جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

في الإيضاح إلى الشهرة ، بل عن الحلي الإجماع عليه ، ونسبه إلى روايتنا وأن الشيخ تفرد بالعدم ( لأنهما أدنى قومه ) المفسر به العصبة ، بل هو صريح من عرفت من أهل اللغة وغيرهم ، كما أنه صريح خبر سلمة بن كهيل المنجبر هنا بما عرفت ، وبذلك كله يظهر لك ضعف الشهرة ( و ) الإجماع المزبورين نعم ( لا يشتركهم القاتل في الضمان ) بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى معلومية كون الدية في الخطأ على العاقلة ضمانا أو أداء من المذهب أو الدين وإن خالف أبو حنيفة.

( ولا تعقل المرأة ولا الصبي ولا المجنون وإن ورثوا من الدية ) بلا خلاف أجده فيه كما عن المبسوط الاعتراف به ، لا لما قيل من خروجهم عن مفهوم العصبة فإنه قد يمنع في الأخيرين وإن كان هو كذلك في الأمرية ، ولا لأصل البراءة الذي قد عرفت الإشكال في الاستدلال به هنا ، بل للشك في إرادة الأخيرين من إطلاقها هنا وإن كانا منها في الحقيقة ، ولو لعدم الخلاف المزبور.

أما الشباب والضعفاء والزمنى والشيوخ الذين لا قوة لهم ولا نهضة فعن الشيخ التصريح بأنهم من أهل العقل ، لأنهم إن لم يكن لهم بصيرة (١) بالسيف فلهم بصيرة (٢) بالرأي والمشورة ولا بأس به ، وإن كان العمدة دخولهم تحت العصبة لغة ( و ) عرفا.

نعم ( لا يتحمل الفقير شيئا ) منها ( و ) لكن ( يعتبر فقره عند المطالبة وهو حول الحول ) فمن استغنى عنده عقل وإن كان فقيرا قبله وبالعكس ، بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل في القواعد وشرحها للإصبهاني « ولا يعقل فقير لا يملك ما يؤدى بالفعل وإن كان مكتسبا يمكنه الأداء بعد الكسب خلافا للعامة في وجه فاكتفوا بالاكتساب (٣) » بل يظهر من غير واحد المفروغية من أصل الحكم ، وهو إن تم إجماعا ، أو كان لهم نص عليه فذلك وإلا أمكن‌

__________________

(١) في كشف اللثام : « النصرة » مكان « البصيرة ».

(٢) في كشف اللثام : « النصرة » مكان « البصيرة ».

(٣) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٧.

٤٢١

إشكاله بإطلاق الأدلة. وحينئذ فيصبر عليه حتى يجد كسائر ديونه ، بل قد يقال بناء على اعتبار الوجدان ، باعتباره حين الجناية كالتكليف لا حين حول الحول فتأمل جيدا فإنك ستسمع إن شاء الله ما يدفع ذلك ، من احتمال عدم ضمان العاقلة قبل الحول على وجه الدين ، بل هو خطاب تكليف ، بل يمكن الجزم بذلك بعد التدبر في كلامهم هنا وفي كتاب الرهن ، والله العالم.

( ولا يدخل في العقل عندنا أهل الديوان ) الذين رتبهم الإمام عليه‌السلام للجهاد وأدر لهم أرزاقا ودونت أسمائهم ، بعضهم عن بعض ، خلافا لأبي حنيفة فقدم أهل الديوان على الأقارب لفعل عمر (١) المعلوم أنه لم يكن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هو مخالف لما هو المعهود منه من جعلها على العصبة ، مع احتمال عقله خصوص العصبة من أهل الديوان.

( و ) كذا ( لا ) يدخل في العقل عندنا أيضا ( أهل البلد إذا لم يكونوا عصبة و ) لكن ( في رواية سلمة ) السابقة ( ما يدل على إلزام أهل بلد القاتل مع فقد القرابة ولو قتل في غيره وهي ) مع ضعفها ( مطرحة ) لم نجد عاملا بها كما عرفت الكلام فيها.

( ويقدم من يتقرب بالأبوين على من انفرد بالأب ) كما في القواعد وغيرها ومحكي المبسوط ، بل لا أجد فيه خلافا بينهم معللين له بأنه أقرب فالأقرب أحق بالإرث ، ولما مر من خبري (٢) البزنطي وأبي بصير في قاتل هرب فمات ، ولكن إن لم يكن إجماع لا يخفى عليك ما فيه ، ضرورة عدم مدخلية الأحق في الميراث هنا ، كعدم مدخلية الخبرين بعد أن كان موردهما العمد الذي لم تعمل بهما فيه ، فإطلاق العصبة حينئذ بحاله ، ولعله لذا قال في التحرير : « ولو قيل بعدم التقديم كان وجها لأن قرابة الأم لا مدخل لها في العقل » ثم‌

__________________

(١) راجع المسالك ج ٢ ص ٥١٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العاقلة الحديث ١ و ٣.

٤٢٢

إنك ستعرف الكلام فيما لو زاد التوزيع على المتقربين بالأبوين.

( ويعقل المولى ) الذي هو أحد أفراد العاقلة مع عدم العصبة أو زيادة التوزيع عليهم ( من أعلى ) إجماعا بقسميه عليه نصا ( ولا يعقل من أسفل ) بمعنى المعتق بالفتح ، خلافا للشافعي في أحد قوليه.

وكيفية عقله على حسب ترتب الولاء الذي عرفته في الميراث ، فيعقل مولى الجاني ، فإن لم يكن فعصبات المعتق ، ثم معتق المعتق ، ثم عصباته ، ثم معتق أبي المعتق ، ثم عصباته ، وهكذا كترتب الميراث ، ويدخل ابن المعتق وإن نزل وأبوه وإن علا في العقل ، كما يدخل في الولاء ، وكما يدخل أبو القاتل وابنه في عصبة القاتل على ما اخترناه. نعم بناء على عدم الدخول يحتمل الخروج هنا لخروجهما عن مفهوم عصبة المولى حينئذ كما سمعته في ظاهر صحيح محمد بن قيس (١) الذي تقدم الكلام فيه ، ويحتمل الدخول لانتفاء العصبة بينهما وبين القاتل وتحقق الولاء والإرث ، ولو كان المعتق امرأة كان لها الولاء ولكن لا عقل عليها لما عرفت من عدم العقل على النساء ، ويعقل حينئذ عصباتها ومنهم أبوها وبنوها بناء على إرثهم الولاء.

والشركاء في عتق عبد واحد كشخص واحد في العقل ، لأن الولاء لجميعهم لا لكل واحد منهم ، فهم حينئذ كمولى واحد فلا يلزمهم بأجمعهم أكثر من نصف دينار إن كانوا أغنياء أو ربعه إن كانوا فقراء ولو كان فيهم الفقير والغني فبالنسبة ، بمعنى أن على الغنى حصة من النصف لو كانوا أغنياء ، وعلى الفقير حصة من الربع لو كانوا فقراء ، بخلاف ما لو مات المعتق الواحد المنفرد بعتق العبد كله عن عصبات ، فإنه يضرب على كل واحد منهم نصيب المعتق. فإما (٢) من النصف أو الربع ، ولا يوزع نصيبه عليهم بأجمعهم لأنه يرث العتيق بالولاء ، لا أنه يرث الولاء من المعتق حتى يتوزع عليهم نصيبه خاصة ، فعصبة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من كتاب العتق الحديث الأول.

(٢) في الأصل : « تاما » وفي كشف اللثام : « فاما » وهو الصحيح ظاهرا.

٤٢٣

المولى بعده موالي للعتيق بأنفسهم كالمتقربين بالنسب إلى الميت المتأخرين في الإرث عن طبقة إذا فقدت الطبقة المتقدمة فإنهم يرثون بالقرابة ، فهؤلاء العصبة إنما يرثون العتق ويعقلون عنه بولائهم لا بإرثهم الولاء عن المولى ، فالولاء في حقهم كالنسب ، وإذا اجتمع المنتسبون فعلي كل واحد منهم نصف دينار أو ربعه ، نعم لو كانوا يرثون الولاء من المولى كانوا بمنزلة مولى واحد ، نحو الجماعة إذا اشتركوا في عتق عبد واحد ، كما تقدم تحقيق ذلك في المواريث.

ولو مات أحد هؤلاء الشركاء في عتق العبد الواحد فكل واحد من عصباته لا يحمل أكثر من حصة المعتق لو كان حيا ، وهي جزء من نصف دينار أو ربعه ، ولا يحمل النصف أو الربع كاملا فإنه لا ينزل منزلة المنفرد بالعتق ، بل غايته أنه بمنزلة الشريك فيه ، وعن بعض كتب العامة إنه ما دام المعتق حيا لا يرتقى بالعقل إلى عصباته وإن فضل عنه شي‌ء من الدية لعدم الولاء لهم في حياته ، والتحقيق ما عرفت (١).

ومعتق الأب أولى من معتق الأم لاختصاص الولاء به. نعم إن كان أبوه رقيقا وأمه معتقه عقل عنه معتق الأم ، فإن جنى الولد في حال رقية أبيه عقل عنه معتق أمه ، فإذا عتق الأب بعد ذلك انجر الولاء إلى معتقه ، ولو حصلت سراية للجناية بعد ذلك لم يضمنها معتق الأب لأنها حصلت بجناية قبل الجر فلا يضمنها مولى الأب ، بل ولا مولى الأم ، وإن ضمن أصل الأرش ، لأن الزيادة حصلت بعد الجر وخروج الولاء عن مولى الأم ، والضمان مشروط بتحقق العقل في الحالين ، وإنما يتحقق هنا بتحقق الولاء فهو كالذمي إذا رمى ثم أسلم الذي ستعرف الكلام فيه إن شاء الله.

فالمتجه حينئذ كون الزيادة في مال الجاني دون بيت المال الذي يشترط الضمان فيه بالخلو عن الموالي ، للأصل وإن احتمل ذلك أيضا ، تنزيلا لبراءة الموالي منزلة‌

__________________

(١) راجع كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٨.

٤٢٤

عدمهم ، ولو قطع يدين قبل الجر أو يدين ورجلين فسرى بعد الجر فعلى مولى الأم دية كاملة لوجوبها عليه بالجناية ولا زيادة بالسراية ، والسراية إنما ظهر بها عدم الزيادة على الدية كما هو واضح.

( وتحمل العاقلة دية الموضحة فما زاد قطعا ، ) بل إجماعا بقسميه لعموم الأدلة ( وهل تحمل ما نقص؟ قال في الخلاف ) ومحكي المبسوط والسرائر ( نعم ) تحمله لعموم الأخبار بل عن الأخير الإجماع عليه ( ومنع في غيره ) كالنهاية ، وتبعه في محكي الكافي والغنية والإصباح والوسيلة والكامل ( وهو المروي ) ‌عن الباقر عليه‌السلام « قال قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه لا تحمل العاقلة إلا الموضحة فصاعدا وما دون السمحاق أجر الطبيب سوى الدية (١) » ‌( غير أن في الرواية ضعفا ) بابن فضال الذي هو فطحي ، ونحوه في القواعد ، وظاهر هما الميل إلى الأول ، ولكن فيه أن ذلك مع تقدير تسليمه يقتضي كونه موثقا ، وهو حجة عندنا أيضا ، خصوصا في المقام المعتضد فيه بالأصل وبالشهرة وبغيرهما ، ولعله لذا اختاره الفاضل في جملة من كتبه وولده والمقداد والصيمري وثاني الشهيدين وغيرهم ، بل الظاهر أنه المشهور ، كما اعترف به غير واحد منهم.

كل ذلك مضافا إلى ما روى (٢) من رجوعه عن الفطحية عند موته ، فيكون حينئذ صحيحا ، فما في الإيضاح « من أني قد سألت والدي عن الخبر المزبور ونحن في الحجاز حين قرائتي عليه التهذيب المرة الثانية ، فقلت : ضعفته في القواعد ووثقته في المختلف فقال : هو ضعيف » (٣) محمول على إرادة الضعف الذي يشمل الموثق وإلا كان واضح المنع ، فلا محيص حينئذ عن العمل به بعد أن لم يكن له معارض إلا عمومات مخصصة به ، والإجماع المزبور إنما المسلم منه ما يوافق العمومات دون محل البحث الذي مقتضى الأصل أيضا كونه على الجاني ، ضرورة اقتضاء قوله‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب العاقلة الحديث الأول.

(٢) راجع معجم رجال الحديث ج ٥ ص ٤٦.

(٣) إيضاح الفوائد ج ٤ ص ٧٤٧.

٤٢٥

تعالى ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (١) وغيره كون جناية الجاني على نفسه دون غيره ، خرج ما خرج وبقي الباقي.

على أن الغالب حصول الجنايات الكثيرة خطاء من الناس ، فلو وجب كل جرح قل أو كثر على العاقلة لزم حصول المشقة لهم ، بل ربما أدى ذلك إلى تساهل الناس في الجنايات ، لانتفاء الضمان عنهم ، بل لعل سيرة المسلمين في كل عصر ومصر على خلافه ، بل ربما شك في تناول الإطلاقات للجراحات جميعها ، وأنها في دية النفس خاصة ، وضمان الموضحة فصاعدا للإجماع والموثق المزبور ، فيبقى غيره على أصالة عدم الضمان.

وفي كشف اللثام عن التبصرة « أنها لا تعقل موضحة فما دون وهو غريب (٢) » والموجود فيما حضرنا من نسختها « أنها لا تعقل ما دون الموضحة (٣) » نعم في التحرير « أنها لا تعقل عن جراح المرأة إلا ما بلغ أرشه أرش الموضحة يعنى الموضحة في الرجال (٤) » وفيه منع واضح.

ثم بناء على المختار ففي اشتراط اتحاد الجرح الناقص عنها حتى لو تعدد وكان أرش المجموع بقدر أرش موضحة أو أكثر حمل العاقلة ، إشكال كما في القواعد ، من الأصل وعدم ضمانه شيئا منها ، فكذا الكل ، ومن التساوي في الأرش وندرة الوقوع بالنسبة إلى واحد منها فلا مشقة ولا تساهل ، والدخول في قوله في الخبر (٥) « فصاعدا » وإن كان ذلك كله كما ترى ، ولذا قال في كشف اللثام : « والأول أظهر ».

__________________

(١) فاطر : ١٨.

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٩.

(٣) التبصرة ص ٨٠٨ طبع الإسلامية وص ٢١٨ طبع قم.

(٤) التحرير ج ٢ ص ٢٨٠ ولم ينقل لفظه بعينه فراجع.

(٥) يعنى خبر ابن فضال المذكورة آنفا.

٤٢٦

وأما ما تضمنه‌ الخبر المزبور (١) من أن « على الجاني أجر الطبيب فيما دون السمحاق سوى الدية » ‌فلا أجد عاملا به ، ولا ريب في أن الأحوط للجاني بذله.

( وتضمن العاقلة دية الخطاء ) إلا أنها تستأدى ( في ثلاث سنين ) كما في خبر أبي ولاد (٢) ، بل عليه إجماع الأمة إلا من ربيعة كما عن الخلاف فأجلها خمسين ، وعن بعض الناس أنها حالة غير مؤجلة ، والكل شاذ.

ومبدأها من حين الموت فيأخذ حينئذ ولي الدم ( كل سنة عند انسلاخها ثلثا تامة كانت الدية ) كدية الرجل الحر المسلم ( أو ناقصة كدية المرأة ودية الذمي ) وعن الشافعي في أحد وجهيه اعتبار الناقصة بالكاملة فما كان منها ثلثها كدية اليهودي والنصراني عنده أو نقصت عنه كدية المجوسي تحل في السنة الأولى ، وما زاد كدية المرأة تحل في سنتين ، في الأولى بقدر الثلث والباقي في الثانية. هذا كله في دية القتل.

و ( أما الأرش فقد قال في المبسوط ) وتبعه الفاضل في القواعد ( يستأدى في سنة واحدة عند انسلاخها إذا كان ثلث الدية فما دون ، لأن العاقلة لا تعقل حالا ) للأصل ، وفحوى ما ورد في القتل ( و ) لكن ( فيه إشكال ينشأ من احتمال تخصيص التأجيل بالدية ) للنفس ( لا بالأرش ) الباقي على مقتضى أصالة الحلول في المستحق ، اللهم إلا أن يقال إن‌ خبر أبي ولاد (٣) دال على تأجيل دية الخطاء مطلقا « قال : إن دية الخطاء تستأدى في ثلاث سنين فما دون » ‌بل ، قال أيضا ( ولو كان دون الثلاثين حل الثلث الأول عند انسلاخ الحول ، والباقي عند

__________________

(١) يعنى خبر ابن فضال.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات النفس الحديث الأول وكلمة « فما دون » ليست فيه.

٤٢٧

انسلاخ الثاني ، ولو كان أكثر من الدية كقطع اليدين وقلع عينين وكان لاثنين حل لكل واحد عند انسلاخ الحول ثلث الدية وإن كان لواحد حل له ثلث لكل جناية سدس الدية ).

( وفي هذا كله ) ما عرفت من ( الإشكال الأول ) ودعوى وفاء خبر أبي ولاد في ذلك كله كما في ظاهر كشف اللثام كما ترى لا يتجشم (١) ، خصوصا بعد انسياق دية القتل منه ، ولو سلم العدم كان مقتضاه ما سمعته من التحرير والإرشاد وهو التأجيل ثلاث سنين في الأرش مطلقا.

ودعوى تأييد الأول ، بأن القتل مع أنه أعظم من نقص الأطراف إذا كانت ديته تؤجل فديات الأطراف وأروش الجنايات أولى به مع أصل البراءة ، من الاجتهاد الذي لا يجوز العمل به في الأحكام الشرعية ، وكذا دعوى أن العاقلة لا تعقل حالا بل لا بد من التأجيل وأنه على الوجه المزبور ولو من فحوى ما ورد في القتل ، في عدم الرجوع إلى حاصل معتد به ، وخصوصا دعوى تأجيل ما دون الثلث إلى سنة كالثلث ، ودعوى تأجيل ما زاد عليه ولو يسيرا إلى ما دون الثلثين إلى سنتين ، ودعوى ما زاد عليهما ولو يسيرا إلى الثلث.

فالإنصاف اختصاص خبر أبي ولاد (٢) بدية القتل ، وبقاء دية الأرش على أصالة الحلول قل أو كثر ، ثم على التقدير المزبور فالغاية ما عرفت ، والله العالم.

وعلى كل حال لا رجوع للعاقلة بما تؤديه على الجاني على المشهور ، كما تقدم سابقا ، خلافا للمفيد وسلار ، ولم نعرف له وجها بل ولا موافقا لهما ، والله العالم.

( ولا تعقل العاقلة إقرارا ولا صلحا ) عن عمد أو شبهه أو خطأ لم تثبت‌

__________________

(١) لا ينجسم ظ.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

٤٢٨

( ولا جناية عمد مع وجود القاتل ) أما مع موته أو هربه فقد مر الكلام فيه ( ولو كانت موجبة للدية كقتل الأب ولده أو المسلم الذمي أو الحر المملوك ) والهاشمة والمأمومة بلا خلاف معتد به أجده في شي‌ء من ذلك ، كما اعترف به بعضهم ، بل في كشف اللثام الإجماع عليه.

بل ولا إشكال بعد معلومية أصالة عدم ضمان أحد جناية غيره لقوله تعالى : ( لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (١) وغيره ، خرج منه دية الخطأ المحض وبقي غيره ، وفي‌ النبوي (٢) « لا تحمل العاقلة عمدا ولا اعترافا » ، وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) « لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ».

وفي‌ خبر السكوني (٤) عنه أيضا « لا تضمن العاقلة عمدا ولا إقرارا ولا صلحا » ، وفي‌ خبر زيد (٥) بن علي عن آبائه عليهم‌السلام « لا تعقل العاقلة إلا ما قامت عليه البينة ، قال : وأتاه رجل فاعترف عنده فجعله في ماله خاصة ولم يجعل على العاقلة شيئا » ، ورواه في الفقيه (٦) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وفي خبر أبي بصير (٧) عن أبي جعفر عليه‌السلام « لا تضمن العاقلة عمدا ولا إقرارا ولا صلحا » ، إلى غير ذلك.

وحينئذ فلو ثبت أصل القتل بالبينة فادعي القاتل الخطاء وأنكرت العاقلة فالقول قولهم مع اليمين ولو على عدم العلم بالخطاء ، والإقرار المزبور إنما هو‌

__________________

(١) فاطر : ١٨.

(٢) حكاه في المسالك ج ٢ ص ٥١٢.

(٣) حكاه في كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٩ ورواه في المستدرك ج ٣ ص ٢٨٨ عن دعائم الإسلام وراجع دعائم الإسلام ج ٢ ص ٤١٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العاقلة الحديث الثاني.

(٥) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب العاقلة الحديث الأول.

(٦) الفقيه ج ٤ ص ١٤٢.

(٧) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العاقلة الحديث الأول.

٤٢٩

حجة على نفس المقر لا في حق غيره ، وثبوت الدية في ماله حيث يقر لأن لا يبطل دم المسلم ، ولأن الأصل في الجناية أن تكون على الجاني ، وقوله خطأ مجرد دعوى للرفع عن نفسه ، فما عن العامة من عدم شي‌ء عليه ولا العاقلة بالإقرار واضح الفساد.

( ولو جنى على نفسه خطأ قتلا أو جرحا طل ولم تضمنه العاقلة ) بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به بعض ، بل ظاهر آخر الإجماع عليه ، ولعله كذلك ، للأصل المزبور ، نعم عن الأوزاعي وأحمد وإسحاق ضمانها في النفس لورثته وفي الطرف له ، ولا ريب في فساده بعد الأصل المزبور والاتفاق ، بل والاعتبار ، ضرورة كون الدية عوض الجناية على المجني عليه لا جنايته على نفسه ، والله العالم.

( وجناية الذمي في ماله وإن كانت خطأ دون عاقلته ) عندنا ( ومع عجزه عن الدية فعاقلته الإمام لأنه يؤدي إليه ضريبته ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل ظاهر بعض الإجماع عليه لصحيح (١) أبي ولاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ليس بين أهل الذمة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراحة إنما يؤخذ ذلك من أموالهم فإن لم يكن له مال رجعت الجناية على إمام المسلمين لأنهم يؤدون إليه الجزية كما يؤدي العبد الضريبة إلى سيده ، قال : وهم مماليك للإمام فمن أسلم منهم فهو حر » ‌وكان ما وقع من المصنف وغيره من التعليل متابعة للصحيح ، وإلا فالمولى لا يعقل عن العبد فتأدية الجزية كما يؤدي العبد الضريبة ، لا يقتضي العقل عنه ، ولعل الظاهر عدم إرادة الإشارة في الصحيح إلى شبهه بالعبد من هذه الجهة ، بل المراد بيان الواقع والتقريب بأن من كان له الجزية فعليه العقل.

وعلى كل حال فما عن العامة من تضمين العاقلة وهم عصبة الذميون واضح‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العاقلة الحديث الأول.

٤٣٠

الفساد بعد ما عرفت.

وجناية الصبي والمجنون على العاقلة عندنا وإن تعمدا ، لأن عمدهما خطاء خلافا للشافعي في قول ففي مالهما.

( ولا يعقل مولى المملوك جنايته قنا كان أو مدبرا أو مكاتبا أو مستولدة على الأشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي مرت الإشارة إلى بعضها ، مضافا إلى بعض النصوص المزبورة ، بل لعله لا خلاف فيه فيما عدا الأخيرة ، وإن قال في الغنية (١) : « وعاقلة الرقيق مالكه » وفي النهاية (٢) « وإذا قتل عبدا حرا خطاءا فأعتقه مولاه جاز عتقه وكان على مولاه دية المقتول ، لأنه عاقلته » بل ربما يشهد له مفهوم التعليل في صحيح أبي ولاد المتقدم ، وإن قصر عن معارضة النصوص الصريحة المستفاد منها أن جناية العبد عمدا أو خطاءا في رقبته المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، بل لعلها كذلك لشذوذ قوليهما.

بل يمكن إرادة أن جنايته في ماله إما رقبة الرقيق أو غيره من العقل ، أو أن المولى عاقلته له لو جنى بعد العتق ، أو مطلق الضمان الصادق على الأداء من رقبة العبد أو غيره ، لا العقل بالمعنى المتعارف الذي هو ضمان تمام الدية وإن زادت على قيمة العبد ، ونحو ذلك مما يرتفع به الخلاف ، كما عساه يشهد له دعوى المقداد الإجماع على أن المولى لا يعقل عبده ، في الاستدلال على أنه لا يعقل أم الولد باعتبار بقائها على الرقية.

ومنه يعلم الحال في أم الولد أيضا ، وإن حكى عن الشيخ في المبسوط والقاضي أن المولى يعقلها ، لخبر مسمع (٣) الدال على ذلك ، الموافق للمحكي عن العامة من عقل مولاها لها إلا أبا ثور منهم ، فجعل جنايتها عليها تتبع بها بعد العتق كما‌

__________________

(١) الغنية فصل في الديات.

(٢) لم أجده في النهاية في كتاب الديات فراجع ولكن حكاه عنه في الرياض ج ٢ ص ٦٣٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ١.

٤٣١

مر الكلام فيه في المباحث السابقة.

بل وفي أن الحر إذا قتل عبدا عمدا ضمنه في ماله ، وإن كان خطاءا فعلى عاقلته ، الموافق لإطلاق النص والفتوى ، بل عن المبسوط والخلاف الإجماع عليه خلافا لأبي علي فجعله في ماله ، لأنه مال ، وهو اجتهاد ، وإن استحسنه في محكي المختلف ، والله العالم.

( وضامن الجريرة يعقل ) إجماعا بقسميه ونصوصا (١) مستفيضة وفيها الصحيح وغيره التي تقدمت في‌ كتاب المواريث ، منها (٢) قوله : « إذا ولى الرجل الرجل فله ميراثه وعليه معقلته » ‌بل ربما ظهر منها تلازم الإرث والعقل وقد عرفت في كتاب المواريث إرث المعتق والضامن والإمام مترتبين فيعقلون حينئذ كذلك، وفي الصحيح (٣) « من مات وليس له وارث من قرابته ولا مولى عتاقه (٤) أوقد ضمن جريرته فما له من الأنفال » وفي آخر (٥) « السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلا الله تعالى ، فما كان ولاؤه لله سبحانه وتعالى فهو لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن ولاءه للإمام عليه‌السلام ، وجنايته على الإمام وميراثه للإمام عليه‌السلام ».

وفي المرسل (٦) « الرجل إذا قتل رجلا خطأ قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية إن الدية على ورثته فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت‌

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ضمان الجريرة والإمامة.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ضمان الجريرة الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ضمان الجريرة الحديث الأول.

(٤) في الفقيه ج ٤ ص ٣٣٣ والتهذيب ج ٩ ص ٣٨٧ « عتاقة » وفي الكافي ج ٧ ص ١٦٩ والوسائل « عتاقه ».

(٥) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ضمان الجريرة الحديث ٦.

(٦) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب العاقلة الحديث الأول.

٤٣٢

المال » ‌إلى غير ذلك من النصوص الدالة على عقل الضامن بل مطلق الوارث ، بل لعل منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح (١) ابن مسلم « من التجأ إلى قوم فأقروا بولايته كان لهم ميراثه وعليهم معقلته ».

( ولا يعقل عنه المضمون ) للأصل وغيره ، إلا إذا دار الضمان فيعقل عنه حينئذ من حيث إنه ضامن لا من حيث إنه مضمون.

( و ) على كل حال فـ ( ـلا يجتمع ) ضمان ضامن الجريرة ( مع ) وجود ( عصبة ولا معتق ) بلا خلاف أجده فيه وإن اتسعت الدية ( لأن عقده ) كما عرفته في كتاب المواريث ( مشروط بجهالة النسب وعدم المولى ) فلا يصح عقد الضمان مع وجود أحدهم.

( نعم لا يضمن الإمام عليه‌السلام مع وجوده ويسره على الأشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي منها اقتضاء صحة عقده ـ لإطلاق ما دل عليه ـ اختصاص الضمان به ، فإن لم يكن هناك ضامن أو كان فقيرا ضمن الإمام مطلقا أو إن لم يكن للجاني مال على الخلاف الآتي ، كما سمعته في خبر سلمة (٢) ، بل و‌مرسل يونس (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام « فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال » ‌والظاهر إرادة بيت مال المسلمين.

كما عن الشيخين وجماعة التصريح به ، بل يدل عليه أيضا‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي ولاد (٤) في من قتل ولا ولي له سوى الإمام عليه‌السلام « أنه ليس له العفو بل إنما له القتل أو أخذ الدية وجعلها في بيت مال المسلمين لأن جنايته عليه فكذا ديته » ‌ونحوه‌ خبر الآخر (٥) وزاد « قلت : فإن عفى عنه الإمام قال : إنما‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب العاقلة الحديث الأول ، وفيه « لجأ » مكان « التجأ ».

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العاقلة الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب العاقلة الحديث الأول.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث الأول.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث الثاني.

٤٣٣

هو حق لجميع المسلمين وإنما على الإمام عليه‌السلام أن يقتل أو يأخذ الدية وليس له أن يعفو » بل وأخبار (١) قتيل الزحام الذي لا يرى قاتله ، مضافا إلى وضع بيت المال للمصالح الذي هذه من أهلها ، وإلى أصالة براءة ذمة الإمام عليه‌السلام ، خلافا لابن إدريس فأوجبها في ذمته في ماله مدعيا عليه الإجماع ، وقال : إنه ضامن جريرته ووارثه.

وعن المختلف أنه مال إليه ، ولعله ظاهر خبر سلمة (٢) السابق ، وهو لا يخلو من وجه مناسب لإرث الإمام له ، كما سمعته في النصوص السابقة ، وفي كتاب المواريث ، وفي كتاب الخمس في بحث تعداد الأنفال من أن الإمام عليه‌السلام هو الوارث له ، ومن تبعية العقل للإرث في مثله ، بل يمكن إرادة بيت مال الإمام من بيت المال في مرسل يونس (٣) ، كما أنه يمكن القول باتحاد بيت مال الإمامة مع بيت مال المسلمين ، كما أشرنا إليه في المباحث السابقة. هذا كله في المحل.

( واما كيفية التقسيط )

فقد عرفت سابقا ( أن الدية تجب ابتداء على العاقلة ) لظاهر النص والفتوى ( و ) حينئذ فـ ( ـلا يرجع بها على الجاني على الأصح ) الموافق للأصل وظاهر النصوص والفتاوى ، ودعوى ـ أن الأصل في الضمان كونه على المتلف فيكون العدول عنه محتملا ويتفرع عليه إذا لم تف العاقلة بالدية فإنه يرجع بها أو بباقيها على القاتل حينئذ ـ اجتهاد في مقابلة النص والفتوى.

وكذا كان الأصح عدم دخول القاتل في الضمان مطلقا على وجه يستحق‌

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب دعوى القتل وما يثبت به.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العاقلة الحديث الأول.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب العاقلة الحديث الأول.

٤٣٤

عليه المطالبة وعدم الرجوع عليه كذلك كما تقدم الكلام فيه سابقا.

( و ) على كل حال فـ ( ـفي كمية ) (١) ( التقسيط قولان أحدهما ) للشيخ في موضع من محكي المبسوط والخلاف والقاضي ، بل هو خيرة الفاضل في القواعد والإرشاد وهو ( على الغني عشرة قراريط ) أي نصف دينار ، ( وعلى الفقير ) بالنسبة إليه المعبر عنه في محكي الخلاف والوسيلة بالمتوسط ، الذي لا يعقل ( خمسة قراريط ) أي ربع دينار.

إلا أن في عباراتهم نوع اختلاف في المراد من التقدير المزبور ، فعن المهذب المراد أن أكثر ما على الموسر نصف دينار وأكثر ما على المتوسط ربعه. وعن موضع من الخلاف والمبسوط أن المراد لزومهما عليهما لا أقل ، للإجماع ، ولا أكثر ، للأصل مع عدم الدليل ، والفاضل أطلق ولم يذكر شيئا من ذلك ، كما أن المصنف وغيره قالوا ( اقتصارا على المتفق ) في توجيه القول المزبور ، وكأنه لا حاصل له بعد إطلاق الأدلة الضمان على العاقلة المقتضي للتساوي ، وليس دليله منحصرا بالإجماع ونحوه حتى يقال إن ذلك هو المتيقن.

على أنه موقوف على اتفاق القائلين على القدر المزبور وأن الخلاف في القدر الزائد عليه ، ( و ) ليس كذلك ، فإن القول ( الآخر ) كما في موضع آخر من الخلاف والمبسوط والسرائر والنافع والجامع والمختلف والتحرير والتلخيص والتبصرة على ما حكي عن البعض ، بل لعله المشهور كما في الرياض ( يقسطها الإمام ) أو نائبه الخاص أو العام ( على ما يراه بحسب أحوال العاقلة ، ) بحيث لا يجحف بأحد منهم ، معللين بأنه لا دليل على التقدير المزبور ، حتى القياس الباطل عندنا ، والإجماع المزبور ممنوع ، خصوصا بعد مخالفة مدعيه له في موضع آخر كما عرفت ، وإن احتمل في كلامه الرجوع إلى نظر الإمام في الزائد على القدر المزبور الذي ادعى الإجماع عليه ، إلا أنه تهجس ومناف لما حكي من ظاهر كلامه.

__________________

(١) في الشرائع : كيفية.

٤٣٥

ولعله لذا وغيره قال المصنف ( وهو ) أي القول الثاني ( أشبه ) بأصول المذهب وقواعده ، بل في محكي المبسوط : « فمن قال يجب على الغني نصف دينار وعلى المتوسط ربعه فهل يجب عليه ذلك في كل سنة حتى يتكامل في ثلاث سنين دينار ونصف ، أو يكون النصف عليه في ثلاث سنين في كل سنة دانق ، وعلى المتوسط نصف دانق؟ قال قوم : هذا النصف على كل واحد في ثلاث سنين ، ومنهم من قال في كل سنة وسواء قيل يلزمه النصف في كل سنة أو كل ثلاث سنين نظرت فإن كانت الإبل موجودة فعليهم جميع ذلك ولا يقبل منهم سهم من حيوان ، لأنه يشق على الدافع ويضيع على المدفوع إليه ، فإن أعوزت الإبل انتقل مضى القول فيه من البدل على الخلاف فيه » (١).

قلت وكفى بالإجمال المزبور مع عدم دليل كاشف له مبطلا ، ويشبه أن يكون هذه التهجسات للعامة ، ضرورة عدم موافقتها لمذهبنا كما هو واضح.

ولكن لا يخفى عليك أن فساد القول بالتقدير لا يقتضي صحة القول الثاني ، ضرورة أنه لا دليل أيضا على اعتبار توزيع الإمام أو نائبه أو عدول المؤمنين بعد إطلاق الأدلة أن الضمان على العاقلة المقتضي كونه عليهم دينا شرعيا ، والأصل عدم التفاوت بينهم.

بل جميع ما ذكر في رد القول المزبور يأتي مثله في هذا القول حتى المناقشة بالأصل بالمعارضة بالمثل ، باعتبار اقتضائه شغل ذمة أخرى ، والمناقشة أيضا بأن إطلاق الأدلة ضمان العاقلة نصا وفتوى يقتضي وجوبها عليه أجمع ، حتى لو كان من العصبة واحدا تعين عليه الدية بتمامها مع قدرته عليها ، ومع العدم يدفع ما قدر عليه منها ويجب الزائد على من بعده من مراتب العاقلة ودرجاتها ، لأن عجزه يصيره كالعدم إجماعا فيكون الجاني بالنسبة إلى هذه الزيادة كمن لا عاقلة له من القرابة ، وهكذا الكلام بالنسبة إلى المرتبة الثانية ثم الثالثة.

__________________

(١) المبسوط ج ٧ ص ١٧٨.

٤٣٦

ومن الغريب ما في الرياض فإنه بعد أن اعترف بأن مقتضى الإطلاق ذلك ردا على القول الأول قال : « فعلى هذا فالوجه وقوف التقسيط على رأى الإمام عليه‌السلام أو من نصبه للحكومة » مع أنه يجري فيه الكلام المزبور بعينه ، لا أنه يكون دليلا على صحة القول الثاني ، ودعوى الإجماع المركب بعد تسليمها ، لا تشخص صحة الثاني أيضا كما هو واضح.

فالتحقيق إن لم يكن إجماعا العمل على مقتضى الإطلاق المذكور على حسب ما سمعت ، وإن كان قد يرجع إلى الإمام أو نائبه في قطع الخصومة والتنازع مع فرضهما من باب السياسات ورفع الخصومات والمناظرات ، لا من حيث إنه حكم شرعي بخصوصه ، لعدم الدليل عليه كذلك.

( و ) كيف كان فـ ( ـهل يجمع بين القريب والبعيد ) في العقل ( فيه قولان ) أحدهما نعم ، كما عن المبسوط والجامع ، لتناول اسم العاقلة التي تعلق الضمان بها نصا وفتوى للجميع و ( أشبههما ، ) بل وأشهرهما ، بل هو المشهور ( الترتيب في التوزيع ) فيؤخذ من الأقرب فإن لم يكن أو عجز فمن الأبعد من غيره ، وهكذا على حسب ترتب الإرث ، فالطبقة الأولى الآباء والأولاد بناء على دخولهم في العصبة ، ثم الأجداد والإخوة وأولادهم وإن نزلوا ، ثم الأعمام وأولادهم وإن نزلوا ، وهكذا بالنسبة إلى أعمام الأب وغيرهم على نحو طبقات الإرث ، حتى أنه ينتقل إلى المولى إن كان مع عدمهم أجمع ، ثم إلى عصبته ثم إلى مولى المولى ثم إلى ما فوق.

ولعله لآية ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) (١) في بعض المدعي متمما بعدم القول بالفصل ، و‌للمرسل (٢) السابق الدال على أن دية الخطاء على الوارث ، المراد به العاقلة ولو بقرينة قوله بعده : « فإن لم يكن له عاقلة فعلى‌

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب العاقلة الحديث الأول.

٤٣٧

الوالي من بيت المال » ، بل ولغيره من النصوص السابقة الدالة على تبعية العقل للإرث وإن كان هو بالنسبة إلى وارث مخصوص ، مع ملاحظة الانجبار بالشهرة المزبورة.

بل في محكي المبسوط « لا يخلو إما أن يكون على الأقرب وحده ، أو على من قرب وبعد كما قالوا ، أو على الأقرب فالأقرب كما قلنا ، وبطل أن يكون كلها على الأقرب لأنه لا خلاف في ذلك ، وبطل أن يقال على الكل لما قلناه في الآية (١) ، فكان على الأقرب فالأقرب كالميراث والولاية في النكاح » (٢) وإن كان فيه ما لا يخفى.

وربما يؤيد بخبري (٣) البزنطي وأبي بصير المتقدمين فيمن هرب فمات وإن لم يكن مورد هما الخطاء.

( وهل يؤخذ من الموالي مع وجود العصبة ، الأشبه نعم مع زيادة الدية عن العصبة ) على وجه لا يمكن استيفائها منها على أحد الوجهين من النصف أو الربع أو عدمه ( و ) حينئذ فـ ( ـلو اتسعت ) على الموالي أيضا على الوجه المزبور ( أخذت من عصبة المولى ، فلو زادت فعلى مولى المولى ثم عصبة مولى المولى ، ) لما عرفت من أنه بناء على ما ذكرناه من اعتبار الأقرب فالأقرب أنه مع عدمه أو عجزه يكون العاقلة غيره.

وأما على القول بكون الجميع في درجة واحدة فالأخذ من الجميع من دون اعتبار للقيد المزبور واضح ، ضرورة كون الجميع عاقلة في الجملة.

( و ) من هنا ( لو زادت الدية على العاقلة أجمع ) مع اعتبار التقدير وعدمه ( قال الشيخ ) بل وجماعة على ما في المسالك ( يؤخذ الزائد من الإمام ) ‌

__________________

(١) في الأصل : في الدية ولكن في كشف اللثام كما أثبتناه.

(٢) حكاه في كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٩ عن الشيخ ولم أجده في باب العاقلة من كتاب المبسوط طبع المرتضوي فراجع.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العاقلة الحديث ١ و ٣.

٤٣٨

الذي هو العاقلة في هذا الحال ( حتى لو كانت الدية دينارا وله أخ ) وقلنا يضمن بضمان العاقلة دية الأقل من الموضحة ( أخذت منه عشرة قراريط ) بناء على اعتبار التقدير ، بمعنى عدم إلزامه بأزيد من ذلك ( والباقي من بيت المال ) لإمام المسلمين على البحث السابق.

ولكن في المتن تبعا للمحكي عن الخلاف ( والأشبه إلزام الأخ بالجميع إن لم يكن له عاقلة سواه ، لأن ضمان الإمام مشروط بعدم العاقلة أو عجزهم عن الدية ) كما في خبري (١) سلمة ويونس ، مضافا إلى عموم أن الدية على العاقلة في غيرهما من النصوص ، فمن نقلها إلى بيت المال يحتاج إلى الدليل.

ولكن فيه أولا أن الشيخ بنى ذلك على اعتبار التقدير على الوجه المزبور ولا ريب في كونه متجها عليه ، ضرورة عدم عاقلة حينئذ غير الإمام ، وثانيا يرد عليه نحوه فيما صرح بجوازه من الأخذ من الموالي (٢) مع وجود العصبة الذين شرط في عقلهم أيضا عدم العصبة ، وليس هو إلا لما ذكرناه ، مع أنه مع عجزهم يكون كعدم العاقلة ، ونحوه يجري في الإمام عليه‌السلام ، فما أدري ما الذي دعاه إلى الاعتراض على الشيخ في خصوص ذلك الذي بناه على اعتبار التقدير بالنحو الذي ذكرناه؟. وإن كان هو خلاف المختار الذي يتجه فيه كون الإمام عليه‌السلام كغيره من أفراد العاقلة في أنه مع عدم الطبقة السابقة أو عجزها يكون العقل عليه.

( ولو زادت العاقلة عن الدية لم يخص بها البعض ) كما في القواعد ومحكي الخلاف ( وقال الشيخ ) في محكي المبسوط ( يخص الإمام بالعقل من شاء ) منهم ( لأن التوزيع بالحصص يشق و ) لا ريب أن ( الأول ) أي التقسيط ( أنسب بالعدل ) وأوفق بإطلاق تعلقها بالجميع بعد عدم الدليل إلى التخصيص ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العاقلة الحديث الأول ، والباب ـ ٦ ـ منها الحديث الأول.

(٢) في الأصل : المولى.

٤٣٩

والمشقة غير صالحة لذلك.

( و ) هنا ( لو غاب بعض العاقلة لم يخص بها الحاضر ، ) خلافا لبعض العامة فخص بها الحاضر لاختصاصهم بقرب الدار كما يقدم المختصون بقرب القرابة ، ولأن التحمل نوع نصرة (١) وهي إنما تتأتى الحاضرين ، وهو كما ترى لا يستأهل أن يسطر ، ضرورة الفرق بين قرب الدار وقرب القرابة وإلا لافترق الحاضرون ، ووجه التحمل النص والإجماع لا النصرة.

ومن هنا تحمل من لم يصلح لها منهم كما هو واضح. و‌خبر (٢) الحكم بن عتيبة عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا كان الخطاء من القاتل أو الخطاء من الجارح وكان بدويا فدية ما جنى البدوي من الخطاء على أوليائه من البدويين وإذا كان القاتل أو الجارح قرويا فإن دية ما جنى من الخطاء على أوليائه القرويين » ‌مع ضعفه وعدم تعرضه للحاضر والغائب لم أجد عاملا به.

( وابتداء زمان التأجيل ) في دية الخطاء ( من حين الموت وفي الطرف من حين الجناية ، لا من وقت الاندمال ، وفي السراية من وقت الاندمال ، لأن موجبها لا يستقر بدونها ، ولا يقف ضرب الأجل على حكم الحاكم ) كما ذكر ذلك كله في الإرشاد والقواعد وغيرهما.

بل لا خلاف ولا إشكال في الأول للانسياق سواء مات دفعة أو بالسراية ، ولأن الابتداء من حين وجوب الدية ولا وجوب قبل الموت ، وإذا سرى الجرح دخل في النفس ولم يعتبر إلا حال الدخول فيها.

وكذا الأخير عندنا لإطلاق الدليل المقتضي كونه دينا من الديون المؤجلة شرعا من غير حاجة إلى حاكم ، خلافا لبعض العامة فجعل ابتداء الأجل من حين‌

__________________

(١) في الأصل : مضرة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب العاقلة الحديث الأول الفقيه ج ٤ ص ١٠٩ التهذيب ج ١٠ ص ١٧٤.

٤٤٠