جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بقيت الحروف الشفوية والحلقية ، وربما دفع بأن بقائها مع ذهاب النطق إنما معناه بقاء إمكان تأديتها أو تأدية بعضها مع تعذر تأدية كلام مفهوم ، فذهاب النطق بمعنى ذهاب الكلام.

ومحصل الكلامين أنه لو جنى على لسانه فلم يكن له كلام مفهوم فالدية وإن أمكنه النطق ببعض الحروف بحيث لا يتألف كلام مفهوم. وإن نقص كلامه فلا يقدر على بعضه وزعت الدية على جميع الحروف. فلو قدر على كلام مفهوم مؤلف من الحلقية أو الشفوية أو منهما خاصة كان كالقادر على كلام مفهوم من اللينة ، لكن فيه لا اختصاص على هذا للشفوية والحلقية بالذكر فإنه ينبغي لزوم الدية وإن أمكنه تأدية بعض السينة أيضا لا بحيث يتألف كلام مفهوم ، وأيضا لا إشارة في شي‌ء من النصوص إلى اعتبار الكلام المفهوم بل ظاهرها أو صريحها خلافه ، وأن المدار على نفس الحروف ، فالمتجه جعل المدار على ذلك وأنه لا تجب الدية كاملة إلا مع ذهاب النطق بها من رأس.

بل الظاهر مراعاتها أيضا لو كان قبل الجناية لا ينطق ببعض الحروف فلما جنى عليه ذهب نطقه رأسا فتنقص الدية حينئذ بالحساب ، لظاهر النصوص المزبورة وإن استشكل فيه الفاضل في القواعد ، من ذلك ومن صدق ذهاب النطق بتمامه وهو منفعة كسائر المنافع ، ولأنه كضعف السمع والبصر واليد ونحوها ، وفيه وضوح الفرق ضرورة ورود النصوص هنا بالتوزيع على الحروف بخلافها ، على أنه يمكن منع صدق ذهاب النطق بالجناية مع فرض ذهاب بعضه سابقا ، وربما احتمل الفرق بين الذهاب بآفة سماوية وبين الذهاب بجناية جان فتجب الدية في الأول وتوزع في الثاني.

وفيه أنه خلاف ظاهر النصوص أيضا ، بل والفتاوى ، وفي الإرشاد ما يشهد بما ذكرنا في الجملة قال : « وفي النطق كمال الدية وإن بقي في اللسان فائدة الذوق ، ولو بقت الشفوية والحلقية يسقط من الدية بنسبتها وكذا لو بقي غيرها » (١) بل‌

__________________

(١) الإرشاد للعلامة ، باب ديات المنافع ، صفحتان قبل آخر الكتاب من نسخة مخطوطة عندنا.

٢٢١

في مجمع البرهان « إن دليل ذلك ظاهر لأنه ما أذهب إلا بعض النطق فلا يلزم إلا ما ذهب بجنايته » (١).

ومن ذلك كله يظهر لك النظر في ما في القواعد وكشف اللثام ، فلاحظ وتأمل.

( ولو قطع لسان الطفل كان فيه الدية لأن الأصل السلامة ) ولإطلاق ما دل على وجوبها باستيصاله ، ولفظ « الرجل » في بعض الأخبار مع عدم منافاته لغيره لا يراد منه إخراج غير البالغ قطعا ، ومن هنا لم أجد فيه خلافا بين من تعرض له كالشيخ وابني حمزة وإدريس والفاضلين وغيرهم على ما حكى عن بعضهم.

نعم عن الشيخ وابني حمزة وإدريس والفاضل في التحرير تقييد ذلك بما إذا كان يحرك لسانه لبكاء أو غيره لأنه أمارة صحة اللسان. وفيه أنه لا حاجة إلى الإمارة المزبورة بعد الأصل والإطلاق المزبورين ، ولذا قال في محكي التحرير : « ولو كان صغيرا جدا ولم يظهر عليه أثر القدرة ولا عدمها لطفوليته فالأقرب الدية لأن الأصل السلامة ، ويحتمل الثلث لأنه لسان لا كلام فيه فكان كالأخرس مع عدم تيقن السلامة » (٢) وفي كشف اللثام مع أصل البراءة.

وفيه أنه لا يعارض ما عرفت كما أن عدم الكلام فيه لا يقتضي اندراجه في عنوان الأخرس ، والقياس باطل عندنا.

ولو قطع بعضه فالظاهر اعتبار النسبة فيه كغيره وإن قلنا بالحكومة في لسان الكبير مع فرض عدم ذهاب شي‌ء من الحروف لما عرفته ، ومنه يعلم الفرق بين المقامين.

__________________

(١) شرح الإرشاد للأردبيلي ، وهذه عبارته : « ولزوم دية ما ذهب على الجاني ظاهر فإنه ما أذهب ... ».

(٢) التحرير ج ٢ ص ٢٦٩ ـ ٢٧٠.

٢٢٢

هذا كله في الطفل قبل بلوغه حد النطق ( أما لو بلغ حدا ينطق مثله ) عادة ( ولم ينطق ففيه ثلث الدية ) بلا خلاف أجده فيه ، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه ( لغلبة الظن ) واطمينان النفس الذي هو كالعلم ( بالآفة ) التي تلحقه بالأخرس ، مضافا إلى أصل البراءة ( و ) لكن ( لو ) اتفق تخلف ذلك فـ ( ـنطق بعد ذلك ) فيما بقي من لسانه أو بالحروف التي لا تحتاج إلى لسان ( تبينا الصحيحة ) حينئذ ( واعتبر بعد ذلك بالحروف ) لاندراجه في دليله السابق ( وألزم الجاني دية ما نقص عن الجميع ) منها ( فإن كان ) ديته ( بقدر ما أخذ ) منه قولا فذاك ( وإلا تمم له ) ولو نقص ديته عنه استعيد من المجني عليه الزائد منها على المأخوذ أولا ، والله العالم.

( ولو ادعى الصحيح ذهاب نطقه ) كلا أو بعضا ( عند الجناية صدق مع القسامة ) بالإشارة مع فرض دعوى ذهاب الكل وإن أنكر الجاني ، بلا خلاف أجده بين من تعرض له من الشيخ والفاضلين والشهيدين بل هو الموجود في كتاب ظريف (١) ولعله ( لتعذر البينة ) عليه وحصول اللوث بحصول الظن المستند إلى السبب ، وهو الجناية بصدقه ، لكن إن ادعى الكل حلف خمسين ، وإن ادعى النصف فنصفها وهكذا ، وعلى كل حال فلا شي‌ء منها على قومه بعد فرض تعذر اطلاعهم على ذلك ، وربما احتمل الإمهال والتأجيل وامتحانه وترصده وإغفاله إلى سنة ، وفيه تأخير الحق عن صاحبه الطالب له بلا دليل إلا القياس على ما تسمعه في السمع والبصر ( و ) هو باطل عندنا.

نعم ( في رواية ) ‌الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام التي رواها المحمدون الثلاثة (٢) ( يضرب لسانه بإبرة فإن خرج الدم أسود صدق وإن خرج أحمر كذب ) ‌إلا أنها ضعيفة جدا لأن في سندها محمد بن فرات ، وهو‌

__________________

(١) راجع الفقيه ج ٤ ص ٧٨ ـ ٧٩.

(٢) التهذيب ج ١٠ ص ٢٦٨ والفقه ج ٣ ص ١٩ ـ ٢٠ والكافي ج ٧ ص ٣٢٣.

٢٢٣

غال لا يكتب حديثه ، بل نقل أنه ادعى النبوة (١) ، لكن مع رواية المحمدين الثلاثة لها قد حكى العمل بها عن الشيخ في الخلاف وابن حمزة وأبي الصلاح ، بل عن الأول منهم نسبته إلى رواية أصحابنا ، بل دعوى إجماع الفرقة وأخبارهم عليه ، فيمكن أن يكون ذلك جابرا لها ، ولعله لذا قال في محكي المختلف : « الوجه أن تقول إن أفادت العلامة للحاكم ما يوجب الحكم اعتبرها وإلا فالإيمان » (٢) وعلى كل حال فالاحتياط مع إمكانه لا ينبغي أن يترك ، والله العالم.

( ولو جنى على لسانه ) بغير قطع كما عن التحرير ( فذهب كلامه ثم عاد هل تستعاد الدية قال : في المبسوط : « نعم لأنه ) لما نطق بعد أن لم ينطق علمنا أن كلامه ما كان ذهب إذ ( لو ) كان ( ذهب لما عاد ) لأن انقطاعه بالشلل ، والشلل لا يزول ، قال : ولا كذلك إذا نبت لسانه لأنا نعلم أنه هبة مجددة من الله تعالى ، فلهذا لم يرد الدية » (٣).

وعن الفاضل في المختلف أنه قربه ، ( وقال في الخلاف « لا ) تستعاد لأن الأخذ كان بحق والاستعادة تفتقر إلى دليل » (٤) ( وهو أشبه ) عند المصنف ، وعن التحرير أنه استحسنه ، لكن فيه أن المنساق من النصوص كون الدية على الذاهب دائما دون الذاهب مدة كما هو الفرض ، ودعوى أن العائد هبة جديدة لا شاهد لها خصوصا بعد حكم أهل الخبرة بعوده أو عدم علمهم بالحال ، بل لو حكموا بعدم عوده فعاد ، تبين الخطأ في حكمهم لا أنه تبين بذلك كونه‌

__________________

(١) راجع قاموس الرجال ج ٨ ص ٣٣٤ فان فيه احتمال تعدد محمد بن الفرات وكون المذموم المتأخر ، لا المتقدم وهو راوي هذا الخبر.

(٢) المختلف ، الجزء السابع ص ٢٦٦.

(٣) المبسوط ج ٧ ص ١٣٦.

(٤) الخلاف ج ٢ ص ٣٨٤.

٢٢٤

هبة جديدة ، ظهور النطق ثانيا بالعود كما سمعته من الشيخ (١) ، بل قد عرفت في كتاب القصاص ما يقتضي سقوط الدية في السن حتى لو كان العود على خلاف العادة فلاحظ وتأمل فإن له نفعا في المقام.

هذا وفي القواعد ولو ذهب الكلام بقطع البعض ثم عاد ، قيل : يستعاد لأنه لو ذهب لما عاد وقيل لا والأقرب الاستعادة إن علم أن الذهاب أولا ليس بدائم وإلا فلا وهو صريح في فرض المسألة في قطع البعض وهو خلاف ما سمعته من المبسوط ومحكي التحرير ، اللهم إلا أن يقال إن عود الكلام مع قطع البعض بدون نبات للبعض المقطوع كعوده من دون قطع أصلا.

وفي كشف اللثام بعد أن حكى عن المبسوط تعليل الاستعادة بما سمعت قال : « وهو إن تم في الجناية بغير القطع كما هو نص المبسوط والتحرير يستعاد (٢) جميع ما أخذ وعلى فرض الكتاب إنما يستعاد ما زاد على أرش القطع من دية الكلام كما نص عليه في المختلف » (٣) وفيه أن المتجه ذلك أيضا في صورة عدم القطع لثبوت الأرش فيهما للجناية التي أورثت عدم الكلام مدة وإن لم يكن معها قطع ، فيرد من الدية حينئذ ما زاد على ذلك وإن لم يكن قطع.

وأما سمعته من خيرة الفاضل التي مرجعها إلى أنه إن علم بحكم أهل الخبرة عدم الذهاب الدائم استعيد ما زاد من الدية على الأرش لأن الدية على الذهاب الدائم والفرض عدمه ، وإن لم يعلم أو علم الدوام عادة بحكمهم لم يستعد بشي‌ء منها لكون الأخذ بحق ولم يظهر قاطع ولاستعادة هبة مجددة‌

__________________

(١) هذه الجملة : « ظهور النطق ثانيا بالعود كما سمعته من الشيخ » ناقصة ظاهرا وكذا كانت في ثلاث نسخ راجعناها.

(٢) في الأصل « ليستعاد ».

(٣) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢٢.

٢٢٥

قطعا أو احتمالا (١) ، ووافقه عليه في كشف اللثام لما عرفت ثم قال : « ويرشد إلى هذا التفصيل ما سيأتي في ذهاب السمع والبصر من التأجيل سنة وأنه إن أبصر بعدها كان نعمة متجددة » (٢) فقد يشكل بعدم أثر لحكم أهل الخبرة بعد أن وجد العود ، ضرورة ظهور خطائهم في الحكم المزبور ، على أن مبني الاستعادة في الأول كون الدية على الذهاب الدائم كما اعترف به في كشف اللثام ، فلا وجه لعدم الاستعادة مع العود ، وخصوصا في صورة الشك وخصوصا مع عدم عادة مستقرة معلومة في نحو ذلك.

وأما ما ذكره في الكشف من التفصيل في السمع والبصر فإنما هو في خبر سليمان (٣) في البصر وقد قيل : إنه لا عامل به ، وبذلك يتضح لك أن القول باستعادة ما زاد عن الأرش من الدية أقوى من غير فرق بين صورتي قطع البعض وعدمه لما سمعته من انسياق ثبوتها بالذهاب الدائم من النصوص.

نعم لو علم تجدد ذلك هبة من الله بأن نبت اللسان المقطوع كلا أو بعضا فقد قطع هنا غير واحد بعدم الاستعادة فإن تم إجماعا وإلا كان فيه نظر يعلم مما ذكرنا في القصاص ، والله العالم.

هذا كله في الكلام الذي قد عرفت عدم عادة معلومة فيه ( أما لو قلع سن المثغر فأخذ ديتها وعادت ) فقد وقع المصنف وغيره بأنه ( لم تستعد ديتها لأن الثانية غير الأولى ) قطعا والفرض تحقق عادة عدم عود فيه ، فيعلم من‌

__________________

(١) العبارة هكذا في ثلاث نسخ راجعناها ولكنها ناقصة على الظاهر ، ونحن ننقل عبارة كشف اللثام حتى يتضح المراد : « والأقرب الاستعادة ان علم أن الذهاب أولا ليس بدائم عادة بحكم أهل الخبرة ـ الى ان قال ـ والا يعلم ذلك بل عدم الدوام عادة أو شك فيه فلا استعادة فإنه هبة مجددة قطعا أو احتمالا وقد أخذ ما أخذ بحق ولم يظهر قاطع بالاستعادة ... » كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢٢.

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات المنافع الحديث ٥.

٢٢٦

ذلك أن العائدة هبة من الله جديدة ( وكذا لو اتفق أنه قطع لسانه فأنبته الله تعالى لأن العادة لم تقض بعوده فيكون هبة ) من الله تعالى شأنه لكن قد عرفت في كتاب القصاص منافاة ذلك لما ذكروه في سن المثغر إذا عادت كما كانت من عدم القصاص والدية ، وقد قدمنا هناك تحقيق الحال فلاحظ وتأمل.

( ولو كان للسان طرفان فأذهب ) الجاني ( أحدهما اعتبر بالحروف فإن نطق بالجميع فلا دية وفيه الأرش لأنه ) حينئذ ( زيادة ) أو كالزيادة باعتبار ما سمعته سابقا من كون المدار على الحروف كما صرح بذلك الفاضل وغيره هنا لكن في المبسوط « إذا خلق للسان طرفان فإن قطع أحدهما فإن ذهب كل الكلام ففيه كمال الدية وإن ذهب نصف الكلام ففيه نصف الدية لأن الظاهر أن هذا هو اللسان فإن قطع أحدهما فلم يذهب من الكلام شي‌ء نظرت فإن كان مخرج الطرفين لا يرجح أحدهما على الآخر أوجبنا فيه ما يخصه من الدية من كل اللسان لأن الكل لسان واحد ، غير أنه مشقوق وإن كان مخرجهما مختلفا كأن أحد الطرفين كان في جانب ، ففيه حكومة كالإصبع الواحدة إلا أنه لا يبلغ بهذه الحكومة بقدر قياس اللسان لأنها زيادة فلا يوجب فيها ما يوجب في الأصل فإن كان قطع الطرفين معا فذهب الكلام فإن كان الطرفان سواء فلا كلام وإن كان أحدهما في حكم الزائد وجبت الحكومة والدية معا كما لو قطع إصبعا عليها إصبع زائدة » (١).

ولا عليك ما فيه بعد أن عرفت سابقا أن المدار في جناية اللسان على الحروف فمع فرض عدم ذهاب شي‌ء منها فليس إلا الحكومة وإن تساوى مخرج الطرفين ، والله العالم.

ولو تعذر بعض الحروف بقطع بعض اللسان أو جناية غير القطع ولم يتعذر الباقي لكن لم يبق له كلام مفهوم لبقاء حرف أو حرفين خاصة مثلا لم يلزم الجاني إلا قدر ما يخص الحروف الفائتة لا تمام الدية كما صرح به الفاضل وغيره‌

__________________

(١) المبسوط ج ٧ ص ١٣٦.

٢٢٧

بل هو المحكي عن المبسوط أيضا للأصل ولما عرفته سابقا من أن الدية مبسوطة عليها ، والفرض فوات البعض خاصة وإن كان قد تعطلت منفعة الثاني إلا أنه غير ثابت.

قال الشيخ : « ألا ترى أنه لو قصم ظهره فشلت رجلاه فعليه ديتان دية في الظهر ودية في الرجلين وعندنا ثلثاها ، ولو ذهب مشيه مع سلامة الرجلين لم يكن عليه إلا دية الظهر وحده » (١).

ولو صار يبدل حرفا بحرف لزمه ما يخص الحرف الفائت من الدية لأن الواجب دية الفائت والحرف الذي صار عوضه كان موجودا ، ولو أذهب آخر الحرف الذي صار بدله لم يلزمه إلا ما يخص الحرف الواحد البدل ، لكونه أصليا ولا يثبت له بسبب قيامه مقام غيره زيادة ، ولو كان الحرف البدل غير الحروف الثمانية والعشرين أو التسعة والعشرين لم يخصه بشي‌ء من الدية ففي تفويته الحكومة.

ولو كان في لسانه خلل وما كان يمكنه النطق بجميع الحروف أو بعضها فصيحا إلا أنه كان له مع ذلك كلام مفهوم ونطق بالحروف كلها من غير إبدال ، فضرب لسانه فذهب نطقه فعليه دية كاملة لا حكومة ، ضرورة كونه كالجناية على العين العمشاء. نعم قد يقال باستثناء الحكومة إن كان ذلك قد حدث بجناية جان استحقها به بخلاف ما إذا كان لخلقة أو آفة سماوية ، بل في محكي التحرير « ولو حصل في كلامه تمتمة أو فأفأة أو سرعة فعليه حكومة فإن جنى عليه آخر فأذهب كلامه فعليه الدية كمن جنى على عين فعمشت ثم جنى آخر فذهب ضوئها » (٢) وظاهره استثناء الحكومة فتأمل.

ولو كان الخلل بإسقاط بعض الحروف أو إبداله فجنى عليه فذهب كلامه رأسا فعليه ما يوازي الحروف التي كان ينطق بها إلا أن يكون الخلل مرجو‌

__________________

(١) المبسوط ج ٧ ص ١٣٤.

(٢) التحرير ج ٢ ص ٢٧٠.

٢٢٨

الزوال لصغر ونحوه ، فالدية كاملة ، ولذا لو كان ألثغ من غير جناية فذهب إنسان بكلامه أجمع فتقسط الدية على ما ذهب من الحروف مع اليأس عن زوال لثغته وإلا كالصبي ونحوه كان في الدية كاملة.

ولو ضرب شفته فأزال الحروف الشفوية أو ضرب رقبته فأزال الحروف الحلقية ففي القواعد الحكومة ، ولعله لأن توزيع الدية على الحروف بعض الجناية على اللسان ، ولكن فيه منع خصوصا بعد إطلاقه كغيره وفي غير المقام أن في بعض الكلام بعض الدية.

ولذا قال في كشف اللثام : « والوجه ما في التحرير من أن فيه من الدية بقدر ذلك فإن الأخبار إنما نطقت بالضرب أو الضرب على الرأس لا الجناية على اللسان » (١) بل قد يحتمل إرادته الحكومة في الضربين زيادة على ما بإزاء الفائت من الحروف من الدية فلا يكون مخالفا.

( السابع الأسنان )

بفتح الهمزة ( وفي ) إذهاب ( ها ) أجمع ( الدية كاملة ) بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في كشف اللثام ومحكي الخلاف والغنية ، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه ، بل هو صريح محكي التحرير ، مضافا إلى ما سمعته من النصوص بل ، في المسالك لا خلاف في ثبوت الدية بجملة الأسنان سواء زادت أو نقصت ، وإن كان فيه أنه مناف لما في المتن ( و ) غيره من أنها ( تقسم على ثمانية وعشرين سنا ) بل عن الخلاف أن عليه إجماع الفرقة وأخبارها ، ولعله كذلك فإني لم أجد فيه خلافا بين من تعرض لذلك من الصدوق والشيخين والديلمي‌

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢٣.

٢٢٩

وابني زهرة وإدريس وغيرهم من المتأخرين.

بل في المسالك أنه المعروف من مذهب الأصحاب ، فما عساه يشعر به نسبته إلى المشهور في بعض كتب متأخري المتأخرين في غير محله ، كما أن ما في المسالك من التأمل فيه كذلك أيضا ، فإنه بعد أن نسبه إلى المعروف من مذهب الأصحاب قال : « وبه رواية ضعيفة لكنها مشهورة مجبورة بذلك على قاعدتهم مع أنهم‌ رووا في الصحيح (١) عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : الأسنان كلها سواء في كل سن خمسمائة درهم ».

وفي كتاب ظريف بن ناصح (٢) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « قال : وجعل الأسنان سواء ».

ورواه العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه كتبه لعمرو بن حزم (٣) « وفي السن خمس من الإبل ».

وروى أصحابنا مثل ذلك ، وعلى التقسيم المشهور بين الأصحاب فما زاد على الثمانية والعشرين يجعل بمنزلة السن الزائدة ، فيها ثلث الدية الأصلية بحسب محلها ، لكن ذلك مع تميزها عن الأصلية ، أما مع اشتباهها بها كما هو الغالب من بلوغ الأسنان اثنين وثلاثين من غير أن يتميز بعضها عن بعض أشكل الحكم » (٤).

وفيه ما عرفت من كون التقسيم المزبور مجمعا عليه بيننا ، نعم خالف الشافعي فقسمها إلى اثنين وثلاثين سنا وهي أضراس العقل المسماة بالنواجد وهو محجوج بما عرفت من الإجماع بقسميه على قسمتها ثمانية وعشرين سنا ( اثنا

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ١.

(٣) نيل الأوطار للشوكانى ج ٧ ص ٢١٢ ـ ٢١٣ نقلا عن النسائي والبيهقي وغيرهما.

(٤) الى هنا كلام المسالك ج ٢ ص ٥٠٢.

٢٣٠

عشر في مقدم الفم وهي ثنيتان ) من فوق وهما وسطها ( ورباعيتان ) خلفهما ( ونابان ) خلفهما ( ومثلها من أسفل ، وستة عشر في مؤخر وهي ضاحك وثلاثة أضراس من كل جانب ومثلها من أسفل ) فتكون اثني عشر رحى وأربع ضواحك.

( ففي المقاديم ستمأة دينار حصة كل سن خمسون دينارا وفي المآخير أربعمائة دينار حصة كل ضرس خمسة وعشرون دينار ) وذلك تمام الدية.

وهو مضمون الخبر الذي رواه‌ الشيخ والصدوق عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن زياد بن سوقة ، عن الحكم بن عتيبة (١) « قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلحك الله إن بعض الناس له في فيه اثنان وثلاثون سنا وبعضهم له ثمانية وعشرون سنا اثنا عشر في مقاديم الفم وستة عشر في مآخيره فعلي هذا قسمت دية الأسنان فدية كل سن في المقاديم إذا كسر حتى يذهب خمسمائة درهم ، وهي اثنا عشر سنا فديتها ستة آلاف درهم ، ودية كل سن من الأضراس إذا كسر حتى يذهب مأتان وخمسون درهما ، وهي ستة عشر ضرسا فديتها كلها أربعة آلاف درهم ، فجميع دية المقاديم والمآخير من الأسنان عشرة آلاف درهم ، وإنما وضعت الدية على هذا ، فما زاد على ثمانية وعشرين فلا دية له وما نقص فلا دية له هكذا وجدناه في كتاب علي عليه‌السلام » ‌وضعفه منجبر بما سمعت ومعتضد بما في‌ الفقيه (٢) « وقضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في الأسنان التي تقسم عليها الدية انها ثمانية وعشرون سنا ستة عشر في مآخير الفم واثنا عشر في مقاديمه فدية كل سن من المقاديم إذا كسر حتى يذهب خمسون دينارا فيكون ذلك ستمأة دينار‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢ ، نقلا عن الكافي ج ٧ ص ٣٢٩ والتهذيب ج ١٠ ص ٢٥٤ والفقيه ج ٤ ص ١٣٧ والمنقول هنا مطابق لما في الفقيه فراجع.

(٢) الفقيه ج ٤ ص ١٣٦.

٢٣١

ودية كل سن من المآخير إذا كسر حتى يذهب على النصف من دية المقاديم خمسة وعشرون دينارا فيكون ذلك أربعمائة دينارا فذلك ألف دينار فما نقص فلا دية له وما زاد فلا دية له » ‌بل استظهر الأردبيلي أن قوله : « وقضى » من تتمة ما رواه صحيحا سابقا عن‌ عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في أصابع الرجلين واليدين » (١) ‌، وعلى كل حال فهو مؤيد للخبر المزبور ، مضافا إلى ما في كشف اللثام عن‌ الرضا عليه‌السلام « وأضراس العقل لا دية فيها إنما هو على من أصابها الأرش كأرش الخدش » (٢).

وأما ما ذكره من الصحيح المزبور الدال على التسوية بين الأسنان كلها وأن دية كل سن خمسمائة درهم كغيره من النصوص أيضا ، ففيه أولا أن ذلك يزيد على الدية الكاملة ـ ولعله لذا حمله الشيخ على الثنايا والمقاديم التي هي أقرب إلى التلف بالجناية ـ ويمكن حمله على التقية لاتفاق العامة كما قيل على أن في كل سن خمسا من الإبل من غير فرق بين المقادم والمآخر ، والموجود في‌ كتاب ظريف (٣) « وجعل في الأسنان في كل سن خمسين دينارا وجعل الأسنان سواء وكان قبل ذلك يجعل في الثنية خمسين دينارا وفي ما سوى ذلك من الأسنان في الرباعية أربعين دينارا وفي الناب ثلاثين دينارا وفي الضرس خمسة وعشرون دينارا » ‌لكنه كما ترى لا يصلح معارضا لما عرفت ، وإن قال في الوافي (٤) : « إن المستفاد منه أن التسوية هي الصواب وإن التفاوت محمول على التقية » إذ هو أيضا كما ترى.

وأما القوى‌ « الأسنان واحد وثلاثون ثغرة وفي كل ثغرة ثلاثة أبعرة وخمس‌

__________________

(١) الفقيه ج ٤ ص ١٣٥.

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢٣ والفقه المنسوب الى الرضا عليه‌السلام ص ٤٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٤) الوافي الجزء التاسع ص ١٠٤.

٢٣٢

بعير » (١) ‌في حمله الشيخ على التقية لأنه موافق لمذهب بعض العامة ولسنا نعمل به.

( و ) كيف كان فـ ( ـتستوي ) السن ( البيضاء والسوداء خلقة ) نصا وفتوى بل ( وكذا الصفراء ) لذلك أيضا بل قال المصنف فيها ( وإن جني عليها ) وظاهره الفرق بينها وبين السوداء ، ونحوه ما في محكي التحرير « لا فرق بين البيضاء والسوداء والصفراء وإن كانت الصفرة بجناية بخلاف السوداء » ، بل والمبسوط فإنه على ما حكى في كشف اللثام قيد السوداء بالخلقة وقال : « في الصفراء وإن كانت الصفرة بجناية جان » ولعل الفرق بينهما ما ذكره في المبسوط أيضا « من أنه إذا ضرب سنه فصارت صفراء ففيها الحكومة قال : فإن قلعها قالع بعد هذا فعليه الدية لأنها سن بحالها وقد لحقها شين فهي كالإصبع إذا لحقها شين فقطعت فإن فيها ديتها أيضا » ، لكن ذلك كله كما ترى ضرورة أن جميع ما يجري في الصفرة يجري في السوداء. نعم يمكن الفرق بينهن بما تسمعه من النص والله العالم.

( وليس للزائدة إن فعلت منضمة إلى البواقي دية وفيها ثلث دية الأصلية إن قطعت منفردة ) أي التي يجنيها كما عن الوسيلة والتحرير التصريح به ، فإن كانت في المقاديم فثلث الخمسين وإن كانت في المآخير فثلث الخمسة وعشرين وإن كانت بينهما فالأقل كما في كشف اللثام للأصل ، وعلى كل حال فالقول المزبور هو المحكي عن الغنية والنهاية والسرائر والجامع.

( وقيل ) كما في المقنعة ونكت النهاية والغنية والكافي والإصباح وكشف اللثام والرياض على ما حكى عن بعضها ( فيها الحكومة والأول أظهر ) عند المصنف هنا وفي النافع ، بل في المسالك أنه أشهر ، بل في مجمع البرهان أنه المشهور ، بل عن ابن إدريس « أن هذا المذهب قوى وبه أخبار كثيرة معتمدة » ، بل قد ينزل عليه إطلاق الخلاف والوسيلة والمهذب « ان في الزائد ثلث دية‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٥ ، وهو قوي السكوني.

٢٣٣

الأصلية » مدعيا في الأول منها الإجماع عليه كما نزل إطلاق القول بالحكومة على التفصيل المزبور ، بناء على المفروغية من عدم ثبوت شي‌ء فيها لو تلفت منضمة ، وإن كان محل (١) نظر أو منع خصوصا بعد ما في المختلف « من أن إيجاب الأرش في الحالين لا بأس به » مضافا إلى ما سمعته عن الرضا عليه‌السلام (٢) مؤيدا ذلك بالاعتبار لأنه إيلام ونقص ، بل الظاهر أنه الأقوى ضرورة عدم ثبوت ما يدل بإطلاقه على ثبوت ثلث دية الأصلي في كل زائد ، نعم ورد في خصوص الإصبع ، والقياس باطل. اللهم إلا أن يدعى ظهور ذلك من كونه قاعدة كما عساه يظهر من المسالك ومجمع البرهان ، لكنه محل للنظر خصوصا بعد ما في نكت النهاية للمصنف في الرد على ما سمعته عن ابن إدريس « لا ندري قوته من أين عرفها ولا الأخبار التي أشار إليها أين وجدها ولا الكثرة من أين حصلها ونحن مطالبوه بدعواه » (٣) وهو كذلك بل هو قول نادر قبل ابن إدريس فإنه لم يحك عن أحد ممن تقدمه غير الفقيه والنهاية إلا على التنزيل المزبور فيزيد الخلاف والمهذب والوسيلة ، بل يكون حينئذ إجماع الخلاف حجة له إلا أن ذلك جميعه كما ترى شك في شك ، بل لا وثوق بالإجماع المزبور على وجه يصلح دليلا.

كما أنه لا دليل يعتد به على التفصيل المزبور بعدم ثبوت إطلاق أن في الأسنان الدية ، وعلى فرضه فالمنساق منه الأصلية ، فالمتجه حينئذ الحكومة مطلقا ، ولا ينافيه قوله في خبر الحكم (٤) السابق : فما زاد على ثمانية وعشرين فلا دية له » بعد ظهوره في إرادة نفي الدية المقدرة لا الأرش ، ولعله على ذلك يحمل ما عن المقنع (٥) من إطلاق « لا شي‌ء فيه » نعم لعله مناف للقول بثبوت ثلث‌

__________________

(١) زدنا كلمة « محل » لتتميم العبارة وليست في النسخ التي راجعناها.

(٢) الفقه المنسوب الى الرضا ص ٤٣.

(٣) نكت النهاية ، كتاب الديات ، أربع صفحات قبل تمام الكتاب.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢.

(٥) المقنع ص ١٩٠.

٢٣٤

دية الأصلية فيه ، ضرورة تحقق الدية المقدرة له على الفرض المزبور ، وإن كان يمكن القول بإرادة دية مشخصة مقدرة لا نحو ذلك.

فتلخص مما ذكرنا أن الأقوال في المسألة : التفصيل ، والثلث مطلقا ، والحكومة كذلك ، أو مع الانفراد ، وعدم شي‌ء مطلقا كما سمعته عن المقنع ، والأقوى منها الحكومة مطلقا لكن من المعلوم أن ذلك مع تميزها عن الأصلية كالنواجد والخارج عن سمت الأسنان داخل أو خارج ، أما مع الاشتباه فالمتجه.

الاقتصار على المتيقن ونفي الزائد بالأصل ، بل الظاهر أن ذلك حتى مع الاشتباه لموت المقلوع منه مثلا بعد العلم بأن في أسنانه زائدة وأصلية أما إذا لم يعلم فقد يقال : إن الأصل عدم الزيادة واستواء الخلقة وغير ذلك فتجري على المقلوعة حكم الأصلية على حسب غيرها من الأعضاء ، اللهم إلا أن يفرق بكون المعتاد والغالب زيادة الأسنان على الثمانية والعشرين فتأمل ، والله العالم.

هذا كله فيما لو زادت على الثمانية والعشرين أما لو نقصت خلقة أو بجناية جان أو بسقوط ، نقص من الدية بإزائه بلا خلاف أجده فيه ولا ينافيه ما في الحكم السابق (١) من عدم الدية لو نقصت المراد به عدم كما لها في الناقص ، ومن ذلك يعلم ما في نفي الخلاف في المسالك عن ثبوتها كاملة فيها ، ضرورة اقتضائه كمال الدية للثابت له سن واحد وهو معلوم الفساد ، اللهم إلا أن يريد زادت على المعتاد من كونها ثلاثين أو اثنين وثلاثين ونقصت عن ذلك ، لا أن المراد نقصانها عن الثمانية والعشرين.

( ولو اسودت بالجناية ولم تسقط فثلثاه ديتها ) بلا خلاف محقق أجده ، كما اعترف به في الرياض ، بل ربما ظهر من الغنية الإجماع عليه ، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب.

__________________

(١) مر آنفا.

٢٣٥

وفي المبسوط نسبته إلى رواية أصحابنا ، بل عن الخلاف عليه إجماع الفرقة وأخبارها ، ولعل منها‌ صحيح ابن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام « السن إذا ضربت انتظر بها سنة فإن وقعت اغرم الضارب خمسمائة درهم ، وإن لم تقع واسودت أغرم ثلثي ديتها » ‌مؤيدا بأنه في حكم الشلل الذي فيه ذلك ، ولفحوى‌ ما سمعته (٢) « من أن فيها الثلث إذا قلعت سوداء » ‌لكن في‌ مرسل أبان (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا اسودت الثنية جعل فيها الدية » ‌وربما حمل على دية الاسوداد.

وفي كتاب ظريف (٤) « فإذا اسودت السن إلى الحول ولم تسقط فديتها دية الساقطة خمسون دينارا ».

وفي كشف اللثام « ونحوه عن الرضا عليه‌السلام » (٥) إلا أنه شاذ ضعيف لا عامل به ، وكذا ما في‌ بعض الأخبار (٦) « إذا تغير السن إلى السواد ديته ستة دنانير ، وإذا تغيرت إلى الحمرة فثلاثة دنانير ، وإذا تغيرت إلى الخضرة فدينار ونصف ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٤.

(٢) كخبر العزرمي ، راجع الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٣. وفيه كذا : « جعل فيها [ ثلث ] الدية » ولكن في الكافي والتهذيب والاستبصار : « جعل فيها الدية » نعم قال في الاستبصار : « فالوجه في هذه الرواية أن نحملها على التفصيل الذي ذكرناه في الرواية الاولى من إيجاب ثلثي الدية فيها دون الدية الكاملة ».

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٥) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢٤ ـ الفقه المنسوب الى الرضا عليه‌السلام ص ٤٣.

(٦) راجع الفقه المنسوب الى الرضا عليه‌السلام ص ٤٣ وكشف اللثام ج ٢ ص ٣٢٤ ومفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٤١٧.

٢٣٦

نعم في المبسوط : « إذا ضرب سن الرجل فلم يتغير إلا لونها فإن كان التغيير سوادا مع بقاء منافعها وقوتها ففيها حكومة وقد روى أصحابنا فيها مقدرا ذكرناه في النهاية يعني ثلثي ديتها ، فإن كان خضرة دون السواد ففيها حكومة ، وإن صارت صفراء ففيها حكومة دون الخضرة ، لأن السن يصفر من دون علة فإن قلعها قالع بعد هذا فعليه الدية ، لأنها سن بحالها وإنما لحقها شين فهي كالإصبع إذا لحقها شين فقطعت فإن فيها ديتها ، فإن ذهب مع هذا التغيير بعض منافعها كان ضعفت عن القوة التي كانت عليها في عض المأكول ونحو ذلك ففيها حكومة لأجل الشين والضعف معا ، فإن ذهب مع هذا التغيير كل منافعها حتى لا تقوى على أن يمضغ (١) بها شيئا فهذه بمنزلة اليد الشلاء فعليه ثلثا الدية لأن كل ما كان في إتلافه الدية كان في الشلل منه ثلثا الدية ، فإن قلعها قالع بعد ذلك فعليه » (٢).

وفي كشف اللثام « فكأنه عند بقاء المنافع شبه متردد في ثلثي ديتها والحكومة » (٣) قلت لعل ظاهره الحكومة مع بقاء المنافع ، وإن نسب (٤) الثلثين إلى الرواية. نعم هو جازم بالثلثين مع ذهاب المنافع مدرجا له بالشلل ، وقد عرفت أن ظاهر الأصحاب بل والنص على عدم الفرق ، كما أن ظاهرهم اختصاص التقدير المزبور بالسواد دون غيره من الألوان التي فيها الحكومة سواء بقيت منافعها أو ذهبت كلا أو بعضا لعدم اندراج مثله في مسمى الشلل‌

__________________

(١) في المبسوط : « يعض ».

(٢) المبسوط ج ٧ ص ١٤١ ـ ١٤٢ وفيه هكذا : فهذه بمنزلة اليد الشلاء فعليه الدية لأن كل ما كان في إتلافه الدية كان في الشلل منه الدية » وفيه سقط كما لا يخفى فراجع.

(٣) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢٤.

(٤) في الأصل : « نسبته ».

٢٣٧

فتأمل جيدا.

( و ) مما ذكرنا يظهر لك الوجه فيما ذكره المصنف وغيره من أن ( فيها بعد الاسوداد الثلث على الأشهر ) بل عن الخلاف وظاهر الغنية الإجماع عليه ، مضافا إلى‌ قول أبي جعفر في خبر العزرمي (١) المنجبر بما عرفت : « إن في السن السوداء ثلث ديتها » ‌بل وإلى‌ خبر الحكم (٢) « وكل ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح » ‌بناء على أنه شلل ، أو حيث يتحقق فيه الشلل ، كما سمعته من المبسوط.

خلافا لما عن النهاية والقاضي ويحيى بن سعيد ، فربع ديتها ، لخبر عجلان (٣) عن الصادق عليه‌السلام القاصر عن مقاومة ما عرفت بعد ضعفه وندرة القائل به واقتضائه نقصان ديتها عن دية إتلافها بالجناية بادئ بدئ دفعة المستلزم لكونها دية جناية واحدة في محل واحد أزيد من دية جنايتين ، ولا ريب في بعده.

اللهم إلا أن يقال : إن النقص عن ذلك إنما حصل بذهابها في وقتين ولعله لبقاء الانتفاع بها بعد الجناية الأولى مع أنه لا يتم في صورة قصر الزمان على وجه لم ينتفع بها أصلا.

وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه كدعوى الحكومة التي سمعتها من المبسوط ، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة ما عرفت من إطلاق النص ومعقد الإجماع والفتاوى ، وإن مال إليه بعض الناس للاختلال في الطريقة ، وربما أيد بأن الثلثين فيه للشلل وهو لا يكون إلا مع ذهاب المنافع ، وفيه أن ذلك وإن علل به بعض الناس لكنه لا يصلح مقيدا لما عرفت ، فلا ريب في ضعف القول بالحكومة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٣.

٢٣٨

وكذا في كتاب ظريف على ما‌ في الكافي (١) والتهذيب « فإن سقطت بعد وهي سوداء فديتها اثنا عشر دينارا ونصف » وعلى ما في الفقيه (٢) « فان سقطت بعد وهي سوداء فديتها خمسة وعشرون دينارا فإن انصدعت وهي سوداء فديتها اثنا عشر دينارا ونصف » ‌لم نجد عاملا بشي‌ء منهما.

( وفي انصداعها ولم تسقط ثلثا ديتها ) كما قطع به الشيخان وابن حمزة والفاضل ، بل في الروضة وغيرها نسبته إلى المشهور ولعله لأولويته من الاسواد وكونه شللا أو بحكمه ، بل ذكره في المقنعة والنهاية والوسيلة كالظاهر في وجود رواية به خصوصا بعد استقراء أحوالها في ذلك بل في المتن ( وفي الرواية ضعف ) وهو صريح في عثوره عليها لكن قد اعترف غير واحد ممن تأخر عنه بعدم العثور عليها ، بل توقف بعد الناس في العمل بها لذلك ولعدم تحقق شهرة جابرة وإن حكيت ، ومع تسليمها فإنما هي تجبر الخبر بعد وضوح دلالة وهو غير معلوم بعد عدم ظهور متن الرواية.

( و ) من ذلك ونحوه قال المصنف ( الأشبه الحكومة ) (٣) أي أشبه بأصول المذهب بعد عدم ثبوت التقدير ، وتبعه بعض من تأخر عنه وإن كان قد يناقش بأن الأصح جبرها للسند وللدلالة على أنه لا يكفي (٤) في ثبوت وضوح متنها حكاية المحقق له وإن لم يعمل بها. لكن الإنصاف مع ذلك عدم ترك الاحتياط مع إمكانه.

وفي‌ كتاب ظريف (٥) « ان فيه نصف ديتها » ‌وفي كشف اللثام‌

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٣٣٣ ، والتهذيب ج ١٠ ص ٣٠٠.

(٢) الفقيه ج ٤ ص ٨٣.

(٣) كذا في الأصل ، ولكن في الشرائع هكذا : « الحكومة أشبه ».

(٤) كذا في ثلاث نسخ راجعناها ، ويحتمل زيادة كلمة « لا » كما لا يخفى.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

٢٣٩

« وروى نحوه عن الرضا عليه‌السلام » (١) إلا انا لم نجد عاملا به كما عن ابن فهد الاعتراف به.

( و ) كيف كان فثبوت ( الدية في ) السن ( المقلوعة مع سنخها وهو الثابت منها ) الذي هو أصلها ( في اللثة ) لا خلاف فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى إطلاق النص والفتوى ، ( ولو كسر ما برز عن اللثة ) خاصة ( ففي ) ثبوت الدية لـ ( ـه ) تردد من صدق السن لغة وعرفا وعن المبسوط « السن ما شاهدته زائدا على اللثة والسنخ أصلها المدفون في اللثة » (٢) وقال أهل اللغة : « السنخ أصل السن » ومن أصل البراءة واتحاد العضو وشمول اللفظ للكل ولذا يقال قلع سنه وانكشفت اللثة عن سنه ونحو ذلك.

( و ) لكن ( الأقرب أن فيه دية السن ) وفاقا للشيخ والحلي والفاضل والشهيدين وغيرهم على ما حكى عن بعضهم ، بل عن مجمع البرهان نسبته إلى ظاهر الأكثر لأنه المنساق من النص والفتوى ، بل لا يمكن فيه معرفة المساحة كي تكون الدية بقدرها.

( و ) حينئذ فل ( وكسر ) شخص ( الظاهر عن اللثة ثم قلع الآخر السنخ فعلى الأول دية ) للسن المكسور ( وعلى الثاني حكومة ) للسنخ الذي لا مقدر له بخصوصه ، وعلى الاحتمال المزبور تكون الدية على الجانبين (٣) بنسبة المساحة ، إلا أن الأصح الأول ، بل وكذا لو كان الجاني شخصا واحدا دفعتين. نعم الظاهر الدية خاصة في الجناية المتحدة التي انقلع بها السن مع سنخها كما عرفت ، والله العالم.

( وينتظر بسن الصغير ) لو قلع أو كسر ( فإن نبت لزم الأرش وإن

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٢٤ والفقه المنسوب الى الرضا عليه‌السلام.

(٢) المبسوط ج ٧ ص ١٣٦.

(٣) في الأصل : « على الجانبين ».

٢٤٠