توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

المستجمع لجميع الشرائط. وهذا حكم ثان للعلة التامة.

قول الشارح : معلول لامر آخر ـ هو تماسك الاجزاء.

قوله : فانها تعدم الخ ـ اى العلة المعدة يجوز عدمها وبقاء المعلول بعدها لانها ليست بعلة حقيقة بل هى تقرب الفاعل الى التأثير او القابل الى القبول فلذا ما عدّوه من العلل.

قوله : كالحركة المعدة للوصول والحرارة ـ اى كالحركة المعدة للمتحرك لوصوله الى غاية من غايات الحركة ، والحرارة المعدة لبعض الاجسام كالحديد مثلا لقبول الاشكال مثلا ، والاول مثال للمعد المقرب للفاعل والثانى مثال للمعد المقرب للقابل.

قول المصنف : ومع وحدته يتحد المعلول ـ هذا حكم ثالث للفاعل التام اذا كان واحدا من جميع الجهات ، وهو القاعدة المشهورة : الواحد لا يصدر عنه الا الواحد.

قال صاحب الشوارق : ومنها ( اى من احكام العلة التامة ) ان الفاعل المستقل اذا كان واحدا من جميع الجهات بحيث لا يكون فيه كثرة الاجزاء ولا كثرة الوجود والماهية ولا يكون متصفا بصفة حقيقية زائدة فى الخارج او اعتبارية زائدة فى العقل ولا يتوقف فعله على شرط وآلة وقابل فلا يمكن ان يصدر عنه فى مرتبة واحدة الا معلول واحد على ما ذهب إليه الحكماء خلافا للمتكلمين سواء كان الفاعل موجبا او مختارا اختياره وارادته نفس ذاته والحكماء يسمون مثل هذا المختار الفاعل بالرضا واما اذا كان ارادته واختياره زائدة على ذاته وهو الّذي يسمونه الفاعل بالقصد فهو خارج عما نحن فيه لان فيه اثنينية بالفعل سواء تعدد ارادته او تعلقها أو لا فلا يكون واحدا من جميع الجهات.

قول الشارح : ان كان مختارا ـ باختيار زائد على ذاته.

قوله : وان كان موجبا ـ او مختارا باختيار هو عين ذاته.

قوله : باعتبار واحد ـ بان يكون المتكثرات فى مرتبة واحدة ، واما كونها

١٨١

فى مراتب بحسب الطول فلا استحالة فيه بالاتفاق ولا نزاع فيه اصلا ، او المعنى بحيثية واحدة ، واما مع تعدد الحيثيات فى المؤثر الواحد فلا نزاع فى جواز تعدد الاثر فى مرتبة واحدة.

قوله : ان نسبة المؤثر الى احد الاثرين الخ ـ تقريره : ان النسبتين اما ان يكون كل منهما عينا للمؤثر فيلزم ان يكون الواحد اثنين او جزء له فيلزم ان يكون البسيط المطلق مركبا او لازمة خارجة عن ذاته فهما معلولتان له فينقل الكلام الى النسبتين اللتين للمؤثر إليهما ويأتى أيضا هذه القسمة فيهما فلو فرضت هاتان النسبتان لازمتين معلولتين له نقل الكلام الى النسبتين الاخريين للمؤثر إليهما وهكذا ويتسلسل ، واما ان يكون إحداهما عينا والاخرى جزء فيلزم التركيب أيضا او إحداهما عينا والاخرى خارجة فهى معلولة مع احد المعلولين المنتسب الى الذات يكونان صادرين عنها فى مرتبة واحدة فينقل الكلام الى النسبتين اللتين للمؤثر إليهما ويتسلسل كما مر او إحداهما جزء والاخرى خارجة فيلزم التركيب لمكان الجزء والتسلسل لما فى الفرض الخامس وهذه الفروض الستة كلها مستحيلة لاستلزامها المستحيلات ولا فرض غيرها فصدور الاثنين من الواحد من جميع الجهات محال.

قوله : لان نسبة التأثير والصدور الخ ـ اقول : ليس كلامهم فى نفس النسبة بل فى طرفها الّذي هو مبدأ لصدور المعلول ، وهذه الغفلة من هذا الفحل الفحيل عجب عجيب.

قوله : والوجود يكذب هذا ـ اى وجود موجودات عرضية لا يتعلق بعضها ببعض تعلق العلية والمعلولية.

قوله : وهذه جهات كثيرة ـ اى ستّ وهى : امكانه فى ذاته ، وجوبه من علته ، ماهيته ، وجوده ، تعقل ذاته ، تعقل مبدئه.

قوله : ولا تنثلم وحدته ـ لان الصادر هو الوجود فقط والماهية تابعة له بحسب التحقق مندكة فيه لانها حده والاربعة الباقية لوازم له ، بقياس وجوده الى ماهيته يتحيث بحيثية الامكان وبقياس وجوده الى مبدئه يتحيث بحيثية الوجوب وبلحاظ

١٨٢

تجرده عن المادة وقيامه بذاته يتحيث بحيثية تعقله لذاته وبلحاظ انه يعقل ذاته ويعقل ان ذاته ليست بذاتها بل بغيرها يعقل مبدئه.

قوله : ويصدر عنه باعتبار كل جهة شيء ـ هذا بحسب النظر البادى ، واما اصحاب هذه المقالة فيقولون ان الصادر منه اثنان عقل وفلك والفلك له جزءان صورة ومادة ويرجعون الحيثيات الست الى حالات ثلاث ويعبرون عنها بالتثليث الموجود فى العقل الاول كل حالة مبدأ لواحد من تلك الثلاثة على التفصيل فى كتبهم.

قوله : لانها امور اعتبارية ـ لكنها ليست اعتبارية صرفة بحيث لو لم يعتبرها معتبر لم يكن لها تحقق فى نفس الامر ، بل هى حيثيات متحققة فى ذات الصادر الاول يتكثر بتكثرها يمكن ان يكون بكل حيثية مبدأ لصدور شيء منه ، بخلاف الواجب تعالى فانه ليس فيه هذه الحيثيات.

قوله : مساوية لغيرها ـ اى مساوية لغيرها من الاعتباريات.

قوله : ولا تكون شروطا فيه ـ اى لا تكون تلك الامور فى الصادر الاول حيثيات حقيقية توجب فيه تكثرا حقيقيا حتى يصير مبدأ للكثير ، والجواب ان الحيثيات حقيقية مكثرة وان لم تكن اجزاء ، الا ترى ان النفس تصدر عنها افعال مختلفة من حيثيات مختلفة مع انها بحقيقتها بسيطة لا تركيب فيها.

قوله : ان مع وحدة المعلول تتحد العلة ـ اى لا يصدر الواحد الا عن الواحد وهذا عكس قولنا : لا يصدر عن الواحد الا الواحد فلا يجتمع على الاثر الواحد الشخصى مؤثران مستقلان.

قول المصنف : وفى الوحدة النوعية لا عكس ـ اعلم ان العلة لا تكون الا شخصا موجودا وكذا المعلول لان الكلى من حيث هو هو لا يصلح للعلية والمعلولية ، ولكن يمكن ان يكون اشخاص مختلفة بالنوع عللا لاشخاص متفقة بالنوع لان المعلول لازم للعلة واللازم يمكن ان يكون مشتركا ، ولا يمكن ان يكون اشخاص متفقة بالنوع عللا لاشخاص مختلفة بالنوع لان العلة ملزوم للمعلول والملزوم لا يمكن ان يكون مشتركا لان المشترك يمكن انفكاكه عن الخاص وتحققه فى خاص

١٨٣

آخر والملزوم لا يمكن انفكاكه عن اللازم وتحققه بدونه.

قوله : والنسبتان من ثواني المعقولات ـ اى العلية والمعلولية من المعقولات الثانية من القسم الّذي يكون الخارج ظرفا لاتصاف الموصوف به وهذا الحكم لا يختص بالعلة التامة ولا بالفاعل بل يعم كل علة ومعلول ، وان كان الشارح العلامة عقد له ولما قبله مسألة وجعل عنوانها احكام العلة الفاعلية.

قوله : وبينهما مقابلة التضايف ـ لان كلا منهما لا يعقل الا بالقياس الى الآخر فهما من مقولة الاضافة ، وهذا الحكم أيضا لا يختص بعلة ومعلول دون علة ومعلول.

قول الشارح : ان نسبة العلية والمعلولية ـ هذه الاضافة بيانية.

قول المصنف : وقد يجتمعان الخ ـ يعنى ان العلية والمعلولية حيث يكون بينهما تقابل التضايف يمتنع اجتماعهما فى شيء واحد بالنسبة الى شيء واحد ولكن يجتمعان فى شيء واحد بالنسبة الى شيئين بان يكون علة لاحدهما ومعلولا للآخر ، وهذا الحكم أيضا لا يختص بعلة دون علة.

قوله : ولا يتعاكسان فيهما ـ يعنى لا يتعاكس العلة والمعلول فى العلية والمعلولية بان يكون كل منهما علة للآخر ومعلولا له ، وفى هذا اشارة الى تعريف الدور فانه تعاكس الشيئين فى العلية والمعلولية ، وهو اما بلا واسطة او بواسطة وما فيه الواسطة هو ان يكون ثلاثة اشياء او اكثر مترتبة فى العلية والمعلولية ويكون ما فى آخر السلسلة علة لما فى اولها بعد ان كان معلولا لما قبله ، وهذا التعاكس ان كان بحسب الذهن فهو الدور فى التصورات ، والشارح العلامة اشار فى الشرح الى القسم الثانى اى الدور بواسطة وحمل كلام المصنف عليه لانه ارجع ضمير لا يتعاكسان الى امرين مذكورين فى الكلام ، وان ارجع الى العلة والمعلول كما ارجعنا يشمل الكلام القسمين.

ثم ان استحالة الدور مطلقا لا يحتاج الى الاستدلال لانه يستلزم ان يكون الشيء الواحد موجودا ومعدوما معا وهذا الاستلزام ظاهر بديهى ، وهذا الحكم أيضا لا يختص

١٨٤

بعلة دون علة.

ثم ان هاهنا قسما آخر يقال له الدور المعى وهو ان يكون شيئان موجودان يتوقف كل منهما على الآخر فى صفة من الصفات بمعنى ان تتوقف الصفة فى كل منهما على ذات الاخر سواء كانت تلك الصفة فيهما من نوع واحد كالاخوة فى اخوين والمعية فى شيئين او من نوعين كالفوقية والتحتية فى الفوق والتحت والتقدم والتأخر بحسب المكان فى جسمين ، وهذا الدور جار فى كل متضايفين.

المسألة الرابعة

( فى ابطال التسلسل )

قول المصنف : ولا يتراقى معروضا هما الخ ـ اى معروضا العلية والمعلولية وهما العلة والمعلول ، وفى الكلام تعريف التسلسل ، وهو يتأتى فرضه فى جميع العلل كما هو ظاهر المصنف بان يكون التراقى فى العلة الفاعلية الى ان لا تنتهى سلسلة الفواعل الى فاعل غير مفعول ، وفى العلة الغائية الى ان لا تنتهى سلسلة الغايات الى غاية الغايات التى لم تكن ورائها غاية ، وفى العلة المادية الى ان لا تنتهى اجزاء المادة الى جزء بسيط غير شامل لجزء آخر ؛ وهو فى العلة الصورية بان تجتمع فى شيء واحد صور مترتبة غير متناهية ، الا ان الدليل الاول والرابع ناظران الى العلة الفاعلية فقط لانها العمدة فى المقصود لبناء اثبات واجب الوجود عليه.

قوله : لان كل واحد منهما ـ اى كل واحد مما يصدق عليه انه علة ومعلول ، وفى بعض الشروح : منها مكان منهما اى كل واحد من افراد السلسلة ، وتقرير هذا الدليل على وجه اشرح : انه لو كانت هاهنا سلسلة غير متناهية مترتبة من العلل والمعلولات بان يكون كل واحد منها معلولا لسابقه علة للاحقه فاما ان يكون فى هذه السلسلة واجب اى علة غير معلولة فيلزم الخلف لانها تنتهى إليه اذ ليس له سابق وقد فرضناها غير متناهية ، مع انه اثبات للمطلوب ، واما ان لا يكون فيها واجب فكان كل واحد من آحادها ممكنا فيلزم ان يكون جميع آحادها معدومة لان

١٨٥

الممكن لا يوجد لذاته بل لعلته وعلته لو كانت ممكنة فحكمها حكمه حتى ينتهى الى ما هو موجود لذاته وهو الواجب لذاته وقد فرضناها موجودة وهذا خلف أيضا.

قول الشارح : وفى هذا الوجه عندى نظر ـ تقرير نظره ان يقال انكم لو فرضتم وسلمتم ان كل واحد من آحاد السلسلة معلول موجود وجب بما قبله فما مطالبتكم بواجب لذاته فى طرف السلسلة لان المدعى يقول : ان هذه السلسلة الكذائية تذهب الى غير النهاية فطلب الانقطاع الى ما هو واجب لذاته من غير وجه

والجواب ان هذه السلسلة حيث يكون كل واحد من آحادها ممكنا ممكنة فى حكم ممكن واحد فيلزم من فرض وجودها من دون واجب لذاته عدمها كممكن واحد ، وتسليم ان كل واحد منها موجود واجب بما قبله على سبيل الفرض لا على سبيل الواقع ، وتعريضا على الشارح العلامة رحمه‌الله وغيره ممن عنده نظر فى هذا الوجه قال صاحب الشوارق رحمه‌الله : وهذه طريقة حسنة حقة مستقيمة خفيفة المئونة.

قول المصنف : وللتطبيق بين جملة الخ ـ عبارة المتن توهم ان المفروض جملتان متغايرتان غير متناهيتين وليس كذلك كما يشهد به ما فى الشروح وتقدير الكلام : وللتطبيق بين جملة اى سلسلة من العلل والمعلولات قد فصل منها آحاد متناهية واخرى شاملة للاولى لم يفصل منها تلك الآحاد المتناهية بحيث تكون الاولى جزء للاخرى.

قول الشارح : وضعناها جملة ـ اى وضعناها سلسلة واحدة متتالية افرادها ، وتقرير الدليل على وجه اوفى : لو كانت هنا جملة علل ومعلولات غير متناهية من طرف متناهية من طرف آخر وفصلنا من الطرف المتناهى آحادا متناهية كعشرة منها حصلت جملتان إحداهما من المعلول الاخير الى ما لا يتناهى والثانية من الحادى عشر الى ما لا يتناهى ثم نأخذ من مبدأ الجملة الثانية اى الحادى عشر ونطبقها على الجملة الاولى بحيث يقع الحادى عشر فى عرض المعلول الاول وظاهر ان عشرة من الثانية تقع بإزاء العشرة المفصولة من الاولى والباقية تقع بإزاء مراتب الآحاد بل بإزاء الآحاد الموهومة فالجملة الثانية انقص من الاولى بعشرة بالبديهة مع انطباق

١٨٦

طرفيهما المتناهيين فلا بد ان يقع التفاوت فى الطرف الغير المتناهى ثم ان استمرت الجملتان الى ما لا يتناهى بان لا تنقطع الثانية عن الاولى فى مرتبة من المراتب لزم تساوى الناقصة والزائدة وهو خلف مستحيل فان انقطعت عنها تناهت لانقطاعها عنها لان غير المتناهى لا ينقطع فيلزم تناهى الزائدة أيضا لان الزائد على المتناهى بمقدار متناه فهو متناه بالبديهة فيلزم من فرض عدم تناهى السلسلتين تناهيهما وما يلزم من فرض عدمه وجوده او من فرض وجوده عدمه فهو مستحيل.

ان قلت : فرض التساوى والزيادة والنقصان فى غير المتناهى غير معقول بل فرضها يستدعى فرض التناهى وهو ينافى فرض عدم التناهى.

قلت : نعم هذا الايراد يتصور اذا فرضت الجملتان متغايرتين واما على ما فرضوا من كون إحداهما جزء للاخرى كما مر بيانه فلا اذ تساوى الكل والجزء سواء كانا متناهيين او غير متناهيين مستحيل بالبديهة فلذا عدل بعض الاكابر من المتاخرين فى تقرير الدليل من تعبير تساوى الناقصة والزائدة الى تعبير تساوى الكل والجزء.

ثم لا فرق فى جريان هذا الدليل ان يكون السلسلة المفروضة متناهية من طرف وغير متناهية من طرف آخرا وغير متناهية من الطرفين اذ يمكن فرض الفصل من وسطها ثم وصل الطرفين فتصير باعتبار فصل الآحاد المتناهية جزء لها بدون الفصل.

قول المصنف : باعتبار النسبتين ـ اى العلية والمعلولية.

قوله : بحيث يتعدد كل واحد منهما باعتبارهما ـ اى يتعدد كل واحد مما يصدق عليه انه علة ومعلول باعتبار النسبتين ، وبهذا الاعتبار يعزل المعلول الاخير عن السلسلة لانه معلول غير علة ، وفى بعض الشروح كل واحد منها اى من آحاد السلسلة

قوله : يوجب تناهيهما الخ ـ هذا خبر لان ، يعنى يوجب تناهى السلسلتين اللتين إحداهما علل محضة باعتبار وصف العلية وثانيتهما معلولات محضة باعتبار وصف المعلولية.

١٨٧

قوله : لوجوب ازدياد الخ ـ يعنى ان العلية حيث انها متقدمة على المعلولية بمرتبة لان معلولية كل واحد من الآحاد فى اى مرتبة تستلزم علية فى مرتبة قبلها تزداد آحاد سلسلتها بواحد على آحاد سلسلة المعلولية فتتناهى هذه السلسلة لانقطاعها فتتناهى سلسلة العلية أيضا لزيادتها على المتناهية بمقدار متناه هو الواحد.

ويرد عليه ان زيادتها عليها بواحد يستدعى فرض تناهيهما وهو ينافى فرض عدمه مع ان فرض التناهى مصادرة على المطلوب فالاشكال الّذي مر مع جوابه وارد على هذا الوجه الّذي استخرجه المصنف.

قول الشارح : هذا وجه ثالث وهو راجع الى الثانى ـ والفرق بينهما ان هذا الوجه لا يكون فيه زيادة احدى السلسلتين على الاخرى الا بواحد ، وانه يحصل فيه انطباق السلسلتين بنفسهما ، وان احدى السلسلتين فيه آحاد وصف العلية والاخرى آحاد وصف المعلولية بخلاف ذلك الوجه.

قول المصنف : ولان المؤثر فى المجموع الخ ـ تقرير هذا الدليل على وجه اوفى : انه لو كانت هنا جملة مترتبة من علل ومعلولات الى ما لا يتناهى فاما ان تكون تلك الجملة واجبة الوجود وهذا باطل لان الجملة من حيث هى جملة مركبة من آحاد والمركب لا يمكن ان يكون واجبا لافتقاره الى الاجزاء. وكون كل واحد منها واجب الوجود باطل أيضا لافتقاره الى سابقه ولان الواجب لا يمكن ان يكون اكثر من واحد لما يأتى فى المسألة الثامنة من الفصل الثانى من المقصد الثالث إن شاء الله تعالى فتلك الجملة ممكنة لا محالة محتاجة الى العلة. فعلتها اما نفسها او جزئها او امر خارج عنها ، والاول محال لما ذكر فى الشرح ، والثانى محال لما ذكر فى المتن ، والثالث يوجب انقطاع السلسلة وان يكون ما فرضناه غير متناه متناهيا فبطلان الفروض يستلزم بطلان المفروض ، والمصنف رحمه‌الله لم يذكر الا فرض ان يكون جزء الجملة علة لها لوضوح بطلان سائر الاقسام واستلزام الاخير المطلوب.

قوله : ولان المجموع له علة تامة الخ ـ عطف على جزاء الشرط وهو

١٨٨

تال باطل ثان ، تقديره ، كان الشيء مؤثرا فى نفسه وعلله وكان المحتاج الى ما لا يتناهى من العلل علة تامة للمجموع الّذي هو جملة غير متناهية شاملة له ولغيره وهو باطل لان المجموع له علة تامة ولا شيء من جزء المجموع بعلة له للزوم الدور.

المسألة الخامسة

( فى تكافؤ العلية والمعلولية فى الوجود والعدم )

قول المصنف : ويتكافى النسبتان فى طرفى النقيض ـ هذا الكلام اشارة الى الدور المعى بين العلية والمعلولية بمعنى ان كلا منهما دائرة مدار الاخرى فى الوجود والعدم على وجه تقدم عن قريب فان العلية اذا حصلت فى ذات فلا بد ان تحصل المعلولية فى ذات اخرى وبالعكس واذا انتفت إحداهما عن معروضها فلا بد ان تنتفى الاخرى عن معروضها وبالعكس.

قول الشارح : الّذي يفهم من هذا الكلام الخ ـ حاصل ما فهمه ان ذات العلة وذات المعلول بينهما تناسب وتكافؤ بحسب الوجود والعدم بمعنى ان العلة ان كانت امرا وجوديا فلا بد ان يكون المعلول امرا وجوديا وبالعكس وان كانت امرا عدميا فلا بد ان يكون المعلول امرا عدميا وبالعكس ، وعلى هذا التفسير فمعنى تكافؤ النسبتين هو تكافؤ الذاتين بما انهما معروضتان للوصفين. وهذا الحكم يختص بالعلة التامة لان جزء العلة لا يجب ان يكافى المعلول لا فى ذاته ولا فى وصفه.

قوله : ان نسبة العلية ـ هذه الاضافة بيانية وكذا نسبة المعلولية.

المسألة السادسة

( فى ان القابل لشيء يمتنع ان يكون فاعلا له من جهة واحدة )

قول المصنف : والقبول والفعل الخ ـ هذا حكم من احكام الفاعل اعلم ان المؤثر فى شيء يقال له الفاعل ويقال لذلك الشيء القابل ويقال لما عنه فيه الاثر ويقال للاثر بالقياس الى الفاعل المفعول وبالقياس الى القابل

١٨٩

المقبول ، فههنا أربعة عناوين يمكن ان تكون لاربع ذوات بان يكون شيء فاعلا لشيء وشيء قابلا لشيء آخر ، او تكون لثلاث ذوات بان يكون شيء واحد مفعولا لشيء ومقبولا لشيء آخرا وبان يكون شيء واحد فاعلا لشيء وقابلا لشيء آخر ، ولا يمكن ان تكون تلك العناوين الاربعة لذاتين بان يكون شيء واحد فاعلا لشيء وقابلا لذلك الشيء بعينه ، وبعبارة اخرى لا يمكن ان يكون نسبة الفعل واقعة بين المنتسبين اللذين وقعت نسبة القبول بينهما ، وذلك لان حيثية الفاعل حيثية الواجدية للاثر وحيثية القابل حيثية الفاقدية له ولا يمكن ان يكون الشيء الواحد من جهة واحدة واجدا لشيء وفاقدا له ، نعم يمكن من جهتين كالنار فاعلة للحرارة بصورتها وقابلة لها بمادتها فيرجع الى الصورة الثانية ، والقوم عبروا عن حيثية الواجدية بالوجوب اى الوجوب الفعلى وعن حيثية الفاقدية بالامكان اى الامكان الخاص ، وبالبيان المذكور يندفع ما اورد الاشاعرة على الحكماء فى هذا المطلب على ما ذكره الشارح القوشجى.

قول الشارح : يعنى ان يكون المفعول الخ ـ اى ان يكون المفعول الّذي تقع نسبة الفعل إليه من شيء هو بعينه المقبول الّذي تقع نسبة القبول إليه من ذلك الشيء بعينه بان يكون الفاعل والقابل شيئا واحدا والمفعول والمقبول شيئا واحدا كما مر بيانه.

المسألة السابعة

( فى نسبة العلة الى المعلول )

قول المصنف : وتجب المخالفة الخ ـ كالنفس والحركة الارادية وكالحركة والسخونة وكالمبادى العالية والصور الحالة فى الهيولى ، وهذا المطلب يتم على القول باصالة الماهية وانكار وجوب السنخية بين المصدر والصادر

قوله : والا فلا ـ يعنى وان لم يكن المعلول محتاجا الى العلة فى حقيقته وذاته بل فى تشخصه فلا يجب المخالفة بينهما من جهة الذات ، بل يجوز الموافقة

١٩٠

كاحتياج افراد النوع بعضها الى بعض فان فردا من النار محتاج الى فرد آخر منها لكن فى تشخصه لا فى حقيقته فان حقيقة النار معطاة للمادة من المبادى العالية وانما الفرد من المبادى المعدة للمادة القابلة. وكذا سائر الحقائق النوعية. وسيجيء عن قريب فى كلام المصنف ان شخصا من العنصريات لا يكون علة ذاتية لشخص آخر منها ، ويجوز المخالفة كاحتياج الحوادث المادية الى الزمان والحركة

قول الشارح : ولا يكون اقوى منها ـ هذا حكم مستقل للمعلول الموافق للعلة فى الذات والحقيقة غير مذكور فى المتن ، بيانه : ان فردا من نوع يوجد بسبب فرد آخر من ذلك النوع لا يكون احدهما اقوى من الاخر فى الآثار لوحدة حقيقتهما فان وحدة الحقيقة تقتضى عدم التفاوت بينهما فى الآثار لان حكم الامثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد.

قوله : ولا مساو بها الخ ـ اى ولا يكون المعلول الموافق للعلة فى الذات والحقيقة مساويا لها عند فوات شرط او حضور مانع ، وهذا دفع لدخل مقدر كان قائلا قال : كيف حكمت بان احد الفردين اللذين احدهما علة لتشخص الاخر لا يكون اقوى من الاخر مع انا نشاهد الاختلاف الكثير بين افراد الحقيقة الواحدة من حيث القوة والضعف مع ان بعضها علة معدة لبعض آخر قطعا ، فاجاب بان هذا الاختلاف المشاهد فى افراد النوع الواحد انما هو من جهة فوات شرط او حضور مانع.

قوله : ويساويها لا مع ذلك ـ يعنى يساوى المعلول العلة المتحدة له فى الحقيقة فى الآثار مع عدم فوات شرط او حضور مانع فيهما.

قوله : والاحساس بسخونة الاجسام الذائبة الخ ـ مثال للفردين المتفاوتين فى الآثار فان النار الحاصلة فى الجسم الفلزى الذائب اشد حرارة من النار الحاصلة فى غيره ، وذلك لوجود الشرطين فى محل الاولى دون محل الثانية وهما لزوجته المستلزمة لعدم انفصال العضو الحاس بسرعة وغلظته المستلزمة لبطء حركة العضو الحاس فيه.

١٩١

المسألة الثامنة

( فى ان مصاحب العلة او المعلول لا يجب ان يكون علة او معلولا )

قول المصنف : ولا يجب الخ ـ بل يمكن ان يكون مصاحب العلة الناقصة علة ناقصة او اجنبيا ، ويمتنع ان يكون مصاحب العلة التامة علة لوجوب المعلول بها من دون صاحبها ، ويمكن ان يكون مصاحب المعلول اجنبيا او معلولا ان كان لازما له او كانت فى العلة جهتان ، ويمتنع ان يكون للمعلول مصاحب اذا كانت العلة واحدة من جميع الجهات الا اذا كان المصاحب لازما.

قول الشارح : والشيخ حكم الخ ـ يعنى ان الشيخ استثنى من هذا الحكم ما اذا كان مصاحب المعلول لازما له فالعلة حينئذ علة له ولمصاحبه الّذي هو لازمه.

ثم ان الناس يأخذون ما مع العلة مكان العلة وكذا ما مع المعلول مكان المعلول وامثلة ذلك كثيرة متداولة بينهم ، والخواص يطلقون العلة والمعلول عليهما تجوز او تسامحا.

المسألة التاسعة

( فى ان الشخص العنصرى لا يكون علة ذاتية لشخص عنصرى آخر )

قول المصنف : وليس الشخص من العنصريات الخ ـ هذا وما بعده الى آخر المسألة الثانية عشرة من احكام الفاعل

قال صاحب الشوارق : انما خص هذا الحكم بالعنصريات لتحقق النوع المتكثر الافراد فيها بخلاف الفلكيات والغرض منه دفع ما يتراءى بحسب الظاهر من كون هذه النار علة لتلك النار وامثال ذلك انتهى.

ثم ان المراد بالعنصرى ما يتركب من العناصر الاربعة ، وقد يطلق العنصرى على نفس العنصر ولكن لا يطلق العنصر على المركب ، فقول الشارح فى عنوان المسألة : ان العناصر ليست عللا ذاتية بعضها لبعض ليس على ما ينبغى.

١٩٢

وهذا الحكم يعم العنصر والعنصرى ويعم ما اذا كان الشخصان من نوع واحد او من نوعين مختلفين ، والمراد بالعلة الفاعل بمعنى ان لا يكون شخص منها علة ومبدأ لصدور شخص آخر ، ولكن يكون بعض منها مادة ثانية لبعض آخرا ومعدا له ، ويأتى بيان المراد بالعلة الذاتية فى المسألة السادسة عشرة.

اعلم ان الشارح القوشجى اورد على هذه الوجوه الخمسة اعتراضات وانظارا ، وصاحب الشوارق طعن عليه بان قال : ان هذه وجوه وتنبيهات على فساد الوهم المذكور والا فقد مر وجوب المخالفة بين العلة الذاتية ومعلولها آنفا.

المسألة العاشرة

( فى كيفية صدور الافعال الاختيارية عن النفس الحيوانية )

قول المصنف : يفتقر الى تصور جزئى ـ هذا التصور الجزئى ينقسم الى التخيل والتفكر كما يأتى بيانه فى المسألة الخامسة عشرة ، وليس المراد به الفرد من التصور بل التصور المتعلق بالامر الجزئى.

قوله : ليتخصص به الفعل ـ يعنى ليتشخص الفعل الكلى فى قوة الخيال ويصير جزئيا فيه حتى يتعلق به الشوق فانه لا يتعلق بالفعل الكلى من حيث هو كلى ، نعم قد يتعلق به ولكن لا بد ان يتبعه الفعل الجزئى كما ان الانسان يشتاق الى شرب الماء ولكنه لا بد ان يتشخص ويتعلق التصور والشوق بالشخص حتى يقع فى الخارج ، وانما قلنا يصير جزئيا فى الخيال لان الفعل الجزئى قبل حركة العضلات انما هو فى الخيال لا فى الخارج ، وهذا التصور الجزئى لا يستتبع الشوق الا اذا كان مع الاعتقاد بنفع فى ذلك المتصور سواء كان مطابقا للواقع أم لا كما اشار إليه الشارح العلامة بقوله : على الوجه النافع علما او ظنا ، فلذلك بعض الاكابر عدّ المبادى خمسة.

قوله : ثم شوق ـ انما عطف بثم لان الشوق لا يحصل بمجرد ذلك التصور حتى اذا حصل اعتقاد النفع.

١٩٣

اعلم ان الانسان اذا تصور فعلا فاما ان يتصوره باعتبار صدوره عن نفسه او عن غيره ، وعلى كل من التقديرين فاما ان يعتقد فيه نفعا او ضرا ، وعلى كل من التقادير فاما ان يكون كل من النفع والضر مشوبا بمقابله أو لا ، وعلى كل من التقادير فاما ان يكون كل منهما يرجع الى فاعل الفعل او غيره ، وعلى كل من هذه التقادير فاما ان يكون الفاعل قادرا على اتيان الفعل فى الحال او فى الماضى او فى المستقبل أو لا ، فالتصور فى كل واحد من هذه الفروض يستتبع فى نفس المتصور شيئا من التردد او الخوف او الحزن او التحسر او الشوق الى الجلب او الى الدفع او التشهى او التنفر ، وهذه الامور قد تستتبع امورا اخر وقد لا تستتبع.

واعلم ان النفع والضر المبحوث عنهما هاهنا ما تراه نفس المتصور نفعا او ضرا سواء وافقه الواقع أم لا وسواء وافقه غيره أم لا وسواء وافقه عقله أم لا وسواء وافقه غير العقل من سائر القوى كالشهوة والغضب أم لا فهذان النفع والضر هما الخير والشر الاضافيان اللذان مر تفسيرهما فى المسألة السابعة من الفصل الاول

قوله : ثم إرادة ـ اى الإرادة الجازمة التى لا تنفك عن الفعل التى تسمى بالاجماع ، وسيأتى نبذة من الكلام فى الإرادة فى المسألة الخامسة والعشرين من مبحث الكيف فى الفصل الخامس من المقصد الثانى ، وانما عطف بثم لان الإرادة الجازمة قد تتخلف عن الشوق لتردد او مانع او معارض.

قوله : من العضلات ـ هى جمع العضلة بفتح العين والضاد وهى ما اجتمع فى بدن الحيوان من العصب والرباط والوتر المحشوة باللحم المستورة بالجلد اللزج الرقيق.

قول الشارح : وادراك على الوجه الخ ـ ويقال فى الاصطلاح على هذا الادراك بهذا الوجه الداعى.

قوله : بعد التردد ـ التردد قد يحصل لا فى كل مورد كما هو ظاهر كلامه.

قول المصنف : والحركة الاختيارية الى مكان الخ ـ هذا جواب عن اشكال هو على ما اشار إليه الشارح العلامة ان الفعل الاختيارى الواقع فى الخارج على ما بينتم

١٩٤

يتوقف على الإرادة وهى على التخيل المذكور مع ان الامر فى الحركة على المسافة بعكس ذلك لان إرادة كل جزء لاحق من اجزاء الحركة تتوقف على جزء سابق عليه من اجزائها لان المتحرك اذا لم يقطع جزء من المسافة لم يرد حركته على جزء آخر منها فالإرادة تتوقف على الحركة ولو كانت هى متوقفة على الإرادة لزم الدور.

والجواب ان الحركة من موضع الى موضع تنقسم الى اجزاء كل جزء منها متقدم على التخيل والإرادة المتعلقين بالجزء اللاحق به لا على المتعلقين بنفسه حتى يلزم الدور ، وبين هذا التقرير وتقرير الشارح القوشجى وصاحب الشوارق اختلاف.

قوله : تتبع إرادة بحسبها ـ اى هنا إرادة شاملة على ارادات جزئية تتعلق بحركة شاملة على حركات جزئية ، وكذا التخيل.

قوله : يكون السابق من هذه التخيلات الخ ـ يعنى يكون السابق من هذه التخيلات والارادات علة لوقوع السابق من تلك الحركات المعدة لحصول تخيلات وارادات اخرى ، مثلا الجزء الثالث من التخيلات والارادات علة للجزء الثالث من الحركات وهذا الجزء من الحركة علة معدة لحصول تخيل وإرادة يتعلقان بالجزء الرابع من اجزاء الحركة ، ومراد المصنف بالجزئى الجزء.

قول الشارح : مع الإرادة الكلية المتعلقة بكمال الحركة ـ يعنى ان وصول المتحرك الى ذلك الجزء من المسافة يكون علة لتجدد إرادة اخرى متعلقة بجزء آخر من الحركة اذا بقيت تلك الإرادة الواحدة الشاملة للارادات الجزئية المتعلقة بالحركة الشاملة للحركات الجزئية ، واما اذا انفسخت تلك الإرادة فلا تتجدد إرادة جزئية اخرى.

المسألة الحادية عشرة

( فى ان المقارن للمادة انما يؤثر بالوضع )

قول المصنف : ويشترط فى صدق التأثير على المقارن الوضع ـ الموجود

١٩٥

اما مجرد مفارق عن المادة كالواجب تعالى والعقول الكلية واما مقارن ، والمقارن اما مقارن للمادة فى فعله فقط كالنفوس الناطقة او مقارن فى فعله وذاته معا كالصور الحالة فى المواد والاعراض الحالة فى الاجسام ، والمراد هنا هو المقارن للمادة فى فعله مطلقا سواء كان فى ذاته مقارنا أم لا ، وهو محتاج الى المادة فى الفعل والتأثير بمعنى انه لا يمكن ان يؤثر الا بالمادة فتكون المادة آلة له فى فعله واسطة بينه وبين المنفعل فى وصول اثره إليه ، والمادة لا تنفك عن الوضع وله معان تأتى فى المسألة السابعة فى آخر المقصد الثانى ، والمراد به هاهنا كون الشيء الفاعل محاذيا للشىء المنفعل على قرب يصل اثره إليه ، والمعنى المذكور فى الشرح لازم اعم له وهو احد معانى الوضع فاذن لا يؤثر المقارن للمادة فى شيء الا بالوضع لانه لو أثر من دون الوضع لزم ان يكون مفارقا عنها فى فعله وهذا خلف ظاهر

ومن هذا يظهر ان المقارن للمادة لا يؤثر فى المجرد المفارق عنها لعدم هذا الوضع الخاص بينهما.

ان قلت : وعلى هذا فلا تنفعل الماديات عن المبادى العالية وهو باطل ، قلت : قد علمت ان مناط اشتراط الوضع هو الاحتياج الى توسط المادة والمفارق فى فعله لا يحتاج الى توسطها ، وكذا المادة فى انفعالها لا تحتاج إليه لانها منفعلة بنفسها لا بواسطة مادة اخرى فاذن يؤثر المفارق فى المقارن من دون وضع بينهما بخلاف ما اذا كان المقارن مؤثرا فانه لا بدّ من وضع مخصوص بينه وبين منفعله.

المسألة الثانية عشرة

( فى تناهى تاثير المقارن مدة وعدة وشدة )

قول الشارح : والتناهى عطف على الوضع ـ لازم هذا العطف توقف تأثير المقارن على التناهى كتوقفه على الوضع وهذا لا يستقيم لان التأثير ليس مشروطا متوقفا على التناهى لان تناهى الآثار متأخر عن التأثير والمتأخر لا يمكن ان يكون شرطا للمتقدم : نعم تناهى الآثار لازم لتأثير المقارن ، ولعل فى الكلام كناية وهى

١٩٦

استعمال الاشتراط وإرادة اللزوم ، هذا اذا كان المراد بصدق التأثير على المقارن تحقق التأثير منه على ما عليه بعض الشارحين ، واما اذا كان المراد به حمل التأثير عليه بان كان يصح ان يقال : ان هذا المقارن مؤثر هذا الاثر كما هو ظاهر كلام المصنف وظاهر تعليل الشارح العلامة ونص صاحب الشوارق فلا احتياج الى هذا التوجيه لان معنى الكلام حينئذ ان اسناد كل اثر الى المقارن مشروط بان يكون بينه وبين منفعله وضع مخصوص وان يكون ذلك الاثر متناهيا ، واما لو لم يكن بينهما وضع او يكون الاثر غير متناه فلا يصح اسناده الى المقارن ، كما ان اسناد الاثر الى المجرد مشروط بعدم الوضع وعدم التناهى اى عدم الوقوف على حدّ ، كما يشهد بذلك قوله تعالى : ( فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ ).

قوله : مهد قاعدة ـ الغرض من تمهيدها ان القوى الجسمانية من حيث هى قوى لا تتصف بالتناهى وعدمه بل اتصافها باحدهما باعتبار الآثار الصادرة عنها وهى اذا صدرت من المقارن تكون متناهية بحسب المدة والعدة والشدة لما يأتى ، والمراد بالتناهى وعدمه هو اليقفى واللايقفى بمعنى ان اثر المقارن يقف فى حد من الزمان وعلى نوع من العدد وعلى حد من الشدة واما المفارق فيمكن ان يستمر اثره ولا يقف كذلك ، لا انه يمكن ان توجد منه آثار غير متناهية فى الخارج بالفعل لان غير المتناهى عددا مستحيل لادلة ابطال التسلسل ومدة مستحيل لاستلزامه حضور الزمان الغير المتناهى وشدة مستحيل لاستلزامه وقوع الفعل لا فى زمان ، فظهر ان غير المتناهى لا فى زمان وفى زمان غير متناه وغير متناهى العدد كما وقع فى كلام الشارح وغيره بحسب الفرض لا الواقع ، نعم يمكن ان يكون القوة المؤثرة غير متناهية بالفعل كما فى الحق تعالى : ( أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ).

قوله : واما ما يتعلق به شيء ذو مقدار الخ ـ توضيحه ان ما لا يكون كما فى نفسه ولا معروضا للكم فاتصافه بالتناهى وعدمه باعتبار ما يتعلق به كاتصاف القوة الصادرة منها الفعل بهما باعتبار الفعل ، وحيث يكون اتصاف غير الكم بهما باعتبار الكم والكم اما منفصل وهو العدد او متصل غير القار وهو الزمان او متصل قار وهو خط

١٩٧

او سطح او جسم تعليمى ونفس الفعل الصادر من الفاعل لا يكون معروضا للمتصل القار فاتصاف الفعل بالتناهى وعدمه انما هو بحسب العدد والزمان ، ثم ان فاعل الفعل الغير المتناهى متصف بالقوة الغير المتناهية ولا يمكن ان يقال هو اقوى من غيره لان الغير لو كان مثله فى هذه الجهة فلا يكون اقوى منه وان لم يكن مثله كان فعله متناهيا فقوته متناهية ولا نسبة بين المتناهى وغير المتناهى ، واما فاعل الفعل المتناهى فمنه ما هو اقوى من غيره ومنه ما هو اضعف والاقوى بحسب العدد ما يكون عدد افعاله اكثر كراميين يختلف عدد رميهما واثنين فى عسكر يقتل كل منهما عددا مخالفا لعدد الاخر وناقلى اثقال كالاجر ينقل كل منهما عددا كذلك ، ولا بد فى هذا الصنف من وحدة حقيقة الفعل اذ الفعلان المختلفان يمكن ان يكون احدهما اخف مئونة فلا يدل كثرة عدده على كون فاعله اقوى من الاخر ومن وحدة الآلة لو كان الفعل ذا الآلة اذ يمكن ان يكون اختلاف العدد مستندا الى اختلاف الآلة ومن انتهاء الفاعلين عن فعلهما او وحدة زمان فعلهما بان يفعل احدهما فى ساعة واحدة مثلا عددا اكثر مما يفعل الاخر فى ساعة واحدة اذ صرف كون العدد اكثر لا يدل على ان فاعل الاكثر اقوى اذ من الممكن ان يكون فى وسع الاخر ان يفعل أيضا الى ان يصير عدد فعله اكثر مما كان أو لا اكثر ، وفى هذا الصنف غير المتناهى قوة ما يكون فعله غير متناهى العدد.

والاقوى بحسب الزمان على صنفين احدهما ما يعتبر فيه نقصان الزمان ويقال له الاقوى بحسب الشدة والثانى ما يعتبر فيه زيادة الزمان ويقال له الاقوى بحسب المدة ، والاقوى فى الاول ما يكون زمان فعله انقص كماشيين يختلف زمان مشيهما وغازلين يغزل كل منهما منّا من القطن يختلف زمان غزلهما وكاتبين يكتب كل منهما ورقة يختلف زمان كتابتهما وقارئين يقرأ كل منهما سورة البقرة مثلا يختلف زمان قراءتهما وصانعى لبنات يصنع احدهما الف لبنة فى ساعة والاخر الف لبنة فى ساعتين ، ولا بدّ فى هذا الصنف من وحدة حقيقة الفعل ووحدة الآلة ان كان الفعل ذا الآلة ووحدة المسافة ان كان الفعل مما يقع فى المسافة كالمشى والعدو ووحدة

١٩٨

شخص الفعل بان يفعل كل منهما شخصا او شخصين او اشخاصا بالسوية من ذلك الفعل ، واما اتصال زمان الفعل كما ذكر فى الشرح فليس بمعتبر اذ تلك القراءة مثلا يمكن ان يقع نصفها من احدهما فى عشرين دقيقة ونصفها الاخر فى عشرين دقيقة يفصل بينهما بعشر دقائق مثلا ويقع من الاخر كلها فى ستين دقيقة متصلة فلا مرية فى ان الاول اقوى بحسب الشدة من الاخر ، نعم بعض الافعال لا يقع الا فى زمان متصل كالرمى الواحد الّذي مثل به فى الشرح ، وكأنّ المثال اوقع فى الخطاء ، وفى هذا الصنف غير المتناهى قوة ما يقع فعله لا فى زمان ، والاقوى فى الثانى ما يكون زمان فعله ازيد ، ويعتبر فيه اتصال الفعل المستلزم لاتصال الزمان ووحدة الآلة ان كان الفعل ذا الآلة ووحدة حقيقة الفعل سواء كان شخص الفعل من كل منهما واحدا كراميين يرمى كل منهما سهما يكون زمان كون احدهما فى الهواء ازيد من الاخر او متعددا كاثنين يبتدئان فى الحرب ويقتلان ويكل احدهما وينتهى عن الحرب ويبقى الاخر عليها وكاتبين يبتدئان فى الكتابة ويكل احدهما قبل الاخر ، وفى هذا الصنف غير المتناهى قوة ما يقع فعله فى زمان غير متناه.

وفى الاصناف الثلاثة لا بدّ من اتحاد الفاعلين نوعا بأن كانا انسانين او حمارين او نملتين او شجرتين من صنف واحد او نارين مثلا والا لا ينضبط امر القوة والضعف الا بنسب تؤخذ بينهما وهو فى غاية الصعوبة ، ووجه اخذ القيود المذكورة فى كل منها يظهر بيسير من التأمل.

قوله : عمل متصل فى زمان ـ قد عرفت موارد وجوب اتصال الفعل والزمان وعدمه.

قوله : اما مع وحدته ـ اى وحدة شخص الفعل او اشخاصه على ما مر بيانه ، وهذه الوحدة هى المائزة بين هذا الصنف والصنف الاخر اللذين هما بحسب المقدار دون وحدة حقيقة الفعل فانها مشتركة.

قوله : واتصال زمانه ـ قد عرفت عدم وجوب اتصال الزمان فى هذا الصنف ، نعم ما لا يتناهى من هذا الصنف يعتبر فيه اتصال الزمان والا لم يكن غير متناه

١٩٩

وهذا ظاهر.

قوله : والا لكان الواقع الخ ـ اى ولو وقع ما لا يتناهى شدة فى زمان وكل زمان قابل للتصنيف لكان الواقع فى نصف ذلك الزمان اشد مما فرض انه ما لا يتناهى فى الشدة فيتناهى ما فرض انه غير المتناهى وهذا خلف.

قول المصنف : يتفاوت مقابله ـ اى مقابل المبدأ وهو الجانب الاخر للحركة الّذي فرض غير متناه بحسب العدة او المدة.

قول الشارح : اما ان تكون قسرية او طبيعية ـ لم يذكر المصنف ولا الشارح القوة الارادية لانها ان وقع فعلها بالمادة والآلة ترجع الى القسرية لان القسر ايجاد القوة من شيء فى جسم تكون تلك القوة على خلاف القوة الطبيعية التى تكون فى الجسم فان الانسان مثلا اذا فعل فانما فعل بتحريك اعضائه وما هو خارج عن اعضائه من الآلات وهذا التحريك انما هو قسرى فى الاعضاء والآلات وان كان مستندا الى الإرادة ويأتى فى المقصد الثانى فى الفصل الخامس فى مبحث الحركة ما يوضح هذا المطلب إن شاء الله تعالى

قوله : عن القوتين ـ اى القسرية والطبيعية.

قوله : محال لما مر ـ حيث قال : فيكون ما لا يتناهى فى الشدة واقعا لا فى زمان ، وهو محال لان الصادر من الفاعل المقارن لا ينفك عن الزمان ، ولظهور استحالته لم يشتغل المصنف بابطاله واقام الحجة على امتناع اللاتناهى بحسب المدة والعدة.

قوله : جسما متناهيا ـ هذا القيد اشارة الى مقدمة هى وجوب تناهى الجسم المفروض لان هذا البرهان لا يتم بدون ذلك ، ولم يثبت بعد تناهى الاجسام فلا بد من ذكر هذا القيد.

قوله : فيجب تناهى الناقص الخ ـ اى تناهى التحريك الناقص فى الجسم الاكبر مدة او عدة مع فرض عدم تناهيه فيلزمه تناهى التحريك الزائد فى الجسم الاصغر لزيادته عليه بمقدار متناه ويلزمه تناهى القوة المحركة.

٢٠٠