توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

هى النسبة الواقعة بين الطرفين المتصورين اعنى الطرفين الذين تعلق بهما التصور سواء كان لهما او لاحدهما وجود فى الخارج أم لا والعموم والخصوص بينهما نظير العموم والخصوص بين الامر الذهنى والامر الكائن فى الذهن كما مر فى اواخر المسألة الثالثة وحيث لم يكن النسبة النفس الامرية دائرة على السنة الباحثين لقلة الاحتياج إليها فى المباحث العلمية رفضوا ذكرها من جملة النسب وعدوا النسب ثلاثا : اللفظية والذهنية بالمعنى الاعم والخارجية.

اذا علمت هذا فتفسير كلام المصنف : انه اذا تعلق الحكم اى التصديق الذهنى بالنسبة الذهنية بالمعنى الاعم فاذا كان طرفا النسبة من الموجودات الخارجية فالتصديق الصحيح هو الّذي تعلق بما يطابق النسبة الخارجية واذا لم يكن طرفاها كذلك فالتصديق الصحيح هو الّذي تعلق بما يطابق النسبة النفس الامرية لا النسبة الخارجية لانها مفقودة فى مفروض الكلام لانها تستدعى وجود الطرفين فى الخارج والمفروض خلافه ولا النسبة الذهنية لان النسبة الواقعة بين الطرفين فى مفروض الكلام هى نفس النسبة الذهنية ولا معنى لمطابقة الشيء لنفسه لاستدعاء التطابق تغاير المتطابقين ولا النسبة اللفظية لما مر فى الحاشية السابقة فلم يبق الا المطابقة للنسبة النفس الامرية ليمتاز الصادقة من الكاذبة فلو لم يعتبر هذه المطابقة لانتفى الامتياز بين الصادقة والكاذبة لانتفاء مناط الصدق والكذب فلا بد حينئذ من الحكم بصدق جميعها لحصولها فى الذهن فثبوت الكواذب وامتيازها عن الصوادق يدل على اعتبار مطابقة النسبة الذهنية بالمعنى الاخص لشيء وليس هو الا ما فى نفس الامر اى النسبة النفس الامرية.

ثم ان كلا من هذه النسب الاربع لها حكم وهو التصديق المتعلق بها فى الموجبات وبعدمها فى السوالب والتصديق بالنسبة اللفظية هو ما يقع فى نفس السامع باعتبار دلالة اللفظ وفهمه المعنى منه فان من يسمع قولنا : العالم حادث مع قطع النظر عن اعتقاده بكون العالم حادثا او قديما يصدق بثبوت الحدوث للعالم من حيث دلالة اللفظ وانفهام المعنى منه وبعبارة اخرى انه يصدق ان هذا اللفظ دال على هذا المعنى وهو منفهم منه ولو كان هو معتقدا بقدم العالم ومصدق هذا التصديق كل عارف

١٠١

باوضاع الالفاظ والهيئات اللفظية ويقال لهذا التصديق : الحكم الخبرى اللفظى المقابل للحكم الذهنى الحقيقى نظير الطلب الانشائى المقابل للطلب الحقيقى ، والتصديق بالنسبة الذهنية هو ما يقع فى الذهن من الاعتقاد والاذعان بها ومصدق هذا التصديق كل من يقوم عنده البرهان او شبهه على وقوع النسبة او لا وقوعها ويقال له الحكم الذهنى الحقيقى والمراد به الذهنى بالمعنى الاعم الشامل للحكم المتعلق بالنسبة التى طرفاها موجودان فى الخارج والحكم المتعلق بالنسبة التى طرفاها ليسا كذلك ، والتصديق بالنسبة الخارجية والنسبة النفس الامرية هو علم الحق واهله ومصدقه الحق واهله ويقال لهما الحكم الخارجى والحكم النفس الامرى.

ثم ان كلا من هذه النسب الاربع يقال لها النسبة الحكمية باعتبار تعلق حكمها بها ويقال له الحكم أيضا بالاشتراك او المجاز ويتصف كل منها بما اتصف به الحكم بالمعنى الاول الا ان النسبة الحكمية فى اصطلاح القوم هى النسبة الذهنية فقط باعتبار تعلق الحكم بها ولم يشيروا الى احوال النسب الثلاث الباقية ، ومراد الشارح بالاحكام الذهنية هاهنا هى النسب الذهنية بالمعنى الاعم.

قوله : لان الذهن قد يتصور الكواذب الخ ـ هذا التعليل محتاج الى زيادة بيان قد ذكرتها فى موضعين مما سلف فراجع.

قوله : فلو كان صدق الحكم باعتبار مطابقته الخ ـ اى فلو كان صدق التصديق باعتبار مطابقته لما فى الذهن من النسبة الذهنية لكان التصديق بوجوب الانسان صادقا لان له اى لما فى الذهن من النسبة الذهنية صورة ذهنية مطابقة لهذا التصديق.

اقول : قد عرفت ان النسبة الذهنية بالمعنى الاخص بعد ان ثبت امتناع مطابقتها للنسبة الخارجية وللنسبة اللفظية ولنفسها لو لم تعتبر مطابقتها للنسبة النفس الامرية لم يعقل مطابقتها لشيء اخر فالكواذب منها حيث لا تطابق ما فى نفس الامر فلا يعقل فرض مطابقتها لشيء آخر وليس فى كلام المصنف دلالة على مطابقتها لشيء ، ولزوم صدقها انما هو من جهة انتفاء مناط الصدق والكذب فيها ، وعدم امتيازها عن الصوادق

١٠٢

لو لم يعتبر مطابقتها لما فى نفس الامر ، وحصولها فى الذهن كما مر مشروحا فما تكلفه الشارح رحمه‌الله من فرض المطابقة بين النسبة الكاذبة وبين التصديق المتعلق بها ليس بمكان من الحسن ، فاغتنم ما تلوته عليك وان طال الكلام فى هذا المقام.

قوله : ان الصادق فى الاحكام الذهنية ـ اى النسب الذهنية بالمعنى الاخص.

تنبيهان : الاول : انه قد مر فى ضمن الامثلة المثال بالعدم المطلق لما ليس له نفسية غير وجوده فى الذهن فرضا واما ليس له نفسية غير ذلك فهو ظاهر واما حصوله فى الذهن بالفرض لا بحسب الواقع فلان الموجود فى الذهن اما له وجود فى الخارج بنفسه كالماء واما لمنشإ انتزاعه واعتباره وجود فى الخارج كالوجود العام وامكان الانسان واما لا ذاك ولا ذاك كالعدم المطلق ووجوب الانسان بالذات فان الاول والثانى ليس وجودهما فى الذهن بحسب الفرض اذ يقعان فى الذهن ووقوعهما فيه هو وجودهما فيه بخلاف الثالث فان العقل لا بد له بمعونة المتخيلة من اعمال فى تقرر ماهيته فى الذهن حتى يتقرر فيه ويتصف بالوجود واتصافه بالوجود انما هو بعد فرض العقل ماهيته وقد يقال لهذا القسم من الامور الذهنية الاعتباريات المحضة واما تطبيق هذا المعنى على العدم فان الذهن يتصور الوجود ثم العقل يعمل اعمالا ويفرض لهذا الوجود المتصور ليسية فينتقش فى الذهن مفهوم العدم فلذا قالوا : ان العدم هو سلب الوجود فحصول العدم فى الذهن ليس الا بعد فرض الليسية للوجود.

الثانى : قد مر ان الامور الخارجية أيضا لها نفس الامر بل بطريق اولى فيمكن ان يقال : ان صدق الحكم فيما اذا كان بالامور الخارجية على الامور الخارجية أيضا يكون باعتبار المطابقة لما فى نفس الامر الا ان المصنف كغيره اخذ التطابق بين النسبة الذهنية والنسبة الخارجية فى هذا القسم لان النسبة الخارجية اظهر من النسبة النفس الامرية.

قوله : فان السهو الخ ـ فى عبارته اضطراب ، وحاصل الكلام ان السهو فى المحسوسات والمعقولات هو زوال الصورة عن المدرك وبقائها فى الحافظ واما النسيان ففى المحسوسات هو زوال الصورة عنهما واما فى المعقولات فهو زوال الصورة

١٠٣

عن المدرك وزوال استعداده لان يعيدها إليه الحافظ الّذي هو العقل الفعال لان الصورة المعقولة لا تنمحى عنه ولا فرق فى ذلك بين الصور المعقولة الكاذبة والصادقة.

قوله : والنسيان هو زوالها ـ يمكن رفع اضطراب العبارة بارتكاب الاستخدام فى هذا الضمير المجرور بان يعود الى الصورة لا الى الصورة المعقولة ويراد بها الصورة المحسوسة وتقدير الكلام : والنسيان فى المحسوسات هو زوال الصورة المحسوسة عن المدرك والحافظ معا

قوله : بزوال المفيد الخ ـ يعنى بزوال المعرف فى التصورات وزوال صورة البرهان والدليل وشبهه فى التصديقات فان مفيد العلم فى الاول هو المعرف وفى الثانى هو البرهان والدليل وشبهه

المسألة الثامنة والثلاثون

( فى كيفية حمل الوجود والعدم على الماهيات واحكامه )

قول المصنف : ثم الوجود والعدم الخ ـ قد مضى هذا من المصنف رحمه‌الله فى المسألة الثانية والعشرين ولكنه اتى بها ثانيا مقدمة لمسألة الحمل.

قوله : والحمل يستدعى ـ الحمل اما غير مفيد وهو حمل احد المترادفين على الاخر واما مفيد ، والحمل المفيد اما سلبى واما ايجابى والايجابى اما اولى ذاتى واما شايع صناعى وأيضا الحمل اما بالاشتقاق وهو حمل ما لا يحمل على الموضوع الا بان يصاغ منه لفظ يكون مفهومه متحدا مع الموضوع فى الوجود كحمل الكتابة والعلم والضحك على الانسان فانها لا تحمل على الانسان الا بعد ان يشتق منه اسم فاعل او مفعول او غيرهما يكون مفهومه متحدا مع الموضوع فى الوجود واما بالمواطاة وهو حمل الذاتيات كحمل الحيوان على الانسان والعرضيات كحمل الكاتب والضاحك والعالم والمعلوم عليه ، وقول بعض فى بعض الكتب : ان الحمل بالاشتقاق كحمل الكاتب على الانسان خطأ نشأ من عدم الاطلاع على ما فى كتب اصحاب علم الميزان كشرح المطالع وغيره من اصطلاحهم فى ذلك فالكاتب فى قولنا : الانسان

١٠٤

كاتب محمول عليه بالمواطاة والكتابة محمول عليه بالاشتقاق ، والمراد بالحمل فى كلام المصنف هو الايجابى بالمواطاة لان السلبى لا يستدعى اتحادا والمحمول بالاشتقاق اجنبى عن الموضوع الا ان يشتق منه اسم ويحمل ويصير بالمواطاة.

قول الشارح فلسنا نعنى به الخ ـ اى لا نعنى به ان الموضوع هو المحمول من جميع الجهات لان الاتحاد من جميع الجهات ينافى الحمل لانه يستدعى تغايرا من جهة المفهوم بين الموضوع والمحمول فلو لم يكن بينهما هذا التغاير لكان من قبيل حمل احد المترادفين على الاخر وهو ليس بمفيد كما مر وكلامنا فى المفيد.

قوله : ولا نعنى به الخ ـ اى لا نعنى به ان الموضوع شيء والمحمول شيء آخر بل معنى الحمل ان الذات التى يصدق عليه عنوان الموضوع يصدق عليه عنوان المحمول والحاصل ان فى الحمل الايجابى شيئا واحدا له عنوانان يوضع احدهما ويحمل على معنونه الاخر.

قول المصنف والتغاير لا يستدعى الخ ـ جواب شبهة اوردت على الحمل الايجابى مطلقا ، تقريرها : ان الحمل الايجابى محال لانه يستدعى التغاير كما مر والتغاير يستدعى قيام المحمول بالموضوع اذ مع التغاير لو لا القيام لم يكن بين الطرفين مناسبة ليكونا مرتبطين ويتحقق الحمل فاذا وجب القيام فاما ان يكون الموضوع متصفا بوجود القائم فهذا اجتماع المثلين او متصفا بعدم القائم فهذا اجتماع النقيضين وكلاهما محالان ، والجواب : ان الحمل الايجابى لا يستدعى قيام المحمول بالموضوع على سبيل الكلية لان منه ما لا يكون كذلك كحمل الحيوان على الانسان وما يكون منه كذلك كحمل الكاتب عليه لا يجب اعتبار وجود القائم او عدمه فى الموضوع بل يكفى عدم اعتباره كما هو شان كل موضوع بالنسبة الى محموله فانه يؤخذ لا بشرط من وجوده وعدمه.

قوله : واثبات الوجود الخ ـ جواب شبهة اوردت على الحمل الايجابى اذا كان المحمول نفس الوجود ، تقريرها : ان ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له والحكماء اطبقوا على هذه القاعدة فحمل الوجود على الماهية واثباته لها يستلزم ثبوتها فيلزم

١٠٥

وجودها قبل وجودها وهكذا الكلام فى الوجود السابق فيتسلسل ، والجواب : ان الماهية لدى الحمل موجودة فى الذهن لان الوجود عرض ذهنى لا خارجى كالسواد فيستدعى وجودها فى الذهن فهى موجودة فيه حال الحمل ولكن العقل لا يلاحظها موجودة بل من حيث هى هى فلا يلزم وجودها فى الخارج ولا التسلسل.

قول الشارح : فيما حققناه أولا ـ فى اواخر المسألة الثالثة.

قول المصنف : وسلبه عنها الخ ـ جواب شبهة اوردت على القضايا السالبة

قوله : وثبوتها فى الذهن الخ ـ اى وثبوت الماهية فى الذهن وان كان لازما لسلب الوجود عنه لانها ما لم تتصور لم يمكن حمل شيء عليها ولا سلب شيء عنها لكن ثبوتها فى الذهن ليس شرطا بمعنى ان يكون من شرط سلب الوجود عنها ان يلاحظها العقل موصوفة بصفة الوجود وان كان تصورها هو ثبوتها فى الذهن لكنه ليس بملحوظ للعقل حال الحمل.

قول الشارح : وثابتة فى نفسها ـ اى فى الخارج.

قوله : بل سلب الوجود يقتضي نفى الماهية ـ عن الخارج.

قوله : فان استحقاق بعض المعانى الخ ـ كحمل الوجود على الواجب فانه اولى من حمله على الممكن وكحمل العلم على المعلم فانه اولى من حمله على المتعلم وكحمل التناهى على الخط والسطح فانه اقدم من حمله على الجسم.

قوله : وكذا الوضع ـ كوضع الماء لحمل الميعان عليه فانه اولى من وضع العسل مثلا لحمله عليه.

المسألة التاسعة والثلاثون

( فى انقسام الموجود الى ما بالذات والى ما بالعرض )

قول المصنف : ثم الموجود الخ ـ اعلم ان العرضيات الصادقة على موضوعاتها كالعالم والممكن موجودات بالعرض والتبع سواء كان ذلك العرض من المتاصلات الخارجيات كالعلم او من الاعتباريات الذهنيات كالامكان الا ان الاول موجود

١٠٦

بالعرض والتبع فى الخارج والثانى موجود بالعرض والتبع فى الذهن.

بيان ذلك ؛ انا اذا قلنا : زيد عالم مثلا حيث يكون الحمل بحسب الخارج بمعنى ان الحكم بالامر الخارجى على الامر الخارجى فليس فى الخارج عند التحليل الا ذات زيد وذات العلم قام الثانى بالاول والعقل ينتزع من المجموع اى ذات زيد وذات العلم وقيام الثانى بالاول مفهوم العالم فليس فى الخارج بإزاء هذا المفهوم شيء مستقل بالوجود فزيد والعلم موجودان فى الخارج أولا وبالذات والاستقلال والعالم موجود فى الخارج ثانيا وبالعرض وتبعا لزيد والعلم وان كان مفهوم العالم موجودا ذهنيا مستقلا. وانما قلنا : ان العالم موجود بالعرض فى الخارج لان متبوعه اعنى زيدا والعلم موجود بالذات فى الخارج واما مثل الممكن حيث يكون جزء من متبوعه اى الامكان امرا ذهنيا يصير متبوعه ذهنيا فهو موجود ذهنى بالعرض وكذا فيما اذا كان كلا جزئى متبوعه ذهنيا كاللازم التابع للامكان واللزوم فى قولنا : الامكان لازم للماهية.

ان قلت : كيف يكون الممكن مثلا موجودا ذهنيا بالعرض مع ان كل ما يقع فى الذهن موجود مستقل بحسب الذهن فهو ان كان موجودا بالعرض فباعتبار الخارج ، قلت : انه موجود ذهنى بالعرض لان متبوعه اعنى مجموع الانسان والامكان لا يكون الا فى الذهن ، نعم له حيثيتان : حيثية انه لا يحصل فى الذهن الا تبعا لحصول متبوعه فهو بهذه الحيثية موجود ذهنى بالعرض وبالتبع وحيثية نفس حصوله فى الذهن اى تصور العقل اياه مع قطع النظر عن متبوعه فهو بهذه الحيثية موجود ذهنى مستقل.

ان قلت : كيف يكون العالم والممكن من الموجودات بالعرض والتبع مع ان لهما مصاديق فى الخارج ، قلت : ان مفهوم العالم ومفهوم الممكن ليس لهما مصداق فى الخارج اصالة واستقلالا اذ لو كان كذلك لزم ان يكون فى الخارج زيد وعلم وعالم وليس كذلك بالضرورة اذ ليس فى الخارج الا زيد وعلم ، نعم بعد ان اعتبر قيام احدهما بالآخر فى الخارج يتحقق فى الخارج مركب هو مصداق العالم فمصداق

١٠٧

العالم انما تحقق فى الخارج بعد الاعتبار وهذا هو المصداق التبعى وبالعرض وكذا الممكن الا انه يعتبر قيام الامكان بالانسان فى الذهن هذا بيان العرضيات

واما الذاتيات اى الكليات الطبيعة فهى موجودات بالعرض وبالتبع أيضا لوجود الاشخاص لا انها موجودة بالذات والاستقلال فى الخارج لان من المعلوم انه ليس لزيد الّذي هو شخص من الانسان وجود بالذات فى الخارج ولطبيعى الانسان وجود اخر بالذات فيه غير وجود الشخص بل هاهنا وجود واحد للشخص بالذات ولطبيعى الانسان بالعرض والتبع ، نعم له وجود بالذات ذهنا اذا وقع فيه كما قلنا فى مفهوم العالم ، مع انه لو كان له وجود فى الخارج بالذات وللطبيعى وجود اخر لم يحمل عليه لوجوب الاتحاد من جهة الوجود بين الموضوع والمحمول كما مر فى المسألة السابقة وانى احسب حسبانا قريبا من العلم ان النافين لوجود الطبيعى فى الخارج على انه غير موجود فيه بالذات والاصالة وعلى هذا فالنزاع لفظى لان النافين ينفون الوجود بالذات والمثبتين يثبتونه بالعرض فمن المثبتين ان وجد من يثبت بالذات فهو على ضلال بعيد لما عرفت ، الا ان الظاهر من استدلال بعض القائلين بوجود الطبيعى فى الخارج انه موجود مستقل فيه حيث قال : ان الطبيعى جزء من الشخص والشخص موجود فى الخارج وجزء الموجود فى الخارج موجود فى الخارج لكنه خطا لان الطبيعى ليس جزء خارجيا بل هو جزء عند تحليل العقل كما نبه عليه شارح المطالع مفصلا.

واما الامور الاعتبارية كالامكان والوجوب واللزوم والاتصاف وكذا اعدام الملكات كالعمى والجهل فهى موجودات بالعرض أيضا كما مثل به الشارح العلامة رحمه‌الله وهى كالعرضيات ينظر الى متبوعاتها فان ايا منها موجود خارجى فتابعه موجود خارجى بالعرض وايا منها موجود ذهنى فتابعه موجود ذهنى بالعرض.

والحاصل ان الذاتيات والعرضيات وكذا الاعتباريات واعدام الملكات كلها موجودات بالعرض الا ان بينهما فرقا هو ان الذاتيات والعرضيات تحمل على الموضوعات واما الاعتباريات واعدام الملكات لا تحمل الا بعد الاشتقاق.

تنبيه : يمكن ان يكون مفهوم تابعا لشيء ومتبوعا لآخر كالامكان فانه تابع

١٠٨

للماهية وجزء متبوع لمفهوم الممكن كما مر.

تنبيه آخر : قد ظهر مما ذكرنا انه يمكن ان يكون شيء واحد موجودا ذهنيا بالذات وموجودا خارجيا بالعرض.

قوله : واما الموجود فى الكتابة والعبارة فمجازى ـ علاقة المجاز هى الدلالة فانه يطلق على لفظ زيد انه زيد باعتبار انه دال عليه وكذلك نقش زيد ، والفرق بين الموجود بالعرض والموجود المجازى ان الاول موجود بنفس الوجود المنسوب الى المتبوع كالانسان فانه موجود بنفس الوجود المنسوب الى الشخص واما الموجود المجازى فانه موجود بغير الوجود الّذي تجوز عنه كزيد مثلا فانه موجود بوجود وما تجوز عنه كلفظه او نقشه موجود بوجود آخر.

ثم ان فى كلام الشارح رحمه‌الله كبعض كتب المصنف رحمه‌الله ان هذه الاربعة من حيث الدلالة مترتبة بمعنى ان الكتابة دالة على العبارة وهى على ما فى الذهن وهو على الخارج ، وفيه بحث هو ان الكتابة لها حيثيتان حيثية الدلالة وحيثية التبعية للفظ فى الدلالة فهى من الحيثية الاولى فى عرض العبارة تدل على ما فى الذهن ومن الحيثية الثانية فى طولها تدل عليها أولا ثم بتبعها تدل على ما فى الذهن ، توضيح ذلك : ان الاصل فى الدلالة على ما فى الاذهان والّذي وضع أولا لذلك هو اللفظ ثم العقلاء راوا ان ذلك لا ينفع من كان غائبا بعيدا فوضعوا الكتابة مطابقة للعبارة لينتفع الغائب كما ينتفع الحاضر المشافه فاذا لوحظ هذا التفرع والتبعية للكتابة عند النظر فيها للاطلاع على المعنى فهى فى طول العبارة تدل عليها ثم بواسطتها تدل على ما فى الذهن واما اذا لم يلاحظ فهى فى عرض العبارة تدل عليه بلا واسطة فيها.

المسألة الاربعون

( فى ان المعدوم لا يعاد )

قول المصنف : والمعدوم لا يعاد ـ معنى اعادة المعدوم هو ان يكون الشيء موجودا فى زمان ثم عدم بكليته فى زمان ثان ثم وجد بجميع خصوصياته التى

١٠٩

كانت له فى الزمان الاول فى زمان ثالث وهذا المعنى هو الّذي ادعاه الحكماء وكثير من المتكلمين امتناعه وقوم آخرون منهم قالوا بجوازه زعما منهم ان المعاد الجسمانى متوقف عليه وليس كذلك لما يأتى فى مبحث المعاد إن شاء الله تعالى.

قوله : لامتناع الاشارة الخ ـ هذا قياس اقترانى صورته : المعدوم يمتنع الاشارة إليه لان الاشارة انما هى الى الامر الموجود المتميز عن غيره وما يمتنع الاشارة إليه لا يصح ان يحكم عليه بشيء لان الحكم يستدعى الاشارة الى المحكوم عليه فالمعدوم لا يصح عليه الحكم بشيء فلا يمكن ان يحكم عليه بانه يمكن ان يعود.

ان قلت : أولا ان الصغرى ممنوعة لان المعدوم فى الخارج لا يمتنع الاشارة إليه مطلقا لجواز الاشارة العقلية إليه وهذا يكفى فى صحة الحكم.

وثانيا ان القوم نوقضوا بالكبرى بانها لو كانت صحيحة فليس لهم ان يحكموا على المعدوم بامتناع العود ويقولوا : المعدوم لا يعاد.

وثالثا لو قطع النظر عن الاشكالين فغاية هذا الدليل امتناع الحكم عليه بصحة العود ولا يستلزم ذلك امتناع العود فى الواقع لان امتناع الحكم كما ذكر فى الاستدلال لاجل امتناع الاشارة الى الموضوع.

قلت : هذه الاشكالات التى تسلم الشارح العلامة اولها وثانيها دعت صاحب الشوارق الى صرف ظاهر كلام المصنف الى غيره مما ذكر فى كتابه فليراجع الطالب وعسى ان يكون قد ترك الحكيم السبزوارى رحمه‌الله ذكر هذا الدليل لذلك.

قول الشارح : وهذا ينتقض الخ ـ اشارة الى الاشكال الثانى.

قوله : والتحقيق هنا ان الحكم الخ ـ اشارة الى الاشكال الاول.

قوله : هو المبتدأ بعينه ـ اى الموجود المفروض فى الزمان الاول.

قوله : وتخلل النفى بين الشيء الواحد ونفسه غير معقول ـ اى مستحيل لان فرض الموجود فى الزمان الثالث ذلك الموجود فى الزمان الاول بعينه حتى يصدق الاعادة يستلزم كونهما شيئا واحدا وتخلل العدم يخرجه عن الوحدة ويصيره اثنين وكل اثنين يكون كل منهما غير الاخر فلا يكون هو ذاك بعينه فلم يتحقق الاعادة

١١٠

بل وجد فى الزمان الثالث شيء غير ما كان موجودا فى الزمان الاول والحاصل ان الاعادة يستلزم ان يكون الواحد من حيث هو واحد اثنين وهو مستحيل فهى مستحيلة.

قوله : لم يبق فرق بينه وبين المبتدأ ـ المراد بالمبتدإ هاهنا المستأنف اى الّذي فرض ان يوجد فى الزمان الثالث ابتداء لا بالاعادة.

قوله : فانا اذا فرضنا الخ ـ فى التقرير خلل لان فرض السوادين الموجودين معاينا فى فرض وحدة المحل لان فرض وحدة المحل يخرجهما عن اثنين لامتناع اجتماع المثلين فى محل واحد.

وحق التقرير ان يقال : انا اذا فرضنا سوادين احدهما معاد والاخر مبتدأ وجدا على التعاقب فى محل واحد كان فيه سواد فانعدم لم يكن بينهما فرق فى ان يكون احدهما المعين معادا والاخر مستأنفا دون العكس ولم يكن نسبة احدهما الى السواد السابق اولى من نسبة الاخر إليه لانهما من جهة الماهية والمحل وغيرهما واحد بالفرض وسبق احدهما على الاخر فى الوجود لا يقتضي اولوية النسبة.

قوله : الا ان احدهما الخ ـ يعنى بحسب الفرض على القول بجواز الاعادة.

قوله : لم يسبق عدمه وجوده ـ اى العدم المتخلل بين الوجودين.

قوله : لكن هذا الفرق باطل الخ ـ اى ليس للقائل بالجواز ان يدعى هذا الفرق الا على القول بثبوت الماهيات فى العدم كما عليه جماعة من المعتزلة ولكن هذا القول باطل لما قد مر فى المسألة الحادية عشرة.

بيان ذلك : انا اذا قلنا : ان للماهية ثبوتا غير الوجود فى حال العدم امكن ان نفرق ونميز بين السواد المعاد وبين المستأنف بان يكون المعاد هو الموجود الّذي عدم وبقيت ماهيته ثابتة ثم قبلت الوجود ثانيا والمستأنف هو ماهية السواد التى قبلت الوجود ابتداء والحاصل ان الاعادة ينافى الانعدام بالكلية واما اذا بقى من الموجود الاول شيء امكن تصور الاعادة كالجسم اذا كان ابيض ثم زال عنه البياض فى الزمان الثانى ثم عرض عليه البياض فى الزمان الثالث امكن ان يقال : ان هذا الابيض هو ذاك الابيض الاول فاذا كان نسبة الوجود الى الماهية كنسبة البياض الى الجسم امكن

١١١

ان يقال : ان هذا الموجود هو ذلك الموجود الاول لبقاء ماهيته لكن هذا القول باطل فهذا الفرق منتف.

قوله : فيكون المبتدأ معادا ـ المراد بالمبتدإ هاهنا الموجود فى الزمان الاول.

المسألة الحادية والاربعون

( فى قسمة الموجود الى الواجب والممكن )

قول الشارح : المسألة الحادية والاربعون ـ ان صاحب الشوارق عد هذه المسألة والتى بعدها مسألة واحدة وقال : هى فى انقسام الموجود الى واجب الوجود وممكن الوجود وبيان طرف من احوال الممكن من حيث الامكان لا مطلقا كالبحث عن اقسام الجواهر والاعراض الممكنة فانه سيأتي فى المقصد الثانى واما بيان احوال الامكان نفسه فقد سبق كما ان احوال الوجوب قد سبق بيانها واحوال الواجب سيأتي فى المقصد الثالث.

قوله : من حيث هو وجود مطلق ـ يعنى مع التقيد بقيد الاطلاق فان هذا القيد يمنعه من التقيد بالوجوب او الامكان فلا ينقسم.

قوله : بل يؤخذ الشيء الخ ـ اى يؤخذ المقسم لا بشرط من كل قيد حتى يكون قابلا للقيود التى باضافة كل منها يصير قسما.

المسألة الثانية والاربعون

( فى البحث عن احوال الممكن من حيث هو ممكن )

قول الشارح : فى البحث عن الامكان ـ قد مر فى كلام صاحب الشوارق ان فى هذه المسألة يبحث عن الممكن من حيث هو ممكن لا عن نفس الامكان فانه قد مضى فى المباحث السالفة ولعل الشارح العلامة رحمه‌الله اراد من الامكان ذلك ولا يخفى ان ثانى الاحكام الثلاثة المذكورة فى هذه المسألة حكم لنفس الامكان.

١١٢

قوله : وهو الحكم باحدهما او بما يشترط فيه احدهما ـ يعنى ان الحكم الّذي يلاحظ الوجود او العدم لموضوعه هو حكم بالوجود كقولنا : الانسان موجود او بالعدم كقولنا : العنقاء معدوم او حكم بما يشترط فيه الوجود كقولنا : الانسان كاتب او العدم كقولنا : الانسان ليس بطائر فان الكتابة والطيران فى هاتين القضيتين يضاف إليهما الوجود والعدم اى الحكم فيهما بوجود الكتابة وعدم الطيران على الموضوع

ان قلت ان الموضوع يجب ان يكون لا بشرط بالنسبة الى المحمول مطلقا لان اشتراط الموضوع بوجود المحمول يستلزم اجتماع المثلين وبعدمه يستلزم التناقض فكيف قول الشارح العلامة رحمه‌الله : ان الموضوع اذا كان محموله الوجود او العدم او ما يشترط فيه احدهما لوحظ فيه احدهما ، قلت : مراده باللحاظ لحاظه فى ظرف الواقع بمعنى ان المحمول اذا كان من صفات نفس الماهية كالامكان لم يحتج الموضوع فى اتصافه بتلك الصفة الى الوجود او العدم واما اذا كان من الصفات التى لا تكون للماهية الا فى ظرف وجودها او عدمها فلا بد ان يتصف الموضوع به فى الواقع واما بحسب الذهن فالموضوع لا يلاحظ له من المحمول شيء.

قوله : وذلك لان القسمة ـ اشارة الى اندفاع السؤال المذكور فى كلامه.

قول المصنف : ثم الامكان قد يكون آلة الخ ـ اعلم ان فى الاشياء ما يكون آلة لغيره والآلة هى ما يقع به التأثير من دون ان يكون واسطة فيه او ما يتعرف به المدرك حال مدركه ذاتا او صفة والاول كالقدوم والمرأة والثانى كالصور الواقعة من الاشياء فى النفس والثالث كالمعانى النسبية ، ومن خصوصيات الآلة مطلقا انها غير ملحوظة بذاتها ما دامت آلة اى ما دام الفاعل يفعل بها او المدرك يتعرف بها حال المدرك ، وان كان من شانها ان تلاحظ بنفسها وهى حينئذ لا تكون آلة بالفعل ، ومن خصوصياتها أيضا ان الفاعل او المدرك لا يقدر ان يحكم عليها ما دامت آلة بحكم من احكامها من انها جوهرا وعرض ، اصيل او اعتبارى ، موجود بالذات او بالعرض ، جسم او غير جسم ، على اى شكل من الاشكال او على اى وصف من الاوصاف وغيرها من الاحكام لان

١١٣

المحكوم عليه باى حكم كان يجب ان يكون ملحوظا بنفسه.

ثم ان كان معنى من المعانى كالامكان آلة لتعرف حال من احوال شيء حيث يكون آلة لتعرف حال الماهية بالنسبة الى الوجود وكالابتداء والانتهاء حيث يكونان التين لتعرف حال السير مثلا وكالظرفية حيث تكون آلة لتعرف ما وقع فيه شيء وكالعلية حيث تكون آلة لتعرف ما صدر منه شيء فهو ما دام آلة حيث لا يكون ملحوظا بنفسه بل بالتبع ولا يمكن ان يحكم عليه بشيء من الاحكام يكون من المعانى الحرفية فالمعنى الحرفى هو المعنى الاسمى اذا صار آلة وملحوظا تبعا لتعرف حال المتبوع ، ولصاحب الشوارق فى هذا المقام تفصيل يزيد لهذا المطلب توضيحا.

وايراد المصنف هذا الكلام لدفع اشكال اورد على اتصاف الماهية بالامكان وهو ان الماهية لو اتصفت بالامكان لا تصف الامكان بالوجوب ضرورة امتناع انفكاك الامكان عن ماهية الممكن ولكان ذلك الوجوب متصفا بوجوب اخر وهكذا ويلزم التسلسل فى الوجوبات وهو باطل وملزومه الّذي هو اتصاف الماهية بالامكان باطل أيضا ، والجواب كما بين الشارح العلامة رحمه‌الله ان الامكان حين كونه ملحوظا تبعا وآلة لتعرف حال الماهية لا يكون محكوما وموصوفا بالوجوب ولا غيره من الاوصاف والاحكام فلا يلزم التسلسل وحين كونه ملحوظا بذاته يكون متصفا بالوجوب للماهية وبالامكان فى نفسه وبغيرهما من احكامه ولكن هذا الوجوب ليس متصفا ومحكوما بوجوب آخر لانه غير ملحوظ بذاته أيضا فاذا لوحظ بنفسه يكون له وجوب آخر وهكذا فيتسلسل لكن هذا ينقطع حين لا يكون احد الوجوبات الواقعة فى السلسلة ملحوظا بذاته.

قول الشارح : ولا ينظر فيه من حيث ينظر الخ ـ عطف على قوله : آلة للتعقل

قوله : فيما هو آلة لتعقله ـ الضمير المرفوع يرجع الى الشيء والضمير المجرور يرجع الى الموصول.

قوله : بل انما ينظر به ـ اى انما ينظر به فيما هو آلة لتعقله.

قوله : فالامكان من حيث هو امكان ـ يعنى من حيث هو امكان للماهية وآلة

١١٤

لتعرف حالها.

قوله : لا يكون حينئذ امكانا ـ اى لا يكون امكانا للماهية وآلة لتعرف حالها.

قوله : وهكذا جميع الاعتبارات العقلية ـ قال صاحب الشوارق فى توضيح هذا المطلب : وهذا الشك مع جوابه يجريان فى جميع المفهومات التى يتكرر نوعها بمعنى انه اذا فرض وجود فرد منها انقرض وجود فرد اخر كاللزوم مثلا فيقال لو لزم شيء شيئا لزم لزومه وكذاك لزوم لزومه وهكذا حتى يتسلسل اللزومات وإلا لزم جواز الانفكاك بين اللازم والملزوم ويجاب بان اللزوم مثلا له اعتباران احدهما من حيث انه حالة بين اللازم والملزوم وبهذا الاعتبار آلة لتعرف حالهما وليس من هذه الجهة بمحكوم عليه بشيء من الاحكام وثانيهما من حيث انه مفهوم من المفهومات فاذا لاحظه العقل من هذه الجهة يحكم عليه بانه يجب لزومه للازم وهكذا حتى ينقطع الاعتبار فجميع امثال هذه الامور يجب كونها اعتبارية لئلا يلزم التسلسل فى الخارج وينقطع بانقطاع الاعتبار.

ثم قال : اعلم ان معنى كون الشيء كاللزوم مثلا اعتباريا ليس انه باختراع العقل ليلزم انه لو لم يعتبره العقل او فرض عدم عقل وذهن لم يكن متحققا فيتحقق الانفكاك بل معناه كون موضوع ما فى نفس الامر بحيث لو اعتبره العقل لانتزع منه مفهوم المحمول فانك قد عرفت مرارا ان انتفاء مبدأ المحمول فى ظرف لا يستلزم انتفاء الحمل فيه انتهى.

ومراده بالحمل حيثية اتصاف الموضوع بالمحمول لا عروضه عليه فان العروض فى ظرف يستلزم وجود العارض فيه كما عرفت فى اخر المسألة الثالثة وقوله : ليس انه باختراع العقل اى ليس من الفرضيات الوهمية والمخترعات العقلية بمعونة التخيل التى ليس لها فى الخارج حقيقة ولا منشأ لانتزاعها واعتبارها بل له منشأ الانتزاع والاعتبار فى الخارج وقد مر فى احد التنبيهين المذكورين فى اواخر المسألة السابعة والثلاثين ما يوضح ذلك.

١١٥

فان قلت : كيف يكون الامكان مثلا آلة لتعرف حال الماهية بالنسبة الى الوجود وكذا كيف يكون الصورة الذهنية آلة لملاحظة ذى الصورة والآلة لا بدّ ان تكون ملحوظة قبل الفعل والادراك حتى بها يفعل الفاعل ويدرك المدرك مع ان الامكان متأخر فى الواقع واللحاظ عن الماهية لانه منتزع منها والصورة الذهنية أيضا متأخرة عن ذى الصورة لانها مأخوذة منه وليعتبر ذلك بالمنشار فان النجار اذا اراد نشر خشب التفت أولا إليه ثم يتوجه الى الخشب فيأخذ فى نشره.

وأيضا كيف يكون الامكان آلة لتعرف حال الماهية مع انه لا بد ان يغاير الآلة ذا الآلة والامكان نفسه من احوال الماهية وهذان الايرادان يأتيان فى نظائر الامكان.

قلت : ان المنشار يلاحظ قبل الفعل وليس فى هذا اللحاظ آلة لان الفاعل ليس فاعلا حين هذا اللحاظ حتى يكون هو آلة لان المراد بالآلة فى هذا المقام ليس ما له شان ذلك بل ما هو آلة بالفعل فاذا اخذ الفاعل فى الفعل فهو آلة ولكنه ليس حينئذ ملحوظا بالذات بل الملحوظ بالذات هو الفعل وهو ملحوظ بالتبع فما يكون ملحوظا قبل الفعل لا يكون آلة وان كان له شان ذلك وكذا الكلام فى الصور الذهنية والامكان ونظائره فانها لو لوحظت من قبل فليست فى هذا اللحاظ بالآت فقولك : والآلة لا بدّ ان تكون ملحوظة قبل الفعل والادراك من باب اشتباه ما بالقوة بما بالفعل فان ما يلاحظ قبل الفعل والادراك فهو ملحوظ بالاستقلال وليس هو آلة بالفعل ، واما تأخر الامكان ونظائره والصور الذهنية عن مناشى انتزاعها وعن ذوى الصورة بدليل الاخذ والانتزاع فلا ينافى تقدمها بان تكون مختزنة فى النفس ثم يلاحظها العقل عند تعرف الاحوال.

واما الجواب عن الاشكال الثانى فان نفس الامكان وان كانت من احوال الماهية ولكن المقصود فى هذا التعرف هو ان الامكان هل هو ثابت لهذه الماهية أم لا فالعقل ينظر الى ماهية اراد تعرف حالها فيقيسها الى الوجود وعنده الآلات الثلاث الوجوب والامكان والامتناع فيعرف ان الماهية باى منها تكيفت نسبة الوجود إليها وكذا نظائر هذه الامور.

١١٦

قول المصنف : وحكم الذهن الخ ـ كما فى قولنا مثلا : الانسان ممكن.

قوله : لما فى العقل ـ اى العقل الفعال الّذي هو نفس الامر عند المصنف على ما نقل الشارح العلامة عنه فى المسألة السابعة والثلاثين.

قول الشارح : قد تقدم مواضع الخ ـ فى المسألة السابعة والثلاثين.

قوله : على ما تقدم ـ فى المسألة السادسة والعشرين وكلام المصنف نتيجة لمقدمتين مذكورتين فى تينك المسألتين احداهما قوله : والثلاثة اعتبارية والاخرى قوله : ويكون صحيحه باعتبار المطابقة لما فى نفس الامر.

المسألة الثالثة والاربعون

( فى ان الحكم بحاجة الممكن الى المؤثر ضرورى )

قول المصنف : وخفاء التصديق الخ ـ يعنى وعروض الخفاء على التصديق لخفاء كل التصورات او بعضها غير قادح فى كون التصديق بديهيا ضروريا لان التصديق الضرورى هو الّذي لا يحتاج الى شيء بعد تصور الاطراف ، والخفى فى قولنا : الممكن محتاج الى المؤثر هو الموضوع فان الممكن له حيثيات والحيثية التى تستتبع هذا الحكم هى حيثية عدم اقتضائه للوجود والعدم وعدم الاولوية والترجح من قبل نفسه وتصور هذه الحيثية للممكن حتى يحكم العاقل عليه بالاحتياج المذكور من دون استدلال يتوقف على نظر والتفات.

قول الشارح : هذا جواب عن سؤال الخ ـ تقريره على نحو اوضح : ان الممكن لو احتاج الى شيء لكان ذلك الشيء متصفا بالمؤثرية فيه ولكن التالى باطل فلا شيء من الممكن محتاج الى شيء ، اما الملازمة فظاهرة واما بطلان التالى فان المؤثرية اما وصف ثبوتى واما وصف عدمى اما كونها وصفا عدميا فباطل لانها نقيض اللامؤثرية وهى وصف عدمى فلا بد ان يكون نقيضها وجوديا فالمؤثرية ثبوتية وحينئذ فاما ان تكون وصفا خارجيا او وصفا ذهنيا وكونها وصفا ذهنيا باطل لانها لو كانت وصفا ذهنيا من دون ان يكون فى الخارج ما يطابقه لزم الجهل المركب لان الجهل

١١٧

المركب صورة ذهنية من دون ان يكون لها فى الخارج ما يطابقها ولانها ثابتة قبل الذهن ولانها صفة المؤثر ويستحيل ان تكون قائمة بالذهن الّذي هو غير المؤثر لان صفة الشيء قائمة به لا بغيره ، وكونها وصفا خارجيا باطل أيضا لانها ان كانت صفة خارجية فاما ان تكون ممكنة او واجبة وكونها واجبة باطل لانها وصف وكل وصف محتاج الى الموصوف ولا شيء من المحتاج بواجب فلم يبق الا ان يكون وصفا خارجيا ممكنا ولكنه باطل أيضا لانها اما نفس المؤثّر او نفس الاثر أو أمر ثالث غيرهما والاولان باطلان لانها نسبة بينهما والنسبة غير المنتسبين فيتعين الثالث ولكنه محال أيضا للزوم التسلسل لان المؤثرية حيث تكون وصفا خارجيا ممكنا تحتاج الى مؤثرية اخرى من ذلك المؤثر فى الاثر او من مؤثر اخر والكلام فى هذه المؤثرية الاخرى كالكلام فى المؤثرية الاولى وهكذا فيلزم التسلسل وهو باطل وملزومه أيضا باطل فكون الشيء متصفا بالمؤثرية باطل لبطلان جميع انحائها المتصورة ، مع انا لو اغمضنا عن بطلان التسلسل فهو غير معقول فى المقام لان توالى افراد السلسلة بحيث يكون كل منها مؤثرا فى تاليه واجب فى التسلسل ولكن التوالى هاهنا غير معقول لان كل ما فرض تاليا للآخر لا يكون تاليا له لان التأثير متوسط ولو فرض التأثير متلوا له لكان معلولا له ولكان تاثير اخر متوسطا بينهما وهكذا فلا يتصور متلوية فرد لآخر حتى يتحقق التوالى.

والجواب ان المؤثرية وصف عقلى يعتبره العقل عند تعقل صدور الاثر عن المؤثر لا انها وصف خارجى لانها ليس لها فى الخارج فرد يطابقها ، وقول المغالط : انها لو كانت وصفا ذهنيا لزم الجهل المركب مغالطة عجيبة لان الجهل المركب انما هو فى التصديق لا التصور فانه لو حصل تصديق فى الذهن ولم تكن نسبة القضية مطابقة لما فى نفس الامر او الخارج فهو جهل مركب فحصول صورة المؤثرية فى الذهن عند التفات العقل الى صدور الاثر من المؤثّر من دون ان يكون لها ما يطابقها فى الخارج لا يستلزم جهلا مركبا والا يلزم ان يكون تصور كل امر اعتبارى جهلا مركبا ، نعم لو حكمنا بان لهذه الصورة الذهنية مطابقا فى الخارج فهذا الحكم جهل

١١٨

مركب كما ارتكبه هذا المغالط ، ومن هذا يظهر فساد قوله : ولانها ثابتة قبل الذهن ، لان الثابت قبل الذهن فى الخارج هو منشأ انتزاع هذا الامر الاعتبارى وهو ذات المؤثر التى لو عقلها عاقل بهذه الحيثية اى حيثية اضافة الاثر إليها وصدوره عنها ينتزع منه وصف المؤثرية ، واما قوله : ويستحيل قيام صفة الشيء بغيره فهو حق ولكن ما نحن فيه ليس من ذلك فى شيء لان صفة المؤثرية ليست قائمة فى الخارج بذات المؤثر بل هى منشأ انتزاعها وقائمة بها فى النفس وعارضة عليها فى الذهن كسائر الامور الاعتبارية فليس هذا امرا بدعا ، فاذا ثبت انها امر اعتبارى ليس لها ثبوت الا ذهنا فالتسلسل ينقطع بانقطاع الاعتبار كما فى سائر الاعتباريات.

قوله : بعض المغالطين ـ هو الفخر الرازى اورد هذا وما بعده فى بعض كتبه من قبل المنكرين لحاجة الممكن الى المؤثّر وان كان هو نفسه ليس ذلك من مذهبه لانه قائل بصانع هو صانعه فى وهمه.

قوله : ممكنا محتاجا الى المؤثر فى ذلك الاثر ـ خبر لكانت ، والاولى ان يقال : ممكنة محتاجة الى المؤثر فى ذلك الاثر او مؤثر اخر.

قوله : فان كانت وصفا ثبوتيا الخ ـ لو أتى بالكلام هكذا : وهى ليست وصفا ثبوتيا فى الذهن لانها ان كانت كذلك من غير مطابقة الخارج لزم الجهل لاستقام امر العطف فى قوله : ولانها ثابتة فى الذهن.

قوله : ويستحيل ـ عطف على ثابتة ، اى ولانها يستحيل قيام صفة الشيء بغيره ولو كانت هى امرا ذهنيا لكانت قائمة بالذهن مع ان موصوفه الّذي هو المؤثر يكون فى الخارج.

قوله : وان كانت بمطابقة الخارج الخ ـ عطف على فان كانت وصفا ثبوتيا ، يعنى وان كانت المؤثرية وصفا ثبوتيا فى الذهن مع مطابقة الخارج او كانت ثابتة فى الخارج لزم التسلسل ، ولا يخفى ان مآل طرفى الترديد اى كونها مع مطابقة الخارج وكونها ثابتة فى الخارج الى شيء واحد فلا تغفل.

قوله : ان كون الشى بحيث لو عقله الخ ـ اى ذات المؤثر التى هى منشأ لان

١١٩

ينتزع منه العقل عنوان المؤثرية هى الحاصلة الموجودة قبل الاذهان لا وصف المؤثرية الّذي يحصل فى العقل باعتباره وانتزاعه.

قول المصنف : والمؤثّر يؤثر الخ ـ تقرير السؤال على وجه اخر : ان المؤثر اما يؤثر فى الاثر حال وجوده فهو تحصيل للحاصل واما حال عدمه فهو اجتماع النقيضين وكلاهما محال فتأثير المؤثر محال ، والجواب انك ان اردت من الحال زمان الوجود والعدم فنختار ان تاثير المؤثر فى حال الوجود ، وقولك : هو تحصيل للحاصل ممنوع لان التحصيل فيما نحن فيه هو الايجاد والحاصل هو الوجود وهما مقارنان بحسب الزمان بمعنى ان ابتداء الايجاد هو ابتداء الوجود فالتأثير منطبق على الاثر من حيث الزمان ويصح ان يقال انه فى زمانه وهذا مراد الشارح العلامة بقوله : لان العلة مع المعلول بهذه الصفة ، وان اردت من الحال تقيد الاثر بالوجود او العدم فنقول : ان ذلك مستحيل للزوم احد المحالين المذكورين ولكن القسمة غير حاصرة لان للاثر حالة ثالثة وهى كونه من حيث هو هو لا بشرط الوجود ولا بشرط العدم.

قول الشارح : فالكلام فيه كالكلام فى الاول ـ يعنى فالكلام فى التأثير كالكلام فى الاثر اذ كما انه لا اثر فى حال العدم كذلك لا تاثير فى حاله بل عدم الاثر فى حال العدم لاجل عدم التأثير.

قوله : وان اردت به مقارنة المؤثّر الخ ـ يعنى ان اردت ان للعلة معية ذاتية بالنسبة الى المعلول وهذا يرجع الى ما قررنا من تقيد المعلول بالوجود عند التأثير فذلك مستحيل لان العلة لها تقدم ذاتى على المعلول فلو لم يكن لها تقدم ذاتى عليه بل كانا معا ذاتا لزم ان يكون المعلول حاصلا من دون تاثيرها فيه وحينئذ فاما ان تؤثر العلة فيه فهو تحصيل الحاصل واما ان لا تؤثر فيه فهو خلف لان ما فرض علة له ليس بعلة له.

قوله : فلان كل ما بالغير الخ ـ توضيحه ان معنى تاثير المؤثّر فى الماهية هو جعل الماهية ماهية فلو كانت الماهية بتأثير الغير ماهية لزم ان لا تكون عند

١٢٠