جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

اعتدال النهار ) حذرا من السراية ولما سمعته في الحدود ، بل الظاهر وجوب ذلك كما هو المستفاد من عبارة المصنف وغيرها ، نعم الظاهر اختصاص ذلك في قصاص الطرف دون النفس المراد إزهاقها على كل حال ، فما عن بعض من كون ذلك على الاستحباب كما عن آخر من عدم الفرق بين الطرف والنفس في ذلك كما ترى.

( ولا يقتص إلا بحديدة ) حادة غير مسمومة ولا كالة مناسبة لاقتصاص مثله كالسكين ونحوها لا بالسيف والكال ونحوهما.

( ولو قلع عين انسان فهل له قلع عين الجاني بيده؟ ) الظاهر ذلك ، لإطلاق الأدلة ، بل لا أجد خلافا بيننا في أصل الجواز وإن قال المصنف ( الأولى انتزاعها بحديدة معوجة فإنه أسهل ) بل في القواعد الأقرب ذلك ، لكنه ليس إشارة إلى خلاف كما اعترف به في كشف اللثام وغيره ، نعم عن الشافعي في أحد قوليه عدم جواز القصاص إلا بحديدة ، بل قد يكون القلع باليد أسهل من الحديدة ، فيصير حينئذ أولى من الحديدة ، وخصوصا مع فرض كون الجاني قلعها بيده ، فإن المماثلة فيه حينئذ أتم.

نعم لو فرض أن الجاني قلعها بحديدة وفرض كونه أسهل كان الأولى مراعاة المماثلة وإن كان لو لم يراعها لم يستحق عليه تعزيرا وتأديبا ، كما في كشف اللثام ، ولعله لعدم الدليل على حرمته بعد أن لم يكن مثله ، وقد أطلق ( الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) (١) من دون اعتبار كيفية خاصة ، ولكن لا يخلو من نظر مع فرض زيادة العقاب ، فإنه إيلام غير مستحق يندرج في الظلم ، بل الأولى للمجني عليه مراعاة الأسهل وإن جنى عليه بالأصعب ، ولكن لو استوفاه بالأصعب المماثل لم يكن عليه شي‌ء ، أما لو جنى عليه بالأسهل فاستوفاه بالأصعب كان عليه التعزير ، والله العالم.

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

٣٦١

( ولو كانت ) مساحة ( الجراحة ) في المجني عليه ( تستوعب عضو الجاني وتزيد عليه ) لصغره ( لم يخرج في القصاص إلى العضو الآخر ) ولا يجرح ذلك العضو جرحا آخر كي يساوي الجناية بلا خلاف أجده فيه ، للأصل بعد عدم صدق اسم القصاص عليه.

( و ) حينئذ فمتى كان كذلك ( اقتصر ) في القصاص ( على ما يحتمله العضو ، وفي الزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح ) الدية فمع فرض كونه موضحة قد سرت مساحتها وقسطت الدية عليها ، فإذا كان المتخلف ثلثا أو ربعا اعطي من دية الموضحة ذلك ، ولو لم يكن للجرح دية مقدرة أعطي ما قابل المتخلف مما تقتضيه الحكومة في ديته ولو فرضه مملوكا وتقويمه صحيحا بغير جراحة ثم يقوم مجروحا بتلك الجراحة كلها ثم تقاس زيادة الجراحة بالنسبة إلى الجميع ، فان كانت نصفها أخذ نصف الأرش وهكذا.

ويحتمل أن يقوم مجروحا بتلك الزيادة خاصة ويؤخذ جميع ما قابلها ، بل لعل هذا أولى ، ضرورة عدم اعتبار المستوفاة ، وعلى كل حال فهو كمن قطع كفا كاملة وكانت كفه تنقص إصبعا مثلا اقتص منه وأخذ دية الإصبع.

فما عن بعض العامة من التخيير بين الدية أو الاقتصاص بلا رد كما يقتص لليد الكبيرة من اليد الصغيرة واضح الضعف ، خصوصا بعد ما عرفت أن المساحة في الشجاج عندنا كالاسم في الأطراف ، فلا يتحقق تمام القصاص بها إلا بمراعاة المساحة فيها بخلاف اليد مثلا الصادق تحقق القصاص فيها بقطعها صغيرة أو كبيرة ، ولذا أطلق ( الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) (١) مع شدة اختلافها صغرا وكبرا وغيرهما.

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

٣٦٢

( و ) من هنا ( لو كان المجني عليه صغير العضو ) بأن كان مساحة رأسه على النصف من رأس الجاني ( فاستوعبته الجناية لم يستوعب في المقتص منه واقتصر على مقدار مساحة الجناية ) وإن كانت في المجني عليه في تمام الرأس وفي الجاني في النصف والتخيير في ذلك من الرأس إلى المقتص أو الحاكم أو من حيث ابتداء الجاني وجوه.

وكذا العكس بأن كان نصف رأس المجني عليه مثلا يستوعب رأس الجاني وقد استوعبت الجراحة النصف فأريد القصاص استوعب رأس الجاني ، لأنه مثله في المساحة وإن كانت في إحداهما في تمام الرأس والأخرى في نصفه.

وحينئذ فلو أوضح جميع الرأس بأن سلخ الجلد واللحم عن جملة الرأس فإن تساوى الرأسان في القدر فعل به ذلك ، وإن كان الجاني أكبر شبح من رأسه بذلك القدر ، والخيار إلى المقتص في المقدم والمؤخر والوسط ، كما في القواعد ، لعدم المرجح ، ويحتمل التفويض إلى الحاكم أو الابتداء بما ابتدأ منه الجاني واختاره في المسالك ، ولعل الأقوى الأول ، ولو كان أصغر استوفى القدر الموجود وغرم المفقود على حسب ما عرفته من التقسيط ، ولو اختصت الجناية بجانب من الرأس اختص القصاص به.

نعم لو كان رأس الجاني صغيرا وكانت الجناية في المقدم مثلا ففي المسالك وكشف اللثام يمد الجرح في القصاص إلى المؤخر إن اقتضت المساواة في المساحة ذلك وبالعكس ، لأن الرأس عضو واحد وإن اختص بعضه باسم ، ويحتمل قويا الاقتصار على ما يسعه المقدم وغرامة الزائد على النسبة ، وكون الرأس اسما للمجموع لا يقتضي التجاوز عن محل القصاص المعتبر عدمه في تحققه عرفا ، فإنه المدار في ذلك ، والظاهر عدم تحققه في الفرض.

٣٦٣

نعم لو كانت الجناية مستوعبة لرأس المجني عليه لصغره كان له القصاص من أي جانب من رأس الجاني ، فإن الجميع قصاص بالنسبة إليه لأن الفرض استيعابها رأس المجني عليه ، فلا فرق بين المقدم والمؤخر.

وبالجملة فالمدار على الصدق عرفا والاسم العام لذي الأجزاء المختلفة كالرأس واليد والرجل لا مدخلية له.

وأولى من ذلك خروج الوجه فلا تكمل جنايته من الرأس ولا العكس وإن كانت خيرة المصنف في الديات ومحكي التحرير أنه مع الرأس عضو واحد ، بل في‌ خبر الحسن بن صالح الثوري (١) « أن الوجه من الرأس » ‌لكن ذلك لا يقتضي ما عرفت.

وحينئذ فلو أوضح جبينه ورأسه بضربة واحدة فهما جنايتان ، فله القصاص في إحداهما والدية عن الأخرى ، وكذا لو قطع الأذن فأوضح العظم المتصل بها.

ولو شجه في رأسه مثلا بضربة واحدة فأوضحه في بعضها خاصة فله دية الموضحة التي هي أبعد عمقا ، إذ لا تتفاوت ديتها بتفاوتها طولا وقصرا ، قيل : وليست جنايتين ليكون له دية موضحة ودية أخرى لما دونها.

وقد يشكل بأنها كذلك ولو مع اتحاد الضربة ، ولذا لو أراد القصاص استوفى في الموضحة وفي الباقي مثله ، بل قالوا : لو أوضحه اثنتين وبينهما حاضر متلاحم اقتص منه كذلك ، وإن أخذ الدية أخذ دية موضحتين ومتلاحمة ، فتأمل ، والله العالم.

( ولو قطعت أذن إنسان فـ ) ـألصقها المجني عليه بالدم الحار لم يسقط بذلك القصاص بلا خلاف أجده فيه إلا من الإسكافي ، لوجود‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب ديات الشجاج والجراح ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

٣٦٤

المقتضى الذي لا دليل على عدم اقتضائه بالإلصاق الطاري ، خصوصا مع عدم الإقرار عليه ، فليس له حينئذ الامتناع حتى تزال كما عن المبسوط والمهذب لأن الأمر في إزالتها مع إمكانها إلى الحاكم أو من يتمكن من ذلك من باب النهي عن المنكر باعتبار كونها ميتة لا يجوز معها الصلاة ، بل لو قلنا للجاني حق الإزالة باعتبار المساواة في الشين لم يكن له الامتناع من القصاص الذي تحقق مقتضية بذلك فما يظهر من بعض الناس من تفريع ذلك على القولين في غير محله.

ولو ( اقتص ) منه ( ثم ألصقها المجني عليه ) ففي المتن والنافع ومحكي المقنعة ( كان للجاني إزالتها لتحقق المماثلة ) في الشين المستفادة من‌ حسن إسحاق بن عمار أو موثقه (١) عن أبي جعفر عن أبيه عليهما‌السلام الذي هو الأصل في المسألة قال : « إن رجلا قطع من بعض أذن الرجل شيئا فرفع ذلك إلى علي عليه‌السلام فأقاده فأخذ الآخر ما قطع من أذنه فرده على إذنه بدمه فالتحمت وبرئت ، فعاد الآخر إلى علي عليه‌السلام فاستقاده ، فأمر بها فقطعت ثانية ، وأمر بها فدفنت ، وقال عليه‌السلام : إنما يكون القصاص من أجل الشين ».

وفي محكي الخلاف « إذا قطع أذنه قطعت أذنه ، فان أخذ الجاني أذنه فألصقها فالتصقت كان للمجنى عليه أن يطالب بقطعها وإبانتها ، وقال الشافعي : ليس له ذلك ، لكن وجب على الحاكم أن يجبره على قطعها ، لأنه حامل نجاسته ، ودليلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم ».

وفي محكي المبسوط « لو قال المجني عليه قد ألصق أذنه بعد أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١ عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام.

٣٦٥

ابنتها أزيلوها روى أصحابنا أنها تزال ولم يعللوا ».

وفي التنقيح « لا خلاف في جواز إزالتها ، لكن اختلف في العلة ، فقيل : ليتساويا في الشين ، وقيل : لكونه ميتة ، ويتفرع على الخلاف أنه لو لم يزلها الجاني ورضي بذلك كان للإمام إزالتها على القول الثاني ، لكونه حامل نجاسة ، فلا تصح الصلاة مع ذلك ».

ولا يخفى عليك عدم المنافاة بين التعليلين بعد قضاء الأدلة بهما ، وهي الخبر المزبور المعتضد بما عرفت المنجبر بالعمل كما في الرياض ، وما دل على نجاسة القطعة المبانة من حي وعدم جواز الصلاة بمثلها ، وإن كان ولي المطالبة على الأول المجني عليه ، وعلى الثاني غيره كباقي أفراد النهي عن المنكر ، نعم قد يظهر من اقتصار بعض على إحداهما عدم النظر إلى الآخر.

ولعله لذا قال المصنف ( وقيل ) والقائل الحلي والفاضل في التحرير على ما حكي عنهما ( لا ) يثبت له طلب الإزالة ، بل إن كانت فهي للحاكم أو لمن يتمكن ( لأنها ميتة ) تمنع من صحة الصلاة.

والتحقيق الالتفات إليهما ، فمع العضو يبقى حق النجاسة ، ومع سقوط النجاسة إما لعدم انفصالها تماما فلا تكون مبانة من حي أو لحصول ضرر يسقط وجوب الإزالة بالنسبة إلى الصلاة دون غيرها يبقى حق المساواة في الشين ، بل لا يكون حق غيره بناء على عدم جريان حكم الميتة عليها بعد التحامها ونفوذ الروح فيها ، بل قد يمنع بطلان الصلاة بها لكونها كالمحمول. وعلى كل حال فذلك أمر خارج عما نحن فيه.

( وكذا الحكم لو قطع بعضها ) شحمتها أو غيرها ، ضرورة عدم الفرق بين الكل والبعض في جميع ما ذكرناه.

٣٦٦

بل ( و ) كذا ( لو قطعها ) أو بعضها ( فتعلقت بجلدة ) ثم ألصقها المجني عليه ( ثبت القصاص ) أيضا ( لأن المماثلة ممكنة ) فيندرج في جميع ما دل عليه ، خلافا لما عن بعض العامة من عدم جواز المقاصة هنا لتعذر المماثلة وأنه لو ألصقها سقط القصاص والدية عن الجاني ، ويرجع الأمر إلى الحكومة ، حتى لو قطع آخر الاذن بعد الالتصاق لزمه القصاص أو الدية الكاملة ، وهو واضح الضعف.

نعم لا نجاسة هنا ، لعدم الإبانة ، وفي طلب الإزالة مع فرض عدم الالتصاق في الجاني البحث السابق ، فتأمل جيدا.

ولو جاء آخر فقطعها من ذلك الموضع بعد الالتحام ثبت القصاص ، كما لو شجه آخر أو جرحه في موضع الشجة والجرح بعد الاندمال ، لعموم الأدلة ، وربما احتمل العدم ، إذ ليس في عضو قصاصان ، وهو واضح المنع.

( ويثبت القصاص في العين ) بلا خلاف ولا إشكال ( ولو كان الجاني أعور خلقة ) أو بآفة سماوية أو بجناية ، لعموم الأدلة ( وإن ) كان لو اقتص منه ( عمى ، فان الحق أعماه ) ‌قال محمد بن قيس (١) : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أعور فقأ عين صحيح قال : تفقأ عينه ، قال : قلت : يبقى أعمى ، قال : الحق أعماه » وفي مرسلة أبان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألت عن أعور فقأ عين صحيح متعمدا ، قال : تفقأ عينه ، قلت : فيكون أعمى ، قال : الحق أعماه » ‌والسند منجبر بالاتفاق ظاهرا عليه ، بل عن الخلاف إجماع الفرقة وأخبارها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

(٢) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١ وذكره في الكافي ج ٧ ص ٣٢١ والتهذيب ج ١٠ ص ٢٧٦.

٣٦٧

عليه. ( ولا رد ) للأصل وظاهر قوله تعالى (١) ( الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) بل والخبرين (٢) وإن كان لو جنى عليه ابتداء كان له تمام الدية نصا (٣) وفتوى.

( أما لو قلع عينه الصحيحة ) أعور مثله اقتص منه من غير رد بلا خلاف ولا إشكال.

ولو قلعها ( ذو عينين اقتص له بعين واحدة إن شاء ، وهل له مع ذلك نصف الدية؟ قيل ) كما عن المفيد والحلي والفاضل في التحرير : ( لا ) رد وإن كنا لم نتحققه فيه وإن قال : فيه قوة ، بل المحكي عن الأول منهم القول الآخر ، فلعل له قولين ( لـ ) ـلأصل وظاهر نحو ( قوله تعالى ) (٤) ( وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ).

( وقيل ) كما عن النهاية والمبسوط والوسيلة والجامع والإيضاح وغاية المراد والمقتصر وظاهر المقنع والمهذب البارع ، بل هو المحكي عن أبي علي والقاضي والطبرسي والصهرشتي ، بل وعن المفيد وأبي الصلاح ، بل عن المختلف نفي البأس به ، بل مال إليه في النافع وحواشي الشهيد والروض والروضة والمفاتيح والرياض على ما حكي عن بعضها ـ ( نعم تمسكا بالأحاديث ) الدالة على ذلك.

كصحيح محمد بن قيس (٥) قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أعور أصيبت عينه الصحيحة ففقئت أن تفقأ إحدى عيني صاحبه ، ويعقل له نصف الدية ، وإن شاء‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب قصاص الطرف.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٢ من كتاب الديات.

٣٦٨

أخذ دية كاملة ويعفى عن عين صاحبه ».

وخبر عبد الله بن الحكم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل صحيح فقأ عين رجل أعور ، فقال : عليه الدية كاملة ، فإن شاء الذي فقئت عينه أن يقتص من صاحبه ، ويأخذ منه خمسة آلاف درهم فعل ، لأن له الدية كاملة وقد أخذ نصفها بالقصاص » ‌وبهما يقطع الأصل ويخص العموم في قوله تعالى ( الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) لو كان وقلنا إنها مقررة في شرعنا.

مضافا إلى معلومية وجوب الدية تامة بعين الأعور خلقة أو بآفة من الله ، بل نفى عنه الخلاف غير واحد ، بل عن الخلاف والغنية والمختلف وغاية المراد والتنقيح والمهذب البارع والرياض الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد ما في حسنة الحلبي (٢) وخبر أبي بصير (٣) في عين الأعور الدية ، فوسوسة الأردبيلي ومن تأخر عنه في ذلك في غير محلها ، وحينئذ تتجه له المطالبة بالنصف.

نعم لو كان قد ذهبت عينه بجناية جان لم يكن له إلا نصف الدية بلا خلاف أجده فيه ، بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه ، وعن ديات كشف اللثام أنه اتفاقي ، وهو الحجة ، مضافا إلى الاعتبار وإطلاق النصوص (٤) أن في العين نصف الدية ، ووضوح الفرق بين الخلقي وما ألحق به المشابه للأنف ونحوه مما هو عضو واحد وبين المستوفي عوضها مثلا ، وإطلاق النصوص منزل على ذلك لما عرفت.

( و ) على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا أن هذا لا ( الأول

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٤ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ١ من كتاب الديات وهو حسنة الحلبي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٣ من كتاب الديات.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء من كتاب الديات.

٣٦٩

أولى ) من وجوه ، بل يبعد القول بأن فيها الدية كاملة وإذا اقتص تجزؤه عين واحدة بلا رد.

وعن أبي علي تخيير الجاني (١) بين قلع عيني صاحبه ودفع خمسمائة دينار وقلع إحداهما وأخذ ذلك ، وهو ـ مع شذوذه وعدم وضوح مستنده ومخالفته لظاهر النص السابق ـ غريب ، فان العينين إما أن تساويا عينه فلا رد وإلا فلا قلع.

ونحوه ما في المسالك من أن « القول الأول لا يخلو من قوة ، والرواية تصلح شاهدا مؤيدا بوجوب الدية لهذه الجناية كاملة على تقدير الخطأ » ضرورة صراحتها في القصاص ، فمع فرض كونها صالحة دليلا فهي حجة فيه ، وإلا فلا فيهما معا.

وفرق واضح بين الرد من الأنثى للاقتصاص من الذكر في الشي‌ء الواحد لا في الاثنين بواحد باعتبار أنها نصف الرجل وبين المقام ، ولذا لو اقتص للرجل منها لم يكن له أزيد من الطرف الواحد بالآخر كما هو واضح.

ثم إن الظاهر كون التخيير للأعور بين آخذ الدية كاملة وبين القصاص بإحدى العينين وأخذ نصف الدية ، كما صرح به غير واحد ، بل قيل : إنه المشهور بين المتقدمين حتى كاد أن يكون إجماعا منهم ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد ظهور الخبرين (٢) في ذلك الذي لا داعي إلى حمله على التراضي إلا ما سمعته في قصاص النفس من كون الواجب القود وأنه لا تجب الدية إلا صلحا الذي يمكن تخصيصه بما عرفت ، بل قد يقال بذلك في مطلق قصاص الطرف ، لتضمن كثير من نصوصه التخيير المزبور الذي لا داعي إلى حمله على صورة التراضي ، فلاحظ وتأمل.

__________________

(١) هكذا في النسختين الأصليتين : المسودة والمبيضة ، والصحيح « تخيير المجني عليه ».

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٢ و ٤ من كتاب الديات.

٣٧٠

وعلى كل حال فليس له قلع العينين بعينه قطعا نصا (١) وفتوى إلا ما سمعته من الإسكافي ، كما أنه لا يقتضي ما ذكرناه هنا الرد عليه عند الاقتصاص منه ، ضرورة وضوح الفرق بينهما بما‌ أشار إليه عليه‌السلام من أن « الحق أعماه » (٢) ‌ولعله لكونه عاديا هناك لم يستحق شيئا بخلافه هنا فإنه معتدى عليه.

ولو قلع عينا عمياء قائمة فلا قصاص لها من عين صحيحة اتفاقا ، لنقصها ، وعليه ثلث ديتها أو الربع كما ستعرفه في محله إن شاء الله.

نعم لا فرق في ثبوت القصاص بين الصحيحة والحولاء والعمشاء والخفشاء والجهراء والعشياء ، فتقلع كل منهما ( منها خ ل ) بالأخرى ، لكون التفاوت بينها بالنفع ، إذ الحول إعوجاج ، والعمش خلل في الأجفان يقتضي سيلان الدمع غالبا ، والخفش عدم حدة في البصر بحيث يرى من بعد أو عدم البصر في الليل خاصة أو في يوم غيم أو فساد الأجفان أو صغر العين ، والجهر عدم البصر نهارا ضد العشاء الذي هو عدم البصر ليلا ، فيندرج الجميع تحت قوله تعالى (٣) ( الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) كما هو واضح.

( ولو ) جنى عليه فـ ( ـأذهب ضوء العين دون الحدقة توصل في المماثلة ) بالطرف التي لا تقتضي تغريرا بعضو آخر أو بنفس أو بزيادة كالذر فيها بالكافور ونحوه.

( و ) لعل منه ما ( قيل ) من أنه ( يطرح على الأجفان قطن مبلول ) لئلا تحترق الأجفان ( ويقابل بمرآة محماة مواجهة للشمس

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٢ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

٣٧١

حتى تذوب الناظرة وتبقى الحدقة ) وهي‌ رواية رفاعة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن عثمان أتاه رجل من قبيس بمولى له قد لطم عينه فأنزل الماء فيها وهي قائمة ليس يبصر بها شيئا ، فقال له : أعطيك الدية فأبى ، قال : فأرسل بهما إلى علي عليه‌السلام وقال : احكم بين هذين ، فأعطاه الدية فأبى ، قال : فلم يزالوا يعطونه حتى أعطوه ديتين ، فقال : ليس أريد إلا القصاص ، قال : فدعا علي عليه‌السلام بمرآة فحماها ، ثم دعا بكرسف فبله ، ثم جعله على أشفار عينيه وعلى حواليها ثم استقبل بعينيه عين الشمس ، قال : وجاء بالمرآة ، وقال : انظر فنظر ، فذاب الشحم وبقيت عينه قائمة وذهب البصر ».

بل ربما استظهر من الشيخ وغيره تعيين الاستيفاء بذلك ، بل لعل نسبة المصنف والشهيد له إلى القيل مشعر بذلك ، بل قيل : وفي الخلاف « عليه إجماع الفرقة وأخبارهم » وفي الروضة « القول باستيفائه على هذا الوجه هو المشهور » وإن كان هو واضح الضعف ، ضرورة عدم دلالة في الخبر على التعيين على وجه يصلح مقيدا لإطلاق الأدلة بعد أن كان قضية في واقعة ، والمحكي عن الشيخ في المبسوط أنه قال : « يستوفى بما يمكن من حديدة حارة أو دواء يذر من كافور وغيره ».

وعلى كل حال فالظاهر عدم المنافاة بين ما في العبارة ونحوها وبين ما في الخبر المزبور من مواجهة الجاني للمرآة المواجهة للشمس أو مواجهته أولا للشمس ثم يؤتى بالمرآة المحماة كما في الخبر ، إذ من المعلوم كون المراد ما يستعمل الآن في الإحراق بالمنظرة المقابلة لقرص الشمس ، ولكن إذا أريد السرعة في ذلك حمئت النظرة في النار ثم فتحت عين الجاني في مقابل عين الشمس ثم يجاء بالمنظرة الحارة ويقابل بها قرص الشمس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

٣٧٢

لتستفيد حرارتها فتذيب شحمة العين وتبقى الحدقة ، ولو فرض عدم التمكن إلا بإحراق الحدقة أو الأجفان سقط القصاص وانتقل إلى الدية ، كما في نظائره.

ولو كانت عين المجني عليه شاخصة بيضاء وأمكن الاقتصاص منه بحيث يساويه في ذلك فعل ولو بعلاج بعد القصاص بما يورث العين بياضا وشخوصا ، ولو لم يمكن العلاج فلا شي‌ء ، ضرورة كونه حينئذ كاختلاف صورة شجة المقتص منه والمقتص بعد الاندمال في الحسن والقبح ، والله العالم.

( ويثبت ) القصاص ( في الحاجبين وشعر الرأس واللحية ) والأهداب ونحوها ، لعموم الأدلة ، وعن التحرير القطع بذلك ، إلا الأهداب فلم يتعرض لها ، وعن حواشي الشهيد على القواعد المنقول أنه « لو جنى على اللحية والرأس حتى أزال الشعر والجلد فإنه يقتص فيهما ، وإن لم يكن للجاني شعر اقتص منه في الجرح وأخذ منه الدية في الشعر ، وإن جنى على الشعر خاصة كان في شعر الرأس الدية وكذا اللحية ، وإن نبتت ثانيا فلا قصاص وفيه الأرش ، ويثبت في بقية الشعر الأرش دون القصاص » إلى آخره.

وفي القواعد « ويثبت القصاص في الأهداب والأجفان أي مجتمعين ومنفردين للعموم ، وفي شعر الرأس واللحية والحاجبين على إشكال ينشأ من أنه إن لم يفسد المنبت فالشعر يعود ، وإن أفسده فالجناية على البشرة والشعر تابع ، أي فان كان إفساده بما يمكن الاقتصاص له اقتص ، وهو قصاص للبشرة لا الشعر ، وإلا تعينت دية الشعر على التفصيل الآتي في محله وأرش البشرة إن جرحت ».

ولكن فيه أن ذلك بعينه جار في الأهداب ، وعوده لا ينافي القصاص فيه ،

٣٧٣

نعم في‌ خبر مسمع (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة ، فإذا نبتت فثلث الدية » ‌ونحوه خبر السكوني (٢).

وفي مرسل علي بن خالد أو حديد (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « قلت له : الرجل يدخل الحمام فيصب عليه صاحب الحمام ماء حارا فيمتعط شعر رأسه فلا ينبت ، قال : عليه الدية كاملة » ‌ونحوه خبر سليمان بن خالد (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا.

وفي‌ خبر سلمة بن تمام (٥) قال : « إهراق رجل قدرا فيها مرق على رأس رجل فذهب شعره فاختصموا في ذلك إلى علي عليه‌السلام فأجله سنة ، فجاء فلم ينبت شعره فقضى عليه بالدية » ‌وظاهرها ولو بترك الاستفصال ثبوت الدية في الشعر على كل حال ، ولعله لعدم التمكن من المماثلة فالمتجه كون المدار على ذلك.

ثم المراد من الحاجبين في المتن الشعر النابت على العظم ، ولذا لم يقل شعر الحاجبين لكن في القاموس الحاجبان : العظمان فوق العينين بلحمهما وشعرهما ، أو الحاجب الشعر النابت على العظم ، وكلامهم في الديات يعطي إرادة نفس الشعر من الحاجبين. وكيف كان فالحكم فيهما واضح.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

(٢) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ١ من كتاب الديات وذكره في الفقيه ج ٤ ص ١١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٢ من كتاب الديات.

(٤) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٢ وذكره في الفقيه ج ٤ ص ١١١ والتهذيب ج ١٠ ص ٢٥٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٣ من كتاب الديات.

٣٧٤

نعم لو كان حاجب المجني عليه لا شعر فيه وأريد القصاص فيه من الجاني الذي على حاجبه شعر أشكل الحال فيه باعتبار اقتصاص القصاص التغرير بالشعر الذي هو كالعضو الآخر ، ولذا يثبت له دية مستقلة.

وكذا الكلام في الأجفان التي لا إشكال في ثبوت القصاص فيها مع التساوي للعموم.

أما لو خلت أجفان المجني عليه عن الأهداب ففي القواعد في القصاص إشكال ، قيل : من تبعيتها للأجفان كالنابت على الأيدي من الشعور فيقتص كما يقتص من اليد الشعراء ، وكما يقتص للمرأة من الرجل نفسا وطرفا ، وهو كما ترى ، ضرورة وضوح الفرق بين ذلك وبين الفرض ، وذلك أن لها وحدها دية ، فهي كعضو برأسه ، وسيأتي الكلام في أن فيها الدية أو الأرش ، وفي أن فيها شيئا إذا كانت مع الأجفان أو لا ، وعلى كل حال فإن أوجبناه رجع الجاني بالتفاوت دية أو أرشا تحرزا من الظلم ، ولكن قد عرفت أن المتجه سقوط القصاص ، للتغرير بغير المجني عليه ، ونحوه يجري في الحاجب.

وعلى كل حال ( فان نبت ) الشعر المجني عليه قبل الاستيفاء ( فلا قصاص ) كما في القواعد ، ولعله لخوف أن لا ينبت ، وإلا فلا بعد في القصاص فيه ، وعلى تقدير عدم القصاص فالأرش ، والله العالم.

( و ) يثبت القصاص أيضا ( في قطع الذكر ) بلا خلاف ، بل في كشف اللثام ومحكي التحرير الإجماع عليه ، لعموم الأدلة.

( ويتساوى في ذلك ) له أيضا ( ذكر الشاب ) ولو رضيعا ( والشيخ والصبي والبالغ والفحل والذي سلت خصيتاه ) إذا لم يؤد إلى شلل فيه ، كما عن الخلاف والسرائر ( والأغلف والمختون ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا ، بل ولا من غيرنا إلا من مالك ،

٣٧٥

فلم يثبت القود بين الفحل ومسلول الخصيين ، لأنه لا منفعة فيه ، وفيه أن ذلك نقص في الماء لا فيه ، فيندرج في العموم بعد الاشتراك في الاسم والخلقة والسلامة.

( نعم لا يقاد الصحيح بذكر العنين ) كما صرح به الفاضل وثاني الشهيدين وغيرهما ، ولعله لكون العنن من الشلل أو بحكمه المانع من القصاص ، كما سمعته في اليد المحمولة على المثال.

لكن في‌ خبر السكوني (١) « في ذكر العنين الدية » ‌وهو مشعر بالمساواة ( و ) فيه أنه أعم ، فإن المجنون لا يقتل بالعاقل ، مع أن في قتله الدية ، مع أن المشهور كما قيل على أنه ( يثبت بقطعه ثلث الدية ) بل عن الخلاف إجماع الفرقة وأخبارها عليه ، ويأتي إن شاء الله تمام الكلام فيه ، فالخبر حينئذ غير معمول به.

ولكن يقطع بالصحيح كما سمعته في اليد ، وفي التفاوت ما عرفت ، ولا يقطع الصحيح بالمشلول بلا خلاف.

والمراد به أن يكون منقبضا لا ينبسط ولو في الماء الحار ، أو منبسطا لا ينقبض ولو في الماء البارد ، وإن التذ صاحبه وأمنى بالمساحقة وأولد ، وهو معنى ما في محكي المبسوط من أنه قد استرسل فلا ينتشر ولا يقوم ولا ينقبض ولا ينبسط كالخرقة.

ويقطع الأشل بالأشل وبالصحيح إلا إذا خيف منه عدم الانحسام على حسب ما سمعته في اليد.

ويثبت القصاص أيضا ببعضه كالكل ، لعموم الأدلة. والظاهر أن الحشفة عضو برأسها ، فتقطع بمثلها ، صغرت أو كبرت ، وفي بعضها على النسبة إن نصفا فنصف وهكذا كغيرها من أصل الذكر ، إذ لا عبرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ٢ من كتاب الديات.

٣٧٦

بالمساحة هنا ، وإلا لأفضت إلى قطع جميع القصير ببعض الطويل.

( و ) كذا يثبت ( في الخصيين القصاص ) بلا خلاف بل ولا إشكال للعموم ، بل ( وكذا في إحداهما ) مع التساوي في المحل ( إلا أن يخشى ذهاب منفعة الأخرى ) فلا يجوز بلا خلاف أجده فيه أيضا بل ولا إشكال للتغرير الذي سمعته سابقا ( فتؤخذ ديتها ) حينئذ أما مع عدم الخشية فلا بأس بالقصاص لما عرفت ، سواء كان المجني عليه صحيح الذكر أو عنينا ، لثبوت أصل المماثلة وإن كان النقص في عضو آخر ، ودعوى أن منشأ العنانة في الأنثيين لم نتحققها ، على أن قطعهما لا يبطل من الذكر سوى الإيلاد وقد أبطله الجاني من المجني عليه أيضا ، نعم لو خيف منه على الذكر الشلل أو التعنن ولم يحصل ذلك في المجني عليه بل كان كذلك أو بقي على الصحة فالدية.

ولو قطع الذكر والخصيتين اقتص له سواء قطعهما دفعة أو على التعاقب ، بدأ بالذكر أو الخصيتين ، أدى قطع الخصيين إلى تعنن أو شلل في الذكر أو لا ، فلا يتوهم أنه إن قطع الأنثيين فشل الذكر ثم قطع الذكر لم يقتص له من ذكره الصحيح ، لأن الشلل إنما جاء من جنايته ، وفي كشف اللثام « نعم إن كان أدى دية شلله استردها ، وعن بعض العامة أنه إذا قطع الخصيان أولا لم يكن في الذكر إلا الحكومة ، لأنهما إذا قطعتا ذهبت منفعته ، إذ لا يخلق الولد من مائه » وهو كما ترى ، والله العالم.

( ويثبت ) القصاص أيضا ( في الشفرين كما يثبت في الشفتين ) بلا خلاف أجده فيه بيننا ، للعموم نعم عن بعض العامة عدمه بناء على أنهما لحم ليس له حد ينتهي إليه كالأليتين ولحم العضد والفخذ ، وهو واضح الفساد ، لظهور حدهما عرفا ، فان المراد بهما اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم.

٣٧٧

ولا فرق في ثبوت القصاص بين البكر والثيب والصغيرة والكبيرة والصحيحة والرتقاء والقرناء والعقلاء والمختونة وغيرها والمفضاء والسليمة ، لعدم التفاوت فيهما ، فإن البكارة والرتق والإفضاء وأضدادها إنما تتعلق بالباطن ، والختن إنما يكون فوق الفرج في الهيئة الشبيهة بعرف الديك.

ولو أزالت بكر بكارة أخرى بإصبعها اقتص منها مع إمكان المساواة وإلا فالدية ، وعن الفخر والشهيد إطلاق تعينها ، ولعله للتغرير باعتبار عدم إدراكها بالبصر لأنها من البواطن.

نعم ( ولو كان الجاني ) على الامرأة ( رجلا فلا قصاص ) عليه كالعكس لو قطعت الذكر أو الخصيين بلا خلاف أجده فيه ، لعدم المحل ( و ) لكن ( عليه ديتها و ) عليها ديته.

نعم ( في رواية عبد الرحمن بن سيابة ) (١) ( عن أبي عبد الله عليه‌السلام إن لم يؤد ديتها قطعت لها فرجه ) ‌قال : « إن في كتاب علي عليه‌السلام لو أن رجلا قطع فرج امرأة لأغرمنه لها ديتها ، فان لم يؤد إليها ديتها قطعت لها فرجه » ‌( وهي متروكة ) هنا كما في كشف اللثام وإن لم يكن في سندها من يتوقف فيه إلا عبد الرحمن ، وعن البلغة أنه ممدوح ، بل عن تعليق الإغارة أنه يروي عنه الأجلاء ، وأنه مقبول الرواية ، وأنه هو الذي أمره الصادق عليه‌السلام بتفريق المال في عيال من أصيب مع زيد (٢) وما رواه الكشي (٣) عنه فلعله كان في أول حاله ، على أنه قابل للتوجيه ، وطريقه غير صحيح.

( ولو كان المجني عليه خنثى فان تبين أنه ذكر فجنى عليه رجل

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٢.

(٢) رجال الكشي ص ٢٨٧ ـ الرقم ١٦٩ ـ ١٧١ وأمالي الصدوق ـ المجلس ٥٤ ـ الحديث ١٣.

(٣) رجال الكشي ص ٣٣٤ ـ الرقم ٢٥٣.

٣٧٨

كان في ذكره وأنثييه القصاص ، وفي الشفرين الحكومة ) بلا خلاف ولا إشكال للعمومات في الأول ، ولكون الشفرين حينئذ لحما زائدا ( ولو كان الجاني ) على المزبور ( امرأة كان في المذاكير الدية ) لعدم المحل ( وفي الشفرين الحكومة ) أيضا ( لأنهما ) كما عرفت ( ليسا أصلا ) فيه ، بل هو لحم زائد ، إذ الفرض تبين كونه ذكرا.

( ولو تبين أنه امرأة فلا قصاص على الرجل فيهما ) معا ، لعدم المحل ( و ) لكن ( عليه في الشفرين ديتهما ) كغيرها من النساء ( وفي المذاكير الحكومة ) بلا خلاف ( و ) لا إشكال ، لأنها حينئذ فيها لحم زائد.

نعم ( لو جنت عليه امرأة كان في الشفرين القصاص ) لعموم الأدلة ( وفي المذاكير الحكومة ) بلا خلاف ولا إشكال.

ولو كان الجاني خنثى مشكلا أيضا لم يكن له قصاص إلا مع العلم بحالهما ، لاحتمال المخالفة ، وأصل البراءة ، والشبهة ، وعدم صدق الذكر بالذكر مثلا بعد اشتباه الحال ( و ) عموم ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (١) بعد العلم بإرادة قصاصها على الوجه المزبور غير مجد ، كما هو واضح.

نعم ( لو لم يصبر حتى يستبان حاله فان طالب بالقصاص لم يكن له ) سواء كان من مثله أو من معلوم الذكورة أو الأنوثة وكذا لو طلب الذكر أو الأنثى القصاص منه قبل ظهور حاله ( لـ ) اشتراط المماثلة ولم تعلم مع ( تحقق الاحتمال و ) قبل ظهور الحال.

نعم ( لو طالب بالدية أعطي اليقين ، وهو ) مقدار ( دية الشفرين ) أو الذكر أو الخصيتين ، لأن له دية نفس على كل حال ( و ) حينئذ فـ ( ـلو تبين بعد ذلك أنه رجل أكمل له دية الذكر والأنثيين والحكومة في الشفرين ) فان ذلك هو المستحق له ، وقد وصل‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

٣٧٩

إليه من ديته ، فيبقى له دية أخرى وحكومة في الشفرين ( أو تبين أنه أنثى ) كان له ما أخذه من الدية و ( أعطى الحكومة في الباقي ) الذي هو الذكر والخصيتان كما هو واضح.

( ولو قال : أطالب بدية عضو ) من الثلاثة ( مع بقاء القصاص في الباقي لم يكن له ) لأن أحد الثلاثة زائد قطعا لا قصاص فيه ولا دية ، فلا يتم له الجمع بين الدية ( و ) القصاص في الثلاثة نعم ( لو طالب بالحكومة ) لعضو ( مع بقاء القصاص ) في غيره ( صح ) لأن ذلك له في الواقع فطالب ما هو حق له ( و ) لكن ( يعطي أقل الحكومتين ) على تقدير كون المذاكير زائدة أو كون الشفرين زائدين ، فأقل الأمرين ثابت على كل تقدير ، فإذا أخر القصاص إلى أن يتبين الحال فظهر ذكرا وكان أقل الحكومتين النقص بالشفرين اقتص بالمذاكير ، وإن كان أقلهما نقص المذاكير أكمل له حكومة الشفرين واقتص في المذاكير ، وعلى هذا القياس لو ظهر أنثى.

ويحتمل أن يريد المصنف بالعضو مجموع المذاكير أي الذكر والخصيان ومجموع الشفرين ، وعدم إجابته حينئذ لو طلب الدية في أحدهما معينا له والقصاص في الآخر للتناقض ، فإنه إنما يستحق دية عضو له فيه القصاص ، وإذا استحقه في عضو لم يستحقه في الباقي ، ولما لم يعف عن الباقي المعين احتمل ظهور أصالته فيه فيستحق القصاص فيه فلا يستحق دية الآخر ، نعم إن ظهرت أصالة ما أخذ ديته لغا استيفاؤه القصاص في الباقي ، وكانت له الحكومة فيه إلا أن يوجد في الجاني مثله.

ولو قال : أطلب حكومة في عضو مع القصاص في الباقي أجيب إليه ، وأعطي أقل الحكومتين ، لموافقته الواقع ، فإنه يستحق القصاص في أحدهما والحكومة في الآخر ، لكن إن ظهرت أصالة ما أخذ حكومته‌

٣٨٠