جواهر الكلام - ج ٤٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الداخل والخارج فبحسب قسط الخارج ، ثم قال : « وعليه فهل يوزع باعتبار الوزن أو المساحة وجهان » (١).

( و ) لكن ذلك كله ساقط بناء على ما هو ( الأقرب ) وفاقا لمن عرفت من ( أنه لا يضمن مع ) (٢) ( القول بالجواز ) للأصل بعد عدم ما يدل على الضمان به معه كما عرفت الكلام فيه مفصلا ، ومنه يعلم النظر في كثير من الكلمات في المقام المبنية على عدم تحرير المسألة كتعليل الضمان بصدق أنه سبب وقد عرفت غير مرة أن ذلك ليس عنوانا للضمان كي يثبت بثبوته عرفا ، وكتعليل عدم الضمان بالضرورة إلى نصب الميازيب الذي رده غير واحد بأنه لا ضرورة إلى ذلك لإمكان وضعه في غير المفروض ، ونحو ذلك من الكلمات التي لا دخل لها في المسألة بعد ما عرفت فلاحظ وتأمل.

( و ) حينئذ فـ ( ـضابطه ) أي الضمان في ذلك ونحوه ( أن كلما للإنسان إحداثه في الطريق لا يضمن ما يتلف بسببه ) لا لعدم استتباع الجواز الضمان ، ضرورة عدم المنافاة عقلا ولا شرعا ، بل للأصل بعد عدم ما يدل على الضمان به مطلقا حتى مع الإذن من المالك الحقيقي ، وذلك لظهور ما عرفت من النص ( و ) الفتوى في أنه ( يضمن ما ليس له إحداثه كوضع الحجر وحفر البئر ) ونحو ذلك مما هو متأهل للضرر في الطريق على وجه لا يجوز له فعله فيه ، ويلحق به فعل الساهي والغافل وغير المكلف كما في غير المقام من الأسباب التي لا فرق فيها بين المكلف وغيره.

ومن هنا يتجه عدم اختصاص السبب بالعدواني ، نعم يخرج منه المأذون فيه شرعا ويمكن إرادة ذلك من العدواني فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فالمراد عدم الضمان فيما جاز له إحداثه في الطريق الذي هو كالإحداث في الملك أو في المكان المباح وحينئذ ( فلو أجج نارا ) مثلا ( في ملكه ) مع عدم احتمال التعدي ( لم يضمن ولو ) اتفق أنها ( سرت إلى

__________________

(١) المسالك ج ٢ ص ٤٩٦.

(٢) على ( ن ل ).

١٢١

غيره ) بطيران شراره مع سكون الهواء أو وجود حائل مانع من الريح ولم يتجاوز قدر الحاجة بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه للأصل وغيره ، بل وإن تجاوزها ( إلا أن تزيد على قدر الحاجة مع غلبة الظن بالتعدي كما في أيام الأهوية ) وعدم الحائل بلا خلاف ولا إشكال مع إرادة العلم من غلبة الظن لقاعدة نفي الضرر والضرار وصدق الإتلاف عليه ، بل الظاهر ذلك مع الفرض المزبور وإن لم يزد على قدر حاجته. وإطلاق المقنعة والنهاية والسرائر عدم الضمان بالإشعال في ملكه منزل على غير الفرض. بل الظاهر الضمان به مع قضاء العادة بالتعدي وإن غفل هو عن ذلك.

إنما الكلام فيما يفهم من المصنف وغيره من عدم الضمان مع عدم الزيادة على قدر الحاجة وإن غلب على ظنه التعدي بناء على إرادة العلم منه بل ومطلق الرجحان بل ومع الشك لصدق الإتلاف عليه ولو بتوليد فعله وإن لم يصدق عليه « أتلف » فإنه فرق بين نسبة الفعل وبين نسبة الإتلاف ، نعم لعله كذلك مع عدم ظن التعدي وإن زاد على حاجته للأصل بعد الإذن شرعا في فعل المالك في ملكه ما شاء في الحال المزبور كما سمعته في الحفر ووضع الحجر والبناء ونحوها ، مع أنه قد يتوقف فيه مما عرفت ومن النسبة المزبورة التي مقتضاها الضمان مطلقا إلا أن النص والفتوى على عدمه بما جرى منها مجرى أفعال العقلاء في العادة وإن اتفق تخلف ذلك وحصل التلف به على نحو التلف بباقي الشرائط ، بخلاف الإتلاف بها على جهة التوليد بحيث يسند التلف إلى فعله عادة ، نعم ليس الزيادة على قدر الحاجة مطلقا كذلك. ولعل الأقوى الثاني مع فرض تحقق النسبة عرفا كما أن الأقوى الأول مع عدمه.

وبذلك يظهر لك ما في كشف اللثام قال : « ولو لم يتجاوز قدر الحاجة مع ظن التعدي أو تجاوزها مع عدم ظنه فتعدت فأتلفت ففي الضمان قولان أقربهما العدم ، كما يظهر من الكتاب والشرائع ، والضمان فتوى‌

١٢٢

التحرير » (١).

والموجود عندنا في التحرير هنا « وإن أضرم النار في مكان له التصرف فيه بحق الملك أو إجارة فإن تعدى في ذلك بأن زاد على قدر الحاجة مع غلبة ظنه بالتعدي كما في أيام الأهوية ضمن ، وإن لم يتعد بأن أضرم قدر الحاجة من غير اتصال بملك الغير أو تخطيه (٢) وكان على الوجه المعتاد فحملتها الريح أو سرت إلى ملك غيره أو عصفت الأهوية بغتة فحملتها فأتلفت فلا ضمان ، وكذا البحث في فتح المياه » (٣).

وظاهر اعتبار الأمرين معا في الضمان كالمصنف ، نعم ظاهر الشهيد في ديات اللمعة الاكتفاء بأحدهما ، وقيل كما في الروضة : يكفي ظن التعدي إلى ملك الغير مطلقا ، وحينئذ فالأقوال ثلاثة ، لكن لا يخفى تشويش كلماتهم في كتاب الغصب وفي المقام ، ولعل التحقيق ما أشرنا إليه من عدم الضمان بما يترتب على فعله إذا كان جاريا على وفق المعتاد في مثل ذلك ، ضرورة كونه حينئذ كالتلف بباقي الشرائط بخلاف ما إذا كان التلف على جهة التوليد التابع للفعل بالنسبة إلى الفاعل عرفا فإن الأقوى الضمان به حينئذ ، وقد تقدم جملة من الكلام في كتاب الغصب فلاحظ وتأمل.

( و ) كيف كان فقد عرفت أنه ( لو ) أججها فاتفق أنها ( عصفت بغتة لم يضمن ) بلا خلاف ولا إشكال للأصل بعد إطلاق الإذن له في ذلك ( و ) عدم خروجه عن المعتاد فيه نعم ( لو أججها في ملك غيره ) بدون إذنه أو في الشارع لا لمصلحة المارة ( ضمن ) ما يتلف بها من ( الأموال والأنفس ) وإن لم يقصد ذلك بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كالمفيد والفاضل والشهيدين وغيرهما ما لم يعارض مباشر قوي كان ألقى فيها غيره نفسا أو مالا ولعل منه ترك التخلص‌

__________________

(١) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٠٧.

(٢) في التحرير : « أو بحطبه » وهو الصحيح كما لا يخفى.

(٣) التحرير ج ٢ ص ٢٦٥.

١٢٣

مع إمكانه بل الظاهر كون الضمان ( في ماله ) كما عن المفيد وغيره التصريح به ( لأنه عدوان مقصود ) كحفر البئر في ملك الغير عدوانا ونحوه مما عرفت من كون الضمان فيه على الفاعل لظاهر الأدلة ، ومن هنا اشتهر فيما بينهم أن الضمان بالشرط على الفاعل دون العاقلة.

لكن في محكي السرائر : « إن قصد بالإشكال القتل فهو قتل عمد وإن لم يقصد كان خطأ محضا والدية على العاقلة وحكم بضمانه الأموال » (١) وفي التحرير : « وإن قصد بإضرام النار إحراق المنزل والمال الخاصة وتعدى الإتلاف إلى النفس من غير قصد ضمن المال في ماله وكانت دية الأنفس على عاقلته » (٢).

ولا يخفى عليك ما في إطلاقه بعد الإحاطة بما ذكرناه ولعل التحقيق كون الضمان في ماله مع فرض كون التلف بإشعال النار على نحو التلف بحفر البئر وغيره من الشرائط بخلاف ماذا كان بتوليد فعله على وجه سبب إليه ما يترتب عليه فإن ذلك تجري فيه حينئذ الأقسام الثلاثة العمد وشبهه والخطأ المحض ، ضرورة كونه كغيره من أفعال المباشرة ، بل لعل ما في النهاية ومحكي المهذب يرجع إليه.

قال في الأول : « ومن رمى في دار غيره متعمدا نارا فاحترقت وما فيها كان ضامنا لجميع ما في الدار من النفوس والأثاث والأمتعة وغير ذلك ثم يجب عليه بعد ذلك القتل » (٣) ضرورة ظهور الضمان في كلامه فيما سمعته من الدية وأعواض الأموال ، وأما ما ذكره من القتل فيمكن أن يكون دليله‌ خبر السكوني (٤)

__________________

(١) السرائر كتاب الحدود ، باب ضمان النفوس وغيرها ، والمنقول هنا مضمون كلامه لا عينه فراجع.

(٢) التحرير ج ٢ ص ٢٦٥.

(٣) النهاية ج ٢ ص ٧٨٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول الفقيه ج ٤ ص ١٦٢.

١٢٤

عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « أن عليا عليه‌السلام قضى في رجل أقبل بنار أشعلها في دار قوم فاحترقت الدار واحترق أهلها واحترق متاعهم ، قال : يغرم قيمة الدار وما فيها ثم يقتل ».

بل عن الفاضل في المختلف أنه استوجه ما في النهاية مستدلا عليه بالخبر ، بل عن حواشي الشهيد أن عليه أكثر الأصحاب ، ويمكن أن يكون وجهه أنه مفسد مع فرض اعتياده لذلك على وجه يكون به محاربا أو مطلقا.

وبذلك يظهر لك النظر فيما ذكره المصنف في النكت ، قال : « يقتل قودا لا حدا ولا يلزم من قوله : « ثم يجب عليه بعد ذلك القتل » أن يكون ضمان النفوس شيئا غير ذلك » ثم ذكر الخبر المزبور وقال : « إنه ضعيف : فلا يمكن التمسك بظاهره » (١) إذ لا يخفى عليك ظهور عبارة النهاية في خلاف ما ذكره إن لم يكن صراحتها ، والقتل المزبور قد عرفت وجهه ، بل هو لم يستبعده فإنه بعد أن ذكر ما سمعت قال : « والوجه أنه إن قصد إتلاف الأنفس ولم يكن طريق إلى الفرار وجب في الأنفس القصاص وفي المال الضمان وأما الدار فيلزم قيمة ما تلف من آلتها وأرش ما نقص من طولها وعرضها (٢) وآلتها ولا يجب مع سلامة الأنفس القتل لكن إن اعتاد ذلك قصدا للفساد ورأى الإمام قتله حسما لفساده لم أستبعده » (٣).

قلت : فالمتجه حينئذ حمل كلام الشيخ على ذلك إذ محل البحث العدوان في وضع النار من دون قصد لقتل الأنفس أو معه لكن على نحو القصد بباقي الشرائط لا ما سمعته منه.

بل وكذا ما في كشف اللثام فإنه بعد أن ذكر ما سمعته من النهاية‌

__________________

(١) نكت النهاية ، خمسة صفحات قبل تمام الكتاب.

(٢) في النكت : « من طوبها وأرضها » وهو الصحيح.

(٣) نكت النهاية ، في تلك الصفحة أيضا.

١٢٥

والمهذب قال : « ولعلهما أرادا بالنفوس ما لا يكافيه من الحيوانات والأناسي ويحتمل بعيدا أن يريدا بقولهما : « ثم يجب عليه بعد ذلك القتل » فردا (١) من ضمان النفوس ، صرح به دون الضمان بالدية أو القيمة لأنه أخفى وأخف بالتنصيص » (٢) إذ هما معا كما ترى.

وكذا ما في محكي السرائر قال : « من أحرق دار قوم فهلك فيها أنفس وأموال كان عليه القود بمن قتله وغرم ما أهلكه بالإحراق من الأموال ، هذا إذا تعمد قتل الأنفس فأما إذا لم يتعمد قتل الأنفس لكن تعمد إحراق الأموال والدار فحسب فإنه يجب عليه ضمان الأموال والأنفس فدياتها على عاقلته ـ إلى أن قال ـ وذكر شيخنا في نهايته إلى آخر ما سمعته.

ثم قال : وهو غير واضح لأنه إن كان القتل عمدا فليس عليه إلا القود فحسب ، وإن كان شبه عمد أو الخطأ المحض فلا يجب عليه القود بحال » (٣) فإنه لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ( و ) التحقيق ما عرفت.

نعم ( لو قصد إتلاف الأنفس ) بالإحراق على وجه يتحقق فيه عنوان القصاص ولو بأن يكون بإضرامها فيها ( مع تعذر الفرار ) لمن أراد قتله ( كان عمدا ) موجبا للقصاص بلا خلاف ولا إشكال كما عرفته فيها وفي الماء في كتاب القصاص ، والله أعلم.

( ولو بالت دابته في الطريق قال الشيخ : يضمن إن زلق فيه إنسان ) مثلا سواء كان راكبها أو قائدها أو سائقها لأنها في جميع التقادير في يده فهو كما لو رش أو بال هو ، ونحوه عن ظاهر الوسيلة ، بل هو صريح موضع من‌

__________________

(١) كشف اللثام : قودا.

(٢) كشف اللثام ج ٢ ص ٣٠٨.

(٣) السرائر ، كتاب الحدود ، باب ضمان النفوس وغيرها ، وكان في عبارة الأصل سقطا فأصلحناه طبقا للمصدر.

١٢٦

القواعد ، لكن قال بعد ذلك بفاصلة قليلة : « ولو بالت الدابة أو راثت فزلق إنسان فلا ضمان إلا مع الوقوف على إشكال » (١).

فإن كان الإشكال راجعا للوقوف خاصة فهو منه رجوع ، وإن عاد إلى أصل المسألة فهو توقف بعد جزم في الأمرين معا.

أما في الأول فمن السبب مع ضعف المباشرة فهو كما لو رش أو ألقى في الطريق مزلقا ، ومن الأصل وعدم الاختيار في ذلك مع كون السير بالدابة من ضروريات الاستطراق وموضوعات الطرق.

وأما الثاني فلذلك ، ويؤكد الضمان فيه خروج الوقوف بها عن وضع الطرق ، وعن المحقق في حواشيه على هامش القواعد « لا يضمن إلا مع الوقوف لغير ضرورة وعدم علم الزالق بالروث والبول أو علم ولم يتمكن من التحرز » (٢) كما عن الشهيد والفاضل في التحرير ترجيح الضمان مع الوقوف (٣).

قلت : لا يخفى عليك ما فيه بعد ما ذكرناه سابقا من أصالة عدم الضمان بذلك بعد جعل الشارع عنوان الضمان صدق كونه سببا عرفا على أن ذلك ليس من أفعاله وكونها في يده لا يقتضي نسبة ذلك إليه ، ودعوى استفادته مما ورد في حفر البئر في الطريق ونحوه مما يضر به كما ترى ، مضافا إلى السيرة المستمرة على عدم التحرز عن ذلك وعدم وجوب إزالته وعدم الضمان لما يترتب عليه من غير فرق بين الماشية والواقفة إذ الوقوف جائز له أيضا مع عدم تضرر المارة به وحينئذ فالأصل بحاله ، ولعل اقتصار المصنف وغيره على نسبة ذلك للشيخ مشعر بعدم الموافقة عليه.

( وكذا ) قال الشيخ يضمن أيضا ( لو ألقى قمامة المنزل المزلقة كقشور البطيخ أو رش الدرب بالماء ) فزلق به إنسان مثلا ، ووافقه على إطلاقه غيره ولكن في المتن ( والوجه اختصاص ذلك بمن لم ير الرش أو لم يشاهد القمامة ) ولعله إليه يرجع ما في القواعد ، فإنه بعد أن أطلق الضمان بذلك قال : « ولو تعمد‌

__________________

(١) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٠٤.

(٢) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٠٤.

(٣) مفتاح الكرامة ج ١٠ ص ٣٠٤.

١٢٧

المار وضع الرجل عليه وأمكنه العدول فلا ضمان » ولعله لقوة المباشر.

وعلى كل حال فقد استدلوا بالتسبيب وعموم صحيحي (١) الكناني والحلبي ، بل في كشف اللثام احتمال الضمان ببل الطين في الطريق ولو كان لمصلحة المارة ، وفيه ما عرفته سابقا من ظهور النصوص في اعتبار العدوان بذلك في الضمان لا لأن الإذن الشرعية لا تستعقب ضمانا ، بل لظهور نصوص الضمان بمثل ذلك فيه ، فإن الصحيحين المزبورين ظاهران في المضر بالطريق ولا ريب في حرمة المعد لترتب الضرر منه وحينئذ فالمتجه في مثل الفرض تنقيح جواز ذلك في الطريق وعدمه ، ولعل السيرة في جميع الأعصار والأمصار مع الأصل تقتضي الجواز ، واتفاق الضرر نادرا لا ينافي ذلك ، فيتجه حينئذ عدم الضمان للأصل بعد الإذن الشرعية فيه التي قد عرفت غير مرة أنها أقوى من المالكية في دفع ذلك ، بل لعل المنساق من الإذن في نحو ذلك مما تعلق به حق الغير عدم الضمان ، نعم لو قلنا بعدم جوازه اتجه الضمان فيه وإن تعمد المشي فيه وكان له مندوحة عنه ، لإطلاق أدلة الضمان به إلا إذا صار على وجه يكون أقوى منه في حصول التلف ، فتأمل جيدا.

أما لو تلف به حيوان أو مجنون أو صبي غير مميز فلا إشكال في الضمان مطلقا.

ولو بنى دكة على باب داره في الطريق المسلوك أو غرس شجرة فعثر به إنسان مثلا فمات ضمن لما تقدم من النصوص ، وفيما كان منه للمصلحة العامة البحث السابق.

وكذا الكلام في كل ما يصنعه في الطريق من حفر وبناء وغيرهما ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢ ـ ١.

١٢٨

المسألة ( التاسعة : )

( لو وضع إناء ) مثلا ( على حائطه ) أو حائط يباح له التصرف فيه أو شجرة كذلك ( فتلف بسقوطه نفس أو مال لم يضمن ) بلا خلاف ولا إشكال ( لأنه تصرف في ملكه من غير عدوان ) كما سمعته فيما لو بنى في ملكه ، نعم لو وضعه مائلا إلى الطريق ضمن كما في القواعد وغيرها نحو الحائط المائل ، بل لو وضعه على وجه يسقط مثله ، ففيه البحث السابق في الحائط المبنى في ملكه بغير أساس.

المسألة ( العاشرة : )

( تجب حفظ دابته الصائلة كالبعير المغتلم والكلب العقور ) الذي اقتناه والفرس العضوض والبغل الرامح ونحو ذلك ، بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال ، لقاعدة الضرر ( و ) غيرها ، بل ( لو أهمل ضمن جنايتها ) بلا خلاف ولا إشكال ، لصحيح الحلبي أو حسنه عن الصادق عليه‌السلام « إنه سئل عن بختي اغتلم فقتل رجلا فجاء أخو الرجل فضرب الفحل بالسيف فعقر فقال : صاحب البختي ضامن للدية ويقتص ثمن بختيه » (١) وخبر علي بن جعفر « سأل أخاه عليه‌السلام عن بختي اغتلم فقتل رجلا ما على صاحبه؟ قال : عليه الدية » (٢).

ولا يعارض ذلك‌ النبوي « العجحماء جبار » (٣) ‌بعد قصوره من وجوه ، فيجب حمله على غير المفروض أو غير المملوك أو التي لم يفرط في حفظها أو التي فرط التالف بالتعرض بها ، كقول الصادق عليه‌السلام في مرسل يونس : « بهيمة الأنعام‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب موجبات الضمان.

١٢٩

لا يغرم أهلها شيئا ما دامت مرسلة » (١) ‌بل لعل المراد من الإرسال كونها غير صائلة أو مجهولة الحال أو المراد ما دامت من شأنها الإرسال بأن لا تكون صائلة ، بل قد يحتمل كون « لا يغرم » من باب الإفعال أو التفعيل أى يغرم من جنى عليها للدفع شيئا.

( و ) كذا لو جنت عليها دابة أخرى نعم ( لو جهل حالها أو علم ولم يفرط فلا ضمان ) بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كالحلي والفاضلين وغيرهم ، ولعله للأصل والنبوي (٢) » بل والمرسل (٣) بعد الشك في تناول الإطلاق المزبور له ولو للشهرة.

وخبر مسمع بن عبد الملك (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان إذا صال الفحل أول مرة لم يضمن صاحبه فإذا ثنى ضمن صاحبه » ‌بناء على أن المراد منه الإشارة إلى التفصيل المزبور باعتبار أنه أول مرة لا يعلمه المالك بخلاف المرة الثانية بل والأولى مع طولها بحيث علم به واستمر كذلك بعد العلم قادرا على حفظه.

( ولو جنى على صائلة جان للدفع ) عن نفسه أو نفس محترمة أو مال كذلك ( لم يضمن ) بلا خلاف ضرورة أولويته من هدر النفس له ، نعم ينبغي الاقتصار على مقدار ما يحصل به الدفع كما مر مفصلا في الدفاع ( ولو كان ) ما جناه عليه ( لغيره ) أى الدفاع ( ضمن ) بلا خلاف أيضا حتى لو كان انتقاما ، بل ولا إشكال لعموم أدلة الضمان ، وخصوص حسن الحلبي السابق أو صحيحه (٥)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب موجبات الضمان.

(٣) أى مرسل يونس الذي مر آنفا.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

١٣٠

وهو مراد الشيخ من قوله في النهاية : « فإن كان الذي جنى عليه البعير ضرب البعير فقتله أو جرحه كان عليه بمقدار ما جنى مما ينقص من ثمنه يطرح من ديته ما كان جنى عليه البعير » (١) فلا وجه لما عن السرائر من مناقشته « بأنه غير واضح لأن الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن لا ضمان بضرب البعير لأنه بفعله محسن » إذ قد عرفت أن المراد ضربه بعد الجناية عليه لا للدفع أو مع اندفاعه بدونه ، والله العالم.

( وفي ضمان جناية الهرة المملوكة تردد قال الشيخ : يضمن بالتفريط مع الضراوة ) وتبعه ابن حمزة وابن إدريس والفاضل وثاني الشهيدين وغيرهم إلحاقا له بالبعير المغتلم والكلب العقور وغيرهما من الدواب التي قد عرفت الضمان بها مع التفريط.

( و ) لكن في المتن ( هو بعيد إذ لم تجر العادة بربطها ) وحفظها بخلاف الدواب إلا أنه كما ترى ضرورة ندرة الضراوة في هرة مملوكة لمعين فلا وجه للاستناد إلى العادة في ذلك ، ومن هنا لم أجد قولا بعدم الضمان وإن أرسله بعض الناس.

نعم للعامة في ضمانها أربعة أوجه : الضمان مطلقا ، وعدم الضمان مطلقا (٢) والضمان بالليل دون النهار ، لأن انتشارها غالبا فيه ، والعكس ، لقضاء العادة بحفظ ما تقصده الهرة بالليل ، بل ظاهرهم البحث في ضمان ما تتلفه الهرة مطلقا ضارية أولا وهو مقام آخر يجرى مثله في الدواب ، نعم لم نجد هنا محررا في كلامهم ، بل ربما أشعر تقييدهم البعير هنا بالمغتلم ونحوه باختصاص الضمان فيه إلا أن المتجه القول فيه بالضمان مع التفريط أيضا بما جرت العادة فيه من حفظها ، بل لعل قوله في‌ المرسل السابق (٣) « ما دامت مرسلة » ‌مشعر بذلك في الجملة ، كما أن ما تسمعه من النص والفتوى في المسألة الحادية عشر دال عليه أيضا ، أما مع عدمه فلا ضمان قطعا للأصل وغيره والنبوي (٤) والمرسل (٥)

__________________

(١) النهاية ج ٢ ص ٧٨٥.

(٢) كانت عبارة الأصل هنا ناقصة فأتممناه.

(٣) أشرنا إلى مصادرها آنفا فراجع.

(٤) أشرنا إلى مصادرها آنفا فراجع.

(٥) أشرنا إلى مصادرها آنفا فراجع.

١٣١

وغير ذلك.

( نعم ) في المتن والقواعد وغيرهما ( يجوز قتلها ) بل في المسالك ظاهر هم الاتفاق عليه كغيره من المؤذيات.

وفي كشف اللثام « لعله لا شبهة في ذلك كغيره من المؤذيات » وظاهرهم الهدرية مع ذلك ، وهو كذلك في مقام الدفاع ، أما مع عدمه فقد عرفت تصريح النص والفتوى بضمانه ، بل قد يشكل أصل جواز القتل ، وإن جاز في الحيوان المؤذي غير المملوك ، وما سمعته من ابن إدريس إن كان المراد به ما نحن فيه ففي اقتضاء قاعدة الإحسان جواز قتله منع واضح ، لأن له مالكا يجب عليه حفظه فلا إحسان في قتله ، ومع التسليم فالمتجه الضمان جمعا بين الحقين ، ولحسن الحلبي المزبور (١) وغيره من أدلة الضمان.

المسألة ( الحادية عشر : )

( لو هجمت دابة على أخرى فجنت ) الدابة ( الداخلة ) فعن الشيخين والديلمي والقاضي وابن حمزة ( ضمن مالكها ، وإن جنت المدخول عليها كان هدرا ) بلا خلاف ولا إشكال للأصل وغيره ، أما الأول فل‌ خبر معصب بن سلام التميمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام « إن ثورا قتل حمارا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرفع إليه وهو في أناس من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر فقال : يا أبا بكر اقض بينهم ، فقال : يا رسول الله بهيمة قتلت بهيمة ما عليها شي‌ء ، فقال : يا عمر اقض بينهم ، فقال مثل قول أبي بكر ، فقال : يا علي اقض بينهم فقال : نعم ، يا رسول الله ، إن كان الثور دخل الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور وإن كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان عليهم ، فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده إلى السماء وقال : الحمد لله الذي جعل لي من يقضي بقضاء النبيين » (٢) ‌ونحوه خبر سعد بن طريف‌

__________________

(١) أشرنا إلى مصدرها آنفا فراجع.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ١.

١٣٢

الإسكاف (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام مع اختلاف ، إلا أن ضعف سندهما مع عدم الجابر يمنع من العمل بهما على الإطلاق.

( و ) لذا قال المصنف وغيره من المتأخرين ( ينبغي تقييد الأول بتفريط المالك في الاحتفاظ ) بل يمكن إرادة ذلك من الخبرين ، بل ومن الشيخ ومن تبعه خصوصا بعد ملاحظة ما ذكره في البعير المغتلم من اعتبار التفريط في الضمان أما مع عدمه فلا ضمان للأصل والنبوي (٢) و‌مرسل الحلبي « بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام إلى اليمن فأفلت فرس لرجل من أهل اليمن ومر يعد وفمر برجل فنفحه (٣) برجله فقتله فجاء أولياء المقتول إلى الرجل فأخذوه فرفعوه إلى على عليه‌السلام فأقام صاحب الفرس البينة عند علي عليه‌السلام أن فرسه أفلت في داره ونفح (٤) الرجل فأبطل علي عليه‌السلام دم صاحبهم ، فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : يا رسول الله إن عليا عليه‌السلام ظلمنا وأبطل دم صاحبنا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن عليا عليه‌السلام ليس بظلام (٥) ولم يخلق للظلم إن الولاية لعلي عليه‌السلام من بعدي والحكم حكمه والقول قوله ، ولا يرد ولايته وقوله وحكمه إلا كافر ، ولا يرضى ولايته وقوله وحكمه إلا مؤمن ، فلما سمع اليمانيون قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي عليه‌السلام ، قالوا : يا رسول الله رضينا بحكم علي عليه‌السلام فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هو توبتكم مما قلتم » (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢.

(٢) أى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : العجماء جبار.

(٣) في الأصل : « فبعجه » ولكن في التهذيب والكافي والأمالي والوسائل كما أثبتناه فراجع.

(٤) في الأصل : « بعج » ولكن في مصادر الحديث : « نفح ».

(٥) في الأصل : « ليس مبطلا له » ولكن في مصادر الحديث كما أثبتناه.

(٦) الكافي ج ٧ ص ٣٥٢ التهذيب ج ١٠ ص ٢٢٨ ، الأمالي للصدوق ص ٢١١ المجلس ٥٥ ، الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الضمان الحديث الأول.

١٣٣

ومنه يستفاد الضمان مع التفريط الذي قد عرفت إجماع المتأخرين عليه ، بل قد يستفاد منه أيضا الحكم بالضمان بجناية الدابة ما لم يثبت المالك عدم التفريط ، ولعله لذا أطلق في الخبر المتضمن قضاء علي عليه‌السلام بل ومن أفتى بمضمونه ، وإن كان الذي يظهر من المصنف وغيره اعتبار ثبوت التفريط في الضمان وإلا فلا ضمان ، للأصل وإطلاق « جبار القحماء » وغير ذلك ، والمسألة غير محررة وإن كان الأخير لا يخلو من قوة لعدم جابر للحجية للخبرين بالنسبة إلى ذلك كما أنه قد يشهد للأول إطلاق النص (١) في ضمان البختي المغتلم من دون اعتبار للعلم بتفريطه ، ولكن ظاهر الفتاوى خلافه. والله العالم.

المسألة ( الثانية عشر : )

( من دخل دار قوم فعقره كلبهم ضمنوا إن دخل بإذنهم وإلا فلا ضمان ) بلا خلاف أجده بل قيل قد يظهر من المبسوط الإجماع عليه ، لكونه كمن وقع في البئر مع الإذن في الدخول ، بخلاف ما إذا لم يأذن فإنه متعد كما لو وقع في البئر ، ولخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل دخل دار قوم بغير إذنهم فعقره كلبهم فقال : لا ضمان عليهم فإن دخل بإذنهم ضمنوا » (٢).

وخبر زيد بن علي عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام « انه كان يضمن صاحب الكلب إذا عقر نهارا ولا يضمنه إذا عقر بالليل وإذا دخلت دار قوم بإذنهم فعقرك كلبهم فهم ضامنون وإذا دخلت بغير إذنهم فلا ضمان عليهم » (٣).

ولعل التفصيل الأول فيما إذا عقر خارج الدار وقد فرطوا في حفظه والثاني فيما إذا عقر داخلها ، فلا منافاة.

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب موجبات الضمان.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٣.

١٣٤

و‌المرسل عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له : جعلت فداك رجل دخل دار قوم فوثب كلبهم عليه في الدار فعقره فقال : إن كان دعى فعلى أهل الدار أرش الخدش وإن لم يدع فلا شي‌ء عليهم » (١).

بل إطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الكلب حاضرا في الدار عند الدخول وعدمه ، ولا بين علمهم بكونه يعقر الداخل وعدمه ، ولو أذن بعض من في الدار دون بعض فإن كان ممن يجوز الدخول بإذنه اختص الضمان به وإلا فكما لو لم يأذن ، ولو اختلفا في الإذن وعدمه فالقول قول منكره للأصل.

ثم إن المنساق بل كاد يكون صريح قوله عليه‌السلام « دعى » اعتبار الإذن الخاصة دون العامة ، ويؤيده الأصل وغيره ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة عشر : )

( راكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها ) بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم ، بل عن الخلاف والغنية وغاية المرام وظاهر المبسوط الإجماع عليه ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة ، كخبر علاء بن الفضيل (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إنه سأل عن رجل يسير على طريق من طرق المسلمين على دابته فتصيب برجلها فقال : ليس عليه ما أصابت برجلها وعليه ما أصابت بيدها وإذا وقفت فعليه ما أصابت بيدها ورجلها وإن كان يسوقها فعليه ما أصابت بيدها ورجلها أيضا ».

وصحيح الحلبي (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « انه سئل عن الرجل يمر على طريق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢.

(٣) الكافي ج ٧ ص ٣٥١ ، الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٣.

١٣٥

من طرق المسلمين فتصيب دابته إنسانا برجلها فقال : ليس عليه ما أصابت برجلها ولكن عليه ما أصابت بيدها لأن رجلها خلفه إن ركب وإن كان قائدها فإنه يملك بإذن الله يدها يضعها حيث يشاء ».

ونحوه صحيح سليمان بن خالد (١) عنه عليه‌السلام أيضا بأدنى تفاوت.

وخبر أبي مريم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في صاحب الدابة أنه يضمن ما وطأت بيدها ورجلها ، وما بعجت برجلها فلا ضمان عليه ، إلا أن يضربها إنسان ».

ونحوه خبر غياث (٣) عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام ـ المحمولين على الراكب جمعا بينهما وبين غيرهما.

( و ) ‌خبر السكوني (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه ضمن القائد والسائق والراكب ، فقال : ما أصابت الرجل فعلى السائق وما أصابت اليد فعلى الراكب والقائد » ‌المحمول عليه ما في‌ خبره أيضا (٥) « إن عليا عليه‌السلام كان يضمن القائد والسائق والراكب » ‌إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة بما عرفت ، بل مقتضي إطلاق الجميع الضمان وإن لم يكن عن تفريط.

نعم ( فيما تجنيه برأسها ) فيه ( تردد ) للأصل ، وقاعدة الاقتصار على المتيقن فيما خالفه من الضمان مع عدم التفريط ، وإطلاق النبوي (٦) ولكن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٩.

(٢) التهذيب ج ١٠ ص ٢٢٧ ، الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٤ الكافي ج ٧ ص ٣٥٣ وفيه نفحت مكان بعجت.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٤ ـ الفقيه ج ٤ ص ١٥٦ ـ التهذيب ج ١٠ ص ٢٢٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ١١.

(٦) الذي مر سابقا وهو : « العجماء جبار ».

١٣٦

( أقربه الضمان لتمكنه من مراعاته ) المستفاد من التعليل في صحيحي الحلبي وسليمان (١) وفاقا للشيخين والحلي والفاضلين والشهيدين وغيرهم على ما حكى عن بعضهم ، بل ما في الرياض نسبته إلى الأكثر بل ظاهر محكي المبسوط الإجماع عليه وإن اقتصر فيه كالمقنعة على ذكر الفم إلا أن الظاهر إرادته الأعم من ذلك بل الظاهر ضمان بجميع مقاديم البدن للتعليل المزبور ، بل لم أجد قائلا صريحا بعدم الضمان وإن استظهر من اقتصار المراسم والغنية والخلاف والنافع على ضمان اليدين ، إلا أنه كما ترى ليس خلافا صريحا. والأصل مقطوع بما عرفت والنبوي مقيد به.

بل عن ظاهر الوسيلة أو صريحها ضمان ما تجنيه برجلها أيضا وإن لم نجد له موافقا ، بل عن الخلاف الإجماع على خلافه ، مضافا إلى ما سمعته من النصوص وغيرها ، بل ولا دليلا إلا‌ خبر إسحاق بن عمار عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام « إن عليا عليه‌السلام كان يضمن الراكب ما وطئت الدابة بيدها ورجلها إلا أن يعبث بها أحد فيكون الضمان على الذي عبث بها » (٢) ‌لكنه قاصر عن معارضة ما سمعت من وجوه ، فالمتجه حينئذ حمله على صورة التفريط ، أو على ما إذا كانت واقفة دون السائرة ، على أن أقصاه الإطلاق المحمول على التقييد المستفاد من خبر العلاء بن الفضيل (٣).

هذا كله مع فرض الركوب على المعتاد أما مع فرضه على خلافه بأن كان وجهه إلى خلف الدابة احتمل قويا العكس في الضمان ، لمفهوم التعليل المزبور ، وكونه كالسائق في ضمان الجميع إن لم يضطر إلى الركوب كذلك ،

__________________

(١) وهما المذكوران آنفا.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ١٠ ـ التهذيب ج ١٠ ص ٢٢٦ ـ الاستبصار ج ٤ ص ٢٨٤ وفي الأول : « بيدها أو رجلها » وفي الأخيرين « بيدها ورجلها » فراجع.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢.

١٣٧

أما اليدان فلإطلاق النص والفتوى ، وأما الرجلان فلأنه حينئذ يملكهما ، إلا أنه كما ترى بعد انسياق غير ذلك من الركوب.

نعم قد يقال باندراج الركوب وكلا رجليه إلى ناحية واحدة فيه ، بل لعل التعليل أيضا منطبق عليه ، ويحتمل اعتبار التفريط وعدمه اقتصارا على المتيقن فيما خالف الأصل.

ومن ذلك قد يقوى الاقتصار في الضمان المزبور على المباشرة دون التسبيب بمعنى أنه لو أصاب شي‌ء من موقع السنابك عين إنسان مثلا فأبطل ضوءها ، أو أتلفت برشاش ماء خاضه لم يضمن وإن استشكل فيه في القواعد ، مما عرفت ومن تناول الإطلاق لمثله ، بل لم يرجح أحد الطرفين في كشف اللثام ومحكي الإيضاح ، بل عن الشهيد أن الضمان قوي إلا أن الأقوى الأول ، نعم قد يقال بالضمان بمثل ذلك مع التفريط كما عن الكركي ، فتأمل جيدا.

( وكذا ) الكلام في ( القائد ) بمعنى ضمانه ما تجنيه بيدها ورأسها دون رجليها ما لم يكن عن تفريط فإن البحث فيه على حسب ما سمعته في الراكب دليلا وقائلا أو إجماعا (١) محكيا ونفي خلاف وغير ذلك مما عرفته حتى الإجماع المحكي عن الخلاف على عدم ضمان ما تجنيه برجلها مع زيادة حكايته عن الغنية أيضا ، فلا حاجة إلى إعادة الكلام.

( ولو وقف بها ضمن ما تجنيه بيديها ورجليها ) بلا خلاف أجده فيه لخبر العلاء بن الفضيل السابق ، بل الظاهر ضمان ما تجنيه مطلقا ولو برأسها وغيره ، وإن اقتصر المصنف كالمحكي عن المبسوط على اليدين والرجلين اعتمادا على ما ذكره في الراكب ، بل الظاهر أيضا عدم الفرق في ذلك بين الطريق الضيق والواسع والمفرط وغيره والراكب والقائد والسائق عملا بإطلاق النص والفتوى الذي لا ينافيه عدم العدوان في الوقوف مع الحاجة أو الضرورة وإن كان قد يناقش في صورة عدم التفريط وعدم التعدي بالوقوف بالنسبة إلى ضمان جنايتها برجلها‌

__________________

(١) وإجماعا ( ظ ).

١٣٨

بمنافاته للأصل وظهور التعليل بخلافه ، بل لعل إطلاق عدم ضمان الراكب والقائد جناية الرجل شامل للواقف وغيره ، اللهم إلا أن يكون إجماعا أو شهرة يرجح بها (١) ظاهر خبر العلاء المزبور عنه ، والله العالم.

( وكذا ) لا خلاف أجده في ضمانه ( إذا ضربها فجنت ) بيدها أو رجليها بل أو غيرهما ، سائقا كان أو راكبا ، وقائدا لحاجة أو غيرها ، مع التفريط وبدونه ، ولعله لتحقق نسبة الجناية إليه فتشمله العمومات ، مضافا إلى فحوى ما تسمعه من النصوص الآتية في ضرب الغير الذي أشار إليه المصنف بقوله ( وكذا لو ضربها غيره ضمن الضارب ) ما تجنيه مطلقا ولو على الراكب وغيره ، بل لا أجد فيه خلافا ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، لما عرفت من تحقق النسبة إليه ، و‌صحيح الحلبي أو حسنه (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل ينفر برجل فيعقره ويعقر دابته رجل آخر قال هو ضامن لما كان من شي‌ء » ‌وقوله عليه‌السلام أيضا في حسنه (٣) « أي رجل فزع رجلا على الجدار أو نفر به عن دابته فخر ومات فهو ضامن لديته وإن انكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه » وخبر أبي مريم السابق (٤) وغيره.

نعم ينبغي تقييده بما إذا لم يكن للدفع لها عن نفسه كما عن الوسيلة والغنية والسرائر وغيرهما التصريح به للأصل بعد الشك في اندراجه في إطلاق الأدلة خصوصا مع ملاحظة‌ خبر أبي بصير (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان‌

__________________

(١) في بعض النسخ : يرجع مكان يرجح.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

(٣) الكافي ج ٧ ص ٣٥٣ ، التهذيب ج ١٠ ص ٢٢٧ ، الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب قصاص النفس الحديث ٣.

١٣٩

راكبا على دابته فغشي رجلا ماشيا حتى كاد يوطئه فزجر الماشي الدابة عنه فخر عنها فأصابه به موت أو جرح قال : ليس الذي زجر بضامن إنما زجر عن نفسه » ‌ونحوه‌ خبره الآخر (١) عنه عليه‌السلام أيضا على اختلاف في ألفاظه وزيادة « وهي الجبار » ‌كخبر معلى بن عثمان (٢) عنه عليه‌السلام أيضا على اختلاف في ألفاظه مع الزيادة ، لكن قد يقال : « إن ذلك كذلك بالنسبة إلى الراكب المفرط في غشيانه ».

أما ما جنته على غيره ممن كان خلفه فقد يشكل عدم ضمانه باعتبار كون التلف مستندا إليه ولو بالتوليد من فعله ، فتأمل جيدا فإن التعليل قد يفهم منه من العموم لغيره ، والله العالم.

( وكذا السائق يضمن ما تجنيه ) إجماعا عن الغنية ولعله كذلك إذ لا خلاف أجده فيه بين من تعرض له منا كالشيخ وابن حمزة والفاضلين والشهيدين وغيرهم بل عن الخلاف نفيه بين المسلمين عن ضمان ما تجنيه بيديها ورجليها مضافا إلى ما سمعته في خبر العلاء بن الفضيل (٣) وما يفهم من التعليل السابق باعتبار كون جميعها قدامه ، والتفصيل في خبر السكوني (٤) السابق المشعر باختصاص الضمان بالرجل محمول على إرادة بيان مجرد الفرق في الجملة بين السائق وغيره ، خصوصا بعد عدم القائل به ، بل مقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق بين المفرط وعدمه.

ولو كان لها سائق وقائد وراكب ، فالظاهر الاشتراك فيما فيه الاشتراك والانفراد فيما فيه الانفراد ، (٥) وكذا السائق والقائد أو الراكب ، وهو مع القائد ، ولو كان المقود والمسوق قطارا ففي إلحاق الجميع بالواحد حكما وجهان ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ٥.

(٥) كانت عبارة بعض النسخ هكذا : الاشتراك فيما فيه الاشتراك والانفراد ، والانفراد فيما فيه.

١٤٠