جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

( كتاب الديات )

جمع دية بالكسر وبتخفيف الياء ، بل التشديد لحن ، والهاء فيها عوض عن فاء الكلمة إذ الأصل ودية كوعدة ، لأنها مأخوذة من الودي وهو دفع الدية ، يقال : « وديت القتيل أديه دية » وقد تسمى لغة عقلا لمنعها من الجرأة على الدم ، فإن من معاني العقل المنع ، وربما تسمى دما تسمية للمسبب باسم سببه ، والمراد بها هنا المال الواجب بالجناية على الحر في النفس أو ما دونها سواء كان له مقدر أولا وإن كان ربما اختصت بالأول والثاني بالأرش والحكومة (١) فهي حينئذ تسمية بالمصدر.

والأصل في مشروعيتها الكتاب العزيز (٢) والإجماع والسنة القطعية.

( و ) كيف كان فـ ( ـالنظر ) في هذا الكتاب يتم ( في أمور أربعة ).

__________________

(١) الحكومة تستعمل في قبال المقدر.

(٢) سورة النساء ٤ ـ الآية ٩٢.

٢

( الأول في أقسام القتل ومقادير الديات ) ‌

فنقول ( القتل ) إما ( عمد وقد سلف مثاله ) في أول كتاب القصاص ، بل تقدم هناك أيضا ما يستفاد منه غيره ( و ) إما ( شبيه العمد ، مثل أن يضرب للتأديب فيموت و ) إما ( خطاء محض ، مثل أن يرمى طائرا فيصيب إنسانا ) أو لم يقصد الفعل أصلا ، كمن تزلق رجله فيقع على غيره فيقتله ، أو ينقلب في النوم على غيره كذلك.

( و ) حينئذ فـ ( ـضابط العمد أن يكون عامدا في فعله وقصده ) بمعنى أن يقصد الفعل والقتل ، أو يقصد الفعل الذي يقتل مثله غالبا وإن لم يقصد القتل ، كما مر تحقيقه في كتاب القصاص مع زيادة قيد العدوان فيما ترتب عليه منه ، ضرورة عدم وجوب القصاص بالضابط المزبور الشامل للقتل بحق وغيره مما لا قصاص فيه.

( و ) ضابط ( شبيه العمد أن يكون عامدا في فعله ) وهو الضرب للتأديب أو المزح أو نحوهما مما لم يرد به القتل ، ومنه علاج الطبيب فيتفق الموت به ، بل ومنه الضرب بما لا يقتل غالبا بقصد العدوان فيتفق الموت به ، على الكلام السابق في القصاص فيه وفيما لو قصد القتل بما لا يقتل غالبا ، والغرض هنا بيان كون المراد بشبيه العمد أن يكون عامدا في فعله ( مخطئا في قصده ) الذي هو القتل بمعنى عدم قصده القتل.

( و ) أما ضابط ( الخطأ المحض ) المعبر عنه في النصوص بالخطإ الذي‌

٣

لا شبهة فيه هو ( أن يكون مخطئا فيهما ) أي الفعل والقصد ، كالمثال الذي سمعته الذي لم يقصد به رمي الإنسان ولا قتله ، سواء كان بما يقتل غالبا أولا.

ويلحق به تعمد الطفل والمجنون شرعا كما يلحق بشبه العمد قصد الفعل والقتل لمن ظنه مستحقا لذلك بكفر أو قصاص فبان خلافه ، بل ومن ظنه صيدا مباحا فبان إنسانا ، وربما يتكلف لإدراجهما بأنه قصد الفعل وأخطأ في قصد القتل المخصوص.

وعلى كل حال فلا خلاف عندنا في أن الأقسام ثلاثة ، لكل منها حكم يخصه خلافا لمالك فجعلها قسمين بإدراج شبيه العمد في العمد ، وأوجب به القود ، وهو وإن كان يوهمه بعض نصوصنا المحتمل كونها تقية منه ، لكن الإجماع والسنة بل والكتاب على خلافه ، ضرورة عدم صدق القتل المؤمن متعمدا عليه كما هو واضح.

وقد تقدم في أول القصاص جملة من النصوص المشتملة على تقسيم القتل والجمع بينها جميعا يقتضي التثليث الذي ذكره الأصحاب فلاحظ وتأمل.

( وكذا ) الكلام في ( الجناية على الأطراف ) فإنها ( تنقسم ) أيضا ( هذه الأقسام ) الثلاثة بلا خلاف أجده بيننا ، بل الإجماع محصل عليه ، بل يمكن استفادته من النصوص أيضا.

هذا كله في أقسام القتل‌ ( و ) أما ( مقادير الديات ، ) فمقدار ( دية العمد مائة بعير من مسان الإبل أو مأتا بقرة أو مأتا حلة كل حلة ثوبان من برود اليمن أو ألف دينار أو ألف شاة أو عشرة آلاف درهم ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من الستة المزبورة ، كما عن بعض الاعتراف به ، بل عن الغنية الإجماع عليه أيضا وعلى التخيير بينها ، بل يمكن استفادتها من النصوص كما ستعرفه في أثناء البحث إن شاء الله.

إنما الكلام في كل واحد واحد منها ، أما الأول فقد سمعت ما في المتن الذي هو معنى ما في القواعد مائة من مسان الإبل ، بل في الغنية وظاهر المبسوط والسرائر والمفاتيح وكشف اللثام الإجماع عليه على ما حكى عن بعضها.

٤

والمراد بالمسان الكبار كما في القاموس ، وعن الأزهري والزمخشري « إذا أثنت فقد أسنت » ، قالا : « أول الأسنان الأثناء وهو أن تنبت ثنيتاها وأقصاه في الإبل البزول ، وفي البقر والغنم الصلوغ » وعن المغرب : « الثني من الإبل الذي أثنى أي نبتت ثنيته (١) وهو ما استكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة » وعن حواشي الشهيد : « المسنة من الثنية إلى بازل عامها » وفي النبوي المروي عن زكاة المبسوط : « المسنة هي الثنية فصاعدا » (٢) وعن المهذب البارع وغيره : « المسان جمع مسنة وهي من الإبل ما دخل في السادسة وتسمى الثنية أيضا ، فإن دخلت في السابعة فهي الرباع والرباعية ، فإن دخلت في الثامنة فهي السديس بكسر الدال ، فإن دخلت في التاسعة فهي بازل (٣) أي طلع نابه ، فإن دخلت في العاشرة فهي بازل عام ثم بازل عامين » (٤) إلى غير ذلك من كلماتهم المتفقة على ما ذكرنا.

فمن الغريب ما تسمعه في خبر الحكم بن عتيبة (٥).

وكيف كان فعن الجامع مائة من فحولة مسان الإبل وكأن وجهه ما في‌ خبر معاوية بن وهب (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن دية العمد ، فقال : مائة من فحولة الإبل المسان ، فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم ».

__________________

(١) كذا في الأصل ، ولكن في « المغرب في ترتيب المعرب » هكذا : « أثنى أي ألقى ثنيته ... » فراجع.

(٢) المبسوط ج ١ ص ١٩٨.

(٣) بازغ ( ن ل ).

(٤) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٥٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس ، الحديث ٨.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس ، الحديث ٢.

٥

ونحوه مضمر أبي بصير. (١) و‌خبر الحكم بن عتيبة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قلت له : فما أسنان المائة بعير؟ فقال : ما حال عليه الحول ، ذكر ان كلها ».

بل وظاهر‌ خبر زيد الشحام (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في العبد يقتل حرا عمدا قال : مائة من الإبل المسان ، فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم ».

فإن الجمل اسم للفحل.

إلا أن الأكثر كما في الرياض الإطلاق ، بل لم أجد من حكى عنه اعتبار الفحولة غيره ، إذ المصنف وإن عبر بالبعير إلا أنه ـ كما في الصحاح ـ من الإبل بمنزلة الإنسان من الناس ، يقال للجمل بعير وللناقة بعير. ومن هنا يشكل تقييد إطلاق غيرها من النصوص (٤) بها ، وإن كان فيها الصحيح والموثق وغيرهما ، خصوصا بعد ما قيل من موافقتها للعامة ـ ولذا حكى عن الشيخ حملها على التقية ـ واشتمالها على ما لا يقول به من الترتيب ، وكون الأخير منها في العبد ، واشتمال سابقه على حول الحول في أسنان المائة بعير الذي لا يكون به البعير مسنا ، وغير ذلك. ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه.

كما أنه لا ينبغي تركه في اعتبار المسنة في البقر خروجا عن خلاف محكي النهاية والمهذب والجامع وإن لم أجد ما يشهد له فضلا عن كونه صالحا لتقييد إطلاق غيره الشامل للفحل وغيره من النصوص ، ومعقد المحكي من إجماع الغنية وظاهر المبسوط والسرائر والتحرير وغيرها ، ولذا لم أجد من اعتبر الفحولة هنا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس ، الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس ، الحديث ٨ وله صدر.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس ، الحديث ٥.

(٤) راجع الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس.

٦

ولا الأنوثة. إذ التاء في البقرة للوحدة الجنسية لا التأنيث كتمر وتمرة كما هو واضح.

وأما الثالث أي مأتا حلة فلا أجد فيه خلافا معتدا به ، بل عن بعض الأصحاب نفيه عنه ، بل عن الغنية وظاهر المبسوط والسرائر والتحرير وغيرها الإجماع عليه ، إلا أني لم أجد في النصوص ما يدل عليه سوى‌ صحيح عبد الرحمن (١) « سمعت ابن أبي ليلى يقول : كانت الدية في الجاهلية مائة من الإبل ، فأقرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم إنه فرض على أهل البقرة مأتي بقرة وعلى أهل الشياة ألف شاة ثنية ، وعلى أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم ، وعلى أهل (٢) الحلل مأتا حلة ، قال العجلي (٣) : فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عما روى ابن أبي ليلى ، فقال : كان علي عليه‌السلام يقول : الدية ألف دينار ، وقيمة الدينار عشرة دراهم ، وعشرة آلاف لأهل الأمصار ، وعلى أهل البوادي الدية مائة من الإبل ، ولأهل السواد مأتا بقرة أو ألف شاة ».

إلا أنه مع كون الراوي ابن أبي ليلي المعلوم حاله ، وترك الصادق عليه‌السلام ذكر الحلل لما سأله عما رواه الموجود فيه ـ على ما عن الكافي والفقيه والاستبصار (٤) ـ مائة حلة ، ومن هنا يحكى عن الصدوق في المقنع (٥) الفتوى بها ، وإن كان هو شاذا لم نعرف من وافقه عليه ، مضافا إلى ضعف مستنده ، نعم عن التهذيب (٦) روايتها مأتا حلة ، ولا بأس بالعمل بها بعد الانجبار بما‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

(٢) كذا في الفقيه ولكن في الكافي والتهذيب والاستبصار والوسائل هكذا : « وعلى أهل اليمن الحلل ».

(٣) البجلي ( خ ل ).

(٤) الفقيه ج ٤ ص ١٠٧ والكافي ج ٧ ص ٢٨٠ والاستبصار ج ٤ ص ٢٥٩.

(٥) المقنع ص ١٨٢.

(٦) التهذيب ج ١٠ ص ١٦٠.

٧

عرفت ، وإن كان الراوي من عرفت. وخلو كلام الصادق عليه‌السلام عن ذلك لا يدل على كذبه.

وأما ما في‌ صحيح جميل بن دراج (١) « في الدية قال : ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم ، ويؤخذ من أصحاب الحلل الحلل ، ومن أصحاب الإبل الإبل ، ومن أصحاب الغنم الغنم ، ومن أصحاب البقر البقر ».

فليس فيه سوى الدلالة على ثبوت أصل الحلة دون عددها ، مع أن عن بعض نسخ التهذيب (٢) « الخيل » بدل « الحلل » وإن كانت نسخة الكافي (٣) أرجح سيما بعد ما في نسخة أخرى للتهذيب الموافقة لها ، فحينئذ تحمل على إرادة المأتين بقرينة ما عرفت ، والمناسبة في القيمة لغيرها.

بل قد يشعر‌ صحيح ابن عتيبة (٤) عن الباقر عليه‌السلام في حديث. بكون مدار الدية في كل أرض على ما يوجد فيها غالبا « قال : قلت له : إن الديات إنما كانت تؤخذ قبل اليوم من الإبل والبقر والغنم ، قال : فقال : إنما كان ذلك في البوادي قبل الإسلام فلما ظهر الإسلام وكثرت الورق في الناس قسمها أمير المؤمنين عليه‌السلام على الورق ، قال : قلت : أرأيت من كان اليوم من أهل البوادي ما الذي يؤخذ منهم في الدية اليوم؟ إبل أو ورق؟ فقال : الإبل اليوم مثل الورق ، بل هي أفضل من الورق في الدية ».

وفي‌ صحيح عبد الله بن سنان (٥) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من قتل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٤.

(٢) التهذيب ج ١٠ ص ١٥٩ ، وفيه ، « الحلل » وعندنا نسخة مخطوطة مصححة منه وفيه لفظة « الخيل » بعنوان ( خ ل ).

(٣) الكافي ج ٧ ص ٢٨١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٨.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٩.

٨

مؤمنا متعمدا قيد منه (١) إلا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية ، فإن رضوا بالدية وأحب ذلك القاتل فالدية اثنا عشر ألفا ، أو ألف دينار ، أو مائة من الإبل وإن كان في أرض فيها الدنانير ففيها ألف دينار ، وإن كان في أرض فيها الإبل فمائة من الإبل ، وإن كان في أرض فيها الدراهم فدراهم بحساب اثني عشر ألفا ».

وعلى كل حال فالحكم مفروغ منه ، كالمفروغية عن كون كل حلة ثوبين ، على ما نص عليه أكثر الأصحاب وأهل اللغة ، بل في المتن كالقواعد وغيرها من برود اليمن ، نعم في محكي السرائر : « أو نجران ».

قال أبو عبيد كما في الصحاح وغيره : « الحلل برود اليمن ، والحلة إزار ورداء لا تسمى حلة حتى يكون ثوبين » وعن النهاية الأثيرية « الحلة واحدة الحلل ، وهي برود اليمن ، ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد » وعن المصباح المنير « الحلة بالضم لا تكون إلا ثوبين من جنس واحد ».

ولكن عن العين « الحلة إزار ورداء بردا أو غيره لا يقال لها حلة حتى تكون ثوبين » وعن القاموس « لا تكون حلة إلا أن تكون ثوبين أو ثوب له بطانة ».

بل عن الأزهري في التهذيب : « قال شمر : وقال خالد بن جنبة : الحلة رداء وقميص تمامها العمامة ، قال : ولا يزال الثوب الجيد يقال له في الثياب حلة ، فإذا وقع على الإنسان ذهبت حلته حتى يجمعن له إما اثنان وإما ثلاثة ، وأنكر أن تكون الحلة إزار ورداء وحدة ، قال : والحلل الوشي والحبرة والخز والقز والقوهي والمردى والحرير ، قال : وسمعت اليمامي يقول : الحلة كل ثوب جيد جديد تلبسه غليظ أو رقيق ، ولا يكون إلا ذا ثوبين ، وقال ابن شميل : الحلة القميص والإزار والرداء لا أقل من هذه الثلاثة ، وقال شمر : الحلة عند الأعراب ثلاثة أثواب ، قال : وقال ابن الأعرابي : يقال للإزار والرداء حلة‌

__________________

(١) في الأصل : « أقيد به ».

٩

وكل واحد منهما على انفراده حلة ، قلت : وأما أبو عبيد فإنه جعل الحلة ثوبين ، و‌روى شمر عن القعنبي عن هشام بن سعد ، عن حاتم بن أبي نضرة ، عن عبادة ابن نسي‌ء ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خير الكفن الحلة وخير الضحية الكبش الأقرن ، وقال أبو عبيد : الحلل برود اليمن من مواضع مختلفة منها ، قال : والحلة إزار ورداء ، ولا تسمى حلة حتى تكون ثوبين ، قال : ومما يبين ذلك حديث عمر ، إنه رأى رجلا عليه حلة قد ائتزر بإحداهما وارتدى بالأخرى فهذان ثوبان ، وبعث عمر إلى معاذ بن عفراء بحلة فباعها واشتري بها أرؤس من الرقيق فأعتقهم ، ثم قال : إن رجلا آثر قشرتين يلبسهما على عتق هؤلاء لغبين الرأي ، أراد بالقشرتين الثوبين ، قلت : والصحيح في تفسير الحلة ما قال أبو عبيد لأن أحاديث السلف تدل على ما قال » (١).

مضافا إلى شهادة ما سمعته من الأصحاب له ، بل ينبغي الاقتصار فيها على برود اليمن ، لأنه المتيقن ، ونص عليه الفاضلان والشهيدان وأبو العباس وغيرهم ، على ما حكى عن بعضهم ، وإن كان بعض كلمات أهل اللغة تقتضي الأعم من ذلك ، وأما إلحاق خصوص نجران باليمن ، فلم أجد له شاهدا ، نعم الظاهر اعتبار ما يسمى ثوبا عرفا لا مجرد ما يستر العورة.

وأما الرابع فلا أجد فيه خلافا بل عن الغنية وظاهر المبسوط والسرائر والتحرير وغيرها الإجماع عليه ، والنصوص (٢) مستفيضة فيه حد الاستفاضة وهو معروف.

ولكن في الرياض : « أي مثقال من الذهب خالص كما في صريح الخبر » أي‌ موثق أبي بصير (٣) قال : « دية المسلم عشرة آلاف درهم من الفضة ، أو ألف‌

__________________

(١) تهذيب اللغة للأزهري ج ٣ ص ٤٤١ ـ ٤٤٢ ، وكانت عبارة الأصل كعبارة كشف اللثام ـ المنقولة عنه ظاهرا ـ مغلوطة وصححناها على طبق المصدر.

(٢) راجع الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٢ وله ذيل.

١٠

مثقال من الذهب ، أو ألف شاة على أسنانها ».

وفيه أن الظاهر إرادته الإشارة إلى ما في غيره من النصوص (١) من الدينار المعروف ووزنه أنه مثقال ، لا أن المراد كفاية ألف مثقال وإن لم تكن مسكوكة ، إلا بناء على إجزاء ذلك عنها.

وكذا الكلام في الدراهم التي لا خلاف أجده في عددها للمعتبرة المستفيضة (٢) نعم في خبري عبد الله بن سنان (٣) و‌عبيد بن زرارة (٤) « أنها اثنا عشر ألف درهم » ‌إلا اني لم أجد عاملا بهما وعن الغنية وظاهر المبسوط والسرائر والتحرير وغيرها الإجماع على خلافه ، فينبغي حملهما على التقية ، أو على ما ذكره‌ الشيخ (٥) عن الحسين بن سعيد وأحمد بن محمد بن عيسى « أنه روى أصحابنا ، أن ذلك من وزن ستة » ‌قال : وإذا كان كذلك فهو يرجع إلى عشرة آلاف.

وأما الألف شاة فلا خلاف أجده في عددها أيضا نصا وفتوى ، بل عن الغنية وظاهر الكتب السالفة الإجماع عليه كما لا خلاف أجده في إجزاء مسماها من غير فرق بين الذكر والأنثى. نعم قد سمعت ما في النصوص السابقة من أن مكان كل جمل عشرين من فحولة الغنم ، إلا اني لم أجد عاملا به بل عن الغنية الإجماع على خلافه ، فالمتجه حمله على التقية.

وعن الشيخ حمله على أحد وجهين : الأول : أن الإبل تلزم أهل الإبل فمن امتنع من بذلها ألزمه الولي قيمتها وقد كانت قيمة كل جمل عشرين من فحولة الغنم ، كما‌ قال الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٦) « ومن الغنم قيمة‌

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس.

(٢) راجع الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ١٠.

(٥) ذكره في التهذيب ج ١٠ ص ١٦٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٣.

١١

كل ناب من الإبل عشرون شاة ... » ‌والثاني : اختصاص ذلك بالعبد إذا قتل حرا كما في خبر زيد الشحام (١) عن الصادق عليه‌السلام.

والأول لا يرجع إلى قول ، والثاني يمكن أن يكون ذكره جمعا وإلا فلا فرق في دية العمد بين كون القاتل حرا أو عبدا كما هو واضح.

وبذلك كله ظهر لك الدليل على الستة أجمع من النصوص والفتاوى ومعقد الإجماعات وإن لم تكن مجموعة جميعها في خبر واحد ، بل ليس في شي‌ء منها التعرض لعدد الحلل إلا ما سمعته من صحيح عبد الرحمن (٢) عن ابن أبي ليلى. ولكن ضم بعضها إلى بعض بعد حمل « الواو » في بعضها على « أو » بقرينة غيره من الأخبار ومعاقد الإجماعات يقتضي ما ذكره الأصحاب.

فوسوسة بعض متأخري المتأخرين في ذلك في غير محلها ، وكأنه لم يحط بالنصوص وكلمات الأصحاب الظاهرة أيضا في أنها على التخيير الموافق للأصل ـ لا التنويع ـ كما هو المعروف بين الأصحاب ، بل المجمع عليه من المتأخرين ، بل عن صريح الغنية وظاهر السرائر والمفاتيح الإجماع على ذلك ، فليس حينئذ للولي الامتناع من قبول أحدها مع بذله ، وإن لم يكن الباذل من أهل المبذول.

نعم عن ظاهر المقنع والمقنعة والنهاية والخلاف والمبسوط والمراسم والوسيلة والقاضي أنها على التنويع ، بل في كشف اللثام نسبته إلى عبارات كثير من الأصحاب ، لما في عدة من الأخبار (٣) من أن الإبل على أهلها والبقر على أهلها وهكذا ، ولكن بقرينة غيرها من النصوص (٤) والفتاوى يمكن حملها على إرادة التسهيل على القاتل ، كما أومى إليه ما سمعته من قول الباقر عليه‌السلام في صحيح ابن عتيبة (٥) ، وحينئذ تتفق النصوص جميعا ، بل عدم تحرير هذا الخلاف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

(٣) راجع الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس.

(٤) راجع الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٨.

١٢

ممن عادته ذلك ، كابن إدريس والفاضل في المختلف وغيره يشعر بعدم فهم الخلاف منهم في ذلك ، والأمر سهل إذ على تقديره واضح الضعف.

( و ) على كل حال فهي ( تستأدى في سنة واحدة ) عندنا كما في كشف اللثام ومحكي المبسوط وصحيح أبي ولاد (١) وحسنه (٢) ، بل عن غير واحد نفي الخلاف فيه ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، وهو كذلك على معنى عدم التأجيل زائدا على السنة كما تسمعه في غيرها ، خلافا لأبي حنيفة فأجلها ثلاث سنين ، بل لعله كذلك أيضا على معنى عدم وجوب المبادرة عليه إلى أدائها قبل تمام السنة ، وإن حكى عن الشيخ في الخلاف حلولها مدعيا عليه إجماع الفرقة وأخبارها ، إلا أنا لم نجد من وافقه عليه ولا خبرا صريحا يقتضيه ، بل ظاهر الصحيح المزبور ومعقد صريح الإجماع وظاهره ونفي الخلاف ، خلافه ، وبه يخرج عما يقتضي الحلول من إطلاق النصوص ، نعم لا يجوز له تأخيرها عنها إلا مع التراضي بعقد صلح أو غيره.

ومبدء السنة مع إطلاق ثبوتها من حين التراضي لا من حين الجناية ، وإن قيل إنه مقتضي قول أبي على بالتخيير ، لكنك عرفت ضعفه في محله.

وكيف كان فهي حيث تجب ابتداء كما في قتل الوالد الولد ونحوه ( من مال الجاني ) لا العاقلة ولا بيت المال ( مع التراضي بالدية ) على الإطلاق بلا خلاف ، كما عن الخلاف والغنية الاعتراف به ، بل ظاهرها كونه بين المسلمين كما أن ظاهر المحكي عن المبسوط الإجماع عليه عندنا ، مؤيدا بشهادة التتبع له ، مضافا إلى ما‌ في الخبرين (٣) « لا يضمن العاقلة عمدا ولا إقرارا ولا صلحا » وفي المضمر (٤) « فإن لم يكن له مال يؤدى سأل المسلمين حتى يؤدي ديته‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العاقلة الحديث ١ و ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٥.

١٣

على أهله » ‌على أن ضمان العاقلة على خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقن الذي هو الخطاء المحض.

وقيد التراضي في العبارة وغيرها محمول على صورة الإطلاق وإلا ففي غيرها على حسب ما يقع من الصلح مقدارا وأجلا ومستحقا عليه وغير ذلك مما هو جائز بعد التراضي عليه منهما ، كما أنه في صورة وجوبها ابتداء في قتل الوالد الولد والعاقل المجنون وفوات المحل لا اعتبار بالتراضي ، وبذلك ونحوه صح تقديرها بما عرفت ، وإن كان المختار أن الواجب في العمد القصاص كما هو واضح ، والله العالم.

( وهي ) أي دية العمد ( مغلظة ) بالنسبة إلى دية شبه العمد والخطأ ، وإن اتحدت معها في مقدار السنة ( في السن ) في الإبل ( والاستيفاء ) إذ قد عرفت اعتبار كونها مسانا فيها وتستأدى في سنة واحدة دونهما كما ستعرف ( وله أن يبذل من إبل البلد أو من غيرها وأن يعطى من إبله أو إبل أدون أو أعلى إذا لم تكن مراضا ) لا تندرج في إطلاق الأدلة ( وكانت بالصفة المشترطة ) التي هي كونها مسنة بلا خلاف أجده إلا ما يحكى عن المبسوط من عدم إجزاء ما يشتريها إن كانت دون إبله ، قال : « وهكذا لو طلب الولي غير إبله وهي أعلى من إبله لم يكن له » ولم أجد من وافقه عليه ، بل ولا ما يصلح دليلا له يخرج به عن الأصل ، وإطلاق الأدلة ومعاقد الإجماعات الصريحة والظاهرة التي مقتضاها الاجتزاء بأي فرد منها كغيرها من أفراد الخمسة. وما في الوسيلة « من اعتبار كونها سمانا جاعلا له من التغليظ فيها » لا أعرف له دليلا.

( وهل ) يتعين على الولي أن ( يقبل القيمة السوقية ) عن الأصناف لو بذلها الجاني ( مع وجود الإبل ) مثلا ( فيه تردد ) من أنها واجبة أصالة فلا ينتقل إلى القيمة إلا بالتراضي ، ومن قيام القيمة مقامها ، ( والأشبه ) بأصول المذهب وقواعده أنه ( لا ) يتعين عليه القبول كما صرح به الفاضل وولده وثاني الشهيدين وأبو العباس وغيرهم على ما حكى عن بعضهم للأصل بعد‌

١٤

ظهور الأدلة في وجوب أعيانها ، كما لا يجب على الجاني ذلك لو اقترحها الولي نعم ربما احتمل وجوب القبول مع فقد القاتل لها لما عرفت مع أصالة البراءة ، وهو أيضا ضعيف ، ضرورة الانتقال حينئذ إلى غيرها من أفراد الميسورة له.

فما عن المبسوط ـ من أن « الذي يقتضيه مذهبنا أنه إذا كان من أهل الإبل وبذل القيمة قيمة مثله كان له ذلك ، وإن قلنا ليس له ذلك كان أحوط. فأما إن كان من أهلها فطلب الولي القيمة لم يكن له ذلك » ـ واضح الضعف بعد ما عرفت من أن مقتضي المذهب وجوبها أجمع على التخيير ، من غير فرق بين أهل الإبل وغيرهم ، وعلى تقديره فلا دليل على إجزاء القيمة حتى مع التعذر ، والله العالم.

( و ) كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا من النصوص والفتاوى ومعاقد الإجماعات الصريحة والظاهرة على التخيير المزبور أن ( هذه الستة ) مقادير ( أصول في نفسها وليس ) بعضها بدلا عن آخر فلا يعتبر التساوي في القيمة ولا التراضي ولا ( بعضها مشروطا بعدم بعض و ) حينئذ فـ ( ـالجاني مخير في بذل أيها شاء ) كما صرح بذلك كله غير واحد ، بل في ظاهر كشف اللثام ومحكي المبسوط الإجماع عليه.

نعم قد سمعت ما في خبري معاوية بن وهب (١) ، و‌الشحام (٢) وغيرهما من أنه « إن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم » ‌بل في‌ خبر أبي بصير (٣) « دية الرجل مائة من الإبل ، فإن لم يكن فمن البقر بقيمة ذلك وإن لم يكن فألف كبش » ‌إلا أن ذلك مع احتماله التقية ورجحان غيره عليه من وجوه ، ليس نصا في البدلية ، لاحتمال أن يراد فإن لم تؤد الإبل فكذا ، كما أنك سمعت الكلام فيها في‌ النصوص الأخر (٤) من أن « الإبل على أهلها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ١٢.

(٤) راجع الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس.

١٥

والبقر على أهلها وهكذا » ‌الذي عبر به واحد من قدماء الأصحاب وأن المراد منه التسهيل على القاتل لئلا يكلف تحصيل غيره.

وأما ما في‌ صحيح ابن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام من قوله عليه‌السلام : « قيمة كل بعير مائة وعشرون درهما أو عشرة دنانير ، ومن الغنم قيمة كل ناب من الإبل عشرون شاة » وصحيح ابن الحجاج (٢) من قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « وقيمة الدنانير عشرة آلاف درهم » ‌فهو بيان للواقع في تلك الأزمان ، أو إشارة إلى الحكمة في شروع التقادير أول مرة.

ولكن عن القاضي : « فدية العمد المحض إذا كان القاتل من أصحاب الذهب ألف دينار جياد ، وإن كان من أصحاب الفضة فعشرة آلاف درهم جياد ، وإن كان من أصحاب الإبل فمائة مسنة ، قيمة كل واحد منها عشرة دنانير ، أو مأتا مسنة من البقر إن كان من أصحاب البقر ، قيمة كل واحدة منها خمسة دنانير ، أو ألف شاة إن كان من أصحاب الغنم ، قيمة كل واحدة منها دينار واحد ، أو مأتا حلة إن كان من أصحاب الحلل ، قيمة كل حلة خمسة دنانير » وظاهره اعتبار التساوي في القيم ، إلا أن النصوص عدا ما سمعت والفتاوى ومعقد الإجماع المحكي صريحه وظاهره على خلافه ، بل إن كان الضابط اعتبار القيمة فلا مشاحة في العدد مع حفظ قدر القيمة وهي عشرة آلاف درهم أو ألف دينار ، ضرورة كون المدار عليها لا عليه ، وهو مما يمكن القطع بعدمه. ومن هنا يتجه حمله على إرادة بيان الحكمة في شرعها ابتداء وإلا كان واضح الفساد.

بل الظاهر عدم إجزاء التلفيق منها كما عن جماعة التصريح به ضرورة خروج الملفق عن اسم كل واحد منها ، لكن في القواعد الإشكال فيه ، مما عرفت ، ومن ثبوت الاختيار في كل جزء فيثبت في الكل ، إذ لا فارق بين افتراقها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

١٦

واجتماعها ، ولكن الأخير كما ترى واضح المنع ، لظهور كون التخيير بين المجموع كخصال الكفارة لا الملفق من الستة فما دون ، والله العالم.

هذا كله في دية العمد بغير الصلح الذي هو على حسب ما يقع عليه. ( و ) أما ( دية شبيه العمد ) فهي أيضا الأصناف الستة ، كدية الخطاء كما صرح به غير واحد من غير نقل خلاف فيه ، بل قيل قد يظهر من السرائر الإجماع ، ولعله لفحوى الاجتزاء بها في العمد ، إذ لا ريب في أولوية غيره منه بالاجتزاء بذلك ، ولكون موضوع التخيير في جملة من النصوص الدية من غير تقييد بأحد الثلاثة.

قال الصادق عليه‌السلام في خبر زرارة (١) : « الدية ألف دينار ، أو اثنا عشر ألف درهم ، أو مائة من الإبل ».

وفي‌ مرسل يونس (٢) « قالوا الدية عشرة آلاف درهم ، أو ألف دينار ، أو مائة من الإبل ».

وقد سمعت ما في صحيح عبد الرحمن (٣) المشتمل على قضية ابن أبي ليلى وصحيح جميل (٤) وغيرهما.

وفي‌ خبر أبي بصير (٥) قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « دية الخطاء إذا لم يرد الرجل القتل ، مائة من الإبل أو عشرة آلاف من الورق ، أو ألف من الشياة » وقال : « دية المغلظة التي تشبه العمد وليس بعمد أفضل من دية الخطاء بأسنان الإبل » ‌( ثلاث وثلاثون حقة ) وثلاث وثلاثون جذعة ( وأربع وثلاثون ثنية ) كلها ( طروقة

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ١٠ ، وفيه وفي التهذيب ج ١٠ ص ١٦٠ عبيد الله بن زرارة عن أبى عبد الله.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٤.

١٧

الفحل ) (١).

قال : وسألته (٢) عن الدية ، فقال : « دية المسلم عشرة آلاف من الفضة أو ألف مثقال من الذهب أو ألف من الشاة على أسنانها أثلاثا ومن الإبل مائة على أسنانها ، ومن البقر مائتان ».

وهو ظاهر في الاتحاد في مقدار الدية وأن الاختلاف إنما هو في مقادير الأسنان في الإبل ، وبالجملة فالأمر مفروغ منه.

وأما‌ قول أحدهما عليهما‌السلام في صحيح محمد وزرارة وغيرهما (٣) في الدية ، قال : « هي مائة من الإبل وليس فيها دنانير ولا دراهم ولا غير ذلك ، قال ابن أبي عمير : فقلت لجميل : هل للإبل أسنان معروفة؟ فقال : نعم ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها ، كلها خلفة إلى بازل عامها ، قال : روى ذلك بعض أصحابنا عنهما ، وزاد علي بن حديد في حديثه : إن ذلك في الخطأ » ‌فالمراد منه عدم زيادة دراهم أو دنانير على الإبل ، لأن الدية لا تكون دراهم ولا دنانير.

وعلى كل حال فقد عرفت أن الإبل في دية العمد المسان ، وأما فيها ففي القواعد والتبصرة واللمعة والنافع والروضة « أنها ثلاث وثلاثون بنت لبون ، وثلاث وثلاثون حقة ، وأربع وثلاثون ثنية طروقة الفحل ». بل ربما نسب إلى النهاية وإن كنا لم نتحققه ، وإنما المحكي عنها وعن الخلاف والوسيلة والمهذب أن‌

__________________

(١) هنا تمت رواية أبي بصير وقد جعل الشارح جملا منها من المتن.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث السابع ، وهذا سنده « محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن على بن حديد وابن أبى عمير جميعا ، عن جميل بن دراج ، عن محمد بن مسلم وزرارة وغيرهما عن أحدهما ... ».

١٨

الأربع والثلاثين خلفة أى حامل كما هو المشهور والتي يتبعها ولدها كما عن المبسوط ، ولا ريب في أنها غير الثنية التي هي طروقة الفحل ، بمعنى البالغة ضرب الفحل ، واحتمال إرادة ما طرقها الفحل فحملت ، بقرينة أن الحقة ما بلغت أن يضربها الفحل ، فيتوافق الجميع كما ترى.

وعلى كل حال لم نظفر له بمستند مما وصل إلينا من النصوص ، وإن نسبه في محكي الخلاف إلى إجماع الفرقة وأخبارها ، وفي النافع « أنه أشهر الروايتين » وفي المفاتيح « أنه المشهور وبه روايتان » بل في المسالك والروضة « أن به رواية أبي بصير والعلاء بن الفضيل ، لكن لم نقف على شي‌ء من ذلك ، كما اعترف به الآبي وأبو العباس والأصبهاني والمقدس الأردبيلي وفاضل الرياض وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، والموجود في‌ خبر أبي بصير (١) « ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية كلها طروقة الفحل » ‌كما عن المقنعة والمراسم والغنية والإصباح ، والجذعة هي التي دخلت في الخامسة ، وبنت اللبون هي التي كمل بها سنتان ودخلت في الثالثة ، فلا يمكن إرادتها من الجذعة ، وكذا في‌ خبر العلاء بن الفضيل (٢) ، إلا أن في آخره : « وأربع وثلاثون ثنية كلها خلفة طروقة الفحل » كذا عن الكافي والاستبصار والفقيه ، وفي التهذيب ، « أربع وثلاثون خلفة كلها طروقة الفحل ».

وفي كشف اللثام (٣) « وقوله : « كلها طروقة الفحل » أو « كلها خلفة طروقة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ١٣ والكافي ج ٧ ص ٢٨٢ والاستبصار ج ٤ ص ٢٥٨ وفي التهذيب ج ١٠ ص ٢٤٧ أيضا هكذا : « أربع وثلاثون ثنية كلها خلفة طروقة الفحل » ولكن في ج ١٠ ص ١٥٨ منه هكذا : « وأربع وثلاثون خلفة كلها طروقة الفحل » ولم نجده في الفقيه مسندا الى العلاء ، نعم في كلام من الصدوق هكذا : « وفي شبه العمد المغلظة. وثلاث وثلاثون ثنية خلفة طروقة الفحل » الفقيه ج ٤ ص ١٠٨.

(٣) كشف اللثام ج ٢ ص ٣١٥.

١٩

الفحل » يحتمل أن يراد به كل من الأربع والثلاثين وأن يراد كل منهما ومما قبلها ، ولعله المتعين فيما في التهذيب. وظاهر طروقة الفحل فيه المعنى المعروف من بلوغها ذلك لا الحمل ، وفي النهاية والغنية والإصباح ، أنه روى ثلاثون بنت مخاض ، وثلاثون بنت لبون ، وأربعون خلفة ، قال في النهاية : كلها طروقة الفحل ».

قلت : إلا أنه لم نجده فيما وصل إلينا من النصوص كما لم نجد عاملا به ، بل خبر أبي بصير والعلاء غير جامعين لشرائط الحجية ، والفتوى بمضمونهما مشكل ، بعد عدم الجابر ، وإجماع الشيخ كأنه متبين الخلاف. وأشكل من ذلك القول الذي قد عرفت أنه لا دليل عليه من النصوص التي وصلت إلينا ، ودليل مثل ذلك منحصر فيها ، ضرورة عدم صلاحية غيره.

( و ) حينئذ فالمتجه العمل بما ( في رواية ) عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام التي رواها المحمدون الثلاثة (١) صحيحا في بعض الطرق من أنها ( ثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقة ، وأربعون خلفة وهي الحامل ) وفاقا للمحكي عن أبي علي والمقنع والجامع والمقتصر وظاهر الغنية والتحرير ، بل قيل إنه عمل بها في المبسوط أيضا ، غير أنه أثبت مكان ثلاثون بنت لبون ، ثلاثون جذعة ، وإن كان ذلك كافيا في الخلاف والخروج عن الصحيح المزبور المتعين للعمل ، كما جزم به في المسالك وغيرها ، والله العالم.

( و ) كيف كان فلا خلاف معتد به في أنه ( يضمن هذه الدية الجاني دون العاقلة ) بل عن الخلاف والتحرير وظاهر المبسوط والسرائر أو صريحها الإجماع عليه للأصل وغيره ، فما عن الحلبي من أنها على العاقلة واضح الفساد.

نعم إن لم يكن عنده مال فعن النهاية والمهذب والغنية ، بل في الأخير الإجماع عليه ، « استسعى أو أمهل إلى السنة وإن مات أو هرب أخذ بها أولى الناس به ،

__________________

(١) الفقيه ج ٤ ص ١٠٥ والكافي ج ٧ ص ٢٨١ والتهذيب ج ١٠ ص ١٥٩ والاستبصار ج ٤ ص ٢٥٩.

٢٠