جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

للرجل عشرون ، وللمرأة عشرة ، وللخنثى خمسة عشر ، وذلك ما ذكره ، وأراد بالحبة حبة شعير.

ولو اشترك رجل وخنثى في قتل امرأة قتلا بعد رد ثلاثة أرباع الدية إلى الرجل ، لأنه إنما جنى بقدر نصف ديتها ، ورد نصف الدية إلى الخنثى لذلك. وإن جامعهما امرأة رد عليهم قدر دية رجل وخنثى موزعة على الجميع كل على نسبته وقتلهم.

وبما ذكرناه وذكره المصنف ظهر لك الحال في جميع صور المباشرة والتسبيب انفرادا واجتماعا وإن أطنب بها في القواعد وغيرها على وجه يفيد الناظر فيها تشويشا ، ولكن حاصلها لا يخرج عما ذكرناه ، والحمد لله تعالى.

( الفصل الثاني )

في الشروط المعتبرة في القصاص وهي خمسة : )

( الأول : )

( التساوي في الحرية أو الرق ) على معنى عدم قتل الحر بالعبد لا العكس ، كما ستعرف إن شاء الله ( فيقتل الحر بالحر ) كتابا (١)

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨.

٨١

وسنة (١) وإجماعا بقسميه ، بل وضرورة ، بل ( وبالحرة ) ولكن ( مع رد فاضل ديته ) النصف بلا خلاف فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص المستفيضة أو المتواترة التي مر بعضها.

( ومنها ) خبر أبي بصير (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « إن قتل رجل امرأة وأراد أهل المرأة أن يقتلوه أدوا نصف الدية إلى أهل الرجل » و ( منها ) خبر أبي بصير (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام أيضا « قلت له : رجل قتل امرأة ، فقال : إن أراد أهل المرأة أن يقتلوه أدوا نصف ديته وقتلوه ، وإلا قبلوا نصف الدية ».

و ( منها ) خبر أبي مريم (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله برجل ضرب امرأة حاملا بعمود القسطاط فقتلها ، فخير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أولياءها أن يأخذوا الدية خمسة آلاف ويقتلوه » إلى غير ذلك من النصوص.

ولو امتنع الولي من رد الفاضل أو كان فقيرا ففي القواعد « الأقرب أن له المطالبة بدية الحرة وإن لم يرض القاتل ، إذ لا سبيل إلى طل الدم ».

وفيه أن المتجه العدم بناء على أن الأصل فيها القود ، والدية إنما تثبت صلحها موقوفا على التراضي ، فمع عدم رضا القاتل لتقف مطالبته بالقصاص على بذلك الولي الزائد ، وامتناعه عن ذلك لا يوجب الدية ، بل وكذا فقره ، بل أقصاه التأخير إلى وقت الميسرة ، وليس مثل ذلك طلا ، كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ و ٣١ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٥.

٨٢

( و ) كذا تقتل ( الحرة بالحرة وبالحر ) كتابا (١) وسنة (٢) مستفيضة أو متواترة وإجماعا بقسميه ، وما في بعض‌ النصوص (٣) عن جعفر عليه‌السلام « أن رجلا قتل امرأة فلم يجعل علي عليه‌السلام بينهما قصاصا وألزمه الدية » ‌محمول على نفيه من دون رد ، أو على جواز الصلح على الدية في ما فيه القصاص أو غير ذلك.

( و ) على كل حال فإذا قتلت الحرة بالحر ( لا يؤخذ ما فضل ) من دية الحر من تركتها أو من الولي كما في الخبر (٤) الآتي ( على الأشهر ) بل المشهور ، بل لا نجد فيه خلافا وإن أشعرت به عبارة المتن وغيره ، مع احتمال إرادة الأشهر رواية ، فان في‌ صحيح الحلبي (٥) عن الصادق عليه‌السلام « إن قتلت المرأة الرجل قتلت به ، وليس لهم إلا نفسها » ‌وفي‌ صحيح ابن سنان (٦) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في امرأة قتلت زوجها متعمدة ، إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها ، وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه » ‌وفي‌

خبر هشام بن سالم (٧) عنه عليه‌السلام أيضا « في المرأة تقتل الرجل ، قال : لا يجني الجاني على أكثر من نفسه » ‌إلى غير ذلك من النصوص الموافقة لقوله تعالى (٨) ( أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) وغيره من أدلة القصاص.

بل لم نعثر على ما ينافيها من النصوص إلا‌ خبر أبي مريم (٩) عن‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ و ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ـ ١٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ـ ١٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ـ ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ـ ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ـ ١٠.

(٨) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ـ ١٧.

٨٣

أبي جعفر عليه‌السلام قال « في امرأة قتلت رجلا ، قال : تقتل ، ويؤدي وليها بقية المال » ‌المخالف للكتاب (١) والسنة (٢) والقاصر سندا ولا جابر له ، بل رماه غير واحد بالشذوذ الموافق مع ذلك للعامة المحتمل للإنكار والاستحباب ، ومع ذلك قد عرفت عدم قائل بمضمونه ، كما اعترف به غير واحد ، بل حكى آخر الإجماع على خلافه.

نعم قيل : يحكى عن الراوندي حمل الرواية على يسار المرأة والصحاح على إعسارها ، وظاهره المخالفة في الجملة ، و‌عن تفسير علي بن إبراهيم (٣) « أن قوله تعالى (٤) ( الْحُرُّ بِالْحُرِّ ). ( وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ) ناسخ لقوله تعالى (٥) ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) » ‌وظاهره أنه لا يكتفى بالقصاص منها.

وفي المروي عن رسالة المحكم والمتشابه بإسناده (٦) عن علي عليه‌السلام في حديث « ومن الناسخ ما كان مثبتا في التوراة من الفرائض في القصاص ، وهو قوله تعالى (٧) ( وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) ـ إلى آخرها ـ فكان الذكر والأنثى والحر والعبد شرعا ، فنسخ الله ما في التوراة بقوله تعالى (٨) ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ) ، فنسخت هذه الآية ( وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) ».

وفي الوسائل « النسخ هنا بمعنى التخصيص ، فلا ينافي ما مر من أنها محكمة ، لبقاء العمل بها بعده » وأشار بذلك إلى‌ موثق زرارة (٩) عن أحدهما عليهما‌السلام « في قول الله عز وجل (١٠) ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ )

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٤.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨.

(٥) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ١٩.

(٧) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٨) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ١١.

(١٠) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

٨٤

ـ الآية ـ قال : هي محكمة ».

وهو حسن ، وإلا فطرح الرواية الأولى متعين ، للإجماع بقسميه على جواز قصاص الذكر من الأنثى وبالعكس ، مضافا إلى النصوص المستفيضة أو المتواترة (١) وخبر أبي مريم (٢) على تقدير العمل به لا ينافيه ، إذ هو أمر آخر.

وأغرب من ذلك ما عن بعض من أن قوله تعالى (٣) ( الْحُرُّ بِالْحُرِّ ) الآية منسوخ بقوله تعالى (٤) ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) الذي هو حكاية ما في التوراة ، مع أن الأصل عدم النسخ ، ولا منافاة بينهما ، وعلى تقديره فهو بالتعميم والتخصيص ، فيخص حينئذ قوله تعالى : ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) إلى آخرها بقوله تعالى ( الْحُرُّ بِالْحُرِّ ).

وبالجملة لا تأمل في الحكم المزبور ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، مضافا إلى ما عرفت.

هذا كله في النفس ، أما الأطراف فلا خلاف ولا إشكال في أنه يقتص للرجل منها من دون رجوع له زائد عن الجرح.

( و ) كذا لا خلاف ولا إشكال في أنه ( يقتص للمرأة من الرجل في الأطراف من غير رد ، وتتساوى ديتهما ) في ذلك ( ما لم يبلغ ) جراحة المرأة ( ثلث دية الحر ) أو تتجاوزه على خلاف تسمعه إن شاء الله.

( ثم ) إنها إذا بلغته أو تجاوزته دية أو جناية ( ترجع إلى النصف ) من الرجل فيهما معا ( فـ ) ـلا ( يقتص لها منه ) إلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١٧.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨.

(٤) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

٨٥

( مع رد التفاوت ) على حسب ما سمعته في النفس ، للنصوص (١) المستفيضة المعتضدة بعمل الأصحاب من غير خلاف محقق أجده فيه ، بل عن الخلاف الإجماع عليه.

قال أبان بن تغلب في الصحيح (٢) : « قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة كم فيها؟ قال : عشر من الإبل ، قلت : قطع اثنين ، قال : عشرون ، قلت : قطع ثلاثا ، قال : ثلاثون ، قلت : قطع أربعا ، قال : عشرون ، قلت : سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعا فيكون عليه عشرون!! إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قاله ، ونقول : الذي جاء به شيطان ، فقال : مهلا يا أبان ، إن هذا حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن المرأة تقابل الرجل إلى ثلث الدية ، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف ، يا أبان إنك أخذتني بالقياس ، والسنة إذا قيست محق الدين ».

وفي‌ حسن جميل أو صحيحه وغيره (٣) « سأله بين المرأة والرجل قصاص ، قال : نعم في الجراحات حتى يبلغ الثلث سواء ، فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل وسفلت المرأة » ‌إلى غير ذلك من النصوص.

نعم عن الشيخ في النهاية ما لم تتجاوز الثلث ، قال فيها : « وتتساوى جراحهما ما لم تتجاوز ثلث الدية ، فإذا بلغ ثلث الدية نقصت المرأة ويزيد الرجل ».

ولعله لنحو‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن أبي يعفور (٤) : « فإذا جاز الثلث كان في الرجل الضعف » وفي‌ خبر أبي بصير (٥)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قصاص الطرف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٢.

٨٦

جراحات المرأة والرجل سواء إلى أن تبلغ ثلث الدية ، فإذا جاز ذلك تضاعف جراحة الرجل على جراحة المرأة ضعفين » وفي الصحيح (١) « الرجال والنساء في القصاص السن بالسن والشجة بالشجة والإصبع بالإصبع سواء حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية ، فإذا جازت الثلث جرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدية ودية النساء ثلث الدية » ‌إلى غير ذلك من النصوص.

وفي كشف اللثام « وأخبار الأول أكثر وأصح ، لكن ربما يمكن فهم التجاوز من نحو‌ قوله عليه‌السلام : « فإذا بلغت الثلث ارتفع الرجل » فان مثل هذه العبارة ليست بعزيزة في إرادة المجاوزة ، ولعله للإشارة إليه وقع ما سمعته من عبارة النهاية. وعلى الجملة فلعل الإجماع منعقد على التساوي قبل بلوغ الثلث ، وعلى أنه إذا بلغته أو جاوزته كانت المرأة على النصف ».

وفيه منع تعارف التعبير عن المجاوزة بذلك ، وستسمع احتمال المراد في النهاية ، ودعوى كون الإجماع على الوجه الذي ذكره واضحة المنع ، خصوصا بعد ملاحظة عدم الفائدة في جعل الشرط أحدهما ، ضرورة الاستغناء بأولهما عن ثانيهما ، واحتمال كون المراد من الإجماع المزبور أن الشرط أحد الأمرين على القولين ـ بمعنى لا قائل بغيرهما ـ لا يفيد شيئا في تحقيق المسألة ، فليس إلا الترجيح فيها ، ولا ريب في كونه الثلث لأن النصوص المعارضة ـ مع قصور سند جملة منها وعدم مكافأتها لما مر من وجوه شتى ـ غير واضحة الدلالة إلا من حيث مفهوم اشتراط الجواز في الذيل ، وهو معارض بمفهوم الغاية في الصدر ، والجمع بينهما كما يمكن بصرف مفهوم الغاية إلى الشرط كذا يمكن بالعكس ، فلا يمكن الاستدلال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١٦.

٨٧

بها إلا مع المرجح المفقود في المقام إن لم نقل بوجوده على الخلاف من جهة الشهرة والصحاح المستفيضة وحكاية الإجماع المتقدمة. وبالجملة فدلالة النصوص على خلافها غير واضحة ، لتعارض المفهومين فيها بلا شبهة.

ومن هنا ينقدح وجه التردد في نسبة الخلاف إلى النهاية ، وقريب منها عبارة الإرشاد ، ولو لا شهرة نسبة الخلاف إلى النهاية لأمكن القول بأن النص بالتجاوز عن الثلث فيها إنما وقع مسامحة أو نظرا إلى كون البلوغ إلى الثلث من دون زيادة ولا نقيصة من الأفراد النادرة غاية الندرة ، بل قد يقال ـ بعد فرض تعارض الأدلة وتكافئها من كل وجه ـ : إن الأصل كون المرأة على الضعف من الرجل ولو باستقراء غير المقام.

فقد ظهر لك أنه لو قطع الرجل إصبعا وإصبعين أو ثلاثا من المرأة قطع مثلها منه قصاصا من غير رد ، ولو أخذت الدية أخذت كدية أصابعه ، ولو قطع أربعا منها لم تقطع الأربع منه إلا بعد رد دية إصبعين ، ولو أخذت منه الدية أخذت منه عشرين بعيرا دية إصبعين منه ، كما سمعت التصريح به في خبر أبان بن تغلب (١).

وهل لها إذا قطع الأربع منها القصاص في إصبعين منه من دون رد؟ إشكال من تحقق العمل بمقتضى التفاوت بينهما وهو الأخذ لها بالنصف مما له » وأنه كان لها قطعهما إذا قطعت منها اثنتان فقط فلها ذلك إذا قطعت منها أربع ، لوجود المقتضى وهو قطع اثنين وانتفاء المانع ، فإن الزائد لا يصلح مانعا ، ومن أنه خارج عن فتوى الأصحاب والأخيار ، فان الوارد فيها إما أخذ الدية عشرين من الإبل مثلا أو القصاص ورد عشرين عليه ، وهو ليس شيئا منهما ، وقصاص البعض ليس قصاصا ، ومنع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

٨٨

انتفاء المانع ، فإن الزيادة في الجناية كما منعت أخذ ثلاثين من الإبل فلم لا تمنع القصاص في إصبعين.

ولكن لا يخفى عليك ما في الأخير ، ضرورة اقتضاء إطلاق ما في النص والفتوى من الرجوع إلى النصف مع التجاوز أن لها القصاص في الإصبعين.

اللهم إلا أن يقال : إن التنصيف في الأربعة مشاع فلا طريق إلى استيفائه إلا بدفع الفاضل وقطع الأربع ، وإلا فالاثنان ليس نصف الأربعة على الوجه المزبور الذي هو بعد التجاوز استحقاقها في كل إصبع نصفا ، نحو قتل النفس المقتضى لاستحقاق قتل نصف نفس الرجل.

وفيه أن الدليل غير منحصر في التنصيف المزبور ، بل هو غيره مما عرفت ، مضافا إلى صدق التنصيف بذلك عرفا ، نعم يقوى الاشكال لو طلبت القصاص في ثلاث والعفو عن الرابع ، بل الظاهر العدم ، لكونه مخالفا للتنصيف الحاصل بالزيادة المزبورة ، فليس لها إلا الإصبعان قصاصا أو دية ، لانحصار حقها فيهما فتتخير حينئذ بين قطعهما وبين قطع الأربع ورد الزائد.

نعم قد يقال : إن لها ذلك مع الرد بناء على تخييرها فيه بين رد دية الإصبعين وقطع الأربع وبين رد دية واحد وقطع الثلاث ، كما أنها مخيرة في القصاص من دون رد بين قطع الإصبعين وبين قطع واحد وأخذ دية الآخر وإن كنت لم أجد من صرح بذلك.

وعلى كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا أنه ليس للرجل الامتناع من ذلك بأن يقول لها : إما أن تأخذي الدية ولا تقطعي شيئا من أصابعي أو تقطعي الأربع وتردي علي دية اثنين ، وإن احتمل بناء على أن الثابت لها بالأصالة إنما هو الدية أو القصاص في الأربع مع رد الفاضل ، وأما‌

٨٩

القصاص في اثنين فهو عوض عنهما فلا يثبت لها إلا صلحا ، ولكنه كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه.

ولو طلبت الدية لم يكن لها أكثر من دية إصبعين ، وليس لها أن تطلب دية ثلاث وتعفو عن الرابع ، لمخالفته ما سمعته من النص والفتوى.

نعم الظاهر أن الحكم المزبور إذا كان القطع للأربع بضربة واحدة ، وأما لو كان بأربع ضربات يقطع بكل واحدة إصبعا أو بضربتين يقطع بكل منهما إصبعين فالظاهر ثبوت دية الأربع أو القصاص في الجميع من غير رد كما صرح به غير واحد ، إذ كل ما جنى عليها جناية يثبت لها حكمها ، ولا دليل على سقوطه بلحوق جناية أخرى ، والجناية الأخيرة إنما هي قطع ما دون الأربع فلها حكمها ، ولا تسقط بسبق أخرى ، والله العالم.

( ويقتل العبد بالعبد ) كتابا (١) وسنة (٢) وإجماعا في الجملة ( وبالأمة ، والأمة بالأمة وبالعبد ) إذا كانا لمالك واحد واختار القصاص ، تساويا قيمة أو تفاوتا ، لأنه معنى القصاص ، ومقتضى إطلاق ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (٣) و ( الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ) (٤) و‌سأل إسحاق بن عمار (٥) الصادق عليه‌السلام « عن رجل له مملوكان قتل أحدهما صاحبه إله أن يقيده به دون السلطان إن أحب ذلك؟ قال : هو ماله يفعل فيه ما شاء ، إن شاء فعل ، وإن شاء عفا ».

وكذا لو كانا لمالكين وتساويا بالقيمة أو تفاوتا وكان القاتل الناقص ،

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

٩٠

أما العكس ففي القواعد الأقرب أنه لا بد من الرد ، وتبعه عليه غيره ، لأن القيمة في المملوك بمنزلة الدية في غيره ، وقواه في المسالك ، وظاهره في التحرير التوقف كاللمعتين ، ولكن فيه أنه كالاجتهاد في مقابلة إطلاق النص كتابا (١) وسنة (٢) والفتوى ، بل عن الوسيلة التصريح بالقصاص من غير رد ، كما هو مقتضى إطلاق غيره ، نعم لو لم يقتل وأراد الاسترقاق استرق منه بقدر قيمة عبده ، كما ستعرف إن شاء الله البحث فيه.

( ولا يقتل حر ) ولو أنثى فضلا عن الذكر والخنثى ( بعيد ولا أمة ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع عليه بقسميه ، مضافا إلى ظاهر الآية (٣) و‌قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) « لا يقتل حر بعبد » ‌وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام (٥) : « من السنة أن لا يقتل حر بعبد » وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي وغيره (٦) : « لا يقتل الحر بالعبد » ‌وإلى غير ذلك من غير فرق بين عبد نفسه وعبد غيره والقن والمدبر وأم الولد والمكاتب المشروط والمطلق حتى إذا أدى الكثير بناء على عدم خروجه عن حكم الرق بالنسبة إلى ذلك ، وسواء كانت قيمة العبد أقل من دية الحر أو أكثر أو مساوية ،

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٥ وسنن البيهقي ـ ج ٨ ص ٣٥.

(٥) سنن البيهقي ج ٨ ص ٣٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢ و ٣ و ٥.

٩١

بعبد نفسه واضح الفساد عندنا.

نعم ( قيل ) والقائل الشيخ في كتابي الأخبار وابنا حمزة وزهرة وسلار وأبو الصلاح على ما حكى ( إن اعتاد الحر قتل العبيد ) له أو لغيره ( قتل حسما للجرأة ) وللفساد ، بل عن كشف الرموز نسبته إلى الشيخ وأتباعه وإن قيل : إنه أوهمه فيه بعض من تأخر عنه ، بل عن الغنية نفي الخلاف فيه على الظاهر ، وعن أبي علي أنه أطلق قتله إذا اعتاد قتل عبيده ، وقال في عبيد الغير : إذا عرفت بقتلهم قتل في الثالثة أو الرابعة.

وعلى كل حال فذلك لما عرفت ، ولخبر الفتح بن يزيد الجرجاني (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « في رجل قتل مملوكه أو مملوكته قال : إن كان المملوك له أدب وحبس إلا أن يكون معروفا بقتل المماليك فيقتل به ».

وخبر يونس (٢) عنهم عليهم‌السلام قال : « سئل عن رجل قتل مملوكه ، قال : إن كان غير معروف بالقتل ضرب ضربا شديدا وأخذ منه قيمة العبد ، فتدفع إلى بيت مال المسلمين ، وإن كان معودا بالقتل قتل به ».

وخبر السكوني (٣) عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام « إن عليا عليه‌السلام قتل حرا بعبد » ‌بناء على تنزيله على المعتاد ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

عن أبي الفتح الجرجاني ، ولكن الموجود في الكافي ج ٧ ص ٣٠٣ والتهذيب ج ١٠.

ص ١٩٢ والاستبصار ج ٤ ص ٢٧٣ عن الفتح بن يزيد الجرجاني.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٩.

٩٢

ولكنها ـ مع أنها ظاهرة في قتل مماليكه لا الأعم منهم ومن غيرهم ـ ضعيفة ولا جابر ، ودعوى أنه نفى الخلاف المزبور بعد تبين عدمه كما ترى.

وما في الرياض ـ من أنه حسن والنصوص شاهدة عليه ، ولا منافاة بينها وبين ما مر من الأدلة بعدم قتل الحر بالعبد ، لظهورها في النفي على جهة القصاص ونحن نقول به ، ولكن لا ينافي ثبوته من جهة الفساد ـ يدفعه أنها قاصرة عن ثبوته أيضا من هذه الجهة ، ضرورة أنك قد عرفت عدم القتل حدا بمطلق الفساد ، بل هو في المحارب الذي لا يندرج فيه مثل ذلك ، وعلى تقديره فهو خروج عما نحن فيه.

وحينئذ فالمتجه عدم قتله به مطلقا ، كما هو المحكي عن الشيخين والصدوق وابن أبي عقيل والجعفي وابني البراج وحمزة والصهرشتي والطبرسي وابن إدريس والفاضلين وغيرهم ، بل عليه كافة الأصحاب عدا من عرفت.

وعلى تقديره فلا رد للفاضل من ديته على قيمة المقتول إذا قتل به لاعتياده وإن حكي عن المراسم والوسيلة والجامع ، لظهور كلامهم ، بل هو صريح المحكي عن ابن زهرة منهم في أن ذلك حد لا قصاص كي يتجه الرد ، واحتماله حتى على الأول واضح الفساد.

لكن في القواعد الإشكال في ذلك ، ولعله للإشكال في أنه قصاص ـ كما يشعر به لفظ « به » في الأخبار ـ أو حد ، كما عن الشيخ وغيره ، ولكن المحكي عن أكثر القائلين به عدم ذكر الرد ، فلا بأس بحمل الباء على السببية ، والله العالم.

( ولو قتل المولى عبده ) القن عمدا ( كفر ) كفارة الجمع ( وعزر ولم يقتل به ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل‌

٩٣

ولا إشكال في الأول ، لعموم الأدلة وخصوص النصوص (١) المصرح فيها بأنها كفارة جمع ، ولا ينافيها ما في بعضها (٢) من ظهور التخيير أو الاستحباب الذي يمكن إرجاعه إلى غيره ، ويكون الحكم مفروغا منه ، وكذا في الثاني الذي نص عليه خبرا يونس والجرجاني المتقدمان (٣) وغيرهما ، و‌في بعضها (٤) « ضربه مائة وحبسه » ‌بل عن الجامع ما في خبر جابر (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام من نفيه عن مسقط رأسه.

( و ) إنما الكلام في ما ( قيل ) من أنه ( يغرم قيمته ويتصدق بها ) والقائل المشهور ، بل في غاية المراد « هو قريب من المتفق عليه ، فان أكثر الأصحاب نصوا على الصدقة بثمنه ، كالشيخين وسلار وأبي الصلاح وابن البراج والصهرشتي وابن حمزة والطبرسي وابني زهرة وإدريس ، وهو قول صاحب الفاخر إلا أنه ذكره عقيب قتله تقريبا ، وما وجدت فيه مخالفا إلا ابن الجنيد ، فإنه أورده بصيغة وروي » وعن الغنية نفي الخلاف فيه ، وفي كشف الرموز « لا أعرف فيه مخالفا » وعن المهذب البارع « أنه قريب من الإجماع » وفي المسالك « لم يخالف صريحا إلا ابن الجنيد ، فإنه أورده بصيغة وروي » وهو المحكي أيضا عن فخر المحققين ، قيل : وكأنه مال إليه الآبي وأبو العباس.

لكن ومع ذلك كله قال المصنف ( وفي المستند ضعف ) سندا ودلالة مشعرا بالميل إلى العدم كالفاضل والمقداد ، بل هو صريح ثاني الشهيدين في المسالك وظاهر الأردبيلي أو صريح ، وذلك لأن مستنده‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ و ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ و ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٩.

٩٤

خبر يونس (١) المتقدم المرسل بناء على إرادة الصدقة مما فيه من أخذ القيمة وجعلها في بيت المال و‌خبر مسمع (٢) عن الصادق عليه‌السلام « أن أمير المؤمنين عليه‌السلام رفع إليه رجل عذب عبده حتى مات فضربه مائة نكالا ، وحبسه سنة ، وغرمه قيمة العبد ، فتصدق بها عنه » ‌وفي طريقها سهل بن زياد ، وضعفه مشهور ، ومحمد بن الحسن ابن شمون ، وهو غال ضعيف جدا ، وعبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، وهو ضعيف وليس بشي‌ء ، المشتمل مع ذلك على الحبس سنة ولا قائل به ، بل هو قضية عين فيمن عذب عبده حتى مات ، وهو أخص من المفروض ، فلا يصلحان قاطعين للأصل المعتضد بخلو النصوص المعتبرة المستفيضة (٣) الواردة في مقام البيان والحاجة عن ذلك.

ولكن في ذلك كله ـ مع أن الرواية المزبورة رواها في الفقيه بطريقه إلى السكوني الذي لا يخفى سكون الأصحاب إلى روايته ، وخصوصا في هذه الأبواب ، ولذا عد بعض خبره من القوي ـ أنه مناف لما تحقق في الأصول من جبر نحوهما بالأقل مما عرفت ، فضلا عنه وعن عمل ابني زهرة وإدريس اللذين لا يعملان إلا بالقطعيات ، وخلو المعتبرة عنه غير قادح بعد اشتمالهما عليه ، بل أقصاه أنه كالإطلاق والتقييد ، واشتمال الخبر على الحبس الذي لم يقل به أحد غير قادح في الحجية في غيره بعد انجباره ، على أنه يمكن أن يكون ذلك من التعزير المنوط بنظر الحاكم.

كل ذلك مضافا إلى المعتبرة المستفيضة (٤) الآتية الدالة على عدم قتل الحر بالعبد ، وأنه يلزم الجاني بالقيمة ويعزر ، فإنها مطلقة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القصاص في النفس.

٩٥

لا تنصيص في شي‌ء منها بكون الجاني مولى للمجنى عليه أم غيره فينسحب الحكم فيها بتغريمه القيمة إلى هنا أيضا ، غاية الأمر سكوتها عن مصرفها ، وحيث ثبتت القيمة بإطلاقها كان مصرفها الفقراء إجماعا ، ولعل الوجه في عدم استدلالهم بها تخيل اختصاصها بحكم التبادر بالجاني غير المولى ، وأثره بعد تسليمه مندفع بفتوى الأصحاب على العموم ، كما الدفع بها ما توجه على ما مر من النصوص ، فالمسألة بحمد الله خالية عن الاشكال.

( و ) على كل حال فـ ( ـفي بعض الروايات ) (١) وأفتى به بعض الأصحاب أنه ( إن اعتاد ذلك قتل به ) وقد عرفت تحقيق الحال فيه ، والله العالم.

( ولو قتل ) الحر ( عبدا لغيره عمدا أغرم قيمته يوم قتل و ) لكن ( لا يتجاوز بها دية الحر ولا بقيمة المملوكة دية الحرة ) بلا خلاف معتد به أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص.

ففي‌ خبر أبي بصير (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام إلى أن قال : « ولا يقتل حر بعبد ، ولكن يضرب ضربا شديدا ويغرم ثمنه دية العبد ».

وفي‌ خبره الآخر (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يقتل حر بعبد وإن قتله عمدا ، ولكن يغرم ثمنه ويضرب ضربا شديدا إذا قتله عمدا ، وقال : دية المملوك ثمنه ».

وفي‌ خبر سماعة (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « يقتل العبد بالحر ولا يقتل الحر بالعبد ، ولكن يغرم ثمنه ويضرب ضربا شديدا حتى لا يعود ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٣.

٩٦

وفي‌ الصحيح (١) عنه عليه‌السلام أيضا « لا يقتل الحر بالعبد ، وإذا قتل الحر العبد غرم ثمنه وضرب ضربا شديدا ».

وفي آخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا قتل الحر العبد غرم قيمته وأدب ، قيل : فان كانت قيمته عشرين ألف درهم ، قال : لا يجاوز بقيمة العبد دية الأحرار ».

وفي‌ خبر ابن مسكان (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « دية العبد قيمته وإن كان نفيسا فأفضل قيمته عشرة آلاف درهم ، ولا يجاوز به دية الحر ».

وفي‌ خبر الحسن بن صالح (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل حر قتل عبدا قيمته عشرون ألف درهم ، فقال : لا يجوز أن يجاوز بقيمة عبد أكثر من دية حر » إلى غير ذلك من النصوص.

فما عن ابن حمزة منا ـ من ردها إلى أقل من دية الحر ولو بدينار والشافعي ومالك من اعتبار القيمة ما بلغت ـ واضح الفساد ، بل لا نعلم مستندا للأول إلا الفرق بين الحر والمملوك ، وهو كالاجتهاد في مقابلة النص ، وإلا دعوى ما تسمعه من‌ مرسل الإيضاح (٥) « أن العبد لا يتجاوز بقيمته دية مولاه » ‌بناء على إرادة البلوغ من التجاوز فيه ، ولكنه كما ترى لا يستأهل أن يسطر.

نعم لم أجد في شي‌ء مما وصل إلى من النصوص ذكر الأمة ، ولكن ظاهر الأصحاب بل صريح جماعة بل قيل إنه إجماع أنها كذلك ما لم تتجاوز دية الحر ، ولولاه لأشكل الحال ، ضرورة كون الأصل عدم الرد ، مضافا إلى ظاهر النصوص السابقة من عدم تجاوز دية الحر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ٢ من كتاب الديات.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ٥ من كتاب الديات.

(٥) إيضاح الفوائد ج ٤ ص ٥٨٣.

٩٧

لا الحرة ، فلا يجدي حينئذ إرادة الأمة من العبد كما حكي عن القاموس ، إذ مقتضاه حينئذ ما ذكرناه ، ومرسل الإيضاح الذي لم نجده في شي‌ء من نصوصنا يقتضي عدم تجاوز قيمة العبد الذكر دية مولاته إذا كانت أنثى ، وعدم تجاوز قيمة الأمة دية مولاها الذكر ، وهو معلوم العدم ، فليس حينئذ إلا الإجماع المزبور.

ولو جنى عليه جناية فنقصت قيمته ثم مات من تلك الجناية ضمن قيمته كملا ، ولا يكتفى منه بأرش الجناية والقيمة يوم الموت ، فقد يكون أقل من تمام قيمته ، والنقص إنما حصل من فعله.

( ولو كان ) المقتول ( ذميا ) مملوكا ( لذمي ) أو أمة ذمية لذمية ( لم يتجاوز بقيمة الذكر دية مولاه ولا بقيمة الأنثى دية الذمية ) بلا خلاف أجده فيه ، بل كأنه إجماع ، وهو العمدة ، وإلا فلا دليل له من ( في خ ل ) النصوص السابقة ، نعم في المسالك ومحكي الإيضاح إرسال‌ خبر « أن العبد لا يتجاوز بقيمته دية مولاه » (١) ولم نجده في ما حضرنا من النصوص كما اعترف به في كشف اللثام ، مع أنه لا يتم في صورة ملك الذكر لأنثى وبالعكس ، كما عرفت.

ولو كان للذمي عبد مسلم وجب بيعه عليه ، فان قتل قبل ذلك فالأقرب أن ديته قيمته ما لم تتجاوز دية الحر المسلم وإن تجاوزت دية مولاه ، لإطلاق النص والفتوى مع ما له من شرف الإسلام. وربما احتمل اعتبار عدم الزيادة على دية مولاه ، لعدم استقرار الذمي على ملك المسلم ، ولما عن الإيضاح من‌ عموم الخبر « أن العبد لا يتجاوز بقيمته دية مولاه » (٢) وفي المسالك نسبته إلى الرواية. ولا يخفى عليك ما في ذلك بعد الإحاطة بما ذكرناه.

__________________

(١) إيضاح الفوائد : ج ٤ ص ٥٨٣.

(٢) إيضاح الفوائد : ج ٤ ص ٥٨٣.

٩٨

والعبد الذمي للمسلم كالمسلم في أن ديته قيمته ما لم تتجاوز دية الحر المسلم كما نص عليه الفاضل وغيره ، لإطلاق النصوص السابقة ، وخصوص خبر الإيضاح (١) وكون الرد على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على اليقين.

فما عساه يظهر من عبارة النافع بل هو المحكي عن صريح الأردبيلي ـ من اعتبار عدم تجاوز دية الحر الذمي والحرة الذمية ـ لا يخلو من نظر ، ومن الغريب ما في الرياض حيث إنه بعد أن ذكر المختار قال : فان تم إجماعا وإلا فوجهه غير واضح ، إذ قد عرفت أن الأمر بالعكس ، والله العالم.

( ولو قتل العبد حرا قتل به ، ولا يضمن المولى جنايته ، لكن ولي الدم بالخيار ) فيه ( بين قتله واسترقاقه ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وهو الحجة بعد استفاضة النصوص المعتبرة فيه.

ففي الصحيح (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « في العبد إذا قتل الحر دفع إلى أولياء المقتول فان شاؤوا قتلوه ، وإن شاؤوا استرقوه ».

وفي مرسل أبان بن تغلب (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إذا قتل العبد الحر دفع إلى أولياء المقتول ، فان شاؤوا قتلوه ، وإن شاؤوا حبسوه ، وإن شاؤوا استرقوه يكون عبدا لهم ».

وفي خبر يحيى بن أبي العلاء (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا قتل العبد الحر فلأهل المقتول إن شاؤوا قتلوا ، وإن شاؤوا استعبدوا ».

وفي خبر ابن مسكان (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا قتل‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ج ٤ ص ٥٨٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٦.

٩٩

العبد الحر فدفع إلى أولياء الحر فلا شي‌ء على مواليه ».

إلى غير ذلك من النصوص المؤيدة بالنسبة إلى الأخير بما دل من النصوص أيضا على أن‌ الجاني لا يجني على أكثر من نفسه (١) وأن المولى لا يضمن جناية عبده (٢) ‌وأن العبد لا يغرم أهله وراء نفسه شيئا (٣) وبالنسبة إلى الأول بالإجماع وغيره.

( و ) حينئذ فـ ( ـليس لمولاه فكه مع كراهية الولي ) لما سمعته من النصوص الظاهرة في كون التخيير إليه ، و‌خبر الوابشي (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوم ادعوا على عبد جناية تحيط برقبته فأقر العبد بها ، قال : لا يجوز إقرار العبد على سيده ، فإن أقاموا البينة على ما ادعوا على العبد أخذ العبد بها أو يفتديه مولاه » ‌لا صراحة فيه في كون الجناية عمدا » وعلى تقديره فهو قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه.

ولا ريب في ظهوره أيضا بعدم توقف استرقاقه على رضا المولى ، كما هو ظاهر الأصحاب بل عن الغنية الإجماع عليه. واحتماله ـ لأن قتل العمد يوجب القصاص ، ولا يثبت المال عوضا عنه إلا بالتراضي ، واسترقاقه من جملة أفراده ـ كالاجتهاد في مقابلة ظاهر التخيير في النصوص المقتضي لعدم اعتبار رضاه ، مؤيدا بالاعتبار ، وهو أن الشارع سلطه على إتلافه بدون رضا المولى المستلزم لزوال ملكه عنه ، فازالته مع إبقاء نفسه أولى ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ و ١٠ و ١٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ و ٩ و ١٠ ـ من أبواب ديات النفس من كتاب الديات.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ٢ من كتاب الديات.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ١ من كتاب الديات والباب ـ ٤١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٤.

١٠٠