جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وفي كشف اللثام (١) « ونحوه عن الرضا عليه‌السلام ». ثم إن ظاهره كظاهر المتن وغيره ، بل هو المحكي عن صريح التحرير ، أن الأضلاع قسمان ، منها ما يخالط القلب ففيه خمسة وعشرون دينارا ومنها ما لا يخالطه ويلي العضدين وهي الأعالي منها ففيه عشرة ، لكن في التنقيح « يريد بالمخالطة الجانب الذي عند القلب وبعدم المخالطة خلاف ذلك فالضلع الواحد إن كسر من الجهة الأولى ففيه أعلى الديتين وإن كسر من الجهة الثانية ففيه أدناهما » (٢) وتبعه ثاني الشهيدين ، وهو كما ترى غير ظاهر الوجه.

المسألة ( الثانية : )

( إذا كسر بعصوصه ) وهو على ما في القاموس وكشف اللثام عظم الورك ، وقيل : هو العصعص بضم عينيه ، وهو عجب الذنب بفتح عينه ، أعنى عظمه الذي يجلس عليه ، ويقال : إنه أول ما يخلق وآخر ما يبلى ، وربما قيل : إنه تصحيف ولذا لم يذكره أهل اللغة ، ولكن قد سمعت ما في القاموس ، وفي كشف اللثام قد ذكره ابن عباد في المحيط بالمعنيين ، وعن الراوندي البعصوص عظم رقيق حول الدبر.

( و ) على كل حال لو كسره كاسر على وجه ( لا يملك غائطه كان فيه الدية ) كما في القواعد والنافع ومحكي الوسيلة والسرائر والجامع وغيرها ( وهي رواية سليمان بن خالد ) (٣) ‌« سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك استه فما فيه من الدية؟ قال : الدية كاملة ».

( و ) كذا ( من ضرب عجانه ) بكسر العين وهو ما بين الخصيتين والفقحة‌

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢٨ ، الفقه المنسوب الى الرضا عليه‌السلام ص ٤٤.

(٢) التنقيح ص ٨٣٥ من مخطوط عندنا.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات المنافع ، الحديث الأول.

٢٨١

( فلم يملك بوله ولا غائطه ففيه الدية ) كما في الكتب السابقة ( وهي رواية إسحاق بن عمار ) (١)

سمع الصادق عليه‌السلام يقول : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام بذلك ».

وفي المسالك « أن العمل بهما أي الروايتين مشهور وكثير من الأصحاب لم يذكروا في ذلك خلافا » (٢) قلت : وهو كذلك كما اعترف به في الرياض ، بل صرح به الصيمري وزاد « بل فتاوى الأصحاب مطابقة » وحينئذ فيجبر الخبران المزبوران بذلك ، فما عساه يشعر به ما في المتن من النسبة إلى الرواية من التردد فيه في غير محله ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة : )

( في كسر كل عظم من عضو ) له مقدر ( خمس دية ) ذلك ( العضو فإن صلح على غير عيب فأربعة أخماس دية كسره ) كما نص عليه الشيخان والديلمي والحلي وأبو المكارم والكيدري والفاضلان وغيرهم على ما حكى عن بعضهم ، بل هو المشهور ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، نعم عن الخلاف (٣) « إذا كسرت يده فجبرت فإن انجبرت على الاستقامة كان عليه خمس دية اليد وإن انجبرت على عثم كان عليه دية كسره » مستدلا عليه بالإجماع والأخبار ، وربما يوافقه في الجملة ما‌ في كتاب ظريف (٤) على ما عن الكافي « إن في كسر كل من المنكب والعضد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ٢.

(٢) المسالك ج ٢ ص ٥٠٤.

(٣) الخلاف ج ٢ ص ٣٨٨ وفيه هكذا : « وان انجبرت على عثم كان عليه ثلاثة أرباع دية كسره ».

(٤) الكافي ج ٧ ص ٣٣٤ ـ ٣٣٦ وليس فيه قيد‌ « إذا جبرت على غير عثم » ‌

للمنكب نعم هو موجود في غير المنكب فراجع.

٢٨٢

والمرفق والكف إذا جبرت على غير عثم ولا عيب خمس دية اليد ، وكذا الساعد إذا كسر قصبتاه جميعا ، فإن كسرت إحدى الزندين فخمسون دينارا ».

وعن الفقيه والتهذيب والجامع (١) « أن فيه إذا كسر فجبر على غير عثم ولا عيب ثلث دية النفس ثلاثمائة دينار وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار فإن كسر إحدى القصبتين من الساعد فديته خمس دية اليد مأة دينار وفي أحدهما أيضا في الكسر لأحد الزندين خمسون دينارا وفي كليهما مأة دينار » انتهى.

وفي الكتاب أيضا « إن في كسر قصبة الإبهام من اليد أو الرجل قصبتها التي تلي الكف أو القدم خمس دية الإبهام إن جبرت من غير عثم ولا عيب وفي كسر المفصل الأعلى منها ستة عشر دينارا وثلثي دينار إن انجبرت كذلك وفي كسر المفصل الأسفل الذي يلي الكف من كل من الأصابع الأربع ستة عشر دينارا وثلثي دينار وهو يزيد على خمس دية الإصبع بدينار وثلث ، وفي كسر مثله من أصابع الرجل الأربع ستة عشر دينارا وثلثا ، وفي كسر المفصل الأوسط من الأصابع الأربع للكف أحد عشر دينارا وثلثا ومن أصابع الرجل أحد عشر دينارا وثلثي دينار ، وفي كسر المفصل الأعلى في كل من أصابعهما خمسة دنانير وأربعة أخماس دينار ، ولم يقيد الكسر في الأصابع بالانجبار على غير عثم وعيب ، وفي الكف إذا كسرت فانجبرت على غير عثم ولا عيب أربعين دينارا ، وفي كل من الورك والفخذ والركبة والساق والقدم إذا كسر فانجبر على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجل ولعل المراد في كل من الوركين والفخذين وكذا البواقي ونص فيه على أن كلا من الفخذ والساق إن عثمت ففيها ثلث دية النفس ، وقد ذكر في صدع أكثر هذه الأعضاء أن فيه أربعة أخماس دية كسرها » (٢) ‌وفي الوسيلة « إن في‌

__________________

(١) الفقيه ج ٤ ص ٨٤ ـ التهذيب ج ١٠ ص ٣٠٠ والجامع لابن سعيد مخطوط ليس عندي.

(٢) هذه عبارة كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢٧ حكاها المصنف بطولها وهي من كتاب ظريف ملخصا ، راجع الفقيه ص ٨٤.

٢٨٣

كل كسر كل من العضد والمنكب والمرفق وقصبة الساعد وأحد الزندين أو الكفين خمس دية اليد ، وفي كسر الأنملة الأولى من الإبهام ثلث دية كسر الكف وفي الثانية نصف دية كسر الكف ، وفي كسر المفصل الثاني من الأصابع سوى الإبهام أحد عشر دينارا وثلثا ، وفي كسر الأول نصفه وفي صدع العضو أربعة أخماس دية الكسر » (١) إلا أنه كما ترى لم نجد ما يدل على تمام ما ذكره.

( و ) كيف كان المشهور أيضا ( في موضحته ربع دية كسره ، ) بل عن الشيخ في الخلاف الموافقة هنا مدعيا عليه الإجماع ، كالمحكي عن الغنية ، وهما الحجة حينئذ بعد ما في‌ الذي عرضه (٢) يونس وابن فضال علي أبى الحسن عليه‌السلام من قوله : « ودية موضحته ربع دية كسره » ‌وبعد ما‌ في كتاب ظريف (٣) أيضا في أكثر الأعضاء ، (٤) بل وفي نقبه أيضا.

لكن فيه « أن في كسر الكف أربعين دينارا وفي موضحتها خمسة وعشرين دينارا وفي كسر قصبة إبهام الرجل ستة وستين دينارا وثلثي دينار وفي موضحتها ونقبها خمس ذلك ثمانية دنانير وثلث دينار وإن في كسر المفصل الأوسط من الأصابع الأربع للرجل أحد عشر دينارا وثلثي دينار وفي موضحته دينارين وفي المفصل الأعلى منها خمسة دنانير وأربعة أخماس دينار وفي موضحته ونقبه دينارا وثلثا ».

وفي خبر إسحاق (٥) بن عمار عن الصادق عليه‌السلام « إن في الأصابع إذا‌

__________________

(١) الوسيلة كتاب الديات ص ٣ من فصل في بيان أحكام الشجاج.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الشجاج والجراح الحديث ٣.

(٣) راجع كتاب ظريف في الفقيه ج ٤ ص ٧٥ ـ ٩٢.

(٤) كذا في الأصل وفي كشف اللثام وفي بعض النسخ : « في كسره » مكان « في أكثر الأعضاء ».

(٥) الكافي ج ٧ ص ٣٢٧ والفقيه ج ٤ ص ١٣٧ والوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب قصاص الطرف الحديث ٢ وليست في أحد من هذه الثلاثة كلمة « نصف » نعم هي موجودة في كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢٨ فراجع.

٢٨٤

وضح العظم نصف عشر دية الإصبع » ‌إلا أن ذلك كله قاصر عن معارضة ما سمعته مما يدل على المشهور.

( وفي رضه ثلث دية ) ذلك ( العضو ) إن لم يبرأ أو عثم ( فإن برأ على غير عيب فأربعة أخماس دية رضه ) كما نص عليه من عرفت أيضا ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، نعم عن المراسم إطلاق الثلث من غير تفصيل بين البرء من غير عيب وعدمه ، وفي نكت المصنف « إن هاتين المسألتين أي الكسر والرض ذكرهما الشيخان وتبعهما المتأخرون ولم يشيروا إلى المستند » (١) وهو كذلك إذ العمدة في هذه المقادير كتاب ظريف والموجود فيه في رض كل من المنكب والمرفق والورك والركبة إذا انجبر على عثم ثلث دية النفس (٢) ولعلهم حملوه على رض المنكبين والمرفقين وكذا الباقيان‌

وفيه أيضا « أن في رض الرسغ إذا انجبر على غير عثم ولا عيب ثلث دية اليد مأة وستة وستون دينارا وثلثا دينار وفي الكعب إذا رض فجبر على غير عثم ولا عيب ثلث دية الرجل ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار (٣) ».

وقال ابن حمزة : « فإن رض أحد خمسة أعضاء المنكب والعضد والمرفق والرسغ والكف (٤) وانجبر على عثم ففيه ثلث دية اليد فإن جبر على غير عثم ففيه مأة دينار وقيل : مأة وثلاثون دينارا وثلث » (٥) انتهى.

( وفي فكه من العضو بحيث يتعطل العضو ثلثا دية العضو فإن صلح على

__________________

(١) نكت النهاية كتاب الديات صفحتان قبل آخر الكتاب.

(٢) الفقيه ج ٤ ص ٨٣ و ٨٤ و ٨٨ و ٨٩.

(٣) الفقيه ج ٤ ص ٨٤ و ٨٩.

(٤) كذا في الوسيلة وكشف اللثام وثلاث نسخ من الجواهر عندنا ولكن في مفتاح الكرامة « الكتف ».

(٥) الوسيلة كتاب الديات ص ٤ من فصل في بيان أحكام الشجاج.

٢٨٥

غير عيب فأربعة أخماس دية فكه ) كما صرح به من عرفت عدا ابن زهرة منهم ، ولعل وجه الأول اندراجه في الشلل ، ولكن في‌ كتاب ظريف (١) « في فك كل من المنكب والمرفق والورك والركبة ثلاثون دينارا ».

وفي كشف اللثام « ونحوه‌ عن الرضا عليه‌السلام » (٢) [٢٢٩٤٠] « وفي فك الكف ثلث دية اليد مأة وستة وستون دينارا وثلثا دينار » قال : « وكذا روى عن الرضا عليه‌السلام (٣) « وفي فك قصبة الإبهام من اليد أو الرجل التي تلي الكف أو القدم عشر دنانير ، وفي فك المفصل الأعلى من إبهام الرجل خمسة دنانير ، وكذا في فك المفصل الثالث من سائر أصابع اليد أو الرجل ، وفي فك المفصل الأوسط والأعلى من سائر أصابع اليد ثلاثين دينارا وثلثا دينار وفي فك الأوسط من أصابع الرجل ثلاثة دنانير ، وفي فك الأعلى من سائر أصابع الرجل ديناران وأربعة أخماس دينار » كذا عن الكافي (٤).

وفي الفقيه والتهذيب والجامع « في فك أوسط سائر أصابع الرجل أيضا ثلاث دنانير وثلثا دينار ، وفي أعلى مفاصل سائر أصابع الرجل دينار وأربعة أخماس دينار » (٥)

وقال ابن حمزة : « فإذا فك كفا وتعطلت ففيها ثلثا دية اليد ، فإن صلحت والتأمت ففيها أربعة أخماس دية الفك ، وفي فك أنملة الإبهام عشرة دنانير ، وفي فك المفصل الثاني منها نصف دية فك الكف ، وفي فك كل مفصل من غير الإبهام ثلاثة دنانير وثلث ، وفي فك العضد أو المرفق أو المنكب ثلاثون دينارا ، فإن تعطل العضو بالفك ففيه ثلثا دية اليد فإن انجبر والتأم ففيه أربعة‌

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٣٣٤ ـ ٣٣٩.

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢٨ الفقه المنسوب الى الرضا عليه‌السلام ص ٤٣.

(٣) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢٨ الفقه المنسوب الى الرضا عليه‌السلام ص ٤٤.

(٤) الكافي ج ٧ ص ٣٣٤ ـ ٣٣٩.

(٥) الفقيه ج ٤ ص ٨٦ والتهذيب ج ١٠ ص ٣٠٣.

٢٨٦

أخماس دية الفك » (١).

وعلى كل حال فمن ذلك كله يظهر ما في المسالك من « أن مستند المشهور أي في الكسر والإيضاح والرض والفك كتاب ظريف ، وطريقه ضعيف ، ولذا نسبه المصنف إلى الشيخين في النافع مشعرا بنوع تردد فيه » ضرورة أنك قد عرفت إمكان تصحيح بعض طرق الكتاب المزبور ، لكنه كما عرفت غير مشتمل على جميع الأحكام المزبورة ، فالعمدة الإجماع المزبور معتضدا بالشهرة وغيرها.

وأما الأخير فهو مع إمكان إدراج الجزء الأول منه في الشلل يمكن تحصيل الإجماع عليه أيضا إذ لم أجد فيه خلافا ولا حكاه أحد من الناس كما اعترف به بعض الأفاضل ، مضافا إلى إمكان دعوى الإجماع المركب وإلى إمكان دلالة ما في كتاب ظريف عليه ولو في الجملة ويتم بعدم القول بالفصل ، ومع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بمراعاة الصلح ونحوه ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة )

( قال في المبسوط والخلاف : في الترقوتين ) وهي العظمان اللذان بين ثغرة النحر والعانق ( الدية وفي كل واحدة منهما مقدر عند أصحابنا ولعله إشارة إلى ما ذكره الجماعة عن ظريف ) (٢) ( وهو في الترقوة إذا كسرت فجبرت على غير عيب أربعون دينارا ) ونحوه عن الرضا عليه‌السلام على ما في كشف اللثام (٣) [٢٢٩٢٨] ، بل في غاية المرام للصيمري نسبه إلى الشهرة ، بل عن الخلاف الإجماع على التقدير فيهما ، وكفى بذلك كله حجة لمثله ، فما عساه يظهر من نحو العبارة من التردد فيه في غير محله خصوصا بعد أن عرفت اعتبار بعض طرق الكتاب المزبور نعم ليس في شي‌ء من النص‌

__________________

(١) الوسيلة ص ٣ من فصل في بيان أحكام الشجاج.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٣) الفقه المنسوب الى الرضا عليه‌السلام ص ٤٣.

٢٨٧

حكمهما إذا لم يجبرا أو جبرا على عيب فيتجه فيه الحكومة حينئذ للضابط مراعيا لوجوب أكثر الأمرين منها ومن المقدار المزبور لكن في الوسيلة وشرح الصيمري وعن المهذب الدية فيها ونصفها في إحداهما للعموم السابق ، إلا أن في شموله لمثله نظرا هذا.

وفي كتاب ظريف والوسيلة في صدعها أربعة أخماس دية كسرها وفي الأول منهما « فإن أوضحت فديتها خمسة وعشرون دينار وذلك خمسة أجزاء من ثمانية من ديتها إذا انكسرت فإن نقل منها العظام فديتها نصف دية كسرها عشرون دينارا فإن نقبت فديتها ربع دية كسرها عشرة دنانير (١) » ‌ولكن المتجه الحكومة في ذلك بعد إعراض الأصحاب ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة : )

( من داس بطن إنسان حتى أحدث ) بالبول أو الغائط ( ديس بطنه أو يفتدي ) من ( ذلك بثلث الدية ) كما عن الشيخين وابن حمزة ( وهي رواية ) ‌النوفلي (٢) عن السكوني عن الصادق عليه‌السلام « قال : رفع إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام عن رجل داس بطن رجل حتى أحدث في ثيابه فقضى عليه أن يداس بطنه حتى يحدث أو يغرم ثلث الدية » ‌( وفيها ضعف ) مشهور يمنع من العمل به فيما خالف الأصول التي منها عدم القصاص مع التغرير بالنفس ، على أنها قضية في واقعة ، ولذا قال ابن إدريس فيما حكى عنه : « الذي يقتضيه مذهبنا خلاف هذه الرواية لأن فيه تغريرا بالنفس فلا قصاص بذلك بحال » (٣) وتبعه جماعة ممن تأخر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب قصاص الطرف الحديث الأول.

(٣) السرائر كتاب الديات باب ديات الأعضاء والجوارح ص ٦.

٢٨٨

عنه مختارين الحكومة ، بل لعله ظاهر المصنف والفاضل وغيرهما ممن صرح بضعف الرواية وإن لم يصرحوا بالحكومة.

لكن فيه يقال بانجبار الرواية بفتوى الأكثر المحكي في الروضة ، بل وبالإجماع المحكي عن الخلاف ، مضافا إلى دعوى الشيخ الإجماع على قبول رواية السكوني (١) الذي لا ينفك عنه غالبا النوفلي ، الذي يشهد له ملاحظة عمل الأصحاب بها في كثير من الأبواب ، واعتناء المحمدين الثلاثة في كتبهم الأربعة بها ، ومن هنا عد حديثه قويا. وكون الخبر قضية في واقعة لا ينافي فهمهم التعدية منه كما في نظائره. نعم ينبغي الاقتصار على البول والغائط الظاهرين من الإحداث في الثياب دون الريح التي ألحقها بعضهم بهما ، مع أن المتجه فيه الحكومة ، بل قطع بها بعض الأفاضل وهو كذلك لما عرفت ، والله العالم.

المسألة ( السادسة : )

( من افتض بكرا بإصبعه فخرق مثانتها فلا تملك بولها فعليه ثلث ديتها ) لخبر ظريف (٢) بن ناصح المعتضد بما في‌ خبر معاوية (٣) بن عمار من قوله عليه‌السلام : « في كل فتق ثلث الدية » ‌( و ) لكن‌ في رواية هشام بن إبراهيم (٤) عن أبي الحسن عليه‌السلام أن في ذلك ( ديتها ، ) بل عن الفقيه (٥) « إن أكثر روايات أصحابنا أن في ذلك الدية كاملة » وإن كنا لم نعثر على غير الرواية المزبورة ، اللهم إلا أن يريد ما تسمعه في سلس البول (٦) ( و ) لعله لذا قال المصنف وغيره :

__________________

(١) عدة الأصول ج ١ ص ٥٦.

(٢) الفقيه ج ٤ ص ٩٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٣.

(٥) الفقيه ج ٤ ص ٩٢.

(٦) راجع الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات المنافع.

٢٨٩

فـ ( ـهي أولى ) مضافا إلى أن استمساك البول منفعة واحدة فتجب في تفويتها الدية كما ستعرفه في نظائره ، وإلى عدم القائل بالرواية الأولى كما اعترف به بعضهم ، فلا تصلح معارضة للأخيرة المعتضدة بالشهرة الظاهرة والمحكية التي بها يجبر ضعف الرواية.

( و ) عليه أيضا ( مثل مهر نسائها ) لخبر أبي عمر الطبيب (١) أيضا عن الصادق عليه‌السلام ، وما مر من خبر عبد الله (٢) بن سنان الوارد في الشعر ولعله إليهما أشار في محكي السرائر بقوله : « وفي رواية أخرى مهر نسائها » ولخبر السكوني (٣) « أن عليا عليه‌السلام رفع إليه جاريتان دخلت الحمام فافتضت إحداهما الأخرى بإصبعها فقضى على التي فعلت عقلها » ‌بناء على أن المراد من ذلك مهرها كما عن جماعة ، ويحتمل إرادة ديتها ، بل عن مجمع البحرين تفسير الخبر المزبور به (٤) ، وحينئذ يكون معاضدا للرواية المزبورة ، ولا يقدح خلوهما عن المهر بعد تكفل غيرهما به وبعد الاتفاق ـ كما في الرياض ـ على ثبوته ، بل وإلى قاعدة عدم التداخل بعد أن كانا جنايتين ، بل قد يحتمل مع ذلك أرش البكارة المقدر في الأخبار بعشر القيمة إن كانت أمة فتفرض الحرة حينئذ أمة وتقوم ، بل قيل : إنه يشعر به القوية المتقدمة (٥) في إفضاء المرأة ، إلا أنك قد عرفت هناك ما يقتضي قوة دخوله في المهر فلاحظ وتأمل.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٤) مجمع البحرين مادة عقل.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

٢٩٠

( المقصد الثاني )

( في الجناية على المنافع )

( وهي سبعة ) ‌

( الأول : العقل )

( وفيه الدية ) كاملة بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد منهم الشيخ وابن زهرة في محكي المبسوط والغنية ، مضافا إلى النصوص التي منها‌ خبر إبراهيم (١) عن الصادق عليه‌السلام « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل ضرب رجلا بعصا فذهب سمعه وبصره ولسانه وعقله وفرجه وانقطع جماعه وهو حي بست ديات » ‌بل وإلى ما دل (٢) على وجوب الدية في كل ما كان في الإنسان منه واحد ، بل ظاهر الفتوى ومعقد نفى الخلاف وغيرهما عدم الفرق في ذلك بين الضرب على الرأس وغيره أو غيره مما ليس بجرح أو ضرب كما لو أفزعه حتى ذهب عقله وهو واضح ( وفي بعضه الأرش في نظر الحاكم إذ لا طريق إلى تقدير النقصان ) كي توزع عليه الدية فيرجع إلى الحكومة كما في غيره.

( و ) لكن ( في المبسوط ) والوسيلة وقواعد الفاضل ( يقدر بالزمان فلو جن يوما وأفاق يوما كان الذاهب نصفه أو جن يوما وأفاق يومين كان الذاهب

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ٦.

(٢) راجع الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء.

٢٩١

ثلثه ) وهكذا ، بل في مجمع البرهان « لا كلام إن علم نسبة الذاهب إلى الباقي ، ولكن العلم به مشكل ، ولا سبيل إليه إلا نظر الحاكم ومن عاشره من الحذاق فيمكن امتحانه باليوم (١) والأيام وبمعقولية كلامه وضبط أحواله ، فإن علم النسبة عمل بها وإلا فالحكومة (٢) » قلت ( و ) لكن ( هو ) كما ترى مجرد ( تخمين ) بل يمكن القول بعدم أجزاء للعقل على وجه توزع عليها الدية فليس إلا الحكومة أو الصلح ، بل يمكن القطع به فيما إذا لم يزل العقل ولا نقص نقصانا مقدرا ولكن اختل فصار مدهوشا يستوحش مع الانفراد ويفزع من غير شي‌ء يفزع في العادة ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( ـلا قصاص في ذهابه ولا في نقصانه ) بلا خلاف أجده فيه ( لعدم العلم بمحله ) المختلف فيه أنه القلب أو الدماغ أو غيرهما ، بل ومع العلم به لما فيه من التغرير ولو بسقي المجنن كما هو واضح ( ولو شجه ) مثلا أو قطع يده ( فذهب عقله لم تتداخل دية الجنايتين ) للأصل والخبر المزبور (٣).

( و ) لكن ( في رواية ) صحيحة ( إن كان بضربة واحدة تداخلتا ) وهي‌ صحيحة أبي عبيدة الحذاء « سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل ضرب رجلا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ وذهب عقله ، قال : فإن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة (٤) أو لا يعقل ما قال ولا ما قيل له ، فإنه ينتظر به سنة ، فإن مات فيما بينه وبين سنة أقيد به ضاربه ، وإن لم يمت فيما بينه‌

__________________

(١) في مجمع البرهان هكذا : « باليوم فان كان نصف يوم عاقلا ونصفه مجنونا الدية أو بالأيام أو بمعقولية كلامه ... ».

(٢) مجمع البرهان كتاب الديات المقصد الخامس.

(٣) يعنى خبر إبراهيم الذي مر آنفا.

(٤) كذا في الأصل ولكن في الكافي والفقيه والتهذيب « و» بدل « أو ».

٢٩٢

وبين سنة ولم يرجع إليه عقله اغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله ، قال : فما ترى في الشجة شيئا؟ قال : لا إنما ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين وهي الدية ، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائنة ما كانت إلا أن يكون فيهما الموت فيقاد به ضاربه (١) ولو ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات كائنة ما كانت ما لم يكن فيها الموت (٢) ».

بل عن الشيخ في النهاية وابن سعيد في الجامع العمل بمضمونها ، كما عن ابن إدريس إطلاق أن ليس في ذلك سوى الدية ، على ما حكاه عنه في كشف اللثام (٣) وفي التنقيح (٤) حكي عنه الموافقة لما في النهاية ، وحكى غيرهما عنه أنه قال بعد الحكم بعدم التداخل : « وقد قلنا من قبل (٥) فإن كان أصابه مع ذهاب العقل موضحة أو مأمومة أو غيرهما من الجراحات لم يكن فيه أكثر من الدية كاملة إلا أن يكون ضربه ضربتين أو ثلاثا فجنت كل ضربة جناية كان عليه حينئذ جنايتها ، وأوردنا (٦)

__________________

(١) كذا في كشف اللثام ولكن في مصادر الحديث هكذا : « فيقاد به ضاربه بواحدة وتطرح الأخرى قال : وان ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنين ثلاث جنايات ألزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنات ما كانت ما لم يكن فيها الموت فيقاد به ضاربه قال : فإن ضربه عشر ... ».

(٢) الكافي ج ٧ ص ٣٢٥ الفقيه ج ٤ ص ١٣١ التهذيب ج ١٠ ص ٢٥٣ والوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث الأول كشف اللثام ج ٢ ص ٣٣٠ مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٤٥٧.

(٣) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٣٠.

(٤) التنقيح ص ٨٣٦ من مخطوط عندنا.

(٥) في السرائر هكذا : « وقد كنا قلنا من قبل قال شيخنا : فان كان أصابه ... ».

(٦) في السرائر : « وأوردناها على ما أورد شيخنا في نهايته ».

٢٩٣

ما أورده شيخنا في نهايته إلا أن هذا أظهر من ذلك ، وشيخنا قد رجع عما أورده في نهايته ، وقال بما اخترناه الآن في مسائل خلافه وهو الصحيح ، لأن تداخل الديات إذا لم يمت المجني عليه يحتاج إلى دليل (١) » وصريحه موافقة المشهور هنا كما أن الشيخ رجع عما في النهاية إلى موافقته أيضا في محكي الخلاف والمبسوط ، بل قيل إن الشيخ لم يعمل بالخبر المزبور في مسألة تداخل جناية الطرف في النفس في صورة الافتراق التي حكم هو فيها بعدم التداخل ، فكيف يصح استناده إليها هنا؟ وعلى كل حال فالصحيحة المزبورة قاصرة عن معارضة ما سمعت من وجوه ( و ) من هنا كان ( الأول ) مع كونه أشهر بل المشهور ( أشبه ) بأصول المذهب وقواعده ، بل عليه عامة المتأخرين ، بل عن الخلاف وظاهر المبسوط الإجماع عليه.

( و ) كيف كان فـ ( ـفي رواية لو ضرب على رأسه فذهب عقله انتظر به سنة فإن مات فيها قيد به وإن بقي ولم يرجع عقله ففيه الدية وهي حسنة ) بل صحيحة إن كان المراد الرواية المزبورة (٢) المتضمنة للحكم المزبور ، ويمكن أن يريد‌ رواية أبي حمزة الثمالي (٣) « قال لأبي جعفر عليه‌السلام : ما تقول في رجل ضرب رأس رجل بعمود فسطاط فأمه ـ يعني ذهب عقله ـ؟ قال : عليه الدية ، قال : فإنه عاش عشرة أيام أو أقل أو أكثر فرجع إليه عقله ، إله أن يأخذ الدية؟ قال : لا ، قد مضت الدية بما فيها ، قال : فإنه مات بعد شهرين أو ثلاثة ، قال أصحابه : نريد أن نقتل الرجل الضارب ، قال : إن أرادوا أن يقتلوه (٤) ويردوا الدية ما بينهم‌

__________________

(١) السرائر كتاب الديات ، باب ديات الشجاج والجراح ص ٤. وأيضا راجع باب ديات الأعضاء منه ص ٥ فإنه تعرض للمسألة في موضعين.

(٢) يعني رواية الحذاء.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ٢.

(٤) كذا في الأصل وفي كشف اللثام ولكن في الوسائل والتهذيب « يردوا الدية » بدون الواو.

٢٩٤

وبين سنة فإذا مضت السنة فليس لهم أن يقتلوه ومضت الدية بما فيها ».

وعلى كل حال فقد حكي العمل بها عن الشيخ وابني إدريس والبراج وسعيد والصهرشتي والطبرسي وغيرهم ، بل في نكت الشهيد « ما علمت لها مخالفا » ، وكذا في كشف اللثام ، قال : « إلا أن الصدوق والمصنف والمحقق اقتصروا على ذكره رواية لأن الظاهر أن لا قود إلا مع تحقق الموت بالضربة وتحقق شروط العمد وعدم التقدير بالسنة ونحوها (١) » وفيه أن في ذلك كالاجتهاد في مقابلة النص المعمول به.

ومن هنا قال الشهيد : « هذا كلام على النص وفتاوى الأصحاب » والأصح حينئذ العمل بهذه الرواية ، لكن في كشف اللثام (٢) « والتهجم على الدم مشكل ويمكن تنزيل إطلاقهم وإطلاق الروايتين على تقدير تحقق شروط العمد ، نعم يقوى التقدير بالسنة وأنه إن مات فيها تحقق موته بالضربة » وفيه أن التهجم على الدم بدليله ، مع أن ذلك يأتي في مقابله ، ضرورة أن القود بعد السنة تهجم على الدم إذ مقتضى النص والفتوى عدم القود بعد السنة وإن مات بها وكانت الضربة مما تقتل غالبا أو قصد بها القتل وثبوت القود بها قبل السنة مطلقا ، لكن يمكن تقييد الأخير بما لا ينافي شرط القصاص بقرينة كون الضربة بعمود الفسطاط فهي مما تقتل غالبا أو مقصود بها ذلك حينئذ ، فمخالفتها للأصول بسقوط القود بعد السنة مع اجتماع شروطه ، ولا بأس به بعد النص والفتوى ، والاحتياط في الدماء ، فتأمل جيدا.

( وإن جنى ) الجاني ( فأذهب العقل ودفع الدية ثم عاد العقل لم يرتجع الدية لـ ) ـاحتمال ( أنه هبة مجددة ) وللخبر المزبور (٣) ، واحتمال ـ أن المراد بقوله : « إله أن يأخذ الدية » السؤال عن المجني عليه ، بمعنى إله أن يأخذ الدية؟ فأجاب‌

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٣١.

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٣١.

(٣) يعني رواية أبي حمزة.

٢٩٥

عليه‌السلام : لا قد مضت الدية مع ما يتعلق بها من الأحكام أو مع ما فيها الدية من الجناية أي بطلت لظهور أن العقل لم يكن زال ـ في غاية البعد أو الفساد ، ضرورة كونه سؤالا عن ارتجاع الجاني ما أداه من الدية ، فقال : لا قد مضت الدية وما يتعلق بها أو ما فيها أو ما في الجناية ، أي ثبتت واستقرت فلا تسترد أو أمضت (١) الدية أي أدائها ما في الجناية أي حكم الجناية أدائها فلما أداها فقد مضى حكمها فلا تسترد ، وما يرجع إليه هبة مجددة.

نعم قد يقال بضعف الخبر المزبور عن ثبوت الحكم على الإطلاق الذي منه لو حكم أهل الخبرة بأنه لم يكن قد ذهب وإنما عرض له شاغل ، ومن هنا قال الفاضل في القواعد : « هذا أي لزوم الدية إذا حكم أهل الخبرة بعدم زوال العارض وإن حكموا بزواله إلى مدة انتظر ظهور حاله فإن استمر فالدية وإن عاد قبل استيفاء الدية فلا يطالب بالدية بل يطالب بالأرش وإن عاد بعده أمر بالرد ويحتمل عدم الارتجاع لأنه هبة من الله تعالى مجددة ولو مات قبل اليأس من عوده ففي عدم وجوب الدية إشكال » وإن كان لا يخلو بعض كلامه من نظر ، والتحقيق ثبوت الدية ما لم يعلم عدم زواله ولو بحكم أهل الخبرة لإطلاق الأدلة ، والله العالم.

ولو أنكر الجاني فوات العقل وادعاه ولي المجني عليه اختبر في حال خلواته وفي حال غفلته ، فإن ظهر اختلال حاله والاختلاف في أقواله وأفعاله ثبت جنونه بغير يمين منه ، لأن الفرض جنونه ولا يمين من وليه ، وإن لم يظهر الاختلاف المزبور فالقول قول الجاني مع اليمين ، وكذا لو لم يمكن الاختبار لموت ونحوه ، إلا أن يثبت لوث ، والله العالم.

__________________

(١) في مفتاح الكرامة هكذا : « أو مضت الدية أي أدائها مع ما في الجناية أي حكم الجناية إذ حكم الجناية أدائها ... ».

٢٩٦

( الثاني : السمع )

( وفي ) إذهابـ ( ـه ) كملا من الأذنين باختلاف أصنافه حدة وثقلا ( الدية إن ) علم ذلك ولو بأن ( شهد أهل المعرفة باليأس ) من عوده بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص عموما وخصوصا منها ما مر في خبر إبراهيم (١) بن عمرو ( و ) منها ما في (٢) الذي عرضه‌ يونس على الرضا عليه‌السلام « في ذهاب السمع كله ألف دينار » ‌نعم ( إن أملوا ) أي أهل الخبرة ( العود بعد مدة معينة توقعنا انقضائها فإن لم يعد ) فيها ( فقد استقرت الدية ) بل لعله كذلك أيضا لو قال أهل الخبرة يرجى عوده لا إلى مدة معلومة ، ضرورة اقتضاء اعتبار ذلك سقوط الدية ـ كما سيأتي إن شاء الله في الابصار ـ ولو رجع في أثناء المدة المعلومة فالأرش ، بل وكذا لو رجع بعدها لظهور عدم ذهابه وإن أخطأ أهل الخبرة بالتحديد ، بل وكذا بعد الاستيفاء.

وفي‌ صحيح سليمان بن خالد (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه قال في رجل ضرب رجلا في أذنه بعظم فادعى أنه لا يسمع ، قال : يترصد ويستغفل وينتظر به سنة ، فإن سمع أو شهد عليه رجلان أنه سمع وإلا أحلفه وأعطاه الدية ، قال : فإن عثر عليه بعد ذلك أنه يسمع ، قال : إن كان الله تعالى رد عليه سمعه لم أر عليه شيئا » ‌لكنه لا يخلو من إجمال.

وعلى كل حال فلو مات قبل انتهاء المدة فالأقرب وجوب الدية كما في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

٢٩٧

القواعد ، ويحتمل العدم لعدم تحقق الذهاب الدائم خصوصا بعد إخبار أهل الخبرة بعوده.

( ولو أكذب ) أي ( الجاني ) المجني عليه ( عند دعوى ذهابه ، أو قال : لا أعلم ، اعتبرت حاله عند الصوت العظيم والرعد القوي وصحيح به بعد استغفاله فإن تحقق ) بعد ( ما ادعاه ) أعطي الدية ( وإلا أحلف القسامة ) للوث ( وحكم له ) ولعله على ذلك ينزل ما عن المبسوط من إطلاق تحليفه كصحيح سليمان بن خالد ، بل وما عن كافي أبي الصلاح من إطلاق أنه من ارتاع للصوت الرفيع من حيث لا يعلم فهو سميع وإلا فهو أصم ، والله العالم.

( ولو ذهب سمع إحدى الأذنين ففيه نصف الدية ) من غير فرق بين كونها أحد من الأخرى أو لا ، بل وبين أن يكون له سواها أولا ، سواء كانت الذاهبة بآفة من الله تعالى شأنه أو بجناية جان ، لإطلاق النص والفتوى ، خلافا لابن حمزة فأوجب الدية كاملة إن كانت الأخرى ذهب بسبب من الله تعالى شأنه ولم أجد له دليلا سوى القياس على العين وهو باطل عندنا.

( ولو ) ادعى ( نقص سمع أحدهما قيس إلى الأخرى بأن تسد الناقصة ) سدا جيدا ( وتطلق الصحيحة ويصاح به ) أو يضرب بجرس حيال وجهه ويتباعد عنه ( حتى يقول لا أسمع ) فيعلم ذلك المكان ( ثم يعاد عليه ذلك مرة ثانية ) من جهة أخرى يبعد المقايسة بينها وبين الجهة الأولى مسافة بالبصر ( فإن تساوت المسافتان صدق ثم تطلق الناقصة وتسد الصحيحة ويعتبر بالصوت ) تباعدا عنه (١) ( حتى يقول لا أسمع ثم ) و ( يكرر عليه الاعتبار فإن تساوت المقادير في سماعه فقد صدق وتمسح ) حينئذ ( مسافة الصحيحة والناقصة ويلزم من الدية بحساب التفاوت ) إن نصفا فنصف الدية وإن ثلثا فثلث ( و ) هكذا.

( في رواية ) ‌أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ( يعتبر

__________________

(١) متباعدا عنه ظ.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ٢.

٢٩٨

بالصوت من جوانبه الأربعة ) وهي « في رجل وجي‌ء في أذنه فادعى أن إحدى أذنيه نقص من سمعها شيئا فقال تسد التي ضربت سدا شديدا ويفتح الصحيحة ويضرب بها بالجرس حيال وجهه ويقال له : اسمع فإذا خفي عليه الصوت علم مكانه ثم يضرب له من خلفه ويقال له : اسمع فإذا خفي عليه الصوت علم مكانه ثم يقاس ما بينهما فإن كانا سواء علم أنه صدق ، ثم يؤخذ به عن يمينه فيضرب به حتى يخفى عليه الصوت ثم يعلم مكانه ، ثم يؤخذ به عن يساره فيضرب به حتى يخفى عنه الصوت ثم يعلم مكانه ثم يقاس فإن كان سواء علم أنه صدق ، قال ثم يفتح أذنه المعتلة ويسد الأخرى جيدا ثم يضرب بالجرس من قدامه ثم يعلم حيث يخفى عليه الصوت يصنع به كما صنع به أول مرة بأذنه الصحيحة ثم يقاس فضل ما بين الصحيحة والمعتلة (١) بحساب ذلك ».

ولا ريب في أن ذلك أشد في الاستظهار لكنه غير لازم بعد فرض علم صدقه من أول مرة ، ومن هنا كان فتوى المصنف وغيره بما تسمعه أولى ( و ) لا ريب في ظهوره كالفتاوى في أنه ( يصدق مع التساوي ) في الاعتبار ( ويكذب مع الاختلاف ) ضرورة أنه فائدة ذلك كما هو واضح ، ويؤيده أيضا في‌ كتاب ظريف (٢) قوله ـ بعد ذكر المناسبة بين العينين ـ وإن أصاب سمعه شي‌ء فعلى نحو ذلك يضرب له شي‌ء كي يعلم منتهى سمعه ثم يقاس ذلك » ‌ونحوه فيما عرضه يونس (٣) على الرضا عليه‌السلام ، وغيرهما من الأخبار (٤) الظاهرة جميعها كالفتاوى في استحقاق ذلك بالاختبار المزبور من غير يمين.

لكن في كشف اللثام « ويضم إلى ذلك الاستظهار بالأيمان كما في النهاية ،

__________________

(١) فيعطى الأرش بحساب ذلك ، كذا في التهذيب ، وفي الفقيه هكذا : فيقوم من حساب ذلك.

(٢) التهذيب ج ١٠ ص ٢٩٨.

(٣) الكافي ج ٧ ص ٣٢٤.

(٤) راجع الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ديات المنافع.

٢٩٩

إذ ربما كانت إحدى الأذنين أضعف من الأخرى قبل هذه الجناية (١) » ولا ريب أنه أحوط مع بذله إياها وإلا ففي إلزامه بها لو امتنع من ذلك نظر ، والله العالم.

ولو كان يدعى النقصان من الأذنين معا اعتبرناه بالتجربة بأن يوقف بالقريب منه إنسان يصيح على غفلة منه فإن ظهر فيه تغير يعلم به سماعه ، أو قال قد سمعت تباعد عنه وصاح على غفلة إلى أن يصل إلى حد لا يظهر عليه تغير ، فإن قال مع ذلك لم أسمع حلف القسامة على قدر ما يدعيه من النقص وعلم على الموضع علامة ، ثم يزيد في البعد حتى ينتهي إلى آخر موضع من البعد يسمع فيه مثل ذلك من هو سميع لا آفة به في مثل سن المجني عليه ، فينظر كم بين المسافتين ويسقط الدية على المسافة الثانية فتوجب من الدية بقدر النقصان ويرشد إليه خبر القداح (٢) الذي تسمعه إن شاء الله تعالى في دعوى نقصان البصر ، وفي الاستظهار بالأيمان ما سمعته وتسمعه إن شاء الله في البصر. وكذا الكلام في الاعتبار بالصوت من جوانبه الأربعة الذي قد عرفت أنه أحوط وأولى كما يرشد إليه خبر أبي بصير (٣) السابق ، فإن تساوت الجوانب الأربع في انتهاء السمع أو الجانبان صدق وإلا كذب نحو ما سمعته في نقص سمع إحدى الأذنين.

( وفي ذهاب السمع بقطع الأذنين ديتان ) بلا خلاف ولا إشكال للأصل ، ولو ذهب السمع كله بقطع أحد الأذنين فدية ونصف للأصل المزبور أيضا ، ولو حكم أهل المعرفة ببقاء القوة السابقة إلا أنه قد وقع في الطريق ارتتاق حجبها عن السماع ، احتمل الدية لمساواة تعطيل المنفعة زوالها في المعنى ، بل لشمول الزوال له لغة ، واحتمل الحكومة لأصل البراءة وبقاء القوة وإن تعطلت فهو كشلل العضو.

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٣١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ٢.

٣٠٠