جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

( مسائل ) ‌

( الأولى )

قد ظهر لك مما ذكرنا أنه ( لو أتلف على الذمي خمرا أو آلة لهو ) أو نحو ذلك مما يملكه في مذهبه ( ضمنها المتلف ولو كان مسلما ، ولكن يشترط في الضمان ) قيامه بشرائط الذمة التي منها ( الاستتار ) بذلك ، ( و ) حينئذ فـ ( ـلو أظهرها الذمي لم يضمن المتلف ) المسلم لأنه حينئذ بحكم الحربي الذي لا يضمن ماله. وفي ضمان غيره الكلام السابق. ولعل إطلاق المصنف الضمان في الخنزير واشتراطه التستر في الخمر ونحوه مشعر بما ذكرناه من بناء استثناء (١) الخنزير على عدم التستر به.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو كان ) شي‌ء من ( ذلك لمسلم لم يضمن الجاني على التقديرات ) لعدم ملكه إياها سواء كان متسترا أو متظاهرا ، وسواء كان المتلف مسلما أو ذميا ، لأنها ليست مالا بالنسبة إليه.

بل في كشف اللثام « وإن اقتنى الخمر للتخليل (٢) » وإن كان فيه بحث خصوصا بناء على غلبة سبق الخمرية للخلية في أكثر أفراد العصير ، وهي المسماة بالخمر المحترمة ، كما أن فيه أيضا « يملك المسلم جوهر آلة اللهو ، فإن أحرق الجاني عود آلة مثلا ضمن قيمة الخشب وسائر الأجزاء » (٣) وفيه بحث أيضا ، مع توقف إتلاف الهيئة عليه ، وقد سمعت إبطال علي عليه‌السلام كسر البربط‌

__________________

(١) كذا في الأصل ولكن في بعض النسخ « اقتناء » وهو الصحيح ظاهرا.

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٤.

(٣) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٤.

٤٠١

الذي هو من آلات اللهو على الظاهر ، وإن كان يمكن إرادة الهيئة فيه بعد تنزيله على كونه لمسلم أو ذمي تجاهر به أو خرق شرائط الذمة ، والله العالم.

المسألة ( الثانية )

المشهور بين قدماء الأصحاب ، بل لعل عليه إجماعهم كما اعترف به بعضهم ، بل عن ابن زهرة منهم دعواه عليه أنه ( إذا جنت الماشية على الزرع ليلا ضمن صاحبها ولو كان نهارا لم يضمن ومستند ذلك ) مضمون ( رواية ) عبد الله بن المغيرة الذي هو من أصحاب الإجماع عن‌ السكوني (١) عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام « قال : كان لا يضمن ما أفسدت البهائم نهارا ، ويقول : على صاحب الزرع حفظ زرعه ، وكان يضمن ما أفسدت البهائم ليلا » ‌( و ) لكن المصنف وغيره من المتأخرين قالوا ( فيه ) أي الخبر المزبور ( ضعف والأقرب اعتبار ) (٢) ( التفريط في موضع الضمان ليلا كان أو نهارا ) وعدمه مع عدمه كذلك أيضا.

وفيه أن ضعفه منجبر بما عرفت ، وفي كشف الرموز « قد عمل به الشيخ وأتباعه والمتأخرون ولا أعرف له رادا » على أن خبر السكوني من القوي في نفسه ، وفي خصوص المقام رواه عنه عبد الله بن المغيرة الذي هو من أصحاب الإجماع ، وقد قال بعض الأصحاب : إنه لا يقدح في صحة الخبر ضعف من بعده ، وإن كان لنا فيه نظر قد ذكرناه غير مرة.

على أنه معتضد بخبر معاوية (٣) بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « أن داود عليه‌السلام ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم فأوحى الله‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

(٢) في الشرائع : اشتراط.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢.

٤٠٢

تعالى إلى داود عليه‌السلام أن اجمع ولدك فمن قضى منهم بهذه القضية فأصاب فهو وصيك من بعدك ، فجمع ولده فلما أن قص الخصمان ، قال سليمان عليه‌السلام : يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل على كرمك؟ قال : دخلت ليلا ، قال : قد قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا ، قال : كيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوم ذلك علماء بني إسرائيل؟ وكان ثمن الكرم قيمة الغنم فقال سليمان : إن الكرم لم يجتث من أصله ، وإنما أكل حمله وهو عائد في قابل ، فأوحى الله تعالى إلى داود عليه‌السلام أن القضاء في هذه القضية ما قضى به سليمان عليه‌السلام ».

وبخبر هارون (١) بن حمزة ، « قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البقر والغنم والإبل تكون في المرعى فتفسد شيئا هل عليها ضمان؟ فقال : إن أفسدت نهارا فليس عليها ضمان من أجل أن أصحابه يحفظونه ، وإن أفسدت ليلا فإن عليها ضمان ».

وبخبر أبي بصير (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : ( وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ ) (٣) إلى آخرها قال : النفش لا يكون إلا بالليل ، وعلى صاحب الحرث أن يحفظ الحرث بالنهار ، وليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار ، إنما رعيها بالنهار وأرزاقها ، فما أفسدت فليس عليها ، وعلى أصحاب الماشية حفظ الماشية في الليل عن حرث الناس ، فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا وهو النفش ، وأن داود عليه‌السلام حكم للذي أصاب زرعه رقاب الغنم فحكم سليمان الحديث ».

وخبره الآخر عنه (٤) أيضا « قلت له : إن قول الله عز وجل ( وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ )

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٤.

(٣) الأنبياء ٧٨.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٥.

٤٠٣

إلى آخرها قلت : حين حكما في الحرث كانت قضية واحدة ، فقال : كان أوحى الله عز وجل إلى النبيين قبل داود عليه‌السلام إلى أن بعث الله داود عليه‌السلام أي غنم نفشت في الحرث فلصاحب الحرث رقاب الغنم ولا يكون النفش إلا بالليل ، فإن على صاحب الزرع أن يحفظه بالنهار ، وعلى أهل الغنم حفظ الغنم بالليل ، فحكم داود بما حكمت به الأنبياء من قبله ، وأوحى الله إلى سليمان أي غنم نفشت في زرع فليس لصاحب الزرع إلا ما خرج من بطونها ، وكذا جرت السنة بعد سليمان عليه‌السلام وهو قول الله عز وجل ( وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً ) (١) فحكم كل واحد منهما بحكم الله عز وجل ».

وبالنبوي الذي (٢) رواه جماعة ومنهم ابن زهرة « أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدته فقضى صلى‌الله‌عليه‌وآله أن على أهل الأموال حفظها نهارا وعلى أهل المواشي حفظها ليلا وأن على أهلها الضمان في الليل ».

بل و‌بالآخر (٣) وهو « أن العجماء (٤) جبار » ‌بناء على أن غالب جنايتها وقوعها في النهار.

ولكن مع ذلك كله قال الشهيد في غاية المراد : « لما كان الغالب حفظ الدابة ليلا وحفظ الزرع نهارا خرج الحكم عليه وليس في حمل المتأخرين رد لقول القدماء ، لأن القدماء اتبعوا عبارة النص والمراد هو التفريط ، ولا ينبغي أن يكون خلاف هنا إلا في مجرد العبارة عن الضابط ، وأما المعنى فلا خلاف فيه » وتبعه على ذلك في كشف اللثام ، بل قال : أكثر عباراتهم تشعر بذلك.

وقد اعترضه غير واحد بأنه خلاف ظاهر عباراتهم التي لا يجب الجمع فيها‌

__________________

(١) الأنبياء : ٧٩.

(٢) الغنية ، فصل في الجنايات ، أواخر الفصل.

(٣) راجع الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب موجبات الضمان.

(٤) في بعض النسخ : القحماء.

٤٠٤

كالروايات والآيات والأدلة ، خصوصا بعد أن علم أن عادة بعضهم اتباع النصوص التي لا ريب في ظهورها بعدم الضمان في النهار ولو مع التفريط به ، وجزم في الرياض (١).

ولكن الإنصاف عدم صلاحية النصوص المزبورة التي منها قضية في واقعة المعبر عنها عن مضمونها بعبارات القدماء المعلوم عدم التحرير فيها ، للخروج عن القواعد المحكمة المعتضدة بالعقل والنقل ، فالتحقيق حملها على ما عرفت من كون ذلك مثالا للتفريط وعدمه. نعم ربما يقال : إن الأصل في إفسادها ليلا الضمان حتى يعلم عدم التفريط وبالنهار بالعكس حتى يعلم التفريط ، وإن كان هو أيضا كما ترى.

المسألة ( الثالثة )

(روى ) ‌محمد بن قيس (٢) في الصحيح عن أبي جعفر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ( إنه قضى في بعير بين الأربعة عقله أحدهم فوقع في بئر فانكسر ، ان على الشركاء حصته لأنه حفظ وضيع الباقون ) ‌ولفظه‌ « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في أربعة أنفس شركاء في بعير فعقله أحدهم فانطلق البعير فعبث بعقاله فتردى فانكسر فقال أصحابه للذي عقله : اغرم لنا بعيرنا ، قال : فقضى أمير المؤمنين عليه‌السلام بينهم أن يغرموا له حظه من أجل أنه أوثق حظه فذهب حظهم بحظه » ‌إلا أن الأصحاب حكوه بلفظ الرواية مشعرين بعدم العمل به بل في نكت المصنف « إن‌

__________________

(١) قال في الرياض : اللازم المصير إلى رواية السكوني راجع ج ٢ ص ٦٢٧ ـ ٦٢٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب موجبات الضمان ، الحديث الأول ، التهذيب ج ١٠ ص ٢٣١ ، الفقيه ج ٤ ص ١٧٣ ، المقنعة ص ١٢٣ وفي الأخير نقل بمعناه لا بلفظه فراجع.

٤٠٥

صحت هذه الرواية فهي حكاية في واقعة ولا عموم للوقائع فلعله عليه‌السلام عرف فيها ما يقتضي الحكم بذلك مثل أن يعقله ويسلمه إليهم فيفرطوا في الاحتفاظ به أو غير ذلك من الوجوه المقتضية للضمان ، أما أن يطرد الحكم على ظاهر الواقعة فلا (١) » وهو كذلك.

بل ربما ظهر من بعض ، أن الأصل يقتضي ضمانه من حيث إن عقله كان سببا لترديه وتصرف في مال الغير بغير إذنه ، بل ربما كان ذلك باعتبار استيلائه عليه عدوانا مقتضيا لضمانه على كل حال ، وإن كان قد يشكل بقاعدة الإحسان التي قد سلف منا عدم اقتضائها ارتفاع الضمان. لكن قد يظهر من بعض النصوص هنا ذلك مثل‌ خبر السكوني (٢) عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام « أن رجلا شرد له بعيران فأخذهما رجل فقرنهما في حبل فاختنق أحدهما ومات فرفع ذلك إلى علي عليه‌السلام فلم يضمنه ، وقال : إنما أراد الإصلاح ».

المسألة ( الرابعة )

قد عرفت أن ( دية الكلاب الثلاثة مقدرة على القاتل ) غير الغاصب ( أما لو غصب أحدها وتلف في يد الغاصب ضمن قيمته السوقية ولو زادت عن المقدر ) أو أكثر الأمرين على حسب ما سمعت الكلام فيه آنفا.

__________________

(١) نكت النهاية ، وبهذه العبارة تم كتاب النكت وصححنا العبارة طبقا للمصدر.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

٤٠٦

( الثالثة )

من اللواحق

( في كفارة القتل )

( تجب كفارة الجمع بقتل العمد ) بلا خلاف أجده في ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص التي منها‌ صحيح (١) ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سئل عن المؤمن يقتل المؤمن عمدا له توبة؟ فقال : إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له ، وإن كان قتله لغضب أو سبب من أسباب الدنيا فإن توبته أن يقاد منه ، وإن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم ، فإن عفوا عنه ولم يقتلوه أعطاهم الدية وأعتق نسمة وصام شهرين متتابعين وأطعم ستين مسكينا توبة إلى الله عز وجل » ‌وغيره من النصوص.

( والمرتبة بقتل الخطاء ) وشبه العمد الذي صرح به غير واحد ، لاندراجه في الخطاء الذي لا أجد فيه خلافا إلا من سلار وابن زهرة فخيرا ، ويوهمه كلام المفيد قال : « عليه عتق رقبة وإن أضاف إليه صيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا فهو أفضل وأحوط في كفارة ذنبه إن شاء الله » (٢) وفيه أن الكتاب والسنة متطابقان على الترتيب وإن كان لم يذكر خصوص الإطعام في الكتاب إلا أن النص والفتوى على ثبوته مرتبا على انتفاء الأمرين.

نعم صرح الفاضل والشهيدان وغيرهم بأن وجوبها فيهما ( مع ) كون القتل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث الأول مع اختلاف في بعض الكلمات.

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٥٠.

٤٠٧

بـ ( ـالمباشرة لا مع التسبيب ) وحينئذ ( فلو طرح حجرا أو حفر بئرا أو نصب سكينا في غير ملكه فعثر عاثر فهلك بها ضمن الدية دون الكفارة ) ولعله لما عرفته في محله من عدم صدق نسبة القتل في قتل التسبيب المزبور الذي هو من الشرائط ، وإنما يثبت الضمان فيه للنصوص والإجماع كما حققنا الكلام فيه في محله ، فما في الرياض من المناقشة في ذلك في غير محله ، خصوصا بعد أن كان ظاهر غير واحد عدم الخلاف فيه بيننا ، نعم حكاه في كشف اللثام عن الشافعي ولا ريب في فساده.

( و ) كيف كان فـ ( ـتجب ) كفارة الجمع عندنا ( بقتل المسلم ذكرا كان ) المقتول ( أو أنثى حرا أو عبدا ) للعموم ، خلافا للمحكي عن مالك فلم يوجبها في العبد ، ( وكذا تجب في قتل الصبي والمجنون ) المحكوم بإسلامهما ، بل في التحرير هنا « والجنين الذي لم تلجه الروح » ، وإن كان فيه عدم صدق القتل في حقه كما عرفته سابقا ، نعم لو ولجته الروح وجبت لصدق عنوانها.

( و ) كذا تجب أيضا ( على المولى بقتل عبده ) كما في القواعد ومحكي النهاية والسرائر للعموم ، وخصوص‌ قول الصادق عليه‌السلام (١) « من قتل عبده متعمدا فعليه أن يعتق رقبة ويطعم ستين مسكينا ويصوم شهرين متتابعين » ‌ونحوه‌ الموثقان (٢) والحسنان « عن رجل قتل مملوكه متعمدا قال : يعتق رقبة ويصوم شهرين متتابعين » ‌إلى غير ذلك من النصوص ، خلافا للمحكي عن كفارات النهاية والمهذب ، من استحباب الجمع لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٣) « يعجبني أن يعتق رقبة ويصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكينا ثم تكون التوبة بعد ذلك ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٣.

(٢) راجع الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الكفارات والباب ـ ٣٧ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الكفارات الحديث الأول.

٤٠٨

وقوله في‌ خبر المعلى (١) وأبي بصير « من قتل عبده متعمدا فعليه أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا » ‌ولكن يمكن رجوع الفضل في الأول إلى الترتيب بين الكفارة والتوبة بتقديم الأولى على الثانية لا إلى أصل الكفارة ، كما أنه يمكن حمل « أو » في الثاني على معنى الواو وإرادة التفصيل منهما لا التخيير ، كل ذلك لقصورهما عن معارضة النصوص المزبورة المعتضدة بإطلاق غيرهما من السنة ( و ) معاقد الإجماعات.

نعم ( لا تجب ) الكفارة أصلا عندنا ( بقتل الكافر ذميا كان أو معاهدا ) وغيرهما عمدا أو خطاءا بلا خلاف أجده فيه ( استنادا إلى البراءة الأصلية ) خلافا للعامة.

( ولو قتل مسلما في دار الحرب عمدا مع العلم بإسلامه ولا ضرورة فعليه القود والكفارة ) عندنا إلا إذا أقيد منه على قول تسمعه إن شاء الله والدية والكفارة إن كان خطاءا لإطلاق الأدلة ، سواء أسلم فيها ولم يهاجر ، أو هاجر وعاد لحاجة ، أو لغيرها ، خلافا لمالك ففيه الكفارة والدية على كل حال ، ولأبي حنيفة إن كان أسلم فيها ولم يهاجر فالكفارة ولا قود ولا دية ، ثم إن ظاهر اعتبار المصنف عدم الضرورة ، يقتضي عدم القود والدية مع الضرورة إلى قتله كما إذا تترس به الكفار ، وبه صرح بعضهم هنا وفي باب الجهاد ، وهو إن تم إجماعا فلا إشكال وإلا فللنظر فيه مجال كما سنشير إليه.

هذا كله مع العلم بإسلامه.

( و ) أما ( لو ظنه كافرا فـ ) ـلا قود اتفاقا وإن قتله عمدا بل و ( لا دية ) عند الأكثر ( و ) لكن ( عليه الكفارة ) بلا خلاف أجده في وجوبها ، بل ولا إشكال لعموم الأدلة وخصوص قوله تعالى ( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (٢) بناء على أن المراد إذا كان‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢.

(٢) النساء : ٩٢.

٤٠٩

المقتول مؤمنا وهو في قوم بينكم وبينهم عداوة فعليكم الكفارة ، بل ظاهر اقتصارها على ذلك خصوصا بعد قوله سابقا : ( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) (١) ولاحقا ( وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (٢) عدم الدية أيضا وإلا لم يظهر وجه للتفصيل بين المؤمن في قوم عدو ، وفي قوم بينكم وبينهم ميثاق ، وبين مطلق المؤمن ، وحينئذ فتكون الآية دالة على عدم وجوبها ولو بحسب السياق كما عن الأكثر بل في ظاهر المبسوط وغيره الاتفاق عليه ، وبه حينئذ يخص ويقيد إطلاق ما دل على وجوب الدية للنفس المؤمنة بناء على شموله لمثل الفرض.

خلافا لابن إدريس فأوجب الدية لأن لا يبطل دم المسلم ، لإطلاق الأدلة الذي يكفي في الثبوت وإن لم تذكر في الآية ، ولإجماع أصحابنا على ذلك ، إلا أن الجميع كما ترى ، ضرورة عدم صلاحية الأولين لمعارضة ما ذكرناه من دلالة الآية ، وليس تعرض فيها للدية بل دالة على العدم ، فلا يصلح الإطلاق ونحوه معارضا حتى الإجماع المزبور بعد أن لم نعرف من وافقه عليه ، بل الأصحاب صريحا وظاهرا على خلافه ، ولعل وجهه أنه أوفق بحكمة استيصال المحاربين بعد أن ظنه كافرا ولم تكن ضرورة تلجئه لمكثه في دار الحرب كما هو الفرض.

هذا. ولكن الإنصاف مع ذلك كله عدم خلو الحكم عن إشكال إن لم يكن إجماع ، ضرورة معلومية أحكام قاعدة عدم بطلان دم المسلم.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو كان أسيرا قال الشيخ ) في محكي الخلاف والمبسوط والفاضل والصيمري وغيرهم ( ضمن الدية والكفارة لأنه لا قدرة للأسير على التخلص ) فلم يكن مفرطا في هدر دمه كالسابق ، مضافا إلى إطلاق الأدلة وقاعدة عدم بطلان دم المسلم وغير ذلك ، ( و ) لكن ( فيه تردد ) من‌

__________________

(١) النساء : ٩٢.

(٢) النساء : ٩٢.

٤١٠

ذلك ، ومن ظاهر الآية السابق المعتضد بإطلاق الفتوى وأصل البراءة ، بل مال إليه في الرياض ، إلا أن ذلك كله ترى لا يصلح للخروج عما عرفت ، والله العالم.

( ولو اشترك جماعة في قتل واحد ) عمدا أو خطأ ( فعلى كل واحد كفارة ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى عموم النص ، بناء على صدق القتل بالنسبة إلى كل واحد منهم ، خلافا للمحكي عن الشافعي وغيره من عدم وجوب التعدد ، ولا تسقط الكفارة بأمر المقتول بقتل نفسه للأصل.

( وإذا قبل من العامد الدية ) أو أقل أو أكثر صلحا أو عفى عنها ( وجبت الكفارة قطعا ) وإجماعا بقسميه ، ضرورة عدم كون ذلك مسقطا لها بعد تحققها ، خلافا للحنفية (١) والثوري.

( ولو قتل القاتل قودا هل تجب في ماله قال في المبسوط ) ومحكي السرائر وظاهر المقنعة والمهذب والوسيلة ( لا تجب ) الكفارة في ماله للأصل ، ولأنها شرعت لتكفير الذنب ، فمع فرض تسليم نفسه والاقتصاص منه فقد أعطى الحق فيكفي كفارة ، وفي‌ النبوي « القتل كفارة » ‌، بل‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الله (٢) بن سنان : « كفارة الدم إذا قتل الرجل مؤمنا متعمدا فعليه أن يمكن نفسه من أوليائه فإن قتلوه فقد أدى ما عليه إذا كان نادما على ما كان منه عازما على ترك العود ، وإن عفى عنه فعليه أن يعتق رقبة ويصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكينا وأن يندم على ما كان منه ويعزم على ترك العود ويستغفر الله تعالى أبدا ما بقي ».

( و ) لكن ( فيه إشكال ينشأ من كون الجناية سببا ) فيستصحب ، ولأن الأصل عدم السقط ، ولأن حقوق الله المتعلقة بالمال لا تسقط بالموت ، بل عن الفاضل‌

__________________

(١) للحنيفة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢.

٤١١

في المختلف والتحرير أنه قوى الوجوب ، بل عن الشيخ في الخلاف الفتوى به مدعيا عليه إجماع الفرقة وأخبارهم ، ولعله الأقوى في النظر للأصل وإطلاق الأدلة ، والله العالم.

ولو قتل صبي أو مجنون مسلما ففي المسالك : أن إطلاق النص يقتضي عدم الفرق في الثبوت فيخرج العتق والإطعام من مالهما كما يخرج غيرهما من الحقوق ، ولا يصام عنهما ولا يجزى صومهما قبل التكليف ، فإذا كملا خوطبا به ، ولو ماتا قبله أخرجت الأجرة من مالهما ، بل عن المبسوط التصريح بذلك أيضا لعموم النصوص وعدم اشتراطها بالإثم ، لوجوبها على المخطئ ، ولكن لا يخفى عليك النظر في ذلك كله كما اعترف به الفاضل ، بل اختار العدم كالمحكي عن ابن إدريس ولعله الأقوى للأصل.

ثم على تقدير الثبوت فالمتجه كونها كفارة خطاء لأن عمدهما خطاء ، بل ليس في مالهما إلا العتق والإطعام ولا يكلفان بالصوم حين الجناية ، والأصل البراءة بعد الكمال.

نعم تجب على الذمي والحربي لعموم النصوص مع تكليف الكافر عندنا بالفروع ، ولكن يسقط بإسلامه فإنه يجب ما قبله ، بل في القواعد الأقرب وجوبها على قاتل نفسه للعموم ، ولكن فيه نظر ، من عدم انسياق مثله من النصوص ، ولأنها لا تجب ما لم يتحقق الموت ، وإذا تحقق لم يكن من أهل التكليف ، ولعله لذا كان خيرة التحرير العدم.

ولو قتل من أباح الشرع قتله كالزاني بعد الإحصان وقاطع الطريق ، ففي القواعد وشرحها لا كفارة بقتله وإن حكم بإيمانه ولم يكن القاتل ممن له قتله ، لانتفاء حرمته شرعا وخروجه عن النصوص قطعا ، والإثم بتصديه لما ليس له ـ لعدم إذن الامام ـ لا يوجب الكفارة ، ولكن للنظر فيه مجال لإطلاق الأدلة.

ولو تصادمت الحاملان فماتا مع جنينهما ، ضمنت كل واحدة أربع‌

٤١٢

كفارات إن ولجت الروح الجنين وقلنا بوجوبها على القاتل نفسه ، لاشتراك كل منهما مع الأخرى في قتل أربع أنفس وإن لا تلجه الروح فلا كفارة فيه وإنما عليهما كفارة قتل أنفسهما فعلى كل منهما كفارتان ، وعلى ما سمعته من التحرير ، لا فرق بين الولوج وعدمه ، والله العالم.

( الرابعة )

من اللواحق

( في العاقلة )

سميت بذلك لعقلها الإبل التي هي الدية بفناء ولي الدم ، أو لعقلها أي منعها القاتل من القتل ، أو لعقلهم عنه أي تحملهم العقل وهو الدية عنه ( و ) كيف كان فـ ( ـالنظر يقع فيها في تعيين المحل وكيفية التقسيط وبيان اللواحق ).

( اما المحل )

( فهو العصبة ) على المشهور كما ستعرف ( والمعتق وضامن الجريرة والإمام ) مترتبين على حسب الترتيب في الإرث كما ستعرف إن شاء الله.

لكن ينبغي أن يعلم أولا أنك قد عرفت سابقا ثبوت دية القتل أو الجرح مع تراضي الجاني والأولياء عليها وإذا لم يحصل بعض شروط القصاص في ذمة الجاني‌

٤١٣

إجماعا بقسميه ونصوصا ، فإن مات أخذت من التركة إن كانت ، كما في خبري (١) البزنطي وأبي بصير ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، خلافا للمحكي عن المبسوط فأسقطها فهو واضح الضعف كما تقدم الكلام فيه ، بل وفيما إذا هرب ، الذي حكى عن النهاية والغنية والوسيلة والإصباح والجامع أنه تؤخذ الدية حينئذ من عاقلته ، فإن لم يكن له عاقلة فمن بيت المال ، إلا أنهم ذكروا ذلك في شبه العمد الذي لا فرق بينه وبين العمد في ذلك ، ولذا حكوا عنهم الخلاف فيه.

وعن الفاضل في المختلف اختياره لأن لا يبطل دم المسلم ، وللإجماع في الغنية ، إلا أنه كما ترى موهون بمصير غير من عرفت إلى خلافه ، بل أجاد ابن إدريس فيما حكي عنه في رده « بأنه خلاف الإجماع وضد ما تقتضيه أصول مذهبنا لأن الأصل براءة الذمة (٢) مضافا إلى الإجماع على أنه لا عقل للأولياء وبيت المال إلا دية الخطاء المحض فأما الخطاء شبه العمد فلا تعقله العاقلة بغير خلاف فيه بيننا ، وإنما تجب على الجاني نفسه ، ولا يرجع عن ذلك بأخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا » (٣).

بل في كشف اللثام « لم نظفر بخبر يفيد الانتقال إلى العاقلة أو بيت المال بمجرد الهرب (٤) » وإن كان فيه أنه مضمون‌ خبر أبي بصير (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه قال : إن كان له مال أخذت الدية من ماله وإلا فمن الأقرب فالأقرب ، وإن لم يكن له قرابة أداه الإمام‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العاقلة الحديث ٣ و ١.

(٢) في المصدر : فمن شغلها يحتاج الى دليل.

(٣) السرائر ، كتاب الحدود ، باب في أقسام القتل ولم ينقل لفظ عبارته بل معناه فراجع.

(٤) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٦.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العاقلة الحديث الأول.

٤١٤

فإنه لا يبطل دم امرء مسلم ».

وقد سمعت سابقا البحث فيما إذا هرب حتى مات في هربه وتعذر استيفائها من التركة ، وربما احتمل تأويل كلامهم بذلك ، بل عن المصنف في النكت التوقف في أخذها من العاقلة في الحال المزبور وجواز أخذها من بيت المال المجعول للمصالح التي حسم المنازعة في الدماء من أهمها.

وأما شبه العمد فالدية من ماله عندنا ، وعن العامة قول بأنها على العاقلة.

وحكى عن الحلبي منا ، ولكن النص والفتوى على خلافه ، نعم هي على العاقلة في الخطأ المحض نصا وإجماعا بقسميه ، بل لعله من المسلمين إلا من الأصم والخوارج ، وقد سبقهم الإجماع ولحقهم.

إنما الكلام في تعيينها والمشهور بين الأصحاب كما اعترف به غير واحد أنها العصبة خاصة‌ لصحيح محمد بن قيس (١) عن جعفر عليه‌السلام « أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في امرأة أعتقت رجلا واشترطت ولائه ولها ابن فألحق ولائه بعصبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها » ‌وصحيحه (٢) الآخر عنه أيضا « أنه عليه‌السلام قضى في رجل حرر رجلا فاشترط ولائه فتوفي الذي أعتق وليس له ولد إلا البنات ثم توفي المولى وترك مالا قال فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه إذا أحدث حدثا يكون فيه عقل » والمرسل (٣) « إن امرأة رمت أخرى حاملا فأسقطت ثم ماتت الرامية فقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليها بالغرة وقضى بأن ميراثها لبنيها وزوجها والعقل على عصبتها ».

( وضابط العصبة ) على ما صرح به غير واحد من الأصحاب كالشيخين والقاضي والفاضلين والشهيدين وغيرهم على ما حكى عن بعضهم ، بل هو المشهور‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من كتاب العتق الحديث الأول.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من كتاب العتق الحديث الأول وفيه « الا النساء » مكان « الا البنات ».

(٣) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٦.

٤١٥

أيضا ، بل في المختلف الاستدلال بها عليه وربما استفيد من ذلك بلوغها حد الإجماع بقرينة معلومية عدم حجيتها عنده ، اللهم إلا أن يكون ذلك بالنسبة إلى تفسير العصبة الذي يمكن أن تكون فيه حجة وإن لم تكن هي كذلك بالنسبة إلى الحكم الشرعي ، وعلى كل حال فهي عندهم ( من يتقرب بالأب كالإخوة وأولادهم ) وإن نزلوا ( والعمومة وأولادهم ) كذلك ( ولا يشترط كونه من أهل الإرث في الحال ).

بل في كشف اللثام أنه المعروف من معناها ، وفي محكي السرائر « فهم العصبات من الرجال سواء كان وارثا أو غير وارث الأقرب فالأقرب ويدخل فيها الولد والوالد ـ إلى أن قال ـ : وإجماعنا منعقد على أن العاقلة جماعة الوارث من الرجال دون من يتقرب بالأم » (١) وفي الرياض « وظاهره كما ترى دعوى الإجماع عليه ، وإن زعم مخالفة قوله لقولهم فعد قولا آخر ، ولم أفهم الوجه فيه إلا من حيث إطلاق الرجال في صدر العبارة بحيث يتوهم الشمول فيه لمثل الإخوة من الأم والأخوال ، لكن تصريحه أخيرا باستثناء من يتقرب بالأم يدفع ذلك ويوجب اتحاد قوله مع قولهم ، ولذا لم يجعله كثير مخالفا لهم ، وعبارته صريحة في دعوى الإجماع وهو الحجة » (٢).

قلت : الإنصاف أن عبارته غير نقية ، خصوصا بعد إدراجه الولد والوالد وفيهما ما تسمعه من الكلام ، وقوله أخيرا الوارث مع تصريحه أولا بعدم الفرق بين الوارث وغيره ، إلا أن التدبر فيها يقتضي موافقة الجماعة ، والله العالم.

وفي مختصر النهاية الأثيرية « العصبة الأقارب من جهة الأب » وفي الصحاح « عصبة الرجل بنوه وقرابته لأبيه وإنما سموا عصبة لأنهم عصبوا به أي أحاطوا فالأب طرف والابن طرف والعم جانب والأخ جانب » وعن مجمع البحرين‌

__________________

(١) السرائر كتاب الحدود ، باب في أقسام القتل.

(٢) الرياض ج ٢ ص ٦٢٩.

٤١٦

« أن عصبة الرجل بنوه وقرابته لأبيه » ( و ) لكن مع ذلك كله ( قيل ) كما عن النهاية والغنية والإصباح ( هم الذين يرثون دية القاتل لو قتل ) والذي عثرنا عليه في النهاية « وأما دية قتل الخطاء فإنها تلزم العاقلة الذين يرثون دية القاتل لو قتل ولا تلزم من لا يرث من ديته شيئا » (١) وهي مع أنها غير صريحة لاحتمال كون الوصف للتعليل المصرح به في المقنعة دون التفسير ، لا ذكر فيها للعصبة وتفسيرها. نعم في الغنية ومحكي الإصباح « وعاقلة الحر المسلم عصبته الذين يرثون ديته » مع احتمال أو ظهور التعليل فيهما ، والاتكال في معنى العصبة على وضوحه ، وأن المفهوم منهم المتقربون بالأب من الرجال ، أو التوضيح والتنصيص على الاختصاص بالمتقربين بالأب.

( و ) على كل حال فالمصنف والفاضل وغيرهما قالوا ( في هذا الإطلاق وهم ، فإن الدية يرثها الذكور والإناث والزوج والزوجة ومن يتقرب بالأم على أحد القولين ) بل أصحهما ( ويختص بها الأقرب فالأقرب كما تورث الأموال ، وليس كذلك العقل فإنه يختص به الذكور من العصبة دون من يتقرب بالأم ) أو بالأب من الإناث ( ودون الزوج والزوجة ) كما عن الشيخ الاعتراف به ( و ) لذا نسبه المصنف إلى وهم الإطلاق.

نعم ( من الأصحاب من خص بـ ) ـه أي العقل ( الأقرب ) فالأقرب ( ممن يرث بالتسمية ومع عدمه يشترك في العقل بين من يتقرب بالأم مع من يتقرب بالأب أثلاثا ) وفي كشف اللثام « وبالجملة هم الورثة على ترتيب الإرث » ثم استدل له بخبري أبي بصير (٢) والبزنطي السابقين اللذين هما في القاتل عمدا ثم هرب وبما في‌ مرسل يونس (٣) « عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال في الرجل إذا قتل رجلا خطأ فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية أن الدية‌

__________________

(١) النهاية ج ٢ ص ٧٥٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العاقلة الحديث ١ و ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب العاقلة الحديث الأول.

٤١٧

على ورثته فان لم يكن له عاقلة فعلي الوالي من بيت المال » ‌وفيه أن مقتضي الإطلاق المزبور الشركة أثلاثا وإن كان المتقرب بالأم واحدا كالأخ الذي له السدس ، بل مقتضاه اختصاص العقل بالبنت والأخت ، على أن الخبرين الأولين في العامد ولا ذكر فيهما للعاقلة ، والثالث محتمل لشبه العمد. وعلى كل حال فلم نعرف هذا القول لأحد وإن نسب إلى أبي على ، لكن عبارته المحكية عنه « العاقلة هم المستحقون لميراث القاتل من الرجال العقلاء سواء كانوا من قبل أبيه أو أمه فإن تساوت القرابتان كالإخوة للأب والإخوة للأم كان على الإخوة للأب الثلثان وعلى الإخوة للأم الثلث سواء كان المستحق للميراث واحدا أو جماعة ولا يلزم ولد الأب شي‌ء إلا بعد عدم الولد والأب ، ولا يلزم ولد الجد شي‌ء إلا بعد عدم الولد للأبوين » (١) وهو كما ترى لا توافق القول المزبور بل هو قول مستقل برأسه ، كما أن ما ذكروه سندا له ومنهم المصنف حيث قال : ( وهو استناد إلى ) ‌رواية سلمة (٢) بن كهيل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام لا ينطبق على ذلك أيضا « قال : أتى أمير المؤمنين عليه‌السلام برجل قد قتل رجلا خطأ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من عشيرتك وقرابتك؟ فقال : ما لي بهذه البلدة عشيرة ولا قرابة قال : فمن أي أهل البلدان أنت؟ فقال : أنا رجل من أهل الموصل ولدت بها ولي بها قرابة وأهل بيت ، قال : فسأل عنه أمير المؤمنين عليه‌السلام فلم يجد له بالكوفة قرابة ولا عشيرة ، قال : فكتب إلى عامله على الموصل : أما بعد فان فلان بن فلان وحليته كذا وكذا ، قتل رجلا من المسلمين خطأ فذكر أنه رجل من أهل الموصل وأن له بها قرابة وأهل بيت وقد بعثت به إليك مع رسولي فلان بن فلان‌

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العاقلة الحديث الأول. ولا يخفى أن في الوسائل هنا سقط سطرين فراجع الكافي ج ٧ ص ٣٦٤ والتهذيب ج ١٠ ص ١٧١ والفقيه ج ٤ ص ١٣٩.

٤١٨

وحليته كذا وكذا فإذا ورد عليك إن شاء الله وقرأت كتابي فافحص عن أمره واسأل عن قرابته من المسلمين ، فإن كان من أهل الموصل ممن ولد بها وأصبت له قرابة من المسلمين فاجمعهم إليك ثم انظر وإن كان منهم رجل يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه من ميراثه أحد من قرابته فألزمه الدية وخذه بها نجوما في ثلاث سنين وإن لم يكن من قرابته أحد له سهم في الكتاب وكان قرابته سواء في النسب وكان له قرابة من قبل أبيه وأمه في النسب سواء ففض الدية على قرابته من قبل أبيه وقرابته من قبل أمه من الرجال المدركين المسلمين ، ثم اجعل على قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية واجعل على قرابته من قبل أمه ثلث الدية وإن لم يكن له قرابة من قبل أبيه ففض الدية على قرابته من قبل أمه من الرجال المدركين المسلمين ثم خذهم بها واستأدهم الدية في ثلاث سنين فإن لم يكن له قرابة من قبل أمه ولا قرابة من قبل أبيه ففض الدية على أهل الموصل ممن ولد بها ونشأ ولا تدخلن غيرهم فيهم من أهل البلد ثم استأد ذلك منهم في ثلاث سنين في كل سنة نجما حتى تستوفيه إن شاء الله ، وإن لم يكن لفلان بن فلان قرابة من أهل الموصل ولا يكون من أهلها وكان مبطلا فرده إلى مع رسولي فلان بن فلان إن شاء الله فأنا وليه والمؤدى عنه ولا يبطل دم امرء مسلم » ‌( و ) أيضا فـ ( ـفي سلمة ضعف ) لأنه بتري مذموم (١) ، ومشتمل على غرامة أهل البلد ، على أن الإخوة من الأبوين ممن يعقلون ولا سهم لهم مسمى في كتاب الله تعالى ، ومن هنا احتمل بعضهم إرادة كل من سمى الله في الكتاب وإن لم يفرض له سهم ، فيشمل الأبناء والإخوة للأب أو للأبوين ، فيكون عليه‌السلام أمر بأخذ الدية ممن يرثه بنص الكتاب إن كان ، وإلا من يرثه بالقرابة ولم يسم في الكتاب كأبناء الإخوة والأعمام وأبنائهم.

ثم لما كان أخذ الدية من العاقلة منوطا برأي الإمام عليه‌السلام رأى أن لا يؤخذ من أقرباء الأب من هؤلاء الثلثان ويؤخذ الثلث من بيت المال الذي‌

__________________

(١) راجع معجم رجال الحديث ج ٨ ص ٢١٠.

٤١٩

على أقرباء الأم ، وإن لم يكن له قرابة أحال الدية على بيت المال الذي على أهل الموصل ، وإن كان هو كما ترى.

وعلى كل حال فالتحقيق ما عليه المشهور لما عرفت ( و ) لكن ( هل يدخل الآباء ) وإن علوا ( والأبناء ) (١) وإن نزلوا ( في العقل قال في المبسوط والخلاف ) والوسيلة ومحكي المهذب ( لا ) يدخلون ، بل نسبه ثاني الشهيدين إلى المشهور ، بل في الخلاف دعوى إجماعنا عليه للأصل المقطوع بما تعرفه إن شاء الله ، مضافا إلى اقتضاء التمسك به هنا شغل ذمة أخرى ، مقتضى الأصل عدمها ، وللإجماع المزبور المعتضد بالشهرة المذكورة الموهونين بما ستعرفه إن شاء الله ، ولخروجهم عن مفهوم العصبة الذي فيه منع ظاهر بعد الإحاطة بما سمعته من كلام أهل اللغة وغيرهم ، ولصحيح محمد بن قيس (٢) المتقدم في أول البحث المحتمل لإرادة إخراج الولد من العصبة على نحو جهة الاستثناء المقتضى لكونهم منها فيكون دالا على المطلوب ، والنبوي (٣) العامي السابق الذي هو من غير طرقنا ، كالآخر‌ عنه (٤) أيضا « لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة ابنه » ‌المحتمل لإرادة العمد ، و‌الثالث (٥) عنه أيضا « في امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى وكان لكل منهما زوج وولد فبرأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الزوج والولد ، وجعل الدية على العاقلة » ‌المحتملة لإرادة الأنثى من الولد فيه ( و ) من هنا كان ( الأقرب دخولهما ) وفاقا للإسكافي والمفيد والشيخ في النهاية والحائريات والحلي ويحيى بن سعيد وأبي العباس والفاضلين والصيمري والشهيد في اللمعة وغيرهم ، وظاهر التنقيح على ما حكى عن بعضهم ، ولذا نسبه‌

__________________

(١) في الشرائع : والأولاد.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من كتاب العتق الحديث الأول.

(٣) وهو الذي حكاه في كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٦.

(٤) حكاه في كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٧ وفي المسالك ج ٢ ص ٥١٢.

(٥) حكاه في كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٧ وفي المسالك ج ٢ ص ٥١٢.

٤٢٠