجسم المركب منهما وباعتبارها تسمى مادة وجزء وعلة مادية.

ثم ان المحل اما متقوم بالحال بحسب الوجود وهو المادة بالنسبة الى الصورة واما مقوم للحال بحسبه وهو الموضوع بالنسبة الى العرض والمحل بكلا المعنيين قابل للحال وهو ظاهر وعلة مادية للمركب اذ محل العرض كالجسم مثلا جزء مادى للمركب كالابيض مثلا ، الا ان المصنف قيد المحل بهذا القيد واخرج الموضوع به مع ان الحكم عام لهما لانه ليس بصدد بيان احكام الموضوع ، ويشير الى اشتراكه معها فى هذا الحكم فى آخر المسألة السادسة عشرة بقوله : والموضوع كالمادة.

قول الشارح : فى وقت حصوله ـ اى حصول ذلك القبول

قوله : يعرض للمادة لذاتها ـ كون القبول عرضا ذاتيا للهيولى الاولى بحسب ظاهر النظر والا فعند التحقيق ليست الا قوة محضة وقبولا صرفا لا فعلية لها لنفسها ابدا.

قوله : وتحقيق الجواب الخ ـ حاصل الجواب ان ما هو ذاتى لها هو اصل القبول والاستعداد وهو قوة حصول الصورة فيها ، واما الاستعدادات التى تعرض وتزول فهى كسبية تحصل للهيولى بسبب الصور المختلفة الحالة فيها ، والاستعداد الذاتى قد يكون بعيدا من مقبول ثم يصير قريبا منه بمقارنة شيء من الصور كاستعدادها للصورة الجسمية ثم للصورة النوعية البسيطة ثم للصورة النوعية المركبة المعدنية ثم للمركبة النباتية الغذائية ثم النطفية ثم العلقية ثم المضغية ثم العظمية ثم الجنينية ثم للصورة الحيوانية ثم الانسانية مثلا ، والاستعداد لكل منها يحصل للمادة بمقارنة الصورة السابقة عليها ، ومعلوم ان استعداد الهيولى الاولى اقرب الى بعضها من بعض ،

٢٠٤

والحاصل ان ما هو ذاتى لها هو عدم إبائها عن توارد الصور وما هو عارض عليه هو قرب القبول لصورة بعد بعده وزوال بعده عند حصول قربه.

قوله : بالنظر الى عرض من الاعراض ـ ان كان القابل موضوعا كاستعداد الماء بالنظر الى مراتب الحرارة فان استعداده للحرارة الضعيفة اقرب منه للحرارة الشديدة ، وكذا حصول القرب بالنظر الى صورة من الصور كما مر فى المثال.

المسألة الرابعة عشرة

( فى العلة الصورية )

قول المصنف : وهذا الحال صورة الخ ـ ان الصورة كالهيولى لها نسبتان نسبة الى المركب وباعتبار هذه النسبة تسمى صورة وجزء وعلة صورية ونسبة الى المادة وباعتبار هذه النسبة تسمى حالا ومقبولا وجزء فاعل ، وانما يقال لها جزء الفاعل لان المادة تصير موجودة بالفعل بسبب افاضة الصورة من المبدأ الفياض.

قول الشارح : بواسطة الصورة المطلقة ـ لان المادة لا تستدعى صورة معينة ، بل اى صورة حلت فيها تصير بسببها موجودة بالفعل.

قول المصنف : وهو واحد ـ اى فى مرتبة واحدة ، والا فالجسم البسيط له صورتان إحداهما فى طول الاخرى : الصورة الجسمية والصورة النوعية البسيطة. والجسم المركب له ثلاث صور : هاتان والصورة المركبة الشجرية مثلا كذلك.

المسألة الخامسة عشرة

( فى العلة الغائية )

قول المصنف : والغاية علة بماهيتها الخ ـ الغاية ما لاجله يفعل الفاعل فعله ويطلق الغاية على نهاية حركة الفاعل أيضا ، وهى بصورتها الواقعة فى الخيال اى بوجودها الخيالى علة لوصف علية الفاعل بمعنى ان الفاعل بعد حصولها فى خياله ينبعث نحو الفعل ويفعله وبهذا الاعتبار لها علية للفعل أيضا ، وبوجودها الخارجى

٢٠٥

معلولة مترتبة على الفعل.

قوله : وهى ثابتة لكل قاصد ـ ان الفاعل اما ان يفعل عن شعور وعلم أو لا والثانى هو الفاعل الطبيعى كالنار تحرق والشجر يثمر والبرد يجفف والاول هو الفاعل الارادى وهو اما بالارادة الزائدة على ذاته أو لا والاول هو الفاعل بالقصد والثانى قد عدّوا له اقساما قد ذكرت فى مظانها فالقاصد هو الفاعل بالارادة الزائدة على ذاته

قول الشارح : والا لكان عابثا الخ ـ اى وان لم يكن الفاعل بالقصد يفعل لغرض وغاية لكان عابثا وهذا الاستدلال فيه ما فيه اذ العبث لو لم يخل عن غاية فبطلان التالى ممنوع مع انه حينئذ يصير نقيضا للمقدم اذ معناه حينئذ لكان الفاعل يفعل لغرض وغاية ، ولو خلا عنها فبطلانه عن غير الله تعالى ممنوع مع انه يصير حينئذ عين المقدم اذ معناه حينئذ لم يكن الفاعل يفعل لغرض وغاية ، فالحق ان يقال : لو خلا القاصد عن الغاية لما كان قاصدا اذ قصد الفعل لا يتحقق الا بعد تصور ما يترجح به الفعل وهو ليس الا الغاية.

قوله : يفيد تعيين الغاية لا تحصيلها ـ اى الفاعل الشاعر يعين الغاية أولا ثم يحصلها بفعله واما الفاعل غير الشاعر فتتحصل غاية فعله مترتبة عليه من دون تعيين منه بل هى معينة من عند الحكيم الحميد.

قول المصنف : اما القوة الحيوانية المحركة الخ ـ ان هاهنا امورا ينبغى تقديمها لبيان ما اشار إليه المصنف رحمه‌الله

الامر الاول : ان المبادى الاربعة بل الخمسة للافعال الاختيارية ترجع الى ثلاثة ، المبدأ الاول : التصور الجزئى للفعل على الوجه النافع ظنا او علما مطابقا الواقع او غير مطابق له وهو ينقسم الى التخيل والتفكر ، والتخيل هو تصور ما يراه الفاعل خيرا بحسب شهوته او غضبه دون عقله ، والتفكر هو تصور ما يراه خيرا بحسب عقله سواء وافقه الشهوة او الغضب أم لا ، فما يتصور الفاعل جزئيا وهو يبعثه نحو الفعل اما خير ولذيذ عند العقل فقط كقرب الحق ومعرفته والارتقاء الى المدارج الاخروية

٢٠٦

بسبب الطاعات والعبادات الشاقة والجهاد فى سبيله والتقوى عما ترتضيه الشهوة والغضب ، او خير ولذيذ عند الشهوة او الغضب فقط كالوصول الى ما يرتضيه احدهما مما يراه العقل ضارا ، او خير ولذيذ عندهما كسرور الولد بسبب اللطف به والاحسان إليه من دون ان يكون ضارا فى دينه او دنياه فاحدهما لا بد منه لكل فعل صادر عن الانسان ، والمبدأ الثانى : القوة الشوقية وهى الشوق المنتهى الى الإرادة الجازمة التى يقال لها الاجماع اذ هى الشوق اذا تأكد بسبب ارتفاع التردد وانتفاء المانع والمعارض ، وليس لكل منهما اى التصور الجزئى والقوة الشوقية غاية على حدته بل لكليهما معا غاية واحدة ، والمبدأ الثالث : القوة المحركة التى فى العضلات

الامر الثانى : ان هذه المبادى الثلاثة واجبة فى كل فعل اختيارى مترتبة لا حصول للمتأخر الا بعد حصول المتقدم والاول يسمى بالمبدإ الابعد والثانى بالاوسط والثالث بالاقرب بالنسبة الى حصول الفعل.

الامر الثالث : ان الغاية يمكن ان تكون واحدة ويمكن ان تكون متعددة وعند التعدد لا تكون الا مترتبة كمن كانت غاية حركته الوصول الى مكان وغرضه من الوصول لقاء صديقه فى ذلك المكان وغرضه من اللقاء اعطاء شيء له وهكذا الى ان ينتهى الى ما هو غرضه بالذات ، فاقدم الغايات واقربها الى الفعل هو نهاية حركة العضلات ، وما يقف عنده الفاعل عن حركته ويطمئن به هو غاية الغايات.

الامر الرابع : ان المبدأ لا يكون مبدأ الا بالقياس الى الغاية وكذا الغاية لا تكون غاية الا بالقياس الى المبدأ فبينهما تضايف كما ان لكل منهما اضافة الى الفعل فالمبدأ مبدأ للفعل والغاية غاية له ، ولكن لا يجب ان يكون لكل من المبادى غاية بل يمكن ان يكون للمبادى الثلاثة غاية واحدة كما ان انسانا قائما فى موضع تصور الكون فى موضع آخر فيشتاق إليه فينتقل الى ذلك الموضع من دون ان يكون له غرض مترتب على الكون فيه فان هذا الكون غاية لتصوره ولشوقه ولحركة عضلاته ، واما المثال المنقول عن الشيخ ابن سيناء المذكور فى الكتب وفى هذا الشرح فليس من هذا القبيل اذ لحركة العضلات غاية هى نهاية الحركة والحصول

٢٠٧

فى ذلك الموضع الاخر وللتخيل والقوة الشوقية معا غاية اخرى هى ازالة ضجره المترتبة على ذلك الحصول.

الامر الخامس : اذا تعددت الغاية فاقدم الغايات غاية للمبدإ الاقرب وهى حينئذ ليست ملحوظة بالاستقلال ، وما بعدها غاية للقوة الشوقية وللتصور معا لانهما يتعلقان بها ولكن الاخيرة التى يطمئن به الفاعل ويقف عنده غاية بالذات وما قبلها كائنا ما كان غاية بالعرض ، فلا يمكن ان يكون للتصور غاية وللقوة الشوقية غاية اخرى اذ المتصور هو المشتاق إليه لا غيره ، وقد يقال لما بعد الغاية الاولى غاية بالنسبة الى المبدأ الاقرب ولكن بالعرض والمجاز.

الامر السادس : القوة الشوقية اذا تعلقت بامر منكر عند العقل تسمى شهوة اذا كان الفعل لجلب شيء وغضبا اذا كان لدفع شيء ، واما اذا تعلقت بامر معروف عنده سواء كان الشهوة او الغضب يرتضيه أم لا فليس لها اسم خاص بل يطلق عليها الإرادة او الكراهة. والغاية بالاعتبار الاول تسمى خيرا تخيليا حيوانيا وبالاعتبار الثانى خيرا حقيقيا انسانيا.

اذا تحققت هذه الامور فاعلم ان للافعال الارادية باعتبار المبادى والغايات اسماء فى الاصطلاح ، فان كان المبدأ الا بعد التفكر فالفعل مطلقا يسمى خيرا سواء كانت غاية القوة الشوقية هى نهاية حركة العضلات وان كان مثاله غير مظفور به أم غيرها وان كان ظاهر الكلمات الاختصاص بالثانى لعدم الظفر بمثال الاول وسواء كان هاهنا خلق وملكة او غيرهما أم لا وسواء حصلت الغاية أم لا ، وان كان المبدأ الا بعد التخيل فاذا كانت غاية القوة الشوقية هى غاية القوة المحركة فالفعل يسمى عبثا ومر مثاله فى الامر الرابع ، وان كانت غيرها فاما ان لا تحصل كمن يذهب الى مكان للقاء صديقه ولا يلاقيه او يضرب شيئا على شيء ليكسره ولا يكسره فالفعل يسمى باطلا ، واما ان تحصل الغاية فاما ان يكون التخيل لا مع غيره فيسمى الفعل جزافا ، واما ان يكون مع خلق وملكة نفسانية كاصوات الطيور ولسع الدواب الموذية وخياطة من كان حاذقا كثير العمل فيها واللعب باللحية ومضغ الصبى اصبعه فيسمى

٢٠٨

الفعل عادة ، واما ان يكون مع طبيعة كالتنفس والنوم او مع مزاج كحركة المريض او النائم فيسمى قصدا ضروريا ، وما ذكرنا من كون العبث مغايرا للجزاف مطابق لما عليه الشيخ ابن سيناء ، واما المصنف فلم يفرق بينهما لمكان العطف بالواو دون او ، فتأمل.

قوله : وهو قد يكون غاية للشوقية ـ اى الوصول الى المنتهى الّذي هو غاية للقوة المحركة قد يكون غاية للشوقية ، وحينئذ يكون الفعل عبثا على مسلك الشيخ ابن سيناء ولم يسمه المصنف باسم هاهنا ويمكن ان يكون خيرا على ما بينا.

قوله : فان لم تحصل الخ ـ تفريع على قوله : وقد لا يكون.

قول الشارح : بالنسبة إليها ـ اى بالنسبة الى القوة الشوقية ، واما بالنسبة الى القوة المحركة فالغاية حاصلة اذ لا يمكن عدم حصول غاية القوة المحركة ان وقع التحريك.

قوله : واما العلل الاتفاقية الخ ـ لبيان هذا المطلب لا بد من تقديم امور :

الامر الاول : ان الشيء الممكن ما لم يجب من علته لم يوجد ووجوبه من علته انما هو بحصول كل ما له مدخل فى وجوده فما بقى منه شيء فى العدم امتنع ذلك الشيء فلا يوجد فى الخارج ، وهذا الامر لا مجال للعاقل ان يتشكك فيه ، وخفاء بعض ما له مدخل فى وجود شيء علينا فى عالم الوجود لا يضر بهذا الاصل ، فكل ممكن موجود له علة تامة وتلك العلة ان كانت ممكنة فلا بد ان تنتهى الى الواجب بالذات لما قد مضى فى المسألة الرابعة فى ابطال التسلسل.

الامر الثانى : انه قد مر ان الفاعل اما شاعر بفعله او غير شاعر بفعله ، والشاعر به لا يكون فعله خاليا عن الغاية لانها علة لفاعليته فلو خلا عنها لم تتحقق القوة الشوقية فلا يقع منه الفعل ، وغير الشاعر به أيضا لا يكون فعله خاليا عنها لان الفعل الطبيعى يؤدى الى ما يترتب عليه وان لم يكن للطبيعة شعور به كما مر بيانه من الشارح العلامة ، والفاعل بالقسر ليس مستقلا فى فعله بل يرجع الى إرادة القاسر ان كان اراديا او الى طبع القاسر ان كان طبيعيا ، ولا ينافى هذا ما ذكر فى المسألة الثانية عشرة فى ذيل

٢٠٩

قول الشارح : اما ان تكون قسرية او طبيعية ، ويأتى توضيح ذلك وبيان الفعل الطبيعى والقسرى والارادى فى المقصد الثانى فى الفصل الخامس فى مبحث الحركة إن شاء الله تعالى.

الامر الثالث : ان نوع شيء بالقياس الى نوع شيء اما ان لا يكون بينهما نسبة السببية والمسببية كقعود الانسان بالقياس الى انخساف القمر ونعيق الغراب بالقياس الى موت الانسان والعبور على جسد الميت بالقياس الى تكوّن الولد والعبور على شعلة النار بالقياس الى سعادة الانسان وامثال ذلك فانها لا يحكم باللزوم بينها الا اهل الجهل والتطير ، واما ان يكون بينهما تلك النسبة فحينئذ اما ان يكون تأدى السبب الى المسبب دائميا بمعنى انه كلما تحقق فرد منه تحقق المسبب سواء كان بذاته او بضميمة امر خارج عن ذاته يحصل معه دائما كالنار بالقياس الى تسخين الهواء المجاور والنفس الجازمة على فعل بالقياس الى تحريك الاعضاء ، او اكثريا كالنار بالقياس الى احراق الحطب والخارج من بيته قاصدا لموضع بالقياس الى الوصول بذلك الموضع ، او متساويا كالماء بالقياس الى الجريان والنفس بالقياس الى الافعال الارادية كالقيام والقعود والتكلم ، او اقليا كحفر البئر بالقياس الى العثور على الكنز ولسع العقرب بالقياس الى البرء من مرض ، ومعلوم ان كون هذه الامور اقلية فى التأدية الى المسببات انما هو لعدم موافاة الاسباب مع ما له مدخل فى التأدية من الشرائط وعدم الموانع ، والا فالاقلى دائمى مع حصول الموافاة فان حفر البئر قد يؤدى الى العثور على الكنز لعدم عرفان الحافر به تحت الارض وعدم وقوع الحفر محاذيا له فلو كان الحافر عارفا به واوقع حفره على موضع الكنز كان الحفر بهذه الشرائط دائما مؤديا إليه ، وهكذا المتساوى والاكثرى بطريق اولى.

اذا تقررت هذه المقدمات فاعلم انه قد يطلق الامر الاتفاقى على ما لا سبب له وقد يطلق على ما لا غاية له وقد يطلق على ما له نوع سبب ليس دائمى التأدية ولا اكثريها فالاتفاق بالمعنيين الاولين باطل لان كل ممكن له سبب وكل فعل له غاية لما مر فى الامر الاول والثانى ، والمعنى الثالث صحيح واقع الا انه يقال على السبب فى القسم

٢١٠

الدائمى بقسميه والقسم الاكثرى سبب ذاتى وعلى الغايات المترتبة على الفعل فى هذه الاقسام غايات ذاتية ، ويقال على السبب فى القسم المتساوى والاقلى سبب اتفاقى وبالعرض وعلى غايته غاية اتفاقية ، مع ان السبب بالذات والغاية بالذات يجب ان يكونا موجودين فى هذين القسمين بالضرورة فان الحفر مثلا بالقياس الى العثور على الماء سبب اكثرى بل دائمى ذاتى والعثور على الماء غاية ذاتية له الا انه بالقياس الى العثور على الكنز سبب اتفاقى بالعرض وهو غاية اتفاقية له بالعرض وذلك لان ما بالعرض لا بد ان ينتهى الى ما بالذات ولان من الواضح انه لو لم يكن الغاية الذاتية التى تقع فى تصور الفاعل أولا فى البين لم يقع حفر حتى يعثر على الكنز.

ثم ان هاهنا فرقتين على طرفى الافراط والتفريط : فرقة قالوا : ان فى الوجود اتفاقيات اى امورا بلا سبب كالعثور على الكنز والبرء من المرض فى المثالين المذكورين فانه ليس له سبب طبيعى اذ الحفر لو كان سببا طبيعيا لكان كل حفر مؤديا إليه ولا سبب ارادى اذ الحافر لم يكن عالما به والسبب الارادى لا بد له من تصور الفاعل للغاية ولا سبب قسرى اذ حيث لا إرادة ولا طبع فلا قسر لان الفعل القسرى ما كان على خلاف الإرادة او الطبيعة فى الفاعل ، بل بعضهم كذيمقراطيس واتباعه على ما نقل الشيخ ابن سيناء فى طبيعيات الشفاء فى الفصل الثالث عشر من المقالة الاولى من الفن الاول تجاوزوا عن ذلك وذهبوا الى ان كون العالم بالبخت والاتفاق وانكروا ان يكون له صانع اصلا ورأوا ان مبادى الكل اجرام صغار لا تتجزى لصغرها وصلابتها وانها غير متناهية بالعدد ومبثوثة فى خلا غير متناه وان جوهرها فى طباعها جوهر متشاكل وباشكالها تختلف وانها دائمة الحركة فى الخلاء فيتفق ان يتصادم منها جملة فيجتمع منها عالم وان فى الوجود عوالم مثل هذا العالم غير متناهية بالعدد مترتبة فى خلا غير متناه لكن مع ذلك يرون ان الامور الجزئية مثل الحيوانات والنباتات كائنة لا بسبب الاتفاق.

اقول : ان هؤلاء الانعام بل الاضلون الذين كانوا عن قديم الزمان الى الآن فى بدن الاجتماع كالقيح تارة برزوا وتارة كمنوا قد كفاناهم الفطرة عن مئونة

٢١١

البرهنة والجدال ، وان كان العلماء قديما وحديثا اتوا فى كتبهم بما قد دمغهم ودقهم وردهم عن حريم الانسانية واخجلهم عند الدابة والبهيمة ، ومع ذلك قد يسرقون عقول الضعفاء ويركبون على اعناق الجهلاء ويدعون حزبهم ليكونوا من اصحاب النار ، هذا وان للطاغين لشر مآب.

واما تلك الاجرام الصغار التى توهمها ذى مقراطيس فلا حقيقة لها لان غير المتناهى ليس فى الوجود وكل ما يقع فى الوجود فهو متناه ، ولو كانت لكانت ممكنة محتاجة الى الواجب بالذات وكان تكوّن العوالم منها بتأثير من العالم القادر.

واما حل المثالين وغيرهما فان للعثور على الكنز مثلا سببا اراديا هو الحافر الا انه سبب بالعرض لا بالذات ، والقول بان الممكن لا يوجد بلا سبب لا يوجب ان يكون كل سبب بالذات بل فى الوجود اسباب بالعرض لا تحصى ، نعم ما بالعرض لا يكون الا مسبوقا بما بالذات فان الحافر سبب ارادى بالذات للعثور على الماء وسبب ارادى بالعرض للعثور على الكنز كما ان الاول غاية بالذات والثانى غاية بالعرض.

وفرقة اخرى على جانب التفريط انكروا السبب الاتفاقى والغاية الاتفاقية بالمعنى الصحيح الواقع أيضا ، وقالوا لا معنى للاتفاق لان السبب لو استجمع الى آخر ما اورده الشارح العلامة رحمه‌الله مع جوابه واوضحناه.

قوله : والجواب ان المؤثر الخ ـ فى هذا الجواب اشار الى الاقسام الخمسة : الدائمى التأدية بقسميه والاكثرى التأدية والمتساوى التأدية والاقلى التأدية.

تنبيه : قد قلنا فى الامر الثالث : ان نوع شيء بالقياس الى نوع شيء لان الشخص لا يأتى فيه هذه الاقسام لانه بالقياس الى غيره اما مستجمع لشرائط التأثير فيؤثر أم لا فلا ، ولعل هذا اى النظر الى شخص السبب منشأ خطاء منكرى الاتفاق بالمعنى الصحيح.

تنبيه آخر : قد وقع فى كلام الشيخ ابن سيناء لفظ البخت مع الاتفاق ، وهو اما مرادف له او اخص منه بالتقييد بكون الفاعل الاتفاقى ذا إرادة وكون الغاية ذا خطر من سعادة او شقاوة.

٢١٢

المسألة السادسة عشرة

( فى اقسام العلة مطلقا )

قول المصنف : قد تكون بسيطة ـ العلة المادية البسيطة كالهيولى الاولى ، والصورية البسيطة كالصورة المائية ، والغائية البسيطة كالشبع للاكل ، والعلة الفاعلية البسيطة كالواجب تعالى.

قول الشارح : وإلا لزم نفيها ـ اى لو كانت العلة مركبة لزم من التركيب نفيها.

قوله : لان كل مركب الخ ـ هذا بيان الملازمة وحاصله ان المركب ينتفى بانتفاء احد اجزائه فلو كانت العلة مركبة لزم انتفائها بانتفاء جزء منها فلا يكون المركب الّذي فرضناه علة بعلة ، وهذا الاستدلال فى غاية السخافة كما اشار إليه الشارح العلامة فى الرد عليه ، فلذا لم يذكروه واصل المنع فى سائر الشروح.

قوله : ولان الموصوف بالعلية ـ هذا دليل آخر لمنع بعض الناس من التركيب فى العلل وهو عطف على قوله : وإلا لزم نفيها ، واجاب عنه الشارح العلامة على سبيل النقض ، واما الحل فنختار أن المجموع علة وقوله : فعند الاجتماع ان لم يحصل امر لم يكن المجموع علة ممنوع اذ عند الاجتماع لا يحصل الا الاجتماع ، ولكن للمجموع بالبديهة تأثير لم يكن لكل جزء بحياله ، كما ان عشرة رجال ينقلون حجرا عظيما لا ينقله كل واحد منهم بانفراده.

قوله : كالزاج والعفص فى الحبر ـ الزاج جسم معدنى ابيض بلورى ، والعفص بفتح الاول وسكون الثانى ثمر شجرة برية اصغر من الجوز على قدر البندق مصمت ليس له قشر ولب بل كله كالخشب يسمى فى الفارسية ( مازو ) يستعملهما الدباغون والصباغون ويستعملان فى بعض الصناعات والمعالجات ، والحبر بكسر الحاء وسكون الباء جوهر اسود معروف مركب من اشياء منها الزاج والعفص يستعمله الكاتبون للكتابة.

٢١٣

قوله : كالانسانية المركبة من اشكال مختلفة ـ الصورة الانسانية ليست مركبة من الاشكال لان الصورة جوهر والشكل ليس بجوهر ، بل الصورة الانسانية لو فرض فيها تركيب فهو من الصورة الجسمية والصورة النوعية والصورة النباتية والحيوانية والتى هى حقيقة الانسان ، اللهم الا انه اراد منها شكل البدن الانسانى فانه مركب من الاشكال المختلفة ، الا انه ليس من علل الانسان ، بل من علل البدن من حيث هو بدن كشكل الكرسى الّذي هو علته الصورية من حيث هو كرسى ، فاذا يقال عليه صورة الانسان فبالعرض والمجاز.

قوله : كالحركة لشراء المتاع ولقاء الحبيب ـ الحركة ليست بالغاية المركبة ، بل مجموع شراء المتاع ولقاء الحبيب غاية مركبة للقوة الشوقية المستتبعة للحركة.

وفى التعبير تسامح.

قوله : كالمائية الحالة فى الهواء بالقوة ـ اى لمادة الهواء قوة ان تحل فيها الصورة المائية فهى تكون لمادة الهواء بالقوة.

قوله : والغاية بالقوة هى التى يمكن جعلها كذلك ـ يعنى الغاية بالقوة هى التى يمكن جعلها بالقوة والتى يمكن جعلها بالقوة هى كل غاية قبل حصولها حين صدور الفعل فان فى الافعال قوة الغايات.

قوله : وبالفعل هى التى حصل فيها ذلك ـ يعنى الغاية بالفعل هى كل غاية حصل فيها وصار فعليا بتحققها ذلك الامر الّذي كان بالقوة.

قوله : وكذلك البواقى ـ فالعلة المادية الكلية كمطلق الطين بالنسبة الى طين الكوز وكطين الكوز بالنسبة الى طين هذا الكوز ، والعلة الصورية الكلية كمطلق الصورة بالنسبة الى صورة الكوز وكصورة الكوز بالنسبة الى صورة هذا الكوز ، والعلة الغائية الكلية كمطلق الغاية بالنسبة الى الجلوس على السرير وكالجلوس على السرير بالنسبة الى الجلوس على هذا السرير ، ومن هذه الامثلة ظهر ان العلة الجزئية قد تكون جزئية اضافية وقد تكون جزئية حقيقية.

قول المصنف : وذاتية او عرضية ـ العلل الذاتية هى التى يسند المعلول إليها

٢١٤

فى الحقيقة وواقع الامر من دون عناية زائدة على نفس نسبة العلية والمعلولية كالنار بالقياس الى الاحراق والهيولى الاولى للنار والصورة النارية وتفرق الاجزاء المترتب على الاحراق الّذي هو الغاية ، والنجار ونفس خشب الكرسى غير مأخوذ مع العوارض اللاحقة به ونفس صورته كذلك والجلوس عليه.

واما العلل العرضية فهى ما لا يكون كذلك ، فالفاعل بالعرض على اصناف : منها ما يكون الفعل لبعض افراد نوع فيسند الى النوع كان يقال : الانسان يسرق والسارق بعض افراده ، او يقال : البائع يطفف والمطفف بعض افراده.

ومنها ما يكون الفعل لبعض افراد نوع فيسند الى بعض آخر كما يقال : فتح الامير البلد والفاتح العسكر

ومنها : ما يكون الفاعل يفعل شيئا ويتبعه شيء آخر هو يسند إليه ، وهذا الصنف ينشعب الى اقسام : قسم يكون فعل الفاعل ازالة ضد يتبعها ضده كتبريد السقمونيا فانه بالذات يزيل الصفراء المستلزمة للحرارة فاذا ازالها تظهر البرودة فى المزاج فيسند التبريد إليه بالعرض. وقسم يكون فعل الفاعل بالذات ازالة مانع لفعل طبيعى او ارادى تابع للازالة فيسند ذلك الفعل الى المزيل بالعرض كما اذا ازال احد سدا عن مجرى الماء فيجرى الماء فيسند إليه ويقال : هو اجرى الماء ، او اخرب دعامة عليها هدف فانهدم الهدف فيقال : هو هادمه ، او فتح بابا على من هو ورائه فدخل فيقال : هو ادخله ، وقسم يفعل الفاعل فعلا غير الازالة فيتبعه فعل آخر كمن يجعل النار تحت قدر فيغلى ما فى القدر من الماء فيقال : هو اغلاه ، وقسم يكون الفعل للآلة بالذات فيسند الى من هى بيده لكونها مسخرة فى يده كمن قطع عنق احد بالسيف فان فعله بالذات هو ضرب السيف على العنق فيتبعه قطعها فيسند إليه بالعرض اذ هو بالذات فعل السيف.

ومنها ما يكون الفاعل ذا حيثيات فيفعل فعلا من حيثية ويسند الى حيثية اخرى بالعرض كانسان بناء بنى بناء فيقال : هذا الانسان بنى مع انه لم يبن من حيث هو انسان بل من حيث هو بناء ، او طبيب نجار صنع كرسيا فيقال : هذا الطبيب صنع

٢١٥

كرسيا مع انه لم يصنع من حيث هو طبيب بل من حيث هو نجار.

ومنها ما يكون الفاعل يفعل شيئا يقارنه شيء فيعد فاعلا لذلك المقارن بالعرض كحجر وقع من علو على رأس انسان فشجه فيقال : ان الحجر شجّ الرأس مع ان فعله بالذات هو الهبوط فقارنه شجّه.

ومنها ان يقال لشيء انه فاعل مع انه لم يفعل اصلا ، الا انه اتفق فى دائم الامر او اكثره او فى غير دائمه واكثره ان يقارن شيئا آخر هو الفاعل فى الحقيقة فيسند الفعل الى ذلك الشيء بالعرض كمريض من سبب يقال : ان قدوم عدوى امرضنى او يصح ويقول : قدوم حبيبى اصحنى ، او نبت من الارض شيء فيقال : انبتته الارض ، او يفقد من انسان شيء او يجد شيئا او يقبل إليه شيء محمود او محذور فيقول : ان ذلك اليوم او المكان المنحوس او الميمون سبب لى ذلك ، وهذا الصنف من الفاعل بالعرض الّذي هو احق من غيره باسم العرضية كثير الامثلة بين الجهلة وعوام الناس ، وقول الشارح : وقد تطلق العلة العرضية على ما مع العلة اشارة الى هذا الصنف.

والمادة بالعرض أيضا على اصناف :

منها ان تؤخذ الهيولى الاولى مع الصورة الحالة فيها فيقال لمجموعهما انه مادة لصورة مضادة للصورة الحالة كما يقال : ان الماء محل للهواء مع ان الهيولى التى حلت فيها الصورة المائية هى محل للصورة الهوائية عند زوال الصورة المائية ، او يقال : ان النطفة مادة للانسان مع انها من حيث هى نطفة ليست بذلك بل مادتها مادة للانسان بعد خلع الصور التى قبل الصورة الانسانية.

ومنها ان يكون الشيء ذا حيثيات يكون مادة بحيثية فيؤخذ مادة بحيثية اخرى كطبيب يعالج نفسه فيقال : ان الطبيب يتعالج مع انه من حيث هو طبيب ليس متعالجا محلا للعلاج بل من حيث هو عليل ، او يقال : هذا الشجر موضوع لشكل كذا مع انه من حيث هو جسم موضوع له لا من حيث هو شجر.

ومنها ان يكون الشيء مقارنا لشيء هو محل لشيء بالذات فيقال للمقارن انه محل له كالجسم المقارن للخط الّذي هو محل للنقطة بالذات فيقال للجسم انه محل لها.

٢١٦

ومنها ان تؤخذ المادة مع العوارض اللاحقة بها مادة كما يقال لخشب الكرسى مع شكله ولونه مادة الكرسى.

والصورة بالعرض أيضا على اصناف :

منها ان تطلق الصورة على العوارض كالشكل والخلقة فى النبات والحيوان.

ومنها ان يكون الشيء مجاورا للصورة بالذات ويقال لذلك الشيء الصورة كحركة الساكن فى السفينة تبعا لحركتها فان الحركة صورة بالذات للسفينة المتحركة وبالعرض للجالس فيها.

ومنها ان تكون الصورة لشيء فتعد صورة لمقارنه كشكل بدن الانسان الّذي هو صورة للبدن من حيث هو بدن فيعد صورة للانسان.

والغاية بالعرض أيضا على اصناف : منها ان تكون الغاية للمبدإ الشوقى فتعد غاية للمبدإ العضلى كما يقال : غاية حركتى لقاء الحبيب ، او بالعكس كما يقال : غرضى الوصول الى موضع كذا مع ان غرضه لقاء حبيبه.

ومنها الغايات المتقدمة على الغاية الاخيرة التى هى غاية الغايات كمن يكسب لتحصيل النقود ليشترى بها ما يحتاج إليه ليصان من الهلاك ليلتذ من لذائذ الدنيا والآخرة فان هذا الالتذاذ هو غاية غاياته مثلا فهى الغاية بالذات واللاتى تتقدمها غايات بالعرض.

ومنها ان لا يكون الشيء غاية لفعل ارادى او طبيعى ولكن يتفق ان يترتب عليه كحجر يهوى من فوق فغايته بالذات الوصول الى المركز فيحوله حائل ويقف عنده حينا ما ثم يتحرك نحو المركز وهذا الوقوف غاية لحركته بالعرض ، او انسان يذهب الى السوق ليشترى متاعا فيصادف مدينه فيأخذ منه دينه فغايته بالذات شراء المتاع واخذ الدين غاية بالعرض ، او كفرعون اخذ موسى على نبينا وآله وعليه السلام من الماء ليكون له ولدا معينا فكان له عدوا وحزنا.

ومنها ما يكون لازما للغاية بالذات كالتغوط الّذي هو لازم لكف الجوع الّذي

٢١٧

هو غاية بالذات للاكل ، وكالسكون الّذي هو لازم لوصول الجسم الى موضعه الطبيعى الّذي هو غاية بالذات فالتغوط والسكون غايتان بالعرض.

ومنها ما يكون عارضا مع الغاية بالذات فى اكثر الامر كالجمال الّذي يعرض مع الصحة التى هى غاية الرياضة ، وكالتعب الّذي يعرض مع الوصول الى المقصد الّذي هو غاية المشى فالجمال والتعب غايتان بالعرض.

ومنها ما يحصل بدلا عن الغاية بالذات كمن يقصد ان يرمى طيرا فيصيب رميه انسانا.

اعلم ان ذكر هذه الاصناف من العلل بالعرض على سبيل الاستقراء الناقص فيمكن ان يوجد غيرها فيذكر.

قوله : وعامة او خاصة ـ الفاعل العام هو الّذي ينفعل عنه اشياء كثيرة كالهواء الّذي يغير اجساما كثيرة ، والفاعل الخاص هو الّذي لا ينفعل منه الا الواحد كالنفس الحيوانية التى لا تفعل بلا واسطة الا تحريك العضلات ، والمادة العامة هى التى تستعد لصور مختلفة الحقائق كالهيولى الاولى وكالخشب الّذي يصنع منه اشياء كثيرة كالكرسى والسرير والباب وغيرها ، والخاصة هى التى لا تستعد الا لصورة واحدة كجسم الانسان بمزاجه لصورته ، والغاية العامة هى التى تكون غاية للافعال المختلفة كدفع مرض بشرب الدواء او الاحتجام او الاحتقان او الحمية او غيرها ، والخاصة هى التى لا تكون غاية الا لفعل واحد كوصول الجسم الى موضع لم يكن فيه فانه ليس غاية الا للحركة الاينية وكدفع العطش فانه لا يحصل الا بشرب المائع ، واما الصورة فلا يتصور فيها العموم لان الصورة الواحدة كالصورة الانسانية مثلا لا تكون الا لمادة مخصوصة ، نعم لو اخذت الصورة كلية والمادة جزئية ففيها عموم كالصورة الانسانية التى تشترك فيها اشخاص الابدان.

ثم ان الفرق بين العلة الكلية والعلة العامة ان الكلية تقاس الى ما تحتها من جزئياتها والعامة تقاس الى ما يقابلها من المعلول فى الفاعل ومن الفعل فى الغاية ومن الصورة فى المادة فكل منهما كلية والفرق بينهما بالقياس والاضافة ، وكذا الفرق

٢١٨

بين العلة الجزئية والخاصة فان العلة الجزئية تقاس الى ما فوقها من الكليات وهى قد تكون جزئية حقيقية وقد تكون كلية اى جزئية اضافية والعلة الخاصة تقاس الى ما يقابلها كالعامة وهذه كلية أيضا والفرق باختصاصها بمقابل واحد نوعى بخلاف العامة كما اتضح ذلك كله من الامثلة.

قول الشارح : كالصانع فى البناء ـ بتخفيف نون البناء ، والصانع فاعل عام اذ هذا العنوان لا يختص بصنعة دون صنعة بل كل شيء مصنوع ينفعل عن الصانع وذكر البناء من باب التمثيل بواحد مما ينفعل عنه.

قوله : والخاصة كالبانى فيه ـ اى الّذي يبنى البناء فانه فاعل خاص اذ البانى من حيث هو بان يختص بالبناء ولا ينفعل عنه غيره.

قول المصنف : وقريبة او بعيدة ـ العلة القريبة هى التى لا يكون بينها وبين المعلول واسطة والبعيدة ما بينها وبينه واسطة او وسائط ، فالفاعل القريب الطبيعى كالميل بالنسبة الى الحركة ، ويأتى بيان معنى الميل فى المسألة الخامسة فى مبحث الكيف فى الفصل الخامس من المقصد الثانى ، والفاعل البعيد الطبيعى كالطبيعة بالنسبة إليها ، والقريب الارادى كالعقل الفعال بالنسبة الى الصور ، والبعيد الارادى كالعقل الاول بالنسبة إليها ، والمادة القريبة كالجنين للانسان والبعيدة كالنطفة له ، والصورة القريبة كالصورة الانسانية بالنسبة الى الانسان والبعيدة كالصورة الجسمية بالنسبة إليه ، والغاية القريبة كنهاية الحركة بالنسبة إليها والبعيدة كلقاء الحبيب المترتب على نهاية الحركة ،

قول الشارح : كالقوة الشوقية ـ بالنسبة الى الفعل ، ومبدئه القريب الفاعلى القوة المحركة العضلية.

قول المصنف : ومشتركة او خاصة ـ لا فرق بين العلة العامة والخاصة وبين المشتركة والخاصة الا ان العامة والخاصة تعتبران كليتين والمشتركة والخاصة تعتبران شخصيتين كهذا النجار الّذي صنع ابوابا متعددة او اشياء مختلفة كالباب والتخت والسرير ، وهذا المعلم الّذي يتعلم عنده اناس كثيرة علما واحدا او جماعات

٢١٩

متعددة علوما مختلفة ، والخاص كهذا النجار الّذي صنع بابا واحدا او شيئا واحدا وان كان متعددا بالشخص ، وهذا المعلم الّذي يتعلم عنده واحد فقط او جماعة علما واحدا ، وهذا القسم من الخاص خاص باعتبار ومشترك باعتبار كما لا يخفى ، كما ان القسم الاول من المشترك مشترك وخاص باعتبارين ، والمادة المشتركة كهذه المادة التى تواردت عليها صور مختلفة والخاصة كهذه المادة التى حلت فيها صورة واحدة ، والغاية المشتركة كهذه النهاية للحركة التى تشترك فيها المبدأ الشوقى والمبدأ التحريكى والخاصة كهذه اذا كانت للشوقى غاية اخرى ، واما الصورة فلا يتصور فيها الاشتراك كالعموم.

وبهذا الفرق الّذي ذكرنا اندفع ما اورده صاحب الشوارق على المصنف من عدم الفرق بين هذه الخاصة وتلك الخاصة او عدم الفرق بين المشتركة والعامة ، فان الفرق هو ان الخاصة المقابلة للعامة تعتبر كلية كالعامة ، والخاصة المقابلة للمشتركة تعتبر شخصية كالمشتركة مع اتحاد القياس والاضافة ، كما ان الفرق بين العلة الكلية والجزئية وبين العامة والخاصة باختلاف القياس والاضافة.

تنبيه : ان هذه التقسيمات تأتى فى المعلولات أيضا بقياس التضايف.

قول المصنف : والعدم للحادث من المبادى العرضية ـ هذا وما بعده الى آخر الفصل فى مباحث متعلقة ببعض العلل التى وقع فيها اشتباه ، وتوضيح كلام المصنف هذا : ان العدم الغير المجامع للمعلول الّذي لا بد من سبقه زمانا على المعلول الحادث ليس من المبادى الذاتية التى لها تأثير ومدخلية فى المعلول بل من المبادى العرضية اى من الامور المقارنة للفاعل التى لا دخل لها فيه.

واعترض عليه بان العدم السابق وان لم يكن من المبادى الذاتية للمعلول من حيث هو موجود ، ولكنه من مباديه الذاتية من حيث هو حادث لان الحدوث لا تحقق له من دون العدم السابق حتى انه عرف بالوجود بعد العدم ، والنزاع انما هو فى كونه مبدأ ذاتيا او عرضيا للحادث.

اقول : ان البديهة تشهد بان العدم ليس مبدأ ذاتيا ذا تأثير فى ذات الحادث

٢٢٠