توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

١

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الاول بلا اوّل كان قبله والاخر بلا آخر يكون بعده الّذي دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته وقصرت عن رؤيته الابصار وعجزت عن نعته الاوهام ابتدع بقدرته الخلق ابتداعا واخترعهم على مشيته اختراعا وسلك بهم طريقا اقتضته ارادته وقضى عليهم بما اوجبته عدالته ثم ارسل إليهم رسله تترى ليعقلوا عنه وانذرهم وبشرهم بهم مرة بعد اخرى ليتقوا منه ووعد المطيعين بالجنان واوعد العاصين بالنيران.

ثم الصلاة والسلام على صفوة خلقه وسيد رسله الّذي ارسله رحمة للعالمين وعلى آله الطاهرين الذين هم هو بالنص الكريم الا انه لا نبى بعده الى يوم الدين.

وبعد فانى رأيت ان شرح التجريد الّذي هو من مؤلفات العلم العيلم والشيخ المعظم افضل المتقدمين وقدوة المتأخرين جمال الملة والدين ابى منصور الحسن بن يوسف بن على بن المطهر الحلى العلامة على الاطلاق والمشتهر بكل كمال فى الآفاق قد هوت قلوب المحصلين إليه وكان كثيرا اقبال المشتغلين عليه ومع ذلك فيه من المجملات كثير ومن المحكمات وفير فكان ما يفسر مجملاته ويفصل محكماته جديرا بالوجود وواجد الرضا المعبود فسئلت المولى جل وعلا توفيقا له وقوة عليه فمنّ على به ووفقنى لاتمامه وارجو منه ان ينفعنى واخوانى به فى هذه العاجلة وفى الآخرة انه قريب مجيب.

٢

المقصد الاول

( فى الامور العامة )

قول المصنف رحمه‌الله : فى الامور العامة ـ اعلم ان موضوع العلم الالهى الاعم الّذي هذا المقصد كافل لبيان احكامه هو الموجود من حيث هو موجود من دون ان يلاحظ انه جوهر او عرض مجرد او مادى وغير ذلك من التقسيمات وعرّف هذا العلم بانه علم يبحث فيه عن العوارض الذاتية للموجود بما هو موجود وعوارض اقسامه الاولية كالواجب والممكن اى العوارض التى لا يتوقف عروضها على ان يصير الموجود رياضيا او طبيعيا او غير ذلك فالامور العامة هى تلك العوارض كالاشتراك والتشكيك والذهنية والخارجية والخيرية واللاضدية واللامثلية والتميز والتشخص والامكان والوجوب والاطلاق والتقييد والاحتياج والغنى والحقيقية والاعتبارية والسبق واللحوق والمعية وكونه ذا ماهية وما يتعلق بها والعلية والمعلولية الى غير ذلك من الاحكام التى سيأتى تفاصيلها فى هذا المقصد وهذا المقدار كاف فى فهم المراد بالامور العامة ولا طائل كثيرا تحت ما جرى بين القوم من التفاسير المختلفة والنقوض والاشكالات التى اوردوها على كل منها.

المسألة الاولى

( فى عدم امكان تحديد الوجود والعدم )

قول المصنف : وتحديدهما بالثابت العين الخ ـ فى اكثر عبارات القوم كعبارة الشارح رحمه‌الله وقع هذان التعريفان وامثالهما للموجود والمعدوم بخلاف المصنف رحمه‌الله حيث اوردهما تعريفا للوجود والعدم وما اورد احسن من حيث ان البحث فى الوجود والعدم وما فى عبارات القوم انسب إذ روعي فيه التطابق بين المعرف والمعرف من حيث الاشتقاق وحاصل التعريف ان الموجود ما له ذات والمعدوم ما لا ذات له.

٣

ثم ان المراد من العين المأخوذة فيه ان كان كما قيل هو الذات التى فسرت بالماهية مع اعتبار الوجود كما يأتى فى أول الفصل الثانى اخذت الماهية فى التعريف ولا بأس به ان كان للموجود واما اذا كان للوجود فيوجب اشكالا هو ان الماهية مغايرة للوجود كما يأتى فى المسألة الثالثة واخذ المغاير فى التعريف مخل جدا الا ان يكون بحسب المفهوم او العموم والخصوص الا ان المبحوث عنه فى هذا المقصد هو الموجود بما هو موجود والموجود بما هو موجود انما هو نفس الوجود فالموجود والوجود هاهنا على السواء ويكفيك فى ذلك قول صدر المتألهين رحمه‌الله فى اوّل الاسفار : ان الثابت او الموجود او غيرهما من المراد فات نفس مفهوم الثبوت والوجود كما ان المضاف بالحقيقة هو نفس الاضافة لا غيرها الا بحسب المجاز انتهى وعلى هذا فذكر العين مخل بالتعريف سواء كان للوجود او للموجود.

وقال بعض : ان العين بمعنى النفس اى الثابت نفسه والمنفى نفسه اى بنفسه ثابت وبنفسه منفى بخلاف الماهية فانها ثابتة بالوجود ومنفية بالعدم وعلى هذا فلا يتوجه الاشكال.

قول الشارح : وهى ان الوجود والعدم لا يمكن تحديدهما ـ هذه القضية نتيجة لمقدمتين هما ان الوجود وكذا العدم بديهى والبديهى لا يمكن تحديده اما الصغرى فقد قال الرازى بعد اعترافه ببداهة الوجود تصورا : انها غير بديهية التصديق وسيأتى كلامه والبداهة هى وضوح المعنى عند النفس بحيث لا تفتقر لانتقاشه فيها الى حد ولا رسم وان كانت قد تفتقر الى اسباب اخرى والبديهيات مختلفة بعضها ابده من بعض والوجود ابده البديهيات حيث لا تفتقر النفس لتصوره الى شيء غير نفسها واما الكبرى فالتصديق بها بديهى بعد وضوح معنى البداهة فتحديد البديهى تحصيل للحاصل وهو غير ممكن الا ان يكون التعريف لفظيا موجبا لالتفات النفس الى ما هو حاصل فيها

ثم ان التعاريف للوجود كلها مشتملة على هذا المحال مع ان كلا منها مشتمل على محال اخر اما التعريف الاول فمشتمل على اخذ الشيء فى حده وهذا ليس

٤

من الدور المصطلح بل سماه بعض بالدور النفسى لان الدور فى التصورات هو توقف حصول كل من المعنيين فى النفس على الاخر وفى التعريف الاول ليس لنا معنيان اذ الوجود والثبوت المأخوذ فى التعريف بمعى واحد واما التعريف الثانى فمشتمل على الدور لان الامكان والاخبار ان احتاجا الى التحديد فيحدان بالاخرة بالوجود فتحديد الوجود بهما دور ظاهر واما سائر التعاريف كقولهم : الموجود هو الّذي يكون فاعلا او منفعلا والمعدوم هو الّذي لا يكون فاعلا ولا منفعلا وقولهم : الموجود ما ينقسم الى الفاعل والمنفعل والمعدوم ما لا ينقسم إليهما وقولهم : الموجود ما ينقسم الى الحادث والقديم والمعدوم ما لا ينقسم إليهما فهى أيضا مشتملة على الدور.

قول المصنف : اذ لا شيء اعرف من الوجود ـ هذه كبرى لقياس من الشكل الثانى صغراه المعرف الحقيقى لا بد ان يكون اعرف من المعرف فاذا ضم إليها لا شيء اعرف من الوجود ينتج لا شيء من المعرف الحقيقى للوجود فكل ما فرض معرفا للوجود فهو لفظى لا حقيقى والصغرى من هذا القياس مبينة فى المنطق واما الكبرى فبينها الشارح رحمه‌الله بقوله : اذ لا معنى اعم منه فان الاعمية ملزومة للاعرفية.

قوله : والاستدلال بتوقف التصديق بالتنافى عليه ـ هذا هو الوجه الاول وباقى الكلام هو الوجه الثانى وقوله : عليه متعلق بالتوقف والضمير المجرور يرجع الى التصور وقوله : باطل خبر للاستدلال وكون باقى الكلام وجها واحدا يقتضي ان يكون قوله : عدم تركيب الوجود معطوفا بالواو كقوله : ابطال الرسم لان الواو للجمع او يكون ابطال الرسم أيضا معطوفا بأو كما فى الشرح القديم وشرح القوشجى حتى يكون فى الكلام شقوق ثلاثة لوجه واحد هى التعريف بالنفس او بالاجزاء او بالامور الخارجة على ما فى كلام الشارح العلامة وعلى ما فى كلام الفخر الرازى نفسه فى المباحث المشرقية حيث قال : واما بيان ان الوجود لا يمكن تعريفه فلان تعريفه اما ان يكون بنفسه او بما يكون داخلا فيه او بما يكون خارجا عنه انتهى ثم اخذ فى بيان استحالة كل من الشقوق نحو ما فى هذا الشرح فالعطف بالواو سهو من قلم الناسخين واصرار صاحب الشوارق على ان العطف بالواو لا وجه له.

٥

ثم ان الكلام فى مقامين : الاول انا لا نحتاج الى الاستدلال لاثبات قولنا : ان الوجود بديهى لان التصديق به بديهى اذ بعد العلم بمعنى البداهة لا يبقى شك فى ثبوتها للوجود والمقام الثانى ان هذين الدليلين الذين اتى بهما الرازى لمطلوبه مدخولان والمصنف تعرض فى هذا الكلام للمقام الثانى والمقام الاول علم مما سبق.

قول الشارح : ذكر فخر الدين ـ قال الوزير جمال الدين ابو الحسن على بن يوسف القفطى فى كتاب اخبار العلماء باخبار الحكماء : هو محمّد بن عمر بن الحسين ابو الفضل الفخر الرازى المعروف بابن الخطيب كان فى زمننا الاقرب قرء علوم الاوائل واجادها وحقق علم الاصول ودخل خراسان ووقف على تصانيف ابى على بن سينا والفارابى وعلم من ذلك علما كثيرا ورحل الى جهة ما وراء النهر لقصد بنى مازة ببخارا ولم يلق منهم خيرا وكان فقيرا يومئذ لا جدة له وذكر لى داود الطيبى التاجر المدعو بالنجيب وكان يشارك فى اخبار الناس قال : رايت ابن الخطيب ببخارا مريضا فى بعض المدارس المجهولة وشكا الى اقلاله فاجتمعت بالتجار المستعربين واخذت منهم شيئا من زكاة اموالهم وارفقته بذلك وخرج من بخارا وقصد خراسان واتفق اجتماعه بخوارزمشاه محمّد بن تكش فقربه وادناه ورفع منزلته واسنى رزقه واستوطن بمدينة هراة وتملك بها ملكا واولد اولادا واقام بها حتى مات ودفن بظاهر هراة عند جبل قريب منها واظهر ذلك والحقيقة انه دفن فى داره وكان يخشى ان العوام يمثلون بجثته لما كان يظن به من الانحلال وله تصانيف فى الاصول وتصانيف فى المنطق وفسر القرآن تفسيرا كبيرا وكان علمه محتفظا من تصانيف المتقدمين والمتأخرين يعلم ذلك من يقف عليها ومولده فى سنة ثلاث واربعين وخمسمائة وتوفى فى ذى الحجة سنة ست وستمائة ثم قال ومن تصانيفه وذكر له ستين مصنفا والرازى هذا اشعرى الاصول وشافعى الفروع.

قال العلامة المجلسى رحمه‌الله فى المجلد الثانى من البحار فى باب البداء والنسخ : ان الناصبى المتعصب الفخر الرازى ذكر فى خاتمة كتاب المحصل حاكيا

٦

عن سليمان بن جرير ان ائمة الرافضة وضعوا القول بالبداء لشيعتهم فاذا قالوا انه سيكون لهم امر وشوكة ثم لا يكون الامر على ما اخبروه قالوا بدا لله تعالى فيه انتهى.

اقول : نسبة النصب إليه لقوله بالوضع والكذب والحيلة فى الائمة الاطهار سلام الله عليهم والا لم يكن الرجل مشتهرا بالنصب والحق ان هذا موجب للنصب لما ذكر هو رحمه‌الله فى ذيل كلامه اللهم الا ان يقال انه حكى ذلك عن سليمان ولم يكن معتقده لكن النقل مع عدم الرد ظاهر فى الموافقة فى الاعتقاد.

قوله : ان التصديق بالتنافى الخ ـ اى التصديق بقضية ان الوجود والعدم متنافيان بديهى.

قوله : وإلا دار ـ قد مر ان الدور فى باب التصورات هو توقف حصول كل من المعنيين فى النفس على الاخر فتعريف الوجود بنفسه ليس من الدور بل هو اخذ الشيء فى حده لكن يطلق عليه الدور النفسى.

قوله : كان التركيب فى قابل الوجود الخ ـ اى تلك الاجزاء التى حصل الوجود عند اجتماعها اما قابلة للوجود ان كان فاعله امرا آخرا وفاعلة له ان كان قابله امرا آخر فالوجود الّذي فرضناه ذا اجزاء واردنا تعريفه بها ليس بذى اجزاء بل ذو الاجزاء اما فاعله او قابله وهذا خلف أيضاً

قوله : ولا بالامور الخارجية عنه ـ اى الخواص والاعراض العامة وحاصل الكلام ان التعريف اما بنفس المعرف او باجزائه وذاتياته او بخواصه واعراضه والكل محال فيما نحن فيه وقد سلم وعلم ان الوجود مدرك وحاصل فى الاذهان فلا يبقى الا ان يكون تصوره بديهيا.

قوله : يتوقف على العلم بالماهية ـ لان المساواة نسبة بين الماهية وما يساويها والعلم بالنسبة يتوقف على العلم بالمنتسبين.

قوله : فيلزم الدور ـ اى لازم التعريف بالمساوى هو توقف العلم بالماهية على العلم بمساواة المعرف للمعرف فمع توقف العلم بالمساواة على العلم بالماهية يلزم الدور وجواب الشارح رحمه‌الله يرجع الى منع القضية الاولى اذ لازم التعريف

٧

بالمساوى هو توقف العلم بالماهية على المساواة الواقعية لا العلم بالمساواة والحاصل ان العلم بالماهية يحصل من العلم بذات المعرف المساوى ثم يحصل العلم بالنسبة بينهما.

قوله : سلمنا لكن جاز ان يكون التصور للمفردات ناقصا الخ ـ اى سلمنا لزوم بداهة التصور بالاولوية لو كان التصديق بديهيا لكن بداهة التصور بوجه ما كافية فى ذلك فبداهة التصديق لا يستلزم بداهة التصور بالكنه التى هى المطلوبة فى المقام.

قوله : ثم يفيد غيره تصورها ـ اى يفيد الناظر والكلمتان بعد يفيد كلتاهما بالنصب مفعول اوّل وثان ليفيد.

تبصرة ـ ان هاهنا أربعة معانى : الاول الحقيقة البسيطة النورية التى حيثية ذاتها حيثية الاباء عن العدم ومنشئية الآثار ويعبر عنها فى لسان القوم بحقيقة الوجود وهى التى اختلف فى اصالتها وعدمها وهذه الحقيقة ليس لها لفظ موضوع لان الوضع يتوقف على تصور الموضوع له وهذه الحقيقة لا يمكن تصورها اصلا لوجهين ذكرهما صاحب المنظومة رحمه‌الله فى شرحها الثانى المفهوم العام البديهى المشترك الّذي هو عنوان لتلك الحقيقة ووجه من وجوهها ومن طريقه يشير العقل الى تلك الحقيقة وهذا هو المفهوم الّذي ينتزعه العقل من الموجودات ويحمله عليها بعد انتزاعه منها وهذا الّذي مضى القول فى بداهته وله احكام مذكورة فى المسائل الآتية ووضع له فى العربية لفظ الوجود والكون وغيرهما وفى الفارسية لفظ ( هستى ) الثالث المعنى المركب الاشتقاقى الّذي يفهم من لفظه واجدية ذات لصفة ولا يحمل المعنى الثانى على الموضوعات الا باعتبار هذه الواجدية ووضع له لفظ الموجود فى لغة العرب ولفظ ( هست ) فى لغة الفرس الرابع المعنى المصدرى الّذي وضع له فى الفارسية لفظ ( بودن ) وليس له فى العربية لفظ خاص بل يستعمل له لفظ الوجود ومرادفاته وهذا المعنى يتصور عند اعتبار العقل تلبس الذات بالوجود اذا لم ينظر إليه نظرا استقلاليا وبعبارة اخرى اذا يرى الوجود نعتا للذات مرآة للنظر فيها لا مفهوما مستقلا ثم قد اشتبه المعنى الاول بالثانى اشتباه المعنون بالعنوان وبالعكس على كثير فى كثير من الموارد واعطى حكم الاول للثانى وبالعكس وقد نبه المتأخرون

٨

جزاهم الله جزاء على هذا الاشتباه فى موارده وسيأتى بعض التنبيه عليه فى خلال المسائل إن شاء الله تعالى.

المسألة الثانية

( فى ان الوجود معنى واحد )

قول الشارح : المسألة الثانية ـ هذه المسألة قد تنعقد لفظية فيقال هل وضع لفظ الوجود لمعنى واحد فلا اشتراك لفظيا او وضع لمعان متعددة فيكون اللفظ مشتركا فيه فالبحث هكذا لا يليق بالمباحث العقلية بل هو لائق بالمباحث الادبية وتارة تنعقد عقلية فيقال هل الوجود معنى واحد فى جميع المحمولات على الذوات أم معان متعددة بحسب تعدد الذوات والماهيات بحيث يكون الوجود المحمول على الانسان فى قولنا الانسان موجود معنى والمحمول على الماء فى قولنا الماء موجود معنى اخر والقائلون بالاشتراك هم اصحاب القول الاول والقائلون بعدمه هم اصحاب القول الثانى.

ثم ان هذه المسألة كما قال صاحب الشوارق رحمه‌الله بديهية او قريبة من البداهة فلعل القائلين بعدم الاشتراك اشتبه عليهم الوجود المحمولى بحقيقة الوجود فانها على قول المشائين حقائق متباينة مختلفة بحسب اختلاف الماهيات وسيأتى هذا البحث فى المسألة السابعة عشرة إن شاء الله تعالى.

قوله : قد نجزم بوجود ماهية ـ مراده بها الماهية بالمعنى الاعم بقرينة مثاله بالممكن والواجب.

قوله : ونتردد فى خصوصياتها ـ اى نتردد فى ان تلك الماهية هل متخصصة بخصوصية الوجوب او الامكان او الجوهرية او العرضية او غير ذلك من الخصوصيات فالتردد فى الخصوصية مع الجزم بالوجود وكذا تغير الاعتقاد بالخصوصية مع عدم تغير الاعتقاد بالوجود كما اشار إليه الشارح رحمه‌الله يدلان على أن الوجود معنى واحد فى جميع الماهيات.

قوله : الثانى ـ هذا الدليل على ظاهر كلام المصنف قياس استثنائى صورته لو لم يكن الوجود معنى واحدا لم يكن العدم معنى واحدا لكن التالى باطل لان العدم معنى واحد بالضرورة فالمقدم مثله بيان الملازمة ان الوجود نقيض للعدم

٩

فتعدد معنى الوجود مع وحدة معنى العدم يستلزم ان يكون للمعنى الواحد نقائض مختلفة وهو محال لانه يستلزم ارتفاع النقيضين وهو بديهى الاستحالة بيانه اذا فرضنا الف وب نقيضين لج يمكن ان لا يكون الشيء ب ولا ج بل يكون الفا وهذا ارتفاع النقيضين عن الشيء الواحد واما اذا كان العدم معان متعددة لم يلزم ارتفاع النقيضين لانه لا يلزم ان يكون للشىء الواحد نقائض متعددة اذ وجود كل ماهية فى مقابل عدمها ولا يكون وجود ماهية نقيضا لعدم غيرها.

واورد الشارح رحمه‌الله وبعض الشارحين صورة القياس هكذا لو لم يكن الوجود معنى واحدا لم ينحصر التقسيم بين السلب والايجاب اى لزم بطلان الحصر البديهى بين الموجود والمعدوم فى قولنا الشيء اما موجود واما معدوم والتالى باطل بالضرورة والمقدم مثله فالوجود انما هو معنى واحد بيان الملازمة انه اذا كان الوجود معان متعددة كان قولنا هذا الشيء اما موجود واما معدوم بمنزلة قولنا هذا الشيء اما انسان واما معدوم مثلا وهذا الحصر باطل قطعا فكذا الحصر الاول وهذا البطلان يلزم من تعدد معنى الوجود ووحدة معنى العدم بخلاف ان يكون العدم أيضا معان متعددة اذ يكون حينئذ بمنزلة قولنا هذا الشيء اما انسان واما لا انسان هذا لكن الظاهر من كلام المصنف التقرير الاول لان قوله واتحاد مفهوم نقيضه لو كان اشارة الى تالى القياس لا الى مقدمة خارجية كان انسب.

قوله : او ما يشابه الفصول ـ اى الخواص والاعراض.

المسألة الثالثة

( فى أن الوجود زائد على الماهيات )

قول الشارح : هذه المسألة فرع على المسألة الاولى ـ فلذا عطفها المصنف رحمه‌الله بالفاء وبيان الفرعية ما اشار المصنف بقوله والا اتحدت الماهيات اذ بعد ما ثبت ان الوجود معنى واحد فلو كان عين الماهيات لا زائدا عليها لزم ان تكون الماهيات كلها معنى واحدا بالضرورة واتحاد الماهيات ضرورى البطلان.

١٠

اعلم ان هاهنا ثلاثة احتمالات : زيادة الوجود على الماهيات وعينيته لها وجزئيته لها والاقوال تدور على الاحتمالين الاولين ولا قائل بالاحتمال الثالث وان اوردوه وابطلوه لوجود الاحتمال ثم ان من ذهب الى القول بالعينية كأبي الحسن الاشعرى اشتبه عليه الوجود المحمولى بحقيقة الوجود فاعطاه حكمها لانها والماهية متحدتان فى الخارج بنحو من الاتحاد.

ثم اعلم ان القول بالاشتراك لا يستلزم الزيادة لان القائل بالاشتراك يمكنه ان يقول بان الوجود مع كونه معنى واحدا جزء لكل ماهية كالحيوان الّذي هو جزء لكل نوع من انواعه.

قوله : ابو الحسن الاشعرى ـ قال ابن خلكان فى وفيات الاعيان : ابو الحسن على بن اسماعيل بن ابى بشر اسحاق بن سالم بن اسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن ابى بردة عامر بن ابى موسى الاشعرى صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو صاحب الاصول والقائم بنصرة مذهب السنة وإليه تنسب الطائفة الاشعرية وشهرته تغنى عن الاطالة فى تعريفه والقاضى ابو بكر الباقلانى ناصر مذهبه ومؤيد اعتقاده وكان ابو الحسن يجلس ايام الجمع فى حلقة ابى اسحاق المروزى الفقيه الشافعى فى جامع المنصور ببغداد ومولده سنة سبعين وقيل ستين ومائتين بالبصرة وتوفى سنة نيف وثلاثين وثلاثمائة وقيل سنة اربع وعشرين وثلاثمائة وقيل سنة ثلاثين فجأة حكاه ابن الهمذانى فى ذيل تاريخ الطبرى ودفن بين الكرخ وباب البصرة رحمه الله تعالى وقد تقدم ذكر جده ابى بردة فى اوّل حرف العين والاشعرى بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح العين المهملة وبعدها راء وهذه النسبة الى اشعر واسمه نبت بن ادد بن زيد بن يشجب وانما قيل له اشعر لان أمه ولدته والشعر على بدنه هكذا قال السمعاني والله اعلم وقد صنف الحافظ ابو القاسم بن عساكر فى مناقبه مجلدا وكان ابو الحسن الاشعرى أولا معتزليا ثم تاب من القول بالعدل وخلق القرآن فى المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة رقى كرسيا ونادى باعلى صوته من عرفنى فقد عرفنى ومن لم يعرفنى فانا اعرفه بنفسى انا فلان بن فلان كنت اقول بخلق

١١

القرآن وان الله لا تراه الابصار وان افعال الشر انا افعلها وانا تائب مقلع معتقد للرد على المعتزلة فخرج لفضائحهم ومعايبهم وكان فيه دعابة ومزاح كثير له من الكتب وعدله خمسة كتب الى ان قال ودفن فى مشرع الزوايا فى تربة الى جانبها مسجد وبالقرب منه حمام وهو عن يسار المارّ من السوق الى دجلة وكان يأكل من غلة ضيعة وقفها جده بلال بن ابى بردة بن ابى موسى على عقبه وكانت نفقته فى كل يوم سبعة عشر درهما هكذا قاله الخطيب وقال ابو بكر الصيرفي كانت المعتزلة قد رفعوا رءوسهم حتى اظهر الله الاشعرى فجحرهم فى اقماع السمسم وقال ابو محمّد على بن حزم الاندلسى ان أبا الحسن له من التصانيف خمسة وخمسون تصنيفا.

قوله : ابو الحسين البصرى ـ قال القفطى فى كتاب اخبار العلماء باخبار الحكماء : محمّد بن على بن الطيب ابو الحسين المتكلم البصرى كان إماما عالما بعلم كلام الاوائل قد احكم قواعده وقيدا وابده وتصيد شوارده وكان يتقى اهل زمانه فى التظاهر به فاخرج ما عنده فى صورة متكلمى الملة الاسلامية واحكم ما اتى به من ذلك ومن وقف على تصانيفه تحقق ما اشرت إليه من امره ولم يزل على التصدر والتصنيف والاملاء والافادة لمذهب الاعتزال والتحقيق لما انفرد به من الاقوال حتى اتاه اجله فى يوم الثلثاء الخامس من شهر ربيع الاول سنة ست وثلاثين وأربعمائة ببغداد وكان متميزا بالقناعة والكفاف طول مدته.

قوله : الا واجب الوجود تعالى ـ هذا الاستثناء ليس فى محله لان المتنازع فيه هو الوجود المحمولى الانتزاعى لا الوجود الحقيقى الّذي هو عين ذاته تعالى والوجود الانتزاعى زائد على الواجب أيضا عند الحكماء اللهم الا ان ظاهر كثير من المتقدمين طرح المسألة فى وجود كل ماهية وهو الوجود الخاص بها فهو أيضا كالوجود الانتزاعى زائد على الماهيات عند الحكماء الا فى الواجب فانه عين حقيقته والشارح رحمه‌الله جرى هذا المجرى.

قوله : وسيأتي تحقيق كلامهم فيه ـ فى المسألة السادسة والثلاثين.

قوله : فانه يكون جزء مشتركا بينها ـ لانه معنى واحد فى الجميع كما بين

١٢

فى المسألة السابقة.

قوله ولكن كل فصل فانه يكون موجوداً ـ وان كان قد يخفى الفصل الحقيقى ويقوم مقامه امر عدمى او خاصة من الخواص وهذا لا يدل على جواز كون الفصل عدميا او خارجا من حقيقة الشيء لان الفصل فى الحقيقة كما بين فى مقامه هو ما به تحصل الشيء فهو لا محالة مقوم له فكيف يمكن ان يكون امرا عدميا او خارجا من حقيقته

قوله فيفتقر الفصل الى فصل آخر الخ ـ لان الفصل أيضا ماهية من الماهيات ويكون الوجود جزء منها لان جزئيته ليست لبعض الماهيات دون بعض ومع كونه جزء مشتركا تفتقر ماهية الفصل الى فصل آخر يميزها عن مشاركتها فيه وينقل الكلام الى ذلك الفصل الاخر وهكذا.

قوله : على ما يأتى ـ فى المسألة الرابعة فى الفصل الثالث.

قوله : ولا يكون المركب متحققا ـ لان كل مركب لا بدّ ان ينتهى الى بسيط يكون مبدأ لذلك المركب فاذا انتفى البسيط الّذي لا بد منه فى كل مركب انتفى المركب بالضرورة

قوله : ونشك فى وجودها الذهنى والخارجى ـ ان قلت : ان الشك انما يتعلق بالنسبة وهى تستلزم تصور الطرفين فعند الشك فى الوجود لا بدّ من تصور الماهية والوجود معا فاين انفكاك الوجود عنها عند الشك فيه فالاولى ان يقال ونغفل عن وجودها كما فى شرح القوشجى قلت : الشك فى النسبة اى فى ثبوت الوجود للماهية ذهنا او خارجا يستلزم تصور الماهية وتصور مفهوم الوجود المطلق مستقلا فانا نعقلهما معا ولكن نشك فى ان هذا الوجود المطلق المتصور ثابت لهذه الماهية المتصورة أم لا ومثل هذا الشك لا يمكن فى ثبوت الشيء لنفسه او ثبوت جزئه له فالوجود ليس عينا للماهية ولا جزء لها فمراد المصنف من الانفكاك انفكاكه عنها عند الحمل فلا وجه للعدول من الشك الى الغفول ولا لاعتراض الشارح القوشجى على هذا التقرير.

١٣

قول المصنف : وفائدة الحمل ـ هذا الوجه انما ينفى العينية كما قرره الشارح لا الجزئية لان فى حمل الجزء على الكل فائدة كما فى قولنا الانسان حيوان.

قوله : والحاجة الى الاستدلال ـ هذا الوجه انما ينفى العينية والجزئية معا كما قرره الشارح رحمه‌الله فلا وجه لما فعل صاحب الشوارق رحمه‌الله من جعل هذا الوجه والّذي قبله وجها واحدا نافيا لهما وتخصيص الثانى بنفى الجزئية كاختصاص الاول بنفى العينية.

قوله : وانتفاء التناقص ـ هذا الوجه أيضا ينفى العينية والجزئية معا لان المراد بالجزء هو الجنس الّذي هو جزء عقلى للماهية كما مر فى كلام الشارح رحمه‌الله وسلب الجزء العقلى كنفس الماهية يستلزم التناقض فانتفاء التناقض عند سلب الوجود عن الماهية يدل على انه ليس جزء منها وصاحب الشوارق خصص هذا الوجه بنفى العينية وجعله مع الوجه الآتي وجها واحد وما فعله الشارح اولى.

ان قلت : سلب الجزء عن الشيء لا يستلزم التناقض لان حمله على الكل ليس بصحيح حتى يكون سلبه مستلزما للتناقض كما فى قولنا الانسان ليس برأس فما فعله صاحب الشوارق هو الحق قلت : نعم هذا يتم فى الجزء الخارجى واما الجزء العقلى فسلبه يستلزم التناقض كما فى قولنا الانسان ليس بحيوان.

ان قلت : الا يمكن ان يكون الوجود جزءا خارجيا قلت : هذا الوجود المحمولى الانتزاعى الّذي هو من المعقولات الثانية لا يمكن ان يحصل فى الخارج حتى يكون جزء خارجيا لانه فى العقل باعتباره وانتزاعه من الموجودات ولو لا اعتبار العقل كان منتفيا واما حقيقة الوجود فعلى القول باصالته كما هو الحق يكون متحققا فى الخارج بل لا يكون فى الخارج حقيقة الا الوجود لكن لا يمكن ان يكون جزء لشيء فجزئية الوجود مستحيل مطلقا سواء فرضناها فى الخارج او فى الذهن فلو فرضناه جزء عقليا يتم الاستدلال بانتفاء التناقض على نفى الجزئية ولو فرضناه جزء خارجيا لا يتم الاستدلال به عليه والشارح رحمه‌الله اخذ الفرض الاول وصاحب الشوارق اخذ

١٤

الفرض الثانى.

اعلم ان هذه الوجوه السبعة التى جعلها صاحب الشوارق والقوشجى تبعا للشارح القديم وجوها خمسة قياسات استثنائية اشار المصنف الى نقائض تواليها الا فى الاول والسابع فانه اشار فيهما الى نفس التالى الباطل وصورة القياس فى الوجه الثانى مثلا هكذا لو كان الوجود نفس الماهية او جزء منها لم ينفك عنها تعقلا بحسب الحمل لكنه ينفك عنها لانا نعقلها ونشك فى ثبوت الوجود لها فهو ليس نفس الماهية ولا جزء منها.

قول الشارح : وتقرير استدلالهم ـ خلاصة هذا الاستدلال ان يقال ان عدم عينية الوجود يتصور على انحاء أربعة اما ان يكون الوجود جوهرا قائما بنفسه وهذا مسلم البطلان عند الكل او صفة قائمة بغير محلها وهذا بديهى البطلان او صفة قائمة بمحلها حين كونه موجودا وهذا يستلزم اشتراط الشيء بنفسه او التسلسل فى الوجودات وكلاهما باطلان او صفة قائمة بمحلها حين كونه معدوما وهذا مستحيل بالضرورة لاجتماع النقيضين واذا كان الكل محالا فعدم العينية محال فالوجود عين الماهية والجواب انا لا نسلم الحصر فى هذه الانحاء لإمكان صورة اخرى وهى قيام الوجود بالماهية من حيث هى هى بمعنى ان للعقل ان يعتبرها مجردة عن الوجود والعدم ثم يعتبر لها الوجود على سبيل الحمل والاتصاف وقيامه بها انما يكون على هذا الوجه.

قول المصنف : فزيادته فى التصور ـ اى لما كان قيام الوجود بالماهية من حيث هى هى والماهية من حيث هى هى انما تكون فى التصور لا فى الخارج فزيادة الوجود عليها وقيامه بها انما هو فى التصور لا فى الخارج.

اعلم ان الماهية فى اى صقع من الاصقاع فرضت لا تخلو من الوجود لانها بنفسها لا اشارة إليها ولا تصور لها ولا حكم عليها ولا شيء يرتبط بها بل لا يمكن التفوه بها اصلا فاذا تفوهنا عنها وقلنا انها من حيث هى هى وان العقل لاحظها لا موجودة ولا معدومة فلا بد ان تكون متزملة بشعار الوجود لان اشارة العقل إليها ولحاظها

١٥

من حيث هى هى لا يمكن الا بعد حصولها فى الذهن فالعقل لا يمكنه تخليتها من الوجود واقعا بل يمكنه ان يقطع النظر عن وجودها ويلاحظها لا بشرط الوجود والعدم اذا علمت هذا فاعلم ان الماهية لا تنفك عن الوجود بل باعتبار هو عينها سواء فرضناها فى الخارج او فى الذهن لانه ليس فى الخارج شيء هو الوجود وشيء آخر هو الماهية بل فى الخارج شيء واحد هو الوجود وهو الماهية باعتبارين وكذا فى الذهن عند تصور الماهية ليس شيئان احدهما الوجود والاخر الماهية بل شيء واحد هو الوجود وهو الماهية بذينك الاعتبارين نعم قد يتصور مفهوم الوجود من حيث هو هو فاذا لا فرق بين الخارج والذهن فى ان الوجود فى كلا الظرفين عين الماهية والتغاير بالاعتبار واما الاعتباران فان الانسان يرى موجود او ينظر إليه من حيث هو موجود مع قطع النظر عن سائر حيثياته فهو من هذه الحيثية وجود وتارة ينظر إليه من حيث هو قائم بنفسه او بغيره ومن حيث هو متحيز او غير متحيز ومن حيث هو ذو نفس او غير ذى نفس ومن حيث هو ذو إرادة او غير ذى إرادة وغير ذلك من الحيثيات فهو بهذه الحيثيات ماهية وتكثر هذه الحيثيات مع الحيثية الاولى لا يخرجه عن كونه شيئا واحدا ولا يمكن انفكاك هذه الحيثيات عن تلك الحيثية بل مدار شيئية هذه الحيثيات انما يكون على تلك فهذه الحيثيات التى يعبر عن جميعها بالماهية فى اى صقع كانت كانت بالوجود نعم للعقل ان يلاحظها مع قطع النظر عن حيثية الوجود كما ان له ان يقطع النظر عن هذه الحيثيات وينظر الى الشيء من حيث هو موجود فلذلك قال المصنف رحمه‌الله فزيادته فى التصور اى فى لحاظ العقل ولم يقل فزيادته فى الذهن لما قلنا انه فى الذهن كالخارج لا ينفك عن الماهية.

ثم اعلم ان زيادة شيء وعروضه على شيء اما ان يكون فى الخارج وذلك اذا كان الخارج ظرفا لوجود المعروض ولوجود العارض معا كالجسم والسواد مثلا فان الجسم موجود فى الخارج والسواد أيضا موجود فى الخارج بوجود آخر وان كان قائما بالجسم واما اذا كان الذهن ظرفا لوجود المعروض فقط او العارض فقط او كليهما فالعروض فى الذهن لان العروض فى الخارج يستلزم كون الطرفين فيه والفرض

١٦

الاول من هذه الثلاثة ليس بمتحقق ثم ان ما يقع فى صقع الذهن اما امر ذهنى أو أمر فى الذهن والامر الذهنى هو ما لا يكون له حصول الا باعتبار العقل وفى الذهن وما فى الذهن هو الّذي يتعلق به التصور سواء كان له حصول فى الخارج أم لا فالثانى اعم من الاول.

ثم اعلم حيثما تحقق العروض تحقق الاتصاف لكن الاتصاف يعتبر نظرا الى المعروض فيقال الجسم متصف بالسواد مثلا والعروض يعتبر نظرا الى العارض فيقال السواد عارض على الجسم وعلى هذا فاما ان يكون الخارج ظرفا للعروض والاتصاف كليهما واما ان يكون الذهن ظرفا لكليهما واما ان يكون الخارج ظرفا للاتصاف والذهن ظرفا للعروض ولا يتصور العكس مثال الاول الجسم اسود حيث يكون الجسم متصفا بالسواد فى الخارج والسواد عارض عليه فيه ومثال الثانى الحيوان جنس حيث يكون الحيوان متصفا بالجنسية فى الذهن لان الحيوان فى الخارج لا يكون جنسا بل هو فرد من نوع والجنسية عارضة على الحيوان فى الذهن ومثال الثالث الانسان موجود حيث يكون الانسان متصفا بالوجود فى الخارج لانه موجود فى الخارج واما الوجود فعارض على الانسان فى الذهن لان الوجود المحمولى ليس فى الخارج حتى يكون فيه عارضا على شيء اذ هو من المنتزعات العقلية فمناط الاتصاف فى الخارج وجود المعروض فيه ومناط العروض فى الخارج وجود العارض فيه وان كان وجود العارض فيه من دون وجود المعروض فيه مستحيلا فاحفظ على هذه المطالب فانها تنفعك فى المباحث الآتية.

قول الشارح : فى نفس الامر ـ سيأتى معنى نفس الامر فى المسألة السابعة والثلاثين.

المسألة الرابعة

( فى انقسام الوجود الى الذهنى والخارجى )

قول المصنف : وهو ينقسم الخ ـ هذا الانقسام يكون باعتبار ذات الموجود

١٧

بمعنى ان الانسان مثلا اذا وجد له فرد فى الخارج يقال انه موجود بالوجود الخارجى واذا تمثل فرد منه فى الخيال او انتقش ماهيته فى النفس يقال انه موجود بالوجود الذهنى ولذلك يستدل بتحقق القضايا الحقيقية الموجبة التى لا بد لها من وجود الموضوع على المدعى لان ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له فحيث لا يكون فى القضايا الحقيقية وجود لجميع افراده او كثير من افراده فلا بد من وجودها فى الذهن.

قول الشارح : قسمة حقيقية ـ القسمة الحقيقية هى ما يمتنع الجمع والخلو بين قسميها والقضية الشاملة لهذه القسمة تسمى بالشرطية الحقيقية كقولنا العدد اما زوج واما فرد وكذلك ما نحن فيه فان الوجود اما خارجى واما ذهنى ولا يمكن خلو الوجود عنهما ولا الجمع بينهما وقد يقال القسمة الحقيقية على المنفصلة التى لا يمكن انقلاب احد القسمين الى الاخر وان امكن الجمع او الخلو كقولنا الموجود اما قديم بالذات واما قديم بالغير فان الموجود يمكن ان يخلو عنهما ويكون حادثا زمانيا ولكن لا يمكن ان ينقلب القديم بالذات الّذي هو الواجب الوجود الى القديم بالغير الّذي هو العالم عند الحكماء وكذا العكس بخلاف الانسان اما ساكن واما متحرك فان الانسان الساكن يمكن انقلابه الى المتحرك وبالعكس وان كان الجمع او الخلو ممتنعا ويمكن ان يكون مراد الشارح بالقسمة الحقيقية المعنى الثانى.

قوله : واعلم ان القضية تطلق الخ ـ للقضية تقسيمات أربعة بحسب الموضوع والمحمول والجهة والرابطة وهى بحسب الموضوع تنقسم الى ذهنية وهى ما هو موضوعه فى الذهن بمعنى ان اتصافه بالمحمول يكون باعتبار الذهن كقولنا الحيوان جنس والجنس اما عال او سافل ومن القضية الذهنية : الطبيعية وهى ما لا يلاحظ الافراد فى الحكم بل يكون الحكم لنفس الطبيعة كقولنا الحيوان جزء الانسان والى خارجية وهى ما هو موضوعه فى الخارج وهى الخارجية بالمعنى الاعم وهى على ثلاثة اقسام الحقيقية والخارجية بالمعنى الاخص والشخصية والاولى كقولنا الجسم متناه والثانية كقولنا من فى العسكر قتل والثالثة كقولنا زيد قائم

١٨

والحقيقية تنقسم الى الكلية والجزئية والمهملة كل ذلك مبين فى علم الميزان.

قوله : وهو مذهب سخيف الخ ـ الضمير يرجع الى قوله يؤخذ موضوعها باعتبار الخارج كما هو الظاهر فمعنى كلامه ان اخذ الموضوع باعتبار الخارج فى المباحث العلمية مذهب سخيف لان موضوع القضية فى العلوم لا بدّ ان يكون كليا شاملا لجميع الافراد المحققة والمقدرة فى نفس الامر لما بين فى صناعة البرهان من المنطق وان كانت القضية الخارجية متداولة فى السنة اهل المحاورة من العرف.

قوله : فيلزم مع اتصاف الذهن الخ ـ اى مع انا نعلم ان هذه الامور منتفية عن الذهن لزم على فرض الاتصاف اجتماع الضدين لانا نتصور هذه الامور معا.

قوله : ليس هو ماهية الحرارة الخ ـ اى ليس فى الذهن حقيقة الحرارة والسواد بل فيه صورتهما المجردة عن المادة الخارجية بالتجريد العقلى المخالفة للحقيقة فى كثير من اللوازم وعبر الشارح رحمه‌الله عن الحقيقة بالماهية وحاصل الجواب ان الماهية واحدة فى الخارج والذهن واما الوجود ان فمتغاير ان وحيث ان كثيرا من اللوازم والآثار يدور مدار الوجود الخارجى فالماهية الموجودة بالوجود الذهنى ليست لها تلك الآثار.

المسألة الخامسة

( فى ان الوجود هو حصول الماهية لا غير )

قول المصنف : وليس الوجود معنى الخ ـ ذهب جماعة من اتباع المشائين الى ان الموجود بالذات فى الخارج والصادر من الجاعل هو حقيقة الوجود والماهية موجودة ومجعولة بالعرض لانها حده وحد الشيء عارض عليه ومتأخر عنه فالمجعول بالذات اذا كان هو الوجود فالماهية تحصل به لا محالة حصولا بالعرض وما قال الشارح رحمه‌الله فى مقام ردهم ليس رادا عليهم لانهم لا يقولون ان الوجود قائم بالماهية فى الخارج حتى يرد عليهم ان ذلك يستدعى تحقق الماهية قبل وجودها

١٩

لان قيام صفة بشيء يستدعى ثبوت ذلك الشيء متقدما وذلك فى الماهية مستحيل بل انهم يقولون ان الوجود يصدر من الجاعل فيعرض عليه الماهية اعتبارا وهذا هو بحث اصالة الوجود او الماهية وله موضع آخر.

قول الشارح : بل الوجود هو الخ ـ هذا ينافى ما ذهب إليه جمهور الحكماء من ان للوجود افرادا حقيقية متباينة بتمام الذات وسيأتي الكلام فى ذلك فى المسألة السابعة عشرة إن شاء الله تعالى.

المسألة السادسة

( فى أن الوجود لا تزايد فيه ولا اشتداد )

قول المصنف : ولا تزايد فيه ولا اشتداد ـ اعلم ان هاهنا مفاهيم : الزيادة والنقصان والشدة والضعف والاولان متقابلان يستعملان فى الكميات والاخيران أيضا متقابلان يستعملان فى الكيفيات والتزايد هو توجه الشيء نحو الزيادة كالجسم النامى قبل بلوغه الى كمال رشده ويقابله التنقص وهو توجه الشيء نحو النقصان كبدن الانسان اذا هزل لمرض او هرم والاشتداد هو توجه الشيء نحو الشدة كالماء حين يستسخن ولون الثمرة اذا توجه من الصفرة الى الحمرة ويقابله التضعف وهو توجه الشيء نحو الضعف كعكس هذا المثال والتوجه هكذا يستدعى الحركة بل هو الحركة والاولان يسميان بالحركة فى الكم والاخيران بالحركة فى الكيف فان الجسم يزيد كميته وينقص ويضعف كيفيته ويشد ويقال ان الجسم تحرك فى كمه او كيفه ومراد المصنف نفى الحركة فى الوجود يعنى ان الماهية لا تتحرك فى الوجود نحو الزيادة والنقصان ولا الشدة والضعف اى لا يزيد وجودها ولا ينقص ولا يشد ولا يضعف والدليل على ذلك ما ذكر صاحب الشوارق وغيره من ان الحركة فى كل شيء معناها ان يكون المتحرك متقوما وموجودا من دون ذلك الشيء بنفسه وباقيا بعينه ويتوارد عليه فى كل ان من الآنات المفروضة فى زمان الحركة فرد من افراد ذلك الشيء فان معنى حركة الجسم فى الاين هو ان الجسم موجود ومتقوم بنفسه

٢٠