توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

ارتفاع ذلك الغير ماهية لكن ذلك محال لان الماهية ماهية يستحيل ان تكون غير ماهية سواء كان غيرها ثابتا او مرتفعا ، وسر ذلك ان سلب الشيء عن نفسه محال وذلك لانا اذا قلنا : الماهية صارت لا ماهية بارتفاع الغير وجب ان يكون موضوع هذه القضية ثابتا فى الخارج او فى الذهن حتى يحكم عليه بهذا الحكم ولكن لا تحقق له حال هذا الحكم عليه لا خارجا لانها صارت فى الخارج ليسا وعدما ولا فى الذهن لان العقل حين هذا الحكم يحكم بارتفاع نفس الموضوع اذ المحمول المسلوب هو نفس الموضوع بخلاف ما اذا قلنا : الماهية ليست موجودة او هى معدومة فان نفس الموضوع محفوظة فى الذهن ويرتفع عنها الوجود او يحكم عليه بالعدم كما يأتى ذلك عن قريب فى كلام الشارح ، ولا يخفى انه لا احتياج الى هذا الاستدلال فى بيان استحالة سلب الشيء عن نفسه لانه ضرورى غير محتاج فى تصديقه الى شيء.

قوله : حال الحكم عليها بالعدم ـ اى بعدم كونها ماهية بسبب ارتفاع الغير كما بينا.

قوله : فلانه يلزم منه ارتفاع الوجود الخ ـ يأتى المحال المذكور فى الفرض السابق بعينه فى هذا الفرض لان معنى تاثير المؤثر فى الوجود هو جعله وجودا.

قوله : فلا يكون اثرا ـ اى لا يكون مجعولا فى الخارج.

قوله : وتقرير الجواب الخ ـ توضيحه انا نختار ان التأثير فى الماهية ولكن لا بجعلها ماهية جعلا مركبا لانه اثبات الشيء لنفسه وعند ارتفاع الجاعل يلزم سلب الشيء عن نفسه كما قلت ولا بجعلها موجودة جعلا مركبا بان يكون هنا ماهية ثم يجعلها المؤثر موجودة بل بجعلها جعلا بسيطا يتبعه وجوب لاحق ، ومعنى الجعل البسيط ان الماهية تصدر من العلة الى الخارج وبعد صدورها موجودة واجبة بوجوب لاحق هو الضرورة بشرط المحمول التى لا تخلو قضية فعلية منها كما مر فى المسألة الحادية والثلاثين ووجود الماهية ووجوبها امر ان منتزعان من الماهية الصادرة ومع هذا الوجوب يمتنع تاثير المؤثر فيها بان يجعلها موجودة لانه تحصيل الحاصل.

١٢١

قوله : وعند فرض الماهية ـ اى عند فرضها مجعولة بالجعل البسيط.

قوله : سابقا على وجوده ـ اى على وجود الماهية وتذكير الضمير باعتبار كونها اثرا وكذا فى غير هذا الموضع.

قوله : ذكر فى المنطق ـ وذكر أيضا فى هذا الكتاب فى المسألة الحادية والثلاثين.

قوله : والغلط هاهنا الخ ـ دفع دخل هو لو قال الغالط المغالط ، انكم قلتم : ان الوجوب لاحق بالماهية عند صدورها ومع هذا الوجوب لا يمكن تاثير المؤثر فيها مع ان المذكور فى قول الحكماء الشيء ما لم يجب لم يوجد وهذا يدل على اشتراط الوجود بالوجوب فكيف يكون الوجوب لاحقا بالماهية الموجودة ، والجواب ان مرادهم به هو الوجوب السابق وانتم اشتبهتموه باللاحق.

قوله : على المعنيين ـ معنى الوجوب السابق هو تمامية العلة بحيث يستلزم المعلول او كون المعلول بحيث يلزم من العلة التامة ومعنى الوجوب اللاحق هو ضرورة الثبوت.

قوله : وقولنا عدمت الماهية الخ ـ دفع دخل هو لو قال قائل : ما الفرق بين قولنا : الماهية صارت لا ماهية ، وقولنا : الماهية صارت معدومة حيث حكمتم باستحالة الاول آنفا وتحكمون بعدم استحالة الثانى ، والجواب ان الاول يمتنع بقاء موضوعه فى الذهن والخارج فيمتنع الحكم بخلاف الثانى فان الموضوع باقية فى الذهن حال الحكم.

قوله : وكذا البحث فى حصول الوجود من موجده ـ اى القائل باصالة الوجود وانه المجعول أولا وبالذات يجيب مثل جوابنا بان التأثير يكون فى الوجود بجعله جعلا بسيطا.

قوله : لم يتعلق ذلك الخ ـ هذا خبر لمن فى قوله : ومن يجعل ان كانت موصولة او جزاء لها ان كانت شرطية وعلى اى منهما يحتاج الى عائد وليس فى كلامه ، والتقدير : ومن يجعل الخ لم يتعلق التأثير على قوله بموصوفية الماهية بالوجود

١٢٢

لان الموصوفية امر اضافى اعتبارى ينتزع من اتصاف الماهية بالوجود.

قوله : ولا يلزم من ذلك ما ذكروه من المحال ـ يعنى لا يلزم من هذا القول ذلك المحال الّذي ذكروه فى الفرض الثالث الّذي هو فرض كون التأثير فى الموصوفية لان مراد القائلين بثبوت المعدوم وهم طائفة من المعتزلة بتأثير المؤثر فى الموصوفية هو ضم الوجود الى الماهية المعدومة الثابتة فى الازل الّذي يوجب انتزاع الموصوفية من الماهية الموجودة فلا يتوجه الاشكال الى واحد من هذه الاقوال الثلاثة.

قول المصنف : على ما مر ـ فى المسألة التاسعة عشرة ومر هنا ما يفيد فى توضيح ما فى هذا المقام.

المسألة الرابعة والاربعون

( فى ان الممكن الباقى محتاج الى المؤثر )

قول المصنف : لوجود علته ـ اى علة الافتقار الى المؤثر وهو الامكان.

قول الشارح : وبالجملة كل من قال الخ ـ اما من قال ان علة الاحتياج الى المؤثر هو الحدوث او هو شرطا او شطرا فله ان يقول : ان الممكن فى بقائه لا يحتاج الى المؤثر لان علة الافتقار التامة قد انتفت بمضى الحدوث ، وقد مر بطلان هذا القول فى المسألة التاسعة والعشرين.

قول المصنف : ولهذا جاز استناد الخ ـ اى ولان علة الافتقار الى المؤثر هو الامكان جاز استناد القديم الممكن الى المؤثر ولكن ذلك المؤثر يكون موجبا لا مختارا لما ذكر فى الشرح.

المسألة الخامسة والاربعون

( فى نفى قديم ثان )

قول المصنف : ولا قديم سوى الله تعالى لما يأتى ـ اى لا قديم مطلقا ذاتيا

١٢٣

او زمانيا سوى الله الواجب الوجود تعالى لما يأتى فى المسألة السادسة من الفصل الثالث من المقصد الثانى من حدوث الاجسام ولواحقها وان ما سوى الله تعالى انما هو الاجسام ولواحقها لان المجرد المفارق والهيولى ليسا بثابتين عنده ولما يأتى فى المسألة الثامنة من الفصل الثانى من المقصد الثالث من نفى الشريك له تعالى فاذا ثبت ذلك كله ثبت ان لا قديم سواه تعالى.

قول الشارح : قد خالف فى هذا جماعة كثيرة ـ اكثر المجوس قائلون بالقديمين هما النور والظلمة ، والحرنانيون منهم ( وقد ذكر ابن النديم تفصيل مذهبهم وسائر احوالهم فى الفهرست ) قائلون بالقدماء الخمسة ، والنصارى قائلون بالقدماء الثلاثة الأب مبدأ الوجود والابن مبدأ العلم وروح القدس مبدأ الحياة ، والمريميون منهم قائلون بالاب والام والابن ، وجمهور الاشاعرة قائلون بالقدماء ذات الله وصفاته التى عبروا عنها بالمعانى ، والمعتزلة بالثابتات الازلية ، وابو هاشم منهم بالاحوال الخمسة القديمة هى الإلاهية والموجودية والقادرية والعالمية والحيية. والفلاسفة قائلون بقدم العالم غير الكائنات الفاسدات قدما زمانيا.

قوله : على ما يأتى ـ فى المسألة التاسعة عشرة من الفصل الثانى من المقصد الثالث.

قوله : وابو هاشم ـ قد مضى شرح حاله ويأتى قوله هذا فى المسألة التاسعة من الفصل الثانى من المقصد الثالث.

قوله : على تقدير عدمه ـ اى على تقدير عدم قدمه.

قوله : ابن زكريا الرازى الطبيب ـ قال ابن خلكان فى وفيات الاعيان : ابو بكر محمّد بن زكريا الرازى الطبيب المشهور ذكر ابن جلجل فى تاريخ الاطباء انه دبر مارستان الرى ثم مارستان بغداد فى ايام المكتفى ، ومن اخباره انه كان فى شبيبته يضرب بالعود ويغنى فلما التحى وجهه قال كل غناء يخرج من بين شارب ولحية لا يستظرف فنزع عن ذلك واقبل على دراسة كتب الطب والفلسفة فقرأها قراءة رجل متعقب على مؤلفيها فبلغ من معرفة غوابرها الغاية واعتقد الصحيح منها وعلل

١٢٤

السقيم والف فى الطب كتبا كثيرة.

ونقل ابن خلكان عن غير ابن جلجل ان ابن زكريا كان مسيحيا أولا ثم اسلم.

وقال القفطى فى كتاب اخبار العلماء : محمّد بن زكريا ابو بكر الرازى طبيب المسلمين غير مدافع واحد المشهورين فى علم المنطق والهندسة وغيرهما من علوم الفلسفة وكان فى ابتداء امره يضرب بالعود ثم ترك ذلك واقبل على تعلم الفلسفة فنال منها كثيرا والف كتبا كثيرة يأتى ذكرها إن شاء الله تعالى اكثرها فى صناعة الطب وسائرها فى ضروب من المعارف الطبيعية والإلاهية الا انه توغل فى العلم الإلهى وما فهم غرضه الاقصى فاضطرب لذلك رايه وتقلد آراء سخيفة وانتحل مذاهب خبيثة وذم اقواما لم يفهم عنهم ولا هدى لسبيلهم ودبر مارستان الرى ثم مارستان بغداد زمانا ثم عمى فى اخر عمره وتوفى قريبا من سنة عشرين وثلاثمائة هذا قول القاضى صاعد بن الحسن الاندلسى ، ثم ذكر اخبار سائر المورخين فيه وكتبه.

قوله : وكل ممكن حادث ـ هذه القضية معركة للانظار والآراء بين الفلاسفة والمتكلمين.

قوله : وسيأتي تقريرها ـ اى تقرير الكبرى فى المسألة السادسة من الفصل الثالث من المقصد الثانى بعد انكار الهيولى وان الادلة التى اقيمت على العقول مدخولة.

المسألة السادسة والاربعون

( فى ان الحادث لا يفتقر الى المدة والمادة )

قول الشارح : لان كل حادث ممكن الخ ـ هذا دليل الفلاسفة على مسبوقية الحادث بالمادة.

قوله : ولان كل حادث ممكن يسبقه الخ ـ هذا دليلهم على مسبوقية الحادث بالمدة.

قوله : لان المادة ممكنة الخ ـ هذا جواب عن دليل المسبوقية بالمادة.

١٢٥

قوله : والزمان يتقدم اجزائه الخ ـ هذا جواب عن دليل المسبوقية بالمدة.

قوله : كانت اجزاء الزمان مختلفة بالحقيقة ـ بيان الملازمة ان التقدم حينئذ يكون جزء حقيقة الزمان المتقدم او من لوازمه الذاتية وكذا التأخر يكون جزء حقيقة الزمان المتاخر او من لوازمه الذاتية والا فلا معنى لكون التقدم والتأخر ذاتيين للزمان فيكون الزمان المتقدم حقيقة والمتاخر حقيقة اخرى لاختلاف اجزاء حقيقتهما او اختلاف لوازمهما اذ الحقيقة الواحدة لا يمكن اختلافها بحسب الاجزاء واللوازم فى فردين.

وفيه ان التقدم والتأخر امر ان اضافيان اعتباريان منتزعان من ذات المتقدم والمتاخر ومعنى كون التقدم والتأخر ذاتيين للزمان ان الزمان حيث يكون امرا واحدا متصلا اتصال الحركة والمسافة لا يحتاج فى انتزاع التقدم والتأخر عن ذاته هذا النوع من التقدم والتأخر الى امر زائد بل يكفى فيه فرض الحد الّذي يعبر عنه بالآن فيكون احد الجزءين المنتهيين بالحد متقدما والاخر متأخرا ولا يلزم من ذلك اختلاف حقيقة اجزاء الزمان ولا كونه مركبا من الآنات ، والمسألة تحتاج الى تفصيل ليس هذا موضعه فلينظر فى المطولات.

قوله : فكان الزمان مركبا من الآنات الخ ـ اى مركبا من اجزاء لا تتجزى كما عليه بعض المتكلمين لانه لو كان امرا واحدا متصلا كما عليه الفلاسفة لم يجز ان تكون اجزائه مختلفة بالحقيقة.

المسألة السابعة والاربعون

( فى ان القديم لا يجوز عليه العدم )

قول الشارح : جاز عليه العدم ـ اى جاز العدم على العدم بان يتعقبه الوجود كوجود العالم المتعقب لعدمه على قول المتكلمين.

قوله : وان كان العدم لا يسمى قديما ـ لان القدم والحدوث من صفات الوجود كما مر فى المسألة الثالثة والثلاثين.

١٢٦

قوله : لان كل اثر لمختار حادث ـ لان المختار هو الّذي يفعل بالقصد والقصد لا يتوجه الى القديم الّذي لم يسبق العدم وجوده.

قوله : وان كان ممكنا تسلسل ـ اى وان كان المؤثر ممكنا احتاج الى آخر فهو ان كان واجبا استحال عدمه فاستحال عدم معلوله وان كان ممكنا نقل الكلام إليه وهكذا حتى ينتهى الى الواجب بالذات.

١٢٧

الفصل الثانى

( فى احكام الماهية ولواحقها )

المسألة الاولى

( فى تفسير الماهية والحقيقة والذات )

قول المصنف : ولواحقها ـ من الوحدة والكثرة والكلية والجزئية والذاتية والعرضية والتركب والبساطة والتشخص والتقابل وغيرها مما يبحث عنها فى هذا الفصل.

قوله وهى مشتقة عما هو ـ بالاشتقاق الاعم الشامل للمنسوب كالكوفى والبصرى والعلمى

قوله : وتطلق غالبا على الامر المتعقل ـ اى الّذي يقع فى العقل من دون لحاظ حصوله فيه ، وتطلق فى غير الغالب على ما تطلق عليه الذات والحقيقة كما قد يعكس الامر وتطلق الذات والحقيقة على ما تطلق عليه الماهية

قوله : والكل من ثوانى المعقولات ـ لان المعقول الثانى على ما مر فى المسألة السادسة والثلاثين هو ما لا يكون له فرد فى الخارج وهذه مفاهيم عارضة مثلا على الانسان الّذي له الفرد فى الخارج لا لنفس هذه المفاهيم.

قوله : من الاعتبارات ـ ليس المراد بها الامور الاعتبارية التى وجودها فى الذهن فقط بل ما يعتبر لحوقه بالحقيقة من العوارض

قوله : وهى من حيث هى ليست الا هى ـ معنى هذا الكلام ان الماهية من حيث هى ماهية اى من حيث هى فى مرتبة نفسها ولا يعتبر معها شيء لا يحمل عليها شيء من الاشياء حتى ذاتياتها ولوازمها الا نفسها لان حيثية نفسها غير حيثية غيرها

١٢٨

ولو كان ذاتيا او لازما لها ، نعم يلاحظ الذاتيات واللوازم بنحو الاندماج والاندكاك معها لا بنحو التفصيل ، فالانسان مثلا من حيث هو هو انسان ليس غير حتى انه ليس بحيوان لان حمل الحيوان عليه يستلزم اخراجه من صرافة نفسه وعن مرتبته وادخاله فى اعتبار حيثية هى مصححة حمل الحيوان عليه وتلك الحيثية انه كل له جزء عقلى هو الحيوان ، فاذا اريد ان يحمل على الماهية شيء غير نفسها فلا بد ان يعتبر معها غير نفسها ما هو مصحح ومناط لحمل ذلك الشيء عليها.

وليس معناه انها من حيث هى هى اى فى مرتبة نفسها ليس شيء من الاشياء عينا لها ولا جزء منها الا هى كما يظهر من كلمات بعض الاكابر لمكان الاستثناء اذ هو يثبت لما بعده ما ينفى عما قبله وبالعكس فيصير المعنى باعتبار بعد الاستثناء ان الماهية فى مرتبة نفسها هى نفسها وجزئها وهذا باطل بالضرورة لانها فى مرتبتها ليست بجزئها لان الجزء متقدم على الماهية بالماهية كما ان لازم الماهية كالامكان مثلا متأخر عن الماهية بالماهية.

قوله : ولو سئل ـ فى سائر الشروح فلو سئل بالفاء التفريعية وهو الصحيح كما فى الشرح ، وهذا السؤال متوجه الى المستثنى منه المقدر المنفى فى قولهم : الماهية من حيث هى هى ليست الا هى فان السائل يسأل هل الماهية الف او ليست بالف فاجيب انها ليست الفا ولا شيئا من الاشياء حتى ذاتياتها ولوازمها الا هى.

تنبيه ادبى : ان القواعد الادبية تقتضى ان يقال : الماهية من حيث هى هى ليست الا اياها لان ما بعد الا بمنزلة خبر ليس ولكن هذه العبارة هكذا موروثة من السابقين فلم يغيروها ، الا ان الشارح الرضى نقل فى مبحث الافعال الناقصة ان بعض النحويين جوز ابطال عمل ليس بإلا كما وان النافيتين كما فى قولهم : ليس الطيب الا المسك بالرفع.

قول الشارح : الفا ولا شيئا من الاشياء ـ اى ليس الفا ولا شيئا من الاشياء غير الألف ولا بمقابلاتها ، اى ليس الانسان مثلا من حيث هو هو بالف ولا بمقابله وليس بواحد ولا بمقابله وليس بكلي ولا بمقابله وليس بموجود ولا بمقابله وليس بحيوان

١٢٩

ولا بمقابله وهكذا الى ان يحصى جميع الاشياء ، بل هو انسان فقط.

ان قلت : هل هذا الا ارتفاع النقيضين فكيف جوزوه فى هذا المقام ، قلت : ليس هذا بارتفاع النقيضين لان معناه ان النقيضين ليسا بنفس الماهية ، نعم اذا قلنا ان الانسان فى مرتبة نفسها ليس بإنسان وليس بلا انسان فهو ارتفاع النقيضين ولكنا نقول ان الانسان فى مرتبة نفسها انسان لا شيء غيره ، وببيان اخر ان الانسان فى مقام الموضوعية انسان لا غير واما اذا نظرنا الى المحمولات فهو اما موجود واما لا موجود وكذا اما كلى أو لا كلى وهكذا وارتفاع النقيضين واجتماعهما راجعان الى المحمولات فافهم.

قوله : ولا نقول الانسان من حيث هو انسان ليس الفا ـ قال الشارحون فى وجه تقديم اداة السلب على الحيثية : ان هذه الصيغة قد تكون للايجاب العدولى فاذا قلت فى الجواب هكذا فكانك قلت الانسان من حيث هو انسان شيء هو لا الف.

قوله : ولو قيل الانسانية الخ ـ يعنى لو قال قائل : كيف ليست الماهية من حيث هى هى الا هى مع ان طبيعة الانسان مثلا فى زيد هى عين ما هى فى عمرو ويحمل عليها واحدة ، فاجيب ان الماهية فى هذه القضية اعتبر معها شيء اخر صح به حمل واحدة عليها وهو حيثية كونها غير متغايرة باعتبار كونها فى زيد وفى عمرو فاذا اخذتها من حيث هى هى واسقطت جميع الاعتبارات لم يصح حمل واحدة عليها.

قوله : وقيد الوحدة زائد ـ اى اعتبار عدم المغايرة فاذا حذف لم يحمل عليها واحدة.

المسألة الثانية

( فى اعتبارات الماهية )

قول المصنف : وقد يؤخذ الماهية الخ ـ ان الماهية من حيث هى هى حيث لا تكون مقيدة بشيء من الاشياء وجودا وعدما حتى بعدم التقيد يمكن ان تعتبر باعتبارات ، فيمكن ان يعتبرها العقل محذوفا عنها جميع ما عداها اى يقيدها بعدم

١٣٠

غيرها بعد ان لم تكن مقيدة به والماهية بهذا الاعتبار لها خصوصيات : الاولى انها لا توجد الا فى الذهن لان كل ما وجد فى الخارج له ضمائم ولو احق وهذه مقيدة بعدمها ، الثانية انها لو انضم إليها شيء كان زائدا بالنسبة إليها اجنبيا عنها كضم الحجر الى الانسان لان تقيدها بعدم غيرها ينافى انضمام الغير إليها حقيقة ، الثالثة انها لا تحمل على غيرها ولا غيرها عليها لان الحمل يستدعى الاتحاد من جهة الوجود والتقيد بعدم الغير ينافى ذلك ، ومن هذا ظهر انها لا تحمل على المجموع الّذي هو هذه مع غيرها فرضا لان ذلك المجموع غير نفسها مع ان ذلك مجموع مركب بحسب الفرض لا انه مركب حقيقى لان المركب الحقيقى لا بد فيه من ارتباط بين الاجزاء وهاهنا مفقود لاجل التقيد بعدم الغير ، ولا يخفى عليك ان الفرق من جهة الحمل بين هذه وبين الماهية من حيث هى هى ان هذه لا تحمل على شيء ولا يحمل عليها شيء الا نفسها والماهية من حيث هى هى لا يحمل عليها شيء الا نفسها ولكن تحمل على اشياء كثيرة ، والماهية بهذا الاعتبار يقال لها الماهية المجردة والماهية بشرط لا اى بشرط ان لا يكون معها شيء.

قوله : بحيث لو انضم إليها شيء لكان زائدا ـ اشارة الى الخصوصية الثانية.

قوله : ولا تكون مقولة على ذلك المجموع ـ اشارة الى الخصوصية الثالثة.

قوله : ولا توجد الا فى الاذهان ـ اشارة الى الخصوصية الاولى.

ثم ان للماهية بشرط لا معنى آخر وهو ان يعتبرها العقل مستقلة بالوجود عما معها من الفصول والعوارض المحصلة لها لا محذوفا عنها جميع ما عداها والماهية بهذا الاعتبار مادة وجزء للمركب منها ومن الفصل او العارض وموجودة بالوجود الذهنى بالذات وبالوجود الخارجى بالعرض ولا تكون مقولة على المجموع لانها لوحظت مستقلة بالوجود والحمل يستدعى الاتحاد فى الوجود وما يكون معها من الفصول والعوارض زائد عليها بمعنى انها ليست متحدة معها فى الوجود باللحاظ العقلى وان كانت متحدة بحسب الواقع فهذا المعنى والمعنى الاول مشتركان فى عدم المقولية على المجموع وفى كون غيرها زائدا عليها الا ان الغير فى المعنى الاول جميع

١٣١

الاشياء وفى المعنى الثانى هو الفصول والعوارض اللاحقة بها وان انضمام الغير فى المعنى الاول بحسب الفرض مع انه فى الواقع منفك عنها وانضمام الغير فى المعنى الثانى بحسب الواقع مع انه فى لحاظ العقل منفك عنها وهذان معنيان للماهية بشرط لا ومراد المصنف هاهنا هو المعنى الاول لمكان قوله : ولا توجد الا فى الاذهان لانها بالمعنى الثانى توجد فى الخارج بالوجود بالعرض كما مر.

وبما ذكرنا من ان فرض انضمام الزائد يأتى فى المعنى الاول يندفع ما نسب شارح المقاصد وتبعه القوشجى الى المصنف رحمه‌الله من الخبط والخلط فى الكلام بان قوله : وقد تؤخذ محذوفا عنها ما عداها وقوله : ولا توجد الا فى الاذهان ينطبقان على المعنى الاول واما قوله : بحيث لو انضم الخ فينطبق على المعنى الثانى لان الانضمام غير معقول فى المعنى الاول وهذا خلط فى الكلام بين المعنيين ، وكذا بما ذكرنا يرتفع الاحتياج الى ما وجه به صاحب الشوارق كلام المصنف ، هذا.

اقول : ان اعتبار الماهية بشرط لا ليس ينحصر فى المعنيين بل يمكن العقل ان يعتبرها بشرط لا عن كل شيء يريد فتبقى لا بشرط بالنسبة الى غيره كما ان اعتبارها بشرط شيء كذلك.

قوله : وقد تؤخذ لا بشرط شيء الخ ـ ان الماهية لا بشرط لها اطلاقان : الاول انها تطلق على الماهية من حيث هى هى التى مضى بيانها فى المسألة الاولى ويقال لها الماهية المطلقة واللابشرط المقسمى ، والثانى انها تطلق على الماهية باعتبار عدم تقيدها بشيء وجودا وعدما بان يكون عدم التقيد قيدا لها ويقال لها اللابشرط القسمى ؛ ومراد المصنف الاولى لان الثانية كالماهية بشرط لا ليست الا فى الذهن لان هذا القيد ينافى كونها فى الخارج لان ما فى الخارج مقيد بشيء فى الواقع بخلاف الاولى فانها لا تنافى ما فى الخارج بل تجتمع معه اجتماع المطلق والمقيد.

ان قلت : الست قلت فى المسألة الاولى : ان الماهية من حيث هى هى لا يحمل عليها شيء الا نفسها فكيف تقول الآن : ان مراد المصنف بالماهية بشرط لا هنا هى الماهية من حيث هى هى مع انه قال : هو كلى طبيعى ، موجود فى الخارج ، جزء

١٣٢

من الاشخاص ، صادق على المجموع وهذه محمولات عليها قلت : ان مراده ان الماهية من حيث هى هى التى ليست فى مرتبة نفسها الا هى تعرضها الكلية والوجود الخارجى والجزئية والصدق على المجموع ، لا انها فى مرتبة نفسها كلية وموجودة وجزء وصادق على المجموع ، فان بينهما فرقا ظاهرا.

ثم ان للماهية اعتبارا آخر لم يذكره المصنف وهو اعتبارها بشرط شيء وهذا الشيء اما وجود خارجى فالماهية بهذا الاعتبار تطلق عليها الذات والحقيقة كما مر واما فصل فتصير الماهية بهذا الاعتبار نوعا واما عوارض خارجية فتصير بهذا الاعتبار شخصا.

والحاصل ان الماهية من حيث هى هى التى يقال لها المطلقة واللابشرط المقسمى اما ان يعتبر معها عدم جميع الاشياء فهى الماهية بشرط لا بالمعنى الاول واما ان تعتبر مستقلة فى قبال ما معها من الفصل والعوارض فهى الماهية بشرط لا بالمعنى الثانى واما ان يعتبر معها عدم التقيد بشيء وجودا وعدما فهى الماهية اللابشرط القسمى واما ان يعتبر معها شيء فهى الماهية بشرط شيء باقسامه.

قال صاحب الشوارق : وقد طوى ذكر الماهية بشرط شيء لظهورها فان الحقائق الموجودة فى الاعيان ماهيات بشرط شيء اذ لا يمكن ان توجد ماهية الا وقد يلحقها شيء من العوارض.

اقول ، سيأتى قريبا ان مراد المصنف ليس احصاء هذه الاعتبارات بل غرضه ذكر الاعتبارات الثلاثة فى الكلى وانما ذكر اعتبارا من اعتبارات الشروط للتوطئة.

قول الشارح : فان الحيوان المقيد موجود فى الخارج الخ ـ قد استدل كثير كالشارح العلامة هاهنا على وجود الكلى الطبيعى فى الخارج بان الشخص موجود فى الخارج والكلى جزء من الشخص وجزء الموجود موجود فالكلى الطبيعى موجود ، ولكن فى قولهم : والكلى جزء من الشخص نظر وبحث لان المراد بكونه جزء لو كان انه جزء فى الخارج موجود بوجود مستقل فى قبال الجزء الاخر بان يكون الشخص مركبا فى الخارج من موجودين منضمين فى الخارج كما هو شأن الجزء الخارجى

١٣٣

فهو باطل بالضرورة لما مر فى المسألة التاسعة والثلاثين من الفصل الاول وان كان المراد به انه جزء فى العقل فهو لا يثبت المطلوب مع انه خلاف صريح كلامهم ، فالحق كما مر فى تلك المسألة انه موجود فى الخارج بالعرض وتعبير الجزئية فى كلامهم مسامحة لان شأن الجزء الخارجى ان يكون موجودا بالذات.

قول المصنف : والكلية العارضة الخ ـ اقول : الكلية هى انطباق المفهوم على امور كثيرة وقيل : هى اشتراك امور كثيرة فى المفهوم والتفسير الثانى لازم للاول ، وهذا المعنى وصف يعرض على الماهية اذا قيست الى غيرها باعتباره يقال لها الكلى ، فهنا ثلاثة امور : الموصوف اى ذاته ، الوصف ، المجموع المركب منهما ويقال للاول الكلى الطبيعى اى الطبيعة التى يعرضها هذا الوصف وللثانى الكلى المنطقى لان اهل الميزان يبحثون عنه ولا نظر لهم فى معروض الكلية وهذا من قبيل اطلاق الابيض على نفس البياض وللثالث الكلى العقلى لانه باعتبار احد جزئيه وهو الوصف لا يوجد الا فى العقل.

ان قلت : وعلى هذا فالاولى ان يقال للمنطقى الكلى العقلى ، قلت : لا يجب فى التسمية مراعاة الاطراد فى الوجه لا سيما فى جعل الاصطلاح بل الواجب مراعاته فيه ما يتم به غرض المصطلحين.

قوله : فهذه اعتبارات ثلاثة ـ اى اعتبارات الكلية وفاقا للشراح الا صاحب الشوارق فانه جعل المشار إليه اعتبارات الشروط التى مرت قبيل هذا وهذا خطأ منه لان فى كلام المصنف ليس من تلك الاعتبارات الا احدها وهو اعتبار بشرط لا باحد معنييه لان قوله : وقد تؤخذ لا بشرط شيء اشارة الى اللابشرط المقسمى بقرينة قوله : وهو كلى طبيعى موجود فى الخارج ، اذ اللابشرط القسمى لا يوجد الا فى العقل ، فكانه قال : الماهية قد تؤخذ باعتبار كاعتبار بشرط لا وقد تؤخذ لا باعتبار بل من حيث هى هى فحينئذ من جهة الكلية لها اعتبارات ثلاثة : المنطقية والطبيعية والعقلية فاتيان احد اعتبارات الشروط توطئة لما هو مقصود بالاصالة.

١٣٤

المسألة الثالثة

( فى انقسام الماهية الى البسيطة والمركبة )

قول المصنف : وهما موجودان بالضرورة ـ لان الماهية المركبة موجودة بالضرورة والمركب لا بدّ ان ينتهى الى البسيط بالضرورة والا يلزم تركبها من الاجزاء الغير المتناهية بالفعل لعدم التوقف على جزء لم يكن ذا اجزاء اخر وهو ممتنع ، اما امتناعه بحسب الخارج فظاهر واما بحسب الذهن فلانه يستلزم عدم امكان تصور ماهية بالكنه وهذا باطل اذ نتصور نحن كثيرا من الماهيات بالكنه

قول الشارح : اذ لا موجود هو بسيط او مركب محض ـ اى ليس فى الخارج موجود يكون فردا لنفس البساطة والتركيب فهما اعتباريان.

قوله : اذا عرفت هذا فهما متنافيان ـ هذا الكلام مشعر بان الاعتبارية لها دخل فى كونهما متنافيين ولم اعرف له وجها وفى كلام المصنف ليس هذا الاشعار لانه لم يعطف بالفاء.

قوله : اذ لا يصدق على شيء انه بسيط ومركب ـ اى لا يصدق على شيء واحد من حيث هو واحد انه بسيط ومركب معا.

قوله : وقد يتضايفان اى يؤخذ البسيط الخ ـ البسيط اما اضافى واما حقيقى وكذا المركب ، والاضافيان يتعاكسان فى العموم والخصوص مع اعتبارهما بالحقيقيين.

اعلم ان البسيط والمركب الحقيقيين هما ما فسرا فى كلام المصنف واما الاضافيان فالبسيط الاضافى هو ما يكون جزء لكل والمركب الاضافى هو ما يكون كلا بالنسبة إليه فيكون بينهما تقابل التضايف فالنسبة بينهما هى التباين لتقابلهما بالتضايف كما ان بين الحقيقيين أيضا التباين لتقابلهما بالسلب والايجاب ، واما النسبة بين البسيطين فهى العموم المطلق وكذا بين المركبين ولكن على عكس البسيطين كما يأتى بيانه قريبا ، واما النسبة بين البسيط الاضافى والمركب الحقيقى

١٣٥

فهى العموم من وجه لان بعض ما هو جزء لشيء ليس ما له جزء كالجوهر وبعض ما له جزء ليس ما هو جزء لشيء كالانسان المتشخص وبعض ما هو جزء لشيء هو ما له جزء كالحيوان ، وبين البسيط الحقيقى والمركب الاضافى هى التباين لانه لا شيء مما لا جزء له كل بالنسبة الى شيء وبالعكس فمعنى قول المصنف : فيتعاكسان فى العموم والخصوص : ان العموم المطلق الّذي بين البسيطين ثابت بين المركبين على عكس البسيطين فان البسيط الاضافى اعم من البسيط الحقيقى لصدق الاضافى على المركب دونه وان المركب الحقيقى اعم من المركب الاضافى لتقيد الاضافى بالإضافة دونه.

قوله : واذا جاز كون البسيط بهذا المعنى الخ ـ يعنى واذا جاز كون البسيط الاضافى مركبا كالحيوان كان اعم من البسيط الحقيقى مطلقا لان كل بسيط حقيقى بسيط اضافى اى كل ما لا جزء له فهو جزء لماهية وليس كل بسيط اضافى بسيطا حقيقيا اى ليس كل ما هو جزء لماهية ما لا جزء له اذ بعض ما هو جزء لماهية له جزء كالحيوان وهذا يتم بناء على ان لا يكون فى الوجود ماهية بسيطة لم تكن جزء من غيرها والا فبينهما عموم وخصوص من وجه.

قوله : فيكون المركب بهذا المعنى اخص الخ ـ يعنى فيكون المركب الاضافى اخص من المركب الحقيقى لان المركب الاضافى هو المركب الحقيقى مع قيد الاضافة الى الجزء.

قوله : لمنتسبين عقليين ـ يعنى حصول نسبة الامكان بينهما يكون فى العقل والا فذاتا المنتسبين ليستا عقليتين لان الوجود او الماهية امر اصيل فى الخارج على اختلاف القولين ، اللهم الا ان مجموع المنتسبين من حيث هو مجموع عقلى لكون احد جزئيه عقليا.

قوله : كالجوهر والحيوان ـ هذا من باب ذكر الخاص بعد العام وكذا مثال العرض

قول المصنف : والمركب انما يتركب عما يتقدمه وجودا وعدما ـ

١٣٦

اعلم ان الجزء هو ما يمكن ان يلاحظ موجودا فى نفسه فى قبال شيء شامل له ولغيره فله بذاته وجود ووجوده لذلك الشيء فهو نظير العرض القائم بالموضوع من حيث ان له وجودا فى نفسه ووجوده فى نفسه انما هو لغيره ، الا ان الفرق بين الجزء والعرض ان الجزء وجوده فى نفسه متقدم بالطبع على الكل وان العرض وجوده فى نفسه متأخر بالطبع عن الموضوع فالجزء بوجوده النفسى جزء علة الكل والموضوع جزء علة لوجود العرض النفسى واما الوجود لغيره فى الجزء وفى العرض كليهما لا تقدم ولا تأخر له بالنسبة الى وجود الغير الّذي هو الكل او الموضوع من حيث هو كل او موضوع ، ولا يخفى انه ليس فى الواقع وجودان للجزء وكذا العرض بل الوجود الّذي هو لذات الجزء يعتبر انضمامه بوجود سائر الاجزاء حتى يحصل وجود واحد للكل وبهذا الاعتبار يتحقق عنوان الجزئية لذات الجزء فالجزء بما هو جزء لا تقدم له على الكل بما هو كل لان الجزئية والكلية متضايفتان وكل منهما وجودا وعدما دائرة مدار وجود الاخرى وعدمها ، والمصنف رحمه‌الله اراد بما يتقدم المركب وجودا وعدما ذوات الاجزاء لانها من حيث هى اجزاء لا تقدم لها على المركب

ثم ان الجزء اما عقلى كالحيوان للانسان فان الحيوان ليس له فى الخارج وجود فى نفسه فليس هو جزء للانسان فى الخارج ، واما خارجى كالجدار للبيت ، والجزء الخارجى يقع فى العقل اذا تصور.

قوله : بالقياس الى الذهن والخارج ـ ليس معناه ان الجزء مطلقا متقدم على الكل بحسب الوجودين حتى يستشكل بان الجزء العقلى ليس جزء فى الخارج حتى يكون متقدما بحسب الخارج فكيف حكم المصنف بتقدم كل جزء بحسب الوجودين ، بل معناه ان الجزء الخارجى متقدم على الكل بالقياس الى الخارج والجزء الذهنى متقدم على الكل بالقياس الى الذهن ، وعطف الخارج على الذهن بالواو لا ينافى ذلك بل يلائمه جدا كما فسرنا.

ان قلت : كون الخاصة الاولى متعاكسة مع الجزء ينافى هذا التفسير لان

١٣٧

الخاصة الاولى للجزء هى تقدمه على الكل ومعنى التعاكس ان كل جزء متقدم على الكل وكل ما هو متقدم على الكل جزء له مع ان كلية العكس منقوضة بالعلة الفاعلية والعلة الغائية والموضوع الّذي هو علة للعرض حيث انها متقدمة على الكل المعلول وليست باجزاء له فليست متعاكسة اى ليس العكس كليا كالاصل بخلاف ذلك التفسير الاول فانه لا يأتى فيه هذا الانتقاض لانا اذا قلنا : ان كل جزء مطلقا متقدم على الكل بحسب الوجودين وكل متقدم على الكل بحسب الوجودين جزء له لم تنتقض كلية العكس لان العلة الفاعلية والموضوع ليسا متقدمين بحسب الوجود الذهنى والعلة الغائية ليست متقدمة بحسب الوجود الخارجى ، قلت : مع الاغماض عما فى تفسير كم من كذب الاصل وعدم شمول العكس للمتقدم بحسب الوجود الذهنى فقط كالحيوان فانه ليس متقدما على الانسان بحسب الخارج مع انه جزء له ان هذا الانتقاض الّذي ذكرتم فى تفسيرنا موهوم ليس بواقع لان التقدم المذكور فى الاصل والعكس هو التقدم بالطبع الّذي عبروا عنه بالتقدم بحسب الوجود والعدم لا التقدم بالماهية كما توهم صاحب الشوارق ولا غيره من اقسام التقدم وما قلنا هو صريح كلام المصنف حيث قال : يتقدمه وجودا وعدما ، وان الاصل على تفسير ناقضيتان هما ان كل جزء بحسب الخارج متقدم بالطبع على الكل بحسب الخارج وان كل جزء بحسب الذهن متقدم بالطبع على الكل بحسب الذهن فعكس الاولى هو ان كل ما هو متقدم بالطبع على الكل بحسب الخارج هو جزء له بحسب الخارج وعكس الثانية هو ان كل ما هو متقدم بالطبع على الكل بحسب الذهن هو جزء له بحسب الذهن ، وان المراد بالكل الماخوذ فى هذه القضايا هو الماهية المركبة التى هى كل بالنسبة الى ما هو متقدم عليها بالطبع لا كل ما هو متقدم عليها بالطبع او بغير الطبع ولو لم تكن هى كلا بالنسبة إليه ، وعلى هذا فحاصل العكسين ان كل ما هو داخل فى قوام الماهية بحسب الخارج فهو جزء خارجى وان كل ما هو داخل فى قوامها بحسب الذهن فهو جزء ذهنى ، وببيان آخر : ان المراد بتقدم الجزءان يكون تقوم الماهية به ان كان فى الخارج ففى الخارج وان كان فى الذهن ففى الذهن

١٣٨

والماهية لا تتقوم بالفاعل بل منه تتحقق ولا بالغاية اصلا ولا تتقوم ماهية العرض بالموضوع بل هو بوجوده قائم به ، وغرض المصنف رحمه‌الله من الاشارة الى هذا التعاكس بقوله : واحدة متعاكسة ان لا يتوهم احد ان كل جزء ذهنى للماهية هو جزء خارجى لها وبالعكس بل التعاكس محفوظ بحسب الذهن والخارج فان كان الجزء خارجيا تقومت الماهية به فى الخارج وتنعكس الى انه ان تقومت الماهية بشيء فى الخارج فهو جزء خارجى وان كان الجزء ذهنيا تقومت الماهية به فى الذهن وتنعكس الى انه ان تقومت الماهية بشيء فى الذهن فهو جزء ذهنى ، فلا يبقى فى مورد البحث الا المادة والصورة والجنس والفصل ويخرج غيرها من الفاعل والغاية والموضوع ، ويشهد بان مراد المصنف ما قلنا ان البحث فى تركب الماهية وبساطتها لا فى عللها.

ان قلت : كيف تقول ان تقدم الجزء على الماهية سواء كان بحسب الخارج او الذهن بالطبع مع ان المذكور فى محله ان جزء الماهية العقلى كالحيوان مثلا متقدم عليها بالماهية ، قلت : ان الجزء كالحيوان له حيثيتان : حيثية هى هى من دون لحاظ وجوده فى الذهن وحيثية انه موجود فى الذهن فبالحيثية الاولى متقدم على الماهية بالماهية واما بالحيثية الثانية فلا فرق بينه وبين الجزء الموجود فى الخارج فى نوع التقدم ، هذا ، فانك اذا اخذت باطراف ما تلوته عليك اندفع الاشكال الّذي قال صاحب الشوارق انهم تحيروا فى دفعه وانكشف لك ضعف جميع ما نسجوا فى هذه المسألة على المصنف رحمه‌الله.

قوله : وهو علة الغناء عن السبب ـ يعنى تقدم ذات الجزء من حيث وجوده فى نفسه علة لغناء الجزء بما هو جزء عن السبب لثبوته للكل ذهنا وخارجا وذلك لان وجوده فى نفسه عين وجوده لغيره الّذي يتحقق به عنوان الجزئية والفرق بينهما بالاعتبار ، وبعبارة اخرى ان الجزء بما هو جزء وله وجود لغيره ليس غير ذات الجزء حتى يحتاج الى سبب لان هذا الوجود هو ذلك الوجود بنفسه وبالاعتبار يفترقان ، ولا يخفى انه على هذا الوجه الّذي فسرنا هذا الكلام لا احتياج الى توصيف السبب

١٣٩

بالجديد كما فى الشروح لان عنوان الجزئية ووجودها لا يحتاج الى سبب اصلا بعد ذات الجزء والاعتبار العقلى.

قوله : فباعتبار الذهن بين الخ ـ يعنى يتفرع على علة الغناء عن السبب وهى تقدم ذات الجزء معلوله وهو غناء الجزء عن السبب لثبوته للكل ذهنا وخارجا وهذا الثبوت باعتبار الذهن بين وفى حكم اللازم البين للماهية لا يحتاج العقل فى تصديقه الى واسطة فى الاثبات كالحيوان الثابت للانسان وباعتبار الخارج غنى عن السبب لا يحتاج الى واسطة فى الثبوت لانه ليس الا ثبوت نفس الجزء الّذي تحقق فى الخارج من قبل والفرق بالاعتبار ، وقوله : باعتبار الذهن وباعتبار الخارج متعلق بالغناء وتقدير الكلام : ان الغناء ان اعتبر فى الجزء الذهنى يسمى الجزء بينا اى بين الثبوت للماهية وان اعتبر فى الجزء الخارجى يسمى الجزء غنيا اى غنيا عن السبب فى الخارج ، هكذا ينبغى ان يفسر هذا الكلام على ما عليه الشارحون الا ان تفسير الشارح العلامة بظاهره غير هذا التفسير ولكن يمكن توجيهه إليه وسيأتى.

قوله : ويستحيل دفعه عما هو ذاتى له ـ اى يستحيل دفع الجزء عن المركب الّذي هذا الجزء ذاتى له يعنى لا يمكن ان يتحقق الكل من دون تحقق الجزء كاللازم لان الجزء ذاتى له وذاتى الشيء لا ينفك عنه ، وهذه العبارة غير موجودة فى متن الشوارق والقوشجى فجعلا الخواص الثلاث : تقدم الجزء والاستغناء عن الوسط فى الاثبات والاستغناء عن الوسط فى الثبوت واما الشارح القديم والعلامة رحمه‌الله جعلا الاستغناءين خاصة واحدة واستحالة الدفع خاصة ثالثة.

قوله : واثنتان اعم ـ يعنى الخاصة الثانية التى هى الاستغناء عن الواسطة فى الاثبات والثبوت والخاصة الثالثة التى هى استحالة الدفع اعم من الجزء وليستا مع الجزء متعاكستين لان كل جزء مستغن عن الواسطة فيهما وليس كل مستغن عن الواسطة فيهما بجزء لصدق الاستغناء عن الواسطة فى الثبوت على كل لازم للماهية سواء كان بينا او غير بين فان لازم الماهية مطلقا مجعول بجعل الماهية ولا يحتاج الى سبب غير سبب الماهية ولصدق الاستغناء عن الواسطة فى الاثبات على اللوازم

١٤٠