جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ولعل المراد بالحكومة هنا ما لا ينافي المحكي عن ابن إدريس من اعتبار المساحة ، فلو قطع نصف الذراع كان عليه نصف ديته وهكذا وإن كان خلاف الظاهر ، بل قد يشكل ما ذكره بعدم الدليل عليه ، فان ثبوت الدية للعضو لا يقتضي التوزيع المزبور ، فالأولى الأول ، لكن ستعرف في كتاب الديات المفروغية من التوزيع المزبور الذي قد يقال إنه المفهوم من التقدير عرفا ، مضافا إلى بعض النصوص (١) الدالة على ذلك بالخصوص ، فلاحظ وتأمل.

نعم قد يشكل ما عن أبي علي من أن له القصاص من المرفق بعد رد الفاضل بأنه استيفاء زائد على الحق يخرج به عن أدلة القصاص ومن هنا ـ لو لا ظهور الاتفاق ـ أمكن القول بالانتقال إلى الدية ، لتعذر القصاص من محل الجناية ، ولا دليل على ثبوته في غيرها ، اللهم إلا أن يقال إنه قطع للكف وزيادة.

هذا وفي محكي التحرير « وهل له أن يقطع الأصابع خاصة ويطلب الحكومة في الكف؟ الأقرب أنه ليس له ذلك ، لإمكان أخذه قصاصا ، فليس له الأرش » قلت : قد يقال بالجواز بعد عدم إمكان القصاص كاملا وجواز التبعيض له ، فكما يجوز أخذ الكف يجوز أخذ الأصابع خاصة.

( ولو قطعها من المرفق اقتص منه ) بلا خلاف ولا إشكال ( ولا يقتص في اليد ، ويأخذ أرش الزائد ) كما قلناه في السابقة ( و ) ذلك لأن ( الفرق بين ) باعتبار تعذر استيفاء القصاص في الأولى من محل الجناية بخلافه في الثانية التي لم يتعذر فيها استيفاء الحق ، ولا دليل على التبعيض المزبور ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، خصوصا على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

٤٠١

القول بأن الواجب في مثله القصاص ولا ينتقل إلى الدية إلا مع الاتفاق أو العجز عن استيفاء الحق ، وهما معا منتفيان ، بل لا يخلو جوازه مع التراضي منهما من إشكال.

وكذا لو قطعها من المنكب اقتص منه وليس له القصاص من المرفق وأخذ أرش الزائد.

نعم لو قطعها من العضد فلا قصاص منه ، لما عرفت. بل يقتص من المرفق وفي الباقي الحكومة ، نحو ما سمعته في السابقة ، وفي جواز القصاص له من الكوع أو الأصابع والحكومة في الباقي الكلام السابق.

ولو خلع عظم المنكب الذي هو المشط فان حكم أهل الخبرة بإمكان الاستيفاء بالمثل اقتص منه ، وإلا فالدية أو الاستيفاء والأرش في الباقي كما في كشف اللثام ومحكي المبسوط والتحرير ، نعم الظاهر اعتبار عدلين من أهل الخبرة كما في غير المقام.

ثم لا يخفى عليك جريان جميع ما ذكرناه في اليد في الرجل ، ضرورة كون القدم كالكف ، والساق كالذراع ، والفخذ كالعضد ، والورك كعظم الكتف.

كما أنه لا يخفى عليك بعد ما ذكرنا حكم ما لو قطع نصف الكف ، فإنه ليس له القصاص من موضع القطع لعدم المفصل كنصف الذراع ، ولكن له قطع الأصابع والمطالبة بالحكومة في الباقي أو يعفو عنها ، وفي جواز قطع الأنامل والمطالبة بالحكومة للباقي الكلام السابق ، وليس له قطع الأنامل ثم يكملها بقطع الأصابع ، لزيادة الألم ، ولكن لو فعل أساء ولا ضمان عليه ، ولكن عليه التعزير حتى لو كان الجاني قد فعل به كذلك في وجه للمثلة ، وفي آخر لا بأس به ، لأنه اعتداء بالمثل ، والله العالم.

٤٠٢

المسألة ( الثانية : )

قد عرفت أنه لا خلاف في اعتبار التساوي في الأصالة والزيادة أو الزيادة في الجاني في القصاص ، بل الظاهر الاتفاق عليه ، كما اعترف به في كشف اللثام ، فلا تقطع أصلية بزائدة اتحد المحل أو اختلف ، لأن الكامل لا يؤخذ بالناقص ، ولا زائدة بأصلية مع اختلاف المحل ، لأن الاتحاد شرط ، وتقطع بمثلها في الزيادة والمحل ، وبالأصلية مع التساوي في المحل وفقدان الأصلية ، لجواز أخذ الناقص بالكامل ، وفي المطالبة بفصل دية الأصلية الكلام السابق في اليد الشلاء ، وعن المبسوط التصريح بالعدم هنا ، ولا تقطع زائدة بمثلها مع تغاير المحل وجد المثل المساوي في المحل أو لا ، فلا تقطع اليد الزائدة اليسرى بالزائدة اليمنى وجدت زائدة يمني أو لا ، قصرا لخلاف الأصل على موضع النص والفتوى مع احتمال الانسحاب ، بل عمومها للزائدة.

و ( إذا كان للقاطع ) كفا مثلا ( إصبع زائدة ) في محل مخصوص من يمناه مثلا ( وللمقطوع كذلك ثبت القصاص ، لتحقق التساوي ) في الزائدة ومحلها كما هو المفروض ، لا أن الزيادة لأحدهما في اليمنى وللآخر في اليسرى ، ولا أن لأحدهما إبهاما وللآخر خنصرا ، وربما احتمل في نحو عبارة المتن عدم اعتبار تساوي المحل ، فيكفي الزيادة في كل منهما وإن كانت في أحدهما إبهاما وفي الآخر خنصرا ، وهو في غير محله ، لتصريح المصنف بذلك في اعتباره ، مضافا إلى توقف اسم القصاص عليه.

( ولو كانت ) الإصبع ( الزائدة للجاني ) خاصة ( فإن

٤٠٣

كانت خارجة عن الكف ) بأن تكون على الساعد مثلا ( اقتص منه ) فيه ( أيضا ) بلا خلاف ولا إشكال ( لأنها تسلم للجاني ) فلا تمنع حينئذ من استيفاء الحق ( وإن كانت في سمت الأصابع منفصلة ثبت القصاص في ) الأصابع ( الخمس دون الزائدة ودون الكف ) لأنها أزيد من الحق فلا حق له فيها ، وسقط القصاص من الكف أيضا للتغرير بها ، وهو كذلك إن لم يعمل بخبر الحسن بن الجريش السابق (١) وإلا اتجه له القطع ودفع الزائد. وبذلك ونحوه يظهر لك الاضطراب في كلامهم باعتبار الفتوى به تارة والاعراض عنه أخرى.

وعلى كل حال فعلى الأول يتجه ما سمعت ( وكان ) للمجنى عليه ( في الكف ) الذي تعذر القصاص فيه للتغرير بالإصبع الزائدة ( حكومة ).

( ولو كانت ) الزائدة ( متصلة ببعض الأصابع جاز الاقتصاص في ما عدا الملتصقة ، وله دية الإصبع ) التي تعذر القصاص فيها بالتصاق الزائدة فيها ( والحكومة في الكف ).

ولو كانت نابتة على إصبع وأمكن قطع بعضها مع الأربع كما إذا كانت نابتة على الأنملة الوسطى من إصبع تقطع الأنملة العليا مع الأربع ، ويأخذ ثلثي دية إصبع.

وعن العامة قول بأن الأصابع يتبعها ما تحتها من الكف ، فما يقتص منها لا حكومة في ما تحتها ، وما يؤخذ بدلها الدية لا يؤخذ إلا ديتها ، ولا يضاف إليها حكومة ما تحتها ، وهو كما ترى مناف للعدل ، ولعل مثله ما في كشف اللثام من أنه لو أمكن قطع ما تحت الأربع من الكف قطع ، وكانت الحكومة في باقي الكف ، ضرورة عدم جواز القطع عندنا من‌

__________________

(١) المتقدم في ص ٣٣٨ راجع التعليقة في ص ٣٣٧.

٤٠٤

غير المفصل ، هذا كله إذا كانت الزائدة في الجاني خاصة.

( أما لو كانت الزائدة في المجني عليه ) خاصة ( فله القصاص ) في الكف من الكوع ( و ) له ( دية ) الإصبع ( الزائدة ، وهو ثلث دية الأصلية ) وإن أخذ الدية كان له دية الكف ودية الزائدة بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك ، نعم احتمل بعض الناس سقوط دية الزائدة ، لأنها لحم زائد كالسمن ، وهو كما ترى.

( ولو كان له ) أي المجني عليه ( أربع أصابع أصلية وخامسة غير أصلية لم تقطع يد الجاني إذا كانت أصابعه كاملة أصلية ) بلا خلاف ( و ) لا إشكال ، لعدم قطع الكامل بالناقص المستلزم للزيادة في استيفاء الحق ، نعم ( كان للمجني عليه القصاص في أربع ) لعموم الأدلة ( وأرش الخامسة ) أي ديتها بتعذر استيفائها وحكومة الكف كذلك أو لا يقتص ويطالب بدية الجميع.

( أما لو ) انعكس الأمر بأن ( كانت ) بعض ( الأصابع التي ليست أصلية للجاني ) خاصة ( ثبت القصاص ) في الكف ( لأن الناقص يؤخذ بالكامل ) ولكن يشترط كون الزائدة في سمت الأصلية بمعنى مساواتها لها في المحل الذي عرفته ( و ) ذلك لأنه ( لو اختلف محل الزائدة لم يتحقق القصاص كما لا يقطع إبهام بخنصر ).

ولو كانت الزائدة في يد الجاني غير متميزة عن الأصلية باعتبار كونها في سمت أصابعه وعلى نسقها كما وكيفا لم تقطع اليد من الكوع ، للزوم قطع الزائدة التي هي غير مستحقة له ، بل في القواعد وغيرها ولا أربع من الخمس غير الإبهام أو شي‌ء من الأربع ، لاحتمال قطع الزائدة ، ولكن يقطع الإبهام ويطالب بدية باقي الأصابع ، وحكومة الكف الخالية من الإبهام ، فلو بادر وقطع الكف من الكوع استوفى حقه وأساء للزيادة ،

٤٠٥

وعليه ديتها ، ولو قطع الإبهام وأربعا منها أساء أيضا ، لعدم جواز ذلك له ، ولكن استوفى حقه ولو ناقصا ، لجواز أن تكون فيها زائدة ، وهي لا تؤخذ بالأصلية إلا مع فقد الأصلية ، لمخالفتها الأصلية محلا وصفة ، ويطالب بحكومة الكف.

وكذا لو قطع شخص إصبعا منها يحتمل الزيادة والأصالة لم يكن عليه قصاص ، لاحتمال أخذ الأصلية بالزائدة ، وفي وجوب دية الزائدة عليه لأصالة البراءة من الزائد أو نصف الديتين ، وهي ستة وستون دينارا وثلثان لتكافؤ الاحتمالين ، فيكون كجنين ولجته الروح واحتمل فيه الذكورة والأنوثة ، فان على قاتله نصف الديتين؟ وجهان أقواهما الثاني بملاحظة نظائره.

وفي القواعد ويحتمل سدس دية الكف وسدس دية الزائدة ، لأن الكف لو قطعت ضمنت بدية يد ودية إصبع زائدة ، فعند الاشتباه قسطت الدية ودية الزائدة على الجميع.

ولو قطع صاحب الأصابع المفروضة إصبعا من يد لا زيادة فيها فلا قصاص مع اشتباه مثل المقطوعة منه بالزائدة ، وعليه دية الإصبع الكاملة ، فلو بدر المقطوع وقطع إصبعا أساء واستوفى حقه ناقصا ، لاحتمال الزيادة.

هذا وقد يقال في أصل المسألة : إن له القصاص في ما قابل المقطوع من الأصابع المتعددة المتساوية ، لكونها جميعها أصلية ، فيكون له سبابتان مثلا ، نعم لو علم أن فيها أصلا وزائدا واشتبه اتجه حينئذ عدم القصاص.

ولعله لذا قال في الإرشاد : « ولو كان لقاطع اليد ست أصابع قطع خمس أصابعه ، ودفع حكومة اليد ، ولو كان فيها زائدة فاشتبهت‌

٤٠٦

فلا قصاص » ونحوه عن الروضة ومجمع البرهان ، بل والتحرير ، ولكن فيه أن المراد بكونها زائدة عدم الموافقة لغالب نوع الإنسان.

بل قد يشكل القصاص أيضا بعدم تساوي المحل في الفرض ، ضرورة تفاوت ذلك في كل إصبع منها ، ودعوى عدم اشتراطه هنا واضحة الفساد ، ضرورة توقف اسم القصاص عليه ، فتأمل جيدا.

( ولو كان للأنملة طرفان فقطعهما ) قاطع ( فان كان للجاني أنملة مساوية ) في ذلك ( ثبت القصاص ) بلا خلاف ولا إشكال ( لتحقق التساوي وإلا اقتص وأخذ أرش الطرف الآخر ) لأنه لم يستوف تمام حقه ، نعم عبر غير واحد بالأرش كالمتن ، وفي القواعد ومحكي التحرير أخذ دية الزائدة ، وهي ثلث دية الأنملة الأصلية ، وعن المبسوط والمهذب أخذ الحكومة ، ولعل مراد الجميع الدية المزبورة ، نعم لو لم يكن الطرف أنملة مثلا على وجه لا يدخل في ما ثبت له مقدار اتجه الأرش الذي هو بمعنى الحكومة بخلاف الأول الذي ستسمع تصريح المصنف فيه بثلث دية الأنملة.

( ولو كان الطرفان ) المزبوران ( للجاني ) خاصة فإن تميزت الأصلية وأمكن قطعها منفردة اقتص ، لعموم الأدلة ، وإلا ( لم يقتص منه ) للتغرير بزيادة على الجناية ( وكان للمجني عليه دية أنملته ، وهو ثلث دية إصبع ) أو نصفها على ما تعرفه في محله إن شاء الله كما صرح به الشيخ والفاضلان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم بل لا أجد فيه خلافا بين من تعرض له منهم ، لكن قد يأتي احتمال قطع الجميع ودفع دية الزائدة بناء على ما سمعته في خبر الحسن بن الجريش (١) الذي تكرر الكلام فيه ، ويأتي للمصنف قريبا الفتوى بما‌

__________________

(١) المتقدم في ص ٣٣٨ راجع التعليقة في ص ٣٣٧.

٤٠٧

يناسبه ، بل قد يأتي احتمال قطع أحد الطرفين مع إمكانه ، نحو ما سمعته في الأصابع الزائدة ، إلا أني لم أجد من أفتى بغير ما سمعته من المصنف ، والله العالم.

( ولو قطع من واحد الأنملة العليا ومن آخر الوسطى فان سبق صاحب العليا ) وطالب بحقه ( اقتص له وكان للآخر الوسطى ) فله القصاص فيها وله العفو ( وإن سبق صاحب الوسطى ) بالمطالبة ( أخر ) حقه إلى انتهاء حال الآخر ( فان اقتص صاحب العليا اقتص لصاحب الوسطى بعده ، وإن عفا ) على مال أو بدونه ( كان لصاحب الوسطى القصاص بعده ، وإن عفا ) على مال أو بدونه ( كان لصاحب الوسطى القصاص إذا رد دية العليا ) مقدمة لتحصيل حقه ، كما عن الشيخ والفاضل في بعض كتبه ، لخبر الحسن بن الجريش (١) وغيره مما تقدم مؤيدا بكونه كعفو أحد الشريكين ، وكرد الامرأة الزائد على الرجل ، وغير ذلك من النظائر.

لكن قد يشكل ذلك بما ذكروه في المقام من عدم جواز الاعتداء بغير المثل ، وباشتراط جواز القصاص في عضو بعدم التغرير بآخر ، وإعراضهم عما في خبر الحسن (٢) في كثير من الأفراد ، ومن هنا تردد في الحكم المزبور الفاضل في القواعد ، بل في المسالك مال إلى العدم ، بل هو المحكي عن الكركي أيضا ، بل في المسالك مال إلى العدم ، بل هو المحكي عن الكركي أيضا ، بل في كشف اللثام هو أقوى ، فإن شاء صاحب الوسطى أخذ الدية ، وإن شاء صبر إلى أن يذهب العليا من الجاني بآفة أو جناية فيقتص ، وقد عرفت غير مرة أن الأولى العمل بالخبر المزبور في غير محل الإجماع ، كما أشرنا إليه غير مرة.

نعم قد يناقش بناء عليه في إطلاقه تأخير صاحب الوسطى إلى انتهاء ذي العليا في ما لو تضرر بذلك بعد أن كان له طريق إلى الاستيفاء‌

__________________

(١) راجع التعليقة في ص ٣٣٧.

(٢) راجع التعليقة في ص ٣٣٧.

٤٠٨

بدفع الدية الذي لا دليل على اشتراطه بعفو الآخر ، والله العالم.

( ولو بادر صاحب الوسطى فقطع ) قبل ذي العليا ( فقد ) أساء بناء على ما سمعته ، ولكن قد ( استوفى حقه وزيادة ، فعليه دية الزائد ، ولصاحب العليا على الجاني دية أنملته ) بلا خلاف أجده بين من تعرض له ، بل لم أجد من احتمل جواز رجوع ذي العليا على ذي الوسطى باعتبار كونه المتلف لحقه بالاستيفاء قبله فضلا عن احتمال تعين ذلك.

وإن قطع العليا من سبابتي يمني رجلين مثلا فللسابق منهما القصاص ، وهل للاحق القصاص من اليسرى؟ احتمال ، لورود قطع اليسرى باليمنى (١) كما عرفت ، واليد تشمل الكل والأبعاض ، ويحتمل العدم اقتصارا في ما خالف الأصل على اليقين ، قيل : ويعطيه كلام المبسوط ، وبنى عليه أنه إن قطع عليا سبابة رجل ثم العليا والوسطى من سبابة آخر قدم صاحب العليا ، فان عفا كان للآخر القصاص ، وإن اقتص كان للآخر القصاص الباقية ، وأخذ دية العليا وإن انعكس قدم صاحب العليا والوسطى ، فان عفا كان لصاحب العليا للقصاص وإلا الدية ، وذلك كله واضح.

المسألة ( الثالثة : )

( إذا قطع يمينا فبذل شمالا ) لما أريد القصاص منه ( فقطعها المجني عليه من غير علم ) بأنها الشمال ( قال في المبسوط : يقتضي مذهبنا سقوط القود ) لأن اليسار تكون بدلا عن اليمين في الجملة ، ولصدق‌ « اليد باليد » (٢).

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٢.

٤٠٩

( و ) لكن ( فيه تردد ) بل منع كما عن المهذب ، بل هو خيرة أكثر المتأخرين ، بل عن المبسوط أنه قوي أيضا ، وذلك ( لأن المتعين ) للقصاص ( قطع اليمين ، فلا تجزئ اليسرى مع وجودها ، وعلى هذا يكون القصاص في اليمنى باقيا ، و ) لكن ( يؤخر حتى يندمل اليسار توقيا من السراية ) على النفس ( بتوارد القطعين ) المضمون أحدهما دون الآخر على ما في كشف اللثام ، قال : « فيضمن نصف السراية ، بخلاف ما لو قطع يدين ، فإنه يوالي بين قطع يديه ، فإن السراية إن حصلت فعن غير مضمون ».

وفيه نظر أما ( أولا ) فلاحتمال عدم الضمان فيهما في الفرض ، للجهل بالأول والاستحقاق في الثاني. وأما ( ثانيا ) فقد يقال بضمانه هنا النفس وإن كان الجرحان معا غير مضمونين باعتبار اشتراط استيفاء القصاص في الطرف بعدم التغرير بها ، فإذا اقتص مغررا بها ضمنها وإن لم تكن الجناية مضمونة لو اندملت فهو كما لو قطع اليد الشلاء التي حكم أهل الخبرة بعدم انحسامها. ولكن مع هذا كله والمسألة لا تخلو من إشكال.

( و ) على كل حال فلا قصاص بقطع اليسار على المقتص قطعا كما في المسالك ، لأن الفرض جهله وكون الباذل المقتص منه ، فلا عمد فيه إلى قطعها عدوانا كي يتحقق موضوع القصاص.

ف ( أما الدية فإن كان الجاني سمع الأمر بإخراج اليمين و ) مع ذلك ( أخرج اليسار مع العلم بأنها لا تجزئ وقصده إلى إخراجها فلا دية أيضا ) كما عن المبسوط والفاضل وغيرهما ، لأن السبب فيه أقوى من المباشر ، نحو تقديم الطعام للضيف وغيره.

وما في المسالك ـ من إشكاله بأن الحكم في تقديم الطعام ونظائره مستند إلى العادة الغالبة مع اتفاق المسؤول والمبذول ، والأمر في المتنازع‌

٤١٠

ليس كذلك ، فان المسؤول إخراج اليمنى والمبذول اليسار ، ولأن الاذن في هذا الفعل لا يؤثر في الإباحة ، بخلاف الأمثلة المذكورة ، فكان القول بثبوت الدية أوجه ، وتبعه بعض من تأخر عنه ـ يدفعه عدم كون المنشأ الإذن منه ونحوه ، بل ما عرفته من قوة السبب فيه على المباشر التي يكون الضمان بها على القوة من غير فرق بين المال والنفس.

بل الظاهر عدم الفرق في ذلك بين علم الباذل وجهله بالموضوع لدهشة ونحوها وبالحكم ، فان القوة المزبورة مع جهل المستوفي بالحال متحققة ، اللهم إلا أن يقال بوجوب معرفة كونها يمينا على المقتص ، ولا يجدى بذلك المقتص منه لها في تعينها ، فهو مقصر في قطعها اعتمادا على ذلك ، ولكن لا قصاص عليه ، لعدم العدوان عمدا فيه بخلاف الدية ، ( و ) يمكن دفعه بأنه يكفي إقرار من عليه الحق بأنها اليمين ، لعموم أدلة الإقرار ، فتأمل.

نعم ( لو قطعها ) المجني عليه ( مع العلم ) بكونها اليسار ضمنها قطعا ، لعموم الأدلة الذي لا يعارضه الاذن من ذي اليد صريحا فضلا عن الفعل الدال عليها بعد إلغاء الشارع لها وكونها بمنزلة العدم ، لأنه لم يجعل الأمر في البدن إليه.

ولكن في غاية المراد « هي هدر ، لأنه أخرج بينة الإباحة ، ولا يضمن السراية ، ويعزران لحق الله تعالى » وهو كما ترى. وأغرب من ذلك قوله فيها متصلا بما سمعت : « ولو سكت ولم يخرجها فقطعها والحال هذه أي عالما بأنها اليسار فكالاخراج ، لأنه سكوت في محل يحرم فيه بخلاف السكوت عن المال ». وعلى كل حال فلا إشكال في عدم هدريتها.

نعم ( قال في المبسوط : سقط القود إلى الدية ، لأنه بذلها للقطع و ) بذلك ( كانت شبهة في سقوط القود ، وفيه إشكال ) ‌

٤١١

بل منع واضح ( لأنه أقدم على قطع ما لا يملكه ) إذ الفرض علمه ( فـ ) ـكيف ( يكون ) شبهة ، بل هو ( كما لو قطع عضوا غير اليد ) باذن منه ، ولا يكفي في الشبهة تولد الداعي فيه إلى قطعها ببذلها ، بل الظاهر عدم مدخلية الجهل بالحكم الشرعي في جميع صور المسألة من غير فرق بين الباذل والقاطع ، لأنه غير معذور في ذلك على كل حال ، وحينئذ فالمتجه في المقام ثبوت القصاص عليه بها ، كما أن المتجه بقاء القصاص له في يمينه ، وكون اليسار تقطع عن اليمين مع فقدها لا يقتضي بدليتها عنها في المقام وإن اتفقا عليه ، كما هو واضح.

ولكن احتمل في غاية المراد الرجوع إلى نية المقتص ، فان قال : عرفت أن اليسار لا تجزئ ولكن قصدت جعلها عوضا من تلقاء نفسي قوي السقوط ، وإن قال : ظننت الاجزاء ففيه وجهان من حيث البناء على ظن خطأ وإن تضمنه العفو ، ويلتفت هذا إلى أخذ العوض بلا تلفظ بالعفو ، أما لو قال : استبحته بإباحته فالأقوى البقاء ، فعلى الأول له قطع اليمين قصاصا بعد الاندمال حذرا من توالي القطعين بخلاف ما لو قطع يديه ، والفرق مشاركة المضمون ، وإن سرى إلى نفسه تثبت الدية في ماله على ما قاله الشيخ.

وهو كما ترى لا حاصل معتد به له ، بل وكذا باقي كلامه في المسألة فإنه أطنب فيها ، ولكنه بلا حاصل معتد به وإن تبعه بعض من تأخر عنه.

( و ) على كل حال فـ ( ـكل موضع تضمن اليسار فيه ) دية أو قصاصا ( تضمن سرايتها ) كذلك لما عرفته من تبعية السراية للجناية في ذلك ( و ) حينئذ فـ ( ـلا يضمنها ) أي السراية ( لو لم يضمن الجناية ) لأن ما لا يضمن أصله لا تضمن سرايته ، لكن قد عرفت سابقا الإشكال القوي في ما لو اقتص في الطرف مع‌

٤١٢

خوف السراية بسبب شلل في الطرف مثلا ، اللهم إلا أن يقال بضمان الطرف حينئذ باعتبار تعين الدية له دون القصاص ، ولكنه كما ترى مع فرض اندمال الجرح وعدم السراية ، فتأمل جيدا أو يقال : إنه بسرايته ينكشف ضمان أصل الجناية في الطرف وإن دخل هو في النفس حينئذ ، وعلى كل حال فالكلية في اليسار تامة مع إرادة عدم الضمان من حيث تلك الجناية لا ما إذا فرض حصول الاسراء بسبب آخر من دواء أو جناية أخرى أو غير ذلك ، والله العالم.

( ولو اختلفا فقال ) المجني عليه للجاني ( بذلتها ) أي اليسار ( مع العلم ) بأنها اليسار مجانا ( لا بدلا ) عن قطع اليمين بزعم جوازه ( فأنكر الباذل ) ذلك ( فالقول قول الباذل ) ليساره بيمينه ( لأنه أبصر بنيته ) ولأن الظاهر عدم بذلك العاقل كذلك ، ولأن الأصل ثبوت العوض لقطع العضو المحترم ، فان حلف أخذ الدية وإن نكل حلف الآخر إن احتيج إلى الرد ، وذهبت هدرا كما عن المبسوط وفيه نظر كما في كشف اللثام ، ولعله لأنه مع تسليم دعوى المجني عليه لا يسقط الضمان عن المقتص مع علمه ، فإن إباحته بمنزلة العدم بعد أن لم يجعل الشارع السلطان له على ذلك ، ودعوى سقوط الضمان عنه بذلك وإن بقي حق الله يدفعها عدم الدليل على سقوطه به بعد عموم أدلته ، ويمكن فرض الاختلاف المزبور على القول بسقوط الضمان على التقدير المزبور ، ومن هنا قال في المسالك : « فائدة هذا النزاع تظهر على القول بسقوط القصاص والدية مع علم الباذل بكونها اليسار وأن المطلوب شرعا قطع اليمين سواء قلنا : إنها تقع بدلا بقصده أم لا ».

( و ) كيف كان فـ ( ـلو اتفقا على بذلها بدلا لم تقع بدلا ) لكونه اتفاقا فاسدا بعدم الاذن شرعا في ذلك ، ضرورة عدم مشروعية‌

٤١٣

القصاص في غير محل الجناية ، بل هو ليس قصاصا ولا إذن من الشارع للإنسان في بدنه.

( و ) من هنا ( كان على القاطع ديتها ) مع اشتباهه وإلا فعليه القصاص ( وله القصاص في اليمين لأنها موجودة ) وقد بطل الاتفاق المزبور فهو على استصحاب بقاء حقه.

( و ) لكن ( في هذا تردد ) من ذلك ومن تضمنه العفو عما له من القصاص وإن لم يصح الاتفاق المزبور ، ولعل من ذلك يحصل الإشكال أيضا في القصاص لليسار أو الدية ، إذ احتمال ثبوت أحدهما على المقتص مع سقوط حقه أصلا في اليمين واضح الضعف ، نعم قد يحتمل سقوط حقه من القصاص خاصة والانتقال إلى الدية فيتقاصان حينئذ مع التساوي وإلا ـ كما لو كان أحدهما رجلا والآخر امرأة ـ أعطي التفاوت من كان عليه.

وكيف كان فقد ظهر لك بالتأمل في ما ذكرناه حكم جميع الصور المذكورة في المقام ، فإنه وإن جعلها في غاية المراد والمسالك بل وكشف اللثام ثمانية لكن جعلوا محل الكلام فيها مقامات ثلاث : التعزير وسقوط القصاص عن اليمين وضمان اليسرى ، ومن المعلوم أن التعزير لا يكون إلا مع العلم الموجب للإثم دون الجهل ، كمعلومية عدم سقوط القصاص عن اليمنى مع الاتفاق عليه منهما فضلا عن غيره وإن ذكروا وجوها في خلافه إلا أنها واضحة الضعف ، كما عرفت الكلام فيه وفي ضمان اليسرى في حال علم القاطع. ومنه يعلم أن المدار على علم القاطع وجهله ، لا المقتص منه ، كما هو المحكي عن الشيخ ، وعلى الجهل بالموضوع دون الحكم الشرعي.

وبذلك كله يظهر لك حال ما أطنب به في غاية المراد وكشف اللثام وغيرهما من حكاية كلام الشيخ وغيره ، فلاحظ وتأمل.

٤١٤

( ولو كان المقتص ) طفلا أو ( مجنونا فبذل له الجاني غير العضو ) أو العضو ( فقطعه ذهب هدرا ) وبقي ما عليه من الاستحقاق بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له بل ولا إشكال ، وكذا النفس ( إذ ليس للمجنون ) ولا للطفل ( ولاية الاستيفاء ) ولأن السبب فيه أقوى من المباشر ( فيكون الباذل مبطلا حق نفسه ) من غير فرق بين علم الباذل بالحكم الشرعي وجهله ، نعم لو لم يعلم بجنونه وبذل له العضو الذي يراد منه القصاص أمكن القول بثبوت الدية على عاقلته ، كما لو قطع من غير بذل ، ويمكن العدم ، لأن ضمان العاقلة على خلاف الأصل ، والفرض أنه الباذل ، وعدم علمه بجنونه لا يرفع قوة السبب فيه.

( ولو قطع يمين مجنون فوثب المجنون فقطع يمينه قيل ) وإن كنا لم نعرف القائل منا ( وقع الاستيفاء موقعه ) لأنه كما لو كان له وديعة فهجم عليها فأتلفها.

وفيه أنه في غير موقعه بعد أن لم يكن له أهلية الاستيفاء ، ضرورة كونه حينئذ كالأجنبي ، وعدم الضمان في الوديعة لعدم التفريط ، لا لأنه استيفاء وإن كان هو مالا هنا له بخلاف اليمين ، فإنه لا يسقط عنه الضمان وإن تلفت بغير تفريط.

( و ) من هنا ( قيل ) والقائل الشيخ في محكي المبسوط : ( لا يكون ) ذلك ( قصاصا ، لأن المجنون ليس له أهلية الاستيفاء وهو أشبه ) بأصول المذهب وقواعده وفاقا للفاضل وثاني الشهيدين وغيرهما ( و ) حينئذ ( يكون قصاص المجنون باقيا على الجاني ) كما في القواعد. ( ودية جناية المجنون على عاقلته ) بلا خلاف فيه بيننا بل ولا إشكال.

٤١٥

إنما الكلام في الأول ، ففي كشف اللثام « يعنى من يساره أو من رجليه ، فان فقد الجميع فالدية ، وأطلق في المبسوط والتحرير بقاء الدية له » وكأنه أخذه مما عن الإيضاح وحواشي الشهيد من أن المراد ببقاء قصاص المجنون أحد أمرين : إما على القول بأنه إذا فقدت اليمين التي وجب القصاص فيها تقطع اليسار ، أو بمعنى أنه ينتقل إلى حكم العمد مع فوات المحل ، فعلى القول بسقوطه كما قاله بعضهم يسقط هنا ، وعلى القول بالدية فهنا كذلك ، فمع الصلح ظاهر ، ومع امتناعه كما هو مقرر شرعا ، لكن فيه أن من شرط القصاص نفسا وطرفا العقل ، فلا يقتص منه ، ولعله لذا أطلق الدية في المبسوط ، على أن الخلاف المزبور إنما هو في النفس دون الطرف الذي لا معنى لتنزيل نحو العبارة عليه ، ضرورة أنه لا وجه للبقاء على القول بسقوطه قصاصا ودية فلا يبعد إرادة المصنف وغيره من القصاص الدية ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة : )

( لو قطع يدي رجل ورجليه ) مثلا ( خطأ ) شبيها بالعمد ( واختلفا فقال الولي : مات بعد الاندمال ) فيستحق من القاطع ديتين ( وقال الجاني : مات بالسراية ) كي لا يجب عليه إلا دية واحدة لدخول الطرف في النفس ( فان ) اتفقا على المدة و ( كان الزمان قصيرا لا يحتمل الاندمال ) عادة ( فالقول قول الجاني ) كما عن الشيخ والفاضل والشهيدين وغيرهم ، لأصل البراءة المعتضد بالظاهر ، وأصالة عدم حدوث سبب آخر ، مع أنه لم يدعه الولي ، بل توقف غير واحد في استحقاق اليمين للعلم بكذب دعواه في الاندمال ولم يدع سببا‌

٤١٦

آخر وإن قال المصنف هنا تبعا للمحكي عن الشيخ : إن القول قوله ( مع يمينه ) لعموم‌

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « واليمين على من أنكر » ‌وغيره مما يدل عليه ، ولجواز أن يكون الموت بسبب حادث كلدغ حية وشرب سم مدنف ، لكن قد يشكل أصل تقديم قول الجاني إذا لم يعلم استناد الموت إلى جنايته بأصالة بقاء استحقاق الديتين عليه بعد ثبوت سببه ، وعدم العلم بالسراية ، وظهور الكذب بدعوى الاندمال لقصر الزمان لا يقتضي ثبوت السراية المقتضية لسقوط استحقاق الديتين ، نعم لو قيل بعدم الاستحقاق باعتبار المراعاة اتجه ذلك ، لكن قد عرفت سابقا أن السراية مسقطة لا كاشفة عن عدم الاستحقاق.

وعلى كل حال ( فـ ) ـهذا مع قصر الزمان ، وأما ( إن ) كان الزمان طويلا و ( أمكن الاندمال ) فيه ( فالقول قول الولي ، لأن الاحتمالين متكافئان والأصل وجوب الديتين ) ولم يعلم السراية المسقطة ، ودعوى أن ثبوتها مراعى وظهوره ظهور وهمي متزلزل لا عبرة به فلا استصحاب يدفعها أنه مبني على كون السراية كاشفة لا مسقطة ، وقد عرفت سابقا فساده ، فلاحظ وتأمل.

( ولو اختلفا في المدة ) فقال الجاني : مات قبل أن تمضي مدة يندمل في مثلها إما مطلقا أو مع تعينها بالأيام ، وقال الولي : بل مضت مدة تندمل في مثلها كذلك ( فـ ) ـفي المسالك وفاقا للمتن ( القول قول الجاني ) مع اليمين كما في القواعد وغيرها ، لأن الأصل بقاء لمدة حتى يعلم انتفاؤها وبقاء الجناية والسراية حتى يعلم برؤها. وفيه نظر يعرف مما سبق ويأتي ، مضافا إلى عدم صحة الأصلين المزبورين بحيث يثبت منهما قوله ويقطعان أصالة ثبوت استحقاق الديتين ، فتأمل جيدا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٣ من كتاب القضاء.

٤١٧

( أما ) لو كانت المسألة بالضد من الفرض الأول كما ( لو قطع يده فمات وادعى الجاني الاندمال ) حتى لا يغرم إلا دية اليد ( وادعى الولي السراية ) حتى يستحق دية النفس ( فالقول قول الجاني إن مضت مدة يمكن ) فيها ( الاندمال ) وفي اليمين البحث السابق ، ولكن هل يحلف أنه لم يمت بغير السراية؟ وجهان من الاحتمال ومن انحصار دعوى الجاني في الاندمال ، وعلى كل حال فيقدم قوله ، لأن الأصل البراءة ، ولا يعارضه أصل عدم الاندمال الذي لا يقضي بالسراية.

ومنه يعلم صحة ما ذكرناه سابقا من ترجيح قول الولي في السابقة ولو مع قصر الزمان ، ضرورة أن ظهور كذبه بدعوى الاندمال لقصر المدة لا يقتضي تحقيق السراية المسقطة التي مقتضى الأصل عدمها ، مضافا إلى أصل ثبوت الديتين ، ودعوى معارضة الأول بأصل البراءة وعدم حدوث سبب آخر من لدغ حية ونحوه والثاني بأنه مراعى فلا يستصحب يدفعها انقطاع أصل البراءة بثبوت مقتضى الديتين ، وأصالة عدم حدوث سبب آخر لا يقتضي الموت بالسراية ، إذ لعله مات حتف أنفه ، وما عرفته سابقا من كون السراية مسقطة لا كاشفة ، فلا مراعاة حينئذ.

هذا ولكن في المسالك في المقام « قد تعارض أصلا عدم الاندمال وبراءة ذمة الجاني عما زاد عن النصف ، فيقدم قول الجاني بشهادة الظاهر مع الأصل » وفيه أنه لا ظهور بإمكان المدة بالبرء ، وعلى تقديره لا دليل على صحة الظهور المزبور ، كما لا ظهور في الموت مع قصرها بالموت بالسراية ، إذ لعله مات بسبب آخر ، فتأمل جيدا.

وإن لم تمض مدة كذلك بأن كان الزمان قصيرا ، فظاهر كلامهم أن القول قول الولي ، لما عرفته من الظهور المزبور ، ولكن فيه البحث السابق مع عدم العلم باستناد الموت إلى جنايته على وجه يتحقق صدق أنه‌

٤١٨

قتله ، وستسمع ما يؤيده ، والله العالم.

( ولو اختلفا ) في المدة فقال الجاني : قد مضت مدة يندمل في مثلها وقال الولي : ما مضت ( فـ ) ـفي المبسوط أن ( القول قول الولي ) لأن الأصل عدم مضي المدة ، فالولي في هذه كالجاني في تلك ( و ) لكن ( فيه تردد ) لأصالة البراءة عما زاد على نصف الدية ، ومنه يعلم صحة ما ذكرناه سابقا في الصورة الأولى.

( ولو ادعى الجاني أنه شرب سما ) أو لدغته حية أو نحو ذلك ( فمات وادعى الولي موته من السراية ) ففي القواعد « قدم قول الولي مع قصر الزمان » ولعله لأن الأصل عدم حدوث غير الجناية ، ولكن فيه أن ذلك لا يقتضي الموت بالسراية ( فـ ) ـالمتجه أن ( الاحتمال فيهما سواء ) إذ السراية أمر حادث ، والأصل عدم شرب السم مثلا كذلك.

( ومثله الملفوف في كساء ) مثلا ( إذا قده ) قاد ( نصفين وادعى الولي أنه كان حيا وادعى الجاني أنه كان ميتا إذ الاحتمالان ) فيه أيضا ( متساويان ) لا ترجيح لأحدهما على الآخر بمقتضى الأصول ، لأن استصحاب حياته لا يقتضي أنه قده حيا إلا بالأصل المثبت الذي هو غير حجة كما تقرر في محله ، وحينئذ موته بالقد أو بسبب آخر بالنسبة إلى الأصول على حد سواء ( فـ ) ـالمتجه الرجوع إلى أصل آخر غيرهما ، وهو يقتضي أن ( يرجح قول الجاني ) كما عن الخلاف والجواهر ( لأن ( بما أن خ ل ) الأصل عدم الضمان).

( و ) لكن مع ذلك ( فيه احتمال آخر ضعيف ) وإن اختاره في الأول في القواعد ، للأصل الذي قد عرفت البحث فيه ، ولذا كان خيرة كشف اللثام ومحكي التحرير فيه تقديم قول الجاني لما عرفت ، وفي الثاني‌

٤١٩

في محكي السرائر ، لأصالة الحياة التي قد عرفت عدم اقتضائها كون القد نصفين وقع عليه حالها ، إذ هو ليس من أحكام المقدود كي يستصحب وإن استصحب حياته في وجوب النفقة عليه ونحوه مما هو من أحكامه شرعا بخلاف الفرض الذي هو ضده من قتله ونحوه من الأحكام العرفية ، ولذا كان خيرة من عرفت تقديم قول الجاني أيضا فيه.

وأضعف من الاحتمال المزبور ما يحكى في الثاني عن العامة من أنه إن كان ملفوفا في الكفن قدم قول الجاني ، لظهور الموت ، وإلا فقول الولي ، إذ هو مجرد اعتبار.

ولو ادعى الجاني شلل العضو المقطوع من حين الولادة أو عمى عينه المقلوعة كذلك وادعى المجني عليه الصحة فإن كان العضو ظاهرا كالعين والرجل ففي القواعد ومحكي المبسوط والخلاف قدم قول الجاني ، لأصالة البراءة ، وإمكان إقامة المجني عليه البينة على السلامة ، وإن كان مستورا كالمذاكير ففي القواعد احتمل تقديم قول الجاني أيضا ، للأصل المزبور ، وقول المجني عليه كما عن المبسوط والخلاف ، لأصل الصحة ، وفيه أنه لا يقتضي وقوع الجناية عليه كذلك.

وفي كشف اللثام « ويكفي في البينة إذا قامت أن تشهد بالسلامة قبل الجناية مطلقا » وفيه أن استصحابها لا يثبت وقوع الجناية عليها أيضا سالمة فأصل البراءة حينئذ محكم.

واختلف في المستور فقيل ما أوجب الشارع ستره ، وقيل ما أوجبته المروة ، فيشمل الفخذ والسرة والركبة ، وفي كشف اللثام هو أظهر سواء وافق المروة فستره أو خالفها ، إذ كما أن المروة تقتضي ستره كذلك تقتضي الغض عنه.

وفيه أنه ليس في شي‌ء من الأدلة العنوان المزبور كي يحتاج في تفسيره‌

٤٢٠