جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فعليه الضمان قصر الزمان أو طال ، من غير حاجة إلى بينة أو يمين ، لأنه لا يعيش مثله فيها.

( ولو ضربها فألقته فمات عند سقوطه فالضارب قاتل ) على الظاهر نحو من ضرب شخصا بشي‌ء يقتل مثله فمات عقيب ذلك ، فحينئذ ( يقتل إن كان عمدا ) لتحقق موضوع القصاص فيه وهو إزهاق الروح المحترمة ، سواء كانت مستقرة أولا ، خلافا لبعض العامة حيث حكم بأنه إذا لم يتوقع أن يعيش لا تكمل فيه الدية عن آخر (١) فأوجب فيه الغرة ، وهو كما ترى مناف لإطلاق الأدلة التي مقتضاها القصاص مع تيقن حياته وإزهاقها بالجناية ( ويضمن الدية في ماله إن كان شبيها ) بالعمد ( ويضمنها العاقلة إن كان خطاء وكذا لو بقي ضامنا ومات أو وقع صحيحا وكان ممن لا يعيش مثله ) لدون الستة أشهر ( وتلزمه الكفارة في كل واحدة من هذه الحالات ) التي يتحقق بها موضوعها ، وهو قتل الإنسان الكامل.

( ولو ألقته حيا فقتله آخر فإن كانت حياته مستقرة فالثاني قاتل ) عمدا أو خطاء أو شبه عمد ( ولا ضمان على الأول ) لعدم إتلافه شيئا ( و ) لكن ( يعزر ) لأنه آثم بالجناية التي ترتب عليها الإلقاء ( وإن لم تكن ) حياته ( مستقرة ) بسبب جناية الأول عليه ( فالأول قاتل ) عرفا ( والثاني آثم يعزر لخطائه ، ) بل لو قطع رأسه في الحال المزبور كان عليه دية قطع الرأس الميت.

( ولو جهل حاله حال ولادته ) فلم يعلم كونه مستقر الحياة أولا ( قال الشيخ : يسقط القود ) عن كل منهما ( للاحتمال ) الموجب شبهة يسقط القود بمثلها ( و ) لكن ( عليه ) أي الثاني ( الدية ) تامة لأصالة بقاء الحياة ، لا دية جنين ميت كما في المسالك ، لأنه المتيقن ، إذ ذلك لا يقتضي‌

__________________

(١) كذا في النسخ التي راجعناها ويحتمل زيادة « عن آخر » راجع كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٢ الفرع الثالث عشر.

٣٨١

سقوط دية الجنين الحي الثابت بالأصل ، وربما كان في نسبة المصنف ذلك إلى الشيخ إشعار بالتردد فيه ، ولعله في وجوب كمال الدية على الثاني لأصل البراءة بعد أصالة عدم الحياة الدافعة للقود ، مع فرض التعمد ، فكذلك الدية ، اللهم إلا أن يقال بأن الشبهة تسقط القود الذي هو الحد ، بخلاف الدية التي يكفي في ثبوتها الأصل الذي لا يكفي في نحو الفرض بالنسبة إلى تحقق القصاص ، ولعله لذا جزم به الفاضل في القواعد من غير نسبة إلى الشيخ.

( ولو وطأها ذمي ومسلم لشبهة في طهر واحد ) بحيث يمكن التولد منهما ( فسقط بالجناية ، أقرع بين الواطئين ) لأنها لكل أمر مشكل ( وألزم الجاني بنسبة دية من ألحق به ) الولد من الذمي والمسلم ، بل أو القود إن تحققت شروطه ، بناء على ما عرفته سابقا من أن الأقوى إثبات القود بها ، وتجب عليه الكفارة أيضا مع الإلحاق بالمسلم وكان حيا ، والله العالم.

( ولو ضربها فألقت عضوا كاليد ) ونحوها مما يعلم به تمام الخلقة الجنين ( فإن ماتت ) بذلك ولم ينفصل الجنين بكماله ( لزمه ديتها ) أو القود ( ودية الحمل ) التام خلقة ، لأن موتها سبب لتلفه وإن لم ينفصل ، ( ولو ألقت أربع أيد فدية جنين واحد ، لاحتمال أن يكون ذلك لواحد ) وإن بعد ، إلا أن الأصل البراءة ، وكذا لو ألقت رأسين ، بل وبدنين ، مع احتمال كونهما على حقو واحد ، نعم لو ألقت بعد العضو جنينا كامل الأطراف بحيث لا يحتمل أن يكون الساقط منه بحيث لا يكون فيه أثر لانقطاع العضو منه ثم مات وجب ديتان لجنينين مع ديتها إن ماتت بالجناية ، لأنه ظهر بكمالية أطراف الساقط من غير ظهور سقوط عضو منه أن في البطن جنينا آخر فتجب ديته مع احتمال العدم ، للأصل ، بعد إمكان كون العضو من هذا الجنين وإن لم يظهر لنا الحال.

( ولو ألقت العضو ثم ألقت الجنين ميتا ) من غير علم بسبق حياته ، ناقص اليد ، قبل زوال الألم الحاصل لها بالضرب ، حكم بأن اليد يده ، وإن احتمل غيره ، لأصل البراءة ، ولأن إلقاء الجنين بالجناية بشهادة الحال ، فعليه حينئذ‌

٣٨٢

دية جنين كامل الخلقة قبل ولوج الروح فيه ، و ( دخلت دية العضو في ديته ) كالإنسان الكامل ( وكذا لو ألقته حيا فمات ) إلا أن عليه دية نفس كاملة.

( ولو سقط وحياته مستقرة ضمن دية اليد ) التي سقطت بجنايته ( حسب ) كالإنسان ، مع فرض العلم بانتقال العضو منه حيا لتعقب سقوطه لسقوطها أو لغير ذلك. ( و ) أما ( لو تأخر سقوطه ) عن سقوطها على وجه لم يعلم سقوطها منه حال حياته أو طالب الولي بدية اليد قبل وقوعه ، ففي القواعد وغيرها ( فإن شهد أهل المعرفة أنها يدحى ، فنصف ديته وإلا فنصف المأة ) دينار ، التي هي دية الجنين قبل ولوج الروح فيه ، الذي قد عرفت أن دية أعضائه على حسب نسبة ديته ، وربما احتمل عدم اعتبار هذه الشهادة والعمل بأصل البراءة وعدم الحياة ، ولكنه كما ترى ، والله العالم.

( مسألتان ) ‌

( الأولى )

( دية الجنين إن كان عمدا أو شبه العمد ففي مال الجاني ، وإن كان خطاء فعلى العاقلة ، وتستأدى في ثلاث سنين ) بلا خلاف أجده بيننا ، بل في كشف اللثام التصريح بعدم الفرق في ذلك بين دية الجنين قبل ولوج الروح بجميع مراتبه ، وبين ولوج الروح فيه ، وكأنهم جعلوا الجناية على الجنين مطلقا بحكم القتل بالنسبة إلى الأحكام المزبورة ، وظاهرهم الاتفاق عليه ، مضافا إلى النصوص في بعض الأحكام المزبورة ، ولولاه لأمكن الإشكال في ضمان العاقلة في صورة عدم تحقق القتل كما في الجناية عليه قبل ولوج الروح فيه ، خصوصا بعد إطلاق النصوص الضمان على الجاني.

وعلى كل حال فما عن العامة من وجوب دية الجنين مطلقا على العاقلة بناء‌

٣٨٣

منهم على عدم تحقق العمد منه واضح الفساد ، كالمحكي عن الشافعي منهم من استيدائها في السنة الأولى إن لم يكن ولجت الروح ، بناء على قوله بأداء ثلث الدية الكامل في السنة الأولى والباقي في الثانية.

المسألة ( الثانية : )

( في قطع رأس الميت المسلم الحر مأة دينار ) على المشهور بين الأصحاب ، بل عن الخلاف والانتصار والغنية الإجماع عليه ، مضافا إلى‌ حسن حسين (١) ابن خالد « سألت أبا الحسن عليه‌السلام فقال : إنا روينا عن أبي عبد الله عليه‌السلام حديثا أحب أن أسمعه منك قال : وما هو؟ قلت : بلغني أنه قال : في رجل قطع رأس ميت قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله حرم من المسلم ميتا ما حرم منه حيا ، فمن فعل بميت ما يكون في ذلك احتياج نفس الحي فعليه الدية ، فقال : صدق أبو عبد الله عليه‌السلام ، هكذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قلت : من قطع رأس رجل ميت أو شق بطنه أو فعل به ما يكون في ذلك الفعل احتياج النفس الحي ، فعليه دية النفس كاملة؟ فقال : لا ، ثم أشار إلى بإصبعه الخنصر ، فقال : أليس لهذه دية؟ قلت : بلى قال : فتراه دية نفس؟ قلت : لا : قال : صدقت قلت : وما دية هذه إذا قطع رأسه وهو ميت؟ قال : ديته دية الجنين في بطن أمه قبل أن ينشأ فيه الروح وذلك مأة دينار ، قال : فسكت وسرني ما أجابني به ، فقال : لم لا تستوف مسألتك؟ فقلت : ما عندي فيها أكثر مما أجبتني به إلا أن يكون شي‌ء لا أعرفه ، فقال : دية الجنين إذا ضربت أمه فسقط من بطنها قبل أن تنشأ فيه الروح مأة دينار وهي لورثته وأن دية هذا‌

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ ص ٢٧٣ ـ ٢٧٤ وغيرنا بعض كلماتها طبقا للمصدر وأغمضنا عن تغيير بعضها الآخر فراجع ، وراوي الحديث حسين بن خالد لا سليمان بن الخالد كما في بعض النسخ.

٣٨٤

إذا قطع رأسه أو شق بطنه فليس هي لورثته ، إنما هي له دون الورثة ، قلت : وما الفرق بينهما؟ فقال : إن الجنين مستقبل مرجو نفعه وإن هذا قد مضى فذهبت منفعته فلما مثل به بعد موته صارت ديته بتلك المثلة له لا لغيره ، يحج بها عنه أو يفعل بها من أبواب الخير والبر من صدقة أو غيرها ، قلت : فإن أراد الرجل أن يحفر له بئرا ليغسله في الحفيرة فسدر الرجل فما يحفر بين يديه فمالت مسحاته في يده ، فأصابت بطنه فشقته فما عليه؟ فقال : إن كان هكذا فهو خطاء فإنما عليك الكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو صدقة ستين مسكينا لكل مسكين مد بمد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

وإلى‌ مرسل محمد بن الصباح (١) عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « أتى الربيع أبا جعفر المنصور ـ وهو خليفة ـ في الطواف فقال : يا أمير المؤمنين مات فلان مولاك البارحة ، فقطع فلان مولاك رأسه بعد موته فاستشاط وغضب قال فقال لابن شبرمة وابن أبي ليلى وعدة من القضاة والفقهاء : ما تقولون في هذا؟ فكل قال : ما عندنا في هذا شي‌ء ، فجعل يردد المسألة ويقول : أقتله أم لا؟ فقالوا : ما عندنا في هذا شي‌ء قال : فقال له بعضهم : قد قدم رجل الساعة فإن كان عند أحد شي‌ء فعنده الجواب في هذا وهو جعفر بن محمد عليه‌السلام وقد دخل المسعى ، فقال للربيع : اذهب إليه وقل له : لو لا معرفتنا بشغل ما أنت فيه لسألناك أن تأتينا ولكن أجبنا في كذا وكذا ، قال : فأتاه الربيع وهو على المروة فأبلغه الرسالة.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : قد ترى شغل ما أنا فيه وقبلك الفقهاء والعلماء فاسألهم قال له : قد سألهم فلم يكن عندهم فيه شي‌ء ، قال : فرده إليه فقال : أسألك إلا أجبتنا ، فليس عند القوم في هذا شي‌ء ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : حتى أفرغ مما أنا فيه ، فلما فرغ فجلس في جانب المسجد الحرام فقال للربيع : اذهب إليه فقل له : عليه مأة دينار قال : فأبلغه ذلك فقالوا له : فاسأله كيف صار عليه مأة دينار؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : في النطفة عشرون دينارا وفي العلقة عشرون دينارا وفي المضغة عشرون‌

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، التهذيب ج ١٠ ص ٢٧٠ ـ ٢٧١.

٣٨٥

دينارا وفي العظم عشرون دينارا وفي اللحم عشرون دينارا ( ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ ) وهذا هو ميت بمنزلته قبل أن ينفخ فيه الروح في بطن أمه جنينا ، قال : فرجع إليه فأخبره بالجواب فأعجبهم ذلك ، فقالوا : ارجع إليه وسله الدنانير لمن هي؟ لورثته أو لا؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ليس لورثته فيها شي‌ء ، إنما هذا شي‌ء صار إليه في بدنه بعد موته ، يحج بها عنه أو يتصدق بها عنه أو يصير في سبيل من سبل الخير ، الحديث ».

ولكن مع ذلك كله قال في محكي المقنعة (١) : « إن الجاني إن قطع رأس ميت كان يريد قتله في حياته فعليه ديته حيا وإلا فمأة دينار » (٢) ولعله للجمع بين ما سمعت وبين‌ قول الصادق عليه‌السلام كما حكاه عن نوادر ابن أبي عمير (٣) « قطع رأس الميت أشد من قطع رأس الحي » ، وفي‌ خبر ابن مسكان (٤) « وعليه ديته (٥) لأن حرمته ميتا كحرمته وهو حي » وفي التهذيب (٦) « عليه الدية » ‌ونحوه أخبار أخر إلا أن المتجه حملها كما عن الشيخ على إرادة مأة دينار من الدية كما سمعت التصريح به في الخبر المزبور ، والأشدية لا توجب التساوي في الدية.

( و ) حينئذ فـ ( ـفي قطع جوارحه بحساب ديته ) التي هي كدية الحي ، لتنزيله منزلة الجنين الذي قد عرفت الحكم فيه ، بل لعل المراد من الأرش في‌ خبر إسحاق ابن عمار (٧) عن الصادق عليه‌السلام « وإن قطعت يمينه أو شي‌ء من جوارحه فعليه الأرش‌

__________________

(١) كذا في النسخ الثلاثة التي راجعناها ولكن الصحيح : الفقيه كما في كشف اللثام.

(٢) الفقيه ج ٤ ص ١٥٨.

(٣) الفقيه ج ٤ ص ١٥٧.

(٤) الفقيه ج ٤ ص ١٥٧.

(٥) في الفقيه هكذا : قال : عليه الدية.

(٦) التهذيب ج ١٠ ص ٢٧٣.

(٧) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٣.

٣٨٦

للإمام ».

بل ( وكذا ) الكلام ( في ) نسبة ( شجاجه وجراحه ) إلى ديته المزبورة على حسب ما سمعته في الحي ، وما في‌ خبر مسمع (١) المشتمل على سؤاله للصادق عليه‌السلام عن رجل كسر عظم ميت فقال : « حرمته أعظم من حرمته وهو حي » ‌لا ينافي ذلك كما سمعته سابقا ولو لم يكن في الجناية مقدر أخذ الأرش لو كان حيا ونسب إلى الدية فيؤخذ من ديته المأة دينار بتلك النسبة ، بل لعل في خبر إسحاق المزبور إشعارا بذلك.

بقي الكلام فيما سمعته في الحسن (٢) الأول من عدم وجوب غير الكفارة في قطع رأسه خطاء ، ولم أجد عاملا به خصوصا بعد ما سمعته من كونه كالجنين قبل أن تلجه الروح ، الذي عرفت عدم الكفارة في إسقاطه ، بل قد عرفت ثبوت الدية في إسقاطه خطاء ، ولعله لذا قال في الروضة : « وهل يفرق هنا بين العمد والخطاء كغيره حتى الجنين؟ يحتمله لإطلاق التفصيل في الجناية على الآدمي وإن لم يكن حيا كالجنين ، وعدمه بل يجب على الجاني مطلقا وقوفا فيما خالف الأصل على موضع اليقين ، مؤيدا بإطلاق الأخبار والفتوى بأن الدية على الجاني مع ترك الاستفصال في واقعة الحال السابقة الدالة على العموم » وظاهره المفروغية من ثبوت الدية في الجملة فيه ، وكأنه لم يلحظ الخبر المزبور فإن لم يكن إجماعا أمكن القول بعدم ثبوت شي‌ء فيه ، والفرق بينه وبين الجنين النص على ثبوتها في الثاني ولو خطاء وعدم ثبوتها في الأول الموافق لمقتضى الأصل.

( و ) كيف كان فـ ( ـلا يرث وارثه منها شيئا بل تصرف في وجوه القرب عنه عملا بالرواية ) المزبورة المعتضدة بما في‌ مرسل محمد بن الصباح (٣) عن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٥.

(٢) يعنى حسن حسين بن خالد.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول التهذيب ج ١٠ ص ٢٧٠.

٣٨٧

الصادق عليه‌السلام « ليس لورثته فيها شي‌ء إنما هذا شي‌ء صار إليه في بدنه بعد موته ، يحج بها عنه أو يتصدق بها عنه أو يصير في سبيل من سبل الخير » ‌وبالإجماع عن الخلاف والغنية ، بل لو كان الميت عبدا لم يكن لسيده شي‌ء من الدية المزبور ، لما سمعته من النص والفتوى وزال (١) ملكه عنه.

نعم لو كان عليه دين قضى منها وجوبا إذا اقترحه الوارث ، أو إذا لم يخلف سواها ، أو على التوزيع بينه وبين غيرها من تركته مع فرض امتناع الوارث ، وجوه لا يخلو أخيرها من قوة ، لأنها بحكم ما له ولا أهم من قضاء الدين ، مع أنه استشكل فيه في القواعد من ذلك ومن أنه إنما يجب أداء الدين من التركة وهي ليست منها ولذا لا تورث ، وإن كان الأول أظهر كما في كشف اللثام ، ومال إليه المصنف في النكت بعض الميل بعد أن اختار عدم قضاء دينه منها وعدم أداء وصيته منها ، وقال : « إن ذلك مقتضى الأصل » وإن كان فيه ما لا يخفى.

وكيف كان فصرفها (٢) ما عرفت ( و ) لكن ( قال علم الهدى ) والحلي فيما حكى عنهما ( تكون لبيت المال ) لأنها عقوبة جناية ، ولا قاطع بوجوب الصرف في وجوه الخير عنه ، ولأن‌ إسحاق (٣) بن عمار قال الصادق عليه‌السلام : « فمن يأخذ ديته؟ قال : الامام ، هذا لله ».

وفيه ما لا يخفى فإن ما عرفت من النص وغيره كاف في القاطع ، وخبر إسحاق يمكن أن يكون المراد منه إن الإمام ومن نصبه يقبضها ويتصدق بها عنه فإنه الولي لمثل ذلك ، كما أشار إليه المفيد ، قال : « يقبضها إمام المسلمين أو من نصبه للحكم في الرعية ويتصدق عن الميت بها (٤) » كما هو واضح.

__________________

(١) وزوال ظ.

(٢) فمصرفها ظ.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٣.

(٤) المقنعة ص ١٢٠.

٣٨٨

ثم إنه على القول المزبور قال المصنف في النكت : « ينبغي أن يقضي الدين منها لأن الإمام يأخذها بالولاء ، والدين مقدم على الولاء » وفيه أنه يمكن عدم قضائه أيضا منها بناء على اختصاص القضاء بالتركة التي هي ليست منها ، واحتمال عدم جعل القائل ذلك من باب الإرث ، بل لعله الظاهر ، ولذا لم يرثه من تقدم على الإمام من الطبقات.

نعم التحقيق قضاء الدين منها على كل حال ضرورة بقاء خطاب الوضع في ديته وإن سقط عنه خطاب التكليف كما أشرنا إليه سابقا.

ولو كان الميت عبدا أو ذميا ففي القواعد : « فيه عشر دية الحر الذمي وعشر قيمة العبد الحي » (١) وهو كذلك مع فرض وجوبها فيهما أيضا ، فإن الأخبار والفتاوى وإن كانت مطلقة لكن لو كان حكمها حكم الحر المسلم لزم زيادة الميت فيها على الحي في الدية.

نعم قد يقال بعدم وجوبها فيهما اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن ، وخصوصا في الذمي ، لاختصاص النص والفتوى في المسلم ، بل والحر ولو بقرينة ذكر المأة دينار دية ، إلا أن يتساوى المرأة والرجل والصغير والكبير في ذلك ، للعموم المؤيد بالتعليل بأنه كالجنين التام الذي لم تلجه الروح ، فيقتضي إلحاقهما به لكن على الوجه الذي عرفته.

ولو لم يبن الرأس بل قطع ما لو كان حيا لم يعش مثله فمأة دينار أيضا ، لما سمعته من النص (٢) على المأة في كل ما فعل به ما لو كان حيا لقتله.

__________________

(١) إيضاح الفوائد في شرح القواعد ج ٤ ص ٧٢٩ وفيه : « الذمي الحي » مكان « الحر الذمي ».

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢.

٣٨٩

( الثانية )

من اللواحق

( في الجناية على الحيوان ) ‌

( وهي باعتبار المجني عليه تنقسم أقساما ثلاثة ) ‌

( الأول )

( ما يؤكل ) في العادة ( كالغنم والإبل والبقر ، فمن أتلف شيئا منها بالذكاة لزمه التفاوت بين كونه حيا وذكيا ) إن كان ، بلا خلاف أجده فيه مع اختيار المالك ، لقاعدة الإتلاف مع أصالة براءة الذمة مما زاد على ذلك ( وهل للمالك دفعه والمطالبة بقيمته؟ قيل : نعم وهو اختيار الشيخين رحمهما الله ) في المقنعة والنهاية ، وسلار والقاضي وابني حمزة وسعيد ، على ما حكي عن بعضهم : ( نظرا إلى إتلاف أهم منافعه ) فهو حينئذ بحكم التالف. ( وقيل ) والقائل المتأخرون والشيخ في محكي المبسوط ( لا لأنه إتلاف بعض منافعه فيضمن التلف وهو أشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي منها عدم خروج المال عن المالية وملك مالكه بذلك.

نعم لا إشكال في الجواز مع التراضي بذلك مع مراعاة القواعد الشرعية ، كما لا إشكال أيضا في لزوم القيمة لو فرض عدم القيمة له أصلا مع الذبح ضرورة كونه كالتالف.

( ولو أتلفه لا بالذكاة لزمه قيمته يوم إتلافه ) كغيره من الأموال بلا خلاف ( و ) لا إشكال. نعم ( لو بقي فيه ما ينتفع به كالصوف والشعر والوبر والريش ) وغير ذلك مما ينتفع به من الميتة ولو قيمة ( فهو ) باق ( للمالك ) للأصل وغيره ،

٣٩٠

فينبغي أن ( يوضع من قيمته ) التي يغرمها المتلف.

( ولو قطع بعض أعضائه أو كسر شيئا من عظامه فللمالك الأرش ، ) وهو تفاوت ما بين قيمتيه ، لكن في‌ صحيح ابن (١) أذينة « كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أسأله عن رواية الحسن البصري يرويها عن علي عليه‌السلام في عين ذات القوائم الأربع إذا فقئت ربع ثمنها ، فقال : صدق الحسن قد قال علي عليه‌السلام ذلك » ‌وفي‌ خبر أبي العباس (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا « من فقأ عين دابة فعليه ربع ثمنها » ‌وفي‌ صحيح محمد بن قيس (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في عين فرس فقئت بربع ثمنها يوم فقئت عينها » وفي آخر (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « إن عليا عليه‌السلام قضى في عين دابة بربع الثمن ».

إلى غير ذلك من النصوص ، بل عن الشيخ وجماعة الفتوى بها في عين الدابة ، بل عن المبسوط والخلاف أنه حكى عن الأصحاب إن في عين الدابة نصف قيمتها ، وكذا كل ما كان في البدن منه اثنان ، وإن كنا لم نعرف مستنده سوى القياس على الإنسان الباطل عندنا ، كما أنا لم نعرف أحدا من المتأخرين عاملا بروايات الربع عدا المصنف في النافع.

والمشهور إطلاق الأرش فيها وفي غيرها من الأعضاء والجراح والكسر ونحوه مما فيه الأرش المزبور ، بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال ، لما سمعته من القاعدة.

نعم في‌ قوى السكوني (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٢ وفيه : عشر قيمتها. الكافي ج ٧ ص ٣٦٨.

٣٩١

جنين البهيمة إذا ضربت فأزلقت عشر ثمنها » ورواه في التهذيب (١) تارة أخرى هكذا « قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في جنين البهيمة فألقت عشر ثمنها » ‌بل في النافع الفتوى بمضمونه ، بل عن السرائر ذلك أيضا مدعيا عليه إجماع أصحابنا وتواتر أخبارنا ، وإن كنت لم أتحقق شيئا منهما ، بل في التحرير أيضا أرش ما نقص من الأم وتتقوم حاملا وحائلا ويلزم الجاني بالتفاوت ، وهو حسن إن لم يثبت الإجماع المزبور ، ويمكن حمل النص في العشر والربع على ما ساوى الأرش بذلك.

( الثاني )

( ما لا يؤكل ويصح ذكاته كالنمر والأسد ، بل والفهد ) وإن جعله في النهاية مثالا لما لا يقع عليه الذكاة ، لكن يمكن أن يريد الذكاة التامة المحللة للأكل والمطهرة ، بناء على أنه لا يرى طهارة جلد غير مأكول اللحم ما لم يدبغ ، لما عرفت من قبوله كغيره للتذكية في كتاب الذباحة.

وحينئذ ( فإن أتلفه بالذكاة ضمن الأرش لأن له ) فيه ( قيمة بعد التذكية وكذا ) يجب الأرش ( في قطع جوارحه وكسر عظامه مع استقرار حياته ) كما سمعته في المأكول بلا خلاف أجده فيه ، نعم فيه القول المزبور ، بل لعله لا يجري فيه ما تقدم في العين ، بناء على عدم تناول الروايات المزبورة له ، لانسياق غيره فيها وإن كان فيه ما لا يخفى.

( وإن أتلفه لا بالذكاة ضمن قيمته حيا ) بلا خلاف ولا إشكال بعد وضع ما ينتفع به منه كعظم الفيل ونحوه.

ولعل من هذا القسم ما لا يؤكل عادة وإن حل أكله كالخيل والبغال والحمير الأهلية ، لكن عن المفيد أنه عد مما لا تقع عليه الذكاة ولا يحل أكله اختيارا البغال والحمير الأهلية والهجين من الدواب والسباع والطير وغيره ، وفيه ما لا يخفى.

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ ص ٢٨٨.

٣٩٢

نعم الظاهر عدم اعتبار ما يحل منها بالتذكية وبدونها ، وفي‌ خبر أبي الجارود (١) « قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : كانت بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يردونها عن شي‌ء وقعت فيه قال : فأتاها رجل من بني مدلج وقد وقعت في قصب له ففوق لها سهما فقتلها ، فقال له عليه‌السلام : والله لا تفارقني حتى تديها قال : فوديها ستمأة درهم » ‌وهو وإن كان في غير التذكية ، لكن من المعلوم عدم الفرق بينهما مع فرض عدم قيمة للمذكى من ذلك ، اللهم إلا أن يفرض فيوضع من القيمة كما سمعته سابقا.

( الثالث : )

( ما لا يقع عليه الذكاة ففي كلب الصيد أربعون درهما ) كما في النافع وغيره ، ومحكي المقنع والسرائر والمراسم والجامع ، بل هو الأشهر ، بل لعله عليه عامة من تأخر ، نعم عن السرائر والمراسم اشتراط كونه معلما ، ولعله الظاهر من نحو عبارة المتن ، وعلى كل حال فهو الأقوى.

لمرسل ابن فضال (٢) عن بعض أصحابه المنجبر بما عرفت ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام « دية كلب الصيد أربعون درهما ، ودية الكلب الماشية عشرون درهما ، ودية الكلب الذي ليس للصيد (٣) زنبيل من تراب على القائل أن يعطي وعن صاحبه أن يقبل ».

وخبر عبد الأعلى (٤) بن أعين المروي في الخصال بطريق حسن عنه عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٤.

(٣) في المصدر : ليس للصيد ولا للماشية.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٥ الخصال ص ٥٣٩.

٣٩٣

أيضا « قال : في كتاب علي عليه‌السلام دية كلب الصيد أربعون درهما ».

بل و‌خبر الوليد (١) بن صبيح عنه عليه‌السلام أيضا « دية الكلب السلوقي أربعون درهما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك أن يؤديه لبني خزيمة ».

وخبر أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « دية الكلب السلوقي أربعون درهما ، جعل ذلك له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودية كلب الغنم كبش ، ودية كلب الزرع جريب من بر ، ودية كلب الأهل قفيز من تراب لأهله » ‌بناء على غلبة كون السلوقي معلما للصيد كما اعترف به ابن إدريس ، بل هو نسبة إلى سلوق قرية باليمن أكثر كلابها معلمة على ما قيل.

( و ) على كل حال فـ ( ـمن الناس ) وهو المفيد والقاضي وابن حمزة فيما حكي عنهم ( من خصه بالسلوقي ) مقيدا له الأول بالمعلم الذي هو مراد غيره ، بناء على الغلبة المزبورة ( وقوفا على صورة الرواية ) التي سمعتها في السلوقي.

ولكن فيه مع احتمال إرادة مطلق كلب الصيد منه أنه لا يصلح مقيدا لغيره ، ضرورة كونه ـ بعد إرادة الصيود منه كما هو الغالب ـ أحد أفراد كلب الصيد ، فهو موافق حينئذ في الحكم ، لا مناف كي يكون مقيدا.

نعم في‌ خبر الوليد (٣) بن صبيح أو موثقه عن أبي عبد الله عليه‌السلام المروي عن الخصال « دية كلب الصيد السلوقي أربعون درهما » ‌ولعله الحجة للقول المزبور ، بناء على حجية مثل هذا المفهوم ، اللهم إلا أن يقال بقصوره عن المقاومة ولو للشهرة المزبورة ، لا يراد منه المفهوم المزبور ، إلا أن ظاهر المصنف وغيره عدم الوقوف على ما ذكرناه من النصوص ، خصوصا الأخير كما لا يخفى على من لاحظ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث الأول وفيه : « يديه » مكان « يؤديه ».

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٦ الخصال ص ٥٣٩.

٣٩٤

كلماتهم ، ومنه يضعف توهين الخبر المزبور الذي لم يتحقق فيه الاعراض ، فالمتجه حينئذ اختصاص السلوقي من كلاب الصيد بالأربعين وأما غيره فيرجع فيه إلى التقويم. نعم قد يقال بأنه لا يتجاوز بقيمته الأربعين نظرا إلى أن السلوقي أعلى قيمة وأهم في نظر الشرع كما تسمعه من ابن الجنيد.

( و ) كيف كان فـ ( ـفي ) ‌رواية السكوني (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في كلب الصيد « قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : فيمن قتل كلب الصيد قال ( يقومه ) وكذلك البازي ( وكذلك كلب الغنم و ) كذلك ( كلب الحائط » ) ‌( و ) لكن ( الأول أشهر ) رواية وأشهر عملا.

بل لم أجد من أفتى به سوى ما يحكى عن أبي علي ، مع أنه قال : لا يتجاوز بقيمته أربعين درهما ، وكأنه جمع به بين الأخبار ، واستحسنه في محكي المختلف ، ولكن فيه ما لا يخفى ، ضرورة قصوره عن المعارضة من وجوه. فالمتجه حمله على إرادة التقويم بالأربعين وإن بعد أو طرحه كالمرسل (٢) و‌خبر ابن حصين (٣) عن الرضا عليه‌السلام المرويين عن تفسير العياشي في تفسير قوله تعالى ( وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ) (٤) « البخس النقص وهي قيمة كلب الصيد إذا قتل كانت ديته عشرين درهما » ‌وإن قال في الوسائل : « حمل على غير المعلم » وفيه أنه لا تقدير فيه أيضا. نعم يمكن حمله على تفاوت الدراهم أو غير ذلك ، والله العالم.

( وفي كلب الغنم كبش ) عند الفاضلين والشهيدين ، بل نسبه ثانيهما إلى الأكثر لخبر أبي بصير (٥) السابق ( وقيل ) والقائل المشهور على ما في كشف اللثام وغيره ( عشرون درهما وهي ) رواية ابن (٦) فضال عن بعض أصحابه عن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٨.

(٤) يوسف : ٢٠.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٤.

٣٩٥

أبي عبد الله عليه‌السلام المتقدمة أيضا ، وفي المتن وهذه ( مع شهرتها ) و ( لكن الأولى أصح طريقا ) لما في الثانية من الضعف والإرسال ، وإن كان قد يناقش باشتراكهما في الضعف ، وغايته أن تكون الثانية أضعف لا أصح (١) ، خصوصا بعد أن كان في سندها علي بن أبي حمزة البطائني المعلوم حاله ، بل قد يقال بانجبار السند الثانية بالشهرة المحققة بخلاف الأولى.

كما أنه يمكن الجمع بين الخبرين بإرادة ذكر القيمة له في ذلك الوقت ، بل ربما جمع بينهما بالتخيير بعد العلم بعدم إرادة الجمع ، بل هو خيرة الفاضل في الإرشاد ، ولا بأس به مع اجتماع شرائط الحجية في الخبرين وعدم الترجيح ، ولا يحتاج إلى شاهد ، بل هو مقتضى حجية كل منهما ، ولعله أولى من القول بطرح الخبرين المعمول بهما بين الأصحاب ، والرجوع إلى القيمة لخبر السكوني (٢) السابق كما هو خيرة الفاضل في المختلف ، والله العالم.

( و ) كذا ( قيل في كلب الحائط ) أي البستان ( عشرون درهما ولكن لا أعرف المستند ) وإن كان القول به مشهورا شهرة عظيمة ، بل ربما احتمل بلوغها الإجماع ، كما أن ذكره في النهاية ونحوها يقتضي وجود النص فيه ، بل قيل كلام المفيد وسلار يعطي ذلك ، إلا أن ذلك كله لا يصلح مدركا لحكم شرعي ، فالمتجه حينئذ ما في خبر السكوني (٣) من التقويم الموافق للأصل ، كما عن ابن سعيد النص عليه ، بل مال إليه جماعة من المتأخرين.

هذا وعن الصدوق في المقنع (٤) بعد أن ذكر كلب الصيد والماشية قال : « ودية الكلب الذي ليس للصيد ولا للماشية زنبيل من تراب ، على القاتل أن يعطي‌

__________________

(١) لا أن الاولى أصح ظ.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٣.

(٤) المقنع ص ١٩٢.

٣٩٦

وعلى صاحب الكلب أن يقبله » وهو عبارة المرسل (١) المزبور ، وقريب منه ما عن الإسكافي « من أن دية الكلب الأهلي زنبيل من تراب » بناء على أن كلب الحائط منه ، خصوصا إذا قلنا بإرادة ما يشمل الدار من الحائط ، إلا أنهما معا شاذان والمعروف ما سمعت ، والله العالم.

( وفي كلب الزرع قفيز من بر ) عند المشهور على ما اعترف به غير واحد ، بل في التنقيح « لم أعرف قائلا بغيره » وإن كان فيه أنه خلاف ما سمعت من الصدوق ، بل وظاهر المفيد أيضا ، بل في المسالك نسبة عدم وجوب شي‌ء به إلى جماعة ، وعلى كل حال فلم نعرف مستنده ، وإن قيل إنه خبر أبي بصير (٢) السابق لكن قد سمعت ما فيه من الجريب لا القفيز ، وعن الأزهري « أن الجريب أربعة أقفزة ، » اللهم إلا أن يقال بدلالته على الأقل في ضمن الأكثر الذي لم نجد به عاملا ، والقفيز كما عن الصحاح ثمانية مكاكيك والمكوك ثلاث كيلجات والكيلجة من وسبعة أثمان من ، والمن رطلان ، والله العالم.

( ولا قيمة لما عدا ذلك من الكلاب وغيرها ) مما لا يملكه المسلم ( و ) حينئذ فـ ( ـلا يضمن قاتلها شيئا ) لعدم الضرر على من هي في يده ، بعد أن لم تكن مملوكة ، مضافا إلى أصل عدم الضمان وغيره ، والزنبيل من تراب في الخبر المزبور (٣) كناية عن عدم شي‌ء فيه وإن كان ظاهر الصدوق والإسكافي الغرامة.

والمراد بغيرها في المتن ونحوه ما لا يقع عليه الذكاة ولا يصح للمسلم تملكه وهو الحشرات والخنزير ، إلا أن يكون لذمي كما سيأتي. وفي المسالك : « ويدخل في ذلك كلب الدار والجر والقابل للتعليم قال : ووجه عدم شي‌ء للجميع عدم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٢.

(٣) يعنى خبر ابن فضال.

٣٩٧

المقتضى له وعدم قيمة للكلب حيث لا يرد فيها مقدر (١) » وهو مشكل على القول بأنها مملوكة ، فإن لها قيمة في الجملة.

وفي كشف اللثام في شرح نحو عبارة المتن قال : « ولما انحصر عنده ما لا يقع عليه الذكاة في الآدمي والكلب والخنزير والحشرات أطلق نفي القيمة عنه ، ولما انقسم عند الشيخين ومن تبعهما إلى ما لا يملك وما يملك فصلوا فضمنوا بتلف ما يملك من مثل الفهد والبازي والصقر كما في النهاية والبغال والحمير الأهلية والهجن من الدواب والسباع من الطير وغيره كما في المقنعة » (٢) قلت لا مدخلية لقبول التذكية وعدمها في التملك وعدمه والقيمة وعدمها ، وحينئذ فالمتجه تملك كل ما لم يثبت من الشرع عدم قابليته للتملك للمسلم أو مطلقا ، ولا أنه يعد مما لا يتمول في العرف ، من غير فرق بين الحشرات والطيور والجر والمتخذ للتعليم وغيرها ، كما أن المتجه الرجوع إلى القيمة في إتلافه كغيره من الأموال ، بل يمكن القول بعدم اعتبار الملك في القيمة التي هي عوض الشي‌ء وبدله وإن لم يكن مملوكا خصوصا إذا كان فيه حق الاختصاص.

نعم لا يلحق الجر والمتخذ للتعليم بكلب الصيد وإن كان سلوقيا ضرورة ظهوره في الصائد بالقوة القريبة من الفعل ولو بالتعليم ، بل ربما ظهر من بعض اعتبار الثاني وإن كان هو كما ترى وخبر السلوقي (٣) وإن أطلقا إلا أنهما كما اعترف محمولان على غلبة كونه صيودا كما عرفت. وحينئذ فما احتمل بعضهم ـ من عدم الاشتراط والاكتفاء بكونه من ذلك الصنف وإن كان جروا لا يصيد لصدق كلب الصيد عليه عرفا ـ واضح الضعف.

وكيف كان فالظاهر أن التقديرات المزبورة ديات شرعية ، لا أنها القيم في زمان الأخبار ، وإن احتمل ، لكنه ضعيف. نعم هي في حق الجاني الذي هو مورد‌

__________________

(١) المسالك ج ٢ ص ٥١٠.

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ١ و ٢.

٣٩٨

النصوص والفتاوى.

أما الغاصب إن تلف مغصوبة عنده (١) ففي القواعد « يضمن أكثر الأمرين من المقدر والقيمة السوقية لأخذه بالأشق ، ولذا يضمن الغاصب قيمة العبد وإن زادت على دية الحر » (٢) بخلاف المتلف غيره ، ولكن ستسمع إطلاق المصنف أن عليه القيمة كالمحكي عن ابن إدريس ، وربما احتمل إرادته أكثر الأمرين أيضا ، وعن التحرير « الوجه الضمان بالمقدر » ولعله لإطلاق التقدير المزبور ، ولعل الأقوى وجوب أكثر الأمرين لو قتله الغاصب ، لإجماع جهتي الضمان : الغصب والإتلاف ، والأولى تقتضي الضمان بالقيمة والأخرى بالمقدر فللمالك المطالبة بأكثرهما اقتضاء.

أما لو مات من قبل نفسه عند الغاصب فليس للضمان إلا جهة واحدة وهي الغصب المقتضى لكونه بالقيمة زادت عن المقدر أو نقصت بعد تنزيل نصوص التقدير على المتلف.

ولو أتلفه أجنبي في يد الغاصب كان المالك مخيرا في الرجوع على كل منهما ، ولكن إذا رجع على المتلف بالمقدر كان له الرجوع على الغاصب بزيادة القيمة إن كانت ، كما أن له الرجوع على المتلف بزيادة المقدر لو فرض زيادته على القيمة التي أخذها من الغاصب ، بل قد يقال : إن له مطالبة الغاصب بها وإن لم يكن متلفا ، إلا أنها مضمونة عليه بما ضمنها المتلف وإن كان للغاصب الرجوع بها عليه ، ويحتمل عدم ضمان الغاصب غير القيمة ، لأنها التي هي مقتضى جهة ضمانه أي الغصب ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فلو نقص الكلب المغصوب فالأرش بالنسبة إلى أكثر الأمرين بناء عليه أو إلى القيمة على القول الآخر أو على المقدر بناء على اعتباره فتأمل جيدا.

__________________

(١) ليست في بعض النسخ كلمة « عنده ».

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٤.

٣٩٩

هذا كله فيما يملكه المسلم و ( أما ما يملكه الذمي كالخنزير فهو يضمن بقيمته عند مستحليه ) بلا خلاف أجده فيه إذا استجمع سائر شروط الذمة التي يحقن بها ماله ودمه.

( وفي الجناية على أطرافه ) وجراحاته ( الأرش ) عندهم أيضا ، وفي القواعد اعتبار التستر بذلك ، قال : « وإن لم يكن متسترا به فلا شي‌ء (١) » ، بل وفي كشف اللثام « وإن كان الجاني ذميا أو حربيا لإخلاله بشروط الذمة » (٢) وهو كذلك مع فرض اشتراط ذلك عليه في الذمة ، إلا أن النصوص مطلقة.

ففي أحدها (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن عليا أمير المؤمنين عليه‌السلام رفع إليه رجل قتل خنزيرا فضمنه قيمته ، ورفع إليه رجل كسر بربطا فأبطله » وفي خبر غياث (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام « أن عليا عليه‌السلام ضمن رجلا مسلما أصاب خنزير نصراني » ‌ولعل الوجه في إطلاق ضمان خنزير النصراني أن بنائه على عدم التستر به فلم يكن ذلك من شرائط الذمة عليه بخلاف غيره من الخمر ونحوه.

كما أنه يمكن التزام بعضهم لبعض في الضمان وإن أخل بالاستتار الذي أقصاه صيرورته بحكم الحربي الذي يمكن القول بالضمان فيه على مذهبهم ، إلا أني لم أجد ذلك محررا في كلامهم.

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٤.

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٤٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول ، الكافي ج ٧ ص ٣٦٨.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢.

٤٠٠