جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وإن لم يكن له أحد أخذت من بيت المال » مع أنه لا يخلو من منع خصوصا بالنسبة إلى أخذ أولى الناس به بها ، ولذا أنكرهما ابن إدريس ، بل قال : « إنه خلاف الإجماع ، فإنه لا ضمان عليهما في الخطأ المحض » وهو كذلك للأصل وغيره ، اللهم إلا أن يقال باستفادته مما سمعته في المضمر السابق (١) الوارد في العمد ، بناء على أولوية المفروض منه ، مؤيدا بعدم بطلان دم المسلم وغيره مما يفهم منه الرجوع في مثله إلى بيت المال ، مع معارضة إجماع ابن إدريس بإجماع ابن زهرة ، ولعله لذا لم يستبعده في الرياض.

لكن ذلك كله محل بحث ، خصوصا بعد عدم ظهور الخبر المزبور في بيت المال ، وإنما هو سأل من المسلمين ليؤدى هو ديته كما هو المتعارف في زماننا.

نعم قد سمعت سابقا‌ خبر أبي بصير (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل ، فلم يقدر عليه حتى مات ، قال : إن كان له مال أخذت الدية من ماله وإلا فمن الأقرب فالأقرب. فإنه لا يبطل ( يطل ) دم امرؤ مسلم » ‌ونحوه خبر أبي بصير (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجل قتل رجلا ثم فر فلم يقدر عليه حتى مات ، قال : إن كان له مال أخذ منه وإلا أخذ من الأقرب فالأقرب » ‌ولعله تأتي للمسألة تتمة إن شاء الله في آخر الكتاب ، والله الموفق.

( و ) كيف كان فقد ( قال المفيد ره تستأدى في سنتين فهي إذن مخففة عن العمد في السن ) في الإبل خاصة كما عرفت ( وفي الاستيفاء ) كما هو المحكي عن المبسوط والمراسم والغنية والسرائر والتقي والفاضل في جملة من كتبه والشهيد وأبي العباس وغيرهم. بل نسبه غير واحد إلى الشهرة ، بل ظاهر المبسوط الإجماع عليه ، بل في الغنية نفي الخلاف فيه ، مؤيدا بأنه المناسب لكون شبيه العمد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العاقلة ، الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العاقلة ، الحديث ٣.

٢١

الذي قد عرفت أنها فيه سنة والخطأ الذي ستعرف إن شاء الله أنها فيه ثلاث سنين.

وأما احتمال أنها أقل من سنة فمقطوع بعدمه ، ولو بملاحظة أغلظية العمد منه ، كما أنها لا تزيد على الثلاثة قطعا لمعلومية سهولة الخطاء بالنسبة إليه ، فهي ما بين السنة إلى الثلاث ، وربما يشهد للثاني ، ما في خبر أبي بصير (١) السابق الظاهر في اختصاص غلظتها بالنسبة إلى الخطأ بأسنان الإبل دون غيرها.

ولكن الشهرة المزبورة المعتضدة بنفي الخلاف وظهور الإجماع المزبور عينته في السنين ولا بأس به ، وأما ما عن ابن حمزة من أنها تؤدي في سنة إن كان موسرا ، وإلا في سنتين ، فلم نعرف له موافقا ولا دليلا ، والله العالم.

( ولو اختلف ) (٢) أي الولي ومن عليه الدية ( في الحوامل ) بناء على المختار ، أو حيث نعتبر حوامل ( ملا ) ( رجع إلى أهل المعرفة ) والأولى اعتبار العدالة والتعدد ، ( ولو تبين الغلط ) بعد ذلك ( لزم الاستدراك ) لظهور عدم وصول الحق ، ( و ) كذا أيضا ( لو أزلقت بعد الإحضار قبل التسليم لزم الإبدال و ) هو واضح.

نعم لو كان الإزلاق ( بعد القبض لا يلزم ) الإبدال ، لأن الواجب إقباض الحوامل وقد حصل ، لا الولادة.

ولو اختلف الولي والدافع بعد القبض ، فقال : لم تكن حوامل وقد أضمت أجوافها ، فقال الغريم : بل ولدت عندك ، فعن التحرير « إن قبضها بقول أهل الخبرة فالقول قول الغريم ، عملا بظاهر إصابتهم ، وإن قبضها بغير قولهم ، فالقول قول الولي عملا بأصل عدم الحمل ».

وفيه أن المتجه العمل بالأخير على كل حال لعدم ثبوت حجية الظاهر المزبور.

هذا كله في أسنان الإبل ، أما غيرها فهي متساوية في دية العمد والخطأ ، لكن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٤.

(٢) كذا في الشرائع ولكن في الأصل « ولو اختلفا ».

٢٢

قد سمعت ما في‌ خبر أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام : « أو ألف من الشاة على أسنانها أثلاثا ومن الإبل مائة على أسنانها » ‌إلا أني لم أجد عاملا به ، فيمكن حمله على إرادة أي شي‌ء كان. وربما احتمل رجوع ضمير أسنانها إلى الإبل ، أي الألف من الشاة يوافق أسنان الإبل أثلاثا في القيمة غالبا. وفيما حضرني من نسخة للتهذيب معتبرة : « أو ألف من الشاة على أسنانها أثلاثا من الإبل قيمة على أسنانها » والظاهر أنه تصحيف وإلا فالموجود في أكثر النسخ « مائة على أسنانها » وعلى كل حال فهو غير واضح الوجه.

( و ) أما ( دية الخطاء المحض ) فالأكثر كما في كشف اللثام ، وعن غيره ، بل المشهور ، بل عليه عامة المتأخرين ، على أنها ( عشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة ) ‌لخبر عبد الله بن سنان (٢) الذي رواه المحمدون الثلاثة صحيحا في بعض الطرق عن الصادق عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي تقدم بعضه في دية شبيه العمد ، قال : « والخطأ يكون فيه ثلاثون حقة ، وثلاثون ابنة لبون ، وعشرون بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون ذكر ».

( و ) لكن ( في رواية ) ‌العلاء بن الفضيل عنه عليه‌السلام التي في طريقها العبيدي عن يونس عن محمد بن سنان (٣) ( خمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون ، وخمس وعشرون حقة ، وخمس وعشرون جذعة ) ‌

إلا أنا لم نجد عاملا بها عدا ما يحكى عن ابن حمزة ، نعم عن الخلاف إجماع الفرقة على العمل بالروايتين ، وإن كنا لم نتحققه بالنسبة إلى هذه الرواية ، فهو حينئذ شاذ قاصر عن إثبات التخيير به بينه وبين ما في الصحيح السابق من وجوه.

وأما ما عن المبسوط والسرائر ـ عشرون بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس الحديث الثاني والتهذيب ج ١٠ ص ١٥٨ وفيه « ومن الإبل مائة فإنها على أسنانها ».

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

(٣) التهذيب ج ١٠ ص ١٥٨.

٢٣

وعشرون بنت لبون ، وعشرون حقة ، وعشرون جذعة ـ فلم نجد له شاهدا فيما وصل إلينا من النصوص.

كما لم نجد عاملا بما سمعته في ذيل صحيح زرارة ومحمد بن مسلم ، من خبر علي ابن حديد (١) في الخطأ ، فتعين العمل حينئذ بما سمعته من المشهور هنا ، وإن أعرضوا عن الصحيح المزبور في دية العمد ، والله العالم.

( وتستأدى ) دية الخطاء ( في ثلاث سنين ) في كل سنة ثلثها بلا خلاف أجده فيه بل عن المهذب وغيره الإجماع عليه بل عن الخلاف « اتفاقا منا بل من الأمة ، وخلاف ربيعة لا يعتد به » (٢) وعن الغنية « بلا خلاف إلا من ربيعة فإنه قال في خمس » و‌قال الصادق عليه‌السلام في صحيح أبي ولاد ، (٣) « كان علي عليه‌السلام يقول : تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين وتستأدى دية العمد في سنة » ‌فالحكم حينئذ مفروغ منه ( سواء كانت الدية تامة ) كدية المسلم الحر ( أو ناقصة ) كدية المرأة وغيرها مما ستعرف إن شاء الله ، لصدق الدية على الجميع ، بل في المتن والقواعد ومحكي المبسوط والمهذب ( أو دية طرف ) بل في كشف اللثام « لعموم الدليل والفتاوى » ، قلت : ولكن حكي عن الفاضل الخلاف فيه ولعله لأصالة الحلول بعد دعوى انسياق الصحيح المزبور وغيره إلى دية النفس وإن كان فيه منع خصوصا بعد تصريح من عرفت وظهور غيره ، إلا أن الظاهر كون الأجل المزبور متمما لها فيلحقه التوزيع أيضا بتوزيعها.

وحينئذ فالطرف إن كانت ديته قدر الثلث أخذ في سنة واحدة في الخطأ وإن كان أزيد حل الثلث بانسلاخ الحلول ، وحل الزائد عند انسلاخ الثاني إن كان ثلثا آخر فما دون ، وإن كان أكثر ، حل الثلث عند انسلاخ الثاني والزائد عند انسلاخ الثالث.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٧.

(٢) الخلاف ج ٢ ص ٤٠٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

٢٤

وإن تعدد الجاني والمجني عليه حل عند كل حول ثلث.

وإن قلع عينيه وقطع يديه ورجليه حل له ثلث لكل جناية.

وكذا الكلام في الطرف ، لو قطع عمدا أو شبه عمد بالنسبة إلى أجلهما ، نعم قد يقال بالحلول فيما ليس له مقدر من الجراح مع احتمال إلحاقه بالدية المقدرة بعد ملاحظة النسبة.

وأما الجناية على العبد فيحتمل أيضا جريان حكم الدية عليها وإن كانت هي قيمة ، ويحتمل كونه كالأموال. وأما العكس فالظاهر الحلول فيما يتعلق منها برقبته ، نعم لو أراد المولى فداءه أمكن ملاحظة التأجيل ، والله العالم.

وكيف كان ( فهي مخففة في السن ) في الإبل خاصة ( و ) في ( الصفة ) بالنسبة إلى شبه العمد فلا يعتبر في شي‌ء منها أن تكون خلفة كما صرح به في الوسيلة ، إلا أن المصنف لم يعتبر فيها ذلك كما عرفت ، وإنما ذكره رواية. ( و ) يمكن أن يكون ذلك بناء عليها كما ذكر مسألة الاختلاف ( في الاستيفاء ) بالنسبة إليهما معا.

( و ) على كل حال فـ ( ـهي على العاقلة ) بلا خلاف أجده بيننا بل وبين غيرنا فيه كما اعترف به بعضهم إلا من الأصم منهم الذي لا يعتد بخلافه ، وكذا الخوارج ، بل عن الخلاف دعوى إجماع الأمة عليه ، قال : « وخلاف الأصم لا يعتد به » (١) كل ذلك مضافا إلى النصوص (٢) التي إن لم تكن متواترة فلا ريب في القطع بذلك منها ، ولا ترجع العاقلة بذلك على القاتل ، لأنه ( لا يضمن الجاني منها شيئا ) للأصل وغيره ، خلافا للمحكي عن المفيد وسلار ، فحكما بالرجوع ولا نجد لهما دليلا ، بل في السرائر إجماع الأمة على خلافهما ، وإن أنكر عليه الفاضل في المختلف وادعى أنه جهل منه في تخطئة الشيخ الأعظم الذي‌

__________________

(١) الخلاف ج ٢ ص ٤٠٠.

(٢) راجع الوسائل أبواب العاقلة من كتاب الديات.

٢٥

هو الأصل في إفشاء المذهب وتقريره ، لكن ذلك كما ترى لا يصلح دليلا ، نعم يأتي إن شاء الله ، إن العاقلة إذا فقدت أو كانوا فقراء كانت في مال القاتل كما نص عليه هنا في كشف اللثام.

( ولو قتل في الشهر الحرام ) رجب وذي القعدة وذي الحجة والمحرم ، ( ألزم دية وثلثا من أي الأجناس كان تغليظا ) بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما صريحا فضلا عن الظاهر مستفيض أو متواتر ، بل في المسالك « أن به نصوصا كثيرة » ، وفي محكي الخلاف نسبته إلى إجماع الفرقة وأخبارها ، وإن كنا لم نعثر إلا على‌ خبر كليب الأسدي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقتل في الشهر الحرام ما ديته؟ قال : دية وثلث » وخبره الآخر (٢) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول من قتل في شهر حرام فعليه دية وثلث » ‌الحديث ، اللهم إلا أن يكون قرء (٣) ما تسمعه من النصوص (٤) الآتية « في الحرم » بلفظ الجمع على إرادة الأشهر الحرم ، بل ربما كان ذلك عذرا للمصنف وغيره ممن أنكر وجود دليل على إلحاق الحرم بالشهر الحرام ، فإنه من المستبعد عدم رؤيتهم للنصوص المزبورة مع وجودها في المجامع العظام ، وعلى كل حال ففيهما الكفاية لإثبات مثله بعد ما عرفت ، والله العالم.

( وهل يلزم مثل ذلك في حرم مكة ) زاده الله شرفا؟ ففي المتن ( قال الشيخان ) أي في المقنعة والمبسوط والخلاف والنهاية على ما حكي عن بعضها : ( نعم ) يلزم مثل ذلك ، وظاهره التوقف بل هو صريحة في النكت ، قال : « ونحن نطالب الشيخين بدليل ذلك » وكذا النافع وتبعه على ذلك الفاضل في التحرير وأبو العباس والمقداد والشهيدان والكاشاني على ما حكي عن بعضهم ، مع اعتراف أكثرهم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

(٢) التهذيب ج ١٠ ص ٢١٥.

(٣) قرءا بالتثنية. ( ن ل ).

(٤) راجع الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ديات النفس.

٢٦

بعدم النص عليه.

نعم قال الكركي في حاشية الكتاب بعد حكاية ذلك عن الشيخين والاعتراف بعدم النص : « وكفى بهما متبعا » إلا أن ذلك كله في غير محله إذ هو ـ مع أنه مذهب بني حمزة وزهرة وإدريس والفاضل في القواعد والإرشاد والشهيد في اللمعة أيضا ، بل مذهب الأكثر كما في كشف اللثام ، بل المشهور كما في مجمع البرهان ، بل في ظاهر المحكي عن موضعين من المبسوط والسرائر وغاية المراد ، وكذا الغنية ، الإجماع عليه ، بل في محكي الخلاف عليه إجماع الفرقة وأخبارها ـ يدل عليه‌ صحيح زرارة (١) المروي في الكافي والفقيه « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل قتل رجلا في الحرم ، قال : عليه دية وثلث » وخبره الآخر (٢) المروي في التهذيب « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل قتل رجلا في الحرم ، قال عليه : دية وثلث ».

فلا وجه حينئذ للتوقف في المسألة خصوصا بعد التأييد بالاشتراك في الحرمة وتغليظ قتل الصيد فيه ، المناسب لتغليظ غيره ، بعد الاعتضاد بما عرفت ، سيما الأخبار المرسلة في الخلاف.

نعم قد عرفت احتمال قراءة الخبرين الحرم بلفظ الجمع على أن يكون صفة للأشهر الحرم ، وقد حضرني نسخة من الكافي معتبرة جدا وقد أعرب فيها « الحرم » بضمتين. وربما يؤكد ذلك تتمة الخبر المزبور « قال ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ، ويعتق رقبة ويطعم ستين مسكينا ، قال : قلت : يدخل في هذا شي‌ء؟ قال : وما يدخل؟ قلت : العيدان وأيام التشريق ، قال : يصومه فإنه حق لزمه » ومن المعلوم أن ذلك كفارة القاتل في الشهر الحرام بناء على القول به لا الحرم ،

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ١٤٠ والفقيه ج ٤ ص ١١٠ ولكن فيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ٢.

(٢) التهذيب ج ١٠ ص ٢١٦ ، الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٣.

٢٧

وإن كان الخبر المزبور فيه إشكال بدخول العيدين مع أنه ليس إلا عيد واحد في الأشهر الحرم كما أوضح عنه‌ صحيح زرارة الآخر (١) « قال : سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشهر الحرام ، قال : تغلظ عليه الدية وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين من أشهر الحرم ، قلت : فإنه يدخل في هذا شي‌ء؟ فقال : وما هو؟ قلت : يوم العيد وأيام التشريق ، قال : يصومه فإنه حق لزمه » ‌والله العالم.

نعم قال في كشف اللثام : « الظاهر اختصاص ذلك بالعمد كما تشعر به عبارة النهاية وتعليل الأصحاب بالانتهاك ، ويدل عليه الأصل فيقتصر في خلافه على اليقين ».

قلت : هو وإن كان صريح الوسيلة أيضا لكن المحكي عن صريح المبسوط والسرائر العموم ، بل هو ظاهر الغنية ، بل قيل هو ظاهر المقنعة وما تأخر عنها ، بل ظاهر السرائر وكذا المبسوط والغنية الإجماع عليه. بل قيل : إن العموم اللغوي في بعض النصوص السابقة يقطع الأصل ، والتعليل يدفعه التصريح والإطلاق الذي هو كالتصريح بمعونة السياق ، مع احتمال كونه لبعض الأفراد خصوصا بعد كون العنوان بمن قتل ونحوه ، بل لعل القاتل خطأ منتهك أيضا وإن لم يكن آثما ، ولذا وجبت عليه الكفارة ، ولعله لذا مال في الرياض إليه ، بل حكي فيه عن بعض متأخري المتأخرين ذلك ، مدعيا عليه النص والإجماع.

قلت : لعل مراده من النص ما سمعته في صحيح زرارة (٢) المصرح فيه بالخطإ ، وإلا فلا صراحة في غيره من النصوص ، ضرورة ظهور ذكر كفارة العمد فيه ، مضافا إلى ظهور « قتل » في قصد القتل الذي لا يشمل الخطأ كما في كل فعل جعل عنوانا للحكم الشرعي ، وحينئذ فعموم « من » لا يجدي بعد ظهور مدخولها في ذلك ، إذ هو على حسبه ، فالأصل حينئذ بحاله.

نعم الظاهر عدم الاختصاص بقتل المسلم ، لعموم النص والفتوى ومعاقد‌

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ١٣٩ ، الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث الأول.

(٢) الكافي ج ٤ ص ١٣٩ ، الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث الأول.

٢٨

الإجماعات ، وإن احتمله بعض الناس ، ولا بقتل الكبير والعاقل ولا غيرهم ، فتغلظ الدية بقتل الجميع ، وإن لم يكن قصاص بقتل العاقل المجنون ، وكذا لو قتل الوالد الولد ، بل لا فرق أيضا بين سليم الأعضاء ومفقودها كما صرح به في القواعد وغيرها للعمومات ، نعم قد سمعت خبر سورة بن كليب (١) عن الصادق عليه‌السلام في أقطع اليد إذا قتل فلاحظ وتأمل.

هذا ولا يبعد إلحاق المراقد المنورة بذلك في التغليظ كما هو محتمل النهاية ، بل فهمه منها غير واحد ، وإن أنكره ابن إدريس حاملا لعبارة الشيخ على غيره لعدم الدليل على ذلك من كتاب أو سنة أو إجماع. لكن فيه أن من المعلوم كون التغليظ المزبور لانتهاك الحرمة التي هي فيها أشد في الحرم قطعا ، ولذا حكي عن المقداد ذلك مستدلا له بالتنقيح ، وأن المنقح له العقل والأولوية العرفية ، لأن مراقدهم أفضل من مكة ، فيكون أفضل من الحرم. قلت : وهو كذلك كما لا يخفى على من لاحظ ما ورد في ذلك (٢) وخصوصا مرقد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومشهد أمير المؤمنين عليه‌السلام والحائر.

وعلى كل حال فالزائد لولي المقتول كما هو الظاهر من إطلاق النص والفتوى ، بل هو كصريح الأخير ، نحو قوله في الخبر الأول ، وإن كان السبب في ذلك انتهاك حرمة الزمان والمكان.

ولو اجتمع سببا التغليظ فالوجه تعدد الثلث لقاعدة عدم التداخل القاطعة لأصل البراءة ، خلافا لبعض ، منهم الشهيد الثاني ، ترجيحا لأصل البراءة عليها وهو في غير محله.

نعم ظاهر النص والفتوى وغيرهما ، أن الزيادة المزبورة حيث تؤخذ الدية دون ما إذا اقتص ، فما عن ثاني الشهيدين من وجوبها معه أيضا للتغليظ غير‌

__________________

(١) يعني في كتاب القصاص راجع الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث الأول.

(٢) راجع الوسائل أبواب المزار.

٢٩

واضح الوجه.

كما أن ظاهر هما اختصاص ذلك في القتل ، ولذا قال المصنف ( ولا نعرف ) (١) ( التغليظ في الأطراف ) لأنه لم يذكره أصحابنا كما عن المبسوط والسرائر ، بل عن الأخير زيادة « دون قطع الأطراف عندنا » بل في المسالك « لا قائل به من أصحابنا » ولا في قتل الأقارب للأصل وعدم الدليل ، وبه صرح الفاضل وغيره.

نعم هو مناسب لمذاق العامة القائلين بالقياس والاستحسان ، كما يحكى عن بعضهم القول به فيها ، كما عن آخر التغليظ للقرابة أيضا ، (٢) وفي اشتراط المحرمية لهم وجهان ، وعن الشافعي منهم اختصاص التغليظ بأسنان الإبل ، والجميع كما ترى.

( فرع : )

( لو رمي ) وهو ( في الحل ) بسهم مثلا ( إلى ) من هو في ( الحرم فقتل فيه لزمه التغليظ ) كما صرح به الفاضل وغيره لصدق القتل فيه وإن خرج السبب ( وهل يغلظ مع العكس فيه تردد ) من الأصل وعدم صدق القتل في الحرم ، ومن حصول سببه في الحرم فهو كمن قتل فيه ، ولذا تلزم الكفارة من رمى فيه صيدا في الحل ، بل هو المناسب للتغليظ في الحرم وخصوصا في الإنسان الذي هو أعظم حرمة من الصيد المحلل قتله بالأصل. ولكن لا ريب في أن الأقوى الأول بعد عدم هذه الاعتبارات في قطع الأصل الشرعي ، بل قد يحتمل ذلك في‌

__________________

(١) في الشرائع : ولا يعرف.

(٢) قال في بداية المجتهد ج ٢ ص ٤٥٥ : « واختلفوا في تغليظ الدية في الشهر الحرام والبلد الحرام. وقال الشافعي : تغلظ فيهما في النفس وفي الجراح. وكذلك عند الشافعي من قتل ذا رحم محرم ... ».

٣٠

الأول أيضا ، وإن كان ظاهر المصنف والفاضل وغيرهما اختصاص التردد في الثاني ، لإمكان دعوى انسياق الظرفية من النص ، والله العالم.

( ولا يقتص من الملتجئ إلى الحرم فيه ) بعد أن قتل خارجه ثم استجار به ( و ) لكن ( يضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج ) منه بلا خلاف أجده في أصل الحكم كما اعترف به في المسالك ، بل في التنقيح ومحكي الخلاف وظاهر المبسوط الإجماع عليه ، لعموم آيات الأمن (١) ولفحوى‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح هشام (٢) « في الرجل يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم ، قال : لا يقام عليه الحد ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ولا يبايع ، فإذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد ، وإن جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد فإنه لم ير للحرم حرمة » ‌ولو للإجماع المزبور على عدم الفرق بين الحد والقصاص.

( و ) منه يعلم الوجه فيما ذكره المصنف وغيره من أنه ( لو جنى في الحرم اقتص منه ) فيه ( لانتهاكه الحرمة ) بل لا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الرياض ، فيبقى حينئذ عموم أدلة القصاص والحدود بحالها سليمة عن المعارض.

( وهل يلزم مثل ذلك في مشاهد الأئمة عليهم‌السلام ) فضلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ( قال به في ) المقنعة والمهذب و ( النهاية ) والسرائر وحدود التحرير وغيرها ، واستحسنه المصنف في النكت ، ولعله لمعلومية زيادة شرفها على الحرم. ولذا قال في التنقيح بعد أن حكي عن الشيخين ذلك : « وهو قريب أما أولا فلما‌ ورد عنهم عليهم‌السلام « أن بيوتنا مساجد » (٣) ، وأما ثانيا فلما تواتر من رفع العذاب الأخروي عمن‌

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ٩٧ وغيرها.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامة الحديث الأول.

(٣) راجع الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الجنابة.

٣١

يدفن بها (١) والعذاب الدنيوي أولى ، وأما ثالثا فلأن ذلك مناسب لوجوب تعظيمها واستحباب المجاورة بها والقصد إليها » (٢) بل عن ظاهر التحرير أن المشهد البلد ، فضلا عن الصحن الشريف والروضة المنورة ، بل لا يخفى على من أحاط خبرا بما ورد (٣) في الحائر وحرمه وأنه أربعة فراسخ بل أزيد وغير ذلك مما جاء في قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام وغيره من الأئمة عليهم‌السلام زيادة تعظيمها ، ولكن مع ذلك قد تشعر عبارة المصنف بل صريح غيره بالتوقف بل المنع ، وهو لا يخلو من جرأة ، والله العالم.

( و ) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال نصا وفتوى في أن ( دية المرأة ) الحرة المسلمة صغيرة كانت أو كبيرة ، عاقلة أو مجنونة ، سليمة الأعضاء أو غير سليمتها ، ( على النصف من جميع الأجناس ) المذكورة في العمد وشبهه والخطأ ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص (٤) ، بل هو كذلك من المسلمين كافة إلا من ابن عليه والأصم ، فقالا هي كالرجل ، وقد سبقهما الإجماع ولحقهما ، بل لم يعتد بخلافهما من حكي إجماع الأمة غير مشير إليهما ، ولا بأس به. وحينئذ فمن الإبل خمسون ، ومن الدينار خمسمائة وهكذا كما هو واضح.

وكذا الجراحات والأطراف منها على النصف من الرجل ما لم تقصر ديتها عن ثلث دية الرجل ، فإن قصرت دية الجناية جراحة أو طرفا عن الثلث تساويا قصاصا‌

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الدفن ومستدرك الوسائل ج ١ ص ١٢١.

(٢) التنقيح للفاضل المقداد ، كتاب القصاص ص ٨١٥ من نسخة مخطوطة منه عندنا.

(٣) راجع الوسائل أبواب المزار وكامل الزيارات.

(٤) راجع الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ديات النفس.

٣٢

ودية كما مر الكلام فيه مفصلا.

ولا تلحق بها الخنثى المشكل في ذلك ، للأصل وغيره ، وإن احتمل ، وديتها ثلاثة أرباع دية الرجل على ما صرح به بعضهم.

وجميع فرق الإسلام المحقة والمبطلة متساوية في الدية ، وإن لم تكن غير الملحقة منهم كفارا في الآخرة (١) إجزاء لهم مجري المسلمين كاجراء حكم الإسلام على المنافقين استدراجا لهم ومصلحة للمؤمنين ما لم يجحدوا ما هو معلوم الثبوت من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كالغلاة والنواصب ومن أنكر ما اعترف بثبوته في دينه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنهم كفار ، كل ذلك لعموم الأدلة ، بل في كشف اللثام الاتفاق على التساوي في الدية ، وإن كان قد يشكل بأن المتجه سقوطها على القول بكفرهم في الدنيا حتى دية الذمي ضرورة عدم كونهم منهم ، والله العالم.

( ودية ولد الزنا إذا أظهر الإسلام دية المسلم ) بلا خلاف أجده بين من تأخر عن المصنف ، بل عن بعض نسبته إلى الأكثر على الإطلاق ، وآخر إلى المشهور ، وثالث إلى جمهور الأصحاب ، لثبوت إسلامه بإظهاره الإسلام الذي من ضرورة المذهب ، بل الدين ، وجوب قبوله ممن يحصل منه ما لم يعلم خلافه ، فيندرج حينئذ بذلك في المسلمين والمؤمنين في الديات وغيرها إلا ما ثبت خروجه من أحكامهم.

نعم إذا لم يصف الإسلام أو كان غير بالغ ولم يسبه مسلم أو لم نقل بتبعيته له فيه ، يتجه عدم الدية له ، للأصل بعد عدم الإسلام فعلا ولا شرعا حتى دية الذمي ، ضرورة عدم كونه منه.

ودعوى ـ كونه بحكم المسلم لقوله عليه‌السلام : « كل مولود يولد على‌

__________________

(١) قال في كشف اللثام : « وجميع فرق الإسلام المحقة والمبطلة متساوية في الدية اتفاقا وان لم يكن غير المحقة منهم كفارا في الحقيقة. فإنهم كفار ... ».

أقول : الظاهر زيادة الواو في قوله وقول شارحنا : « وان لم يكن » فراجع.

٣٣

الفطرة » (١) ‌كما في كشف اللثام ـ يدفعها عدم ثبوت العمل به على الوجه المزبور من الأصحاب وإلا لاقتضى إسلام ولد الزنا من الكافرين ، وهو معلوم العدم ، ولا يبعد كون المراد أنه خلق على اختيار الإسلام لو ترك ونفسه ، لا أن المراد أنه مسلم فعلا ، بل يمكن دعوى القطع بذلك خصوصا بعد ملاحظة قوله « حتى » وغيره.

كدعوى ثبوت الدية المزبورة لكل نفس ما لم تكن كافرة ، ضرورة اتفاق النص والفتوى على أنها دية المسلم ، ولعله لذا قيد المصنف وغيره بما إذا أظهر الإسلام ولعل من أطلق يريد ذلك أيضا ، ومن هنا يظهر لك النظر فيما في كشف اللثام من « أنه لا فرق على القولين أي قول المشهور وقول المرتضى بين البالغ منه وغيره ، فان الطفل لا يتبع والده إلا أن يسبيه مسلم وقلنا بتبعيته له. وعلى المختار الوجه أيضا ذلك فإنه وإن لم يتبع أحدا إلا أن كل مولود يولد على الفطرة » وإن وافقه عليه بعض من تأخر عنه.

بل وما في المحكي من حواشي الشهيد « من أن المنقول أنه إن أظهر الإسلام فديته دية مسلم وإلا فدية ذمي ، قال : وهو جمع بين القولين » وأشار إليه المصنف بقوله : « إن أظهر الإسلام » ، والله العالم.

( و ) كيف كان فقد ( قيل ) والقائل الصدوق والمرتضى ديته ( دية الذمي ) ثمانمائة درهم.

بل قال السيد : « والحجة بعد الإجماع المتردد ، أنا قد بينا أن مذهب الطائفة أن ولد الزنا لا يكون قط طاهرا ولا مؤمنا بإيثاره واختياره وإن أظهر الإيمان وهم على ذلك قاطعون وبه عاملون ، فإذا كانت هذه صورته عندهم فيجب‌

__________________

(١) قال في سفينة البحار ج ٢ ص ٣٧٣ : « قال النبي ٩ : كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه » ‌ولكن في الوسائل ج ١١ ص ٩٦ هكذا : « عن أبي عبد الله ٧ انه قال : ما من مولود يولد الا على الفطرة فأبواه اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه ... ».

٣٤

أن تكون ديته دية الكفار من أهل الذمة للحوقه في الباطن بهم. قال : فان قيل : كيف يجوز أن يقطع على مكلف أنه من أهل النار وفي ذلك منافاة للتكليف ، وولد الزنا إذا علم أنه مخلوق من نطفة الزاني فقد قطع على أنه من أهل النار ، فكيف يصح تكليفه؟ قلنا : لا سبيل لأحد في القطع على أنه مخلوق من نطفة الزنا لأنه يجوز أن يكون هناك عقد ، أو شبهة عقد ، أو أمر يخرج به عن أن يكون زانيا فلا يقطع أحد على أنه على الحقيقة ولد زنا ، فأما غيره فإنه إذا علم أن أمه وقع عليها هذا الوطي (١) من غير عقد ولا ملك يمين ولا شبهة فالظاهر في الولد أنه ولد الزنا والدية معمول فيها على ظاهر الأمور دون باطنها » (٢).

وقال ابن إدريس : « ولم أجد لباقي أصحابنا فيه قولا فأحكيه ، والذي تقتضيه الأدلة التوقف في ذلك ، وأن لا دية له لأن الأصل برأيه الذمة » (٣).

قلت : وهو كذلك على ما اعترف به غيره عدا ما سمعته من الصدوق ، ومنه يعلم حينئذ ما في إجماع السيد المزبور بعد الإغضاء عما ذكره من تفريع وجوب دية الذمي على كونه كافرا ، ضرورة عدم اقتضاء ذلك كونه ذميا كما اعترف به ابن إدريس وغيره ، بل وبعد الإغضاء عما في جوابه عما سأله به نفسه ، فإنه لا يرجع إلى حاصل ، فتأمل.

نعم قد يستدل له بمرسل جعفر بن بشير (٤) « قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن دية ولد الزنا قال ثمانمائة درهم مثل دية اليهودي والنصراني والمجوسي » ومرسل‌

__________________

(١) الواطى ( ن ل ).

(٢) الانتصار ، كتاب الحدود والديات وما يتصل بذلك.

(٣) السرائر كتاب الحدود ص ٨ قال فيه : « ودية ولد الزنا مثل دية اليهودي على ما ذهب اليه السيد المرتضى رضى الله عنه ولم أجد لباقي ... » فما في بعض النسخ « ولم أجد لنا في ... » تصحيف.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٢.

٣٥

عبد الرحمن بن عبد الحميد (١) « قال : قال لي أبو الحسن عليه‌السلام : دية ولد الزنا دية اليهودي ثمانمائة درهم » وخبر إبراهيم بن عبد الحميد عن جعفر عليه‌السلام (٢) « قال : قال : دية ولد الزنا دية الذمي ثمانمائة درهم ».

مؤيدة بما ورد من‌ النصوص (٣) في المنع من غسالة الحمام ، معللة « بأنه يغتسل فيه اليهودي والنصراني وولد الزنا » ‌حيث ساقه مساق أهل النار.

إلا أنها جميعها ضعيفة ، كما أشار إليه المصنف بقوله ( وفي مستند ذلك ضعف ) ولا جابر لها بعد تبين حال الإجماع المحكي بما عرفت ، كي تصلح للخروج بها عما دل على دية المسلم ، بناء على إسلامه بما يظهره. والتأييد بما في النصوص المزبورة مبنى على كفره وإن أظهر الإسلام ، وهو ممنوع.

وأطرف شي‌ء ما في الرياض ، من أن « قول السيد ليس بذلك البعيد للأصل مع عدم معلومية دخول ولد الزنا في إطلاق أخبار الديات ، حتى ما ذكر فيه لفظ المؤمن والمسلم ، لإطلاقهما الغير المعلوم الانصراف إلى نحوه من حيث عدم تبادره منه مع انسياق سياقه إلى بيان مقدار الديات وغيره مما لا يتعلق بما نحن فيه فيصير بالنسبة إليه كالمجمل الذي لا يمكن التمسك به ، وكذا شمول ما دل على جريان أحكام الإسلام على مظهره لنحو ما نحن فيه ليس بمقطوع به ، فلا يخرج عن مقتضى الأصل بمثله ، وإنما خرج عنه بالنسبة إلى دية الذمي لفحوى ما دل على ثبوتها به مع شرفه بإسلامه الظاهري وليس وجوده كعدمه بالقطع حتى يلحق بالحربي ، ويمكن أن يجعل ما ذكرناه جابرا للنصوص والإجماع المحكي مع تأيد الأخير بعدم ظهور مخالف فيه من القدماء عدا الحلي المتأخر عن حاكيه ، وأما الشهرة ، فإنما هي من زمن المحقق ومن بعده » (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٣.

(٣) راجع الوسائل الباب ـ ١١ ـ أبواب الماء المضاف.

(٤) رياض المسائل ج ٢ ص ٥٩٤.

٣٦

إذ هو كما ترى من غرائب الكلام ، إن أراد ذلك بعد تسليم كونه مسلما وجريان أحكام الإسلام والإيمان في غير الدية عليه ، ضرورة أن المرتضى لا يرضى بذلك إذ ما ذكره مبنى على كفره ، وإن أراد بما ذكره موافقة المرتضى على كونه كافرا فهو مع منافاته لجملة ما سمعت من كلماته واضح الفساد أيضا.

وكذا ما ذكره فيه « من اعتبار سند الخبر الأول (١) بأنه صحيح إلى جعفر وهو ثقة والإرسال بعده لعله غير ضائر لقول النجاشي (٢) : « يروى عن الثقات ورووا عنه » قاله في مدحه ولا يكون ذلك إلا بتقدير عدم روايته عن الضعفاء وإلا فالرواية عن الثقة وغيره ليس بمدح كما لا يخفى » (٣) إذ هو كما ترى.

وأغرب من ذلك كله استدلاله بصحيح ابن سنان (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال سألته فقلت له : جعلت فداك كم دية ولد الزنا؟ قال : يعطى الذي أنفق عليه ما أنفق عليه ».

قال في الرياض : « وهو ظاهر في ثبوت الدية لا كما ذكره الحلي ، وأنها ما أنفق عليه ، وهو يشتمل ما قصر عن دية الحر المسلم بل والذمي أيضا بل لعله ظاهر فيه ، إلا أن الأمر الخارج بالإجماع كخروج ما زاد عنه أيضا فتعين الثمانمائة جدا مع أن العدول بذلك الجواب عن لزوم دية الحر المسلم كالصريح ، بل لعله صريح في عدم لزومها ، فيضعف ما عليه المشهور جدا ويتعين قول السيد‌

__________________

(١) يعنى مرسل جعفر بن بشير المتقدم آنفا.

(٢) رجال النجاشي ص ٩٢.

(٣) رياض المسائل ج ٢ ص ٥٩٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٤ وأيضا الباب ـ ٨ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه الحديث ٣.

٣٧

ظاهرا » (١).

إذ حمله على ولد الزنا قبل البلوغ خير من ذلك كله ، والله العالم.

( ودية الذمي ) الحر ( ثمانمائة درهم ) بلا خلاف معتد به أجده بيننا ، بل في الخلاف والانتصار والغنية وكنز العرفان الإجماع عليه على ما حكي عن بعضها ، مضافا إلى النصوص (٢) المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة ، وفيها الصحيح وغيره ، منها‌ صحيح ليث المرادي (٣) ، مضافا إلى ما تقدم « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن دية اليهودي والنصراني والمجوسي ، قال : ديتهم سواء ، ثمانمائة درهم » ‌ومنها‌ موثق سماعة (٤) عنه أيضا « قال : بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خالد بن وليد إلى البحرين ، فأصاب به دماء قوم من اليهود والنصارى والمجوس ، فكتب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إني أصبت دماء قوم من اليهود والنصارى ، فوديتهم ثمانمائة درهم ثمانمائة ، وأصبت دماء قوم من المجوس ولم تكن عهدت إلى فيهم عهدا ، قال : فكتب إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إن ديتهم مثل دية اليهود والنصارى ، وقال : إنهم أهل كتاب » ‌إلى غير ذلك من النصوص.

( يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا ) خلافا للعامة أجمع في الأولين ، وإن اختلفوا على أربعة أقوال ، فمن قائل بأن ديته ثلث دية المسلم ، وقائل نصفها ، وقائل تمامها ، وقائل كذلك إن كان عمدا وإن كان خطأ نصفها. نعم عن الشافعي ومالك موافقتنا في المجوس ، بل عن الشيخ في الخلاف أن الصحابة مجمعون على أن دية المجوسي ثمانمائة درهم ، وعن المبسوط وكنز العرفان نفي الخلاف في ذلك.

__________________

(١) رياض المسائل ج ٢ ص ٥٩٥.

(٢) راجع الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ديات النفس.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٥ وفيه : ديتهم جميعا سواء ثمانمائة درهم ، ثمانمائة درهم.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٧.

٣٨

( ودية نسائهم على النصف ) منهم كما صرح به الشيخ والفاضلان والكركي وثاني الشهيدين وغيرهم ، بل ظاهر هم المفروغية منه ، بل قيل قد يظهر من المبسوط والغنية الإجماع عليه ، ولعله لعموم ما دل من نص (١) أو معقد إجماع على أن دية المرأة نصف الرجل ، بل ظاهر أن دية أعضائهما وجراحاتهما من ديتهما كدية أعضاء المسلم وجراحاته من ديته حتى على مساواة المرأة منهم للرجل حتى تبلغ الثلث أو تجاوزه فنصف كالمسلم كما صرح بذلك كله بعضهم ، بل لا يبعد جريان حكم التغليظ بما يغلظ به على المسلم لعموم الأخبار ، وقاعدة الاشتراك في التكليف ، وإن توقف فيه الفاضل في المحكي من تحريره ، ولعله من ذلك ومن كونه على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع الوفاق منه.

( و ) كيف كان فـ ( ـفي بعض الروايات ) من طرقنا أن ( دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية المسلم ) قال الصادق عليه‌السلام في‌ صحيح أبان بن تغلب (٢) : « دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية المسلم » وقال أيضا في خبر زرارة (٣) : « من أعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذمة فديته كاملة ».

( وفي بعضها ) أيضا ( دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ) وهي‌ رواية أبي بصير عنه (٤) أيضا « دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ، ودية المجوسي ثمانمائة درهم » ‌وقد عرفت موافقة الأول لبعض أقوال العامة ، بل والثاني بناء على أنها اثنا عشر ألف من جهة اختلاف الوزن ، فتكون حينئذ الأربعة ثلث الدية ، كما عرفته عن آخر منهم ، فلا بأس بحملهما على التقية ( و ) لكن ( الشيخ رحمه‌الله نزلهما ) في كتابي الأخبار (٥) ( على من يعتاد قتلهم فيغلظ الإمام ) عليه ( الدية بما يراه ) مصلحة ( من ) (٦) ( ذلك حسما

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ديات النفس.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٤.

(٥) التهذيب ج ١٠ ص ١٨٧ ـ الاستبصار ج ٤ ص ٢٦٩.

(٦) في ( ن ل ).

٣٩

للجرأة ) قال : « فإنه إذا كان كذلك فللإمام أن يلزمه دية المسلم كاملة تارة ، وأربعة آلاف درهم أخرى ، بحسب ما يراه أصلح وأردع ، فأما من كان ذلك منه نادرا لم يكن عليه أكثر من ثمانمائة درهم ».

واستدل عليه بموثق سماعة (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسلم قتل ذميا فقال : هذا شي‌ء شديد لا يحتمله الناس فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل السواد ، وعن قتل الذمي ، ثم قال : لو أن مسلما غضب على ذمي فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم ، إذن يكثر القتل في الذميين ، ومن قتل ذميا ظلما فإنه ليحرم على المسلم أن يقتل ذميا حراما ما آمن بالجزية وأداها ولم يجحدها ».

ثم قال : « وأما رواية أبي بصير (٢) خاصة فقد روى أن ديتهم ثمانمائة درهم مثل سائر الأخبار ، وما تضمنه خبره (٣) من الفرق بين اليهودي والنصراني والمجوسي ، فقد روى (٤) هو أيضا أنه لا فرق ، وأنهم سواء في الدية » (٥).

ويمكن أن يكون مخالفا باعتبار كون ذلك ليس دية ، وإنما هو تعزير من الحاكم أو كالتعزير ، ولعله لذا نفى عنه البأس في محكي المختلف ، وإلا فمن المعلوم عدم المكافئة من وجوه ، وقد تقدم الكلام سابقا في ذلك في كتاب القصاص.

نعم ما في الفقيه (٦) خلاف في المسألة ، قال : « إن كان اليهودي والنصراني والمجوسي على ما عوهدوا عليه ، من ترك إظهار شرب الخمور وإتيان الزنا وأكل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ١٠.

(٥) الى هنا كلام الشيخ في الاستبصار والتهذيب.

(٦) الفقيه ج ٤ ص ١٢٢ ـ ١٢٤ ، وصححنا عبارة الأصل طبقا للمصدر.

٤٠