جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ولا الامتناع من كمال الدية إذا طولب به » وهو مبنى على عدم مطالبته بدية المندمل ، والأمر سهل.

( الصورة السادسة ) التي هي أيضا من صور اشتراك الاثنين فما زاد في الجناية التي تقدم أكثر أحكامها ، ومنها ثبوت القصاص عليهما لو مات بسرايتهما معا ، ولكن قد وقع الشك في بعض أفرادها ، وهي ما إذا دخلت الأولى في الثانية كما ( لو قطع ) أحدهما ( يده من الكوع ) مثلا ( وآخر ذراعه فهلك ) وفي كشف اللثام من تلك اليد أو غيرها ، وفيه أنه خلاف مفروض المسألة بل ودليلها.

ومن هنا كان الأظهر عند المصنف أنه متى كان كذلك ( قتلا به ، لأن سراية الأول لم تنقطع بالثاني بشياع ألمه قبل الثانية ) على وجه تأثرت به الأعضاء الرئيسة ثم انضم إليه ألم الثانية ، فأشبه ما إذا أجاف أحدهما جائفة وجاء أحر ووسعها فمات ، فان القصاص عليهما ، والاحتمال الآخر المقابل لذلك اختصاص القصاص بالثاني ، لانقطاع سراية الجرح الأول بالثاني ، لدخوله في ضمنه ، والألم السابق لم يبلغ حد القتل ، نعم يلحق الأول حكم جنايته خاصة ، نحو ما لو جرحه شخص وأزهق نفسه آخر.

( و ) فيه أن ما نحن فيه ( ليس كذا ) أي ( لو قطع واحد يده وقتله الآخر ، لأن السراية انقطعت بالتعجيل ) للازهاق بخلاف القطع من المرفق مثلا ، فان الروح معه باقية والألم الحادث على النفس والأعضاء الرئيسة باق من الجنايتين.

وحاصل الفرق أن الجرحين إن كان إهلاكهما بالسراية كالقطعين والاجافتين فالقود عليهما ، وإلا بل كان أحدهما القتل والآخر الجراحة السارية فالقود على القاتل ، وعلى الجارح الآخر القصاص في الطرف أو ديته.

٦١

( و ) لكن مع ذلك ( في الأولى إشكال ) كما عن التحرير ، لمنع بقاء سراية الأول ، بل الظاهر انقطاعها واضمحلالها إلا إذا كانت بآلة مسمومة يسري جراحها عادة ، ولعله لا يخلو من قوة ما لم يعلم بقاء أثر الأولى على وجه يسند القتل إليه وإلى الثانية.

( ولو كان الجاني ) في الفرض ( واحدا دخلت دية الطرف في دية النفس إجماعا منا ) بقسميه إذا كانت قد ثبتت أصالة. وأما إذا ثبتت صلحا فالإشكال مع إطلاق الصلح عليها عوض القصاص ينشأ من دخول قصاص الطرف في النفس وعدمه ، كما ستسمع إن شاء الله.

( وهل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس؟ اضطربت فتوى الأصحاب ) فيه ( ففي النهاية ) ومحكي التحرير والإرشاد والتلخيص ( يقتص منه إن فرق ذلك ، وإن ضربه ضربة واحدة لم يكن عليه أكثر من القتل ) واختاره في المسالك والروضة ، بل نسبه في الأخير إلى أكثر المتأخرين.

( وهي رواية محمد بن قيس ) (١) ( عن أحدهما عليهما‌السلام ) « في رجل فقأ عين رجل وقطع أنفه وأذنيه ثم قتله ، فقال : إن كان فرق ذلك اقتص منه ثم يقتل وإن كان ضربه ضربة واحدة ضربت عنقه ولم يقتص منه ».

بل قيل و‌حسنة حفص بن البختري (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل ضرب رجلا فذهب سمعه وبصره واعتقل لسانه ثم مات فقال : إن كان ضربه ضربة بعد ضربة اقتص منه ثم قتل وإن كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل ولم يقتص منه » ‌وإن كان قد يناقش بأنها ظاهرة في السراية التي ليست هي محل البحث ، اللهم إلا أن يقال : إن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

٦٢

إطلاق الجواب فيه شامل لصورة المسألة.

نعم قد يدل عليه أيضا التعليل في ما تسمعه من صحيح أبي عبيدة (١) مؤيدا ذلك كله بما قيل من ثبوت القصاص في الأولى عند فعلها ، والأصل عدم زواله بخلاف ما إذا اتحدت الضربة وإن كان ستعرف ما فيه.

هذا ( وفي ) موضع من ( المبسوط والخلاف يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس ) وهو خيرة المحكي عن التبصرة والجامع ( وهي رواية أبي عبيدة ) (٢) ‌الصحيحة‌ عن أبي جعفر عليه‌السلام « سأله عن رجل ضرب رجلا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ وذهب عقله ، فقال : إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له فإنه ينتظر به سنة ، فان مات في ما بينه وبين السنة أقيد به ضاربه ، وإن لم يمت في ما بينه وبين سنته ولم يرجع إليه عقله أغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله ، قال : فما ترى في الشجة شيئا ، قال : لا ، لأنه إنما ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين ، وهي الدية ، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنى كائنا ما كان إلا أن يكون فيهما الموت ، فيقاد به ضاربه بواحده ، ويطرح الأخرى ، قال : وإن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنت ثلاث جنايات ألزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنات ما كانت ما لم يكن فيها الموت ، فيقاد به ضاربه ، قال : وإن ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات كائنة ما كانت ما لم يكن فيها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ديات المنافع ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ديات المنافع ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

٦٣

الموت ، » ولما روى (١) من « أنه إذا مثل انسان بغيره وقتله لم يكن عليه إلا القتل ولم يجز التمثيل به ... » ‌

( وفي موضع آخر من الكتابين ) لا يدخل قال فيهما ( لو قطع يد رجل ثم قتله قطع ثم قتل ) بل قيل : هو خيرة السرائر ونكت النهاية ، وإليه مال ابن زهرة ، للأصل والعمومات التي منها قوله تعالى (٢) ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ).

( والأقرب ) عند المصنف في الكتاب وإن توقف في النافع كالمختلف وظاهر القواعد وإن نفى البأس في الأول عما سمعته من ابن إدريس ( ما تضمنته النهاية لـ ) ـما عرفته من ( ثبوت القصاص بالجناية الأولى ) والأصل عدم التداخل ( ولا كذا لو كانت الضربة واحدة ).

( وكذا لو كان ) الموت ( بسراية ) جرح ( ه‍ كمن قطع يد غيره فسرت إلى نفسه ، فالقصاص في النفس لا في الطرف ) بلا خلاف كما في كشف اللثام ، بل الاتفاق محكي عليه في الرياض ، وحينئذ فلو قطع يده وسرى فمات بذلك اقتيد منه بضرب عنقه ، وليس عليه قطع يده ، لكن في كشف اللثام « نعم لو قطع الولي يده ثم ضرب عنقه لم يكن عليه شي‌ء » قلت : لا يخلو من نظر.

وعلى كل حال فقد يناقش في ما ذكره المصنف دليلا للأقرب بأن أدلة القصاص شاملة لاتحاد الضربة وتعددها ، وخروج السراية بالإجماع وغيره لا يقتضي خروج الفرض ، ودعوى أنه من باب السراية التي لا ينافيها عموم الأدلة ـ لقضاء العرف بأنه ما جنى عليه إلا جناية واحدة فيكون قتله خاصة اعتداء بما اعتدى والزائد تعد خارج ـ واضحة المنع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٤.

٦٤

في مفروض المسألة وإن تم ما ذكر في السراية.

نعم قد يقوى ذلك ، لاتفاق أكثر النصوص والفتاوى عليه ، فتخصص العمومات حينئذ بذلك ، بخلاف ما لو تعدد الضرب الباقي على مقتضى العمومات والاستصحاب بل والاعتبار ، ضرورة عدم اقتضاء التداخل فيه أنه لو قطع يده مثلا في سنة ثم يده الأخرى في أخرى ثم رجله كذلك ثم قتله عدم لزوم غير القود عليه أو دية النفس ، فينبغي اشتراط اتحاد الوقت أو تقاربهما ، ولكنه غير منضبط.

ولا يعارض جميع ذلك الصحيح الواحد الذي عارضه المصنف في نكت النهاية بخبر إبراهيم بن عمر (١) « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل ضرب رجلا بعصا فذهب سمعه وبصره ولسانه وعقله وفرجه وانقطع جماعه وهو حي بست ديات » ‌وإن كان وجه المعارضة في مفروض المسألة غير واضح ، اللهم إلا أن يكون وجهه أن ليس ذلك إلا لتعدد الجنايات وإن كانت الضربة واحدة ، ولا فرق بين حالي الحياة والموت وإن كان فيه أن النص والفتوى فارقان ، نعم يمكن حمل الصحيح المزبور على الموت بالسراية من الضربات المتعددة ، فإنه يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس حينئذ ، ولعل‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « إلا أن يكون فيهما الموت ـ أو ـ فيها » ظاهر في ذلك أو لا يأبى الحمل عليه ، خصوصا بعد الالتفات إلى ما في غيره ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ديات المنافع ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الديات المدفع ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

٦٥

( مسائل في الاشتراك : )

( الأولى : )

( إذا اشترك جماعة في قتل واحد قتلوا به ) مع الكمال ( و ) لكن على معنى أن ( الولي بالخيار بين قتل الجميع بعد أن يرد عليهم ما فضل عن دية المقتول ، فيأخذ كل واحد منهم ما فضل من ديته عن جنايته ، وبين قتل البعض ويرد الباقون دية جنايتهم ) على ولي المقتول قصاصا ( وإن فضل للمقتولين فضل قام به الولي ) الذي هو قد استوفى أزيد من حقه بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى معلومية كون شرع القصاص لحقن الدماء ، فلو لم يجب عند الاشتراك لاتخذ ذريعة إلى سفكها ، وإلى صدق كون المجموع قاتلا ، فيندرج في قوله تعالى (١) ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) إلا أنه منهي عن الإسراف في القتل ، ولعل منه قتلهم أجمع من دون رد ما زاد على جنايتهم عليهم ، ضرورة ظهور النصوص (٢) التي هي دليل المسألة أيضا في توزيع النفس على الجانبين ، فيجب على كل واحد منهم بنسبة الجميع ، فان كانوا اثنين فعلى كل واحد النصف ، أو ثلاثة فالثلث وهكذا.

فلو قتل الولي الاثنين مثلا كان المساوي لحقه واحدا مركبا منهما ، إذ على كل واحد منهما نصف نفس ، فيبقى لكل واحد منهما عليه نصف نفس لا تدارك لها إلا بالدية ، فيرد على ولي كل منهما نصف دية ، وهكذا‌

__________________

(١) سورة الإسراء : ١٧ ـ الآية ٣٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب القصاص في النفس.

٦٦

في الثلاثة فصاعدا ، فلو قتل واحدا من الثلاثة أدى له الاثنان ثلثي ديته.

ولو قتل منهم اثنين ففي المسالك « أدى إلى أولياء كل واحد نصف ديته وأخذوا من الثالث ثلث دية » فيجتمع لكل واحد من أولياء المقتولين ثلثا ديته ، ويسقط ما قابل جنايته ، وهو الثلث ، وفي كشف اللثام في الفرض « أدى الثالث ثلث الدية والولي ثلثي الدية ».

وفيه أن المتجه ما سمعته من المسالك من تأدية الثالث ثلث الدية عوضا عما يخصه من الجناية ، ويضيف إليه الولي دية كاملة ، فيصير لكل واحد من المقتولين ثلثا دية ، وهو فاضل ديته عن جنايته ، ولأن الولي استوفى نفسين بنفس ، فيرد دية نفس ، ولعل المراد مما في كشف اللثام تأدية الولي ما يكمل به لكل منهما ثلثا الدية ، وليس هو إلا الدية الكاملة مضافة إلى الثلث الذي أداء الثالث ، فإنه حينئذ يكون لكل من المقتولين ثلثا ديته ، وهو الزائد على قدر جنايته.

وعلى كل حال فلا إشكال في الحكم المزبور عندنا ، لقاعدة لا ضرر ولا ضرار منضمة إلى عموم أدلة القصاص ، وللإجماع بقسميه عليه ، وللنصوص المستفيضة.

قال ابن يسار (١) : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام في عشرة قتلوا رجلا ، فقال : إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعا وغرموا تسع ديات ، وإن شاؤوا تخيروا رجلا وأدى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الآخر عشر الدية كل رجل منهم ، قال : ثم الوالي بعد يلي أدبهم وحبسهم ».

وقال ابن مسكان (٢) : « قال الصادق عليه‌السلام في رجلين قتلا رجلا : إذا أراد أولياء المقتول قتلهما أدوا دية كاملة وقتلوهما ، وتكون الدية بين أولياء المقتولين ، فإن أرادوا قتل أحدهما فقتلوه أدى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٤.

٦٧

المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول ».

وقال هو عليه‌السلام أيضا في صحيح الحلبي (١) « في عشرة اشتركوا في قتل رجل : تخير أهل المقتول » ‌فأيهم شاؤوا قتلوا ، ويرجع أولياؤه على الباقين بتسعة أعشار الدية ».

إلى غير ذلك من النصوص التي تقدم بعضها أيضا ، بل ظاهرها أو صريحها تعلق ما زاد على جناية المقتول بغيره من الجاني المتروك دون الولي وإن كان مقتضى القواعد التزام الولي بها ، لأنه المباشر للإتلاف وإن كان له حق على الآخر ، فيؤدي هو له ، ويرجع بما يستحقه على الآخر.

بل ظاهرها أيضا عدم اعتبار تقديم الأداء في الاقتصاص ، نعم ظاهر المصنف وغيره اعتباره من المقتص لو أراد قتل الجميع ، كما هو ظاهر لفظ « ثم » في صحيح أبي مريم (٢) الذي ستسمعه في المسألة الثانية فلاحظ وتأمل ، وستسمع إن شاء الله بعض الكلام فيه في ما يأتي إن شاء الله.

وعلى كل حال فما عن بعض العامة ـ من أنه ليس للولي إلا قتل واحد منهم ويأخذ حصة الآخرين ، ولا يقتل الجميع ـ واضح الفساد عندنا وإن كان مرويا في طرقنا ، كحسن أبي العباس (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا اجتمع العدة في رجل واحد حكم أن يقتل أيهم شاء وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد ، إن الله عز وجل يقول (٤) : ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ، فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً )

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ـ ٨.

(٤) سورة الإسراء : ١٧ ـ الآية ٣٣.

٦٨

، وإذا قتل الثلاثة واحدا خير الولي أي الثلاثة شاء أن يقتل ويضمن الآخران ثلثي الدية لورثة المقتول » ‌ولكنه شاذ قاصر عن معارضة غيره من وجوه ، فليحمل على الندب أو التقية أو غيرهما.

وكذا ما عن آخر منهم أيضا من استحقاق الولي دم كل واحد منهم مجانا من غير رد ، كما إذا قذف جماعة واحدا واستوفى الحد من الجميع.

وما عن ثالث منهم أيضا من فض القصاص عليهم ، على معنى استحقاق الولي عشر الدم في العشرة إلا أنه لا يمكن استيفاؤه إلا باستيفاء الباقي ، وقد يستوفى من المتعدي غير المستحق عليه إذا لم يمكن استيفاء المستحق إلا به ، كما لو أدخل الغاصب المغصوب في بيت ضيق واحتيج في رده إلى قلع الباب وهدم الجدار ، والضرر هو الذي أدخله على نفسه ، إذ هما أيضا كما ترى مجرد تهجس وتخمين لا يوافق عقلا ولا نقلا.

( و ) كيف كان فـ ( ـتتحقق الشركة ) مثلا ( بأن يفعل كل منهم ما يقتل لو انفرد ) كأن أمسكوه جميعا فألقوه من شاهق أو في النار أو البحر أو جرحوه جراحات قاتلة أو اشتركوا في تقديم الطعام المسموم ( أو ما يكون له شركة في السراية ) كل ذلك ( مع القصد ) من كل منهم ( إلى الجناية ).

ولو اتفق جمع على واحد وضربه كل واحد سوطا فمات وجب القصاص على الجميع بلا فرق بين ضارب السوط الأول وضارب الأخير ، لاستواء الكل في سببية الموت ، إذ كما أنه لو اكتفى الأول لم يمت فلو لم يكن الأول لم يمت بالأخير.

وعن العامة قول بأنه لا قصاص ، وآخر إذا وقع منهم اتفاقا دون ما إذا تواطؤوا عليه ، وهما معا كما ترى.

نعم قد يشك في ثبوت القصاص على الجميع لو فرض ترتب الأسواط‌

٦٩

وكان موته من السوط الأخير ، بل ينبغي الجزم بعدمه لو فرض كونه على وجه يسند إليه الموت نحو إسناده في الجرح الذي يحصل به الموت دون سرايته للمجروح سابقا ، وبالجملة المدار على صدق الاشتراك والاتحاد.

( و ) على كل حال فـ ( ـلا يعتبر التساوي في ) عدد ( الجناية ، بل لو جرحه واحد جرحا والأخر مائة ) أو ضرباه بسوط كذلك ( ثم سرى الجميع فالجناية ) قصاصا ( عليهما بالسوية ) على الوجه الذي عرفت ( ولو طلب الدية كانت ) الدية ( عليهما نصفين ).

وكذا لا يعتبر التساوي في جنس الجناية ، فلو جرحه أحدهما جائفة وآخر أمه بل لو جرحه أحدهما وضربه الآخر فمات كان الحكم كذلك.

المسألة ( الثانية : )

( يقتص من الجماعة في الأطراف كما يقتص في النفس ) بلا خلاف ولا إشكال ( فلو اجتمع جماعة على قطع يده أو قلع عينه فله الاقتصاص منهم جميعا بعد رد ما يفضل لكل واحد منهم عن جنايته ، وله الاقتصاص من أحدهم ، ويرد الباقون دية جنايتهم ) نحو ما سمعته في النفس ، لفحوى ما سمعته فيها ، ولصحيح أبي مريم الأنصاري (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل ، قال : إن أحب أن يقطعهما أدى إليهما دية يد يقتسمانها ثم يقطعهما ، وإن أحب أخذ منهما دية يد ، وإن قطع يد أحدهما رد الذي لم يقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب القصاص الطرف ـ الحديث ١.

٧٠

( و ) بالجملة لا إشكال في اتحاد الطرف والنفس في ذلك ، نعم يفترقان في أن الاشتراك في الأخير يتحقق بموته بالأمرين أو الأمور سواء اجتمعت أو تفرقت بخلاف الأول فإنه لا ( تتحقق الشركة في ذلك ) إلا ( بأن يحصل الاشتراك في الفعل الواحد ) المقتضي للقطع كأن يشهدوا عليه بما يوجب القطع ثم يرجعوا أو يكرهوا إنسانا على قطعه أو يلقوا صخرة على طرفه فتقطعه أو يضعوا حديدة على المفصل ويعتمدوا عليها أجمع ونحو ذلك.

( فـ ) ـأما ( لو انفرد كل واحد بقطع جزء من يده لم يقطع يد أحدهما ، وكذا لو جعل أحدهما آلته فوق يده والآخر تحت يده واعتمدا حتى التقتا فلا قطع في اليد على أحدهما ، لأن كلا منهما منفرد بجنايته لم يشاركه الآخر فيها ) حتى الجزء الأخير الذي تحصل به الإبانة التي هي من جملة القطع لا شي‌ء خارج عنه كالموت ، وحينئذ ( فعليه القصاص في جنايته حسب ) إن أمكن ، وإلا فلا قصاص ، كما هو واضح. فلا شركة حينئذ إلا مع الاشتراك في القطع على الوجه الذي عرفت حتى يكون الحكم فيه نحو ما سمعته في النفس.

وكذا تتحقق الشركة لو قطع أحدهم بعض اليد من غير إبانة والثاني في موضع آخر كذلك والثالث في موضع ثالث وسرى الجميع حتى سقطت اليد ، نحو تحققها في النفس إذا جرحوه جراحات فسرت الجميع ، كما صرح به الفاضل في القواعد وشرحها للاصبهاني ، فتأمل.

٧١

المسألة ( الثالثة : )

( لو اشترك في قتله امرأتان قتلتا به ولا رد ، إذ لا فاضل لهما عن ديته ) وسأل محمد بن مسلم (١) في الصحيح أبا جعفر عليه‌السلام عن ذلك فقال : « يقتلان به ، ما يختلف فيه أحد ».

( ولو كن أكثر كان للولي قتلهن بعد رد فاضل ديتهن ) يقسم عليهن ( بالسوية إن كن متساويات في الدية ) بأن كن جميعا حرائر مسلمات ( وإلا ) بأن كان فيهن مثلا ذمية أو أمة لا تبلغ قيمتها دية الحرة ( أكمل لكل واحدة ) منهن ( ديتها ) على اختلافها ( بعد وضع أرش جنايتها ).

فلو كن ثلاثا قتلهن ورد دية امرأة إلى الجميع ، وله قتل اثنتين منهن فترد الثالثة ثلث دية الرجل إليهما بالسوية ، لأن كلا منهن جنت الثلث ، وله قتل واحدة فترد الباقيتان عليها ثلث ديتها ، وعلى الولي نصف دية الرجل ، فان جنايتهما توازي ثلثي دية الرجل ، وأولياؤه استوفوا بقتل امرأة نصفها ، بقي لهم النصف الآخر يأخذونه من الباقيتين وكل منهن إنما جنت الثلث فزادت دية كل على جنايتها بقدر ثلث ديتها.

ولو قتل الرجلان امرأة فلأوليائها القصاص بعد رد فاضل دية الرجلين عن جنايتهما ـ وهو دية ونصف ـ عليهما فيرد إلى كل واحد ثلاثة أرباع ديته ، وهو واضح.

( ولو اشترك رجل ) حر ( وامرأة ) كذلك في قتل رجل حر مسلم ( فعلى كل واحد منهما نصف الدية ) مع الاتفاق عليها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١٥.

٧٢

( وللولي قتلهما ) معا بعد رد نصف الدية الذي هو زائد على حقه ( و ) لكن ( يختص الرجل بـ ) ـه أي ( الرد ) المزبور وفاقا للأكثر بل المشهور ، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما تسمعه من المقنعة ، إذ لا فاضل عن قدر جنايتها ، والمستوفي من الرجل ضعف جنايته ، فيكون الرد مختصا به.

بل قد يدل عليه في الجملة‌ خبر أبي بصير (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سئل عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلا خطأ ، فقال : إن خطأ المرأة والغلام عمد ، فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما ، ويردون على أولياء الغلام خمسة آلاف درهم ، وإن أحبوا أن يقتلوا الغلام قتلوه وترد المرأة على أولياء الغلام ربع الدية ، وإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوا المرأة قتلوها ، ويرد الغلام على أولياء المرأة ربع الدية ، قال : وإن أحب أولياء المقتول أن يأخذوا الدية كان على الغلام نصف الدية ، وعلى المرأة نصف الدية » ‌وإن كان هو مختل المتن من وجوه لا تخفى.

( و ) قال المفيد ( في المقنعة : يقسم الرد بينهما أثلاثا ) بناء على تقسيم الجناية بينهما كذلك ، لأن الجاني نفس ونصف نفس جنت على نفس فيكون الجناية بينهما أثلاثا بحسب ذلك ( و ) لكنه كما ترى ( ليس بمعتمد ) بل هو واضح الفساد.

( و ) حينئذ فـ ( ـلو قتل ) الولي ( المرأة فلا رد ) لعدم استيفاء أزيد من جنايتها التي هي نصف نفس ( و ) يبقى له ( على الرجل نصف الدية ، ولو قتل الرجل ردت المرأة عليه ) أو على وليه ( نصف ديته ) الذي هو قدر جنايتها بلا إشكال بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

٧٣

( و ) لا خلاف إلا ما ( قيل ) عن النهاية والمهذب من ( نصف ديتها ، وهو ضعيف ) بل في نكت النهاية وهم ، ولعله كذلك وإن دل عليه خبر أبي بصير (١) السابق المختل من وجوه هذا أحدها ، بل ربما وجه بمثل ما وجه به كلام المفيد من أنها جنت نصف جناية الرجل إلا أنه أيضا كما ترى.

( و ) كيف كان ففي المتن والقواعد أن ( كل موضع يوجب الرد فإنه يكون مقدما على الاستيفاء ) ولعله لزيادة المستوفي على الحق قبل الرد.

لكن في كشف اللثام « ويعارضه أنه لا يستحق الفاضل ما لم يستوف ، ولذا كان أكثر الأخبار وفتاوى الأصحاب إنما تضمنت الرد على الورثة أو الأولياء ».

قلت : هو كذلك في النصوص (٢) حيث يكون الرد من الشريك ، وأما إذا كان من ولي المقتول فقد سمعت صحيح أبي مريم (٣) وستسمع في ما يأتي إن شاء الله في الشرائط النصوص الدالة على تقديم فاضل دية الرجل إذا أريد قتله بالمرأة (٤) المعتضد بقول الأصحاب : « اقتص منهم بعد رد الفاضل » كما أشرنا إلى ذلك سابقا ، ولعل وجه الأول أن الشركة في الفعل اقتضت الضمان المزبور قهرا على الشريك ، لأن فعل كل منهما باعتبار صار كأنه فعل الآخر بخلاف ما إذا أراد قتل الجميع ، إذا لم يكن له حتى يدفع كي يستحق استيفاء حقه ، لقاعدة لا ضرر ولا ضرار ، وفي الحقيقة هو كالتقابض في المعاوضة ، فتأمل جيدا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس.

٧٤

المسألة ( الرابعة : )

( إذا اشترك عبد وحر في قتل حر عمدا قال في النهاية : للأولياء أن يقتلوهما ويؤدوا إلى سيد العبد ثمنه أو يقتلوا الحر ، ويؤدي سيد العبد إلى ورثة المقتول خمسة آلاف درهم ، أو يسلم العبد إليهم ، أو يقتلوا العبد وليس لمولاه على الحر سبيل ) ونحوه عن المقنعة والإصباح والمهذب.

إلا أنه كما ترى شي‌ء غريب لا ينطبق على قاعدة ولا اعتبار ، بل هما معا على خلافه ، ضرورة اقتضائهما في الأولى رد نصف دية الحر على وليه ، لأن جنايته ليست إلا نصفا وعدم رد شي‌ء على مولى العبد إلا ما يزيد على قدر جنايته ، وفي الثانية يرد مولى العبد على ولي الحر العبد يسترقه أو منه قدر جنايته ، فان كان ذلك نصف الدية وإلا أكمله الولي ، أو يرد مولى العبد العبد على ولي المقتول يسترقه أو منه قدر جنايته ، وهو يغرم نصف الدية لولي المقتول ، وفي الثالثة يرد الولي على المولى ما زاد على قدر جنايته ويبقى له على الحر نصف دية ، أو يرد الحر ذلك فان زاد رجعة إلى الولي.

( و ) من هنا قال المصنف وغيره ( الأشبه ) بأصول المذهب وقواعده ( أن مع قتلهما يؤدون إلى الحر نصف ديته ) الذي هو الزائد على قدر جنايته ( ولا يرد على مولى العبد شي‌ء ما لم يكن قيمته أزيد من نصف دية الحر ، فيرد عليه الزائد ) ما لم يتجاوز دية الحر ، فان تجاوزها رد إليها ولم يرد على مولاه إلا نصفها.

وإن قتلوا الحر خاصة ففي القواعد وغيرها « أدى مولى العبد نصف دية الحر أو يدفع العبد ليسترقه ورثته ، وليس لهم قتله ».

٧٥

وإليه يرجع ما في المسالك من أنه « إن كان المقتول الحر خاصة فالمردود على وليه نصف ديته ، وهو واضح ، وأما مولى العبد فيلزمه أقل الأمرين من جنايته ـ وهو نصف الدية ـ ومن قيمة عبده ، لأن الأقل إن كان هو الجناية فلا يلزم الجاني سواها ، وإن كان هو قيمة العبد فلا يجني على أكثر من نفسه ، ولا يلزم مولاه الزائد ، ثم إن كان الأقل هي قيمة العبد فعلى ولي المقتول كمال نصف الدية لأولياء الحر ».

قلت : قد يقال : إن المتجه بحسب القواعد ضمان الولي للحر نصف الدية ، ويبقى له الحق على العبد ، فان شاء استرقه إذا كانت قيمته قدر جنايته ، وإلا استرق منه ما يقابلها وبقي الزائد لمولاه ، وإن نقصت فليس له على المولى شي‌ء ، لأنه لا يجني على أكثر من نفسه ، وذلك لعدم دليل يقتضي استحقاق ولي الحر المقتول على العبد شيئا إلا القياس على ما جاء في الأحرار ، وليس من مذهبنا ، اللهم إلا أن يكون من التنقيح المعلوم بإجماع ونحوه أو يكون مستنده خبر أبي بصير (١) الذي عرفت اختلاله من وجوه.

( وإن قتلوا العبد ) خاصة وكانت قيمته مساوية لجنايته أي نصف دية الحر أو أقل فلا شي‌ء لمولاه ، ويبقى للولي على الحر نصف الدية ( و ) إن ( كانت قيمته زائدة عن نصف دية المقتول أدوا إلى مولاه الزائد ) ولو مما يأخذونه من نصف الدية من الحر ( فان استوعبت الدية ) بتمامها دفع كله إليه ، وإن زاد عليها رد إليها ، لعدم تجاوز قيمة العبد في الجناية دية الحر ( وإلا ) تستوعبها قيمته بل كانت أقل دفع للمولى الزائد على قدر الجناية و ( كان تمام الدية لأولياء الأول ).

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

٧٦

( وفي هذه اختلاف للأصحاب ) : منها ما سمعته من النهاية وغيرها ، ومنها ما عن الكافي والسرائر من أنه يقتلهما ويرد قيمة العبد على سيده وورثة الحر.

ولكن في كشف اللثام : « يمكن بناؤه على مساواة قيمته دية الحر ، فيرد نصفها على سيده ونصفها على ورثة الحر ».

وهو كما ترى في غاية البعد ، خصوصا بعد قولهما : « وإن اختار قتل الحر فعلى سيد العبد نصف ديته لورثته ، وإن اختار قتل العبد قتله وأدى الحر إلى سيده نصف قيمته » وإن كان يمكن تنزيله أيضا على ما لا ينافي ذلك ، ومن هنا قال في المسالك : « ولا يخفى ضعف ذلك على إطلاقه ».

قلت : وأما ما سمعته من النهاية ومحكي المقنعة والمهذب والإصباح من أنه في صورة قتل العبد خاصة ليس للمولى على الحر سبيل ، بل عن ابن زهرة نسبته إلى الأكثر وأنه الظاهر في الروايات فان كان المراد به ما أشرنا إليه من عدم رجوع للمولى على الشريك وإنما رجوعه على الولي القاتل فهو حسن ، وإلا فلا وجه له في صورة زيادة قيمته على قدر جنايته.

( و ) كيف كان فـ ( ـما اخترناه أنسب بـ ) ـقواعد ( المذهب ) في الجنايات ، وعليه عمل المشهور ، بل ما سمعته من الأقوال السابقة لا يفي به إلا نصوص خاصة لم نعثر على شي‌ء منها ، نعم في‌ خبر إسحاق بن عمار (١) « إن شاء قتل الحر وإن شاء قتل العبد ، فان اختار قتل الحر ضرب جنبي العبد » ‌وليس فيه شي‌ء مما سمعته منهم.

وعن الاستبصار أن قوله عليه‌السلام : « ضرب » إلى آخره

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٧.

٧٧

لا يدل على أنه لا يجب على مولاه أن يرد على ورثة المقتول الثاني نصف الدية أو يسلم العبد إليهم ، لأنه لو كان حرا لكان عليه ذلك على ما بيناه ، فحكم العبد حكمه على السواء ، وإنما يجب مع ذلك التعزير كما يجب على الأحرار.

وبالجملة لا إشكال في شي‌ء منها بحمد الله إلا ما أشرنا إليه من مساواة حكم شركة الأحرار للمقام ، وعليه فلا إشكال في أنه ليس لأولياء الحر المقتول قصاصا قتل العبد مع دفعه إليهم ، لعدم تعلق حق جناية لهم في رقبته ، وإنما كانت للمقتول الأول الذي فرض عدم إرادة وليه القتل ، وعن الغنية الإجماع على ذلك ، وقد سمعت القطع به من الفاضل أيضا ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة )

التي تعلم مما سمعته في سابقتها وهي ما ( لو اشترك عبد وامرأة في قتل حر ) مسلم ( فللأولياء قتلهما ) بلا خلاف ولا إشكال ( ولا رد على المرأة ) لعدم بقاء شي‌ء لها زائد على جنايتها التي هي نصف نفس ( ولا على العبد إلا أن تزيد قيمته عن نصف الدية ) الذي هو قدر جنايته. ( فيرد ) حينئذ ( على مولاه الزائد ) ما لم يتجاوز دية الحر التي يرد إليها.

( ولو قتلت المرأة به ) خاصة ( كان لهم استرقاق العبد ) كما في غيره من جناية العمد ( إلا أن يكون قيمته زائدة عن نصف دية المقتول ) الذي هو جناية العبد ( فيرد على مولاه ما فضل ) إن شاء ، وإلا بقي على ملكه مشتركا معهم.

٧٨

وإن فداه ورضي الولي ففي كشف اللثام « فداه بقيمته إن لم تزد على النصف ، وإلا فبالنصف » وفيه أن ذلك يتبع التراضي ولو بالزائد على النصف ، اللهم إلا أن يدعي أن الفداء شرعا كذلك ، فمع الرضا به يتعين عليه القبول على الوجه المزبور أو أن إطلاقه يقتضي ذلك ، والله العالم.

( وإن قتلوا العبد ) خاصة ( وقيمته بقدر جنايته ) أي نصف الدية ( أو أقل فلا رد ) على مولاه لعدم فوات شي‌ء زائد على قدر الجناية عليه ( وعلى المرأة دية جنايتها ) أي النصف الآخر تؤديه إليهم ( وإن كانت قيمته أكثر من نصف الدية ردت عليه المرأة ما فضل من قيمته ، فان استوعب دية الحر ) فذاك ( وإلا كان الفاضل لورثة المقتول أولا ) نحو ما سمعته سابقا ، وذلك كله واضح بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا.

مع أن‌ صحيح ضريس (١) دال على بعض ذلك ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة وعبد قتلا رجلا خطأ ، فقال : إن خطأ المرأة والعبد مثل العمد. فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما ، قال : فان كان قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم فليردوا على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم ، وإن أحبوا أن يقتلوا المرأة ويأخذوا العبد أخذوا إلا أن تكون قيمته أكثر من خمسة آلاف درهم ، فليردوا على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم ويأخذوا العبد أو يفتديه سيده ، وإن كانت قيمة العبد أقل من خمسة آلاف درهم فليس لهم إلا العبد » ‌

وإن كان في متنه بعض الاختلال ، كالحكم بأن خطأ المرأة والعبد عمد ، وإطلاق دفع الزائد وأخذ العبد الذي ينبغي تقييده برضا المولى ، كإطلاق فداء المولى الذي ينبغي تقييده برضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

٧٩

الأولياء ، إلا أن ذلك لا ينافي الاستدلال على بعض الأحكام المزبورة التي قد صرح فيه بها في صورة العمد ، والله العالم.

المسألة ( السادسة : )

( لو اشترك رجل وخنثى في قتل رجل ) فللولي قتلهما بعد رد الفاضل من ديتهما وهو النصف من الرجل والربع من الخنثى التي ديتها ثلاثة أرباع دية الرجل أي نصف دية المرأة ونصف دية الرجل.

ولو كان معهما امرأة قتلوا ورد عليهم دية وربع ، للرجل ثلثا دية ، وللمرأة سدسها ، وللخنثى ثلثها ونصف سدسها.

ويظهر ذلك بفرض الدية اثني عشر جزء ، فدية المرأة ستة ، ودية الخنثى تسعة ، وكل منهما ومن الرجل إنما جنى الثلث ، ففضل للرجل الثلثان ثمانية أجزاء ، وللمرأة جزءان ، وللخنثى خمسة ، والمجموع خمسة عشر.

وقال المفيد في ما حكي عنه بناء على مختاره من تقسيم الجناية على الرجل والمرأة أثلاثا : « فيكون للرجل ثلث وتسع من اثني عشر ألف درهم وخمسمائة درهم ، وهو خمسة آلاف درهم وخمسمائة درهم وخمسة وخمسون درهما ونصف وحبتان وثلثا حبة ، وللخنثى الثلث ، وهو أربعة آلاف درهم ومائة وستة وستون درهما وثلثا درهم ، وللمرأة خمس وتسع خمس ، فيكون ألفي درهم وسبعمائة وسبعة وسبعين درهما وأربعة دوانيق وخمس حبات وثلث حبة ، فذلك تكملة الاثنى عشر ألف درهم وخمسمائة درهم » انتهى.

قيل : وذلك لأن للرجل ضعف ما للأنثى ، وللخنثى نصف ما للرجل ونصف ما للأنثى ، فإذا جزأنا ما يرد عليهم خمسة وأربعين كان‌

٨٠