جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

من صدق القود والسوق كما عن الوسيلة ، ومن فقد علة الضمان وهي القدرة على حفظ ما ضمن جنايته ، فإن القائد لا يقدر على حفظ يدي ما تأخر عن الأول ، وكذا السائق بالنسبة إلى غير المتأخر (١) ولعل هذا أقوى ، نعم قد يقال بضمان سائق المتعدد غير القطار لكن الأولى اعتبار التفريط في الضمان في غير المنساق من النصوص ، والظاهر الاشتراك في الضمان مع تعدد السائق والقائد ، ومنه يعلم الحال فيما لو ركب واحدا وقاد الباقي أو قطرة فإنه يتعلق به حكم المركوب وأول المقطور بخلاف الثالث الذي لا يتمكن من حفظه ، ولو ساق واحدا أو أكثر مع كونه راكبا قائدا للبعض تعلق به ضمان مركوبه ومقودة ومسوقة ، وبالجملة فالمدار على ما عرفت من ضمان كل ما هو منساق من النصوص وإن لم يكن بتفريط ، أما غيره فالظاهر اعتباره فيها.

( ولو ركبها رديفان تساويا في الضمان ) كما صرح به غير واحد بل لا أجد فيه خلافا ، بل في كشف اللثام « الأصحاب قاطعون به » قلت : لعله لصدق الراكب على كل منهما ، ولخبر سلمة بن تمام (٢) المنجبر بما عرفت « عن علي عليه‌السلام في دابة عليها رديفان فقتلت الدابة رجلا أو جرحت فقضى في الغرامة بين الرديفين بالسوية » ‌لكن مع ذلك قال في كشف اللثام : « فيه تردد » وهو على إطلاقه في غير محله نعم لو كان أحدهما ضعيفا لمرض أو غيره مكتوفا اختص الضمان بالآخر الذي هو المالك لأمرها ، وكذا المراد فان على خلاف المعتاد.

وعلى كل حال فراكبا المحمل أولى بالضمان من المترادفين.

( ولو كان صاحب الدابة معها ضمن دون الراكب ) كما في النافع والقواعد‌

__________________

(١) كانت عبارة الأصل مغلوطة فصححناه طبقا لعبارة مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٢١٦ فراجع.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

١٤١

واللمعة وغيرها ، ولعله لإطلاق خبر أبي مريم (١) السابق وغياث ـ الذين قد عرفت حملهما على الراكب ـ ومن هنا قيده غير واحد بما إذا كانت المراعاة موكولة إليه بأن لم يكن الراكب من أهلها كالطفل والمجنون والمريض ونحوهم ممن لا إشكال في ضمانه حينئذ دونهم ، بل عن الغنية الإجماع على ضمانه إذا كان حاملا عليها من لا يعقل ، بل في كشف اللثام « أو شرط عليه ذلك » ولكن ذلك لا يخص المالك كما أنه لا يخص الراكب ، بل لا ضمان على القائد مع فرض كون المراعاة موكولة إلى المالك دونه ، فالمتجه حينئذ كون المالك كغيره في الضمان باعتبار كونه سائقا أو قائدا أو راكبا ولو رديفا أو موكولا إليه حفظ الجميع ، فقد ينفرد ، وقد يشترك مع غيره كما عرفته في الصور السابقة. وضمان المالك مع التفريط في حفظ دابته لا ينافي ضمان الراكب أيضا وإن لم يفرط لإطلاق الأدلة السابقة ، نعم يختص هو بضمان ما يتلفه من حيث التفريط بحفظها في غير حال الركوب دون راكبها ولعل هذا مراد من أطلق فتأمل جيدا.

( و ) على كل حال ( لو ألقت الراكب لم يضمنه المالك ) كما صرح به الفاضل وغيره ، للأصل وغيره ( إلا أن يكون بتنفيره ) فيضمن حينئذ لما عرفت أو يكون الراكب صغيرا أو مريضا لا يتمكن من الاستقلال عليها فصحبه المالك لحفظه فيضمن ، كما لو فرط في حفظ متاع حمله عليها ، وكذا لو كان من عادتها الإلقاء وكان المالك عالما ولم يخبر الراكب ضمن أيضا.

( ولو أركب مملوكه دابة ضمن المولى جناية الراكب ) كما عن الشيخ والقاضي لصحيح ابن رئاب (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل حمل عبده على دابته فوطئت رجلا قال : الغرم على مولاه » ‌( و ) لكن ( من الأصحاب ) وهو ابن إدريس ( من شرط صغر المملوك ) لتفريطه حينئذ بإركابه مع صغره ( وهو

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٤ وخبر غياث أشير إليه في ذيل خبر أبي مريم فراجع ص ١٣٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

١٤٢

حسن و ) ذلك لأن الموافق للضوابط المتقدمة في غير المقام أنه ( لو كان بالغا كانت الجناية في رقبته إن كانت على نفس آدمي ) أو طرفه ( ولو كانت على مال لم يضمن المولى ، وهل يسعى فيه العبد؟ الأقرب أنه يتبع به إذا أعتق ) كما في القواعد وغيرها على حسب غير المقام لإطلاق الأدلة ومعلومية عدم ضمان المولى شيئا من جناياته ، لا في نفس ولا في مال ، نصا وفتوى ، بل يمكن حمل كلام الشيخ والقاضي على الصغير خاصة باعتبار تعبيرهما بالإركاب الظاهر كالحمل الموجود في الصحيح (١) في عدم كماله ، على أن التعلق برقبته من الغرم على المولى ، وحينئذ فلا خلاف في المسألة وإن كان ظاهر المتن ذلك ، بل في كشف الرموز نسبة التفصيل المزبور إلى ابن إدريس ، قال : وباقي الأصحاب أطلقوا ، كما أنه في المسالك نسب الإطلاق إلى الشيخ وأتباعه ، وفي التنقيح إلى الأكثر. نعم ربما استظهر من ابن إدريس اختصاص ضمان المولى للصغير في خصوص ما إذا كانت الجناية على آدمي دون المال ، ولعله اقتصار على ظاهر الصحيح المزبور ، لكن قد عرفت أنه مؤكد لما يقتضيه التفريط بإركابه وإهمال الدابة الواجب عليه حفظهما ، وهذا لا تفاوت فيه بين النفس والمال ، ومن هنا أطلق المصنف وغيره ضمان المولى جنايته ، بل ظاهرهم أن القول بالتفصيل منزل على ذلك أيضا ، ولعلهم حملوا ما في محكي السرائر من عدم ضمان المال على خصوص الكبير بمعنى أن جنايته على نفس تتعلق برقبته دون المال لا بالنسبة إلى الصغير الذي جنايته في المقام على مولاه من غير فرق بين النفس والمال ، والخبر (٢) إنما ذكر فيه وطء الرجل فلا ينفى غيره المستفاد من قاعدة التفريط.

ولو دخلت دابته زرعه المحفوف بزرع الغير لم يجز له إخراجها إليه مع أدائه إلى إتلاف زرع الغير بل يصبر وإن أتلفت زرعه أجمع ، فإن لم يصبر‌

__________________

(١) أى صحيح ابن رئاب الذي مر آنفا.

(٢) أى خبر ابن رئاب.

١٤٣

وأخرجها أثم وضمن ما يتلف من زرع الغير ، كما أنه يضمن ما يتلفه بالخروج والدخول مع تفريطه ، وكذا لو كانت الدابة لغيره ، بل الظاهر عدم ضمان المالك لها ما تتلفه من الزرع مع الصبر إذا لم يكن قد فرط ، وإن توقف فيه الفاضل في القواعد ، قال : « ولو دخلت زرعه المحفوف بزرع الغير لم يكن له إخراجها إليه مع الإتلاف بل يصبر ويضمن المالك مع التفريط ، ومع عدمه إشكال » لكن لم يظهر لنا وجه معتد به لإشكاله وإن ذكر ولده وغيره من شراحه أنه إن استند التلف إلى دابته فيضمن كما لو أدخلت رأسها في قدر ولم يمكن التخلص إلا بالكسر ، إلا أنه كما ترى لا يرجع إلى حاصل معتد به.

نعم لو فرض الأمر على حال يكون كما لو دخلت الدابة دار الغير من غير تفريط من المالك ولا من صاحب الدار وتوقف خروجها على هدم بعض الدار مثلا ونحو ذلك ، كان مما تزاحمت فيه الحقوق الذي تقدم بعض الكلام فيه في محله ، وليس الصبر على إتلافها لما في إخراجها من إتلاف مال الغير مع عدم تفريط المالك من هذا القبيل ، ضرورة كونه كالضرر بآفة سماوية ونحوها مما لا مدخلية للمالك فيه ، كما هو واضح.

١٤٤

( البحث الثالث )

( في تزاحم الموجبات )

وقد تكرر غير مرة في كتاب الغصب وكتاب القصاص وغيرهما.

أنه ( إذا اتفق المباشر والسبب ) وتساويا أو كان المباشر أقوى ( ضمن المباشر ) بلا خلاف أجده فيه ، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه ( كالدافع مع الحافر ، والممسك مع الذابح ، وواضع الحجر في الكفة مع جاذب المنجنيق ) إلا مع ضعف المباشر بالغرور ( و ) نحو ، كما ( لو جهل المباشر حال السبب ) فإنه متى كان كذلك ( ضمن المسبب كمن غطى بئرا حفرها في غير ملكه ) ونحوه مما يجوز له الحفر فيه ( فدفع غيره ثالثا ولم يعلم ) بالبئر ، ( فـ ) ـإن ( الضمان ) فيه ( على الحافر ) لكونه أقوى من المباشر ، ( وكالفار من مخفية إذا وقع في بئر ) محفورة عدوانا ( لا يعلمها ) وإن لم يلجئه إلى سكوك هذا الطريق بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بل نسبه غير واحد إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه وهو كذلك.

نعم تردد المصنف في ضمان الحافر في الأول (١) لعموم تقديم المباشر على السبب مع أنه جزم به هنا كغيره من الأصحاب ، والعموم المزبور لم نجده في خبر كي يستند إليه وإنما الأصل فيه الاتفاق المفقود في المقام ، فلا وجه للتردد المزبور كما لا وجه للمناقشة في أصل القاعدة التي قد عرفت الإجماع عليها مضافا إلى صدق نسبة التلف إليه دونه فقد تقدم البحث في ذلك كله في كتاب الغصب فلاحظ وتأمل.

__________________

(١) في بعض النسخ بعد هذه الجملة هكذا : « فلا وجه للتردد » والظاهر زيادتها.

١٤٥

( ولو حفر في ملك نفسه بئرا وسترها ودعى غيره فالأقرب الضمان ) كما في القواعد وغيرها ، بل في المسالك أنه المشهور ( لأن المباشرة يسقط أثرها مع الغرور ) بعدم الإخبار عمدا أو نسيانا ، ولأنه‌ « لا يبطل دم امرء مسلم » (١) ‌ولفحوى ضمان الداخل بالإذن فعقره كلبهم.

ويحتمل عدم الضمان مع عدم تعمد الغرور للأصل وإطلاق عدم الضمان في الحفر في الملك في النصوص السابقة ، بل ربما قواه بعض الناس.

ولكن فيه عدم اعتبار قصد الغرور بما يترتب على فعل الغار الذي هو في الوجدان أقوى في حصول التلف من المباشرة فتأمل جيدا فإنه تقدم فيمن ناول إناء فيه سم لغيره ولم يعلم به ماله نفع في المقام ، وإن كان المشابه له فرض وضعه السم في الإناء وقد نساه فناوله للغير والظاهر الضمان فيه بخلاف ما لو كان الواضع غيره والله العالم.

( ولو اجتمع سببان ضمن من سبقت الجناية بسببه ، ) وإن كان حدوثه متأخرا أو مصاحبا ( كما لو ألقى حجرا في غير ملكه وحفر الآخر بئرا فلو سقط العاثر بالحجر في البئر فالضمان على الواضع ) الذي سبقت الجناية بسببه المقتضى لضمانه ، فيستصحب حكم أثر السبب الأول وبه رجح على السبب الثاني الذي قد صار بالنسبة إلى الأول كالشرط للمباشر.

وكذا لو حفر بئرا عدوانا ونصب آخر سكينا ووضع آخر حجرا فعثر بالحجر ثم وقع في البئر فأصابته السكين فإن الواضع حينئذ كالدافع في البئر المزبورة.

( هذا مع تساويهما في العدوان ولو كان أحدهما عاديا كان الضمان عليه ) خاصة كما لو حفر بئرا مثلا في ملكه ووضع المتعدي حجرا فتعثر به إنسان أو‌

__________________

(١) هذه الجملة منقولة عن على عليه‌السلام كما تقدم. راجع الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ، الحديث ٥.

١٤٦

العكس فإن الضمان على المتعدي منهما في الصورتين ، أما الأولى التي اجتمع فيها السبق والعدوان ، فواضح ، وأما الثانية فلانتفاء الضمان عن المالك بانتفاء العدوان فيختص بالسبب الآخر.

نعم يجي‌ء على ضمان الاشتراك وجوب نصف الجناية على المتعدي وسقوط النصف الآخر كما لو هلك بالتعدي والسبع مثلا ، ( وكذا لو نصب سكينا في بئر محفورة في غير ملكه ) عدوانا ( فتردى إنسان على تلك السكين ) فإن ( الضمان على الحافر ترجيحا للأول ) الذي سبقت الجناية بسببه وإن كان لو لا السكين ما قتل ، ( وربما خطر في البال التساوي في الضمان لأن التلف لم يتمحض من أحدهما ) والفرض أن كلا منهما متعد ولا دليل على الترجيح بالسبق ، أو الضمان على ذي السبب الأقوى وإن كان متأخرا في الجناية ، كما لو كان السكين قاطعا موجبا.

و ( لكن الأول ) مع أنه أشهر ( أشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي منها استصحاب ضمانه السابق جناية ، بل لا حاصل للثاني منهما فإن السكين وإن كان قاطعا لكن لا يضمن إلا أن يوقعه عليه ، والفرض أنه لم يقع عليه إلا بالتردي في البئر الذي كان سببه وضع الحجر مثلا فصار حينئذ كالدافع في البئر.

ولو سقط الحجر بالسيل على طرف البئر المحفورة عدوانا فالمتجه بناء على ما ذكرنا ضمان الحافر لاختصاصه بالعدوان ، ولكن في القواعد الإشكال فيه من ذلك ومن استناد التردي إلى الحجر ، وفيه أنه لا استناد عرفي في الشرائط وإنما العمد إطلاق أدلة الضمان والفرض عدمه في غير العدوان ، والله العالم.

ولو حفر بئرا قريب العمق فعمقها غيره كان الضمان على الأول للسبق.

وفي القواعد احتمال الاشتراك لاستناد التلف إلى سبب واحد اشتركا فيه فإن المتلف إنما هو التردي في البئر بمالها من العمق ، بل عن الفخر والكركي اختياره ، وعن الشهيد أنه المنقول ، وعن الأردبيلي احتمال اختصاص الضمان بالثاني لكنه‌

١٤٧

كما ترى ، بل والأول لما عرفت من اختصاص الضمان بالسابق أثرا ضرورة عدم الفرق بين الفرض وبين الأول فإن الحفر المتأخر أثرا كالسكين الموضوعة في البئر مثلا والتسامح العرفي في اتحاد السبب غير مجد ، نعم لو اشتركا في الحفر نفسه جميعه اتجه ذلك ، والله العالم.

ثم على الاشتراك فالظاهر التسوية ، وفي كشف اللثام احتمال التوزيع على القدر الذي أحدثه كل منهما ، وهو مناف لقواعد الاشتراك ، ثم قال : « والظاهر أن احتمال الاشتراك إنما يجري إذا كان ما أحدثه الثاني مما يستند إليه التلف عادة بأن لا يكون قليلا جدا وأما الأول فلا بد من حفره حتى يبلغ ما يسمى بئرا فإنه المفروض » (١).

قلت المدار على حصول التلف بهما وإن تفاوتا كالجروح المتعددة من شخص والجرح الواحد من آخر.

ولو تعثر بحجر في الطريق فالضمان على واضعه لضعف المباشرة بعدم العلم ، ولو تعثر به رجل فدحرجه ثم تعثر به آخر فالضمان على المدحرج لأنه هو الذي وضعه موضعه هذا. نعم لو لم يشعر به ففي كشف اللثام « الدية على العاقلة لأنه خطاء محض » وفيه بحث يعرف مما قدمناه من أن الشرائط جميعها ضمانها على المسبب دون العاقلة لإطلاق الأدلة فتأمل.

ومنه حينئذ يتجه الضمان على الصبي والمجنون في مقام يفرض حصوله منهما على وجه يقتضي الضمان كالحفر في ملك الغير دون عاقلتها ، بل قد يقال بالضمان على الحافر عدوانا مثلا ولو بعد موته فضلا عن جنونه المتأخر عن ذلك لإطلاق ما يدل على التسبيب الذي لا تفاوت فيه بين المكلف وغيره كما في نظائر المقام فتأمل جيدا فإني لم أجده منقحا في كلامهم ، والله العالم.

( ولو سقط في حفرة ) عدوانا ( اثنان ) مثلا ( فهلك كل منهما بوقوع الآخر ) فإن ( الضمان على الحافر ) الذي هو أقوى ( لأنه ) ‌

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٠٩.

١٤٨

بحفره العدواني الموجب للضمان صار ( كالملقي ) لهما فيها فيضمنهما وإن مات كل منهما بوقوع الآخر كما هو واضح ، لكن في القواعد : « ولو تردى في بئر فسقط عليه آخر فضمانهما على الحافر وهل لورثة الأول الرجوع على عاقلة الثاني بنصف الدية حتى يرجعوا به على الحافر ، إشكال » (١) ولعله لاستناد موت الأول إلى سببين ، التردي ، وسقوط الآخر عليه ، فله الدية على الفاعلين بالسوية ، ولما كان السقوط خطأ محضا كان النصف على عاقلته ويرجعون به على الحافر لأنه السبب للسقوط.

وفيه أن الوقوع المزبور لم يكن من فعله حتى يوصف بالخطاء ، على أن السبب إن كان أقوى لم يضمن المباشر أصلا لا أنه يضمن ويرجع به على السبب كما هو واضح. ومن هنا لم يتوقف فيه في محكي التحرير كما أن المحكي عن الفخر والكركي اختيار الضمان على الحافر ابتداء ، والله العالم.

( ولو قال ألق متاعك في البحر لتسلم السفينة ، فألقاه فلا ضمان ) سلمت أو لم تسلم ، بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كالشيخين والفاضلين وثاني الشهيدين وغيرهم للأصل ، كما لو قال أعتق عبدك فأعتقه أو طلق زوجتك فطلقها ، وخصوصا إذا كان النفع مختصا بالمأمور.

وفي المسالك : « والفرق بينه وبين قوله أد ديني فأداه حيث يرجع عليه أن أداه دينه منفعة لا محالة وإلقاء المتاع قد يقضى إلى النجاة وقد لا يقضى فلا يضمن إلا مع التصريح به » (٢) وهو كما ترى. نعم قد يقال الفارق الإجماع وأن المفهوم من الأمر بالأداء التوكيل في ذلك ، فيكون حينئذ بالأداء كالقرض عليه ، كما أن المفهوم من الأمر بالضمان عنه الرجوع به عليه بخلاف المفروض وقد تقدم في كتاب الضمان ماله نفع في المقام.

نعم ( لو قال ) مع ذلك ( وعلي ضمانه ضمنه دفعا لضرورة الخوف ) ‌

__________________

(١) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٢١.

(٢) المسالك ج ٢ ص ٤٩٧.

١٤٩

التي شرع فيها ذلك بلا خلاف أجده فيه بيننا بل وبين غيرنا إلا من أبي ثور وهو شاذ لا يعتد به كما في محكي الخلاف ، بل فيه أن عليه إجماع الأمة عداه ، كما عن المبسوط نفي الخلاف فيه من غيره ، وكفى بذلك دليلا للمسألة ، فلا وجه للتأمل فيه من حيث كونه ضمان ما لم يجب فهو وعد لا يجب الوفاء به إذ هو كالاجتهاد في مقابلة الإجماع. على أن الفاضل في محكي التذكرة قال : « لو قلنا : إنه جعالة خلصنا من الإلزام » قلت : يمكن كونه توكيلا في استقراضه أو شيئا مشروعا في نفسه مؤيدا بعموم المؤمنون عند شروطهم وقاعدة الغرور وغيرهما.

وعلى كل حال فيعتبر حينئذ قيمته لو كان قيميا حين الإلقاء لأنه وقت الضمان ، وربما احتمل اعتبارها قبل هيجان الأمواج لأن المال لا قيمة له في تلك الحالة. وفيه أن المراد قيمته في نفسه.

( ولو لم يكن خوف ) وإن كان فيه نفع من خفة السفينة ونحوها ( فقال : ألقه وعلي ضمانه ، ففي الضمان تردد ) من الأصل ، وعدم دفع ضرورة الخوف ، ونفي الخلاف الآتي ، ومن عموم المؤمنون عند شروطهم ، وقاعدة الغرور ، وعموم الوفاء بالعقود ، بناء على أن المفروض منه ( أقربه أنه لا يضمن ) وفاقا للشيخ والقاضي والفاضل وولده والكركي وغيرهم ، بل عن المبسوط نفي الخلاف فيه ، أو حكايته كما في كشف اللثام ، بل في المسالك عنه الإجماع عليه.

( وكذا لو قال مزق ثوبك وعلي ضمانه أو اجرح نفسك ) وعلى أرشه ( لأنه ضمان ما لم يجب ولا ضرورة فيه ) يشرع الضمان لهما والمباشر أقوى من السبب ، بل المبسوط قيل لا خلاف فيه أو نفي الخلاف لاختلاف النسخ (١) ، كما عن الإيضاح وجامع المقاصد القطع بعدم الضمان مع الخلو عن النفع‌

__________________

(١) في المبسوط المطبوع حديثا : فاما إذا لم يخافوا الغرق وقال لغيره ألق متاعك في البحر ففعل لا يلزمه بلا خلاف وكذلك إذا قال له حرق ثيابك وعلى ضمانه لا يلزمه بلا خلاف المبسوط ج ٧ ص ١٧١.

١٥٠

بالكلية.

بل في القواعد وكشف اللثام ومحكي الإيضاح اعتبار عدم اختصاص فائدة الإلقاء بصاحب المتاع في الضمان على القول المزبور وإلا بطل لأنه فعل ما هو واجب عليه لمصلحة نفسه فلا يستحق به عوضا ، كما لو قال للمضطر : كل طعامك وأنا ضامن.

ولكن احتمل غير واحد الضمان عملا بإطلاق الفتاوى ومعقد الإجماع أو نفي الخلاف وغير ذلك مما عرفت وهو قوى جدا.

وفي التحرير بنى الاحتمالين عليهما فيما إذا اشترك الخوف بينه وبين غيره فقال : « يحل له الأخذ إن لم نسقط الضمان هناك بالنسبة ولا يحل إن أسقطناه ».

وفي كشف اللثام « قد يمكن الفرق والقول بالسقوط هنا وان لم يسقط هناك لشركة الغير في الخوف فتكون الشركة مصححة لعقد الضمان وإذا صح لزم مقتضاه » وفيه انه إن كان المانع من الصحة وجوب مثل ذلك عليه فهو في المقامين ، وإن كان المقتضى لها مشروعية ذلك فقد عرفت إطلاق دليل المشروعية ، وحينئذ فيختص الضامن بضمان الجميع وإن اشترك المالك مع الخوف ، وربما احتمل التقسيط بنسبة المالك إلى الخائفين فإن كانوا عشرة سقط العشرة لأنه ساع في تخليص نفسه وإن تضمن تخليص الغير ، ولكنه واضح الضعف كما اعترف به غير واحد.

وحينئذ فلا فرق في الضمان على القول المزبور في الحال المذكور بين اختصاص صاحب المتاع به أو اشتراك غيره عدا الآمر ، وبين اختصاص الآمر به أو مع اشتراكه مع غيره ولو المأمور أو غيره أو مع اختصاصه بغيرهما. وسواء كان الخوف على النفس ، آدمي أو حيوان أو على المال ، لعموم مقتضى الصحة في الجميع.

وأولى منه ما لو باشر الضامن إلقاء مال غيره بعد ضمانه له.

١٥١

وبذلك ظهر لك الحال في الأقسام الخمسة التي ذكرها في المسالك (١) وغيره.

نعم لو ألقى المالك بنفسه متاعه لخوفه على نفسه أو غيره لم يضمنه أحد للأصل وغيره.

قيل (٢) « والفرق بينه وبين إيجار المضطر في حلقه الذي يرجع عليه بقيمة الطعام بأن ملقى المتاع إن شمله الخوف فهو ساع في تخليص نفسه مؤد واجبا عليه وإن حصل بذلك تخليص غيره من الغرق فلا رجوع ، بخلاف إيجار المضطر.

وإن لم يشمله الخوف بأن كان على شط أو في زورق ولا خوف عليه ، فالفرق أن المطعم مخلص لا محالة ودافع للتلف الذي يقضى إليه الجوع ، وملقى المتاع غير دافع لخطر الغرق ، بل احتمال الغرق قائم على تقدير الإلقاء وإن كان أضعف منه بدونه.

وإن كان هو كما ترى لا يرجع إلى حاصل يعتد به ، مع أنه يمكن فرض احتمال عدم النجاة في المؤجر في حلقه كما يمكن فرض القطع بالنجاة حينئذ في الإلقاء ، فالعمدة حينئذ الإجماع أو مباشرة الإتلاف في المضطر ولو بالإيجار ممن جعله الشارع وليا له في تلك الحال بخلاف من في السفينة.

ولو ألقى متاع غيره لخوفه عليه أو على نفسه أو غيرهما ضمن إذا لم يأذن له المالك بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ، لقاعدة من أتلف وغيرها ، وإن كان في حال وجوب الإلقاء على صاحب المتاع ، إذ ليس هو وليا له بل هو في حال الدافع عن نفسه كالمضطر الآكل لطعام الغير الذي لا إشكال في ضمانه ، لقاعدة احترام مال المسلم الذي لم يلجأه إلى إتلافه وليس هو كدفع الدابة الصائلة المفرط فيها صاحبها أو المنصوص عليه من حيث كونه من باب الدفاع المعلوم عدم اندراج الفرض فيه.

__________________

(١) المسالك ج ٢ ص ٤٩٨.

(٢) قاله في مفتاح الكرامة راجع ج ١٠ ص ٣٤٣.

١٥٢

وعلى كل حال فإذا قصر من لزمه الإلقاء فلم يلق حتى غرقت السفينة فعليه الإثم لا الضمان كما لو لم يطعم صاحب الطعام المضطر حتى هلك وإن طلبه منه. وكذا كل من تمكن من خلاص إنسان من مهلكة فلم يفعل أثم ولا ضمان للأصل وغيره كما نص عليه في المسالك وغيرها.

لكن عن التحرير « أنه لو اضطر إلى طعام غيره أو شرابه فطلبه منه فمنعه إياه مع غنائه عنه في تلك الحال فمات ضمن المطلوب منه لأنه باضطراره إليه صار أحق من المالك وله أخذه قهرا ، فمنعه إياه عند طلبه سبب هلاكه ».

ولم أجده فيما حضرني من نسخته في المقام (١) وفي كتاب الأطعمة ، وهو مشكل ضرورة عدم مقتض للضمان من مباشرة أو تسبيب أو غيرهما من الأفعال التي رتب الشارع عليها الضمان ، وليس ترك حفظه من الآفات منها وإن وجب عليه ذلك ، لكنه وجوب شرعي يترتب عليه الإثم دون الضمان.

ومنه ترك إنقاذ الغريق وإطفاء الحريق ونحوهما وإن كان مقدورا عليه ، بل التروك جميعها لا يترتب عليها ضمان إذا كان علة التلف غيرها وهي شرائط ، ومنه ما نحن فيه. بخلاف الحبس عن الطعام مثلا حتى مات جوعا ونحوه من الأفعال كما تقدمت الإشارة إليه في كتاب الغصب ، والمفروض في المقام ليس إلا تركا لما وجب عليه من إلقاء المال الصامت أو الحيوان غير الإنسان مقدمة لحفظ الإنسان فلا يترتب عليه ضمان فتأمل جيدا.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو قال عند الخوف ألق متاعك وعلي ضمانه مع ركبان السفينة ) على معنى ضمان كل منا له وهو المسمى بضمان الانفراد فهو ضامن الجميع وكذا غيره ان إذن له أو رضى بذلك كما هو صريح جماعة ، وظاهر‌

__________________

(١) حكاه في مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٤٣ عن التحرير ، وهو موجود في كتاب الجنايات من التحرير المطبوع ج ٢ ص ٢٦٦ وهذه عبارته « ك‍ لو أخذ طعام انسان. ولو اضطر الى طعام وشراب لغيره فطلبه منه ... ».

١٥٣

آخرين ، بل لا أجد فيه خلافا بينهم هنا ، وإن لم يحك القول به في ضمان الدية إلا عن ابن حمزة (١) وحينئذ فالإجماع إن تم هو الدليل له كأصل المسألة ، ويكون كرجوع المغصوب منه على ذي الأيدي المتعاقبة على المغصوب عدوانا ، فلا وجه للمناقشة بأنه لا يعقل اشتغال ذمم متعددة بمال واحد إذ هو كالاجتهاد في مقابلة الإجماع بعد فرض تمامه.

وإن قال ذلك على معنى ضمان كل منا ما يخصه على حسب التقسيط ، ضمن قسطه وهو المسمى بضمان الاشتراك.

ولو أطلق ( فامتنعوا ) من الضمان قبل الإلقاء أو بعده ( فإن قال : ) ( أردت التساوي ) بينى وبينهم ( قبل ) منه لأنه أعرف بنيته بل لعل ظاهر اللفظ المزبور ذلك وإن لم يقل ، تظهر الثمرة بموته قبل قوله ( و ) على كل حال ( لزمه ) ألزم من الضمان ( بحصته واما الركبان فإذا رضوا لزمهم الضمان ) أيضا كذلك ( وإلا فلا ) للأصل بعد فرض قبول قوله في عدم الجميع أو كون اللفظ ظاهرا فيه وبعد معلومية عدم الالتزام بشي‌ء بالفضولية فلا يلزم القائل ضمان الجميع كما عن بعض العامة للأصل واستناد التفريط إلى المالك حيث اكتفى باللفظ المزبور.

نعم إن ألقاه هو وقال : إني والركبان ضمنا ضمن الكل مع امتناعهم عليه للمباشرة ، خلافا لبعض العامة فلم يضمنه إلا بالحصة.

ولو قال : إني وكل من الركبان ضامن ، ففي كشف اللثام : « هو ضمان اشتراك وانفراد فهو يضمن الكل » ولعل المراد بضمان الاشتراك صيرورة كل منهم ضامنا مع الإذن أو الرضا لا الضمان بالحصة على وجه لا يستحق المضمون له على الضامن غيرها ، أن المراد استحقاق المضمون له المطالبة لهم أجمع بالجميع ومطالبته لكل منهم بالكل ، أو غير ذلك ، والأمر سهل بعد وضوح‌

__________________

(١) راجع مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٤٥.

١٥٤

المقصود ، والله العالم.

( ولو قال ) مع القول المزبور قد ( أذنوا لي ) في الضمان عنهم ضمان اشتراك بالحصص ( فأنكروا بعد الإلقاء ) ولا بينة ( صدقوا مع اليمين ) كما في كل منكر ( وضمن هو الجميع ) كما في القواعد والتحرير وإن لم يكن قد ضمن إلا ضمان التحاص لأنه غر المالك بكذبه عنهم.

وفيه أن التفريط من المالك في عدم استبانة الحال والأصل البراءة ، ومن هنا قيل لا يضمن إلا حصته كما عن كفالة الإيضاح وجامع المقاصد ، بل في المسالك « هو متجه » بل عن المبسوط والمهذب « أنه يضمن دونهم » ، وهو محتمل للضمان بالحصة أيضا ، ولو كان قبل الإلقاء فلا إشكال في ضمان حصته خاصة إذ التقصير من المالك حيث لم يستوثق ، والله العالم.

هذا وفي المسالك « أن المتاع الملقى لا يخرج عن ملك مالكه حتى لو لفظه البحر على الساحل أو اتفق الظفر به فهو لمالكه ويسترد الضامن المبذول إن لم ينقص قيمة المتاع ، وإن نقصت لزمه من المبذول بنسبة النقص ، وهل للمالك أن يمسك ما أخذ ويرد بدله؟ فيه وجهان تقدم مثلهما في المغصوب إذا رد الغاصب بدله لتعذر العين ثم وجدت ، وأولى بلزوم المعاوضة هنا » (١).

قلت : قد تقدم تحقيق الحال في ملك قيمته للحيلولة وأنه مراعي بوجود العين فمتى حصلت انفسخ الملك وإلا فلا ، لكن قد يقال : هنا يملك الضامن للعين بناء على أنه من باب القرض ، على معنى أن أمره بالإلقاء مضمونا عليه ينحل إلى توكليه في إدخاله في ملكه بقيمته في ذمة الموكل.

ثم لا يخفى عليك ما في دعوى بقاء العين على ملك المالك لو ظهرت مع عدم وجوب رد عين العوض الذي قبضه بدلها وأن له رد مثله أو قيمته ، ضرورة عدم انطباقه على شي‌ء من القواعد وقد تقدم في الغصب ماله نفع في المقام.

__________________

(١) المسالك ج ٢ ص ٤٩٨.

١٥٥

( ومن لواحق هذا الباب)

(مسائل الزبية )

بضم الزاء حفيرة تحفر للأسد وأصلها الأرض المرتفعة فوق الأكمه (١) ومنه المثل السائر « بلغ السيل الزبا » وانما سميت بذلك الحفيرة المزبورة لأنهم كانوا يحفرون للأسد في موضع عال.

وكيف كان ( فلو وقع أخذ في زبية الأسد فتعلق بثان وتعلق الثاني بثالث و ) تعلق ( الثالث برابع فافترسهم الأسد. ففيه روايتان إحداهما رواية محمد بن قيس ) الثقة بقرينة عاصم وروايته ( عن أبي جعفر عليه‌السلام ) التي رواها المحمدون الثلاثة (٢) صحيحا كما اعترف به غير واحد ، فما في المسالك (٣) من كونها ضعيفة باشتراك محمد بن قيس بن الثقة وغيره في غير محله ( قال قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في الأول فريسة الأسد ، وغرم أهله ثلث الدية للثاني ، وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية ، وغرم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة ).

ولفظه : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في أربعة اطلعوا في زبية الأسد فخر أحدهم فاستمسك بالثاني ، فاستمسك الثاني بالثالث ، فاستمسك الثالث بالرابع ،

__________________

(١) كذا في النسخ الثلاثة التي عندنا.

(٢) الكافي ج ٧ ص ٢٨٦ ـ التهذيب ج ١٠ ص ٢٣٩ ـ الفقيه ج ٤ ص ١١٦ ـ الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب موجبات الضمان ، الحديث ٢. واللفظ مطابق لما في الفقيه.

(٣) المسالك ج ٢ ص ٤٩٨.

١٥٦

حتى أسقط بعضهم بعضا على الأسد فقضى بالأول أنه فريسة الأسد وغرم أهله ثلث الدية لأهل الثاني ، وغرم أهل الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية وغرم أهل الثالث لأهل الرابع الدية كاملة ».

( و ) أما ( الثانية ) فهي‌ رواية مسمع (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ان عليا عليه‌السلام قضى » في قوم احتفروا زبية الأسد فوقع فيها الأسد فازدحم الناس ينظرون ، فوقع فيها رجل ، فتعلق بآخر ، فتعلق الآخر بآخر ، والآخر بآخر ، فجرحهم الأسد ، فمنهم من مات بجراحته ، ومنهم من أخرج فمات ( أن للأول ربع الدية وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وللرابع الدية كاملة وجعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا ) وكان ذلك في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمضاه.

( و ) لكن ( الأخيرة ضعيفة الطريق إلى مسمع ) بسهل بن زياد ومحمد بن الحسن بن شمون الغالي الملعون وبعبد الله بن عبد الرحمن الأصم الضعيف الغالي أيضا الذي هو من كذابة أهل البصرة ( فهي إذن ساقطة ).

وربما وجهت بفرض العدوان في حفر الزبية واستناد الافتراس إلى الازدحام المانع من التخلص فحينئذ ، الأول مات بسبب الوقوع في الزبية ووقوع الثلاثة عليه ، إلا أنه لما كان وقوعهم نتيجة فعله لم يتعلق به ضمان تنزيلا لما يتولد من المباشرة منزلتها وهو ثلاثة أرباع السبب فيبقى الربع على الحافر ، ولكنه مبني أيضا على توزيع الضمان على عدد الجنايات دون الجناة فإن الجاني حينئذ اثنان الحافر ونفسه ، وعلى اعتبار السبب وإدخاله في الضمان مع المباشرة الصورية (٢). لكن لغير ما هو سبب له ، وموت الثاني بسبب جذب‌

__________________

(١) الوسائل ، الباب ـ ٤ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

(٢) كذا في ثلاث نسخ عندنا ولكن في مفتاح الكرامة « القوية » مكان « الصورية ».

١٥٧

الأول وهو ثلث السبب ، ووقوع الاثنين فوقه وهو ثلثاه ، إلا أن وقوعهما فوقه من فعله ، أحدهما مباشرة والآخر توليدا ، فوجب ثلث الدية وسقط ثلثاها ، وموت الثالث من جذب الثاني له وهو نصف السبب ، ووقوع الرابع عليه وهو فعله فوجب نصف الدية ، والرابع له كمال الدية ، لأن سبب هلاكه جذب الثالث له خاصة ولا فعل له يسقط بإزائه شي‌ء.

ويحتمل قوله « وجعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا » وجعل ما عدا الربع الذي هو على الحافر المتعمد للحفر ، على عاقلة الثلاثة المزدحمين ، فجعل الثلث على عاقلة الأول والنصف على عاقلة الثاني والجميع على عاقلة الثالث لا على أنفسهم لأن ما صدر منهم الجذب إنما صدر بغير شعور للدهشة فهو كانقلاب النائم فليس هو عمد ولا شبيهه.

وعن بعض كتب (١) الإسماعيلية ، « أنه جعل ذلك على جميع من حفر الزبية ».

وعن مسند أحمد بن حنبل (٢) عن سماك ، عن حنش « أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : اجمعوا من قبائل الذين حفروا الزبية ربع الدية وثلثها ونصفها والدية كاملة ».

والكل كما ترى ، بل لعل إيكالها إليه مع فرض صحتها أولى من ذلك كله لندرة العمل بها.

نعم ( الأولى مشهورة ) كما اعترف به غير واحد بل في المسالك وغيرها من‌

__________________

(١) قال في الدعائم : « وروينا عنه ٧ من طريق اخرى. وجعل ذلك على جميع من حضر ( بالضاد ) الزبية » ‌الى ان قال وأوجبها على من حضر لأنهم لما ازدحموا اشتركوا كلهم في فع من سقط. راجع ج ٢ ص ٤١٦ ، ولكن في نسخ الكتاب « حفر » بالفاء.

(٢) مسند أحمد ج ١ ص ٧٧ وفيه : « حضروا » بالضاد ولكن في الأصل « حفروا » بالفاء كما أثبتناه. وراجع أيضا مسند أحمد ج ١ ص ١٢٨ وص ١٥٢.

١٥٨

كتب الخاصة والعامة ، بل في الروضة « نسبة العمل بها إلى الأكثر » ، بل في النافع « عليها فتوى الأصحاب » ، وفي نكت النهاية « هي أظهر بين الأصحاب وعملهم عليها » ، بل في التنقيح وغيره « لم يتأولها المتأخرون لشهرتها بين الأصحاب وعملهم عليها » وهي مجبورة بذلك وظاهر ذلك كله العمل بها لو وقع موردها ونحوه في زماننا هذا.

إلا أن المصنف هنا بعد أن اعترف بشهرتها قال ( لكنها حكم في واقعة ) مخصوصة يمكن اقترانها بما أوجب الحكم المزبور (١) والمخالف لمقتضي الأصول ، وتبعه عليه الفاضل وثاني الشهيدين وغيرهما ، مع أنه في النافع والنكت قد اعترف بما سمعت.

بل قال في الأخير بعد الاعتراف بأن عمل الأصحاب عليها : « قال ابن أبي عقيل في كتابه المستمسك : وغرم أهل الثالث لأهل الرابع الدية كاملة وكان الثلاثة قتلوا الرابع بجرهم إياه فعلي كل واحد ثلث الدية ، ولم يكن على الرابع شي‌ء ، لأنه لم يجر أحدا هذا كلامه إذا عرفت هذا فأقول أن الثاني والثالث قتلا وقتلا فلا دية لهما والرابع قتله الثلاثة فعلي كل واحد ثلث الدية ـ إلى أن قال بعد أن جزم بأنه من شبيه العمد ـ : وإنما قسط الدية للوجه الذي ذكرناه من النقل والتعليل النظري ، وإنما لم يلزم الأول زيادة عن ثلث الدية لأن المجذوب كما قتل قتل فسقطت الجنايتان ومن عداه لم يمسكه الأول وإنما أمسكه من بعده وكما قتل قتل عدا الرابع وقد أيد هذا الاعتبار الرواية عن أهل البيت » (٢).

وان كان هو كما ترى إن أراد تنزيل الخبر على ذلك ، ضرورة مخالفته لظاهرة أو صريحه من وجوه ، مع أنه لا يلزم من قتله شخصا آخر سقوط حقه عن قاتله.

__________________

(١) الظاهر زيادة الواو.

(٢) نكت النهاية ، كتاب الديات ، أربعة صفحات قبل آخر الكتاب.

١٥٩

والأضعف منه توجيهه بأن دية الرابع على الثلاثة بالسوية لاشتراكهم في سببية قتله وإنما نسبها إلى الثالث لأنه استحق على من قتله ثلثي الدية فيضيفا إليها ثلثا آخر ويدفعها إلى أولياء الرابع ، كما أن الثاني استحق على الأول ثلثا فأضاف إليه ثلثا آخر ودفعه إلى أولياء الثالث ، بل هو واضح الفساد ضرورة استلزامه كون دية الثالث على الأولين ودية الثاني على الأول ، إذ لا مدخل لقتله من بعده في إسقاط حقه كما عرفت.

وبالجملة لا إشكال في مخالفة الخبر المزبور للأصول لأنه لا يخلوا إما أن لا يسند الضمان إلا إلى المباشرة أو يشترك معها السبب وعلى الأول فاما ان يكون ما يتولد من المباشرة بحكمها أو لا وعلى كل حال فإما أن يكون قد وقع بعضهم على بعض وكان ذلك سببا للافتراق فالحكم ما تسمعه في المسألة الآتية وإلا فكل سابق يضمن دية اللاحق أو يشركه سابقه أو يضمن الأول الجميع.

لكن لا بأس بالعمل بها على مخالفتها للأصول بعد صحة سندها واشتهارها رواية وعملا ، بل قد عرفت دعوى عمل الجميع بها ، والمراد به الحكم بمضمونها لو وقع موردها وما شابهه في هذا الزمان.

ومن الغريب ما في كشف اللثام « من أن الصواب أن يقال إن الثاني والثالث كانا مملوكين وكانت قيمة الثاني بقدر ثلث دية الحر وقيمة الثالث بقدر ثلثيها ولم يقع أحد منهم على أحد أو وقع ولم يكن لذلك مدخل في الافتراس ، فعلي كل جميع دية من باشر جذبه ، بناء على اختصاص المباشر بالضمان » (١).

ضرورة إمكان القطع بأنه خلاف مضمون الخبر المزبور المشتمل على ما ينافي ذلك من وجوه خصوصا دفع الدية للرابع.

فليس حينئذ إلا العمل بالخبر المزبور على ظاهره أو طرحه والرجوع‌

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣١١.

١٦٠