جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

التي هي الأقل اقتص له فيه ، وحبست الحكومة للآخر وأكملت أو أكملت الحكومة دية لذلك العضو.

وعن العامة قول بأنه لا يعطى حكومة للجهل ، وآخر بأنه يعطى حكومة ما قطع منه أخيرا ، لأن القيمة بعد الجناية أقل منها قبلها ، والأصح ما ذكرناه.

وإن بقي الاشكال وآيس من الوضوح لم يقتص له في عضو ، وكان له نصف دية كل عضو والحكومة في نصفه مراعاة للاحتمالين ، كما صرح به هنا في كشف اللثام ، وله نظائر فيها وفي غيرها ، ولكنه لا يخلو من بحث.

هذا وفي القواعد ومحكي المبسوط أنه لا قصاص في الأليتين ، لتعذر المماثلة ، إذ لا ينفردان عن سائر الأعضاء بمفصل ونحوه ، ولذلك لا يجري في أبعاضهما أيضا ولكن عن التحرير الثبوت فيهما ، ويناسبه ثبوت الدية فيهما ونصفها في إحداهما كما سيأتي ، وعدم الانفصال ممنوع ، فإنهما ناتيان عن استواء الفخذ والظهر ، ولعله الأقوى ، والله العالم.

( ويقطع العضو الصحيح بالمجذوم إذا لم يسقط منه شي‌ء ) لعموم الأدلة المقتصر في تخصيصها على خصوص الشلل ، وفي محكي الوسيلة والتحرير أن ذكر المجذوم إذا لم يسقط منه شي‌ء يساوي المقابل ، ونحوه في الإرشاد ومجمع البرهان.

لكن في القواعد وشرحها للاصبهاني « ولا يقطع العضو الصحيح بالمجذوم وإن لم يسقط منه شي‌ء ، فإنه معرض له ، ويقطع المجذوم بالصحيح ولا يضم إليه أرش ، ولا يشترط تساوي خلقه اليد ومنافعها وفي سائر العلل من البرص ونحوه والصحة فيها ، لعموم الأدلة والفتاوى ».

وفيه أن ذلك يقتضي قطع الصحيح بالمجذوم ، ضرورة عدم دليل‌

٣٨١

يخصه بعد أن لم يكن داخلا في الشلل ، بل لعله كذلك وإن سقط منه شي‌ء لا يخرجه عن اسم اليد الكاملة ، ودعوى عدم صدق الاعتداء والعقاب بالمثل ـ مع منعها ـ تقتضي السلامة من سائر الأمراض ، وهو معلوم العدم ، ولو سلم فالمتجه ـ بناء على ما سمعته في خبر الحسن بن الحريش (١) المشتمل على قضية ابن عباس ـ قطع الصحيح به ودفع التفاوت لو كان لا عدم القصاص به ، فلاحظ وتأمل ، فإن كلامهم لا يخلو في المقام من اضطراب في الجملة ، لكنه متفق بالنسبة إلى قطع المجذوم بمثله وبالصحيح ، نعم هو كذلك بالنسبة إلى قطع الصحيح بالمجذوم الذي قد سمعت ما في القواعد وشرحها ، وستسمع ما في كشف اللثام في الأنف.

( وكذا يقطع الأنف الشام بالعادم له كما يقطع الأذن الصحيحة بالصماء ) بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة كون الخلل في الشم والسمع إنما هو في الدماغ والصماخ ونحوهما لا في نفس العضو ، ويستوي في ذلك الأقنى والأفطس والكبير والصغير للتساوي ، بل في كشف اللثام « ويستوي الصحيح والعليل ، فيقتص من الصحيح للجذوم ما لم يتناثر منه شي‌ء ، فان تناثر بعضه ثبت القصاص بالنسبة إلى الباقي » وهو مناف لما سمعته منه سابقا ، مع أن في إطلاقه القصاص في الباقي الشامل لما إذا ذهب طرفه بحثا.

وفي قطع الصحيح بالمستحشف من الأنف والاذن إشكال كما في القواعد ، لكن قد يقوى العدم بناء على أنه شلل ، فيجري عليه الحكم السابق في اليد ، وعن حواشي الشهيد المنقول عدم القصاص ، بل عن ظاهر ديات المبسوط الإجماع على أنه يجب على قاطعها ثلث الدية ، وعن الخلاف الإجماع والأخبار على أنه لو ضربها فاستحشفت كان عليه ثلثا‌

__________________

(١) راجع ص ٣٥٠.

٣٨٢

ديتها ، وعن المحقق الثاني عدم القصاص في الأنف المستحشف.

ويجرى القصاص في المارن كله أو بعضه ، كما صرح به في القواعد وغيرها ، لانفصاله عن القصبة انفصال الكف عن الساعد ، إذ المراد به ما لان من الأنف ثم قال في القواعد : « ولو قطع معه القصبة فإشكال ، من حيث انفراده عن غيره ، فأمكن استيفاؤه قصاصا ، ومن أنه ليس له مفصل معلوم » وعن المبسوط أن القصاص في المارن أو كمال الدية ، والحكومة في القصبة ، ومال إليه أو قال به في كشف اللثام ، بل عن الكركي اختياره ، وعن حواشي الشهيد أنه المنقول.

ولعل الأقوى القصاص في الجميع فضلا عن المارن خاصة ، لإمكان المماثلة عرفا ، ولعله لذا جزم به في محكي التحرير ، بل لعل الاشكال فيه في القواعد مناف لما جزم به من ثبوت القصاص في المارن ، نعم لو قطع بعض القصبة لم يكن له القصاص إلا في المارن ، لعدم الفصل فيها ، وكونها من العظام التي لا قصاص في كسرها ، فتتعين الحكومة فيها حينئذ.

ولو قطع المارن شخص فقطع القصبة آخر لأنفه مارن ففي كشف اللثام لم يقتص منه ، كما لا يقتص من ذي أصابع قطع كفا بلا أصابع ، وفيه البحث السابق الذي سمعته في خبر الحسن بن الجريش (١) المشتمل على قضية ابن عباس.

ولو قطعها فاقد المارن ففي القواعد وكشف اللثام احتمل القصاص للانفراد عن الغير وعدمه ، لعدم المفصل ، وقد عرفت أن الأقوى القصاص.

( ولو قطع بعض الأنف ) وعن المبسوط بعض مارنه ( نسبنا

__________________

(١) راجع ص ٣٥٠.

٣٨٣

المقطوع إلى أصله ) على وجه يعلم أنه نصف أو ثلث ( و ) هكذا ثم ( أخذنا من الجاني بحسابه ) أي ما نسبته إلى أنفه أو مارنه نسبة المقطوع من أنف المجني عليه إلى أنفه أو مارنه ، ولم يؤخذ من الجاني ما يساوي في المساحة المقطوع من المجني عليه ( لئلا يستوعب أنف الجاني بتقدير أن يكون صغيرا ) وأنف المجني عليه كبيرا ، فالنصف من أنف الجاني أو مارنه بالنصف من ذلك من المجني عليه ساواه في المساحة أو زاد أو نقص ، والثلث بالثلث. وبالجملة لا يراعى المساحة بين الأنفين حتى يقتص بقدر ما قطع وإن كان تمام الآخر ، بل إنما يراعى النسبة ، كذا ذكره من تعرض لذلك كالشيخ والفاضل وثاني الشهيدين والأصبهاني.

ولكنه لا يخلو من بحث ، ضرورة اقتضائه قطع القليل بالكثير وبالعكس ، بل لعله مناف لما سمعته سابقا في الشجاج من أنه لو كان رأس الشاج صغيرا استوعبناه وأخذنا أرش الزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح ، بل ومناف لما سمعته من كون المدار على الاسم في الأطراف والمساحة في الشجاج ، ضرورة خروج الفرض عنهما ، فإنه لا اسم ولا مساحة ، اللهم إلا أن يدعى استفادة النسبة المزبورة مما ورد من قوله تعالى (١) : ( الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ ) مثلا ، ولكنه كما ترى ، أو يدعى صدق القصاص بذلك عرفا ، ولعل الأولى فيه التقاص بما يمكن منه عرفا والرجوع في غيره إلى الدية ، والله العالم.

( وكذا يثبت القصاص في أحد المنخرين ) بلا خلاف أجده بين من تعرض له مع تساوي المحل يمينا وشمالا ، لعموم الأدلة الشامل لذلك ، لأن له حدا ينتهى إليه ، فهو كأحد الأصابع.

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

٣٨٤

وكذا يثبت في الحاجز بينهما كما صرح به بعضهم ، وهو المسمى بالروثة ، أو بالوترة ، وأن الروثة هي الأربية ، أي طرف الأنف.

( وكذا البحث في الأذن ) التي لا خلاف في القصاص فيها مضافا إلى الكتاب (١) والسنة (٢) والإجماع بقسميه ( و ) يستوي في ذلك الصغير والكبير كسائر الأعضاء ، بل ( تؤخذ الصحيحة بالمثقوبة ) ثقبا يعد كمالا لا نقصا.

نعم لو كان بحيث صار نقصا فكالخرم الذي أشار إليه المصنف بقوله : ( وهل تؤخذ ) الصحيحة ( بالمخرومة؟ قيل ) كما عن الشيخ وابن حمزة ( لا ) تؤخذ بها ، لأنه ظلم ( و ) لكن ( يقتص إلى حد الخرم والحكومة في ما بقي ) وتبعهما الفاضل وثاني الشهيدين ، وربما احتمل بعض الناس الانتقال إلى الدية.

( و ) كذا الكلام في المنقوبة نقبا يلحق بالخرم والمقطوع بعضها إلا أنه ( لو قيل : يقتص إذا رد دية الخرم كان حسنا ) وفي كشف اللثام هو أشبه ، لعموم ( الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ ) (٣).

قلت : مضافا إلى ما سمعته سابقا في خبر الحسن بن الجريش (٤) المشتمل على قضية ابن عباس ، وحينئذ فالمتجه جريانه في جميع أمثال ذلك كما أشرنا إليه سابقا ، إلا أن حملة من كلام الأصحاب ينافي ذلك في كثير من الأفراد ، بل يمكن دعوى الإجماع منهم على خلافه ، ومن ذلك يعلم عدم خلو كلامهم عن الاضطراب ، فلاحظ وتأمل.

( و ) كذا يثبت ( في السن القصاص ) في الجملة كتابا (٥)

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب قصاص الطرف والمستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ منها ـ الحديث ٣.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٤) المتقدم في ص ٣٣٨. راجع التعليقة في ص ٣٣٧.

(٥) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

٣٨٥

وسنة (١) وإجماعا بقسميه ، والمراد به العظم المعروف ، ثمان وعشرون واحدا : اثنتا عشر في مقاديم الفم : ثنيتان من فوق ، وهما وسطها ، ورباعيتان خلفهما ، ونابان خلفهما ، ومثلها من أسفل ، والمآخير ستة عشر : وهي في كل جانب ضاحك ، وثلاثة أضراس ، ومثلها من أسفل ، فتكون المآخير اثنتا عشر رحى وأربع ضواحك ، وزاد الشافعي أضراس العقل ، وهي النواجد أربعة ، فتكون اثنين وثلاثين ، لكنه ليست غالبة في العادة.

وعلى كل حال ( فان كانت ) المقلوعة ( سن مثغر ) وهو من سقط سنه من أصله الذي يكون مدفونا في اللحم ـ وجب القصاص بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة اندراجه بعدم اعتياد عوده في ما دل على ذلك كتابا (٢) وسنة (٣) وإجماعا بقسميه ، بل الظاهر ثبوته في كسر الظاهر منه وإن كان لا قصاص في كسر غيره من العظام ، لعدم إمكان المماثلة ، إلا أنه لما كان مشاهدا من أكثر جوانبه أمكن حصول المماثلة فيه ، نعم لا يضرب بما يكسره ، لإمكان التفاوت بين الضربين وأداء هذا الضرب إلى انقلاع الأصل أو ضعفه ، ولكن يقطع بآلة حادة على وجه لا يحصل ذلك ، فإن لأهل الصنعة آلات صالحة لذلك ، بل وكذا لو كسر البعض.

ولو حكم أهل الخبرة بعوده لم يقتص إلى أن تمضي مدة يحصل معها اليأس كما صرح به جماعة ، بل عن ظاهر المبسوط وغاية المراد عدم الخلاف فيه ، فان لم تعد ثبت القصاص حينئذ.

وإن لم يحكم أهل الخبرة أو حكموا بعدم العود استوفى الحق ، فان لم يعد فلا كلام ( و ) إن ( عادت ) قبل القصاص بعد اليأس أو قبله ( ناقصة أو متغيرة كان فيها الحكومة ) كما صرح به جماعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٤.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٤.

٣٨٦

وهي الأرش أي تفاوت ما بين قيمته بسن تامة لو فرض عبدا وبها متغيرة في الدية كما عن بعض ، أو تفاوت ما بين كونه مقلوع السن مدة ثم تنبت متغيرة وبين كونه بسن في تلك المدة وبعدها غير متغيرة كما في غاية المراد ، وتبعه في المسالك وغيرها ، لأنه نقص حصل في تلك المدة ، ولأنه لو لا اعتباره لم يمكن توجه الأرش إذا عادت كهيئتها ، فإن ذلك الأرش لا يمكن إلا بأن يفرض عبدا مقلوع السن مدة ثم يعود وغير مقلوعها أصلا.

قلت : مقتضى ذلك عدم الأرش مع فرض عدم التفاوت ، فلا يترتب عليه إلا التعزير ، بل ومع التفاوت في وجه ستعرفه.

( و ) على كل حال فمما ذكرنا يظهر لك الحكم ( إن عادت كما كانت فـ ) ـانه ( لا قصاص ولا دية ) بلا خلاف محقق أجده فيه ، للأصل وغيره.

نعم في المتن ( ولو قيل بالأرش كان حسنا ) وتبعه من تأخر عنه منهم الشهيد في غاية المراد قال : « والتحقيق أن يقوم مقلوعها مدة وغير مقلوعها أصلا ، وإنما كان ذلك هو الوجه ، لأنه نقص دخل على المجني عليه بسبب الجاني ، فلا يهدر للحديث (١) ولزوم الظلم ، وعود السن نافى القصاص أو الدية لا ذلك النقص ، لاستحالة إعادة المعدوم ، وهو فتوى الخلاف محتجا بالإجماع ، لكنه فرضه في الصغير ، وفي المبسوط وقيل : لا أرش ، لعودها كما كانت ، وربما ظن أنه لابن البراج ، ويشكل بأنه نفى أن يكون فيها قصاص ودية ، وهما لا يستلزمان نفي الأرش ، على أنه رحمه‌الله تابع الشيخ ، فإنه حكم في المبسوط أنه لا قصاص ولا دية ثم قوى وجوب الأرش عقيبه بلا فصل ، وجعله أرش ذلك الجرح الحاصل بالقلع ، وفي الديات لم ينفهما ولم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٢.

٣٨٧

يثبتهما وأوجب الأرش ».

قلت : لعل المتجه في ذلك عدم ترتب غير التعزير مع فرض عدم التفاوت ومعه أيضا ، للأصل وعدم كون الحر مالا بدخله النقص في مثل ذلك ، وكون العبد أصلا له في ما ليس له مقدر إنما هو في الجراحات ، وليس ذلك منها ، بل لا يبعد عدم ضمان مثل ذلك في العبد إذا لم يكن غاصبا ، إذ هي كما لو جنى عليه بما يقتضي فقد الصحة مدة ثم عادت ، وكونه ظلما لا يقتضي غرامة مال ، بل يكفي فيه التعزير.

نعم لو قلنا بأن عود السن المتجددة هبة جديدة من الله تعالى اتجه حينئذ ثبوت القصاص لا الأرش ، إلا أنى لم أجده لأحد من أصحابنا اللهم إلا أن يكون مستفادا مما تسمعه في الصغير من النص والفتوى بثبوت الأرش في سنة وإن عاد ، بناء على عدم الفرق بينهما وإلا فلا وجه لثبوته وإن قال في المسالك تبعا لما في غاية المراد : « وفي المسألة وجه ثالث بعدم سقوط القصاص معه ، لأنه لم تجر العادة بإنبات سن المثغر ، وما اتفق نعمة وهبة جديدة من الله تعالى ، فلا يسقط حقه به على الجاني ، وعلى هذا فلا ينتظر ، ولا يعرض على أهل الخبرة ، ويناسب هذا الوجه ما سيأتي في دية الأسنان من حكم المصنف بأن سن المثغر إذا عادت بعد أخذ ديتها لم تستعد الدية ، محتجا بأن الثانية غير الأولى ، وهو يخالف ما حكم به هنا ، وكذا صنع في القواعد ».

قلت : لعل هذا من جملة الاضطراب الواقع لهم في المسألة ، والتحقيق عدم القصاص والدية مع عودها كاملة ، سواء حكم بها أهل الخبرة أو لم يحكموا ، وسواء كان عودها بعد اليأس أو قبله ، للأصل وفحوى ما ثبت في سن غير المثغر العائدة كالأولى فإن الإجماع على عدم القصاص والدية ،

٣٨٨

بل هو إما الأرش أو التعزير كما ستعرف الكلام فيه مع القطع بأنها غير الأولى ، وليس ذلك إلا لأن العود مسقط لهما من غير فرق بين كونه عاديا أو غير عادي ، فإن غير المعتاد بعد حصوله يكون كالمعتاد في الحكم ، ومن هنا ثبت القصاص في سن غير المثغر إذا اتفق تخلف العادة عن عوده ، ولا أقل من الشك في ثبوت القصاص والدية في المفروض ، والأصل البراءة.

نعم يتجه استعادة الدية لو كان قد أخذها كما عن المهذب ، بل يتجه غرامة الدية للجاني لو كان قد اقتص منه ، لظهور بطلان الاستيفاء المزبور إلا إذا عادت أيضا سن الجاني كما كانت ، فلا غرامة ، فما عن الشيخ والفاضلين من عدم غرامة الدية في غير محله ، وأولى من ذلك رد الدية لو كان قد أخذها منه ولم يقتص منه ، ودعوى أن العائد هبة جديدة من الله تعالى تفسد جملة من الأحكام السابقة كما أشرنا إليه سابقا ، وحينئذ فلو جنى عليه الجاني الأول وقلعها جديدا كان عليه ديتها ، إذ لا مثل لها فيه ، لأن الفرض الاقتصاص سابقا.

وفي القواعد « ولو عاد سن المجني عليه بعد القصاص فقلعه الجاني ثانيا فان قلنا : إنه هبة فعليه ديتها ، إذ لا مثل لها فيه ، وإن قلنا : إنه بدل فالمقلوعة كسن طفل ، لكل منهما دية على صاحبه ويتقاصان ، وعلى الجاني حكومة » ونحوه عن المبسوط ، لكنه كما ترى مجرد زبد لا حاصل له ، والتحقيق ما عرفت من كونها بدلا ، فيتجه حينئذ ما ذكره أخيرا إلا إذا نبت للجاني أيضا فيتجه فيه القصاص الوجود المماثل ، هذا كله في سن المثغر.

( أما سن الصبي ) الذي لم يثغر ( فـ ) ـلا خلاف في أنه ( ينتظر بها ، فان عادت ففيها الحكومة ) بلا خلاف أجده فيه أيضا ، بل عن الخلاف والسرائر الإجماع عليه ، و‌قال أحدهما عليهما‌السلام

٣٨٩

في مرسل جميل (١) : « في سن الصبي يضربها الرجل فتسقط ثم تنبت ، قال : ليس عليه قصاص ، وعليه الأرش ».

والمراد بها كما عن جماعة تفاوت ما بين كونه فاقد السن زمن ذهابها وواجدها لو كان عبدا.

لكن عن المبسوط أن المراد بها حكومة الجرح وإسالة الدم ، قال : « وإن عادت كما كانت فيه من غير تغيير ولا نقصان فلا دية فيها ولا قصاص ، فأما إسالة الدم فان كان عن جرح في غير مغرزها وهو اللحم الذي حول السن ومحيط بها ففيه حكومة ، لأنه جناية على محل السن ، وإن كان الدم في غير مغرزها قال قوم : فيه حكومة ، وقال آخرون : لا حكومة فيها ولا شي‌ء عليه ، والأول أقوى ، ومن قال بالثاني قال لأنه لم يجرح محل الدم ، فهو كما لو لطمه فرعف ، فإنه لا حكومة ».

قلت : هو قريب مما ذكرناه سابقا إلا أن المتجه هنا ـ لإطلاق النص والفتوى ـ ثبوته مع فرض تحققه لو كان المجني عليه عبدا ، أما مع فرض عدمه فيتجه عدم ثبوت غير التعزير عليه ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( ـان لا ) تعد أصلا ( كان فيها القصاص ) عند المشهور بين الأصحاب كما اعترف به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا محققا وإن حكى في المسالك قوله بالعدم ، لأن سن الصبي فضلة في الأصل نازلة منزلة الشعر الذي ينبت مرة بعد أخرى ، ( و ) سن البالغ أصلية ، فلا تكون مماثلة لها ، إلا أنه لم يعرف القائل به.

نعم ( قيل ) عن المهذب والغنية والكافي والوسيلة والإصباح وديات المبسوط ( في سن الصبي بغير مطلقا ) بل عن الأخير هذا الذي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٢.

٣٩٠

رواه أصحابنا ولم يفصلوا ، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه ، وفي محكي المختلف عليه عمل الأكثر مفسرا لعدم التفصيل في المبسوط بالقود وعدمه واختاره ، لخبري مسمع (١) و‌

السكوني (٢) عن الصادق عليه‌السلام « أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في سن الصبي قبل أن يثغر بعيرا في كل سن » ‌إلا أنهما ضعيفان ولا جابر لهما محقق ، بل لعل الموهن متحقق في صورة اليأس من العود ، لما عرفت من الشهرة على ثبوت القصاص ، بل وفي صورة العود التي قد عرفت حكاية الإجماع فيها على الحكومة.

ولعله لذا قال في السرائر : « ما قاله في المبسوط لم يذهب أحد من أصحابنا إليه ، ولا أفتى به ، ولا وضعه في كتابه على ما أعلم » وإن قال في المختلف : « هذا جهل منه وقلة تحصيل ، وأن أصله من شيخنا ، وقد وضعه في كتابه ، وكذا ابن الجنيد وأبو الصلاح وابن حمزة كلهم أفتوا بقول شيخنا في المبسوط ».

قلت : إن ابن الجنيد وإن حكى عنه في غاية المراد ذلك أيضا إلا أن المحكي عنه في غيرها أنه فصل بين عودها فبعير ، وعدمها مع اليأس منها فالدية ، وكان وجهه الجمع بين الأدلة بحمل خبري البعير (٣) على حال العود ، فتكون حكومة منصوصة وإن كان فيه ما فيه نحو المحكي عن الشيخ في احتمال الجمع بين البعير والحكومة معا ، إذ هو واضح الفساد.

وأما غيره فلم نعلم منهم ذلك حتى في صورة اليأس منها المتجه فيها وجوب القصاص ، نعم إلا يبعد إرادتهم ذلك في خصوص العائدة فيكون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٢ و ٣.

٣٩١

ذلك تقديرا للحكومة شرعا نحو ما سمعته من ابن الجنيد ولا بأس بحمل الخبرين على صورة موافقة البعير لها أو عدم العلم بالحال أما لو علم كونها على خلاف ذلك أشكل الاعتماد على الخبرين المزبورين بعد ضعفهما ووهنهما بما عرفت من الإجماع وغيره.

بقي شي‌ء : وهو أنه أطلق المصنف وغيره مدة انتظار العود ، وظاهرهم الرجوع فيه إلى العادة ، لكن في القواعد « ولو كان غير مثغر انتظر سنة » وفي الإرشاد « ولو عادت سن الصبي قبل السنة فالحكومة ، ولو مات قبل اليأس فالأرش ».

وفي غاية المراد « التقييد في سن الصبي بالعود قبل السنة غريب جدا ، فاني لم أقف عليه في كتب أحد من الأصحاب مع كثرة تصفحي لها ، ككتب الشيخين وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس وابن سعيد وغيرهم من القائلين بالأرش مع العود ، وابن الجنيد ومن تبعه من القائلين فيه بالبعير مطلقا ولا في رواياتهم ، ولا سمعته من واحد من الفضلاء الذين لقيتهم ، بل الجميع أطلقوا الانتظار بها أو قيدوه بنبات بقية أسنانه بعد سقوطها ، وهو الوجه ، لأنه ربما قلع سن ابن أربع والعادة قاضية أنها لا تنبت إلا بعد مدة تزيد على السنة قطعا ، وإنما هذا شي‌ء اختص به المصنف رحمه‌الله في ما علمته في جميع كتبه التي وقفت عليها ، حتى أنه في التحرير علله بأنه الغالب ، ولا أعلم وجه ما قاله ، وهو أعلم بما قال ، نعم في‌ رواية أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « السن إذا ضربت انتظر بها سنة ، فان وقعت أغرم الضارب خمسمائة درهم ، وإن لم تقع واسودت أغرم ثلثي الدية » ‌وهذه وإن كانت صحيحة إلا أنها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٤.

٣٩٢

لا تدل على المطلوب ، إذ موضوعها « من ضربت ولم تسقط » ويمكن أن يعتذر له بأن المراد إذا قلعها في وقت تسقط فيه أسنانه ، فإنه ينتظر به سنة ولا ريب أن هذا إذ ذلك غالب ».

وعنه أيضا في حواشيه على القواعد « الانتظار سنة لم أجده في لفظ أحد منا خلا كتبه ، ولو قرأ هنا سنه بالتشديد أمكن ، وإلا فالحس يشهد بأن الصبي يثغر بلحوق سبع أو ثمان ، وربما كان قلع الجاني قبله بخمس أو ست ».

قلت : لعل الأمر في ذلك سهل بعد معلومية إرادة الفاضل التحديد بحسب العادة.

( و ) على كل حال فـ ( ـلو مات ) الصبي المجني عليه ( قبل اليأس من عودها قضي لوارثه بالأرش ) كما في القواعد ومحكي التحرير والإرشاد ، وفي محكي المبسوط والمهذب عليه الدية ، لأن القلع محقق والعود متوهم ، فلا يسقط حقه بأمر متوهم ، وظاهره إرادة الدية ، وفي كشف اللثام تفسير الأرش بها لا الحكومة ، كما عن التنقيح الجزم به.

وكيف كان فقد أشكله في غاية المراد بتقابل أصل البراءة من جانب وأصل عدم العود من آخر ، قلت : لعل المتجه ملاحظة الأرش بمعنى التفاوت الملاحظ فيه غلبة العود ، وبذلك يتجه إرادة الأرش من الدية لا العكس.

ولو عادت مائلة عن محلها أو متغيرة اللون أو قصيرا أو منثلما ففي القواعد وكشف اللثام « عليه الحكومة عن الأولى لقلعها وقد عادت ، وعن نقص الثانية ، لأن الظاهر أنه من فعله » ونحوه عن المبسوط ، ولكنه لا يخلو من نظر كما في كشف اللثام ، لإمكان منع كونه من فعله ، والظهور‌

٣٩٣

المزبور لو سلم لا يقتضي الضمان بعد أن لم يكن على صحته دليل ، والله العالم.

( ولو اقتص البالغ بالسن ) من مثله ( فعادت سن الجاني ) دون المجني عليه ( لم يكن للمجنى عليه إزالتها ) وفاقا لابن إدريس والفاضل والشهيدين والأردبيلي على ما حكي عن بعضهم لا حسبة كما سمعته في الأذن ( لأنها ليست بجنسه ) ولاحقا بناء على أنها هبة من الله تعالى ، ضرورة كونه قد استوفى حقه بالقصاص ، بل في القواعد وكشف اللثام « وبناء على أنها بدل الفائت ، لزيادة الألم ، وللشبهة ، لاحتمال أن تكون هبة مجددة ، إلا أنه لا يكون المجني مستوفيا لحقه ، لأن سنه مضمون بالدية ، لأنها لم تعد ، وسن الجاني غير مضمونة بالدية ، لأنها في الحكم كسن طفل غير مثغر ففيها الحكومة ، فتنقص أي الحكومة عن دية سن ويغرم الباقي » وزاد في الأخير « وإن أزال المجني عليه العائدة أيضا كانت عليه ديتها ، وله دية سنه ، فيتقاصان ، وعليه الحكومة لقلعه الأولى الذي فعله بزعم القصاص ».

قلت : لعل المتجه بناء على أنها بدل الفائت القصاص فيها ، ضرورة تبين بطلان الاستيفاء الأول بظهور كونها سن غير مثغر ، فيقلعها حينئذ ، ويضمن الحكومة ، ولعله لذا قال في محكي الخلاف والمبسوط والوسيلة بأن له إزالتها أبدا ، بل في المبسوط أنه الذي يقتضيه مذهبنا ، بل في الأول أن عليه إجماع الفرقة وأخبارهم ، وإن قال في السرائر : « إنه يضحك الثكلى يا سبحان الله من أجمع معه على ذلك؟! وأي أخبار لهم فيه؟! وإنما أجمعنا في الأذن لأنها ميتة لا تجوز الصلاة معها ، لأنه حامل نجاسة ولإجماعنا وتواتر أخبارنا ، فالتعدية إلى السن قياس ، وهو باطل عندنا ، ولأنه هبة مجددة من الله خلقة ليست تلك المقلوعة ، فكيف تقلع أبدا؟!

٣٩٤

وهذا منه إغفال في التصنيف ، فإنه قد رجع عنه في المبسوط ».

لكن في المختلف « هذا جهل منه وقلة تأمل وعدم تحصيل ، وذلك لقصور فهمه وشدة جرأته على شيخنا وكثرة سوء أدبه مع قصوره أن يكون أقل تلاميذ شيخنا ، وقوله : قد رجع عن ذلك في مبسوطة افتراء عليه ، فإنه قد نقل فيه ثلاثة أقوال ، وقال : إن هذا هو الذي يقتضيه مذهبنا ».

قلت : ويمكن أن يكون الشيخ أشار بالأخبار إلى ما سمعته في الأذن من‌ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) : « إنما يكون القصاص من أجل الشين » ‌الصريح في أن إزالتها لذلك لا لنجاستها ، بل وإلى ما ورد (٢) في سن غير المثغر التي أنبتت من عدم القصاص بها ، إذ ليس هو إلا لانباتها ، فلا يقلع بها سن المثغر التي لم تعد في العادة إن قلعت ، وبنبات السن من المثغر في الفرض يظهر أنها بحكم غير المثغر وإن كان على خلاف العادة ، فلا تصلح أن تكون قصاصا عن سن المثغر ، وإلا لشرع القصاص لها بسن المثغر ، فالمتجه حينئذ ما ذكره الشيخ ، وهو الموافق لما ذكرناه في مطاوي البحث ، والله العالم.

( ويشترط في ) قصاص ( الأسنان ) كغيره من الأعضاء ( التساوي في المحل ) حتى بالنسبة إلى الأصالة والزيادة بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال ، ضرورة توقف صدق القصاص عليه فضلا عن الاعتداء والعقاب بالمثل ( فلا يقلع سن بضرس ) طاحنة ( ولا بالعكس ) ولا ثنية برباعية أو ناب أو ضاحك ولا بالعكس ، ولا رباعية مثلا من أعلى أو من الجانب الأيمن بمثلها من أسفل أو من الأيسر وإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

٣٩٥

فقد المماثل من الجاني كما عرفت ذلك في اليد.

( ولا أصلية بزائدة ) قطعا بل في القواعد « ولا بالعكس مع تغاير المحل » ومقتضاه جواز قلع الزائدة بالأصلية مع اتحاد المحل بأن تنبت مع الأصلية من منبت واحد ، لأنه حينئذ أخذ للناقص بدل الكامل ، ولعله لذا ترك ذكر العكس في المتن بل وغيره ، وفي التفاوت ما عرفت سابقا.

ولكن في محكي التحرير « ولا بالعكس وإن اتحد المحل » ولعله لعدم كفاية النبات من منبت واحد في اتحاد المحل ، إلا أنه لا يخلو من منع ، ضرورة شهادة العرف بتحقق زائدة متحدة المنبت مع الأصلية على وجه تعد مساوية لها في المحل عرفا ، فلا حاجة إلى ما قيل من تصويرها بأن تقلع الأصلية ثم تنبت سن مكانها مع حكم أهل الخبرة بعدم العود وقلنا إنه هبة ، وفيه مع وضوح فساده أن مقتضى ذلك كون دية هذا السن ثلث دية الأصلية ، لأن الفرض كونها زائدة ، وذلك ديتها ، وهو مناف لما يظهر منهم أن دية النابتة دية الأصلية ، فليس حينئذ إلا ما ذكرناه ، ومع فرض عدم تحقق ذلك فالمتجه ما سمعته من التحرير ، والله العالم.

( وكذا لا تقلع زائدة بزائدة مع تغاير المحلين ) بلا خلاف ولا إشكال فيه كالقصاص فيها مع الاتحاد للعموم.

( وكذا حكم الأصابع الأصلية والزائدة ) ضرورة اتحاد المدرك في الجميع ( و ) حينئذ فـ ( ـتقطع الإصبع بالإصبع مع تساويهما ) في المحل وفي الأصالة والزيادة على حسب ما عرفته في الأسنان ، هذا.

وقد ظهر مما تقدم أنه لا خلاف نصا وفتوى كما اعترف به في كشف اللثام. بل ( و ) لا إشكال في أن ( كل عضو يؤخذ قودا مع وجوده تؤخذ الدية مع فقده ، مثل أن يقطع إصبعين وله واحدة ) ‌

٣٩٦

فيقطع واحدة وتؤخذ منه دية الأخرى ( أو يقطع كفا تاما وليس للقاطع أصابع ) وهكذا ، والله العالم.

( مسائل : )

( الأولى : )

( إذا قطع يدا كاملة ويده ناقصة إصبعا كان للمجني عليه ) الدية تامة أو ( قطع الناقصة ) بلا خلاف ولا إشكال ( و ) لكن مع اختيار الثاني ( هل تؤخذ دية الإصبع ) المفقود من اليد التي قطعها قصاصا؟ ( قال في الخلاف ) وموضع من المبسوط ( نعم ) تؤخذ مطلقا سواء كانت مفقودة خلقة أو بآفة أو قصاصا أو بجناية قد استوفى أو استحق ديتها.

وتبعه الفاضل في التحرير وثاني الشهيدين والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم بل ادعى في الخلاف الإجماع عليه ، لأنه أقرب إلى المثل بعد تعذر الصورة ، ولما عرفته من القاعدة ، وهي كل عضو يؤخذ قودا لو كان تؤخذ الدية مع فقده ، وعدم أخذ التفاوت في الشلاء لو قطعت بدل الصحيحة لأن الاختلاف في الصفة مع بقاء الجرم ، فكانت كقتل العبد بالحر والمرأة بالرجل ، بخلاف الفرض الذي قيل هو كمن أتلف عليه صاعي حنطة ووجد للمتلف صاعا ، فان لصاحب الحق أخذه والمطالبة ببدل الفائت دون ما لو وجد له صاعي حنطة ردية مثلا ، فإنه ليس له أخذهما والمطالبة بدل الفائت وإن كان فيه نظر واضح.

( و ) قال ( في المبسوط : ليس له ذلك إلا أن يكون أخذ ديتها ) أو استحقها ، أما إذا كانت مفقودة خلقة أو بآفة لم يستحق‌

٣٩٧

المقتص شيئا ، وتبعه ابن البراج في محكي المهذب والجواهر ، لما سمعته من خبر سورة بن كليب (١) في القاتل إذا كان أقطع اليد ، ولكن مقتضاه أن المقطوعة قصاصا بحكم المأخوذ ديتها كما عن موضع من المبسوط ، بل يناسبه ما جزموا به في غير المقام في ما لو قطع إصبعا من رجل ويدا من آخر من أنه يقتص للأول في الإصبع وللآخر في اليد مع دفع دية الإصبع.

وعلى كل حال فقد عرفت أن الخبر المزبور مقصور على محله وإلا لكان مقتضاه عدم شي‌ء على من قطع يدا مثلا ولا يد له خلقة ، وهو معلوم البطلان ، فلا ريب في أن الأقوى الأول لا الثاني.

وأضعف منه ما يوجد في كلام بعض متأخري المتأخرين من عدم رد شي‌ء مع قطعها مطلقا سواء كانت مفقودة خلقة أو بآفة أو أخذ ديتها ، لصدق‌ « اليد باليد » (٢) ‌إذ هو ـ مع أنه خرق للإجماع ـ واضح الفساد ، لعدم صدق المقاصد مع فرض الاختلاف المزبور.

ولو كان الأمر بالعكس بأن كان النقصان في يد المجني عليه ففي القواعد والمسالك ومحكي التحرير لم يقطع يد الجاني ، بل يقطع منها الأصابع التي قطعها ويؤخذ منه حكومة الكف ، وزاد في الثاني ويؤخذ دية الجميع مع التراضي ثم قال : « وربما قيل بالمنع من القصاص على هذا الوجه لعدم المماثلة ، فلا نجيز أن تلقى حديدة القصاص في غير الموضع الذي ألقى عليه حديدة الجاني ، ولعل هذا القول هو المحكي عن ابن إدريس ، بل هو الذي فهمه بعضهم من عبارة الإرشاد « يقتص للكامل من الناقص ، ولا يضم أرش ، ولا يجوز العكس فتثبت الدية ».

ولكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا عند قول المصنف في المسألة الثانية عشر : « وكذا لو قطع كفا بغير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٢.

٣٩٨

أصابع قطعت كفه بعد رد دية الأصابع » من ظهور خبر الحسن بن الجريش (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام في ذلك ، بل يظهر منه أنه مقتضى العمومات أيضا ، بل عرفت دعوى الشيخ الإجماع على نحوه ، بل تقدم غير ذلك أيضا ، فالمتجه الفتوى به في المقام كما عن الغنية والإصباح ، بل في الأولى منهما الإجماع عليه كما تقدم تحرير ذلك مفصلا ، فلاحظ وتأمل.

وكذا الكلام لو نقصت بعض أصابع المقطوع أنملة وإن كان مقتضى ما سمعته أولا من الفاضل وغيره عدم قطع الجاني أيضا ، بل إما الدية أو يقطع ما قابل الأصابع الكاملة ، ويؤخذ دية باقي الإصبع الباقية وحكومة الكف ، ولكن فيه ما عرفت ، والمتجه أن له قطعها مع دفع دية الأنملة.

ولو نقصت أصابع القاطع أنملة قطعت يده ، وفي الأنملة المفقودة ما عرفته في الإصبع.

وكذا الكلام لو كانت أصابع القاطع أو المقطوع بغير أظفار أو بعضها فان الحكم في الجميع متحد بناء على التعدية المستفادة من خبر الحسن بن الجريش (٢) إلى غير المفروض فيه ، كاتحاده على القول الآخر.

لكن في الإرشاد « لو كان ظفر المجني عليه متغيرا أو مقلوعا اقتص في الإصبع لكمال ديتها من غير ظفر » ومعناه أن له القصاص من غير رد أرش ، وعن الروض موافقته على ذلك ، وكذا عن الأردبيلي على تأمل له ، ولا يخفى عليك ما فيه بعد ما ذكرنا ، والله العالم.

( ولو قطع إصبع رجل ) مثلا ( فسرت إلى كفه ) بحيث‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١ وهو خبر الحسن ابن الحريش كما ذكرناه في التعليقة ص ٣٣٧ و ٣٥٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١ وهو خبر الحسن ابن الحريش كما ذكرناه في التعليقة ص ٣٣٧ و ٣٥٠.

٣٩٩

قطعت ( ثم اندملت ثبت القصاص فيهما ) بلا خلاف معتد به أجده فيه ، لعموم الأدلة بعد كون السراية من فعله ، بل عن المبسوط أنه الذي يقتضيه مذهبنا ، لكن عنه في موضع آخر أنه أثبت في السراية الدية دون القصاص ، وهو واضح الفساد ، وأوضح منه فسادا ما عن أبي حنيفة من أنه لا حكم للسراية أصلا.

( وهل له القصاص في الإصبع وأخذ الدية في الباقي ) وإن لم يرض الجاني؟ ( الوجه لا ) وفاقا للفاضل ( لإمكان القصاص فيهما ) مع تعمد الجناية عليهما ، إذ السراية من توابع جنايته ، فهو كمقطوع الكف عمدا بضربة واحدة في عدم جواز اقتراح ذلك له ، بل لعل دخول الإصبع في الكف نحو دخول اليد مثلا في النفس لو جنى عليه بها فسرت إلى نفسه ، فإنه ليس للولي القصاص في اليد وأخذ الدية عن النفس ، بل في المسالك وغيرها « ولأن الواجب في العمد القود ، والدية لا تثبت إلا صلحا أو بسبب عارض ، وهو مفقود هنا ، حيث يمكن القود » وإن كان ذلك لا يخلو من نظر في قصاص الطرف ، ولعل وجه الجواز تغاير المحل وكون الجناية على أحدهما بالمباشرة وعلى الآخر بالسراية التي هي في قوة السبب ، فهما كجنايتين ، لكنه كما ترى.

( ولو قطع يده ) مثلا ( من مفصل الكوع ثبت القصاص ) بلا خلاف ولا إشكال ، لعموم الأدلة بعد معلومية كون القصاص في ما دون النفس بجرح يشق أو عضو يقطع ، والمراد به كل عضو ينتهي إلى مفصل ، لأن له حدا ينتهي إليه ، فلا تغرير في القصاص.

( ولو قطع معها بعض الذراع اقتص في اليد ) من الكوع بلا خلاف أجده ( وله الحكومة في الزائد ) دون القصاص ، لعدم المفصل واختلاف أوضاع العروق والأعصاب وعدم القصاص في كسر العظام.

٤٠٠