جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وإباحة الدم في الظاهر لا تنافي التضمين كما في نظائره ، بل الظاهر وجوب الكفارة أيضا حتى على القول بعدم وجوب الدية ، لعموم دليلها ، ولكن لا رجوع بها على الموكل وإن توقف فيه الفاضل باعتبار كونه معذورا ، لحكم الحاكم له بذلك.

هذا وفي المسالك « ثم إن كان الموكل قد عفا مجانا أو مطلقا وقلنا : إن العفو مطلقا لا يوجب الدية فلا شي‌ء ، وإن عفا على الدية أو قلنا : إن إطلاق العفو موجب لها فله الدية في تركة الجاني إن أوجبنا بقتل الوكيل الدية ، وإن لم نوجب وأهدرنا دم الجاني فلا دية للموكل ، لخروج العفو على هذا التقدير عن الإفادة ووقوعه لغوا ».

وفيه نظر ، ولعله يريد ما في كشف اللثام ، فإنه بعد أن ذكر ما سمعته في العفو قال : « هذا إذا عفا مجانا ، أما لو عفا على مال فلا ضمان على الوكيل ، لأنه لا يصح إلا صلحا إلا أن يكون برضا الجاني ولم يعلم به الوكيل ، فتجري فيه الأوجه الثلاثة » أي ضمان الوكيل والرجوع على الموكل ، أو عدم الضمان ، أو الضمان بدون رجوع ، ولكن قد عرفت أن الأصح الأول ، ولكن يضمن الدية ويرجع بها لا خصوص المصالح عليه.

ولو اقتص الوكيل بعد موت الموكل جاهلا بموته ففي القواعد « إن كان باذن الحاكم فالدية في بيت المال » ولعله لأنه من خطأ الحكام ، ولكن لا يخلو من بحث ، وفي كشف اللثام « وإلا فعليه الدية ، ويرجع بها على تركة الموكل ، أو لا يرجع ولورثة الموكل الدية من تركة الجاني إن لم يسقط الاستحقاق بفوات المحل » فتأمل ، والله العالم.

٣٢١

المسألة ( الثامنة : )

( لا يقتص من الحامل حتى تضع ولو تجدد حملها بعد الجناية ) وكان من زنا بلا خلاف أجده ، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه ، لكونه إسرافا في القتل ، ولغير ذلك مما هو واضح ومعلوم من روايات الحدود (١) وغيرها ، نعم هو كذلك مع تحقق الحمل بالأمارات الدالة عليه ، فان لم يكن ولا ادعته فلا إشكال في القصاص منها وإن احتمل ، للأصل وغيره.

( فان ادعت الحمل وشهدت لها القوابل ) الأربعة بذلك ( ثبت ) الحمل ( وإن تجردت دعواها قيل : لا يؤخذ بقولها ، لأن فيه دفعا للولي عن السلطان ) مع أن الأصل عدمه.

( ولو قيل يؤخذ ) بقولها فيؤخر حتى يعلم حالها ( كان أحوط ) احتياطا يلزم مراعاته ، كما جزم به الفاضل في الإرشاد وولده والشهيدان والكركي والأردبيلي على ما حكي عن بعضهم ، لأن للحمل أمارات تظهر وأمارات تخفى ، وهي عوارض تجدها الحامل من نفسها وتختص بمراعاتها على وجه يتعذر إقامة البينة عليها ، فيقبل قولها فيه كالحيض ونحوه مما دل عليه الأدلة (٢) في قبول قولها فيهما ، بل لعل قوله تعالى (٣) : ( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ) ظاهر في تصديقها ولا أقل من الشبهة المقتضية تأخير ذلك إلى أن يعلم الحال.

بل لم نجد مخالفا صريحا ، فان المصنف والفاضل في القواعد والشيخ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب حد الزنا ـ الحديث ١ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العدد من كتاب الطلاق.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨.

٣٢٢

في محكي المبسوط وإن ذكروا أن الأولى الاحتياط لكن يمكن إرادتهم الاحتياط اللازم ، بل لعله الظاهر من عبارة المتن.

ثم إن الظاهر أيضا عدم جواز قتلها بعد الوضع حتى يشرب الصبي اللبأ الذي ذكر غير واحد ما ذكره الشيخ والفاضل والشهيد وغيرهم من أنه لا يعيش الصبي بدونه وإن كان الوجدان يشهد بخلافه ، كما اعترف به في المسالك ، إلا أنه يمكن أن يكون ذلك غالبا ، ويكفي حينئذ في تأخير القتل عنها.

بل الظاهر عدم جواز قتلها أيضا إذا توقف حياة الصبي عليها لعدم وجود ما يعيش به غيرها ، لأنه إذا وجب الانتظار احتياطا للحمل فبعد الوضع وتيقن وجوده أولى ، بل احتمل غير واحد القصاص عليه لو بادر إلى القصاص والحال هذه عالما بالحال ، لصدق قتله التسببي ، نحو ما لو حبس رجلا ومنعه الطعام أو الشراب حتى مات جوعا أو عطشا ، ويحتمل العدم ، لعدم صدق التسبيب إلى قتله على وجه يترتب عليه القصاص ، لأنه كمن غصب طعام رجل أو سلبه فتركه حتى مات جوعا أو بردا لكن يمكن حصول الغذاء له إلا أنه اتفق العدم.

ومنه ينقدح احتمال وجوب المبادرة إلى القصاص إلا أن الأقوى العدم فيه ، نعم قد يقوى عدم القصاص عليه بموت الطفل إذا لم يكن قد قصد بذلك قتله أو لم يكن مثله سببا معتادا في قتله وإن أثم بالمبادرة إلى القصاص من أمه وترتب عليه موت الطفل ، ولكن الظاهر ثبوت الدية عليه ، لعدم إبطال دم المسلم ، ولترتبها على الشرائط التي هي أضعف من ذلك ، كحفر البئر ونحوه ، هذا كله إذا لم يوجد ما يعيش به.

أما مع وجوده ولو من شاة أو مراضع متعددة يتناوبن عليه أو نحو ذلك فالظاهر أن له القصاص وإن قيل استحب له الصبر لئلا يفسد خلقه‌

٣٢٣

ونشوؤه بالألبان المختلفة ، بل ربما احتمل العدم لذلك حتى لو وجدت مرضعة راتبة ، لأن لبن أمه أوفق بطبعه وإن كان فيه منع واضح حتى مع القول بمثله في الحدود التي مبناها التخفيف ، بخلاف حقوق الناس التي لا يجوز تأخيرها مع طلب أهلها بمثل هذه الاعتبارات.

وإلى ذلك كله أشار المصنف بقوله ( وهل يجب على الولي الصبر حتى يستقل الولد بالاغتذاء؟ قيل : نعم دفعا لمشقة اختلاف اللبن ، والوجه تسليط الولي إن كان للولد ما يعيش به غير لبن الأم ، والتأخير إن لم يكن ) ما يعيش به وإن كنا لم نجد القائل المزبور ، نعم ذكره غير واحد احتمالا.

ولو طلب الولي المال من الحامل أو ذات الولد الرضيع لم يجب عليها إجابته كغيرها.

وكذا لا يجوز أن يقتص من الحامل في الطرف حذرا من موتها بالسراية فيهلك ولدها أو سقوط الحمل بألمها ، بل لا يجوز القصاص منها بعد الوضع أيضا ما لم يوجد المرضع أو يستغني الولد بالغذاء حذرا من السرية إلى نفسها.

( ولو قتلت المرأة قصاصا فبانت حاملا فالدية على ) الولي ( القاتل ) لها بدون إذن الحاكم ، بل ومع إذنه مع علمهما بالحال أو جهلهما أو علم القاتل دون الحاكم ، لأنه المباشر ، وأما الإثم فعلى من علم منهما.

هذا وفي المسالك وجهان آخران في صورة علمهما : أحدهما ضمان الحاكم ، لأن الاجتهاد والنظر إليه ، والبحث والاحتياط عليه ، وفعل الولي صادر عن رأيه واجتهاده ، فهو كالآلة ، والثاني الضمان عليهما بالسوية ، لأن الأول مباشر وأمر الحاكم كالمباشرة فيشتركان في الضمان.

وهما معا كما ترى ، بل تعليل الأول منهما لا يناسب فرض علمهما بالحال.

٣٢٤

ثم قال فيها أيضا : « وكذا الوجوه الثلاثة في صورة جهلهما بالحال » ولا يخفى عليك ما في الأخيرين أيضا ، ضرورة قوة المباشرة على غيرها ، وكذا ما عن التحرير من كون الدية في بيت المال مع جهلهما.

وأغرب من ذلك احتمال الوجهين في الحاكم أيضا مع جهله ( و ) علم الولي المباشر ، لتقصيره في البحث ، فيشارك المباشر أو يختص ، إذ هو واضح الضعف بل الفساد.

نعم ( لو كان المباشر جاهلا به وعلم الحاكم ضمن الحاكم ) الآذن في القصاص للغرور ، مع أنه احتمل فيه ضمان المباشر لقوة المباشرة ، بل هو الذي يقتضيه إطلاق المحكي عن المبسوط إلا أنه واضح الضعف مع فرض استناد المقتص إلى حكم الحاكم بأنها خلية.

ثم ضمان الدية على الولي حيث يكون في شبه العمد من ماله ، وفي الخطأ المحض على العاقلة ، وضمان الحاكم مع الخطأ المحض على بيت المال ، وفي العمد في ماله.

ولو لم يعلم الحاكم بالحمل فأذن ثم علم فرجع عن الاذن ولم يعلم الولي برجوعه فقتل ففي المسالك بني على ما إذا عفا الولي عن القصاص ولم يعلم الوكيل ، وقد تقدم. قلت : المتجه كونه على المباشر أيضا ، إذ هو كالجاهلين ، والله العالم.

المسألة ( التاسعة : )

( لو قطع يد رجل ثم قتل آخر قطعناه أولا ثم قتلناه ) جمعا بين الحقين ( وكذا لو بدأ ) الجاني ( بالقتل ) ثم القطع ( توصلا إلى استيفاء الحقين ) فان سبق ولي المقتول فقتله أساء واستوفى حقه‌

٣٢٥

ولا ضمان عليه ، وأخذت دية اليد من تركته بناء على وجوب الدية في مثله ، فتأمل.

( ولو سرى القطع في المجني عليه والحال هذه ) فان كان قبل القصاص تساوى وليه وولي المقتول في استحقاق القتل ، وصار كما لو قتلهما ، وقد سبق حكمه ، وإن كانت السراية بعد القصاص ففيه أقوال : أحدها ـ وهو المحكي عن المبسوط ـ أنه ( كان للولي ) أي ولي المقطوع ( نصف الدية من تركة الجاني ، لأن قطع اليد بدل عن نصف الدية و ) الثاني ما ( قيل ) من أنه ( لا يجب ) له ( في تركة الجاني شي‌ء ، لأن الدية لا تثبت في العمد إلا صلحا ) والفرض عدمه ، والقصاص قد فات محله ، والثالث الرجوع بالدية أجمع ، لأن للنفس دية على انفرادها ، والذي استوفاه في العمد وقع قصاصا ، فلا يتداخل ، وفي المسالك اختار هذا العلامة في التحرير ، وهو متجه ، بل في كشف اللثام أنه المشهور ، قلت : المتجه الوسط للأصل وغيره.

( ولو قطع يديه فاقتص ) منه ( ثم سرت جراحة المجني عليه جاز لوليه القصاص في النفس ) لوجود سببه ، ولا ينافيه القطع السابق الواقع عوضا عن بدله ، بل لا شي‌ء له عوضه بعد أن كان قد وقع قصاصا وإن كان لولا الاستيفاء لدخل في النفس كما هو واضح.

( ولو قطع يهودي يد مسلم فاقتص المسلم ثم سرت جراحة المسلم كان للولي قتل الذمي ) بلا رد ، لعموم الأدلة ( و ) لأن السراية جناية خارجة لم يقع بإزائها قصاص ، نعم ( لو طالب بالدية ) ففي المبسوط ( كان له دية المسلم إلا دية يد الذمي ، وهي أربعمائة درهم ) عوض اليد التي استوفاها وكانت تدخل في النفس لو لم تستوف ، ولو كان القصاص في اليدين معا وطلب الدية كانت له إلا ثمان مائة درهم.

٣٢٦

( وكذا ) قال أيضا في ما ( لو قطعت المرأة يد رجل فاقتص ثم سرت جراحته كان للولي القصاص ) في النفس بلا رد ( و ) لكن ( لو طالب بالدية كان له ثلاثة أرباعها ) والربع الآخر عوض اليد التي استوفاها ، وعن العامة قول بنقص نصف الدية بناء على أنه باقتصاص يد اليهودي والمرأة رضي أن يكون ذلك عوضا عن يده.

( ولو قطعت يديه ورجليه فاقتص ) منها ( ثم سرت جراحاته كان لوليه القصاص في النفس ) بلا رد لما عرفت. ( و ) لكن ( ليس له ) المطالبة بـ ( ـالدية ) هنا ( لأنه استوفى ما يقوم مقام الدية ) وكذا قال أيضا في رجل قطع يدي رجل فاقتص منه ثم سرت كان لوليه القصاص دون الدية التي استوفى ما يقوم مقامها ، ثم قال : « وليس ها هنا قتل أوجب قودا ، ولا يعفى عنه على مال إلا هذه المسألة ».

( و ) لكن في المتن وغيره ( في هذا كله تردد ، لأن للنفس دية على انفرادها ) أوجبتها السراية التي هي جناية أخرى ( وما استوفاه وقع قصاصا ) عن جناية غيرها ، فلا يقوم مقام شي‌ء منها فضلا عنها ، وظاهرهم التوقف في خصوص ذلك ، مما ذكره الشيخ دون غيره ، مع أنه قد يتوقف في ما ذكره في الذمي الذي قد عرفت أنه بقتله المسلم يدفع هو وماله للمسلم ، فان شاء استرقه وإن شاء قتله ، بل قد يتوقف أيضا في ما ذكره من الدية التي عرفت أنها لا تجب إلا صلحا ، فقد تزيد وقد تنقص وقد تساوى ، فما ذكره من النقصان المزبور ـ الظاهر في تسلط الولي على الدية قهرا على الجاني ولكن ليست تامة ، بل لا بد من تنقيصها المقدار ـ كما ترى.

بل قد يتوقف أيضا في القصاص من غير رد شي‌ء بعد أن بان أن ما استوفاه من قطع اليد قد وقع في غير محله باعتبار السراية المقتضية‌

٣٢٧

لدخول قصاص الطرف في النفس وكذا الدية ، فلا بد مع إرادته القصاص أن يرد دية اليد التي قد بان أن استيفاءها كان في غير محله.

وبه يتضح نقصان ديتها من الدية لو أرادها ، خصوصا بعد ما عرفته هناك من عدم الفرق بين القصاص والدية ، فتدخل دية الطرف في دية النفس حيث يدخل قصاصه في قصاصها ، والفرض في المقام أن القطع الأول قد سرى فيدخل الطرف فيه قصاصا ودية بخلاف يد زيد التي بان أن قطعها قد كان في غير محله ، فلا بد من دية لها لعدم دخولها في الاقتصاص منه ، ولو قلنا بعدم الدخول اتجه عدم نقصان الدية ، فقول الشيخ بنقصان الدية دون الرد في القصاص منه لا يخلو من تدافع.

لكن قد يجاب عن الأول بإمكان القول بأن دفع الذمي وماله إلى المسلم باختياره ، فان لم يختر ذلك وأراد معاملته معاملة غيره كان له.

ولكن فيه أنه خلاف ظاهر دليله ، نعم قد يقال : إن المراد نقصان الأربعمائة درهم من ماله الذي يأخذه معه ، إلا أنه خلاف ظاهر العبارة المتضمنة وجوب دية المسلم عليه إلا ذلك ، فالأولى أن يقال : إن ذلك قد وقع من الشيخ في البحث مع العامة جريا على ما عندهم لا ما عندنا وإن تبعه عليه غيره غفلة عن حقيقة الحال.

وعن الثاني بإمكان فرضه بالعفو على ما يستحقه من الدية شرعا برضا المجني عليه وقلنا بصحة ذلك.

وأما التهاتر فلا بد من القول فيه بمنع الدخول مع فرض الاستيفاء ، فلا يكون واقعا في غير موقعه ، فيكون له القصاص بلا رد وله الدية تامة لا ناقصة كما ادعاه الشيخ ، ضرورة انفراد النفس بالدية التي جنايتها السراية دون القطع ، وهو جيد ، ولكن الظاهر عدم موافقته لكلام جماعة منهم في غير المقام ، فلاحظ وتأمل.

٣٢٨

المسألة ( العاشرة : )

( إذا هلك قاتل العمد ) ولو بدون تقصير منه بهرب ونحوه ولا تفريط بعدم التمكين ( سقط القصاص ) قطعا ( وهل تسقط الدية ) أيضا؟ ( قال في المبسوط : نعم ) وأنه الذي يقتضيه مذهبنا ( وتردد ) فيه ( في الخلاف ) ولكن عنه أنه استحسنه في آخر كلامه ، بل هو المحكي عن ابن إدريس والكركي وظاهر المختلف وغاية المراد ومجمع البرهان وغيرها ، لما عرفته من أن الواجب في العمد القصاص ، وأن الدية لا تجب إلا صلحا ، فالأصل حينئذ بل الأصول فضلا عن ظاهر الأدلة يقتضي ذلك.

ولكن في القواعد والإرشاد والتبصرة وجوبها في تركة الجاني ، بل قيل : إنه خيرة الخلاف في أول كلامه ، لقولهم عليهم‌السلام (١) : « لا يبطل دم امرء مسلم » ‌ولقوله تعالى (٢) ( فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) ولأنه كمن قطع يد رجل ولا يد له ، فان عليه الدية ، فكذا النفس.

إلا أن الجميع كما ترى ، ضرورة عدم اقتضاء ( عدم ظ ) بطلان دم المسلم بعد تسليم شموله للفرض كون الدية في تركة الميت التي هي للوارث الذي مقتضى الأصل براءة ذمته من ذلك ، والسلطان إنما هو على القتل لا على الدية ( و ) القياس على مقطوع الطرف مع وضوح الفرق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ والباب ـ ٤٦ ـ منها ـ الحديث ٢ والباب ـ ٢ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ١ والباب ـ ٨ ـ منها ـ الحديث ٣ والباب ـ ١٠ ـ منها ـ الحديث ٥ والباب ـ ٤ ـ من أبواب العاقلة ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

(٢) سورة الإسراء : ١٧ ـ الآية ٣٣.

٣٢٩

ليس من مذهبنا ، فلا دليل معتد به حينئذ يخرج به.

نعم ( في رواية أبي بصير ) الموثقة (١) المروية في التهذيب والكافي بتفاوت يسير ( إذا هرب فلم يقدر عليه حتى مات أخذت من ماله ، وإلا فمن الأقرب فالأقرب ) ‌قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه ، قال : إن كان له مال أخذت الدية من ماله ، وإلا فمن الأقرب فالأقرب ، فان لم يكن له قرابة آداه الإمام ، فإنه لا يبطل دم امرء مسلم » ‌ونحوه‌ خبر البزنطي (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام أو مرسله لعدم رواية البزنطي عن الباقر عليه‌السلام أو أن المراد بأبي جعفر هنا الجواد عليه‌السلام « في رجل قتل رجلا عمدا ثم فر فلم يقدر عليه حتى مات ، قال : إن كان له مال أخذ منه ، وإلا أخذ من الأقرب فالأقرب » ‌وفي الفقيه رواه كذلك بسند متصل إلى أبي بصير (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام.

وعلى كل حال فلا دلالة في شي‌ء منها على مطلق الهلاك ، ومن هنا كان المحكي عن أبي على وعلم الهدى والشيخ في النهاية وابن زهرة والقاضي والتقي والطبرسي وابن حمزة والكيدري وغيرهم الفتوى بمضمونه ، بل في غاية المراد والمسالك والتنقيح نسبته إلى أكثر الأصحاب تارة وإليهم أخرى ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد تبينه واعتضاده بالنصوص التي لا يحتاج الموثق منها إلى جابر ، وغيره مجبور بما عرفت ، بل وبالاعتبار ، لأنه بهربه أخذ بدفع الواجب عليه حتى تعذر ، فكأنه باشر التفويت ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب العاقلة ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

(٢) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب العاقلة ـ الحديث ١ وذكره في الفقيه ج ٤ ص ١٢٤ الرقم ٤٣٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب العاقلة ـ الحديث ٣ من كتاب الديات.

٣٣٠

فوجب عليه عوضه ، كما دل عليه‌

صحيح حريز (١) « سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل قتل رجلا عمدا فرفع إلى الوالي فدفعه إلى أولياء المقتول فوثب قوم فخلصوه من أيديهم ، فقال : أرى أن يحبس الذين خلصوا القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل ، قيل : فان مات القاتل وهم في السجن ، قال : فان مات فعليهم الدية » ‌وإشكاله بأنه لا يتم في من مات فجأة من دون تقصير بهرب ونحوه يدفعه ما ستعرفه من اختصاص الحكم عندنا بذلك.

وعلى كل حال فما في السرائر ـ من أن قول الشيخ غير واضح ، لأنه خلاف الإجماع وظاهر الكتاب (٢) والمتواتر من الأخبار (٣) وأصول المذهب ، وهو أن موجب قتل العمد القود دون الدية ، فإذا فات محله وهو الرقبة فقد سقط لا إلى بدل ، وانتقاله إلى مال الميت أو مال أوليائه حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي ، ولن نجده أبدا ، وهذه أخبار آحاد وشواذ أوردها شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا ، وقد رجع عن هذا القول في مسائل خلافه وأفتى بخلافه ، وهو الحق اليقين ـ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

ولقد كفانا مئونة الجرأة عليه الفاضل في المختلف ، فإنه شدد النكير عليه في دعوى مخالفة الإجماع والمتواتر من النصوص وإن كان الظاهر إرادته ذلك بالنسبة إلى أصل إيجاب القود بقتل العمد لا في خصوص المسألة.

ومنه يعلم حينئذ ما في نسبة دعوى الإجماع على خلاف المختار ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨ وسورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب القصاص في النفس.

٣٣١

نعم ما فيه من دعوى رجوع الشيخ عن ذلك في الخلاف ليس في محله ، ضرورة كون الشيخ مترددا أو مائلا إلى العدم أولا ، وثانيا في غير مفروض المسألة كما عرفت ، لا في ما نحن فيه من الهرب حتى مات ، ودعوى عدم الفرق بين الموضوعين واضحة المنع.

ومنه يعلم ما في عنوان غير واحد من المتأخرين المسألة بمن هلك ونحوه ، خصوصا الشهيد في اللمعة فإنه قال : « ولو هلك قاتل العمد فالمروي أخذ الدية من ماله وإلا فمن الأقرب فالأقرب » مع أنه صرح في غاية المراد بنسبة تخصيص الحكم في الهارب حتى يموت إلى الروايات وأكثر كلام الأصحاب ، بل الظاهر منها ذلك بالنسبة إلى الأقرب فالأقرب من الورثة الذي هو أيضا من معقد إجماع الغنية ، وما في المسالك من ان المتأخرين على عدمه لم نتحققه ، بل ادعى غير واحد الإجماع المركب على ذلك منهم ، ولا استبعاد في الحكم الشرعي ، خصوصا بعد أن كان إرثه لهم.

ودعوى أن ذكر الهرب والموت في بعض النصوص المزبورة (١) في سؤاله لا في الجواب ، بل خبر أبي بصير (٢) لا ذكر فيه للموت في السؤال فضلا عن الجواب ومن هنا جعل غير واحد العنوان الهالك يدفعه عدم استقلال في الجواب على وجه يخصصه ما في السؤال ، لكن قيل إن التعليل فيها بعدم بطلان دم المسلم يقتضي ذلك ، وفيه أنه ظاهر في كونه تعليلا لتأدية الامام عليه‌السلام له لا أصل الحكم ، ولعله لذا كان ظاهر الأصحاب الاقتصار على خصوص الهارب الميت ، نعم يمكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب القصاص في النفس والباب ـ ٤ ـ من أبواب العاقلة ـ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب العاقلة ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

٣٣٢

إلحاق غير الهرب من أحوال الامتناع به مع أن المسألة مخالفة لما عرفته من الأصل وغيره ، فيناسبها الاقتصار على المتيقن ، والله العالم.

المسألة ( الحادية عشرة : )

( لو اقتص من قاطع اليد ) مثلا ( ثم مات المجني عليه بالسراية ثم الجاني وقع القصاص بالسراية موقعة ) ضرورة كونه حينئذ كمن باشر قتله بعد موت المجني عليه. ( وكذا لو قطع يده ثم قتله فقطع الولي يد الجاني ثم سرت إلى نفسه ) فإنه أيضا قد وقع القصاص بها موقعه بلا خلاف أجده في شي‌ء منهما بين من تعرض لذلك كالشيخ والفاضلين والشهيدين بل في المسالك أنه لواضح.

لكن قد يقال : إن السراية على الجاني هدر ، ولذا لو مات وبقي المجني عليه لم يكن له شي‌ء إجماعا ، فلا تقوم مقام النفس المضمونة بالجناية وسرايتها ، فيحتمل أن يكون عليه نصف الدية ، لأنه استوفى ما يقوم مقام النصف الآخر ، أو الدية على المشهور ، فإنه لا ضمان للنفس إلا دية مستقلة كما في القواعد وإن لا يكون له شي‌ء لا لوقوع القصاص موقعه بل لفوات محل القصاص ، وقد يجاب بأن السراية وإن لم تكن مضمونة إلا أن يسند الفعل بسببها إلى المقتص فيصدق عليه أنه قتله بعد جنايته ، فتأمل جيدا ، فإنه دقيق.

( أما لو سرى القطع إلى الجاني أولا ثم سرى قطع المجني عليه لم تقع سراية الجاني قصاصا ، لأنها حاصلة قبل سراية المجني عليه فتكون هدرا ) لا قصاصا لكونها غير مضمونة بلا خلاف أجده بين من تعرض له‌

٣٣٣

من الشيخ والفاضلين والشهيدين ، إذ لا يكون القصاص سلفا.

وحينئذ فاحتمال كونه كالأول في الوقوع موقعه بل عن المبسوط حكايته عن بعض العامة ، لأنه كما لو قتله المجني عليه ثم سرى قطعه ، فإنه لا رجوع على تركة الأول بشي‌ء ، ولأنه جرح مماثل فلا يزيد حكم أحدهما على الآخر واضح الضعف ، ضرورة الفرق بين القتل والقطع ، فإنه مع القتل يصير جانيا بعد أن كان مجنيا عليه بخلاف القاطع قصاصا السائغ له ، فلا يقوم مقام القتل المتعقب له ، وتماثل الجرحين في الماهية لا يمنع من تخالفهما في بعض العوارض إذا حصل مقتضية ، وهو هنا موجود ، فان الجرح الأول سبب لإزهاق نفس معصومة فيجب ضمانها ، وليس الآخر بإزاء النفس ، بل بإزاء الطرف وسرايته غير مضمونة ، فتبقى النفس بغير عوض ، فليس حينئذ إلا ما سمعته أولا ، وكأنه صريح في ترتب الدية كلا أو بعضا على المجني عليه وإلا فلا فائدة في بيان عدم احتسابه قصاصا.

ولكن في المسالك « ثم على الأول هل يلزم الجاني شي‌ء أم لا؟ يبنى على ما تقدم من أن فوات محل القصاص هل يوجب الانتقال إلى الدية أم لا؟ فان لم نقل به فات ، وإن قلنا بالدية احتمل رجوع ولي المجني عليه على تركة الجاني بنصف الدية ، لأنه استوفى ما يقوم مقام نصف الدية وأن يرجع بمجموع الدية ، لأن ما استوفاه وقع قصاصا عن اليد قبل أن تدخل في النفس ، فإذا فاتت النفس على وجه مضمون وجب بدلها حيث فات محل القصاص بتمام الدية ، وقد تقدم القول في نظيره ».

قلت : قد تقدم بناء وجوب الدية في المقام ونظائره على المسألة السابعة التي هي فوات محل القصاص بعد تعلقه بخلاف ما لو حصل بوجه ولا محل له ، كمن قطع يد شخص ولا يد له المفروغ من ثبوت الدية له ،

٣٣٤

كما يقتضي به إرساله إرسال المسلمات ، والمقام منه. ولعل منه أيضا ما في كشف اللثام من أنه لو مات الجاني لا بالسراية ، فلم يقتص منه في النفس مع استحقاقه عليه فتؤخذ الدية من تركته على المشهور كلها ، وفي المبسوط نصفها لاستيفاء ما يقوم مقام النصف وإن أنكر بعض الناس عليه الشهرة إلا أنه في غير محله ، بل يمكن دعوى الاتفاق عليه ، فتأمل جيدا.

المسألة ( الثانية عشرة : )

( لو قطع يد انسان فعفا المقطوع ) عن يده ( ثم قتله القاطع فللولي القصاص في النفس ) لعموم أدلته لكن ( بعد رد دية اليد ) لأنه لا يقتل الكامل كمثل هذا بالناقص إلا بعد ذلك ، لما تسمعه من خبر سورة (١) وغيره ، لا للقياس على المرأة الذي هو باطل عندنا ، كما لا يؤخذ منه إلا دية الناقص والفرض أن المقطوع بعد عفوه صار كذلك ، وفي القواعد ذلك أيضا على إشكال ، ولعله مما سمعت ومن أن القتل بعد العفو عن القطع كالقتل بعد اندمال الجرح ، فللولي كمال الدية أو القصاص بلا رد ، بل في كشف اللثام هو عندي أقوى.

قلت : هو كذلك لو لا ما تسمعه من النص (٢) المعتضد بما ستعرف ، وكذا ما عن المبسوط من الفرق بين القصاص والدية ، فيقنص منه بلا رد بخلاف الدية ، ناسبا له إلى مذهبنا ، قال : أما القصاص فلأن قصاص الطرف لا يدخل في النفس ، بدليل أنه لو قطع يده فسرى إلى نفسه كان لوليه القطع والقتل معا ، فلما عفا عن القصاص في الطرف لم يدخل في قصاص النفس ، فكان له القصاص منها ، ويفارق الدية ، لأن أرش‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

٣٣٥

الطرف يدخل في بدل النفس بدليل أنه لو قطع يده فسرى إلى نفسه كان فيه دية النفس لا غير ، ولم يستحق دية اليد ودية النفس أيضا ، فلهذا دخل أرش الطرف في دية النفس ، فأوجبنا عليه نصف الدية ، فبان الفصل بينهما » إذ هو كما ترى دليله عين دعواه وإن حكى عن الفخر خاصة موافقته على ذلك ، وقد عرفت سابقا تحقيق الحال في دخول الطرف في النفس ، والفرق بين الضربة الواحدة والمتعددة.

وأضعف منه ما حكاه فيه أيضا وجهان من احتمال نفي القصاص رأسا وثبوت نصف الدية ، أما سقوط القصاص فلأن القتل بعد القطع بمنزلة السراية ، فهو كالجناية الواحدة عفا عن بعضها ، فيسقط القصاص عن جميعها ، وأما نصف الدية فلأن العفو قد استوفى بعضها ، وظني أنه للعامة الذين هم محل هذه الخرافات ، وإلا فأصحابنا أجل من ذلك ، وإن تبعه في حكايته احتمالا في غاية المراد والمسالك ، لكنه واضح الفساد مخالف للكتاب والسنة والإجماع ، ضرورة إزهاقه نفسا مكافئة معصومة ، وهو عنوان القصاص ، والعفو عن القطع لا يقتضي العفو عن القتل أو قطع آخر ، وليس هو إلا كقتل شخص آخر له ، نعم لو مات بسراية ما عفا عنه أمكن ذلك إذا ظهر منه العفو عن جميع ما يترتب على الجرح ، كما هو واضح.

كل ذلك مضافا إلى‌ المرسل (١) « في رجل شج رجلا فوضحه ثم طلبها منه فوهبها له ثم انتفضت به فقتله ، فقال : هو ضامن للدية إلا قيمة الموضحة ، لأنه وهبها ولم يهب النفس » ‌وحينئذ فالتحقيق ما سمعته من النص المعتضد بما تسمع الذي به يخرج عن مثل قوله تعالى (٢)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ديات الشجاج والجراح ـ الحديث ١.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

٣٣٦

( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) لو كان فيه منافاة للرد ، كما أن منه يظهر الفرق بين فاقد اليد خلقة وبين العافي عن يده.

( وكذا لو قتل مقطوع اليد قتل بعد أن يرد عليه دية يد ) لكن ( إن كان المجني عليه أخذ ديتها أو قطعت في قصاص ، ولو كانت قطعت في غير جناية ولا أخذ لها دية قتل القاتل من غير رد ، وهي ) ‌

رواية سورة بن كليب (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ قال : « سئل عن رجل قتل رجلا عمدا وكان المقتول أقطع اليدين ، فقال : إن كانت قطعت في جناية جناها على نفسه أو كان قطع يده وأخذ دية يده من الذي قطعها فأراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدوا إلى أولياء قاتله دية يده التي قيد منها ويقتلوه ، وإن شاؤوا طرحوا عنه دية يده وأخذوا الباقي ، قال : وإن كان يده قطعت من غير جناية جناها على نفسه ولا أخذ لها دية قتلوا قاتله ولا يغرم شيئا ، وإن شاؤوا أخذوا دية كاملة ، هكذا وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام ».

وهي صحيحة إلى سورة ، وأما هو فقد يظهر من بعض النصوص حسن حاله (٢) بل قد يظهر من رواية الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عنه في عرق الحائض (٣) اعتمادها عليه ، فهي حسنة كما في المسالك ، مضافا إلى رواية الشيخ لها في التهذيب ، بل عمل بها ابن إدريس الذي لا يعمل إلا بالقطعيات ، بل لم نعرف من ردها صريحا إلا ما سمعته من الشيخ ، ويحكى عن الفخر ، نعم توقف فيه غير واحد.

مؤيدة مع ذلك بخبر الحسن بن الجريش (٤) عن أبي جعفر الثاني (ع)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) رجال الكشي ص ٣٢٢ (٢٤٠).

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١ والصحيح الحسن بن الحريش.

٣٣٧

الذي أشار المصنف إلى مضمونه بقوله‌ ( وكذا لو قطع كفا بغير أصابع قطعت كفه بعد رد دية الأصابع ) قال : « قال أبو جعفر الأول عليه‌السلام لعبد الله بن عباس : يا ابن عباس أنشدك الله هل في حكم الله اختلاف؟ قال : لا ، قال : فما ترى في رجل ضربت أصابعه بالسيف حتى سقطعت فذهب فأتى رجل آخر فأطار يده فأتي به إليك وأنت قاض كيف أنت صانع؟ قال : أقول لهذا القاطع : أعط دية كفه ، وأقول لهذا المقطوع : صالحه على ما شئت أو أبعث إليهما ذوي عدل ، قال : فقال له : جاء الاختلاف في حكم الله ، ونقضت القول الأول ، أبى الله أن يحدث في خلقه شيئا من الحدود وليس تفسيره في الأرض ، أقطع يد قاطع الكف أصلا ثم أعط دية الأصابع ، هكذا حكم الله عز وجل ».

ونحوه ما عن الكليني من المرسل (١) في باب شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها من كتاب الحجة من الكافي عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام وقد عمل به الشيخ والمصنف وغيرهما ، بل عن المبسوط أنه رواه أصحابنا ، بل في غاية المراد والمسالك عمل به الأكثر ، بل عن الخلاف والمبسوط الإجماع على أن من قطع ذراع رجل بلا كف كان للمجني عليه القصاص ورد دية ، بل عن الخلاف منهما نسبته إلى أخبار الفرقة أيضا ، بل عن الغنية الإجماع على أنه إذا كانت يد المقطوع ناقصة أصابع أن له قطع يد الجاني ورد الفاضل.

بل لم نعرف له رادا إلا ابن إدريس بناء منه على أصله ، فقال : « إنه مخالف لأصول المذهب ، إذ لا خلاف بيننا أنه لا يقتص العضو الكامل للناقص ـ إلى أن قال ـ : والأولى الحكومة في ذلك وترك القصاص‌

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٢٤٧.

٣٣٨

وأخذ الأرش » نحو ما سمعته من ابن عباس المخالف لقوله تعالى (١) : ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) وغيره ، والفاضل في المختلف وإن نفى البأس عنه لكن قال : « ونحن في هذه المسألة من المتوقفين » فانحصر الخلاف فيه خاصة بناء على أصله.

وحينئذ فضعف الخبر المزبور بسهل والحسن إن كان منجبر بما عرفت ، كما ان احتمال ضرب الأصابع فيه مفسر بخبر سورة (٢) السابق المراد من الأخذ فيه ما يشمل صورة العفو ولو باعتبار أنه أخذ للعوض الذي هو الثواب ، بل يظهر من غير المقام تنزيل العفو منزلة الأداء ، وبذلك كله تخصص العمومات إن قلنا بظهورها في عدم الرد ، وإلا فلا منافاة ، بل قد يظهر من الأخير أن ذلك هو مقتضى الجمع بين قوله تعالى (٣) : ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) « و ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) » (٤) وبين قاعدة الضرر والضرار والتساوي في الاقتصاص المبني على التغليب ، فيكون عاما لمحل الخبر وغيره ، فتأمل جيدا ، فإنه نافع جدا.

( ولو ضرب ولي الدم الجاني قصاصا وتركه ظنا ) منه ( أنه قتله وكان به رمق فعالج نفسه وبري‌ء لم يكن للولي القصاص في النفس حتى يقتص منه بالجراحة أولا ، وهذه رواية أبان بن عثمان ) (٥) ( عمن أخبره عن أحدهما) أنه‌ قال : « أتي عمر بن الخطاب برجل قتل أخا رجل فدفعه إليه وأمره بقتله ، فضربه الرجل حتى رأى أنه قتله ، فحمل إلى منزله فوجدوا به رمقا فعالجوه حتى برأ ، فلما خرج أخذه أخو المقتول ، وقال له : أنت قاتل أخي ولي أن أقتلك ، فقال له : قد قتلتني‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٥.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٤) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

٣٣٩

مرة فانطلق به إلى عمر فأمر بقتله ، فخرج وهو يقول : أيها الناس قد والله قتلني مرة فمروا به إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فأخبروه خبره ، فقال : لا تعجل عليه حتى أخرج إليك ، فدخل على عمر ، فقال : ليس الحكم فيه هكذا ، فقال : ما هو يا أبا الحسن؟ قال : يقتص هذا من أخي المقتول الأول ما صنع به ثم يقتله بأخيه ، فنظر أنه إن اقتص منه أتى على نفسه فعفا عنه وتتاركا ».

( و ) لكن ( في أبان ضعف ) بالناووسية ( مع إرساله السند ).

( و ) من هنا كان ( الأقرب ) عند المصنف وجميع من تأخر عنه ( أنه إن ضربه الولي بما ليس له الاقتصاص به ) كالعصا ونحوها ( اقتص منه ) إن كان الجرح مما فيه القصاص وأخذ أرشه إن لم يكن كذلك ( وإلا ) بأن اقتص منه بالسيف مثلا ولكن جرحه به جراحات ( كان له قتله ) ثانيا ( كما لو ظن أنه أبان عنقه ) بضربة ( ثم تبين خلاف ظنه بعد انصلاحه ، فهذا له قتله ولا يقتص من الولي ) بما وقع فيه من الضرب بالسيف ( لأنه فعل سائغ ) له ودمه هدر بالنسبة إليه ، بل صرح غير واحد بإمكان حمل الخبر المزبور عليه ، لعدم صراحته في الإطلاق ، مع كونه قضية في واقعة لا عموم فيها.

لكن فيه أنه مناف لما تقدم من أنه لو خالف المقتص الكيفية المذكورة في القصاص أثم ولا شي‌ء عليه ، لأنه مهدور الدم بالنسبة إليه ، بل قد يشكل إطلاقهم عدم الاقتصاص في الأول في صورة فعل الجاني بالأول كذلك.

ولذا قال في السرائر : « من قتل غيره فسلمه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه فضربه الولي ضربات وجرحه جراحات عدة فتركه ظنا منه أنه‌

٣٤٠