جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

مات وكان به رمق والرمق بقية الحياة فحمل ودووي ثم جاء الولي وطلب منه القود كان له ذلك بعد أن يرد عليه دية الجراحات التي جرحه أو يقتص منه ، هذا إذا لم يكن جرح المجني عليه المقتول الأول جراحات عدة ، بل قتله بضربة واحدة ، أما إذا كان جرحه جراحات عدة فللولي أن يقتص منه بعد ذلك ويقتله » ولكنه كما ترى غير ما ذكره المصنف.

وكذا ما في الوسيلة ، قال : « وليس له المثلة بالمقتص منه ولا تعذيبه ولا ضربه حتى يموت وإن فعل هو بصاحبه ذلك ، فإن ضربه عمدا على غير المقتل وقتله في الحال عزر ، وإن تركه حتى بري‌ء ثم أراد أن يستقيد منه لم يكن له ذلك إلا بعد أن يقتص منه في الجرح إن كان مما يدخله القصاص أو يدفع إليه الأرش إن لم يدخله القصاص » وفي محكي النهاية وإن لم أجده في ما حضرني من نسختها « إذا جاء الولي وطلب منه القود كان له ذلك وعليه أن يرد عليه دية الجراحات التي جرحه أو يقتص له منه ».

وكيف كان فلا يخفى عليك أن هذا كله وتفصيل المصنف ومن تأخر عنه لا يخلو عن العمل بالخبر المزبور في الجملة ، ضرورة اقتضاء الاعراض عنه عدم ضمان شي‌ء من جراحات الجاني لا قصاصا ولا دية سواء كانت بآلة القصاص أو بغيرها كما ظنه عمر بن الخطاب ، لأنه مهدور الدم بالنسبة إليه ، كتابا (١) وسنة (٢) وإجماعا نعم تحرم المثلة عندنا ، وتجب كيفية خاصة في الاقتصاص منه ، ولكن ذلك كله من الأحكام الشرعية التي لا يترتب عليها غير التعزير والإثم لا الضمان ولم نجد بذلك قائلا ، فلا محيص عن العمل بالخبر المزبور مع الاقتصار فيه على نحو محله ،

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب القصاص في النفس.

٣٤١

لا مطلق الجرح وإن لم يكن بالحال المخصوص.

ولا بأس به خصوصا بعد رواية المحمدين الثلاثة له وعمل مثل ابن إدريس به ونسبة العمل به إلى الشيخ وأتباعه وعدم تحقق ناووسية أبان ، بل عن بعض الأفاضل أنه أطنب في بيان حسن حاله.

بل عن الأردبيلي أن الوجود في نسخة الكشي التي عنده كان من القادسية ، قرية معلومة لا من الناووسية : الفرقة المطعونة ، على أن ناووسيته قد أخبر بها ابن فضال الذي هو مثله في فساد العقيدة ، فإن قبل خبره فيه مع فساد عقيدته قبلنا خبره هنا مع فساد عقيدته ، على أنه معارض بما عن الكشي من أن العصابة قد أجمعت على تصحيح ما يصح عنه والإقرار له بالعفة بناء على ظهور ذلك في كونه إماميا ، وإلا فالجمع بينهما يقتضي كونه موثقا ، وهو حجة ، فلم يبق إلا الإرسال المنجبر بما عرفت.

على أنه قيل : قد رواها في الفقيه بسند صحيح إلى أبان بلا إرسال بعده ، لأنه قال : وفي رواية أبان بن عثمان أن عمر بن الخطاب إلى آخره (١).

وبالجملة فالخبر المزبور صالح للعمل ، بل يمكن دعوى الإجماع على العمل به في الجملة كما عرفت ، فالأولى حينئذ العمل به بإطلاقه ، والله العالم.

__________________

(١) الفقيه ج ٤ ص ١٢٨ ـ الرقم ٤٥٢.

٣٤٢

( القسم الثاني )

( في قصاص الطرف )

وهو ما دون النفس وإن لم يتعلق بالأطراف المشهورة من اليد والرجل والأنف وغيرها ، كالجرح على البطن والظهر ونحوهما ، ولا خلاف كما لا إشكال في أصل القصاص فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى الكتاب عموما (١) وخصوصا (٢) والسنة المتواترة (٣).

( وموجبه الجناية بما يتلف العضو غالبا ) قصد الإتلاف به أو لم يقصده ( أو الإتلاف بما قد يتلف لا غالبا مع قصد الإتلاف ) على حسب ما سمعت الكلام فيه وفي المباشرة والتسبيب في قتل العمد ، ضرورة عدم الفرق فيه بين النفس والطرف.

( و ) كذا ( يشترط في جواز الاقتصاص ) فيه ما يشترط في قصاص النفس من انتفاء الأبوة ومن ( التساوي في الإسلام والحرية أو يكون المجني عليه أكمل ) لما عرفت سابقا من أن من لا يقتص منه في النفس لا يقتص منه في الأطراف بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بل ولا إشكال ، بل عن صريح الغنية وظاهر غيرها الإجماع عليه ، بل هو محصل ، مضافا إلى‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨ و ١٩٤.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ و ١٣ ـ من أبواب القصاص الطرف.

٣٤٣

ما في النصوص السابقة من ظهور اعتبار التساوي في الحرية في القصاص طرفا ونفسا : كقوله عليه‌السلام (١) في أم الولد : « يقاص منها للمماليك ، ولا قصاص بين الحر والعبد » ‌

بل وغير الحرية مما تقدم سابقا (٢) كما هو واضح.

وحينئذ ( فيقتص ) فيه ( للرجل من ) الرجل بل ومن ( المرأة ، ولا يؤخذ ) له ( الفضل ) على نحو ما سمعته في النفس (٣) ( ويقتص لها منه ) اومن الرجل ولكن ( بعد رد التفاوت في النفس والطرف ) كما تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا (٤) بل وفي تساوي ديتهما ما لم تبلغ ثلث دية الحر ثم يرجع إلى النصف فيقتص لها منه مع رد التفاوت في ما تجاوز ثلث دية الرجل ، ولا رد في ما نقص عن الثلث وفي ما بلغه خلاف ، فلاحظ وتأمل.

( ويقتص للذمي من الذمي ) والحربي ( ولا يقتص له من مسلم ) لعدم التكافؤ ( وللحر من العبد ) إن شاء وإن شاء استرقه إن أحاطت جنايته بقيمته ، والخيار له في ذلك لا للمولى كما صرح به الفاضل في القواعد هنا ، لظاهر‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٥) « في عبد جرح رجلين هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته » ‌وأظهر منه ما في صحيح الفضيل (٦) عن الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) راجع ص ٨١ ـ ١٩٢.

(٣) راجع ص ٨٣.

(٤) راجع ص ٨٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب القصاص الطرف ـ الحديث ١.

٣٤٤

« إن شاء اقتص منه وإن شاء أخذه إن كانت الجناية تحيط برقبته » الحديث.

وبهما يخرج في العبد عن قاعدة إيجاب جناية العمد القصاص دون الدية ، نحو ما سمعته في جنايته على النفس التي حكي الإجماع عليها ، مضافا إلى ظاهر النصوص المستفيضة فيها (١).

ودعوى الفرق بين القتل والجرح ـ بأن له إزالته عن ملك المالك بالقتل فبالأولى تكون له إزالته بالاسترقاق بخلاف الجرح ، فان القصاص فيه لا يزيل الملك ـ كالاجتهاد في مقابلة النصوص ، ونحوها الاستناد إلى قاعدة القصاص التي قد عرفت وجوب الخروج عنها بما سمعت ، وقد تقدم الكلام في ذلك كله ، وقلنا هناك : إن ظاهر خبر الفضيل اعتبار إحاطة الجناية بالرقبة في ذلك بخلاف ما إذا لم تحط ، كما أنه ذكرنا أيضا خلاف الفاضل وغيره في ذلك ، فلاحظ وتأمل.

( ولا يقتص للعبد من الحر ) في الطرف وإن ساوت قيمته دية الحر أو زادت ( كما لا يقتص له منه في النفس ) لعدم المكافئة المعتبرة في القصاص بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما عرفت الكلام فيه سابقا (٢).

ويقتص للعبد من المساوي له في رق الكل ، وكذا من الأمة ، ولها منه بعد رد الفاضل إن بلغت الثلث أو جاوزته ، كما صرح به في كشف اللثام بناء منه على مساواة الأمة للحرة في ذلك ، لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر السكوني (٣) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) راجع ص ٩١ ـ ٩٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القصاص الطرف ـ الحديث ١.

٣٤٥

« جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن » ‌ولإطلاق صحيح جميل (١) السابق الذي يمكن حمله على غيره من النصوص (٢) الواردة في الحر والحرة ، فلا رد حينئذ ، خصوصا بعد أن لم نجد ذلك لغيره ، بل ولا من حكى عنه.

بل لعل أصل المسألة لا تأتي في العبد ، ضرورة أن الدية في الحر لها مقدر ، فالمرأة تقاص من الرجل ما لم تبلغ الثلث من الدية ، فإذا بلغته سفلت المرأة وارتفع الرجل وصارت على النصف بخلاف العبد ، لأن ديته قيمته ، وهي مختلفة باختلاف العبيد ، وربما تكون الأمة أعلى منه قيمة.

اللهم إلا أن يفرض في عبد وأمة متساويي القيمة أو أن العبد أعلى ، فحينئذ يقال : إن الأمة تقاصه ما لم تبلغ ثلث قيمة العبد ، فإذا بلغته سفلت الأمة وارتفع العبد ، وصارت على النصف من قيمة العبد ، وهو شي‌ء يمكن القطع بعدمه من النص والفتوى ، وما في خبر السكوني يراد منه المساواة في جراحات الأحرار والعبيد ، بمعنى أن الجرح في الحر الذي له نصف دية الحر مثلا له في العبد نصف قيمته ، وهكذا. لا ما يشمل ما نحن فيه ، كما هو واضح ، فالمتجه حينئذ بقاء العبد والأمة على المقاصة في القيمة كيف ما كانت.

ويجوز لمولى المجني عليه الصلح على ما تراضيا به ، وفي كشف اللثام « ومنه استرقاق ما بإزاء نسبة عضو عبده إلى قيمته إن لم تزد على دية الحر » ولعله بناء على اعتبار ذلك في قيمة القاطع على نحو قيمة المقطوع ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القصاص الطرف ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس والباب ـ ١ ـ من أبواب قصاص الطرف.

٣٤٦

بدعوى ظهور النصوص (١) في عدم تجاوز قيمة العبد دية الحر في باب الجناية قاطعا كان أو مقطوعا ، ولكن لا يخلو من نظر وبحث باعتبار انسياق المجني عليه منها لا مطلقا ، فلاحظ وتأمل.

على أن المسألة مفروضة في الصلح ، وهو لا يتقدر بقدر ، بل يجب ما يتراضيان به ، فله حينئذ استرقاق كله به وإن زادت قيمة عضوه على كل قيمة المجني عليه ، لكونه حينئذ كالصلح عن الكثير بالقليل ، أما ما قابل الجناية منه فقد عرفت عدم احتياجه إلى الصلح ، بل له استرقاقه قهرا.

ولا يقتص للقن من المكاتب إذا تحرر بعضه كغيره من المبعضين ، ويقتص له من المدبر وأم الولد ، لبقائهما على الرقية ، ويجوز استرقاق المدبر كلا أو بعضا ، وفي بطلان التدبير وعدمه الخلاف السابق.

ولمن انعتق منه أكثر القصاص من الأقل عتقا ، كما أن للمساوي القصاص من مثله ، كما تقدم ذلك في قصاص النفس (٢).

بل قد تقدم أيضا (٣) الكلام في اشتراط التساوي في القيمة أو نقص الجاني ، على معنى إن زادت قيمة الجاني لم يكن لمولى الآخر الاقتصاص إلا بعد رد التفاوت ، لأن القيمة في المملوك بمنزلة دية الحر ، وكما تنقسم الدية على أعضاء الحر فكذا القيمة ، وكما يجب الرد إذا زادت دية عضو الجاني كالرجل على دية عضو المجني عليه كالمرأة فكذا القيمة وعدمه ، لإطلاق نحو ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (٤).

( و ) بالجملة كل ما عرفته من شرائط القصاص في النفس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٢) راجع ص ١١١.

(٣) راجع ص ١٠٤.

(٤) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

٣٤٧

معتبر في القصاص في الطرف ويزيد اعتبار ( التساوي في السلامة ) من الشلل وفي المحل وفي الأصالة والزيادة ( فلا تقطع اليد الصحيحة ) مثلا ( بالشلاء ) بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به بعضهم ، بل عن ظاهر المبسوط أو صريحه وصريح الخلاف الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد إطلاق‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر سليمان بن خالد (١) : « في رجل قطع يد رجل شلاء أن عليه ثلث الدية » ‌بل قيل : وقوله تعالى (٢) ( فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) ـ ( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ) (٣) وإن كان فيه أن الظاهر المماثلة في أصل الاعتداء والعقاب على وجه يصدق كونه مقاصة ، فلا ينافي ما دل على القصاص من قوله تعالى (٤) ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) وغيره ، إلا أن الأمر سهل بعد عدم انحصار الدليل فيه ، إذا الحكم مفروغ منه عندهم وقد حكي الإجماع صريحا وظاهرا عليه.

بل هو كذلك ( ولو بذلها الجاني ) كما صرح به الفاضل والشهيدان فإنه لا يكفي في التسويغ ، كما إذا رضي الحر القاتل للعبد بالقود لم يجز أن يقاد منه ، نعم في القواعد وكشف اللثام « ولكن لا يضمن القاطع مع البذل شيئا وإن أثم واستوفى حقه كما في المبسوط للأصل » وإن كان هو لا يخلو من إشكال بل منع ، ضرورة عدم حق له غير الدية كي يكون مستوفيا له ، بل قد يشكل أيضا ما قيل من احتمال ضمان ثلث الدية ، لأن دية الشلاء سدس الدية ، والصحيحة نصفها بأن المتجه ترتب القصاص‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٤.

(٣) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ١٢٦.

(٤) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

٣٤٨

على القاطع لا الدية إلا إذا قلنا بعدمه مع الاذن من ذي اليد بالقطع ابتداء من دون قصاص.

( وتقطع الشلاء بالصحيحة ) لعموم الأدلة ، بل لا يضم إليها أرش ، للأصل وغيره بعد تساويهما في الجرم ونحوه ، وإنما اختلافهما في الصفة التي لا تقابل بالمال ، كالرجولية والأنوثة والحرية والعبودية والإسلام والكفر ، فإنه إذا قتل الناقص منهم بالكامل لم يجبر بدفع أرش خصوصا بعد‌ قولهم عليهم‌السلام (١) : « إن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه ».

فحينئذ لا إشكال في قطع الشلاء بالصحيحة ( إلا أن يحكم أهل الخبرة أنها لا تنحسم ) لو قطعت ، لبقاء أفواه عروقها مفتحة أو احتملوا ذلك احتمالا راجحا أو مساويا على وجه يتحقق الخوف المعتد به ( فـ ) ـلا تقطع بل ( يعدل ) حينئذ ( إلى الدية تفصيا من خطر السراية ) على النفس التي هي أعظم من الطرف ، وكذا لو كان كل منهما شلاء بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، بل ولا إشكال ، ضرورة وجوب المحافظة على النفس مما يزيد على أصل القطع من العوارض التي منها الشلل المزبور ، لكن نسبة غير واحد له إلى الشهرة قد يشعر بالخلاف إلا أنا لم نتحققه.

نعم قيل : إن المشهور قطع يد المحارب والسارق وإن كانت شلاء من غير اعتبار حكم أهل الخبرة ، بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه.

وربما فرق بأن المراد القطع فيهما وإن استلزم تلف النفس بخلاف القصاص المبني على حرمة أخذ الزائد على الحق وإن كان قد يناقش بأن الحدود أولى بمراعاة ذلك من جهة بنائها على التخفيف ، فالأولى حمل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١٠.

٣٤٩

الإطلاق المزبور على ما صرح به غير واحد من اعتبار المراعاة فيه أيضا.

وكيف كان فالمراد بالشلل يبس اليد والرجل بحيث لا تعمل وإن بقي فيها حس أو حركة ضعيفة ، وعن بعضهم اعتبار بطلانهما ، ولذا تسمى اليد الشلاء ميتة. وفيه أنه إطلاق مجازي ، ضرورة أنها لو كانت كذلك لأنتنت.

هذا ولكن في المسالك « من شرائط القصاص في الطرف تساويهما في السلامة لا مطلقها ، لأن اليد الصحيحة تقطع بالبرصاء ، بل المراد سلامة خاصة ، وهي التي تؤثر التفاوت فيها أو يتخيل تأثيره كالصحة والشلل ».

قلت : لا كلام في عدم القصاص بين الصحيحة والشلاء بعد الاتفاق عليه نصا وفتوى ، أما ما لا يصدق عليه اسم الشلل مما هو مؤثر فيها أيضا فلا دليل على عدم القصاص به بعد قوله تعالى (١) ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) وصدق‌ « اليد باليد » (٢) ‌نعم يجبر ضرر المقتص منه بدفع التفاوت من المقتص بناء على ما أشرنا إليه من خبر الحسن بن الجريش (٣) المشتمل على قضية ابن عباس ، لكن لم أجد من أقعد القاعدة المزبورة على وجه يعمل عليها في غير محل النص.

وعلى كل حال فظاهرهم الاتفاق على أنه لا أثر للتفاوت في البطش ونحوه ، فتقطع يد الأيد بيد الضعيف ، ورجل المستقيم برجل الأعرج ، كما ستعرف إن شاء الله.

ولو كان بعض أصابع المقطوع شلاء ففي القواعد وكشف اللثام‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١ والصحيح الحسن بن الحريش كما في كتب التراجم.

٣٥٠

ومحكي المبسوط لم يقتص من الجاني الصحيح الأصابع في الكف ، بل في أربع الأصابع الصحيحة ، ويؤخذ منه ثلث دية إصبع صحيحة عوضا عن الشلاء ، وحكومة ما تحتها وما تحت الأصابع الأربع من الكف ، وهو كذلك بناء على إلحاق كل ما فيه شلل باليد.

ولو كان الأمر بالعكس فكانت أصابع المجني عليه صحيحة وإصبع من أصابع الجاني في اليد الموافقة للمقطوعة شلاء قطعت كف الجاني ، لأن الناقص يقطع بالكامل ، نعم إن خيف السراية لشلل تلك الإصبع اقتص منه في الأصابع الصحيحة ، وأخذ دية إصبع صحيحة وحكومة في الكف أجمع كالسابقة ، ولا تتبع الكف الأصابع.

( و ) أما اعتبار التساوي في المحل مع وجوده فلا خلاف فيه ، بل ربما ظهر من محكي الخلاف نفيه بين المسلمين ، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه فـ ( ـتقطع اليمين باليمين ) واليسار باليسار والإبهام بمثلها وهكذا.

نعم عن الأكثر بل المشهور بل عن الخلاف ( و ) الغنية إجماع الفرقة عليه مع زيادة أخبارهم عليه في الثاني أنه ( إن لم تكن يمين قطعت يساره ، ولو لم يكن ) له ( يمين ولا يسار قطعت رجله استنادا إلى الرواية ) التي هي‌ صحيحة حبيب السجستاني (١) المروية في الكتب الثلاثة بل والمحاسن على ما قيل قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين ، فقال : يا حبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أولا ، وتقطع يساره للذي قطعت يمينه أخيرا ، لأنه إنما قطع يد الرجل الآخر ويمينه قصاص للرجل الأول ، قال : فقلت : إن عليا عليه‌السلام إنما كان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٢.

٣٥١

فقال : إنما كان يفعل ذلك في ما يجب من حقوق الله تعالى ، فأما ما يجب من حقوق المسلمين فإنه تؤخذ لهم حقوقهم في القصاص ، اليد باليد إذا كانت للقاطع يدان ، والرجل باليد إذا لم تكن للقاطع يد ، فقلت له : أما توجب عليه الدية وتترك رجله؟ فقال : إنما نوجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان ، ثم نوجب عليه الدية ، لأنه ليست له جارحة يقتص منها ».

وهي معلومة الصحة إلى حبيب وأما هو ففي المسالك لا نص على توثيقه ، قال : « وحينئذ فإطلاق جماعة من الأصحاب صحة الرواية مدخول أو محمول على الصحة الإضافية ، كما تقدم في نظائره ، وهذا هو السر في نسبة المصنف الحكم إلى الرواية من غير ترجيح ».

قلت : قد يقال بكفاية شهادة وصفها بالصحة في المختلف والإيضاح والمهذب البارع والتنقيح ، بل في الروضة نسبة وصفها بذلك إلى الأصحاب ، على أن المذكور في ترجمته أنه كان شاريا ورجع إلى الباقر والصادق عليهما‌السلام وانقطع إليهما ، بل عن صاحب البلغة الحكم بكونه ممدوحا ، بل عن الفاضل المتبحر وحيد عصره ـ وخصوصا في الحديث والرجال ـ الآغا محمد باقر عن جده أنه حكم بأنه ثقة.

كل ذلك مضافا إلى انجباره بما عرفت ، بل لم نعثر على راد له غير الحلي وثاني الشهيدين في بعض المواضع من بعض كتبه على أصليهما الفاسدين والفخر في خصوص قطع الرجل باليد.

بل وإلى تأييده بما قيل من أنه استيفاء لمساوي الحق مع تعذر اليمين كالقيمة في المتلفات ، والدية مع تعذر القصاص ، والمساواة الحقيقة لو اعتبرت لما جاز التخطي من اليد اليمنى إلى اليد اليسرى كما لا يجوز لو كانت الجناية واحدة.

٣٥٢

وإن كان قد يناقش بأنه لو كفت المساواة دية لجاز قلع العين إذا فقدت اليدان والرجلان ، وقياس الرجل على اليد التي يمكن دعوى حصول المقاصة فيها باعتبار الصدق ـ ومن هنا حكى عليه الإجماع في المسالك ومحكي المهذب البارع والمقتصر ، ونفي فيه الخلاف في التنقيح والرياض ـ لا وجه له ، لكن العمدة ما عرفت.

نعم ليس في الخبر المزبور ترتيب في الرجلين ، وإنما هو موجود في معقد إجماع الخلاف والغنية ، ولعله كاف في إثبات ذلك بعد عدم العلم بخطئه.

وأما قطع اليد اليمنى باليد اليسرى مع عدم اليمين له فقد ذكره بعضهم ، ويمكن استفادته من النص والفتوى أيضا.

بل قد يقال أيضا بقطع اليد بالرجل إذا لم يكن له رجلان عكس الأولى ، لفحوى الخبر المزبور ، بل لعل التعليل فيه ظاهر في ذلك.

هذا كله في خصوص اليدين والرجلين دون غيرهما ، لقاعدة الاقتصار على المتيقن في ما خالف العمومات ، كما صرح به غير واحد ، خلافا للحلي فعمم الحكم ، حيث قال : « وكذلك القول في أصابع اليدين والرجلين والأسنان » ولعله نظر إلى العلة في الرواية التي ظاهر الأصحاب ـ عداه ـ عدم العمل بها في ذلك ، حتى في العينين مثلا ، فلا تقلع اليمنى باليسرى مع عدمها ، وبالعكس وإن كان لو لا ذلك لأمكن القول به ، للخبر المزبور المؤيد بإطلاق قوله تعالى (١) ( الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) مثلا بعد تخصيص اعتبار الترتيب بصورة الإمكان ، فتأمل.

( و ) على كل حال فـ ( ـكذا ) الكلام في ما ( لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه ورجلاه بالأول فالأول ، وكان لمن

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

٣٥٣

يبقى الدية ) كما لو جنى فاقد اليدين والرجلين ، ضرورة اتحاد المدرك في المسألتين ، وقد تقدم الكلام في هذه سابقا فلاحظ وتأمل وتدبر ، والله سبحانه العالم.

( ويعتبر التساوي بالمساحة في الشجاج طولا وعرضا ) بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه مضافا إلى أدلة القصاص والعدل ، فلا تقابل ضيقة بواسعة ( و ) لا يقنع بضيقة عن واسعة.

نعم قد صرح غير واحد بأنه ( لا يعتبر نزولا بل يعتبر ( يراعى خ ل ) حصول اسم الشجة ) بل ظاهر كشف اللثام ومحكي المفاتيح الإجماع ، بل في الرياض أن عليه إجماعنا المصرح به في جملة من العبائر ( لتفاوت الرؤوس في السمن ) والهزال وغلظ الجلد ورقته على وجه لو اعتبر انتفى القصاص ، فقطع النظر عنه كما قطع عن الصغر والكبر في الأطراف ، ومن هنا قال في محكي المبسوط : « العمق في الشجاج كالمساحة في الأطراف ، والمساحة في الشجاج كالاسم في الأطراف » ومقتضاه أنه لو كان عمق المتلاحمة مثلا نصف أنملة جاز في القصاص الزيادة عليه ما لم ينته إلى السمحاق ، وهو خلاف العدل ، كما أن اختلاف الرؤوس في ما سمعت لا يقتضي سقوط اعتباره ، ضرورة إمكان القول باعتبار الممكن وأخذ الأرش للزائد كما ذكروا في المساحة طولا من أنه لا بد من اعتبار التساوي فيها وان استلزم استيعاب رأس الجاني لصغره ، ولا يكمل الزائد من القفا ولا من الجبهة ، بل يقتصر على ما يحتمله العضو. ويأخذ للزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح من الدية ، فإن كان الباقي ثلثا مثلا فله ثلث دية تلك الشجة ، وهكذا. فالعمدة حينئذ الإجماع إن تم ، كما هو واضح.

( ولا يثبت القصاص في ما في ) قصاص ( ه‍ تغرير ) بنفس‌

٣٥٤

أو طرف ( كالجائفة والمأمومة ) اللتين لا خلاف نصا وفتوى في عدم القصاص فيهما ، بل الإجماع بقسميه عليه، وفي المقطوع (١) « الجائفة ـ ما وقعت في الجوف ـ ليس لصاحبها قصاص إلا الحكومة » ‌ونحوه في آخر (٢).

كل ذلك مضافا إلى وجوب المحافظة على النفس والطرف المحترمين ، فيتعذر حينئذ استيفاء الحق مع حصول التعزير عليهما به ، بل وكذا التعزير بالزيادة عليه باعتبار تعسر حصول المماثلة أو تعذرها إذ هو من التعزير أيضا.

واحتمال الاقتصار على الأقل مع دفع الأرش للزائد ممكن ، بل جزم به المصنف في كتاب الديات ، كالمحكي عن المبسوط وقواعد الفاضل وتحريره ، لكن عن الخلاف عدم جوازه مستدلا بإجماع الفرقة وأخبارهم ، وفي الرياض « ظاهر الأصحاب على الظاهر المصرح به في المسالك الاقتصار على الدية مطلقا ». قلت ( و ) لعله لعدم صدق القصاص فيه.

نعم ( يثبت في الحارصة والباضعة والسمحاق والموضحة وفي كل جرح لا تغرير في أخذه ) بزيادة على الحق أو بتلف طرف آخر ( وسلامة النفس معه غالبة ) لعموم الأدلة المعتضد بالإجماع بقسميه عليه ، بل وبالمحكي من نفي الخلاف فيه دون ما كان فيه التعزير المزبور.

( فلا يثبت في الهاشمة ولا المنقلة ولا في كسر شي‌ء من العظام لتحقق التعزير ) الذي ذكرناه فيه ولقول أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) : « لا قصاص في عظم » وفي المقطوع (٤) « والمنقلة ـ وهي ينتقل منها العظام ـ وليس فيها قصاص إلا الحكومة » ‌بل عن المبسوط والخلاف والغنية والسرائر نفي الخلاف في الجميع.

ولعله كذلك ، فاني لم أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن الشيخين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

٣٥٥

وابن حمزة وسلار في المقنعة والنهاية والوسيلة والمراسم ، مع أن الأولين وإن أثبت فيهما القصاص في جميع الجراح إلا أنه استثنى المأمومة والجائفة فيهما ، معللا ذلك بأن فيهما تغريرا بالنفس ، ومقتضاه تعديته في كل ما فيه ذلك ، ولا ريب في تحققه في الهاشمة والمنقلة.

ومن هنا اعتذر الفاضل في المختلف عن الشيخين بأن الهشم والنقل خارجان عن الجراح الذي أثبتنا فيه القصاص ، وحينئذ فيرتفع الخلاف منهما وينحصر في ابن حمزة المصرح بثبوت القصاص في الهاشمة والمنقلة.

وهو مع ندرته واضح الضعف ، كوضوح الاعراض عن إطلاق‌ الموثق (١) كالصحيح « وأما ما كان من الجراحات في الجسد فان فيها القصاص أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها » ‌وعما في‌ الصحيح (٢) « عن السن والذراع يكسران عمدا ألهما أرش أو قود؟ فقال : قود ، قلت : فإن أضعفوا الدية ، قال : إن أرضوه بما شاء فهو له » ‌وإن حكي عن ظاهر الشيخين العمل به مقيدا بما إذا كان المكسور لا يرجى صلاحه.

ولعله لمرسل جميل (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام « في رجل كسر يد رجل ثم برئت يد الرجل ، قال : ليس في هذا قصاص » ‌الذي هو مستند ما في محكي المراسم من أنه لا قصاص في ما يبرأ ويصح ، وإنما القصاص في ما لا يبرأ ، إلا أنه مناف في الجملة لما فيها أيضا من أنه لما عد الجراحات قال : « لا قصاص في شي‌ء منها إلا في سبع منها ما عدا الجائفة والمأمومة ، لأن فيهما تغريرا بالنفس » ضرورة أن كثيرا منها قابلة للبرء ، ويمكن إرادته خصوص المكسور فيكون موافقا لما سمعته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

٣٥٦

من الشيخين وعن أبي الصلاح ، وأما الكسر والمنقل والمنجبر والجرح الملتئم والمأمومة والجائفة وما يجري مجراه فلا قصاص في شي‌ء منها.

إلا أن ذلك كله كما ترى لا يصلح للخروج به عما يقتضيه عموم الأدلة من جواز القصاص مع عدم التعزير المزبور من غير مدخلية للبرء وعدمه ، ومن عدمه مع التعزير المزبور ولو بتعذر المماثلة أو تعسرها بعد الاعتضاد بما سمعت من حكاية نفي الخلاف والإجماع وغير ذلك ، وحينئذ فالمدار عليه ، والله العالم.

( وهل يجوز الاقتصاص قبل الاندمال؟ قال في المبسوط : لا ، لما لا يؤمن من السراية الموجبة لدخول الطرف فيها ) فلم يعلم حينئذ قبل العلم بحالها أن حقه القصاص في الطرف أو النفس وفي‌ موثق إسحاق أو حسنه (١) عن جعفر عليه‌السلام « أن عليا عليه‌السلام كان يقول : لا يقضى في شي‌ء من الجراحات حتى تبرأ ».

( وقال في الخلاف بالجواز ) لكن ( مع استحباب الصبر ، وهو أشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي منها العمل بعموم قوله تعالى : ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (٢) ( فَمَنِ اعْتَدى ) (٣) ( وَإِنْ عاقَبْتُمْ ) (٤) خصوصا بعد ما قيل من دلالة الفاء على ذلك بلا مهلة وإن كان فيه نظر واضح ، ومنها أصالة البراءة من وجوب الصبر ، وأصالة عدم حصول السراية ، بل وأشهر ، بل لم نجد فيه مخالفا عدا ما سمعته من المبسوط مع أن المحكي عنه أنه قال : « التأخير فيه أحوط » وهو بعينه الاستحباب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب موجبات الضمان ـ الحديث ٢ من كتاب الديات.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٤.

(٤) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ١٢٦.

٣٥٧

الذي أشار إليه في الخلاف ، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف ، والموثق محمول على إرادة عدم القضاء في الجرح الذي لا يعلم حال إفساده حتى يبرأ ، لا الجرح الذي تحقق فيه موجب القصاص وشك في حصول المسقط.

ومنه يعلم ما في الأول المبني على أن السراية كاشفة عن عدم حق له إلا قصاص النفس ، وهو ممنوع ، ضرورة تحقق الموجب حتى لو علم السراية كان له القصاص فعلا لحصول الموجب ، نعم لو لم يفعل فاتفق حصولها دخل قصاص الطرف فيه ، ومن هنا لا يجب عليه رد دية العضو بعد حصولها لو فرض قطعه قبلها ، كما تقدم بعض الكلام في ذلك سابقا.

( و ) حينئذ فـ ( ـلو قطع عدة من أعضائه ) عمدا كان له المبادرة إلى القصاص قبل الاندمال أو السراية لما عرفت.

ولو كان ( خطأ جاز أخذ دياتها ) أجمع ( ولو كانت أضعاف الدية ) لما عرفت من وجود المقتضى وانتفاء المانع بالأصل ، بل قيل : لو كان ظن السريان أو وهمه موجبا لزوال ما ثبت في الواقع لكانت القوة فعلا ، وهو غير جائز ، ولأنه لولاه لم يستقر استحقاق فإنه لا استحقاق إلا ويمكن براءة المستحق عليه منه ، والتالي باطل ، ولأنه يلزم منع المستحق عن حقه المالي بمجرد الشبهة مع ثبوت الموجب ، ولا أثر للشبهة في سقوط المال ، ولأن شرط البقاء على الجنايات شرط في استمرار الملك لا في ابتدائه وأخذ شرط في غيره من الأغلاط وإن كان لا يخفى عليك ما في الجميع من المصادرة بعد الإحاطة بما ذكرناه ، ضرورة بناء ذلك كله على أن السراية مسقطة لا كاشفة ، وهو محل البحث بل المنع عند الخصم.

( و ) من هنا ( قيل ) والقائل الشيخ في المبسوط وابن البراج في المهذب والفاضل في التحرير والإرشاد والشهيد في غاية المراد والأردبيلي على ما حكي عن بعضها ( يقتصر على دية النفس ) ‌

٣٥٨

المعلوم استحقاقها له على كل حال ( حتى يندمل ثم يستوفى الباقي أو يسري ، فيكون له ما أخذ ) بل في المسالك أنه الأشهر ، بل في مجمع البرهان أنه المشهور ، بل في محكي المبسوط أنه الذي يقتضيه مذهبنا ، بل في المتن هنا ( وهو أولى ، لأن دية الطرف تدخل في دية النفس وفاقا ) محكيا مستفيضا بل محصلا ، فلا يتسلط على المال بمجرد ظن البقاء أو احتماله الذي لا يعارض يقين البراءة.

ولكن ذلك لا يقتضي الكشف ، فإنه أعم منه ومن الإسقاط الذي يمكن كونه مفاد الأدلة ، فإن أدلة إيجاب الدية في الخطأ تقتضي ترتبها بحصول السبب ، وذلك لا ينافي التداخل عند حصول السراية إلا أن ذلك يقتضي مثله في القصاص ، ولذا كان المحكي عن المبسوط فيهما عدم الجواز ، نعم يشكل ذلك على غيره ممن قال بجواز المبادرة إلى القصاص وإن قلنا بالدخول دون الدية كالمصنف وغيره. ويمكن إرادة المصنف الأولوية الندبية.

لكن قد عرفت أنه في القصاص لم يحك الخلاف فيه إلا عن المبسوط ، وهو غير متحقق ، بخلافه في المقام الذي قد سمعت حكاية الشهرة على عدم الجواز ، بل لعل ظاهر محكي المبسوط الإجماع ، اللهم إلا أن يفرق بين القصاص والدية ، وهو مشكل جدا فتأمل. وعلى كل حال فالأمر منحصر عندنا في القولين.

وأما القول بأنه ليس له المطالبة بشي‌ء فالظاهر أنه للعامة وإن حكاه بعض أصحابنا ، بل ربما احتمل في عبارة المبسوط ، إلا أنه لوضوح فساده ـ ضرورة ثبوت دية له على كل حال ـ يجب تنزيه الشيخ عنه.

ثم على القول بتعجيل الأخذ ثم حصلت السراية يجب إرجاع الزائد عن دية النفس وما اندمل من الجراح لما عرفته من الدخول ، كما هو‌

٣٥٩

واضح ، والله العالم.

( وكيفية القصاص في الجراح أن ) يحلق الشعر الذي على المحل إن كان عليه شعر يمنع من سهولة استيفاء المثل ، وأن يربط الرجل الجاني على خشبة أو غيرها بحيث لا يضطرب حالة الاستيفاء ثم ( يقاس ) محل الشجة ( بخيط وشبهه ، ويعلم طرفاه في ) مثله وهو ( موضع الاقتصاص ) من الجاني ( ثم يشق من إحدى العلامتين إلى الأخرى ، فإن شق على الجاني ) الاستيفاء دفعة ( جاز أن يستوفي منه في أكثر من دفعة ) وإن لم يمكنه الاستيفاء وكل غيره.

فان زاد المقتص في جرحه لاضطراب الجاني فلا شي‌ء عليه ، لاستناد التفريط إليه باضطرابه ، وإن لم يكن يضطرب اقتص من المستوفي إن تعمد ، وطولب بالدية مع الخطأ.

ويقبل قوله في دعوى الخطأ مع اليمين ، وإن ادعى الاضطراب قدم قول الجاني للأصل ، وإن كان الأصل البراءة ترجيحا للمباشرة.

وفي قدر المأخوذ منه مع الخطأ إشكال ينشأ من أن الجميع موضحة واحدة حقيقة ، فيقسط ديتها على الأجزاء ، فيلزمه ما قابل الزيادة منها حسب ، كما لو أوضح جميع الرأس ورأس الجاني أصغر ، فإنا نستوفي القصاص في الموجود ، ولا يلزمه بسبب الزيادة دية موضحة بكمالها ، بل تقسط ، ويلزمه منها ما قابل الزيادة حسب ، وعن الكركي أنه استجوده ، ومن أنها موضحة كاملة برأسها ، لأن الزيادة جناية وليست من جنس الأصل شرعا ، فإنه قصاص بخلاف مستوعب الرأس بالايضاح في المثال ، فان هناك موضحة واحدة حقيقة وشرعا ، فإنها بجميعها جناية كما عن المبسوط ، ولعله لا يخلو من قوة.

( ويؤخر ) استيفاء ( القصاص في الأطراف من شدة الحر والبرد إلى

٣٦٠