جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أنه ـ مع عدم الجابر له في ذلك بل الموهن متحقق ـ يمكن حمله على إرادة مصلحة التقرير وإيضاح الأمر وغير ذلك (١).

ومن هنا كان الأصح عدم منعه من الإرث بذلك ، وإن توقف فيه الفاضل لعدم ثبوت كونه قاتلا كي يكون مانعا من ترتب أثر النسب المقتضي للإرث والضمان إنما يقتضي كونه بحكم القاتل بالنسبة إلى ذلك.

( وإن وجد مقتولا وادعى قتله على غيره وأقام بينة فقد بري‌ء ) بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه ( وإن عدم البينة ففي القود تردد ) من ظاهر خبر ابن أبي المقدام ، وكونه أقرب إلى استيفاء المضمون من الدية التي هي بمنزلة القيمة ، ونسبته في محكي السرائر إلى رواية ، ومن أصالة البراءة والاحتياط في خطر الدماء ، وأعمية الضمان منه ، بل ظهوره في غيره ، وخبر ابن أبي المقدام قد عرفت الحال فيه ، وإلا لاقتضى القود حتى مع عدم العلم بالحال ، وقد عرفت عدم الجابر له في ذلك بل الموهن متحقق.

( و ) من هنا كان ( الأصح أن لا قود ) عليه بل لا أجد فيه خلافا بين من تعرض له سوى ما يحكى عن المفيد وتبعه الفاضل في الإرشاد من ثبوت القود إذا لم تقم البينة مع أنه احتاط بإسقاطه أيضا ، بل عن ظاهر الغنية وغيرها الإجماع عليه ، بل عن النهاية نسبته إلى رواية ، بل عن السرائر نسبته إلى روايات ، فالحكم حينئذ مفروغ منه.

نعم عن السرائر والمختلف أنه يثبت اللوث مع العداوة بينهما ، فلو حلف أولياء الفقيد القسامة أنه قتله اقتصوا منه إن ادعوا قتله عمدا وهو أيضا مخالف للنص والفتوى أيضا إلا إذا أثبت مقتضى اللوث بأمر آخر زائد على ذلك ، إذ لا دليل على أنه لوث شرعا ولا تشمله عموماته ، إذ ليس هو مطلق الظن كما عرفته في محله ، بل قد يظهر من بعض إخراج الفرض من حكم القسامة للنص والفتوى وإن شملته أدلة اللوث كما أخرجاه من قاعدة عدم ضمان الحر ، وإن كان لا يخلو‌

__________________

(١) راجع مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٢٨٥.

٨١

من بحث ، بناء على اعتبار الأمارات المخصوصة في اللوث على وجه لا يشمل الفرض كما عرفت البحث فيه في محله.

وعلى كل حال فلا قود ( و ) لكن ( عليه الدية في ماله ) لما عرفته من اقتضاء الضمان عليه نصا وفتوى مضافا إلى أصالة برأيه العاقلة.

ولو لم يقر بقتله ولا ادعاه على غيره فعن المفيد وسلار وابن حمزة أن عليه القود ، وعن المختلف اشتراطه بالقسامة أنه قتله عمدا ، وفي كشف اللثام « والوجه أنهم إن لم يحلفوا القسامة ألزم البيان فإن ادعى الخطأ قبل مع يمينه وألزم الدية ، وإن ادعى على الغير فما تقدم ».

قلت : لا يخفى عليك ما في الجميع ، ضرورة عدم دليل على شي‌ء من ذلك ، وخبر ابن أبي المقدام الذي قد عرفت عدم الجابر له لا يدل على التفصيل المزبور ، فالمتجه الضمان بالدية في ماله لما عرفت.

نعم لو فرض حصول أمارة زائدة على ذلك يتحقق بها اللوث أمكن حينئذ جريان حكمه عليه حملا للنص والفتوى على خلاف حكمه (١) من حيث الاستدعاء والإخراج ليلا لا مطلقا فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع ، والله العالم.

( وإن وجد ميتا ففي لزوم الدية تردد ) كما في القواعد وغيرها من أصل البراءة وقاعدة الاقتصار ، ومن إطلاق الضمان نصا وفتوى الظاهر في كونه بذلك يكون كضمان المال ، بل عن ابن إدريس أن به رواية ، مضافا إلى قاعدة عدم بطلان دم المسلم ، وهو المحكي عن المقنعة والنهاية والمراسم والوسيلة والنافع وكشف الرموز وتعليق النافع. بل قيل إنه أشهر ، بل هو مقتضى إطلاق معقد المحكي من إجماع الغنية.

نعم قيده في الأربعة المتقدمة بما إذا ادعى الموت حتف أنفه وعجز عن‌

__________________

(١) كذا في الأصل ، وفي بعض النسخ حملا على حكمه.

٨٢

إثباته ، بخلاف غيرها الذي أطلق فيه ذلك سواء ادعاه وعجز عن الإثبات أو سكت ، وهو قوي مع احتمال القتل بأثر غير ظاهر. أما مع العلم بموته حتف أنفه فالمتجه عدم الضمان ، إذ هو ليس كالمال المضمون ، ضرورة كون المنساق من النص والفتوى أن الضمان من احتمال القتل ، ولذا لو أقام بينة على أن القاتل غيره لم يضمنه إجماعا كما عرفت ، بل قد يقال بعدم ضمانه لو علم موته بلذع حية أو عقرب أو نحوهما مما هو كالموت حتف أنفه في عدم الضمان لعدم احتمال قتله. وفرق واضح بينه وبين الطفل المغصوب الذي لا يدفع الآفات عن نفسه.

وعلى كل حال فقول المصنف ( ولعل الأشبه أنه لا يضمن ) كما في محكي التحرير والمختلف للأصل المزبور مع قاعدة الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن ، ولكن قد عرفت قوة الأول بإطلاق الضمان الذي به ينقطع الأصل المزبور ، بل وقاعدة الاقتصار ، ضرورة حجية الظاهر كالمتيقن ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( إذا أعادت الظئر الولد فأنكره أهله صدقت ) بلا خلاف أجده فيه لصحيح الحلبي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل استأجر ظئرا فدفع إليها ولده فغابت بالولد سنين ، ثم جاءت بالولد وزعمت أمه أنها لا تعرفه وزعم أهلها أنهم لا يعرفونه ، قال : ليس لهم ذلك ، فليقبلوه فإنما الظئر مأمونة ».

نعم عن السرائر اعتبار اليمين ، وربما كان أيضا ظاهر قول المصنف وغيره « صدقت » ولكن إطلاق النص والفتوى يقتضي عدمه ، ولعل قوله فيه : « مأمونة » دون « مؤتمنة » كي يدل على استحقاق اليمين على الأمين إذا انهم بعد تسليم شموله لمثل ذلك وأنه غير مختص بالمال.

وعلى كل حال فهي مقبولة القول ( ما لم يثبت كذبها ) لصغر سن من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢.

٨٣

أتت به أو كبره ، على وجه يعلم كونه غيره أو نحو ذلك. ( فـ ) ـلا يقبل قولها حينئذ بل ( تلزمها الدية ) التي هي عوضه بعد أصالة البراءة من القصاص ( أو إحضاره بعينه أو من يحتمل أنه هو ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك.

ولا ينافي قبول قولها فيه أخيرا أنه هو ، كذبها السابق حتى لو قالت إنه مات حتف أنفه وقد علم كذبها ، نعم لو لم يعلم كذبها في ذلك كان القول قولها باليمين كما في غيرها من الأمناء أو مطلقا.

وكان أصل الضمان هنا حيث يضمن للاتفاق ظاهرا عليه ، وعن الشهيد في حواشيه « إن من قواعد الفقهاء إن الحر لا يضمن بإثبات اليد ، إذ لا أثر لليد في غير المال واستثنى من هذه القاعدة ثلاث مسائل : مسألة الظئر ، ومسألة المنادي غيره ليلا ، ومسألة تلف الصبي المغصوب بتلف الغاصب كلدغ الحية وأشباه ذلك ».

بل ويدل عليه أيضا فحوى صحيح سليمان بن خالد (١) الوارد فيما ذكره المصنف ( و ) غيره بل لا أجد فيه خلافا من أنه ( لو استأجرت أخرى ودفعته بغير إذن أهله فجهل خبره ضمنت الدية ) ‌قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل استأجر ظئرا فدفع إليها ولده فانطلقت الظئر فدفعت ولده إلى ظئر أخرى فغابت به حينا ثم إن الرجل طلب ولده من الظئر التي كان أعطاها إياه فأقرت أنها استوجرت وأقرت بقبضها ولده وأنها كانت دفعته إلى ظئر أخرى فقال : عليها الدية أو تأتي به » (٢).

وعن التهذيب (٣) والفقيه (٤) روايته بطرق أخر ومتن آخر قد وافق الأولى‌

__________________

(١) الذي يأتي قريبا.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨٠ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٢.

(٣) التهذيب ج ١٠ ص ٢٢٢.

(٤) الفقيه ج ٤ ص ١٠٦ و ١٦١.

٨٤

إلى قوله : فغابت الظئر بالولد‌ « فلا يدري ما صنع به فقال : الدية كاملة ».

بل لعله كذلك إذا لم يأذنوا بالتسليم وإن أذنوا بالاستيجار كما صرح به في كشف اللثام.

ولو علم موته حتف أنفه عند الثانية ففي الضمان كالمال للتفريط وجه ، وهل للولي الرجوع على الثانية وجه أيضا وإن رجعت هي مع فرض الغرور ، لم أجد ذلك محررا في كلامهم ، وأصالة البراءة وقاعدة عدم ضمان الحر محكمة ، وقد تقدم.

في كتاب الغصب بعض الكلام في ذلك.

المسألة ( الثالثة : )

( لو انقلبت الظئر فقتلته لزمتها الدية في مالها إن طلبت بالمظائرة الفخر ولو كان للضرورة فديته على عاقلتها ) وفاقا للصدوق في ظاهره أو صريحه : والشيخ والفاضل في الإرشاد ، والشهيد في اللمعة على ما حكي عن بعض لخبر محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « أيما ظئر قوم قتلت صبيا لهم وهي نائمة فانقلبت عليه فقتلته فإن عليها الدية كاملة من مالها خاصة إن كانت إنما ظئرت طلبا للعز والفخر ، وإن كانت إنما ظئرت من الفقر فإن الضمان على عاقلتها ».

ونحوه خبر عبد الرحمن بن سالم عن أبيه عن أبي جعفر عليه‌السلام (٢) وخبر الحسين بن خالد عن الرضا عليه‌السلام (٣).

وهي وإن كانت ضعيفة وقلنا بأن الضعيف في الكتب الأربعة لا يعمل به ، ولا يكفي تبين المحمدين له ، أو لعدم ضمانهم صحته ، لكنها متعاضدة مؤيدة بما سمعته من ضمان الظئر ، وخصوصا إذا كانت مستأجرة وقلنا بضمان الأجير‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب موجبات الضمان هذا الحديث بإسناد متعددة نقلا من الكافي ج ٧ ص ٣٧٠ والتهذيب ج ١٠ ص ٢٢٢ ـ ٢٢٣ والفقيه ج ٤ ص ١٦١ والمحاسن للبرقي ج ٢ ص ٣٠٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب موجبات الضمان.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب موجبات الضمان.

٨٥

لمثل ذلك.

بل في نكت المصنف : « لا بأس أن يعمل الإنسان بها لاشتهارها وانتشارها بين الفضلاء من علمائنا ، ويمكن الفرق بين الظئر وغيرها بأن الظئر بإضجاعها الصبي إلى جانبها مساعدة بالقصد إلى فعل له شركة في التلف ، فتضمن لا مع الضرورة » وإن كان في قوله : « ويمكن الفرق إلى آخره » ما لا يخفى.

هذا ولكن خيرة الفاضل في بعض كتبه وولده وثاني الشهيدين الدية على العاقلة مطلقا.

بل في المسالك نسبه إلى أكثر المتأخرين ـ وإن كنا لم نتحققه ـ لأنه خطأ محض ، وهو كذلك لو لا النصوص المزبورة.

ومنه يعلم ضعف ما عن المفيد وسلار وابني زهرة وإدريس ، من أن دية الولد على الظئر مطلقا ، وإن علل بأن إضجاعها الصبي إلى جنبها شبيه بالعامد ، إلا أنه كما ترى واضح الفساد ، ضرورة كونه خطأ محضا كما عرفته في النائم ، ولكن خرجت خصوص الظئر بما عرفت.

ومن هنا كان المتجه عدم إلحاق الأم بها ، وإن حكي عن الشهيد في الحواشي الإلحاق.

بل الظاهر ضمان العاقلة أيضا لها إذا كانت قد ظئرت للعز والفخر (١) ضرورة خروجه عن النصوص المزبورة ، فيبقى على قاعدة الخطأ المحض ، والله العالم.

__________________

(١) في الأصل : « الفقر ».

٨٦

المسألة ( الرابعة )

( روى عبد الله بن طلحة ) كما عن الكافي والتهذيب ( عن أبي عبد الله عليه‌السلام في لص دخل على امرأة فجمع الثياب فوطئها قهرا فثار ولدها فقتله اللص وحمل الثياب ليخرج ، فحملت هي عليه فقتلته ، فقال : يضمن مواليه دية الغلام ، وعليهم فيما ترك أربعة آلاف درهم لمكابرتها على فرجها ، وليس عليها في قتله شي‌ء ) ولفظها : « سألته عن رجل سارق دخل على امرأة ليسرق متاعها فلما جمع الثياب تابعته نفسه فكابرها على نفسها فواقعها فتحرك ابنها فقام فقتله بفأس كان معه فلما فرغ حمل الثياب وذهب ليخرج حملت عليه بالفأس فقتلته فجاء أهله يطلبون بدمه من الغد. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : اقض في هذا كما وصفت لك فقال : يضمن مواليه الذين طلبوا بدمه دية الغلام ، ويضمن السارق فيما ترك أربعة آلاف درهم بمكابرتها على فرجها إنه زان وهو في ماله غرامة وليس عليها في قتلها إياه شي‌ء لأنه سارق » وزاد في الكافي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كابر امرأة ليفجر بها فقتلته فلا دية له ولا قود » (١) ورواه في الفقيه عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) ‌وعن العلامة : « طريقه إلى يونس صحيح على ما ذكره الشيخ في الفهرست وإن لم يذكره الصدوق في مشيخة الفقيه » (٣) وحينئذ فالرواية صحيحة.

فما في المسالك « من أنها ليست من الصحيح فليس إلى تكلف ردها إلى الأصول‌

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٢٩٣ التهذيب ج ١٠ ص ٢٠٨ الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٥ ، نقلا من الفقيه ج ٤ ص ١٦٤.

(٣) لم أجد هذه العبارة في الخلاصة ولكنها موجودة في جامع الرواة ج ٢ ص ٥٤٢.

٨٧

ضرورة » في غير محله.

نعم لم نجد عاملا بها على مخالفتها للأصول التي منها ما عرفته من أن قتل العمد لا تضمنه العاقلة والسارق المذكور قد قتل الولد عمدا فكيف يضمن العاقلة ، ومنها وجوب مهر المثل للوطي لا خصوص الأربعة آلاف درهم ، ومنها أن السارق عليه القطع لا القتل ، ومنها أن قتله وقع بعد قتله لابنها فلم لا يقع قصاصا.

ولذلك أو بعضه صرح ابن إدريس بأنها مخالفة للأصول.

( و ) لكن قد يقال إن ( وجه الدية فوات محل القصاص ) بناء على أن فواته مع عدم تركة له تؤخذ منها الدية ، يقتضي ثبوتها على الأقرب فالأقرب ، كما سمعته سابقا من بعضهم ، بل وبعض النصوص ، وإن كان فيه البحث السابق ، وربما يشهد له في الجملة‌ خبر أبي حمزة الثمالي (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قلت له : دخل رجل على امرأة حامل فوقع عليها فقتل ما في بطنها فوثبت عليه فقتلته ، قال : ذهب دم اللص هدرا وكانت دية ولدها على المعقلة ».

كما أن وجه عدم وقوعه قصاصا عن ولدها ( لأنها قتلته دفعا عن المال فلم يقع قصاصا ) ومنه يعلم الوجه في قتله دون قطعه ( وإيجاب المال دليل على أن مهر المثل في هذا لا يتقدر بخمسين دينارا بل بمهر مثلها ) بالغا ( ما بلغ ) كما عرفته في محله ( و ) حينئذ ( تنزل هذه الرواية على أن مهر أمثال هذه القاتلة هذا القدر ).

ثم إن المصنف ذكر في نكت النهاية وجوها لذكر الشيخ مضمونها ونحوها بلفظ الرواية دون غيرها ، لا فائدة في ذكرها وإن حكاها في المسالك على طولها.

( وروى عنه ) أي عبد الله بن طلحة ( عن أبي عبد الله عليه‌السلام ) أيضا في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العاقلة الحديث ٣.

٨٨

الكافي والتهذيب بالسند الضعيف ، وفي الفقيه بالسند الذي عرفته ( في امرأة أدخلت ليلة البناء بها صديقا إلى حجلتها فلما أراد الزوج مواقعتها ثار الصديق فاقتتلا فقتله الزوج فقتلته هي قال : يضمن دية الصديق وتقتل ) (١) ( بالزوج ) و‌لفظه « قلت له : رجل تزوج امرأة فلما كان ليلة البناء عمدت المرأة إلى رجل صديق لها فأدخلته الحجلة فلما دخل الرجل يباضع أهله ثار الصديق واقتتلا في البيت ، فقتل الزوج الصديق وقامت المرأة فضربت الزوج ضربة فقتلته بالصديق ، فقال : تضمن المرأة دية الصديق وتقتل بالزوج » (٢).

ولكن لم أجد بها عاملا على ظاهرها ، نعم ذكره الشيخ وغيره بعنوان الرواية ( و ) من هنا قال المصنف ( في تضمين دية الصديق تردد أقربه أن دمه هدر ) كما عن الحلبي والفخر والكركي التصريح به.

نعم في النكت « لعل ضمانها لأنها غرته » وعن التحرير « لأنها أخرجته من منزله ليلا » والثاني كما ترى بعد معلومية قاتله ، بل والأول بعد استفاضة النصوص أو تواترها المتقدمة سابقا على هدر دم مثله ، منها‌ خبر الجرجاني عن أبي الحسن عليه‌السلام (٣) « في رجل دخل دار رجل للتلصص أو الفجور فقتله صاحب الدار ، أيقتل أم لا؟ قال : اعلم أن من دخل دار غيره فقد أهدر دمه ولا يجب عليه شي‌ء ».

وما في المسالك ـ من أنه يشكل بأن دخوله أعم من قصد الزنا فلا يدل عليه ، ولو سلم منعنا الحكم بجواز قتل من يريده مطلقا ـ كما ترى ، ضرورة كونه محاربا أو كالمحارب وإلا لكان الزوج ضامنا لا هي ، فالأولى حمل الخبر‌

__________________

(١) في الأصل : تقاد وفي الشرائع : تقتل.

(٢) الكافي ج ٧ ص ٢٩٣ ، التهذيب ج ١٠ ص ٢٠٩ ، الفقيه ج ٤ ص ١٦٥ ، الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب قصاص النفس الحديث ٣ ، والباب ـ ٢١ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٢.

٨٩

المزبور على أنه قضية في واقعة لم تحك بتمامها فلا يتعدى منها إلى غيرها ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة روى محمد بن قيس ) الثقة بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه وكون المروي عنه الباقر عليه‌السلام ، فالرواية صحيحة في الكافي والفقيه وموضع من التهذيب (١) ( عن أبي جعفر عن علي عليهما‌السلام في أربعة شربوا المسكر فجرح اثنان وقتل اثنان ، فقضى عليه‌السلام دية المقتولين على المجروحين بعد أن ترفع جراحة المجروحين من الدية ) و‌لفظه : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في أربعة شربوا مسكرا فأخذ بعضهم على بعض السلاح فاقتتلوا فقتل اثنان فجرح اثنان ، فأمر بالمجروحين فضرب كل واحد منهما ثمانين جلدة ، وقضى بدية المقتولين على المجروحين ، وأمر أن تقاس جراحة المجروحين فترفع من الديات فإن مات المجروحان فليس على أحد من أولياء المقتولين شي‌ء ».

بل رواه في موضع آخر من التهذيب بسند آخر متصل إلى‌ عبد الله بن الحكم (٢) « قال : سألته عن أربعة نفر كانوا يشربون في بيت فقتل اثنان وجرح اثنان قال : يضرب المجروحان حد الخمر ويغرمان قيمة المقتولين وتقوم جراحتهما فيرد عليهما مما أديا من الدية ».

بل عن المقنعة والنهاية والقاضي وابني حمزة وزهرة أنهم غير قادحين فيها بشي‌ء ، وإن كان ذلك ليس صريحا في الفتوى بها.

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٢٨٤ ، التهذيب ج ١٠ ص ٢٤٠ الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

(٢) التهذيب ج ١٠ ص ١٥٣ ـ ١٥٤ وللحديث ذيل.

٩٠

لكن في المسالك « عمل بمضمونها كثير من الأصحاب » وفي التنقيح « إن أكثر الأصحاب عملوا بها حتى أن أبا علي قال : لو تجارح اثنان فقتل أحدهما قضى بالدية على الثاني ووضع منها أرش الجناية عليه » وفي كشف اللثام « إنه اشتهر بين الأصحاب وأفتى بمضمونه القاضي ».

( و ) الظاهر إرادة اشتهاره رواية لا عملا فإنه لم يحك العمل به إلا عن أبي علي والقاضي ، خصوصا بعد معارضته بما ( في رواية السكوني ) المروية في التهذيب والفقيه (١) ( عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنه جعل دية المقتولين على قبائل الأربعة وأخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين ) ‌« قال : كان قوم يشربون فيسكرون فيتباعجون بسكاكين كانت معهم فرفعوا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فسجنهم فمات منهم رجلان وبقي رجلان فقال أهل المقتولين : يا أمير المؤمنين أقدهما بصاحبينا فقال علي عليه‌السلام للقوم : ما ترون؟ قالوا : نرى أن تقيدهما قال علي عليه‌السلام : فلعل ذينك اللذين ماتا قتل كل واحد منهما صاحبه قالوا : لا ندري فقال علي عليه‌السلام : بل أجعل دية المقتولين على قبائل الأربعة وآخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين ، » وذكر إسماعيل بن الحجاج بن أرطاة عن سماك بن حرب عن عبد الله بن أبي الجعد إنه قال : « كنت أنا رابعهم فقضى علي عليه‌السلام هذا القضية فينا » (٢) ‌بل في كشف الرموز إن هذا الخبر أقرب إلى الصواب لأن القاتل غير معين ، واشتراكهم في القتل أيضا مجهول لجواز أن يكون حصل القتل من أحدهم فرجع إلى الدية لأن لا يبطل دم امرء مسلم وجعل على قبائل الأربعة لأن لكل منهم تأثيرا في القتل ، وإن كان فيه أن تغريم العاقلة على خلاف الأصل ، خصوصا بعد الاتفاق ظاهرا على أن عمد السكران موجب للقصاص أو شبه عمد موجب للدية من ماله ولا قائل بكونه خطأ محضا ، على أنه إن علم أن لكل منهم أثرا في القتل كان لأولياء المقتولين قتل الباقين ، وإن لم يعلم فلم جعلت الدية‌

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٤٠ ـ الفقيه ج ٤ ص ١١٨.

(٢) التهذيب ج ١٠ ص ٢٤٠.

٩١

على قبائلهم.

وفي كشف اللثام « إنه يمكن تنزيل الخبر على أن ولي كل قتيل ادعى على الباقين اشتراكهم وقد حصل اللوث ولم يحلف هو ولا الباقيان ولا أولياء القتيلين (١) » وفيه نظر.

فلا محيص عن مخالفة الخبر المزبور للقواعد وأولى منه في ذلك الأول ضرورة عدم اقتضاء الحال المزبور كون المجروحين القاتلين ولا كون المقتولين الجارحين إذ ربما قتل أحد المقتولين الآخر أو قتلهما أحد المجروحين وكذا في المجروحين ، على أنه إذا حكم بأن المجروحين القاتلان فالمتجه ثبوت القود عليهما لا الدية بناء على أن السكران بحكم الصاحي ، بل هو كذلك في المجروحين أيضا ، إلا أنه لعله لفوات محله كما أنه لا وجه لإطلاق الحكم بأخذ دية الجرح وإهدار الدية لو ماتا ، وإن قال في كشف اللثام : « ويندفع الكل بحمله على أن الواقع كان قتل الجارحين المقتولين أو لما كان اللوث وحلفهما القسامة فلم يحلفا وجرح المقتولين الجارحين وإنما لم يقدهما إما لصلح أو لوقوعه عند السكر فيكون خطأ ، وأما قوله : فان مات أحد المجروحين ـ إلى آخره ـ فيحتمل لفظ المقتولين صيغة التثنية والجمع ، فان كان الأول جاز أن يراد بهما المجروح الذي مات مع من قتله من المقتولين ، وإن كان الثاني جاز أن يراد أنه ليس على أحد من أوليائهم شي‌ء للباقين وإن كان عليهم دية جراحة الباقي إلا أن ذلك كله كما ترى ، وخصوصا الأخير.

ونحوه ما في المسالك (٢) خصوصا ما فيها من فرض الجرح في الرواية كونه غير قاتل ، بل ادعى ظهورها في ذلك مع أنك قد سمعت ذيلها الصريح بخلافه كما هو واضح.

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣١٤.

(٢) المسالك ج ٢ ص ٤٩٤.

٩٢

فلا مناص حينئذ عن مخالفة الخبرين للقواعد ومن هنا قال المصنف في النكت (١) ( « ومن المحتمل أن يكون علي عليه‌السلام قد اطلع في هذه الواقعة على ما يوجب هذا الحكم ) فلا يتعدى حينئذ منها إلى غيرها ».

وفي السرائر : « إن الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن القاتلين يقتلان بالمقتولين فإن اصطلح الجميع على أخذ الدية أخذت كملا من غير نقصان لأن في إبطال القود إبطال القرآن وأما نقصان الدية فذلك على مذهب من تخير بين القصاص وأخذ الدية وذلك مخالف لمذهب أهل البيت عليهم‌السلام لأن عندهم ليس يستحق غير القصاص فحسب » (٢).

وفيه أنه ليس شي‌ء من الأصول يقتضي ذلك في القضية المفروضة التي لا يعلم الحال فيها ، نعم لو علم أن الباقين قتلا الهالكين عمدا اتجه القصاص حينئذ بناء على أن السكران بحكم الصاحي ولا يسقط إلا بالصلح على الدية أو أكثر منها أو أقل فلا يتعين نقص الدية جراحة المجروحين منها ، على أن جراحتهما ربما وقعت دفاعا فهي هدر ، نعم الذي يقتضيه الأصول في مثله جريان حكم اللوث فيها أو سقوط الدية والقصاص عن كل منهم لعدم العلم بالحال ، والله العالم.

المسألة ( السادسة ) ‌

روى السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام كما في الكافي والتهذيب ، (٣) ومحمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام كما في التهذيب (٤) بل هي فيه صحيحة عن علي عليه‌السلام ( « في ستة غلمان كانوا في الفرات فغرق واحد وشهد اثنان على الثلاثة

__________________

(١) نكت النهاية ، كتاب الديات ، خمسة صفحات قبل آخر الكتاب.

(٢) السرائر باب الاشتراك في الجنايات من كتاب الحدود.

(٣) الكافي ج ٧ ص ٢٨٤ التهذيب ج ١٠ ص ٢٣٩.

(٤) التهذيب ج ١٠ ص ٢٤٠.

٩٣

بأنهم غرقوه وشهد الثلاثة على الاثنين فقضى عليه‌السلام بالدية ) أخماسا ( ثلاثة أخماس على الاثنين وخمسين على الثلاثة ) ‌

ورواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) ، ورواه المفيد في المحكي من إرشاده مرسلا (٢) ، وكذا في المقنعة (٣) ، بل قيل والنهاية والغنية وغيرها مما تأخر عنها ، وحكيت روايتها عن التقي والصهرشتي ، كما حكي العمل بها عن القاضي ، لكن في التحرير ونكت النهاية إنها قضية في واقعة عرف عليه‌السلام الحكم فيها بذلك لخصوصية لا تتعدى إلى غيرها ، بل قال المصنف هنا ( وهذه الرواية متروكة بين الأصحاب فإن صح نقلها كانت حكما في واقعة فلا تتعدى لاحتمال ما يوجب الاختصاص ) ونحوه من تلميذه الآبي وغيره وعن السرائر « الغلمان إن كانوا صبيانا وهو الظاهر فلا تقبل شهادتهم هنا » وفي المسالك تبعا للمحكي عن أبي العباس « والموافق للأصل من الحكم أن شهادة السابقين بها إن كانت مع استدعاء الولي وعدالتهم قبلت ثم لا تقبل شهادة الآخرين للتهمة ، وإن كانت الدعوى على الجميع أو حصلت التهمة عليهم لم تقبل شهادة أحدهما مطلقا ويكون ذلك لوثا يمكن إثباته بالقسامة » (٤) ومقتضاه بلوغ الغلمان ، مع أنهم استدلوا بهذا الخبر في كتاب الشهادات على قبول شهادة الصبيان في الجراح والقتل وفي الروضة « أن الدية أخماس على كل واحد منهم خمس بنسبة الشهادة » وهو وإن ناسب توزيع الدية على الرؤوس ، لكنه خلاف ما سمعته من الخبر ، فالأولى تنزيله على أنه قضية في واقعة هو أعلم منا بحالها ، والله العالم.

__________________

(١) الفقيه ج ٤ ص ١١٦.

(٢) الإرشاد ص ١٠٦.

(٣) المقنعة باب الاشتراك في الجنايات ص ١١٨.

(٤) المسالك ج ٢ ص ٤٩٤.

٩٤

( البحث الثاني )

(في الأسباب : )

( وضابطها ) على ما في الكتاب هنا والقواعد وغيرها ( ما لولاه لما حصل التلف لكن علة التلف غيره كحفر البئر ونصب السكين وإلقاء الحجر فإن التلف عنده بسبب العثار ) ولكن قال في كتاب الغصب : « هو كل فعل يحصل التلف بسببه كحفر البئر في غير الملك وكطرح المعاثر في المسالك » وفي كشف اللثام « هو هنا أعم من فعل السبب بالمعنى المتقدم في أوائل الكتاب وفعل الشرط » (١).

قلت : قد عرفت في أول كتاب القصاص أنه قد ذكر بعضهم في بيان أقسام المزهق أن العلة هي المباشرة وهي ما يسند إليها الموت ، وأن الشرط ما يقف عليه تأثير المؤثر ولا مدخل له في الموت كحفر البئر في الطريق بالنسبة إلى الوقوع فيها إذ الوقوع مستند إلى علته وهو التخطي.

أو أن السبب ما له أثر ما في التوليد للموت كما للعلة لكنه يشبه الشرط من جهة أنه لا يولد الموت بنفسه بل يولد المولد له ولو بوسائط وقد يتخلف الموت عنه ولا يتخلف عن العلة كالإكراه فإنه يولد في المكره داعية القتل غالبا توليدا قويا ، وكشهادة الزور المولدة في القاضي داعية القتل غالبا من حيث الشرع ، وتقديم الطعام المسموم إلى الضيف فإنه يولد القتل توليدا عرفيا لا حسيا ولا شرعيا ، ومن هنا كان السبب هنا أعم من فعل السبب بالمعنى المذكور ومن‌

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٠٣.

٩٥

فعل الشرط.

ولا يخلو من نظر فإن دعوى التوليد في الإكراه الذي يبقى معه الاختيار وفي شهادة الزور واضحة المنع ، ضرورة عدم توليد فيها يقتضي التلف كالإحراق بالنار والإغراق بالماء كما هو واضح.

فالتحقيق أن الضمان بذلك شرعي بعد فرض عدم تحقق السببية فيه ، فتأمل جيدا.

هذا وفي المسالك « الواجب في إهلاك النفس وما دونها كما يجب بالمباشرة يجب بالتسبيب إليه حيث لا يجامع المباشرة ، وإلا قدمت كما مر وسيأتي تفصيله ، وقد تقدم في باب الغصب البحث عن السبب واختلاف تعريف المصنف إياه ثم وهنا ، وأن هذا التعريف أقرب إلى معناه لكن اختلف كلام المصنف في جعل حفر البئر سببا وعدمه ، ففي الغصب جعله من جملة السبب وسيأتي أيضا ما يفيده ، وهنا لم يجعله سببا والأظهر أن كل واحد من الحفر ووضع الحجر ونصب السكين تصدق عليه السببية ، لكن ما ينسب إليه التلف عرفا يختص بالعلة والباقي بالسببية ، ثم إن اتحد السبب مع فقد المباشر فالضمان منسوب إليه وإن تعدد فالحوالة بالضمان على السبب المتقدم في التأثير لا في العدوان ، كوضع الحجر بالنسبة إلى التردي في البئر ، وكالتردى مع وضع السكين في قعر البئر فإن العثار سابق الوقوع والوقوع سابق على إصابة السكين وإن كان وضع الحجر متأخرا عن حفر البئر ، هذا كله مع تساويهما في العدوان وإلا فالضمان على المتعدي » (١).

قلت : لا يبعد من إرادتهم السبب الموجب للدية هنا الشرط كالحفر الذي ذكره المصنف هنا وفي كتاب الغصب سببا ولكن من المعلوم عدم إيجاب مطلق الشرط وإن كان بعيدا بل كان مقتضي الأصل وغيره عدم الضمان به مطلقا بعد عدم‌

__________________

(١) المسالك ج ٢ ص ٤٩٤.

٩٦

صدق نسبة التلف بل ولا الإتلاف ، إلا أن الضمان جاء من النصوص التي تسمع جملة منها ، فالمتجه حينئذ الاقتصار على ما فيها وما يلحق به ولو بمعونة الفتاوى ، وقد أشبعنا الكلام في المسألة في كتاب الغصب ، بل ذكرنا بعض الكلام في كتاب القصاص أيضا ، وقلنا : إنه ليس في شي‌ء من النصوص جعل لفظ السبب والعلة والشرط عنوانا للحكم فالاختلاف في تعريفها وتطويل الكلام في ذلك خال عن الفائدة وإنما المدار على صدق نسبة الفعل وهو « قتل » ونحوه أو نسبة المصدر وهو « القتل » وإن لم تتحقق نسبة القتل كما في قتل النائم ونحوه ، وعلى ما ثبت من الشرع به الضمان به من هذه المسماة بالشرائط عندهم أو الأسباب ، نعم ليس في النصوص استقصاء لها ولكن ذكر جملة منها فيها ، ومنه يظهر وجه إلحاق ما ماثلها به ، وظاهرهم أن السبب الموجب للدية الذي هو بمعنى الشرط الذي لا يوجب ضمانا إلا في مال المسبب ولا يكون على العاقلة منه شي‌ء ، ولعله لإطلاق الضمان في النصوص على وجه ينسب إليه ولعدم صدق القتل خطأ عليه مع أصالة براءة ذمة العاقلة فتأمل جيدا وربما يأتي مزيد تحقيق للمسألة إن شاء الله.

( و ) كيف كان فـ ( ـلنفرض لصورها ) أي الأسباب الموجبة للدية ( مسائل : )

( الأولى : )

( لو وضع حجرا في ملكه أو مكان مباح ) له التصرف فيه بما أراد ( لم يضمن دية العاثر ) كما صرح به غير واحد للأصل وما تسمعه من النصوص ، بل‌ والنبوي « البئر جبار والقحماء جبار والمعدن جبار » (١) ‌بناء على كون المراد منه هدر دية الواقع في مثل البئر المحفورة في الأراضي المباحة ، وكذا من يتلف بركوب دابة أو استخراج معدن.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢.

٩٧

وعن نهاية الأثيرية « أن البئر هي العادية القديمة لا يعلم لها حافر ولا مالك فيقع فيها الإنسان وغيره فهو جبار أي هدر ، وقيل هي الأجير الذي ينزل في البئر ينقيها أو يخرج شيئا وقع فيها فيموت » (١).

وأما القحماء فهي الدابة ، وأما المعدن فهو ما إذا انهار على من يعمل فيه فهلك لم يؤخذ به مستأجره.

قلت : لعل حمل البئر على الأعم مما ذكره أولى.

وعلى كل حال فلا ضمان في الفرض وإن كان الحفر سببا بالمعنى الأعم إلا أنك قد عرفت أصالة عدم الضمان حتى يثبت من الشرع ، والفرض عدمه. نعم لو كان أدخل هو أعمى مثلا أو غيره في الظلمة ولم يعلم بالحال ضمن ، كما تسمع نحوه في حفر البئر في ملكه ، كما عن جماعة التصريح به ، عملا بأدلة الضرر بعد الشك في تناول الإطلاق لمثل الفرض ، بل قد يدعى انسياقه إلى غيره ، بل قد يشعر الأمر بالتغطية في بعضها بذلك هذا.

وربما يظهر من اقتصار بعضهم على الملك الضمان في المباح ، ولعله لإطلاقه في الإحداث بما لا يملكه ، لكن قد يقال : « إن المنساق منه غير المباح الملحق بالملك ولا أقل من الشك والأصل البراءة » ( ولو كان في ملك غيره أو طريق مسلوك ضمن في ماله ) كما صرح به الفاضل وغيره ، بل عن المبسوط « عندنا » مشعرا بالإجماع عليه لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل ينفر برجل فيعقره وتعقر دابته رجلا آخر قال : هو ضامن لما كان من شي‌ء. وعن الشي‌ء يوضع على الطريق فتمر الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره فقال : كل شي‌ء مضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه » (٢) ‌وصحيح الكناني « قال :

__________________

(١) نهاية اللغة ج ١ ص ٨٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول والباب ـ ٩ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

٩٨

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من أضر بشي‌ء من طريق المسلمين فهو له ضامن » (١) ‌وغيرهما مما تسمعه في حفر البئر (٢) ونحوه.

نعم قد يقال : بتقييد ذلك بما إذا لم يكن لمصلحة المسلمين كوضع حجر ونحوه في الطين ليطأ على الناس (٣) عليه أو لمرمة القنطرة وسقف الساقية ووضع الحصى مثلا في حفيرة ليملأها ، نحو ما تسمعه في الحفر في طريق المسلمين سواء أذن الإمام بذلك أم لا ما لم يمنع منه ، كما في كشف اللثام ومحكي التحرير ، ولعله للأصل بعد عدم الاندراج في النصوص المزبورة.

ولو وضع حجرا وآخر ان آخر فعثر بهما إنسان فمات أو تلف منه عضو ، احتمل تقسيط الضمان أثلاثا بعدد الجناة ، وأن يكون النصف على الأول والنصف على الباقين ، تقسيطا له على عدد السبب فإنه حجران أحدهما وضعه الأول فعليه النصف والآخر وضعه اثنان فعليهما النصف ، ولعل الأول أوفق بما تقدم سابقا من التوزيع على عدد الجناة دون الجناية في الجروح ونحوها وإن اتحد من أحدهم وتعدد من الآخر.

( وكذا ) يجرى جميع ما ذكرنا فيما ( لو نصب سكينا فمات العاثر بها ) كما صرح به الفاضل وغيره حتى المبسوط فيما حكى عنه.

ولو جاء السيل بحجر فلا ضمان على أحد بلا خلاف ولا إشكال وإن تمكن من إزالته.

نعم إن نقله إلى موضع آخر من الشارع ضمن ولو كان مثل الأول أو أقل سلوكا منه كما في كشف اللثام ومحكي الإيضاح ، واستجوده الكركي فيما حكى عنه أيضا ، بل عن حواشي الشهيد أنه المنقول ، ولعله لإطلاق النصوص المزبورة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢.

(٢) راجع الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الضمان.

(٣) كذا في الأصل ، والظاهر زيادة « على ».

٩٩

لكن في القواعد ذلك على إشكال في الأخير ، وكأنه مما عرفت ، ومن قاعدة الإحسان ، وفيه أن الإحسان في رفعه لا في وضعه في مكان آخر ولو كان أقل سلوكا.

ولو وضع حجرا مع الحجر الذي جاء به السيل فعثر بهما إنسان فمات أو انكسر أمكن التقسيط فيضمن النصف حينئذ ويهدر النصف الآخر وأمكن ضمان الجميع على الواضع ، إلا أن الأول أوفق بالعدل وأصل البراءة وغيرهما.

نعم لو حفر بئرا إلى جانب هذا الحجر الذي جاء به السيل فتعثر إنسان بذلك الحجر وسقط في البئر فالضمان جميعه على الحافر كما في القواعد ، لتعديه بالحفر قرب الحجر المزبور مع تركه له ، فكأنه هو الواضع له حينئذ ، وإن قلنا بضمان الواضع دون الحافر فيما لو حفر أحدهما ووضع الآخر عدوانا كما عن المبسوط والمهذب والتحرير وغيرها لأنه حينئذ كالدافع والأسبق في الجناية وإن تأخر وضعه عن الحفر ، ضرورة الفرق بينهما لتحقق العدوان فيهما بخلاف المقام الذي لا عدوان فيه إلا للحافر نحو الحجر المزبور ، فدليل الضمان مختص به كما لو لم يكن ثم حجر فعثر ووقع في البئر ، على أنه يمكن القول بضمان المتأخر منهما من العاديين فان وضع الحجر قرب البئر بمنزلة الدفع لا مطلقا ، بل لم يستبعده في كشف اللثام وإن كان ستعرف أن المشهور خلافه.

ولو تعدى أحدهما خاصة فالضمان عليه دون الآخر وهو واضح إلا إذا قلنا بالاشتراك فإن المتجه حينئذ ضمان النصف كما ستعرف تمام الكلام في ذلك إن شاء الله.

( وكذا ) الكلام جميعه يجري فيما ( لو حفر بئرا أو ) حفر حفيرة ضرورة أنه كما لو ( ألقي حجرا ) فإن كان في ملكه أو في مكان مباح له التصرف فيه بذلك ، ونحوه غير الطريق ، لم يضمن وإلا ضمن على حسب ما سمعته سابقا في وضع الحجر بلا خلاف أجده فيه بينهم ، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه.

١٠٠