جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

على إسناده حينئذ إلى الجميع عرفا لانتفاء المرجح وإن كان لا يخلو من نظر.

نعم عن العامة قول بنفي القصاص ، لأن إحدى الجنايتين غير مضمونة ، وآخر بنفي القصاص إذا كان الغالب مع السم السلامة ، لحصول الموت من عمد وخطأ شبيه به ، ولا ريب في ضعفهما.

( وكذا الكلام ( البحث خ ل ) لو خاط ) نفسه أو غيره بأمره ( جرحه في لحم حي فسرى منهما ) فمات فان كانت مجهزة فلا قود وإلا ( سقط ) بإزائها ( ما قابل فعل المجروح ، وكان للولي قتل الجارح بعد رد نصف الدية ) لما عرفت ، وللعامة ما سمعت ، ولو كانت الخياطة في لحم ميت فالظاهر عدم السراية لها ، والله العالم.

المرتبة ( الثالثة : أن ينضم إليه مباشرة حيوان ، وفيه صور : ) ( الأولى : إذا ألقاه إلى البحر ) الذي يقتل مثله غالبا أو قصد به القتل ( فالتقمه الحوت قبل وصوله ) إليه ( فعليه القود ) عند الشيخ والفاضلين وغيرهما ( لأن الإلقاء في البحر إتلاف بالعادة ) وإن لم يبتلعه الحوت ، فهو كما لو ألقى من علو يقتل مثله فأصابته سكين فقتلته ، فكأنه ابتلعه بعد الغرق ، ولأن القصد إلى السبب المعين يستلزم القصد إلى مطلق القتل ، ضرورة وجود المطلق في المقيد ومطلق القتل صادق في المعين.

( وقيل ) وإن كنا لم نتحقق القائل منا قبل المصنف ( لا قود ، لأنه لم يقصد إتلافه بهذا النوع ) الذي هو المتيقن من عنوان القود ، فهو حينئذ كما لو رمى من شاهق فاستقبله غيره فقده. ( و ) من هنا قال المصنف ( هو قوى ) نعم تتعين الدية.

لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من صدق القاتل‌

٤١

عمدا على مثله فضلا عن قوله تعالى (١) ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) ونحوه مما لا إشكال في شموله لمثل ذلك الذي هو في الحقيقة كما لو وصل إلى البحر فالتقمه الحوت بعد وصوله الذي صرح الفاضل بكونه عمدا وإن استشكل في الأول لوصوله قبله إلى المهلك ، بل لعل التلف بالإلقاء إلى البحر من أفراده ذلك وإن كان الغالب منها الغرق.

نعم لو اختطفه طير ونحوه مما لا مدخلية له في التلف بالإلقاء في البحر أمكن حينئذ عدم القود ، وتعين الدية على إشكال فيه بعد أن كان المقصود الفعل القاتل وإن قتل بغيره مما هو نادر أيضا فضلا عن الغالب ، ولعل الفرق بين المقام وبين المقدود نصفين بعد إلقائه من شاهق كون القاد قابلا للضمان قصاصا أو دية بخلافه في الفرض الذي هو كفصل في البئر ، اللهم إلا أن يدعى عدم الفرق عرفا في نسبة القتل بين الجميع ، وفيه منع.

نعم لو ألقاه في ماء قليل لا يغرق غير قاصد بذلك قتله فأكله سبع لوقوعه فيه أو التقمه حوت أو تمساح كان عليه الدية للتسبيب ، دون القود ، لعدم قصده ما يقتله ، هذا كله في قصد الإلقاء إلى البحر.

( أما لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه فعليه القود ) بلا خلاف ولا إشكال ( لأن الحوت ضار بالطبع فهو كالآلة ) التي يصدق معها اسم القتل عمدا ، كما هو واضح.

الصورة ( الثانية : لو أغرى ، به كلبا عقورا ) مثلا مما يقتل غالبا أو قصد القتل به مع ندرته فضلا عن عدم العلم بحاله ( فقتله فالأشبه ) بأصول المذهب وقواعده أن عليه ( القود ، لأنه كالآلة ) التي لا ينسب القتل إليها ، فالقاتل عمدا هو لا هي وإن كان الكلب له شبه اختيار به ينسب القتل ظاهرا إليه ، لكن القاتل حقيقة المغري عرفا دونه.

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

٤٢

( وكذا لو ألقاه إلى أسد ) ضار مثلا ( بحيث لا يمكنه الاعتصام ) منه ولو بفرار ونحوه ( فقتله سواء كان في مضيق أو برية ) خلافا لبعض العامة ، ففرق بينهما ، وهو واضح الضعف بعد وضوح نسبة القتل إليه عرفا ، وكون الأسد كالآلة نحو ما سمعته في إغراء الكلب ، نعم لو كان الأسد لا يفترس غالبا كان الإلقاء إليه من الأسباب النادرة ، أما لو جهل حاله ولم يقصد القتل أمكن كونه كالضاري ، لأن فيه صفة الافتراس ، ولصدق أنه قاتل عمدا ، وخروج النادر للدليل لا يقتضي خروج المجهول كما عرفت تحقيقه في ما تقدم.

هذا وفي القواعد متصلا بما عرفت « ولو فعل به الأسد ما لا يقتل غالبا ضمن الدية ولا قصاص » وفي كشف اللثام « إذ لم يصدر منه مباشرة للقتل ولا تسبيب لما يقتل غالبا إلا إذا قصد به القتل فكما تقدم غير مرة ».

وفيه أن مفروض البحث الإلقاء والجمع المؤديان إلى ذلك غالبا ، فهو حينئذ كالضرب بالسيف قاصدا المقتل فاتفق وقوعه في ما لا يقتل إلا نادرا لو مات به.

الصورة ( الثالثة : لو أنهشه حية ) نهشا ( قاتلا ) بأن قبضها وألقمها شيئا من بدنه ضغطها أم لا ( فمات قتل به ) وإن لم يقصد القتل بذلك ، لكونه مما يقتل غالبا.

( و ) كذا ( لو طرح عليه حية ) طرحا ( قاتلا فنهشته فهلك فـ ) ـان ( الأشبه ) أيضا ( وجوب القود ، لأنه مما جرت العادة بالتلف معه ) بل هو الكيفية المتعارفة في القتل بها ، فيصدق حينئذ أنه القاتل عمدا ، بل وكذا لو جمع بينه وبينها في مضيق لا يمكنه الفرار منها ، خلافا لما عن العامة من عدم القود به ، لأنها تهرب من‌

٤٣

الأسنان في المضيق بخلاف السبع ، بل في كشف اللثام هو ظاهر المبسوط ، وقد أشار في التحرير إلى احتماله لقوله : « فالأشبه ذلك » يعني القود ، ولكن في الجميع ما لا يخفى ، والله العالم.

الصورة ( الرابعة : لو جرحه ثم عضه الأسد وسرتا لم يسقط القود ) عندنا خلافا لبعض العامة.

( و ) لكن ( هل يرد فاضل الدية ) أي النصف؟ ( الأشبه نعم ) لاستناد موته إلى سببين إنما فعل أحدهما ، وقد يحتمل العدم ، لأن الجرح الآخر غير مضمون ، وهو واضح الضعف ، وحينئذ فإن عفا الولي على الدية فإنما عليه نصفها ، ولو نهشته مع ذلك حية فمات من الجميع فعليه الثلث من الدية مع العفو ، وإن اقتص منه رد عليه الثلثان ، لاستناد الموت إلى أسباب ثلاثة ، وقد يحتمل أن يكون عليه النصف ، ولا ينظر إلى عدد الحيوان ، لاشتراك الكل في عدم الضمان ، فيعد غير المضمون من الجراحات وإن تكثرت واحدة إلا أنه خلاف ما عليه الأصحاب ، بل وخلاف الاعتبار ، نعم هو كذلك في الجراحات المتعددة من حيوان واحد نحو ما سمعته في الإنسان.

( وكذا لو شاركه ) في الجناية ( أبوه ) الذي لا يقتص منه ( أو اشترك عبد وحر في قتل عبد ) فان القصاص يجب على الأجنبي والعبد ، خلافا لأبي حنيفة دون الأب والحر ، لكن يؤخذ منهما نصف الدية أو نصف القيمة وتدفع إلى المقتص منه ، ولو عفا الولي على الدية أخذ من كل نصفها ، وكذلك العامد إذا شاركه الإنسان المخطئ فيدفع عاقلة المخطئ نصف الدية إلى العامد ويقتص منه ، خلافا للمحكي عن ابن سعيد.

الصورة ( الخامسة : لو كتفه وألقاه في أرض مسبعة فافترسه

٤٤

الأسد اتفاقا فلا قود ، و ) لكن ( فيه الدية ) ونحوه في القواعد وفي كشف اللثام « فإن الإلقاء المذكور ليس مما يغلب أداؤه إلى الافتراس » وفي المسالك : « لأن فعل السبع يقع باختياره ، وطبعه مختلف في ذلك اختلافا كثيرا ، فليس الإلقاء في أرضه مما يقتل غالبا ، نعم تجب الدية لكونه سببا في القتل ».

وفيه أن ذلك يجري حتى لو ألقاه إلى السبع ، كما أن في الأول أن فرض كونها مسبعة يقتضي ذلك ، ولو سلم فالمتجه القصاص أيضا مع قصد احتمال حصول الافتراس ، لصدق أنه القاتل عمدا عرفا ، بل هو كذلك أيضا لو لم يفترسه الأسد ولكن جرحه جرحا لا يقتل مثله ومات بسرايته ، ولعله لذا قال في مجمع البرهان : « ويحتمل القود أيضا ، لأنه قتل نفسا بالتسبيب ، فيدل ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (١) عليه ، وهو بعيد إذا لم يكن قاصدا للقتل وإلقائه في فم السبع ، وإلا فليس ببعيد ، فإن إلقاء المربوط في محل السبع ولو كان مجيئه إليه نادرا لا يخلو عن قصد القتل ، بل ولو ثبت عدم قصده ، فان فعله موجب لذلك ، وينبغي التأمل في ذلك ، وهو فرع التأمل في معنى العمد ، وقد مر فنذكر » وإن كان لا تخلو عبارته من تشويش في الجملة.

المرتبة ( الرابعة : أن ينضم إليه مباشرة إنسان آخر ، وفيه صور : ) ( الأولى : لو حفر واحد بئرا فوقع آخر بدفع ثالث فالقاتل الدافع دون الحافر ) بلا خلاف أجده فيه ، لأنه المباشر للقتل بما يقتل وهو الإلقاء ، دون الحافر الذي هو السبب البعيد وبمنزلة الشرط.

( وكذا لو ألقاه من شاهق فاعترضه آخر فانقد ) بسيف مثلا ( نصفين قبل وصوله ) إلى ( الأرض فـ ) ـان ( القاتل ) ‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ـ ٤٥.

٤٥

عرفا ( هو المعترض ) وإن كان لو لم يعترضه لقتل أيضا بسقوطه إلى الأرض إلا أنه صار كالشرط بعد أن طرأ عليه مباشرة مستقلة ، ومن هنا لم يكن فرق بين علم الملقي بالحال وعدمه إلا إذا قصد اعتراضه بالسيف وكان المعترض مجنونا مثلا فان القود حينئذ عليه ، إذ هو كالقائه إلى السبع ، وهو واضح.

( ولو أمسك واحد وقتل الآخر فالقود على القاتل ) لأنه المباشر ( دون الممسك لكن الممسك يحبس أبدا ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل عن الخلاف والغنية وغيرهما الإجماع عليه ، للمعتبرة المستفيضة.

منها‌ صحيح الحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجلين أمسك أحدهما وقتل الآخر قال : يقتل القاتل ، ويحبس الآخر حتى يموت غما ، كما كان حبسه عليه حتى مات غما ».

وخبر سماعة (٢) قال : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل شد على رجل ليقتله والرجل فار منه فاستقبله رجل آخر فأمسكه عليه حتى جاء الرجل فقتله ، فقتل الرجل الذي قتله ، وقضى على الآخر الذي أمسكه أن يطرح في السجن أبدا حتى يموت فيه ، لأنه أمسك على الموت » وغيرهما من النصوص.

وعن المقنعة بعد أن ينهك عقوبة ، وفي‌ خبر أبي المقدام (٣) « أن الصادق عليه‌السلام أمر به فضرب جنبه ، وحبسه في السجن ، ووقع على رأسه يحبس عمره ، ويضرب كل سنة خمسين جلدة ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

(٣) المستدرك الباب ـ ١٦ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ عن دعائم الإسلام مرسلا.

٤٦

( ولو نظر لهما ثالث ) أي كان عينا لهم وربية ( لم يضمن لكن تسمل عيناه أي تفقأ ) بالشوك أو تكحل بمسمار محمي ، للإجماع في محكي الخلاف ، ولخبر السكوني (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام المنجبر بعمل الأصحاب ، بل قيل : إنه مقطوع به في كلامهم ، قال فيه : « إن ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام : واحد منهم أمسك رجلا ، وأقبل الآخر فقتله ، والآخر رآهم ، فقضى في الرؤية ـ وفي نسخة « الرئية » وفي الثالثة « الربيعة » ـ أن تسمل عيناه ، وفي الذي أمسك أن يسجن حتى يموت كما أمسك ، وقضى في الذي قتل أن يقتل » والله العالم.

الصورة ( الثانية : إذا أكرهه على القتل ) بأن توعده الظالم القادر بالقتل مثلا إن لم يقتله ( فـ ) ـالحكم فيه عندنا نصا (٢) وفتوى بل الإجماع بقسميه عليه أن ( القصاص على المباشر ) الكامل ( دون الآمر ) المكره بل ولا دية ، بل ولا كفارة ، بل ولا يمنع من الميراث وإن استشكل فيه في القواعد ، وذلك لأن الإكراه وإن ولد في المكره داعية القتل التي سببها من المكره ( و ) لكن الأصل في القصاص كونه على المباشر الذي هو المكره ، لأنه القاتل لغة وعرفا.

بل ( لا يتحقق الإكراه ) شرعا عندنا ( في القتل ) بعد استحقاق القتل شرعا على المباشر ، فلم يدفع عنه شيئا شرعا بفعل ما أكره عليه كي يكون من الإكراه المرفوع عن الناس حكمه ( و ) لكن ( يتحقق في ما عداه ) من قطع اليد والجرح ونحوهما بخلاف القتل ، فإنه إنما يتحقق إذا جاز دفع الخوف بفعل المكره عليه ولا يخاف من شي‌ء أعظم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب القصاص في النفس.

٤٧

من القتل ( و ) لا يجوز هنا دفع الخوف على النفس بذلك ، بل في‌ الصحيح (١) « إنما جعلت التقية ليحقن بها الدماء ، فإذا بلغ الدم فلا تقية » ‌ونحوه الموثق (٢) فهو حينئذ قاتل عمدا ظلما لاستبقاء نفسه كقتل شخص ليأكله في المخمصة الذي لا يعد به أنه مضطر.

نعم ( في رواية على بن رئاب ) الصحيحة عن زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام ( يحبس الآمر بقتله حتى يموت ) ‌ـ قال : « في رجل أمر رجلا بقتل رجل فقتله ، قال : يقتل به الذي ولي قتله ، ويحبس الآمر بقتله في الحبس حتى يموت » ‌ولا بأس بالعمل بها بعد صحتها وعمل غير واحد من الأصحاب بها ، فما عساه يظهر من المتن من التوقف في ذلك في غير محله.

ولو وجبت الدية للعفو أو عدم التكافؤ كانت على المباشر أيضا ، ومن العامة من نفى عنهما القود والدية ، ومنهم من أوجب القود على المكره وحده ، وللشافعي قولان : أحدهما اشتراكهما في الجناية ، فعليهما القصاص ، وعند العفو الدية نصفين ، والآخر القود على المكره ، وعلى المباشر نصف الدية ، وعند العفو على المكره أيضا نصف الدية ، وضعف الجميع واضح عندنا.

نعم ( هذا ) الحكم الذي ذكرناه ( إذا كان المقهور بالغا عاقلا ، و ) أما ( لو كان غير مميز كالطفل والمجنون فالقصاص على المكره ) بلا خلاف ولا إشكال ( لأنه ) ما ( بالنسبة إليه كالآلة ) في نسبة القتل ، ولا يرد عدم القطع على السيد لو أمرهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأمر والنهي ـ الحديث ١ من كتاب الأمر بالمعروف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأمر والنهي ـ الحديث ٢ من كتاب الأمر بالمعروف.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

٤٨

بالسرقة ، لوضوح الفرق بعدم صدق السرقة عليه بالأمر بخلاف صدق القتل الذي يحصل بالمباشرة والتسبيب.

( ويستوي في ذلك الحر والعبد ) لكن في‌ خبر إسحاق بن عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا فقتله ، فقال : يقتل السيد به » ‌وفي‌ خبر السكوني (٢) عنه عليه‌السلام أيضا : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا فقتله ، فقال : أمير المؤمنين عليه‌السلام : وهل عبد الرجل إلا كسوطه أو كسيفه؟ يقتل السيد ويستودع العبد في السجن » وفي الفقيه « حتى يموت » ‌بعد أن رواه بإسناده إلى قضايا علي عليه‌السلام.

بل عن الخلاف « اختلفت روايات أصحابنا في أن السيد إذا أمر عبده بقتل غيره فقتله فعلى من يجب القود ، فروي في بعضها أن على السيد القود ، وفي بعضها أن على العبد القود ، ولم يفصلوا ـ إلى أن قال ـ : والوجه في ذلك أنه إن كان العبد مميزا عاقلا يعلم أن ما أمر به معصية فإن القود على العبد ، وإن كان صغيرا أو كبيرا لا يميز واعتقد أن جميع ما يأمر به سيده واجب عليه فعله كان القود على السيد ».

وجعلهما في التهذيب مخالفين للقرآن حيث نطق أن « ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (٣) ثم أولهما بمن كانت عادته أن يأمر عبده بقتل الناس ويغريهم بذلك ويلجئهم إليه ، فإنه يجوز للإمام أن يقتل من هذا حاله ، لأنه مفسد في الأرض ، قيل : ووافقه الحلبيان على ذلك ، كما أنه المحكي عنه في الاستبصار ، ويكون جمعا بينهما وبين الصحيحة السابقة.

إلا أنه كما ترى في غاية البعد ، مع أنه إنما يرفع التعارض بالإضافة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

٤٩

إلى ما دلا عليه من قتل السيد ، وأما بالإضافة إلى ما دلا عليه من تخليد العبد في السجن فلا ، بل ظاهر الصحيحة يقتضي قتله دونهما ، والأوفق بالأصول ترجيح الصحيحة وإن حمل الخبران على صورة إفساد السيد فإن إفساد بمجرده لا يدرأ القتل عن العبد بعد مباشرته له ، مضافا إلى منع اقتضاء فعل الإفساد المزبور القتل حدا إلا أن يكون محاربا.

ولعله لذا قال الكاشاني في الوافي : « أقول : في مخالفتهما للقرآن نظر ، ولا سيما بعد تعليله عليه‌السلام بأن العبد بمنزلة الآلة ، وفي التأويل بعد ، بل لا ينافيان شيئا من المحكمات حتى يحتاج إلى مثل هذه التكلفات ، للفرق البين بين العبد والأجنبي » إلى آخره وإن كان لا يخفى عليك ما فيه أيضا.

بل وما في ذلك كله بعد المفروغية من الحكم المزبور حتى ما في الخلاف من معذورية الجاهل وأن القود على السيد ، والخبران المزبوران مطرحان أو محمولان على ما قيل من كون العبد صغيرا كالآلة وإن كان فيه أنه لا يتم في أحدهما المشتمل على تخليد العبد في السجن ، إذ لم نجد.

قائلا به كذلك في العبد الصغير الذي هو مع تمييزه عمده خطأ فضلا عما إذا كان آلة لفقده التمييز أو غير ذلك ، والله العالم.

( ولو كان ) المباشر ( مميزا عارفا غير بالغ وهو حر فلا قود ) على أحد منهما ، كما في القواعد وغيرها ، لعدم بلوغ المباشر وعدم كونه آلة ( و ) لكن ( الدية على عاقلة المباشر ) الذي عمده خطأ إلا أنه قد يناقش بأن الظاهر تحقق الإكراه بالنسبة إليه فإنه لا يقاد منه إذا قتل ، وإذا تحقق فالسبب أقوى ، فينبغي القود ، نعم إذا لم يتحقق إلا الأمر اتجه ما ذكر ، فتأمل جيدا.

( وقال بعض الأصحاب ) كالشيخ في محكي المبسوط والنهاية‌

٥٠

وابن البراج في محكي المهذب والجواهر ( يقتص منه إن بلغ عشرا ) مستندا في الأول إلى أنه قضية عموم أخبارنا ، بل يؤيده ما دل (١) على جواز عتقه وصدقته وطلاقه ووصيته ، وعن الوسيلة « أن المراهق كالعاقل » وعن المقنع والمقنعة « يقتص منه إن بلغ خمسة أشبار ، لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر السكوني (٢) : « إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه ، وإذا لم يكن بلغ خمسة أشبار قضي بالدية ».

( وهو ) مع أنه ضعيف ( مطرح ) عند المعظم كالقول الأول ، للأصل والاحتياط وعموم النصوص الناطقة بأن‌ « عمد الصبي وخطأه واحد (٣) ‌و « رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ » (٤) ونصوص حد البلوغ (٥) وغير ذلك ، فالعمل حينئذ على المشهور ، هذا كله في الحر المميز غير البالغ.

( و ) أما الكلام ( في المملوك المميز ) غير البالغ فالذي يقتضيه أصول المذهب وقواعده أن حكمه نحو ما ذكرناه في الحر ، فان كان مكرها كان القصاص على المكره الذي هو أقوى من المباشر وإلا فـ ( ـتتعلق الجناية برقبته ، ولا قود عليه ) لأن الفرض عدم بلوغه ، ولا على الآمر لعدم مباشرته ولا إكراهه ، وليست هي حينئذ إلا كغيرها من جناية الخطإ الصادرة منه بالغا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الوقوف والصدقات ـ الحديث ١ والباب ـ ٤٤ ـ من كتاب الوصايا والباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مقدمات الطلاق ـ الحديث ٢ و ٦ من كتاب الطلاق.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب العاقلة ـ الحديث ٢ من كتاب الديات.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب مقدمات العبادات ـ الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب مقدمة العبادات والباب ـ ١٢ ـ من كتاب الحجر.

٥١

( و ) لكن ( في الخلاف ) ومحكي السرائر ( إن كان المملوك صغيرا أو مجنونا سقط القود ) عنهما معا ( ووجبت الدية ) على السيد الآمر وإلا أطلنا دم المقتول.

وعن المبسوط أنه اضطرب كلامه ، فتارة أوجب القود على الآمر حرا كان المأمور أو عبدا ، وأخرى أوجب الدية على عاقلة المأمور حرا أو عبدا.

وعن الوسيلة « أن المأمور إن كان حرا بالغا عاقلا أو مراهقا اقتص منه ، وإن كان حرا صبيا أو مجنونا ولم يكره لزمت الدية عاقلته ، وإن أكره كان نصف الدية على عاقلته ونصفها على الآمر المكره ، وإن كان عبدا للآمر صغيرا أو كبيرا غير مميز اقتص من الآمر وإلا فمن القاتل ـ قال ـ : وإذا لزم القود المباشر خلد الآمر في الحبس ، وإن لزم الآمر خلد المباشر فيه إلا أن يكون صبيا أو مجنونا ».

وعن أبي علي « لو أمر رجلا عاقلا عالما بأن الآمر ظالم بقتل رجل أقيد القاتل به وحبس الآمر في السجن حتى يموت ، وإن كان المأمور عبدا أو جاهلا أو مكرها لا يأمن بمخالفته إتلاف نفسه أزلت القود عنه وأقدت الآمر وحبست القاتل حتى يموت بعد تعزير له ، وأمرته بالتكفير لتولي القتل بنفسه ».

ولا يخفى عليك ما في الجميع من النظر من وجوه ، خصوصا بعد أن لم نعثر على مستند لذلك ولا لبعضه إلا الخبرين (١) المزبورين في العبد المعارضين بالأقوى منهما من وجوه ، ولذا قال المصنف ( والأول أظهر ) لكن قد عرفت ما في إطلاقه وغيره في الحر والعبد المميزين غير البالغين ، والتحقيق ما سمعته.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ و ٢.

٥٢

بل الظاهر تخليد السيد في السجن بأمره ، لما عرفته من النص السابق ، اللهم إلا أن يمنع شموله لنحو الفرض ، وفيه أن الظاهر ، تخليد الآمر مطلقا في السجن حتى في صورة عدم القود من المباشر لصغره وإن توقف فيه بعض الأفاضل ، ولكن في غير محله ، والله العالم.

( فروع : )

( الأول : )

( لو قال ) كامل لآخر مثلا ( اقتلني أو لأقتلنك لم يسغ القتل ) بلا خلاف بل ولا إشكال ( لأن الإذن لا ترفع الحرمة ) الحاصلة من نهي المالك الحقيقي ( و ) لكن ( لو ) أثم و ( باشر لم يجب القصاص ) عند الشيخ في محكي المبسوط والفاضل في التلخيص والإرشاد ، بل في المسالك أنه الأشهر ( لأنه أسقط حقه بالاذن فلا يتسلط الوارث ) الذي هو فرع على المقتول.

ومنه ينقدح عدم الدية حينئذ التي تنتقل من الميت ولو في آخر جزء من حياته إلى الوارث لا ابتداء ، بدليل نفوذ وصاياه وقضاء ديونه منها ، إذ لو كانت للوارث ابتداء لم يكن كذلك.

نعم قد يناقش في أصل سقوط القصاص بكون الاذن غير مبيح فلا يرتفع به العدوان ، كما لو قال : اقتل زيدا وإلا قتلتك ، فيدخل في عموم أدلة القصاص ، نحو ما لو أكره على قتل الغير ، اللهم إلا أن يشك في شمول أدلة القصاص بل والدية لمثله ، والأصل البراءة ، ولا أقل من أن يكون ذلك شبهة يسقط بها قتله بناء على أنه كالحدود في ذلك ، لكن لا يخفى عليك ما في الجميع ، إلا أن يندرج في الدفاع ، فيتجه حينئذ‌

٥٣

سقوط القصاص والدية والإثم.

ولو قال الكامل للناقص ذلك لم يكن قصاص ، لنقصه لا لقوله ، والدية على البحث السابق ، وبالعكس لا إشكال في ثبوت القصاص ، وأما الناقصان فالثابت الدية ، كما هو واضح.

ولو كان الآمر المكره هو الوارث للمقتول كان له القصاص ، لعموم الأدلة ، ولا يسقط حقه بإكراهه.

( الثاني : )

( لو قال : اقتل نفسك ) من غير إكراه له على ذلك ففعل ( فان كان ) المأمور ( مميزا فلا شي‌ء على الملزوم ) أي الآمر وإن كان سببا إلا أن المباشر أقوى منه ( وإلا ) يكن مميزا ( فعلى الملزم القود ) كما في القواعد وغيرها ، لقوة السبب حينئذ على المباشر ، وخصوصا مع الإكراه المتصور في حقه ( و ) إن كان ( في تحقق إكراه العاقل هنا إشكال ) باعتبار أنه لا معنى للاضطرار إلى قتل نفسه خوفا من قتله.

لكن في المسالك وكشف اللثام « نعم لو كان التخويف بنوع من القتل أصعب من النوع الذي قتل به نفسه فدفعه به اتجه حينئذ تحقق الإكراه ، وترتب القصاص حينئذ على المكره الذي هو أقوى من المباشر ».

وقد يناقش بأن ذلك لا يقتضي جواز قتله لنفسه المنهي عنه ، فلا حكم لاكراهه المزبور ، وحينئذ يكون المباشر أقوى من السبب ، واحتمال الجواز باعتبار شدة الأمر المتوعد به مناف لإطلاق دليل المنع ، وإلا لجاز للعالم بأنه يموت عطشا مثلا أن يقتل نفسه بالأسهل من ذلك ، فتأمل جيدا.

٥٤

( الثالث : )

( يصح الإكراه في ما دون النفس ) لعموم دليله المقتصر في تخصيصه على المتيقن الذي هو النفس ( فلو ) قال : اقطع يد هذا وإلا قتلتك كان له قطعها دفعا لإتلاف نفسه بما ليس إتلافا فلا قصاص حينئذ عليه ، لعدم العدوان ، نعم هو على المكره الذي هو أقوى حينئذ من المباشر.

لكن في القواعد الاشكال فيه من ذلك ومن عدم المباشرة ، فتجب عليه الدية دون القصاص ، وفيه أن وجوبها ليس إلا لقوة السبب على المباشرة ، وهو مقتض للقصاص دونها ، كما هو واضح.

ولو ( قال : اقطع يد هذا أو هذا أو لأقتلنك فاختار المكره أحدهما ففي القصاص ) على الآمر ( تردد ، منشأه أن التعيين ، عرى عن الإكراه ) فيكون المباشر مختارا في ذلك ، إذ الأمر بالكلي الذي منه الأمر الإكراهي ليس أمرا بجزئي من جزئياته على التعيين وإن كان هو لا يتحقق إلا بأحدهما.

( و ) لكن ( الأشبه ) بأصول المذهب ثبوت ( القصاص على الآمر ) كما عن التحرير ( لأن الإكراه تحقق ، والتخلص غير ممكن إلا بأحدهما ) فاختياره حينئذ من ضرورة الإكراه الملجإ إلى إبراز الكلي في الوجود الذي لا يتم إلا بإيجاده في شخص معين ، نحو الإكراه على معين من غير تعيين وقت فاختاره المكره ، ومع الإغضاء عن ذلك كله فالعرف كاف في ثبوت المطلوب ، كما هو واضح.

( الرابع لو أكرهه على صعود شجرة مثلا فزلق رجله ومات وجب

٥٥

الضمان على المكره ، ) ولكن الأقرب ثبوت الدية لا القصاص كما عن التحرير ، نعم إن كان الغالب في مثل الفرض السقوط المهلك فالإكراه عليه كالإكراه على تناول السم ، وإلا فان لم يقصد به القتل فلا إشكال في سقوط القصاص عنه ، وإن قصد فبناء على ما تقدم عليه القصاص ، ويحتمل الفرق بين فعل ما يقتل نادرا والإكراه عليه ، والله العالم.

( الصورة الثالثة : لو شهد اثنان ) مثلا ( بما يوجب قتلا كالقصاص ) والارتداد ونحوهما ( أو شهد أربعة بما يوجب رجما كالزنا وثبت أنهم شهدوا زورا بعد الاستيفاء لم يضمن الحاكم ) الآمر ( ولا الحداد ) المباشر ( وكان القود على الشهود ، لأنه تسبيب متلف بعادة الشرع ) فكان أقوى من المباشرة التي أخرجها التسبيب المزبور عن كونها عدوانا ، وكانت هي من توليده.

وفي‌ مرسل ابن محبوب (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل ، فقال : إن قال الراجع : وهمت ضرب الخد وغرم الدية ، وإن قال : تعمدت قتل ».

وفي‌ خبر مسمع (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في أربعة شهدوا على رجل أنهم رأوه مع امرأة يجامعها فرجم ثم رجع واحد منهم ، قال : يغرم ربع الدية إذا قال : شبه علي فان رجع اثنان وقالا : شبه علينا غرما نصف الدية ، وإن رجعوا وقالوا : شبه علينا غرموا الدية ، وإن قالوا : شهدنا بالزور قتلوا جميعا ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

٥٦

وفي‌ خبر الفتح بن يزيد الجرجاني (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « في أربعة شهدوا على رجل أنه زنى فرجم ثم رجعوا وقالوا : قد وهمنا يلزمون الدية ، وإن قالوا : إنما تعمدنا قتل أي الأربعة شاء ولي المقتول ورد الثلاثة ثلاثة أرباع الدية إلى أولياء المقتول الثاني ، ويجلد الثلاثة كل واحد منهم ثمانين جلدة ، وإن شاء ولي المقتول أن يقتلهم رد ثلاث ديات على أولياء الشهود الأربعة ، ويجلدون ثمانين كل واحد منهم ، ثم يقتلهم الإمام » إلى غير ذلك من النصوص.

( نعم لو علم الولي ) بزور الشهود ( وباشر القصاص كان القصاص عليه دون الشهود ، لقصده إلى القتل العدوان من غير غرور ) فهو أقوى من السبب ، ولو لم يباشره وإنما باشره حداد القاضي فالقصاص على الشهود على إشكال من استناد القتل إلى الشهادة والطلب جميعا ، فالولي والشهود شركاء في الدم ، ومن أن الشهادة أقرب وأقوى من المباشرة فمن الطلب أولى ، ولأنها السبب في سببية الطلب.

ولكن ذلك كله كما ترى ، بل يمكن دعوى قوة الطلب عليها ، وصيرورتها كالشرط بالنسبة إليه ، فيختص القصاص به حينئذ ، فلا أقل من المساواة المقتضية للتشريك ، وعليه ففي التنصيف للضمان أو التقسيم على رؤوسهم إشكال من أن شهادتهما معا سبب واحد ، ومن صدور الجناية منهم ، فتوزع عليهم كجراحات صدرت من ثلاثة فسرت ، ولعل الثاني أقوى ، وكذا الكلام لو شهدا ثم رجعا واعترفا بتعمد الكذب بعد القتل ، فعليهما القصاص.

ولو أمر نائب الإمام عليه‌السلام العام أو الخاص بقتل من ثبت قتله بالبينة وهو يعلم فسق الشهود ففي القواعد وشرحها للاصبهاني « هو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

٥٧

شبهة في حقه من حيث إن مخالفة السلطان تثير فتنة عظيمة ، ومن كون القتل ظلما في علمه » وفي الأخير « فلو اعترف بعلمه فعليه القصاص إلا أن يعتذر بتلك الشبهة ، فيدرأ عنه ، وتثبت الدية ».

قلت : لعل الظاهر وجوب الامتناع عليه والحاكم لا يكلفه بذلك بعد علمه بالحال ، وحينئذ فلو باشر كان عليه القصاص ، والله العالم.

الصورة ( الرابعة : لو جنى عليه فصيره في حكم المذبوح وهو أن لا تبقى حياته مستقرة ) فلا إدراك ولا نطق ولا حركة له اختياريين ( وذبحه الآخر فعلى الأول القود ) لأنه القاتل ( وعلى الثاني دية الميت ) التي ستعرفها إن شاء الله ، لأنه قطع رأس من هو بحكم الميت.

( ولو كانت حياته مستقرة فالأول جارح ) يلحقه حكم الجرح أرشا أو قصاصا ( والثاني قاتل ، سواء كانت جناية الأول مما يقضي معها بالموت غالبا كشق الجوف والأمة أو لا يقضي به كقطع الأنملة ) لأنه أي الثاني قطع سراية جراحة الأول بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك إلا من مالك ، فجعل الأول قاتلا إذا كانت جراحته تقضي بالموت ولو بعد يوم أو يومين مثلا ، وهو واضح الضعف.

نعم لو فعلا معا وكان فعل كل منهما مزهقا فهما معا قاتلان ، وكذا لو لم يكونا مزهقين ولكن مات بهما ، ولو كان أحدهما المزهق دون الآخر فهو القاتل.

هذا وفي القواعد « ولو قتل مريضا مشرفا وجب القود » وهو كذلك ، لصدق القتل عرفا ، لكن في كشف اللثام « وإن لم يكن بقيت له حياة مستقرة ، لصدق القتل ، والفرق بينه وبين من جنى عليه جناية لم تبق له حياة مستقرة وقوع جنايتين مضمونتين عليه ، وإنما نوجب القصاص على أدخلهما في تلف النفس ، لا أن المريض ربما انتهى إلى مثل تلك الحالة‌

٥٨

ثم برأ للاشتراك ، نعم يصلح ضميمة إلى ما قلناه ».

وفيه ما لا يخفى بناء على ما يظهر منهم من أن المراد بعدم استقرار الحياة ما عرفت ، فمع فرض كون المريض كذلك لا وجه للقود فيه ، ومن الغريب قوله : « لا أن » إلى آخره ، ضرورة عدم برء لهما مع الحال المزبور ، والله العالم.

الصورة ( الخامسة : لو قطع واحد يده ) مثلا ( وآخر رجله فاندملت إحداهما ثم هلك ) بسراية الأخرى ( فمن اندمل جرحه فهو جارح ، والآخر قاتل يقتل ) ولكن ( بعد رد دية الجرح المندمل ) لأن الفرض كمال الجاني ونقص المقتول الذي أخذ أو استحق عوض العضو البائن الذي لم يبرأ جرحه قصاصا أو دية فيرد عليه حينئذ نصف الدية ، ونحوه في القواعد ولكن قال : « على إشكال » ولعل منشأه أن الدية للنفس وحدها وإلا سقط القصاص عمن قتل مقطوع اليدين أو الرجلين ، قلت : قد يفرق بين ذلك وبين المقام بأن الجرحين كانا مضمونين عليهما على وجه لو سريا وقتل أحدهما استحق نصف الدية من الآخر بخلاف المقطوع سابقا ، اللهم إلا أن يقال : إنه بعد الاندمال صار كالجرح السابق ، والاستحقاق مع السراية لا يقتضي ثبوته مع عدمها ، ضرورة وضوح الفرق بينهما ، والله العالم.

( فرع : )

( لو جرحه اثنان ) مثلا ( كل واحد جرحا فمات فادعى أحدهما اندمال جرحه وصدقه الولي ) نفذ على نفسه و ( لم ينفذ تصديقه على الآخر لـ ) ـأن الإقرار حجة على المقر خاصة ، مضافا إلى‌

٥٩

ما في المتن من ( أنه قد يحاول أخذ دية الجرح من الجارح والدية من الآخر ، فهو متهم في تصديقه ، ولأن المنكر مدع للأصل ) الذي هو عدم الاندمال ( فيكون القول قوله مع يمينه ) فلا يتسلط الولي عليه بالقصاص مجانا ولا بالدية تماما بناء على انفراده بالقتل ، وإنما يتسلط عليه بقدر قسطه من الدية ، بناء على سراية الجرحين فيأخذه خاصة منه أو يرده عليه ، ويقتص منه بعد يمينه أنه ما اندمل الجرح الآخر ، وليس له أن يأخذ من المقر له إلا أرش جناية ما صدقه عليه من الجرح الغير الساري أو يقتص منه في خصوص ذلك العضو ، كما هو واضح ، وبه صرح في القواعد وكشف اللثام وغيرهما.

لكن قد يناقش في ما سمعته من التهمة بأنه لا يتم بناء على دفع عوض المندمل إلى المقتص منه دون الولي ، بل منه تنقدح المناقشة أيضا في غير ذلك مما سمعته. نعم لو قلنا بأن الدية تامة أو القصاص للولي مضافا إلى ما يأخذه من عوض المندمل اتجه ذلك.

اللهم إلا أن يفرق بين القصاص والدية ، فيدفع عوض المندمل إلى المقتص منه إن أريد القصاص ، وأما إذا أريد الدية فلا يدفع إليه شي‌ء ، بل تؤخذ منه تامة مضافا إلى عوض المندمل ، وحينئذ تتجه التهمة المزبورة.

ولكن في الفرق نظر بل ومنع ، على أنك قد سمعت التفريع على ذلك بأنه ليس له المطالبة بالاقتصاص مجانا ، فالكلام حينئذ غير منقح ، والتحقيق ما عرفته أولا من عدم استحقاق المقتص منه على المندمل جرحه شيئا إلا أن إقرار الولي لا ينفذ في حقه ، لكونه من الإقرار في حق الغير بالنسبة إلى ذلك.

ولو صدقه الشريك دون الولي نفذ في حقه دون الولي ، وفي كشف اللثام « فليس له المطالبة بشي‌ء من الدية إذا أريد الاقتصاص منه ،

٦٠