جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

إلى ما تقتضيه الأصول وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله ( ويمكن أن يقال على الأول الدية للثاني لاستقلاله بإتلافه وعلى الثاني دية الثالث ) لذلك أيضا ( وعلى الثالث دية الرابع لهذا المعنى ) أيضا وهو كذلك مع فرض كون الوقوع على الوجه المزبور ولم نقل بمشاركة الجاذب للممسك ( وإن قلنا بالتشريك بين مباشر الإمساك والمشارك في الجذب ) لأن لكل فعلا ( كان على الأول ) تمام ( دية ) الثاني لاستقلاله بإتلافه ( ونصف ) دية الثالث الذي اشترك فيه هو مع الأول ( وثلث ) دية الرابع ( و ) كان ( على الثالث ثلث دية ) الرابع ( لا غير ) لأنه اشترك فيه هو مع الأولين.

إلا أنه واضح الضعف ضرورة قوة تأثير الممسك على وجه لا يشاركه الجاذب ، ضرورة كونه كالمباشر والسبب بعد عدم الإلجاء له في الإمساك على وجه يكون متولدا من فعله ، وإلا لكان الضمان عليه خاصة ، فتعين العمل بالوجه الأول مع فرض طرح الخبر المزبور ، لكن قد عرفت عدم داع إلى طرحه بعد صحة سنده واعتراف غير واحد بعمل الأصحاب به ، فليس إلا المخالفة للأصول التي لا تقتضي الطرح كما في نظائر ذلك ، والله العالم.

( ولو جذب إنسان غيره إلى بئر فوقع المجذوب فمات الجاذب بوقوعه عليه ، فالجاذب هدر ) لاستناد موته إلى فعل نفسه ، ( ولو مات المجذوب ضمن الجاذب لاستقلاله بإتلافه ، ولو ماتا فالأول هدر وعليه دية الثاني في ماله ) بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك ، سواء كانت البئر محفورة عدوانا أو لا مع فرض تعمد الجاذب ذلك ، ضرورة تقديم المباشرة على السبب ، بل الواجب عليه القصاص حينئذ مع فرض بقاء الجاذب حيا إذا كان ذلك مما يقتل غالبا أو قصد به القتل ، ولو مات كان عليه الدية في ماله بناء على ثبوتها في مال الجاني بموته المتعذر معه القصاص.

( ولو جذب الثاني ثالثا فماتوا بوقوع كل منهم على صاحبه فالأول مات بفعله وفعل الثاني ) الذي هو جذبه الثالث ، وليس للحافر هنا فعل لأن‌

١٦١

الفرض تعمد الوقوع ، ( فيسقط نصف ديته ) بإزاء فعله ( ويضمن الثاني النصف ) بإزاء فعله ( والثاني مات بجذبه الثالث عليه وجذب الأول ) إياه ( فيضمن الأول نصف ديته و ) يسقط النصف الآخر بإزاء فعل نفسه ، إذ ( لا ضمان على الثالث ) الذي جذبه هو ( وللثالث الدية ) تامة لعدم هلاكه إلا بفعل غيره ، ولكن هل هي على الثاني ، كما في كشف اللثام وعن المفيد والقاضي والفخر والكركي ، أو على الأول والثاني كل منهما نصف ، كما عن ابن إدريس لأنهما جذباه ، بل قال : « هو الذي تطابق ما رواه أصحابنا » ـ يعني خبر الزبية المتقدم ـ ومبناهما على أنه إذا قوي السبب بان يكون ملجأ إلى المباشرة فهل يشترك مع المباشرة في الضمان أو الرجحان للمباشرة القوية ، ( فإن رجحنا المباشرة ) كما هو الأقوى ( فديته على الثاني ) لأنه المباشر للجذب ( وإن شركنا بين القابض ) وللجاذب الملجئ له إلى الجذب ( والجاذب ) المباشر ( فالدية على الأول والثاني نصفين ).

وهو المراد مما سمعته من تعليل ابن إدريس ، فإن قوة القابض على الجاذب وإلجائه إليه ينزله منزلة المباشر. لكنه كما ترى ، ضرورة عدم الإلجاء في شي‌ء من ذلك على وجه يكون من توليد فعل الأول فهو حينئذ مستقل في جذبه غير مضطر إليه فيختص بالدية.

نعم لو فرض إلجائه إلى ذلك على وجه يسند الفعل إلى الأول اتجه عدم غرامته حينئذ شيئا.

وبذلك اتضح لك عدم اشتراك السبب مع المباشرة في الضمان بحال ، بل الضمان بها خاصة إلا مع قوة السبب فيختص حينئذ بالضمان لا أنه يشترك معها كما لو اجتمع المباشران أو السببان.

( ولو جذب الثالث رابعا فمات بعض على بعض فللأول ثلثا الدية لأنه مات بجذبه الثاني عليه ) وهو فعله ( وبجذب الثاني الثالث عليه وبجذب الثالث

١٦٢

الرابع ، فيسقط ما قابل فعله ) وهو الثلث ( ويبقى الثلثان على الثاني والثالث ) نصفين ( ولا ضمان على الرابع ) الذي لم يفعل شيئا ، وحفر الحافر سبب لا يعتبر مع المباشرة القوية فلا ضمان عليه أيضا وكذلك جذب الأول سبب في جذب الثاني الثالث ، والثالث الرابع ، وكل من جذب الثاني الثالث والثالث الرابع مباشرة ، فلا يعتبر معها السبب بالنسبة إلى تلف الأول ، حتى يسقط لذلك من ديته شي‌ء سوى ما سقط لمباشرته جذب الثاني ، إلا أن يكون على الوجه الذي سمعته سابقا. فصار التلف حاصلا بفعل الأول نفسه وهو مباشرته جذب الثاني وبفعل الثاني والثالث فيسقط ما قابل فعله ويثبت له الثلثان كما هو واضح.

( وللثاني ثلثا الدية أيضا لأنه مات بجذب الأول وبجذبه الثالث عليه ، وهو فعل نفسه ، وبجذب الثالث الرابع عليه ، فيسقط ما قابل فعله ) وهو الثلث ، ( ويجب ) له ( الثلثان على الأول والثالث ) بالتنصيف.

( وللثالث ثلثا الدية أيضا لأنه مات بجذبه الرابع عليه وبجذب الثاني والأول له ) بناء على تشريك السبب مع المباشرة ، وإلا فله نصف الدية بجذبه الرابع وبجذب الثاني له كما عن المبسوط حكايته قولا ، بل هو الموافق لما أسلفناه ، بل ولا وجه لجزم المصنف والفاضل هنا بالتشريك واحتماله في الرابع كما اعترف به في كشف اللثام : قال : « وكما لم يظهر لي الفرق بين الثالث والرابع في أن ضمان الأول مبني على تشريك المسبب والمباشر ، لم يظهر لي الفرق بين نسبة السبب إلى تلف نفس المسبب ونسبته إلى الثالث أو الرابع حتى احتمل هنا الشركة مع المباشرة في الضمان ولم يحتمل هناك » (١) وأراد بنسبته السبب إلى تلف المسبب ما تقدم من أنه لا يعتبر السبب بالنسبة إلى تلف الأول حتى يسقط لذلك من ديته شي‌ء سوى ما سقط لمباشرته كما عرفت الكلام فيه سابقا ، هذا كله في الثالث.

( أما الرابع فليس عليه شي‌ء ) قطعا لعدم فعل منه ( وله الدية كاملة

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣١٠.

١٦٣

فإن رجحنا المباشرة فديته عليه ) أي المباشر وهو الثالث ( وإن شركنا ) المسبب والمباشر في الضمان ( كانت ديته أثلاثا بين الأول والثاني والثالث ، ) وقد عرفت أن المختار ، الأول ، وإن كان ظاهر المصنف والفاضل التوقف لكنه في غير محله هذا.

وعن المختلف والإرشاد احتمال أن يكون الأول هدرا وعليه دية الثاني وعلى الثاني دية الثالث وعلى الثالث دية الرابع ، وكأنه بناء على عدم اعتبار السبب والإلجاء ، فالأول إنما تلف بفعل نفسه الذي هو جذبه الثاني ، وأما جذب الثاني الثالث فقد ألجئ إليه ، وكذا الثالث في جذبه الرابع ، وعليه دية الثاني جميعها لأنه الذي باشر جذبه من غير إلجاء ، وأما جذب الثاني والثالث فإنما صدر عنهما عن إلجاء وعلى الثاني دية الثالث لأنه المباشر بجذبه ، وأما الأول فهو مسبب وأما جذب الثالث الرابع فعن إلجاء ، وكذا الباقي.

ولكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

ومنه يعلم أيضا عدم اعتبار صدمة البئر لأن الفرض كون الفعل مباشرة عمدا فلا أثر للسبب معه وإن كان عدوانا فما في المسالك ـ تبعا للقواعد من ذكره وجها « فتكون الأسباب حينئذ أربعة ويهدر ربع دية الأول لجذبه الثاني ويجب الربع على الحافر إن كان عاديا وإلا هدر أيضا والربع على الثاني بجذبه الثالث والربع على الثالث لجذبه الرابع ، وأما الثاني فلا أثر للحفر في حقه وقد مات بجذب الأول إياه وبجذبه الثالث هو فعل نفسه وبجذب الثالث الرابع ، فيهدر ثلث ديته ، ويجب ثلثها على الأول وثلثها على الثالث ، وأما الثالث فقد مات بجذب الثاني له وبجذبه الرابع ، فتهدر نصف ديته ، ويجب نصفها على الثاني » (١) ـ في غير محله لما عرفت ، وإلا لم يكن فيه مخالفة لما تقدم إلا في التالف الأول.

كالوجه الثالث الذي ذكره أيضا (٢) وهو وجوب الديات بحسب ما روى‌

__________________

(١) المسالك ج ٢ ص ٤٩٩.

(٢) المسالك ج ٢ ص ٤٩٩.

١٦٤

في واقعة الزبية ، ضرورة كون المفروض غيرها إذ لو قلنا بالتعدية فهي فيما كان مثل موردها لا مطلقا.

وكذا ما في القواعد « من احتمال هدرية الأول بتمامها لأنه جذب الثاني على نفسه وهو مباشرة وهو السبب أيضا في جذب الثاني الثالث والثالث الرابع فهما تولدا من مباشرته التي لا ضمان لها إلا على المباشر ، والحفر سبب لا ضمان فيه مع المباشرة فكأنه أتلف نفسه بجذبه الثاني وما تولد منه ، ودية الثاني نصفها هدر ونصفها على الأول ، لأنه مات بسبب جذبه الثالث على نفسه وجذب الثالث الرابع إنما تولد منه وبسبب جذب الأول له ، ودية الثالث كذلك لإنه مات بجذبه الرابع وجذب الثاني له ، ولا عبرة بتسبيب الأول ، ودية الرابع على الثالث لأنه إنما هلك بسبب فعله لأن من قبله سبب » (١).

إذ هو كما ترى لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما أسلفناه فيتعين حينئذ الأول في مفروض المسألة ، والله العالم.

ولو زلق إنسان على طرف البئر مثلا المحفورة عدوانا فتعلق بآخر لإرادة الاستمساك به وجذبه وتعلق الآخر بثالث كذلك ووقع بعضهم على بعض فماتوا فالأول مات بثلاثة أسباب ، صدمة البئر ، وثقل الثاني والثالث ، فيسقط ما قابل فعله وهو جذبه الثاني المقابل بثلث الدية ، ويبقى على الحافر ثلث ، وعلى الثاني ثلث ، لأنه جذب الثالث.

وفي المسالك « احتمال هدر صدمة البئر لأن الحفر سبب وجذبه للثاني مباشرة فصار كمن رمي نفسه في بئر محفورة عدوانا في عدم وجوب الضمان على الحافر ». وفيه أن ابتداء السقوط لم يكن بفعله إذ الفرض أنه زلق والجذب وجد بعد ذلك هذا كله في الأول.

أما الثاني فقد هلك بسببين أحدهما منه وهو جذبه الثالث والآخر جذب‌

__________________

(١) راجع مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٢٩.

١٦٥

الأول له فهدر نصف ديته المقابل بفعله ، ويبقى له النصف على الأول الذي جذبه ، ولا شي‌ء على الحافر لقوة المباشر على وجه صار الجاذب كالدافع.

وأما الثالث فيجب تمام ديته على الثاني أو عليه وعلى الأول على البحث السابق.

ولو فرض اتساع البئر فوقع كل واحد في زاوية لا بعضهم على بعض كانت دية الأول على الحافر إن كان عدوانا وهدر لا معه (١) إلا أن يدفعه غيره ، والثاني على الأول ، والثالث على الثاني إلا أن يشترك السبب مع المباشرة فتكون دية الثالث على الأولين.

ولو وقع إنسان في بئر ثم وقع الثاني عليه من غير جذب منه ثم مات الأول فالضمان على الثاني كما في القواعد ومحكي المبسوط والسرائر والجامع ، قصاصا إن أوقع نفسه عليه متعمدا فقتله لو كان مما يقتله غالبا أو دية إن كان شبيه عمد ، فإن كان خطأ محضا فعلي عاقلته. وإن دفعه غيره فعليه الضمان وأن الثاني (٢) هدر إن لم يوقعه غيره ولم تكن البئر حفرت عدوانا. ويحتمل أن لا يكون على الثاني إلا النصف لأن الوقوع في البئر سبب الهلاك فالتلف إنما حصل بسبب الفعلين فإن كان الحافر متعديا بالحفر ولم يتعمد الأول الوقوع ولا دفعه غيره ضمن الحافر النصف وان لم يكن متعديا سقط لكون الوقوع فعل نفسه. نعم لو فرض وقوعه فيه على وجه لا يقتل اختص الضمان بالثاني.

وإن مات الثاني فإن تعمد إلقاء نفسه أو لم يكن الحفر عدوانا فهو هدر ، وإن لم يتعمد إلقاء نفسه وكان حفر البئر عدوانا تعلق الضمان بالحافر.

وإن مات معا فالحكم في كل واحد على ما عرفت.

وإن وقع فوقهم ثالث فماتوا كلهم فإن كان الأول قد نزل إليها ولم يقع فيها على وجه يكون فعل نفسه مهلكا فديته على الثاني والثالث أو عاقلتهما‌

__________________

(١) في بعض النسخ هكذا : ان كان غير عدوان وهدر معه.

(٢) كذا في الأصل ولعل الصحيح « ودية الثاني ».

١٦٦

أو دافعهما نصفين ، تعدى الحافر بالحفر أولا ، لأنه إنما مات بوقوعهما عليه وإن كان قد وقع فيها فكان فعله مهلكا فعلي الأول الضمان عليهما أيضا أو على عاقلتهما أو دافعهما ، وعلى الاحتمال عليهما ثلثان والثلث الآخر على الحافر.

إن كان متعديا بالحفر ولم يتعمد الأول الوقوع ولا دفعه غيره ، وهدر إن تعمد الوقوع لأنه مقابل فعل نفسه.

وجميع دية الثاني على الثالث أو عاقلته أو دافعه على الأول ، وعلى الاحتمال نصفه عليه والنصف الآخر إما على الحافر أو هدر.

والثالث حكمه حكم من وقع في البئر ابتداء ولم يقع عليه غيره ، فهو إما هدر أو ضمانه على الحافر.

ولو وقعوا من غير جذب لأحد منهم وقوعا مهلكا بدون وقوع بعضهم على بعض لبعد القعر جدا أو وجود ماء مغرق أو أسد مفترس فلا ضمان لأحد منهم على أحد لأن وقوعه مما لا أثر له ، وكذا إن شككنا في ذلك للأصل ، وأما ضمان الحافر فعلي ما عرفت من العدوان وعدمه ، والله العالم.

١٦٧

( النظر الثالث )

( في الجناية على الأطراف )

(والمقاصد ثلاثة : الأول في ديات الأعضاء)

( و ) قد تقدم في كتاب القصاص أن ( كل ما لا تقدير فيه ففيه الأرش ) المسمى بالحكومة وفيه يكون العبد أصلا للحر كما هو أصل له فيما فيه مقدر بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى إمكان استفادته من النصوص بالخصوص فضلا عن استفادة عدم بطلان الجناية وكونها هدرا حتى أرش الخدش من الكتاب والسنة ، فليس مع عدم التقدير إلا الحكومة وإلا كانت جناية لا استيفاء لها ولا قصاص ولا دية ، وهو مناف لما يمكن القطع به من الأدلة كتابا وسنة وإجماعا‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير : « إن عندنا الجامعة قلت : وما الجامعة؟ قال : الجامعة صحيفة فيها كل حلال وكل حرام وكل ما يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش وضرب بيده إلى فقال : تأذن يا أبا محمد! فقلت : جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت. فغمزني بيده وقال : حتى أرش هذا » (١) ‌بل مقتضاه أن لكل شي‌ء مقدرا إلا أنه لم يصل إلينا ، فالمناسب الصلح حينئذ ، ولعل المراد بالحكومة ما يشمله إذا كان المراد الصلح القهري القاطع للخصومة.

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٢٣٩ والحديث طويل اختصره المؤلف.

١٦٨

( و ) على كل حال فالمشهور كما في كشف اللثام وغيره أن ( التقدير في ثمانية عشر ) من الأعيان لا المنافع التي ستعرفها في المقصد الثاني إن شاء الله.

الشعر ، والعينين ، ومنها الأجفان ، والأنف ، والأذنين ، والشفتين واللسان ، والأسنان ، والعنق ، واللحيين واليدين ، والرجلين ، والأصابع ، والظهر والنخاع ، والثديين ، والذكر ، والخصيتين ، والشفرين (١).

( الأول الشعر )

(وفي شعر الرأس ) من الذكر ، صغيرا أو كبيرا ، كثيفا أو خفيا ( الدية ) إن لم ينبت كما هو المشهور نقلا وتحصيلا بل لم أجد فيه خلافا يعتد به عدا ما تسمعه من المفيد ، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه ، بل في الرياض نسبته أيضا إلى صريح الغنية وإن كنا لم نتحققه (٢).

لصحيح سليمان بن خالد المروي في الفقيه (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) لا يخفى أن الثمانية عشر التي قالها في الشرائع تخالف قليلا مع هذه فراجع وراجع أيضا مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٧٧.

(٢) في مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٧٧ : « وفي شعر الرأس الدية ان لم ينبت ، هذا هو الأظهر الذي يقتضيه أصل مذهبنا لأنه شي‌ء واحد في الإنسان وقد أجمعنا على أن كل ما يكون في بدن الإنسان منه واحد ففيه الدية كاملة كما في السرائر ، وظاهر المبسوط في باب القصاص الإجماع عليه ، ويحتمل ان يكون ظاهر الغنية على بعد ، ونسبه في الرياض الى صريحها ... » أقول : هذه عبارة الغنية فتأملها : « واعلم أن في ذهاب العقل الدية الكاملة وفي شعر الرأس واللحية إذا لم ينبت الدية الكاملة فإن نبت في شعر الرأس الرجل أو لحيته عشر الدية وفي شعر المرأة مهر مثلها بدليل إجماع الطائفة ».

(٣) الفقيه ج ٤ ص ١٤٩.

١٦٩

رجل صب ماءا حارا على رأس رجل ، فامتعط شعره فلا ينبت أبدا قال : عليه الدية ».

المعتضدة بما تسمعه من النصوص (١) في المرأة ، بناء على عدم الفرق ، وبمرسل علي بن حديد (٢) الذي هو مثله ، وبخبر سلمة بن تمام (٣) « قال اهراق رجل على رأس رجل قدرا فيها مرق فذهب شعره ، فاختصما في ذلك إلى علي عليه‌السلام فأجله سنة فلم ينبت شعره ، فقضى عليه بالدية » ‌، وبما قيل من أنه شي‌ء واحد في البدن فيشمله ما دل على الدية في مثله (٤) ، وإن كان لا يخلو من نظر.

وعلى كل حال فما في المسالك (٥) وبعض أتباعها ـ من التأمل في الحكم المزبور مقتصرا على الاستدلال له بصحيح سليمان المزبور المروي في التهذيب (٦) المشتمل على السؤال « عن رجل دخل الحمام فصب عليه ماء حار فأسقط شعر رأسه ولحيته فلا ينبت أبدا قال عليه الدية » ‌ونظر فيه بدلالته على وجوب الدية لهما معا لا لكل واحد الذي هو المدعي ـ في غير محله. إذ عرفت خلوه في رواية الفقيه التي هي أضبط من التهذيب ، مع النصوص المزبورة ، عن اللحية ، فلا يبعد إرادة معنى « أو » من « الواو » فيه ولو بقرينة ما سمعت.

( وكذا ) الكلام ( في شعر اللحية ) وفاقا للأكثر كما في كشف اللثام ، بل المشهور كما في المسالك وغيرها ، بل عن ظاهر قصاص المبسوط الإجماع ، بل عن صريح قصاص الخلاف ذلك أيضا ، بل حكى عن الغنية أيضا وإن كنا لم‌

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ديات الأعضاء.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث ٣.

(٤) راجع الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء.

(٥) المسالك ج ٢ ص ٤٩٩.

(٦) التهذيب ج ١٠ ص ٢٥٠.

١٧٠

نتحققه (١).

لخبري (٢) مسمع والسكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة ، فإذا نبتت فثلث الدية » ‌بل وصحيح سليمان (٣) المتقدم بناء على إرادة « أو » من « الواو » فيه ، والضعف منجبر بما سمعت فاتجه العمل بها حينئذ.

( فإن نبتا فقد قيل ) والقائل أبو علي والصدوق والشيخ ( في اللحية ثلث الدية ) بل عن ظاهر قصاص المبسوط الإجماع عليه ، بل عن صريح الخلاف ذلك ، لروايتي (٤) مسمع والسكوني السابقتين ( و ) لكن ( الرواية ضعيفة ) ولا جابر لها بعد وهن الإجماع المزبور بمصير من تأخر عنه إلى خلافه ، وكذا ما عن الكافي (٥) والغنية والإصباح من عشر الدية الذي لم نجد له أيضا ما يدل عليه عدا ما يحكى من الإجماع عن الثاني الذي لم نتحقق ذلك منه (٦) مع أنه على فرضه موهون بمصير من تقدم وتأخر إلى خلافه.

( و ) حينئذ فـ ( ـالأشبه ) بأصول المذهب ( فيه وفي شعر الرأس الأرش إن نبت ) وفاقا للشيخ في النهاية وبني حمزة وإدريس وسعيد والفاضل والشهيدين وغيرهم في شعر الرأس ، بل عليه عامة المتأخرين ، وللفاضل ومن تأخر عنه في شعر اللحية ، لأنه الأصل في كل ما لا مقدر له.

نعم عن النهاية والوسيلة أنه على ما يراه الإمام.

وفي محكي السرائر « يقوم لو كان عبدا كم كانت قيمته قبل أن يذهب‌

__________________

(١) قد نقلنا عبارة الغنية آنفا فراجع.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث الأول وذيله.

(٣) التهذيب ج ١٠ ص ٢٥٠.

(٤) مر مصدرهما آنفا.

(٥) الكافي لأبي الصلاح الحلبي. لا تغفل.

(٦) قد نقلنا عبارة الغنية في التعليقة فراجع.

١٧١

شعره ، وكم تكون قيمته بعد ذهاب شعره ، ويؤخذ من ذلك الحساب دية الحر ».

قلت : قد عرفت الكلام في الأرش إذا عادت سن المثغر (١) ، إذ المقام أحد أفراده فلاحظ وتأمل.

وعن الوسيلة « إن نبت بعضه أو كله ففيه الأرش » ، وفي كشف اللثام‌ عن الرضا عليه‌السلام (٢) « ان نبت بعضه أخذ من الدية بالحساب » ‌قال : « وهو أقرب إن أمكنت معرفة قدر النابت وغيره ».

قلت : ستعرف اتفاقهم ظاهرا على اعتبار النسبة في أبعاض كل ماله مقدر ، وأما الأرش فهو بالنسبة إلى العائد من حيث زواله ثم عوده ، ولا يعتبر نسبته إلى أرش الجميع ، وحينئذ فما في الوسيلة يمكن اتفاق الجميع عليه ، وإن كان ربما يتوهم من قولهم : « فان نبت ففيه الأرش » الجميع ، إلا أنه غير مراد قطعا ، ضرورة عدم التفاوت في الأرش على الوجه المزبور بين الكل والبعض.

وأما الذي لم ينبت فتعتبر مساحته كما ستعرف.

ثم إن الظاهر اعتبار عدم النبات بحكم أهل الخبرة ، كما في نظائره لا إلى خصوص سنة كما عن التحرير والجامع ، للخبر المزبور (٣) الذي يمكن حمله على ما ذكرنا ، ولذا قال في الأول : « ولو طلب الدية قبل انقضائها دفعت إليه إن حكم أهل الخبرة بعدم النبات وإلا فلا ، وإن طلب الأرش وإبقاء الباقي إلى استبانة الحال دفع إليه ».

وقال أيضا : « ولو نبت بعد السنة فالأقرب رد ما فضل من الدية عن الأرش ، وكذا لو نبت بعد حكم أهل المعرفة بعدم رجوعه ».

__________________

(١) في كتاب القصاص في بحث قصاص سن المثغر.

(٢) الفقه المنسوب الى الرضا عليه‌السلام ص ٤٣.

(٣) يعني رواية سلمة بن تمام ، راجع الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ٣.

١٧٢

قلت : إن الظاهر ذلك ، والمحتمل أنه هبة جديدة ، اللهم إلا أن يفرض العلم بذلك ، والله العالم.

( و ) كيف كان فقد ( قال المفيد رحمه‌الله ) وعن الصدوق في موضع من المقنع ، بل عن ظاهر المختلف أنه مذهب ابن البراج ( في شعر الرأس ) واللحية ( إن لم ينبت مأة دينار و ) لكن ( لا أعلم المستند ) وإن حكى عن المفيد والقاضي والديلمي وظاهر الصدوق أن به رواية (١).

و‌في كشف اللثام : « قد روى في بعض الكتب عن الرضا عليه‌السلام من حلق رأس رجل فلم ينبت فعليه مأة دينار ، فإن حلق لحيته فلم تنبت فعليه الدية ، وإن نبتت فطالت بعد نباتها فلا شي‌ء له » (٢).

إلا أن ذلك كله غير صالح لذلك ، مع اشتمال الأخير على الدية في اللحية ، وكذا محكي في المسالك عن النهاية « من أن في شعر الرأس إذا أنبت مأة دينار » مع أنا لم نتحققه عنها (٣).

__________________

(١) راجع المقنعة للمفيد ص ١٢٠ والمراسم للسلار الديلمي باب ذكر أحكام الجناية على ما هو دون النفس.

وهذه عبارته : « وأما ما في الإنسان منه واحد وليس بعضو كاللحية وشعر الرأس ففي إذهابه حتى لا ينبت الدية الكاملة وإذا ذهب بحاجبه فنبت ففيه ربع الدية وقد روى أيضا أن فيهما إذا لم ينبت مأة دينار » وليس فيهما ما حكى عنه.

ولكن قال في المختلف في الفصل الخامس من كتاب القصاص والديات ص ٢٤٩ : « قال سلار في شعر اللحية أو الرأس إذا لم ينبت الدية وروى أن فيهما إذا لم ينبتا مأة دينار. ونحوه ذهب ابن البراج ».وراجع المقنع للصدوق ص ١٩٠.

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣١٨ ـ الفقه المنسوب الى الرضا ص ٤٣.

(٣) المسالك ج ٢ ص ٤٩٩ وقال في النهاية ج ٢ ص ٧٩٢ : وفي اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة فإن نبتت كان فيها ثلث الدية.

١٧٣

هذا كله في شعر الرجل ( أما شعر المرأة ففيه ديتها ولو نبت ففيه مهر ) نسائ ( ها ) بلا خلاف أجده فيه إلا من الإسكافي في الثاني خاصة فجعل فيه ثلث الدية ، وهو مع شذوذه لا دليل له ، بل على خلافه الإجماع عن الغنية كالأول لا خلاف فيه أيضا حتى منه ، التي لا ريب في أولويتها من الرجل بذلك.

مضافا إلى‌ خبر عبد الله بن سنان (١) الذي رواه المحمدون الثلاثة المنجبر بما عرفت بناء على أن في سنده محمد بن سليمان وهو مجهول ، ولكن عن الوافي (٢) إبداله سليمان بن داود المنقري ، فهو حسن أو صحيح ، وعلى كل حال « قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها؟

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٢٦١ ولها صدر. الفقيه ج ٤ ص ٤٨ وفيه صدر الرواية فقط. التهذيب ج ١٠ ص ٦٤ وفي سند هذه الثلاثة محمد بن سليمان وأيضا التهذيب ج ١٠ ص ٢٦٢ وفي سندها سليمان المنقري فراجع.

(٢) الوافي ج ٩ ص ٥٤ عن الكافي والتهذيب والفقيه وفي سندها أيضا محمد ابن سليمان.

نعم نقلها في الجزء التاسع ص ١٠٣ من التهذيب وفي سندها المنقري وقال في ذيله : « بيان قد مضى تمامه في أبواب الحدود بإسناد آخر ».

أقول : وفي نسخة مصححة من التهذيب عندنا ، « إبراهيم بن سليمان المنقري » مكان « سليمان المنقري » وهو غلط ظاهرا راجع « معجم رجال الحديث » المجلد الأول.

وأيضا راجع مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٧٩ فإنه قال : « في سند التهذيب في كلا الموضعين محمد بن سليمان ، على ما في نسخة منه عندنا ».

كما أن ما في الوسائل من وصف « محمد بن سليمان » بالمنقرى تصحيف « البصري » ظاهرا ، راجع الوسائل ، الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول والباب ـ ٥ ـ من أبواب حد السحق والقيادة ، الحديث الأول.

١٧٤

قال : يضرب ضربا وجيعا ويحبس في سجن المسلمين حتى يستبرأ شعرها فإن نبت أخذ منه مهر نسائها وإن لم ينبت أخذ منه الدية كاملة.

قلت : فكيف صار مهر نسائها إن نبت شعرها؟ فقال يا ابن سنان إن شعر المرأة وعذرتها شريكان في الجمال فإذا ذهب بأحدهما وجب له المهر كاملا ».

ولعل ما فيه من الحبس والضرب على الوجه المزبور محمول على ضرب من التعزير الذي هو على حسب ما يراه الحاكم.

ولو زاد مهر نسائها على مهر السنة أخذته لإطلاق النص والفتوى ، نعم لو زاد على ديتها لم يكن لها إلا الدية للإجماع كما في كشف اللثام على أنه لا يزيد دية عضو من إنسان على دية نفسه. ولا تضر تساوى عود النبات وعدمه حينئذ ، والله العالم.

( وفي ) شعر ( الحاجبين ) معا ( خمسمائة دينار وفي كل واحد نصف ذلك ) وفاقا للأكثر ، بل المشهور ، بل عن ظاهر قصاص المبسوط وصريح السرائر الإجماع عليه ، ل‌

خبر أبي عمرو المتطبب (١) المنجبر بما عرفت ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام من إفتاء أمير المؤمنين « وإن أصيب الحاجب فذهب شعره كله فديته نصف دية العين مأتا دينار وخمسون دينارا وما أصيب منه فعلي حساب ذلك ، » ‌وفي كشف اللثام وروى عن الرضا عليه‌السلام » (٢).

فما في المسالك من أن « مستنده غير معلوم والإجماع ممنوع » (٣) في غير محله ، كالمحكي عن الغنية والإصباح من الدية تامة وفي كل واحد نصفها ، بل عن ظاهر الأول الإجماع عليه ، بل في كشف اللثام حكايته عن المبسوط‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ٢.

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣١٨ ـ فقه الرضا ، ص ٤٢ وهذه عبارته : إذا أصيب الحاجب فذهب شعره كله فديته نصف دية العين فان نقص من شعره شي‌ء حسب على هذا القياس ».

(٣) المسالك ج ٢ ص ٤٩٩.

١٧٥

وأن في ظاهره الإجماع عليه ، ولعله غير ما سمعته عنه في القصاص ، أو أن النسخة فيها غلط (١) ، وكيف كان فقد أيد بالنصوص (٢) على أن فيما كان في الجسد اثنان الدية.

إلا أن أقصاه ـ بناء على شمولها لمثل الفرض الذي ليس قطعا ولا جرحا ـ العموم المخصص بما عرفت ، وظاهر الإجماع المزبور موهون بما عرفت. فالأصح حينئذ الأول.

بل في كشف اللثام « لم يظهر في الخبرين وكلام الشيخين وابني إدريس والبراج وابني سعيد فرق بين عود نباتهما وعدمه » (٣) لكن عن الغنية « أن ذلك إذا لم ينبت شعرهما وإلا فالأرش » ، وكذا عن الإصباح والتقى ، بل عن المختلف « أنه الوجه » ، وفي المسالك « أنه الأصح » بل عن الغنية الإجماع عليه.

ولعله الأقوى للأصل بعد انسياق غير العامد من النص والفتوى ولو بملاحظة غير الفرض من الفرق بينهما الموافق للعدل والاعتبار.

وعن السلار « إذا ذهب بحاجبه فنبت ففيه ربع الدية وقد روى أيضا أن‌

__________________

(١) قال في مفتاح الكرامة بعد نقل كلام الشيخ من قصاص المبسوط : « ولم أجده تعرض لشعر الحاجبين في غير هذا الموضع. ولعل ( صاحب كشف اللثام ) ظفر بما حكاه عن المبسوط في موضع لم نظفر به فيكون للشيخ فيه مذهبان ».

أقول : نعم ان الشيخ تعرض لهذه المسألة في الموضعين : أحدهما كتاب القصاص وفيه قال : « وعندنا. وشعر الحاجبين بنصف الدية » ثانيهما كتاب الديات وفيه قال : « فأما اللحية وشعر الرأس والحاجبين فإنه يجب فيه عندنا الدية ... » راجع المبسوط ج ٧ ص ٨٣ و ١٥٣.

(٢) راجع الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء.

(٣) كشف اللثام ج ٢ ص ٣١٨.

١٧٦

فيهما إذا لم ينبت مأة دينار » (١) ولكن لم تثبت الرواية ، كما أنا لم نقف له على دليل.

( و ) كيف كان فـ ( ـما أصيب منه فعلي ) هذا ( الحساب ) بلا خلاف ولا إشكال للخبر المزبور (٢) ، بل لعله المستفاد من الحكم الثابت للكل ، ومن هنا لم يخص ذلك المقام ، بل هو ثابت في شعر الرأس واللحية كما صرح به الفاضل وغيره.

قال في القواعد : « وفي الأبعاض بالنسبة إلى الجميع بالمساحة ».

وفي كشف اللثام « في الأبعاض من شعر الرأس أو اللحية بالنسبة لمحل الفائت منها إلى الجميع بالمساحة فيؤخذ من الدية بالحساب كسائر ما فيه تقدير من الأعضاء ، وكذا إن وجب بالكل ثلث الدية أو عشرها أو المهر ، وأما على القول بالأرش ففي البعض أيضا إذا عاد الأرش من غير نسبة » (٣).

وفي محكي التحرير « ولو ذهب بعض شعر الرأس أو بعض اللحية على وجه لا ينبت ، ففيه من الدية بحساب الباقي ، ويعتبر بنسبة المحل المقلوع منه إلى الجميع بالأجزاء ، ولو نبت ففيه الأرش ، ولا يعتبر نسبته إلى أرش الجميع بالجزء » (٤).

بل قيل : « يدل عليه الإجماع على الظاهر » (٥) وبالجملة الحكم مفروغ منه والله العالم.

__________________

(١) المراسم ، باب ذكر أحكام الجناية على ما هو دون النفس.

(٢) يعنى خبر أبي عمر والمتطبب وخبر فقه الرضا.

(٣) كشف اللثام ج ٢ ص ٣١٨ ، فقه الرضا ص ٤٢ وهذه عبارته : « إذا أصيب الحاجب فذهب شعره كله فديته نصف دية العين فان نقص من شعره شي‌ء حسب على هذا القياس ».

(٤) التحرير ج ٢ ص ٢٧١.

(٥) قال في مفتاح الكرامة : « ويدل على الحكم المذكور بعد الإجماع على الظاهر ، النص الوارد في الحاجب ... ».

١٧٧

( وفي الأهداب ) الأربعة وهي الشعور النابتة على الأجفان ( تردد قال في المبسوط والخلاف الدية إن لم ينبت ، وفيها مع الأجفان ديتان ) بل في الثاني الاستدلال له بإجماع الفرقة وأخبارها ، وفي الأول أنه الذي يقتضيه مذهبنا ، ولعله أراد ما مر من أن فيما كان من الأعضاء اثنان ففيهما الدية وفيما كان أربعة ففيها الدية وهكذا ، بل في الروضة نسبته إلى الأكثر.

وفي المسالك نسبته إلى ابن حمزة والفاضل في القواعد وإن كنا لم نتحقق شيئا من ذلك (١) ، نعم عن الوسيلة نسبته إلى رواية ، بل لم يحك القول به إلا ممن عرفت (٢) ، كما أن إرادة نحو ذلك من النصوص المزبورة لا يخلو من نظر أو منع ، خصوصا بعد عدم الجابر.

وفي المسالك وغيرهما (٣) عن القاضي أن فيهما نصف الدية. قيل (٤) « والمنقول في المختلف من عبارته أن ذلك في الأشفار ، والشفر بالضم ، أصل‌

__________________

(١) يعنى شيئا مما في الروضة والمسالك.

قال في مفتاح الكرامة : « وفي الروضة إلى الأكثر ولو صحت هذه الشهرة لجبرت الخلاف. لكن التتبع يشهد بخلافها ... » وقال العلامة في القواعد : « وفي الأهداب الدية على رأى ».

وقال ابن حمزة في الوسيلة : « وتلزم دية النفس كاملة في أحد سبعة وثلاثين عضوا العقل إذا ذهب به ولم يرجع وشعر رأس الرجل. وفي الأهداب جميعا إذا ذهب بها ولم تنبت على رواية ... ».

(٢) يعني الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وقال في مفتاح الكرامة : « بل لم يحك القول بالدية أحد عن غير الخلاف والمبسوط ... ».

(٣) كذا في الأصل ، ولكن في مفتاح الكرامة هكذا : « وعن القاضي أن فيهما نصف الدية كالحاجبين حكاه عنه الشهيدان وغيرهما » فراجع ج ١٠ ص ٣٨٢.

(٤) قاله في مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٨٢ ولكن لا يوافق ما في المختلف فراجع كتاب القصاص منه ص ٢٤٩.

١٧٨

منبت الشعر في الجفن ، وهو غير الهدب بالضم والذال المعجمة أو المهملة ، إذ هو الشعر النابت في ذلك ».

قلت : هو على كل حال لا موافق له ولا دليل ، لا من عموم ولا من خصوص.

( و ) من ذلك كله ظهر لك أن ( الأقرب السقوط حال الاجتماع ) أي قطع الأجفان معها لكونها حينئذ تابعة كشعر اليدين للأصل وغيره ( والأرش حالة الانفراد ) وفاقا للحلي ومن تأخر عنه ، بل في غاية المراد إجماع الأصحاب على أن في الأجفان الدية من غير تفصيل ، كما عن السرائر « أنه الذي تقتضيه الأدلة والإجماع لأن أصحابنا جميعهم لم يذكروا في الشعور مقدرا سوى شعر الرأس واللحية والحاجبين ، وإلحاق غير ذلك به قياس ـ إلى آخره ـ » (١) بل قيل « (٢) هو ظاهر كل من لم يذكر فيها دية ، كالمقنعة والمراسم والغنية وغيرهما » وهو الأقوى بعد عدم دليل معتبر على التقدير المزبور.

( و ) كيف كان فـ ( ـما عدا ذلك من الشعر ) كالنابت على الساعدين أو الساقين ( لا تقدير فيه استنادا إلى البراءة الأصلية ) لكن ثبت فيه الأرش إن قلع منفردا ، عاد أو لا ، ولا شي‌ء مع الانضمام إلى العضو إذا قطع ، أو إلى الجلد إذا كشط ، بلا خلاف أجده فيه ، بل عن المهذب البارع الإجماع ، مضافا إلى ما سمعته من السرائر ، بل في المسالك وبعض أتباعها « أنه لو قيل بذلك في جميع الشعور لضعف المستند فيها لكان حسنا » (٣) وإن كان لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا.

نعم لو كانت اللحية للمرأة فالواجب الأرش إن نقصت بها القيمة للأصل‌

__________________

(١) السرائر باب ديات الأعضاء والجوارح والقصاص فيها.

(٢) قاله في مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٨٢.

(٣) المسالك ج ٢ ص ٥٠٠ والمراد ببعض أتباع المسالك مفاتيح الفيض الكاشاني ظاهرا.

١٧٩

بعد انسياق التقدير منها في النصوص والفتاوى إلى لحية الرجل دونها ، فتعتبر حينئذ بأمة تنقص قيمتها بذلك إن كانت. وعن المبسوط اعتبارها بعبد تنقص قيمته بذلك كالذي له خمسون سنة فصاعدا. وفيه نظر.

وكذا يثبت الأرش في لحية الخنثى المشكل ، بل وفي لحية الأمة أيضا مع فرض زيادة القيمة بها كما عن غير واحد التصريح به ومنه ما في القواعد « ولو كانت للأمة فزادت قيمتها فالأقرب التعزير خاصة » إذ المراد فزادت بزوالها لقوله : « وكذا لو حلق شعر العانة منها أو من الحرة أو قلعهما بحيث لا ينبت فزادت القيمة فلا شي‌ء » وذلك لأن الضمان إنما يكون للنقص والفرض عدمه.

خلافا للمحكي عن المبسوط فالحكومة ، والاعتبار بعبد إذا أزيلت لحيته نقصت قيمته ، وفيه ما لا يخفى.

نعم لو فرض التعيب بإفساد منبت العانة مثلا على وجه تنقص به القيمة اتجه حينئذ مراعاة الأرش أما مع عدمه فلا ، ولا ينافي ذلك ما ورد (١) « من أن فقدان الأمة شعر العانة عيب ترد به ، باعتبار كونه نقصا في الخلقة » ، ضرورة كون المراد هنا الحكومة التي مدارها على القيمة لا صدق التعيب ، بل هو كذلك أيضا في حلق الرأس الرجل المعتاد حلقه ، وإطلاق الفتوى أن فيه الأرش أو التقدير المزبور ، منزل على ما إذا حصل النقص به كما في الشعر الطويل لبعض الشبان فتأمل جيدا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث الأول.

١٨٠