جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بل عن المبسوط الإجماع عليه ، مضافا إلى صدق الإتلاف ، و‌خبر يعقوب بن سالم المروي (١) في الكافي والتهذيب ، عن الصادق عليه‌السلام « كانت امرأة بالمدينة تؤتى ، فبلغ ذلك عمر ، فبعث إليها فروعها وأمر أن يجاء بها ، ففزعت المرأة وأخذها الطلق ، فانطلقت إلى بعض الدور ، فولدت غلاما واستهل ثم مات ، فدخل عليه من روعة المرأة وموت الغلام ما شاء الله ، فقال بعض جلسائه : ما عليك من هذا شي‌ء ، وقال بعضهم : وما هذا؟ قال : سلوا أبا الحسن عليه‌السلام ، فقال لهم أبو الحسن : لئن كنتم اجتهدتم ما أصبتم ، ولئن كنتم قلتم برأيكم لقد أخطأتم ، عليك دية الصبي » ‌ومقتضاه كمعقد إجماع المبسوط ، أنه بحكم شبه عمد ، ولعله لأن الإخافة سبب في إسقاط حملها فهو جناية عليه ، كوضع شي‌ء ثقيل على ظهرها ونحوه مما يقتضي سقوط الحمل.

ولا ينافيه ما‌ روى (٢) من « أن طلحة والزبير لما انهزما يوم الجمل فمرا بامرأة حامل ، فخافت وألقت جنينها وماتا ، فوداهما أمير المؤمنين عليه‌السلام من بيت مال البصرة » ‌إذ لعله كان ذلك من جهة خوفها من جيوش المسلمين.

نعم في‌ رواية أخرى (٣) في نحو ذلك « أنه وزع الدية على العاقلة » ، ولعله لأن المقصود تخويفها دون سقوط الحمل ، خصوصا مع عدم العلم بحملها ، وربما يأتي إن شاء الله تحقيق ذلك في الجناية على الجنين.

وعلى كل حال فلا إشكال في ضمان الجنين في الفرض ، بل ولا في ضمانها أيضا لو ماتت في ماله مع تعمده الإخافة الغير المتلفة غالبا ، وإلا كان عليه القصاص ، ولو لم يتعمدها كانت الدية على العاقلة ، نعم لو كان تخويفها من الإمام بحق لم يضمن ، وقضية عمر في ضمان الجنين الذي لا سبيل له عليه ، والله العالم.

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٣٧٤ ، التهذيب ج ١٠ ص ٣١٢ وفيه « ما ساءه » مكان « ما شاء الله ».

(٢) البحار ج.

(٣) البحار ج.

٦١

المسألة ( السادسة : )

( إذا صدمه فمات المصدوم فديته من مال الصادم ) مع قصده الصدم دون القتل ، وإن قصده أو كان الصدم مما يقتل غالبا فالقصاص ، ( أما الصادم لو مات فهدر إذا كان المصدوم في ملكه أو في موضع مباح أو في طريق واسع ) أو نحو ذلك مما لا تفريط فيه من المصدوم ، سواء كان الصادم قاصدا أم لا بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بين من تعرض له ، كالشيخ والفاضل والشهيدين وغيرهم ، بل ولا إشكال.

نعم في الإرشاد « والصادم هدر ويضمن دية المصدوم في ماله إذا لم يفرط بأن يقف في المضيق على إشكال » وهي مجملة محتملة وجوها.

منها : كون الإشكال راجعا إلى كيفية الضمان لا إلى أصله ، على معنى أنه في ماله على إشكال ، لاحتمال كونه على العاقلة باعتبار عدم العلم بقصده أو القتل ، كما إذا اشتبه الحال ، فهو خطأ محض يجب فيه الدية على العاقلة ، وإن كان هو كما ترى ، ضرورة كون الأصل ضمانة الجناية حتى يعلم عنوان الخطاء.

ومنها : كونه عائدا إلى ضمان الصادم دية المصدوم إذا فرط التفريط المذكور ، بأن وقف في المضيق ، ومنشأه حينئذ أنه متلف لنفسه بوقوعه في موضع يحرم عليه الوقوف فيه ، فهو المعرض لإتلاف نفسه على وجه يكون أقوى من المباشر ، ومن أنه أزهق نفسا معصومة‌ و « لا يبطل دم امرء مسلم » (١) ‌وصدق أنه لم يقصد إتلاف نفسه ، وعدم قصد الصادم ، لا يزيل الضمان المطلق وإن أزال القصاص عنه ، بل يجب على العاقلة ، وهو المحكي عن ظاهر المبسوط.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٢. والباب ـ ١٠ ـ من أبواب دعوى القتل وما يثبت به الحديث ٥.

٦٢

ومنها : عوده إلى ضمان المصدوم دية الصادم والحال كونه مفرطا كما ستعرفه.

وعلى كل حال ، فعلى تقدير رجوع الإشكال إلى شي‌ء مما سمعته واضح الضعف ، ضرورة انطباقه على الضوابط السابقة كما هو واضح.

( ولو كان ) واقفا ( في طريق المسلمين ضيق ) فصدمه بلا قصد ( قيل ) كما عن المبسوط ( يضمن المصدوم ديته لأنه فرط بوقوفه في موضع ليس له الوقوف فيه ، كما إذا جلس في الطريق الضيق فعثر به إنسان ) مما كان السبب فيه أقوى من المباشر ، وتبعه عليه الشهيدان.

وربما أشكل بعدم إتلاف الصادم مباشرة ولا تسبيبا ، وإنما حصل بفعل الصادم ، والوقوف من مرافق المشي فلا يستعقب ضمانا. وفيه أن الكلام في الوقوف غير السائغ الذي يكون كوضع الحجر في الطريق فيعثر به إنسان ، وعدم المباشرة والتسبيب لا ينافي الضمان بالشرط.

( هذا ) كله ما ( إذا كان لا عن قصد و ) أما ( لو كان قاصدا ) لذلك ( وله مندوحة فدمه هدر ) قطعا ( وعليه ضمان المصدوم ) نفسا أو دية على ما عرفت ، والله العالم.

المسألة ( السابعة : )

( إذا اصطدم حران ) بالغان عاقلان قاصدان لذلك دون القتل ولم يكن مما يقتل غالبا ( فماتا فـ ) ـهو من شبه العمد ، لكن يكون ( لورثة كل واحد منهما نصف ديته ويسقط النصف ) الأخر ( وهو قدر نصيبه ، لأن كل واحد منهما تلف بفعله وفعل غيره ) فيهدر النصف مقابل فعله ويضمن شريكه النصف ، بلا خلاف أجده ، بيننا ، بل ولا إشكال ، نعم عن بعض العامة وجوب الدية تامة لكل منهما على الأخر ،

٦٣

ولا ريب في ضعفه.

ولا فرق فيما ذكرنا بين المقبلين والمدبرين والمختلفين والبصيرين والأعميين والمختلفين ، ولا بين وقوعهما مستلقيين أو منكبين أو مختلفين ، خلافا لأبي حنيفة فأوجب الضمان عليهما في الأول ، أما إذا وقعا منكبين فدمهما هدر ، لأن الانكباب يحصل بفعل المنكب لا بفعل الأخر ، ولو وقع أحدهما منكبا والأخر مستلقيا فالمنكب هدر ( و ) هو واضح الفساد بل ( يستوي في ذلك ) أيضا ( الفارسان والراجلان ) بل ( والفارس والراجل ) إذا فرض طويلا مثلا. ( و ) إن كان ( على كل واحد منهما نصف قيمة فرس الأخر إن تلف بالتصادم ) بل لا فرق بين اتحاد جنس المركوب واختلافه وإن تفاوتا في الشدة والضعف ، بل ولا في الراجلين بين أن يتفق سيرهما قوة وضعفا أو يختلف ، بأن كان أحدهما يعدو ، والأخر يمشي ، لأن الاصطدام والحركة المؤثرة إذا وجدت منهما جميعا ، اكتفى به ولم ينظر إلى مقادير المؤثر وتفاوت الأثر كالجراحة الواحدة والجراحات ، نعم لو كانت إحدى الدابتين ضعيفة بحيث يقطع بأنه لا أثر لحركتها مع قوة الدابة الأخرى فلا يناط بحركتها حكم ، كغرز الإبرة في جلدة العقب مع الجراحات العظيمة.

( و ) على كل حال ( يقع التقاص في الدية ) والقيمة ، ويرجع صاحب الفضل إن كان فيهما أو في أحدهما على تركة الأخر.

نعم لو لم يعتمد الاصطدام بأن كان الطريق مظلما أو كانا أعميين أو غافلين ، فالدية على عاقلة كل منهما ، ولا تقاص إلا أن تكون عاقلة كل منهما ترثه ، وإن تعمده أحدهما دون الأخر فلكل حكمه. وضمان المركوب لا مدخلية للعاقلة فيه.

وفرق واضح بين المقام الذي اشتركا معا فيه في الجناية ، ـ ولذا أهدر النصف ـ وبين ما إذا عثر إنسان بجالس فماتا معا ، فإن الدية واجبة لا يهدر منها شي‌ء ،

٦٤

وذلك لأن كلا منهما قد مات بسبب انفرد به صاحبه ، إذ الجالس قتل العاثر مباشرة ، والعاثر مات بسبب كان من الجالس ، فهو كما لو حفر بئرا في غير ملكه ثم جاء رجل فجرح الحاضر وسقط الجارح في البئر ، فإن الجارح قتل الحافر مباشرة ، والحافر قتل الجارح بالتسبيب ، فتأمل جيدا.

هذا كله مع عدم قصد القتل بالاصطدام ( وإن قصداه أي القتل ) أو أحدهما أو كان بحال يقتل مثله غالبا ( فهو عمد ) يجري عليه حكمه فيهما أو في العامد منهما خلافا لأبي حنيفة فجعله خطاء محض أو عن بعض الشافعية أنه شبيه عمد بناء على أن الاصطدام لا يقتل غالبا ، وهو واضح الضعف.

وفي معنى التصادم ما لو تجاذبا حبلا فانقطع وسقطا وماتا ، لكن عن أبي حنيفة عكس الحكم السابق هنا ، فقال « إن كان وقعا منكبين فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الأخر ، وإن وقعا مستلقيين فهما هدر ، لأن انكباب كل واحد منهما يكون بفعل الأخر ، والاستلقاء يكون بفعله لا بفعل الأخر ، نقيض ما سبق » وهو كما ترى ، ضرورة عدم انضباط الأمر.

هذا إذا كان المتجاذبان مالكين للحبل أو غاصبين ، أما لو كان أحدهما مالكا والأخر غاصبا فدم الغاصب هدر كما هو واضح.

ولو قطعه ثالث عند تجاذبهما ضمنهما في ماله أو عاقلته ، مالكين كانا أو غاصبين أو مختلفين ، وإن تعدى الغاصب بالإمساك والجذب ، فإن المباشر هو القاطع.

نعم لو كان هو المالك وهما الغاصبان ، أمكن عدم الضمان.

ولو علت الدابتان وجرى الاصطدام والراكبان مقلوبان احتمل الهدر في الجميع الراكب والمركوب ، لكونه من جناية الدواب غير الصائلة فهو كالتلف بالافة السماوية ، وكونهما كغير المقلوبين لأن الركوب كان بالاختيار وهو لا يقصر عن حفر البئر في الضمان ، خصوصا مع ملاحظة ضمان الراكب ما تتلفه الدابة ، والله العالم.

٦٥

( أما لو كانا ) أي المصطدمان ( صبيين ) أو مجنونين أو بالتفريق ( والركوب منهما فنصف دية كل واحد منهما على عاقلة الأخر ) بلا خلاف ، لأن عمدهما خطأ ، ولا تقصير من الولي ، ولذا لا يضمن ما يقع منه ، للأصل وغيره ، وضمان الدابتين عليهما كغيرهما مما يتلفانه من الأموال.

( ولو أركبهما وليهما ) لمصلحتهما ( فالضمان على عاقلة الصبيين ) أو المجنونين دون الولي ( لأن له ذلك ) فلا تقصير منه كما لو ركبا بأنفسهما ، ( و ) كما لو حفر بئرا في ملكه فتردى فيه آخر. نعم مع عدم المصلحة يضمن الولي لعدوانه حينئذ كما ( لو أركبهما أجنبي فإن ضمان دية كل منهما بتمامها على المركب ) بلا خلاف ، وكذا دابتيهما ، لعدم قصور إركاب الطفل عدوانا عن حفر البئر كذلك ، فيضمن ما يترتب عليه ، وإن كان بعمد الصبي الذي جعله الشارع بحكم الخطأ ، وحينئذ فإن كان واحدا ثبت عليه دية الصبيين وقيمة الدابتين ، وإن كان اثنين مثلا ثبت على كل واحد نصف قيمة كل واحدة من الدابتين ، لأن الذي أركبه متعديا أتلف النصفين فيضمنه ، ويجب على كل واحد نصف دية الراكب.

لكن في كشف اللثام وعن المبسوط « أن دية الراكب على عاقلة المركب » وفيه أنه سبب ، فيتجه عليه كما هو ظاهر.

( ولو كانا ) أي المصطدمان ( عبدين بالغين ) عاقلين ( سقطت جنايتهما ) بلا خلاف ، بل ولا إشكال ( لأن نصيب كل واحد منهما هدر ) باعتبار كونه الجاني على نفسه ( وما على صاحبه ) من النصف الأخر ( فات بتلفه ) لأن جناية العبد تتعلق برقبته ( و ) من هنا ( لا يضمن المولى ) سواء كانت جنايته عمدا أو خطأ ، ولو كان أحدهما عبدا والأخر حرا فلا شي‌ء لمولاه ولا عليه.

أما الثاني فلما عرفت من تعلق جنايته برقبته وقد فاتت ، وأما الأول‌

٦٦

فلأنه كما جنى عليه الحر جنى هو على الحر ، فيتقاصان وإن زاد نصف قيمته على نصف دية الحر ، إذ لا عبرة بالزيادة عندنا ، هذا.

ولكن وفي المسالك « فإن ماتا وجب نصف قيمة العبد في تركة الحر ، ويتعلق به نصف دية الحر ، وما تعلق برقبة العبد إذا فات يتعلق ببدلها ، كما أن الجاني الذي تعلق الأرش برقبته إذا قتل انتقل إلى قيمته ، ثم إن تساويا تقاصا بناء على أن نقد البلد الذي تجب فيه القيمة أحد أفراد الدية ، ولو كان نصف القيمة أكثر وأوجبناها فللسيد أخذ الزيادة من تركة الأخر وإلا فلا ، وإن كان نصف الدية أكثر فالزيادة مهدرة (١) لأنه لا محل يتعلق به » (٢).

وفيه ما لا يخفى عليك في قوله « بناء » أولا وقوله « وأوجبناها » ثانيا.

نعم لو فرض كون الحر ذميا أو امرأة مثلا أمكن استحقاق الزيادة ، والله العالم.

ولو مات العبد خاصة فنصفه هدر وتجب نصف قيمته وتكون على الحر كقيمة الفرس ، وإن مات الحر خاصة وجب نصف ديته وتتعلق برقبة العبد كما هو واضح.

( ولو اصطدم حران فمات أحدهما فعلى ما قلناه يضمن ) الحر ( الباقي نصف دية التالف ) والنصف الأخر هدر لأنه من جنايته ( و ) لكن ( على رواية عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام يضمن الباقي ) تمام ( دية الميت ) وهي‌ رواية موسى بن إبراهيم المروي (٣) عنه ، « قال : قضي أمير المؤمنين عليه‌السلام في فارسين اصطدما فمات أحدهما ، فضمن الباقي دية الميت » ‌( و ) لكن ( الرواية ) مع أنها ( شاذة ) لم نجد بها عاملا ، وضعيفة ـ محتملة لضعف صدمة الميت‌

__________________

(١) مهدور ( ن ل ).

(٢) المسالك ، ج ٢ ص ٤٩٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

٦٧

بحيث علم عدم الأثر لها.

( ولو تصادم حاملان ) فاسقطتا وماتتا ( سقط نصف دية كل واحدة ) منهما بجنايتها على نفسها ( وضمنت ) (١) ( نصف دية الأخرى ) كما لو تصادم الرجلان و ( أما الجنين فيثبت في مال كل واحدة نصف دية جنين كامل ) (٢) مع القصد إلى الاصطدام وإلا فعلى العاقلة ، وإن لم يعلم ذكورة الجنين وأنوثته فربع دية الذكر وربع دية الأنثى.

ويجب أيضا في تركة كل واحدة أربع كفارات ، كفارة لنفسها ، وكفارة لجنينها ، وثالثة لصاحبتها ، والأربعة لجنينها ، لأنهما اشتركتا في هلاك الأربعة ، وسيأتي أن الكفارة تجب مع الاشتراك على كل واحد من الشريكين كملا ، كما تجب على المنفرد ، وكذلك تجب على قاتل نفسه ، والله العالم.

المسألة ( الثامنة : )

( إذا مر بين الرماة ) في مكان مباح له المرور فيه ( فأصابه سهم ) أحدهم مثلا ( فالدية على عاقلة الرامي ) بلا خلاف أجده بين من تعرض له ، كالفاضلين والشهيدين وغيرهم ، لكونه مخطئا في فعله وفي قصده ( و ) إلا كان عليه القود أو الدية في ماله كما عرفته مكررا نعم ( لو ثبت أنه قال : حذار ) وسمع المار وكان متمكنا من العدول ( لم يضمن ) العاقلة بلا خلاف أجده أيضا ( لما روى أن صبيا دق رباعية صاحبه بخطره ، فرفع إلى علي عليه‌السلام ، فأقام بينة أنه قال : ) ( حذار ، فدرأ عنه القصاص ، وقال : قد أعذر من حذر ) وهو‌ خبر محمد بن الفضيل (٣)

__________________

(١) وثبت ( ن ل ).

(٢) كذا في الشرائع ولكن في الأصل هكذا : « نصف دية الجنين ».

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ١ التهذيب ج ١٠ ص ٢٠٧ الفقيه ج ٤ ص ١٠٢ الكافي ج ٧ ص ٢٠٢.

٦٨

عن الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام الذي رواه المحمدون الثلاثة ، بل هو في التهذيب والكافي صحيح ، أو حسن كالصحيح « قال كان صبيان في زمن علي بن أبي طالب يلعبون بأخطار لهم ، فرمى أحدهم بخطره فدق رباعية صاحبه ، فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأقام الرامي البينة بأنه قال : حذار ، فدرأ عنه القصاص وقال : قد أعذر من حذر ».

ولعلهم فهموا نفى الدية على العاقلة من‌ قوله : « قد أعذر من حذر » ‌بناء على إرادته قبول عذر المحذر على وجه لا يترتب على فعله ضمان ، لا عليه ولا على عاقلته ، أو أن المراد من درء القصاص درء الضمان ولو بمعلومية عدم كون المقام محلا له ، مضافا إلى كونه أقوى في التلف من الرامي في الفرض ، ولذا قيد الفاضل وغيره قول « حذار » بسماع المقتول وتمكنه من العدول وإن أطلق المصنف وغيره ، بل والخبر ، ضرورة عدم الإعذار مع عدمهما. ولعل الرامي في الخبر كان بالغا بقرينة إقامة البينة ودرء القصاص ، أو المراد وليه.

وعلى كل حال فالحكم المزبور لا إشكال فيه بعد أن لم يكن خلاف ، للخبر المزبور ، أو لما أشرنا إليه ، بل عن الوسيلة زيادة « وإن لم يحذره وكان في ملكه وقد دخل عليه بغير إذنه لم يضمن » ولا يخلو من وجه ، خصوصا بعد ملاحظة ما ورد من‌ قولهم : « من دخل دار غيره بغير إذنه فدمه هدر » (١) ‌ونحوه ، من عدم ضمان المتردي في البئر المحفورة في ملكه مع الدخول بغير إذنه ، وإن كان قد يقال بصدق القتل خطأ في الفرض وإن أثم بالدخول بغير إذن فتأمل جيدا.

( ولو كان مع المار صبي ) مثلا غير مميز ( فقر به من طريق السهم لا قصدا فأصابه ، فالضمان على من قربه ) كما عن القاضي والتحرير ( لا على الرامي لأنه عرضه للتلف ) تعريضا قويا شبيها بالمباشرة ، بل عن التحرير أنه مباشر لأنه كالدافع في البئر والرامي كالحافر ( و ) لكن ( فيه تردد ) كما في القواعد ،

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب موجبات الضمان.

٦٩

ومحكي المبسوط ، من أنه المباشر المقدم على السبب مع الاجتماع ، ولذا كان خيرة الفخر فيما حكى عنه ، « الضمان على عاقلة الرامي ».

قلت : الظاهر كون الفرض من جزئيات مسألة المباشرة والتسبيب ، ولا ريب في تقديم الأول مع فرض اتحادهما في الجهل والعلم لقوة المباشرة على غيرها ، واحتمال الشركة ضعيف ، فترتب حينئذ القصاص والدية على عاقلة الرامي ، أو عليه في صورة يكون شبيه عمد كما أنه لا ريب في تقديم العالم منهما على الجاهل.

ولعل ذكر المصنف الصبي كما في القواعد ومحكي المبسوط لكونه أظهر الأفراد وإلا فلو فرض تقديم البالغ على وجه يكون كتقديم الصبي ترتب الحكم ، ولعله لذا قال في محكي التحرير : « لو قدم إنسانا إلى هدف » (١).

ولو تقدم الصبي لنفسه ولم يقر به أحد فالضمان على الرامي مع التعمد قصاصا أو دية وعلى عاقلته بدونه ، بل في كشف اللثام وغيره : « حذر أم لا » وهو كذلك مع فرض كونه غير مميز ، أما إذا كان مميزا يعقل التحذير فقد يقال بكونه كالبالغ خصوصا بعد إطلاق الخبر المزبور.

وعلى كل حال فقد ذكر غير واحد أن المراد الضمان على عاقلة الرامي في صورة خطائه ، وقال بعض الناس « يأتي مثله في المقرب » وفيه أنه فرق بينه وبين المباشرة ، ولذا لم أجد من قال هنا الضمان على عاقلة المقرب فتأمل جيدا والله العالم.

__________________

(١) التحرير ج ٢ ص ٢٦٢ البحث ١٢.

٧٠

المسألة ( التاسعة )

قد سمعت سابقا في مسألة الطبيب ما ( روا ) ه (‌ السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام إن عليا عليه‌السلام ضمن ختانا قطع حشفة غلام ) (١) ‌( والرواية ) وإن كانت ضعيفة إلا أنها مع أن المحكي عن ابن إدريس نفي الخلاف عن صحتها ( مناسبة للمذهب ) لأصالة الضمان كما سمعته في الطبيب وإن كان حاذقا ومأذونا لأن فعله شبيه عمد إلا أن يأخذ البراءة على ما سمعته سابقا ، واحتمال حمل الخبر المزبور على خصوص المفرط لا حاجة إليه كما هو واضح ، والله العالم.

المسألة ( العاشرة : )

( لو وقع من علو على غيره فقتله فإن قصد ) ذلك ( وكان الوقوع مما يقتل غالبا ) أو قصد القتل به ( فهو قاتل عمد ) يترتب عليه حكمه ( وإن كان لا يقتل غالبا ) وقصد الوقوع عليه دون قتله ( فهو شبيه عمد يلزمه الدية في ماله ) كغيره من أفراده ( وإن وقع مضطرا إلى الوقوع أو قصد الوقوع لغير ذلك فـ ) ـفي الكتاب والقواعد ومحكي التحرير والإرشاد والتلخيص وغيرها ( هو خطاء محض والدية فيه على العاقلة ) وهو واضح في الثاني ، ( أما ) الأول ففي كشف اللثام « إن كان المراد به ما يزول معه القصد إلى الوقوع ، أو الوقوع على الغير فهو كما ( لو ألقاه الهواء ) وسيذكر أنه لا ضمان ، وإن أراد الإلجاء لا إلى زوال القصد فلا فرق بينه وبين غيره في عدم كونه خطأ إلا إذا لم يقصد الوقوع على الغير فلا معنى للعطف بأو » (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢.

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٠٣ مع اختصار.

٧١

ونحوه عن الأردبيلي ، بل أطنب في كشف اللثام حتى اعترف بالعجز عن فهم كلامهم.

وقد يدفع بأن المراد وقع مضطرا على وجه يسند الفعل إليه وإن لم يكن مختارا ، بل لو كان كالمجنون والنائم ممن يكون له قصد يسند الفعل به إليه عرفا وإن لم يكن له اختيار قصد وهو من الخطأ المحض كما عرفته في النائم.

أما لو ألقته الريح ( أو زلق ) أو نحوهما مما لا يسند إليه فعل ( فلا ضمان ) عليه ولا على عاقلته ، بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ، وبذلك افترق عن الأول ، ضرورة عدم صدق نسبة القتل (١) إليه مضافا إلى‌ صحيح محمد ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « في الرجل يسقط على الرجل فيقتله فقال : لا شي‌ء » وصحيح عبيد بن زرارة (٣) « سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل وقع على رجل فقتله قال : ليس عليه شي‌ء » والخبر أو الحسن أو الموثق (٤) « سأله عن رجل وقع على رجل من فوق البيت فمات أحدهما فقال : ليس على الأعلى شي‌ء ولا على الأسفل شي‌ء » ‌بناء على كون المراد منها الوقوع على الوجه المزبور ، ولو لظهورها في عدم ضمان العاقلة أيضا باعتبار استلزام تركه تأخير البيان ، ولإمكان كون المراد من قوله « ليس عليه شي‌ء » أنه لا يترتب على ذلك شي‌ء.

ولكن مع ذلك احتمل في كشف اللثام في الفرض ، كونه كمن انقلب على غيره في النوم فقتله في وجوب الدية عليه أو على عاقلته ، وأن يكون كقتيل الزحام في وجوبها في بيت المال كما في السرائر لئلا يبطل دم امرء مسلم. وثانيهما لا يخلو من وجه ، بل حكي عن التحرير ، وإن كان الأصح خلافه ، ضرورة عدم قتل أحد له بناء على ما ذكرناه ، بل هو شبه المقتول بصاعقة ونحوه. أما أولهما فلا وجه له‌

__________________

(١) الفعل ( ن ل ).

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب قصاص النفس الحديث ٢ ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب قصاص النفس الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب قصاص النفس الحديث ٣.

٧٢

بعد فرض عدم نسبة الفعل إليه ولو خطأ.

( و ) على كل حال فـ ( ـالواقع هدر على التقديرات ) كلها بلا خلاف ، بل ولا إشكال لعدم نسبة قتله إلى أحد كي يرجع عليه أو على عاقلته إلا أن يفرض موته بوقوعه على الأسفل وكان عاديا فيكون (١) كذلك ، ضرورة كونه حينئذ كحافر البئر في وجوب الضمان عليه ، والله العالم.

هذا كله لو وقع على الوجه المزبور ( و ) أما ( لو دفعه دافع فدية المدفوع لو مات ) أو القود ( على الدافع ) بلا خلاف نصا وفتوى بل ولا إشكال.

و ( أما دية الأسفل فالأصل أنها على الدافع أيضا ) كالقصاص له كما هو المشهور بل لا خلاف فيه بين المتأخرين إلا من نادر ، ضرورة كونه كمن هدم عليه جدارا مثلا ، ( و ) لكن ( في النهاية ) ومحكي التهذيب والاستبصار ( ديته على الواقع ويرجع بها على الدافع وهي ) ‌رواية عبد الله بن سنان (٢) التي رواها المحمدون الثلاثة في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل دفع رجلا على رجل فقتله ، قال : الدية على الذي وقع على الرجل لأولياء المقتول ، ويرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه قال : وإن أصاب المدفوع شي‌ء فهو على الدافع أيضا ».

وحملها في كشف اللثام على أن أولياء المقتول لم يعلموا دفع الغير له (٣) ، أو تطرح للإجماع كما قيل على عدم العمل بظاهرها المقتضى للقصاص على الدافع مع قصد القتل أو كون الشي‌ء مما يقتل غالبا فتأمل جيدا ، والله العالم.

__________________

(١) في الأصل : فيكونه.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢ الفقيه ج ٤ ص ١٠٨ الكافي ج ٧ ص ٢٨٨ التهذيب ج ١٠ ص ٢١١.

(٣) كشف اللثام ج ٢ ص ٢٦١.

٧٣

المسألة ( الحادية عشر ) ‌

روى أبو جميلة (١) عن سعد الإسكاف عن الأصبغ قال : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في جارية ركبت أخرى فنخستها ثالثة ، فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة فماتت ، أن ديتها نصفان على الناخسة والمنخوسة ، » ‌( وأبو جميلة ضعيف ) باتفاق من تعرض له على ما قيل ( فلا استناد إلى نقله ) بل في سندها محمد بن عبد الله بن مهران ، وعن النجاشي والخلاصة « أنه من أبناء الأعاجم ، غال كذاب فاسد المذهب والحديث مشهور بذلك » (٢) بل عن النجاشي « أن سعد الإسكاف يعرف وينكر ، وكان قاضيا » (٣) وإن حكى عن الشيخ : « أنه صحيح الحديث بل‌ روى أنه قال له أبو جعفر : « وددت أن على كل ثلاثين ذراعا قاضيا مثلك » (٤) ‌بل فيها أيضا أبو عبد الله الظاهر أنه كنية لمحمد بن خالد البرقي ، وعن النجاشي « أنه ضعيف في الحديث » (٥) وإن كان الظاهر أن المراد به روايته عن الضعفاء والمراسيل.

وبالجملة فالسند كما عرفت ، وإن اقتصر المصنف وغيره على ضعف أبي جميلة للاتفاق عليه ومعلوميته.

وأما المتن فهو ـ مع أنه قضية في واقعة ـ لا يطابق إطلاقه الأصول في صورة إلجاء القامصة إلى القمص ، ضرورة كون المتجه حينئذ الضمان على الناخسة التي هي أقوى في التأثير من القامصة ، وخصوصا مع كون الراكبة عادية في ركوبها لعبث أو غيره ، بل وفي صورة بقاء اختيارها ، إذ المتجه كون الضمان عليها ، لأنها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

(٢) رجال النجاشي ص ٢٧٠ خلاصة الأقوال ص ٢٥٢.

(٣) رجال النجاشي ص ١٣٥.

(٤) مجمع الرجال ج ٣ ص ١٠٠ ـ ١٠١ المتن والهامش.

(٥) رجال النجاشي ص ٢٥٨.

٧٤

أقرب في التأثير من الناخسة مع فرض بقاء الاختيار بل وغير ذلك ، ولعله لذا وغيره قال المصنف في النكت : « إن الرواية ساقطة عندي » (١) ودعوى ـ انجبار السند والدلالة بالشهرة المحكية على لسان الفاضلين والشهيد ، وفي المسالك « هذه الرواية مشهورة في هذا الباب ، بل فيها وفي غاية المراد والتنقيح أنه عمل بمضمونها الشيخ وأتباعه ـ يدفعها ما حكاه غير واحد من عدم العمل بها إلا من الشيخ والقاضي ، فلا يبعد إرادة الشهرة في الرواية.

( وفي المقنعة ) والغنية ومحكي الإصباح والكافي ( على الناخسة والقامصة ثلثا الدية ) ناسبين له إلى قضاء علي عليه‌السلام بذلك وفي الأولى ( ويسقط الثلث لركوبها عبثا ) بل في الغنية ومحكي الكافي ذلك أيضا مع زيادة أنها لو كانت راكبة بأجرة كانت كمال ديتها على الناخسة. و‌عن المفيد في الإرشاد روايته مرسلا (٢) « قال : إن عليا عليه‌السلام رفع إليه خبر جارية حملت جارية على عاتقها عبثا ولعبا ، فجائت جارية أخرى فقرصت الحاملة ، فقمصت لقرصتها فوقعت الراكبة ، فاندق عنقها فهلكت ، فقضى على القارصة بثلث الدية وعلى القامصة بثلثها وأسقط الثلث الباقي لركوب الواقعة ، فبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمضاه ».

وعلى كل حال ففي المتن والنافع والنكت ( و ) محكي المختلف ( هذا وجه حسن ) لقاعدة الاشتراك ، وهو كذلك مع فرضه ، بل ربما جمع بين الخبرين بإمكان إرادة ما يضمن من دية الراكبة في الخبر الأول كما لها أو ثلثيها (٣).

__________________

(١) نكت النهاية ، ستة صفحات قبل آخر الكتاب.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢ مع اختلاف في بعض الألفاظ. فراجع.

(٣) قال في مفتاح الكرامة : « ويمكن أن يراد في الخبر الأول بدية الراكبة ما يضمن من ديتها سواء كان ثلثيها أو كلها فيوافق هذا الخبر » ج ١٠ ص ٣٤٩.

٧٥

( وخرج متأخر ) وهو ابن إدريس ( وجها ثالثا فأوجب الدية على الناخسة إن كانت ملجأه للقامصة ، وإن لم تكن ملجأه للقامصة فالدية على القامصة ) واختاره في الإرشاد والإيضاح والروضة ، واستحسنه في التحرير وكشف الرموز ، ( و ) في المتن ( هو وجه أيضا غير أن المشهور بين الأصحاب هو الأول ) وفيه ما عرفت إن أراد بالأول ما سمعته من مضمون خبر أبي جميلة (١) ، بل وإن أراد ما سمعته من المفيد (٢) ، ضرورة عدم شهرة عليهما ، وخصوصا الثاني منهما الذي لم يدعها عليه أحد.

فلا ريب أن المتجه العمل بما ذكره ابن إدريس ، لأن فعل المكروه الملجإ الذي هو كالآلة مستند إلى المكره ، ولذا يضمن الدافع المقتول بوقوع المدفوع ، بخلاف ما إذا لم تكن ملجأه فإنها مستقلة بالقتل حينئذ.

لكن أشكله الشهيد « بأن الإكراه على القتل لا يسقط الضمان ، وبأن القموص ربما كان يقتل غالبا فيوجب القصاص » وفيه منع عدم إسقاطه مع وصوله إلى حد الإلجاء كما هو الفرض. وبأن القمص الذي هو النفرة لا يستلزم الوقوع بحسب ذاته فضلا عن كونه مما يقتل غالبا فيكون من باب الأسباب لا الجنايات.

نعم لو فرض على حال يكون كذلك أو قصد القتل به لو كان على حال يقتل نادرا اتجه القصاص.

ومن هنا قال في الرياض : « هو قوى متين لو لا مخالفته للروايات المشهورة قطعا بين الأصحاب وإن اختلف بعضها مع بعض ، إلا أنها متفقة في رد هذا الوجه وغيره من الوجوه ».

وفيه ما عرفته من عدم العمل بالأولى إلا الشيخ والقاضي كما اعترف به سابقا ، بل قال : « إن الاعتماد على هذه الشهرة المحكية مع عدم وجدان العامل غيرهما لعله ممنوع » وأما الثانية فقد عرفت أنها مرسلة ولا شهرة تجبر العمل بها أيضا فالمتجه حينئذ العمل بما تقتضيه القواعد ، وتنزيل النصوص المزبورة على‌

__________________

(١) نقلنا مصدرهما آنفا.

(٢) نقلنا مصدرهما آنفا.

٧٦

ما يوافقها ، خصوصا بعد أن كانت قضايا في أعيان خاصة لا تنافي التنزيل المزبور ، نعم ما عن الراوندي ـ من التفصيل بين بلوغ الراكبة واختيارها فما عليه المفيد ، وصغرها وكرهها فما عليه الشيخ ـ وكذا ما في التنقيح ـ من التفصيل بين ما إذا كان الركوب عبثا فالأول ، أو لغرض صحيح فالثاني إن كانت القامصة غير ملجئة وإلا فعلى الناخسة ـ واضح الضعف فيما خالف القواعد منه ، ضرورة عدم شاهد له لو أريد به الجمع بين النصوص المزبورة التي قد عرفت فقدها لشرائط الحجية في نفسها ، واحتمالها ما لا ينافي القواعد لكونها من قضايا الأعيان.

ومن هنا قال في الرياض بعد أن حكاهما مضعفا لهما بعد ما سمعت : « ولو صح الجمع بدون الشاهد لكان ما عليه الحلبي وابن زهرة في غاية القوة عملا بروايتهما المفصلة بين كون الركوب عبثا فما في المقنعة ، وكونه بأجرة فما في النهاية ، وروايتها وإن كانت مطلقة بنصف الدية ، إلا أنها محمولة على صورة الثانية حمل المطلق على المقيد ، فتأمل » (١).

وإن كان فيه أن ذلك فرع الحجة أولا ، وعدم ظهور كون التفصيل من المروي وإنما هو منهما ثانيا وإلا لم يحتج إلى شاهد بعد فرض الحجة ، ولعله إلى ذلك وغيره أشار بالأمر بالتأمل.

ثم قال : « هذا مع أن الوجوه المزبورة لا تفيد الحكم في شقوق المسألة بكليته وإنما غايتها إفادته في صورة العلم بحال الناخسة والمنخوسة ، وأما صورة الجهل بهما فليست لحكمها مفيدة ، فالمسألة محل تردد وشبهة ، وإن كان مختار الحلبي (٢) في الصورة الأولى لا يخلو عن قوة لإمكان الذب عن الروايات المشهورة بأنها قضية في واقعة ، فيحتمل اختصاصها بالصورة الثانية ، والمختار فيها خيرة المفيد ومن تبعه للأصول المتقدمة ، مضافا إلى أصل البراءة » (٣) وهو كما‌

__________________

(١) رياض المسائل ج ٢ ص ٥٩٩.

(٢) في الأصل : « الحلي ».

(٣) رياض المسائل ج ٢ ص ٥٩٩.

٧٧

ترى بعد الإغضاء عما فيه ، لا يرجع إلى محصل في المسألة ، خصوصا بعد ما عرفت من عدم حجية المرسل وغيره ، فكيف يجعل مضمونه أصلا يرجع إليه في مخالف الضوابط.

والتحقيق ملاحظة القواعد في جميع الصور بعد تنزيل النصوص المزبورة على ما لا ينافيها لأنها قضايا في أعيان ، وحال الجهل يرجع فيه إلى ما يرجع في نظائره من القرعة وغيرها ، لا إلى المرسل المزبور أو الضعيف الآخر ، والله العالم.

( ومن اللواحق مسائل : )

( الأولى : )

( من دعى غيره فأخرجه من منزله ليلا فهو له ضامن حتى يرجع إليه ) وفاقا للمشهور ، بل عن ظاهر غير واحد الإجماع عليه ، بل في الغنية ونكت النهاية وغاية المراد الإجماع عليه ، ولعله كذلك ، فإني لم أجد فيه مخالفا إلا ابن إدريس ، ففصل بين المتهم عليه وغيره ، فأثبت القسامة في الأول مع دعوى الأولياء القتل عمدا أو خطأ مقيما للعداوة والإخراج بالليل فيه مقام اللوث ، بخلاف الثاني فإنه لا شي‌ء عليه.

نعم قد تجشم بعض الناس فادعى الخلاف في بعض العبارات ، بعد ما وسوس هو في الحكم.

وعلى كل حال فلا ريب في فساده ، حتى لو قلنا بتحقق اللوث في مثله ، إذ يمكن إخراج الفرض عن حكمه بما عرفت ، مضافا إلى‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الله بن ميمون (١) « إذا دعي الرجل أخاه بالليل فهو ضامن حتى يرجع إلى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ١.

٧٨

بيته » ‌وإلى‌ حسن عمرو بن المقدام أو قويه (١) « قال : كنت شاهدا عند البيت الحرام ورجل ينادي بأبي جعفر المنصور وهو يطوف ويقول : يا أمير المؤمنين (٢) إن هذين الرجلين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله فلم يرجع إلى ، وو الله ما أدري ما صنعا به! فقال لهما أبو جعفر : وما صنعتما به؟ فقالا : يا أمير المؤمنين (٣) كلمناه ثم رجع إلى منزله ، فقال لهما : وافياني غدا صلاة العصر في هذا المكان ، فوافياه من الغد وحضرته ، فقال لجعفر بن محمد عليهما‌السلام وهو قابض على يده : يا جعفر اقض بينهم ، فقال : يا أمير المؤمنين (٤) اقض بينهم أنت ، فقال : بحقي عليك إلا قضيت بينهم ، فقال : فخرج جعفر عليه‌السلام فطرح له مصلى من قصب فجلس عليه ثم جاء الخصماء ، فجلسوا قدامه ، فقال : ما تقول؟ فقال : يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن هذين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله فو الله ما رجع إلى وو الله ما أدري ما صنعا به؟ فقال : ما تقولون؟ فقالا : يا ابن رسول الله كلمناه ثم رجع إلى منزله ، فقال جعفر عليه‌السلام : يا غلام اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كل من طرق رجلا بالليل فأخرجه من منزله فهو له ضامن إلا أن يقيم البينة أنه قد رده إلى منزله » يا غلام نح هذا واضرب عنقه ، فقال : يا ابن رسول الله والله ما قتلته أنا ولكن أمسكته فجاء هذا فوجأه فقتله ، فقال : أنا ابن رسول الله ، يا غلام نح هذا واضرب عنق الآخر ، فقال : يا ابن رسول الله والله ما عذبته ولكن قتلته بضربة واحدة فأمر أخاه فضرب عنقه ، ثم أمر بالآخر فضرب جنبيه وحبسه في السجن ووقع على رأسه يحبس عمره ويضرب في كل سنة خمسين جلدة » ‌والضعف في السند لو سلم في الثانية منجبرة بما عرفت ، فوسوسة بعض الناس في الحكم من جهة قاعدة عدم ضمان الحر في غير محلها بعد النص والإجماع. بل الظاهر كون الرجل والأخ فيهما مثال لمطلق الغير ، فتدخل المرأة إذ لا قائل بالفرق كما في غاية المراد.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب قصاص النفس الحديث ١ والكافي ج ٧ ص ٢٨٧ والتهذيب ج ١٠ ص ٢٢١ والفقيه ج ٤ ص ١١٧.

(٢) في الأصل : « يا أمير المفسدين » وهو من الناسخ أو الشارح.

(٣) في الأصل : « يا أمير المفسدين » وهو من الناسخ أو الشارح.

(٤) في الأصل : « يا أمير المفسدين » وهو من الناسخ أو الشارح.

٧٩

بل الظاهر عدم الفرق بين الصغير والكبير ، بل الحر والعبد. نعم يختص الحكم بالليل لاختصاص النصوص وفتوى الأصحاب به اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن.

وكذا لو أخرجه بالتماسه كما عن غير واحد التصريح به للقاعدة المزبورة ، وإن كان ربما احتمل عموم النص له ، وأولى من ذلك ما لو دعى غيره فخرج هو ، بل لعله كذلك أيضا لو أخرجه إلى متعين عليه ، كما لو أوجب. أو خيره بين الخروج وعدمه كما عن الشهيد في الحواشي التصريح به. بل لا يضمن المستأجر لغيره ، ولا المرسل كما صرح به في القواعد ، وإن استأجره ليلا إذا اختار هو الخروج ليلا بنفسه. كل ذلك للقاعدة المزبورة إذ لم يصحبه في الخروج ليتهم بقتله ، بل لعل المتبادر من دعائه وإخراجه ذلك ، فلا يعمه الخبران ولا الفتاوى ولو للقاعدة المزبورة.

لكن في كشف اللثام « أما لو استأجره ليلا ليقود أو يسوق دابته مثلا فأخرجه لذلك من منزله فهو داخل في إخراجه ليلا » وفيه بحث.

نعم لو كان الداعي جماعة توزع الضمان ، ولو كان المدعوون جماعة ضمن الداعي كل واحد باستقلاله لعدم الفرق في ذلك.

وكيف كان ( فإن عدم ) ولم يعرف حاله ( فهو ضامن لديته ) بلا خلاف أجده كما اعترف به في التنقيح وغيره ، بل عن الغنية وغاية المرام الإجماع على ذلك ، ولعله لثبوت الضمان ، والأصل البراءة من القود وبرأيه العاقلة ، بل ظاهر دليل الضمان من النص وغيره ذلك أيضا ، و‌قوله عليه‌السلام في خبر ابن أبي المقدام (١) : « نح هذا واضرب عنقه » ‌وإن كان ظاهرا في إرادة القود في الضمان في النبوي (٢) ، إلا‌

__________________

(١) قد مر آنفا.

(٢) المراد بالنبوي هو الذي نقل عن أبي عبد الله عليه‌السلام عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في خبر أبى المقدام المتقدم.

٨٠