جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

استدان » قلت : يأتي مثله في الأول أيضا.

ولو قال الجاني : أنا استوفي له القصاص مني ولا أبذل أجرة احتمل عدم القبول ، لأنه للتشفي ، وإنما يحصل بالمستحق أو من ينوب عنه ، فصار كدافع المبيع إذا قال : أنا أتولى الكيل ولا أدفع أجرة ، فإنه لا يقبل منه ، لاحتمال الخيانة ، ويحتمل القبول لتعين الفعل والمحل والقصد إلى إتلافه عوضا عن المجني عليه ، ولا يتفاوت باختلاف الفاعل ، والفرق بينه وبين الكيل بعدم إمكان الخيانة فيه بخلافه ، ولو قال المستحق أعطوني الأجرة من بيت المال أو من مال الجاني وأنا استوفي بنفسي أجيب إليه ، لأنه عمل يستحق به الأجرة غير لازم عليه ، كما لو قال المشتري أو البائع أعطوني الأجرة لأكتال حقي من المبيع أو الثمن ، والله العالم.

( ولا يضمن المقتص ) في الطرف ( سراية القصاص ) بلا خلاف ولا إشكال ، للأصل و‌قول الصادق عليه‌السلام في خبر السكوني (١) : « من اقتص منه فهو قتيل القرآن » ‌وفي حسن الحلبي (٢) « أيما رجل قتله الحد أو القصاص فلا دية له » وسأله الشحام (٣) أيضا « عن رجل قتله القصاص هل له دية؟ فقال : لو كان لم يقتص من أحد » إلى غير ذلك من النصوص (٤) التي يمكن دعوى تواترها أو القطع بمضمونها.

( نعم لو تعدى ) في اقتصاصه بأن زاد في ماله مثلا ( ضمن ) أيضا بلا خلاف ولا إشكال ، لصدق الجناية حينئذ بغير حق ( فان قال : تعمدت اقتص منه في الزائد ) إن أمكن ( وإن قال : أخطأت أخذ منه دية العدوان ) هذا إذا لم يكن المستحق نفسا ، وإلا كما لو كانت الجناية قطع طرف سرى إلى النفس مثلا فاقتص الولي بقطع الطرف لكنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب القصاص في النفس.

٣٠١

تعدى حتى سرى إلى غيره أو النفس فلا ضمان ، لأنه مهدورة بالنسبة إليه ، وهو واضح.

( ولو خالفه المقتص منه في دعوى الخطأ كان القول قول المقتص مع يمينه ) لأنه أعرف بنيته وللأصل ، ولو ادعى حصول الزيادة باضطراب المقتص منه أو بشي‌ء من جهته ففي كشف اللثام قبل ولم يضمن ، وفيه ما لا يخفى.

( وكل من يجري بينهما القصاص في النفس يجري في الطرف ) للاشتراك في المقتضى والشرائط التي عرفتها سابقا المقتضية اتحاد حكم الجملة والأبعاض سواء اتفقوا في الدية أو اختلفوا ، لإطلاق الأدلة ، وإن كان لو اقتص من الكامل دفع إليه الفاضل ، وعن أبي حنيفة اشتراط التساوي.

( ومن لا يقتص له في النفس لا يقتص له في الطرف ) لما عرفته من اتحاد حكم الجملة والأبعاض نصا وفتوى ، والله العالم.

( وهنا مسائل : )

( الأولى : )

( إذا كان ) القتيل ( له أولياء ) كاملون ( لا يولى عليهم كانوا شركاء في القصاص ) على الوجه الذي قد عرفت البحث فيه سابقا (١) بالنسبة إلى اعتبار الاذن في استيفاء كل واحد له وعدمه.

( فان حضر بعض وغاب الباقون ) عن البلد أو عنه ( قال الشيخ ) في الخلاف ومحكي المبسوط ( للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية ) إن أرادوا نصيبهم منها ( وكذا

__________________

(١) راجع ص ٢٨٩ ـ ٢٩٠.

٣٠٢

لو كان بعضهم صغارا ) أو مجنونين ، بل عن الخلاف إجماع الفرقة وأخبارها عليه ، وعن المبسوط عندنا ، بل هو من معقد إجماع الغنية ، وهو واضح الوجه بناء على عدم اعتبار الاذن ، أما عليه فلعل وجهه ترتب الضرر على الحاضر أو الكامل بالتأخير الذي هو معرض زوال الحق ، وحبسه إلى أن يقدم الغائب ويبلغ الصبي ويفيق المجنون أو يموتوا فيقوم ورثتهم مقامهم أو يرضى الحاضر الكامل بالدية ضرر على القاتل وتعجيل عقوبة لا دليل عليه وإن احتمله الفاضل في القواعد مقدمة لحفظ حقوقهم وجمعا بين مصلحة التعيش والاستيثاق ، بل مقتضى إطلاقه ذلك وإن لم يرج إفاقة المجنون منهم ، إلا أنه كما ترى.

( وقال ) الشيخ فيهما أيضا ( لو كان الولي صغيرا ) أو مجنونا قتلت أمه مثلا ( وله ) ولي ( أب أو جد ) أو غيرهما ( لم يكن لأحد أن يستوفى ) القصاص ( حتى يبلغ ) الصبي أو يفيق المجنون أو يموتا ( سواء كان القصاص في الطرف أو النفس ) بل عن الخلاف منهما وظاهر المبسوط الإجماع عليه ، ولعله لعدم ثبوت الولاية على مثل ذلك مما لا يمكن تلافيه كالعفو عن القصاص ولو على مال والطلاق والعتق ، فهو على استحقاقه بعد الكمال.

( و ) لكن ( فيه إشكال ) لعموم الولاية مع المصلحة أو عدم المفسدة المقتضية للجواز ، كما هو المحكي عن الفاضل في الإرشاد وحجر القواعد ، وولده في الإيضاح هنا وفي الحجر ، والشهيدين في الحواشي والروضة والمسالك ، والكركي في حجر جامع المقاصد ، والكاشاني في المفاتيح وإن كنا لم نتحقق بعض ذلك ، كما لم نتحقق ما في الروضة من نسبة مراعاة المصلحة إلى الشيخ وأكثر المتأخرين ، وكذا ما عن لقطة التذكرة والتحرير والإرشاد وجامع المقاصد ومجمع البرهان والمسالك من‌

٣٠٣

جواز القصاص للإمام عليه‌السلام في ما إذا جنى على طرف اللقيط ، بل عن الأخير نسبته إلى الأكثر ، نعم هو الأقوى في النظر ، لما عرفته من عموم الولاية كتابا نحو قوله تعالى (١) ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى ) وغيره (٢) وسنة (٣).

( وقال ) الشيخ أيضا بناء على المنع ( يحبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون ) لما عرفته من الجمع بين الحقين وكونه مقدمة لحفظ حقوقهم.

( وهو أشد إشكالا من الأول ) وخصوصا في المجنون الذي لا ترجى إفاقته ، ضرورة كونه ضررا وتعجيل عقوبة لا دليل عليهما وأشد من ذلك إشكالا احتمال تجويز العفو على مال ثم تجويز القصاص للصغير ، كما هو واضح. وقد تقدم في كتاب الحجر (٤) واللقطة (٥) بعض الكلام في ذلك ، فلاحظ وتأمل.

المسألة ( الثانية )

قد عرفت أنه لا خلاف ولا إشكال في أن الأولياء ( إذا زادوا على الواحد فلهم القصاص ) على الوجه الذي تقدم ( ولو اختار بعضهم الدية وأجاب القاتل ) إلى ذلك ( جاز ) بلا خلاف ولا إشكال‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٠.

(٢) سورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١٥٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ و ١٦ ـ من أبواب عقد البيع من كتاب التجارة.

(٤) راجع ج ٢٦ ص ١٠٨.

(٥) راجع ج ٣٨ ص ١٩٠.

٣٠٤

( فإذا سلم ) ذلك إليه أو صار في ذمته على وجه ارتفع حقه من القصاص ( سقط القود ) عن الجاني بالنسبة إلى غيره أيضا ( على رواية ) متعددة فيها الصحيح وغيره لكنها في خصوص العفو.

( منها ) صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) سئل الصادق عليه‌السلام « عن رجلين قتلا رجلا عمدا وله وليان فعفا أحد الوليين ، فقال عليه‌السلام : إذا عفا بعض الأولياء درئ عنهما القتل وطرح عنهما من الدية بقدر حصته إن عفا ، وأديا الباقي من أموالهما إلى الذين لم يعفوا ».

و ( منها ) قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر إسحاق (٢) : « من عفا عن الدم من ذي سهم له فيه فعفوه جائز ، ويسقط الدم ، ويصير دية ، وترفع عنه حصة الذي عفا ».

و ( منها ) خبر زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجلين قتلا رجلا عمدا وله وليان فعفا أحد الوليين ، فقال : إذا عفا عنه بعض الأولياء درئ عنهما القتل وطرح عنهما من الدية بقدر حقه إن عفا ، وأديا الباقي من أموالهما إلى الذي لم يعف ، وقال : عفو كل ذي سهم جائز ».

وخبر أبي مريم (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في من عفا من ذي سهم ، فان عفوه جائز ، وقضى في أربعة إخوة عفا أحدهم ، قال : فتعطى بينهم الدية وترفع عنهم حصة الذي عفا ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ وفيه‌ « وطرح عنهما من الدية بقدر حصة من عفا ... ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٣ وفيه‌ « وطرح عنهما من الدية بقدر حصة من عفا ... ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

٣٠٥

وخبر أبي ولاد (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قتل وله أولاد صغار وكبار أرأيت إن عفا أولاده الكبار ، فقال : لا يقتل ، ويجوز عفو الأولاد الكبار في حصصهم فإذا كبر الصغار كان لهم أن يطلبوا حصتهم من الدية ».

وفي الفقيه « روى أنه إذا عفا واحد من أولياء الدم ارتفع القود » (٢).

والجميع كما ترى قد تضمنت العفو ، ولعل استدلال المصنف بها على الفرض بناء منه على عدم الفرق بين الأمرين ، لكن ينافيه الجزم بعد ذلك بعدم سقوط القصاص بعفو البعض الذي نسبه في المسالك وغيرها إلى الأصحاب ، وفي محكي الخلاف إلى إجماع الفرقة وأخبارها ، كما عن ظاهر المبسوط وغاية المرام وصريح الغنية الإجماع على المفروض أيضا مؤيدا بعدم العثور فيه على مخالف منا ، كما اعترف به غير واحد وإن كان قد يشعر به نسبة بعض له إلى الأشهر وآخر إلى المشهور ، بل قد يشعر ما في المتن من نسبته إلى رواية بنوع تردد فيه كنسبته إلى الرواية من الصدوق أيضا ، بل وفيه أيضا ( والمشهور أنه لا يسقط ، وللآخرين القصاص بعد أن يردوا عليه نصيب من فاداه ) لكنه في غير محله إذ قد عرفت أن النصوص المزبورة في صورة العفو التي لم يحك فيها خلاف ولا تردد المحمولة (٣) على التقية أو الندب أو على ما إذا لم يرد من يريد القود نصيب العافي من الدية إلى أولياء المقتص منه أو على درء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٥.

(٣) هكذا في النسختين الأصليتين ، والعبارة غير نقية ، وكلمة « المحمولة ... » صفة. للنصوص ، ولو كانت « محمولة ... » حتى تكون خبرا بعد خبر كان أولى.

٣٠٦

القتل في حصة العافي أو على رضا الباقين بحصتهم من الدية أو غير ذلك مما لا بأس به بعد إعراض الطائفة عنها ومعارضتها بغيرها مما هو أقوى منها من وجوه كما ستسمع.

وعلى كل حال فالمسألة مفروغ منها ، سواء دفع الجاني مقدار نصيب العافي من الدية أو أقل أو أكثر لم يسقط حق الآخر من القصاص بعد بذل مقدار نصيب الشريك من الدية إلى المقتص منه أو وليه ( و ) إن كان الذي بذله أزيد من ذلك ، كما صرح به غير واحد.

بل ( لو امتنع ) الجاني ( من بذل نصيب من يريد الدية جاز لمن أراد القول أن يقتص بعد رد نصيب شريكه ) من الدية إليه بلا خلاف ولا إشكال حتى على القول بعدم جواز المبادرة بدون إذن الشريك ، ضرورة سقوط حقه من القود بعد عفوه على الدية ، نعم لو لم يصرح بالعفو واقتصر على طلب الدية احتمل توقف استيفاء الآخر على الاذن منه على القول المزبور ، لأصالة بقاء حقه ، مع احتمال العدم أيضا لسقوطه بطلب الدية ، وعلى كل حال لو فعل لم يكن عليه إلا مقدار نصيب الآخر من الدية ، كما هو واضح.

( ولو عفا البعض ) مجانا ( لم يسقط القصاص ) بلا خلاف ( و ) لا إشكال فحينئذ ( للباقين أن يقتصوا بعد رد نصيب من عفا على القاتل ) بل لم أجد من تأمل أو تردد فيها وإن كانت النصوص المزبورة فيها ، بل الإجماع صريحا وظاهرا من غير واحد عليه ، مضافا إلى‌ صحيح أبي ولاد (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل قتله امرأة وله أب وأم وابن ، فقال الابن : أنا أريد أن أقتل قاتل أبي ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ وفيه‌ « عن رجل قتل وله ... ».

٣٠٧

وقال الأب : أنا أعفو ، وقالت الأم أنا آخذ الدية ، فقال عليه‌السلام : فليعط الابن أم المقتول السدس من الدية ، ويعطي ورثة القاتل السدس من الدية حق الأب الذي عفا وليقتله ».

وروى جميل بن دراج (١) عن بعض أصحابه يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام « في رجل قتل وله وليان فعفا أحدهما وأبي الآخر أن يعفو فقال : إن الذي لم يعف إن أراد أن يقتله قتل ، ورد نصف الدية على أولياء المقاد منه ».

ومنه يستفاد عدم وجوب تقديم ذلك في القصاص وإن كان ذلك ظاهر كثير من العبائر ، بل ربما كان في الصحيح الأول نوع إشعار به ، ولا ريب انه أحوط وإن كان في تعينه نظر وقد مر بعض الكلام في نظيره سابقا.

وكيف كان فلا إشكال في استحقاق القصاص للباقين ، نعم عن بعض العامة سقوطه وتعين الدية حينئذ ، وعليه ما سمعته من النصوص (٢) والله العالم.

المسألة ( الثالثة : )

( إذا أقر أحد الوليين أن شريكه عفا عن القصاص على مال لم يقبل إقراره على الشريك ) لأنه إقرار في حق الغير ( ولا يسقط القود في حق أحدهما ، وللمقر أن يقتل لكن بعد أن يرد نصيب شريكه ) من الدية ( فان صدقه فالرد له ، وإلا كان للجاني ، والشريك على حاله

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب القصاص في النفس.

٣٠٨

في شركته في القصاص ) ونحوهما عبارة القواعد والإرشاد ومحكي التحرير.

ولا يخفى عليك ما فيها أجمع من الغش ، وقد تنبه إلى بعضه في المسالك ، فقال : « وقوله : « والشريك » إلى آخره بعد تفصيله الرد على تقدير قتل الشريك إما مبنى على عدم وقوع القصاص أو يريد بشركة القصاص ما يشمل القود وأخذ عوض النفس اللازمة لاستحقاقه على تقدير فواته » ولم يتنبه إلى فرض موضوع المسألة الظاهر في كون الدعوى على الشريك أنه أسقط حقه من القصاص بالمال المؤدى له من الجاني أو من شريكه إن أراد القصاص ، فان ذلك يكفي في سقوط حقه من القصاص واستحقاقه الدية من الشريك إن أراد القصاص ، كما سمعته في صحيح أبي ولاد (١) وحينئذ فالمتجه في ذلك إذا فرض كونه قبل الاقتصاص دفع المقر مقدار النصيب للشريك مع التصديق ، ومع التكذيب يدسه في ماله وإن ظلم باستيفاء القصاص معه ، لا أنه يدفع للجاني أو وليه.

اللهم إلا أن يكون عوض مظلمة المقتص منه باقتصاصه منه بعد عفوه عنه بزعم المقر ، وليس على الجاني أو وليه في ذلك شي‌ء وإن لم يعلم صدقه ، لأنه مقر بالاستحقاق لهم نحو المقر لزيد مثلا بمال ، فان له أخذه وإن لم يعلم صدقه.

ولكن فيه أن الثابت للمقتص منه حينئذ بزعم المقر القصاص على الشريك العافي لا الدية ، وأيضا قد كان دفع النصيب من المقر ليستقل بالقتل ، فمع فرض اشتراكهما في استيفاء القصاص مباشرة منهما يتوجه عدم استحقاق النصيب المزبور على المقر لا للشريك ولا للمقتص منه.

وعلى كل حال يكون الغرض من المسألة بيان استحقاق النصيب من الدية وإن اشترك الوليان في استيفاء القصاص عملا بالإقرار وإن كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

٣٠٩

فيه ما عرفت ، لا أن المراد من موضوع المسألة العفو على مال بمعنى الصلح مع المقتص منه ، وإلا لوجب التعرض لتصديقه في ذلك وتكذيبه ودفعه المال إليه وعدمه بل وغير ذلك مما ينبغي التعرض له على التقدير المزبور ، فعدمه منهم دليل على عدم فرض موضوع المسألة كذلك.

ومنه يعلم ما في شرحها في المسالك بل وغيرها.

كما أن الظاهر فرضها قبل وقوع الاقتصاص من المقر كي يتجه ما ذكروه من الشركة في القصاص مع فرض عدم التصديق ، إذ حمله على إرادة ما يشمل أخذ العوض كما سمعته من المسالك في غاية البعد ، ولو فرض استقلال الشريك بالقصاص كان للمقر نصيبه من الدية على الشريك أو في مال الجاني أو على التخيير على البحث السابق ، وكذا لو كان المستقل فيه المقر بظاهر الشرع وفي الواقع ليس له إلا المال على المقر إن صدق في ما ذكره عنه ، بل الظاهر عدم التغرير عليه بمبادرته من دون إذن الشريك وإن قلنا به في غيره للشبهة بادعائه العفو على شريكه المسقط لمراعاة إذنه ، فتأمل جيدا ، فإن المسألة غير محررة في كلامهم ، مع أنه لا مدرك لها إلا القواعد العامة ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة : )

( إذا اشترك الأب والأجنبي في قتل ولده أو المسلم والذمي في قتل ذمي فعلى الشريك القود ) لعدم سقوطه عنه بعدم ثبوته على الآخر ، ضرورة كونه كعفو البعض الذي لا يسقط القصاص للآخر ( و ) لكن ( يقتضي المذهب أن يرد عليه الآخر نصف ديته ) لأنه شريك في القتل وإن لم يكن عليه قصاص من حيث كونه والدا أو مسلما ، إلا أن‌

٣١٠

ذلك لا يرفع ضمان النصف للمقتص منه الذي ليس عليه إلا نصف بمقتضى الشركة.

( وكذا لو كان أحدهما عامدا والآخر خاطئا كان القصاص على العامد بعد الرد ) على المقتص منه نصف ديته ( ولكن هنا الرد من العاقلة ) التي هي الضامنة للخطإ المحض ، نعم لو كان خطأ شبيها بالعمد كان الرد من الجاني.

( وكذا لو شاركه سبع ) ونحوه ممن لم يكن له أهلية الضمان ( لم يسقط القصاص ) عن الشريك ( لكن يرد عليه الولي نصف ديته ) بلا خلاف نجده في شي‌ء من ذلك عندنا نصا (١) وفتوى لبناء القصاص على التغليب ، فلا يسقط حينئذ عمن له شركة فيه وإن لم يستند القتل إليه ، نعم إن لم تكن شركة بأن كانت جناية العامد مثلا خدشة ونحوها مما لا أثر لها في القتل لم يكن إلا أرشها ، وكذا لو كان الآخر هو المستقل في القتل كما لو جرحه أحدهما وقطع رقبته آخر فان القصاص على القاطع لاستقلاله بالقتل.

وكأن المصنف أشار بذلك إلى خلاف بعض العامة ، فمنهم من قال في اشتراك العامة والخاطئ : إنه لا قود على أحدهما ، بل وكذا العمد وشبه العمد ، ومنهم من قال في شريك الأب : إنه لا قصاص على أحدهما ، ووافق في مسألة الخاطى والعامد ، ومنهم من ألحق شريك السبع بشريك الخاطى في نفي القصاص عنه ، كل ذلك منهم لقياس أو استحسان أو نحوهما مما هو معلوم البطلان عندنا ، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك (٢) فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ و ٣٤ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٢) راجع ص ٤٤.

٣١١

المسألة ( الخامسة : )

لا خلاف بيننا في أن ( للمحجور عليه لفلس أو سفه استيفاء القصاص ، لاختصاص الحجر ) عليهما ( بالمال و ) ذلك ليس منه حتى على القول بأن الواجب في العمد أحد الأمرين ، فإن ذلك لا يجعله ماليا ، بل لا يجب على الأول اختيار الدية ، إذ هو تكسب لا يجب عليه ، كما أنه ليس استيفائهما القصاص تصرفا ماليا كي يمنعا منه.

نعم ( لو عفا ) المفلس ( على مال ) أقل من الدية أو أكثر أو مساو ( ورضي القاتل قسمه على الغرماء ) كغيره من الأموال التي يكتسبها ، ولهما العفو مجانا فضلا عن العفو على الأقل من الدية بناء على المختار من عدم وجوب غير القود بقتل العمد ، أما على القول بأن الواجب أحد الأمرين فالمتجه عدم جواز عفوهما عن المال منهما كما هو واضح.

( ولو قتل وعليه دين فإن أخذ الورثة الدية صرفت في ديون المقتول ووصاياه ك‍ ) باقي ( ماله ) بلا خلاف معتد به ولا إشكال بل الإجماع بقسميه عليه ، كما يشهد له ملاحظة كلماتهم في المواريث والوصايا والحجر والرهن وغيرها.

قال عبد الحميد بن سعيد (١) : « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالا وأخذ أهله الدية من قاتله أعليهم أن يقضوا الدين؟ قال : نعم ، قلت : وهو لم يترك شيئا ،

__________________

(١) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الدين والقرض ـ الحديث ١ من كتاب التجارة وذكره في التهذيب ج ٦ ص ١٩٢ ـ الرقم ٤١٦.

٣١٢

قال : إن أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا الدين » ‌

ونحوه غيره (١) في الدلالة على أن الدية وإن أخذت صلحا حكمها حكم تركة الميت كما تقدم الكلام في المواريث (٢) وغيرها ، فلاحظ وتدبر كي تعرف أن القول بأنها لا تصرف في الدين شاذ غير معروف القائل ، وكذا القول بالفرق بين دية الخطأ فيقضى منها ديونه وبين دية العمد فلا تقضى ، وإن كان قد يشهد لهما بعض الاعتبارات ، إلا أنه كالاجتهاد في مقابلة النصوص والفتاوى والإجماع ، والله العالم.

( وهل للورثة استيفاء القصاص من دون ضمان ما عليه من الديون ) التي لا تركة عنده في مقابلها؟ ( قبل ) والقائل ابن إدريس ومن تأخر عنه ، بل عن ظاهر الأول أو صريحه الإجماع وإن كنا لم نتحققه : ( نعم تمسكا بـ ) ـالأصل والعمومات التي منها ( الآية ) (٣) وهي ( فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) وغيرها من الكتاب (٤) والسنة (٥) ( وهو أولى ) بل أصح ، ولا ينافي ذلك كون الدية تركة لو أخذت ، كما هو واضح.

( وقيل ) والقائل الشيخ في النهاية ( لا ) يجوز ، بل في غاية المراد حكايته عن أبي علي والقاضي وأبي الصلاح وابن زهرة والصهرشتي والكيدري وصفي الدين محمد بن معد العلوي ، بل في الدروس نسبته إلى المشهور ، بل عن الغنية الإجماع عليه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الدين والقرض ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

(٢) راجع ج ٣٩ ص ٤٤ ـ ٤٦.

(٣) سورة الإسراء : ١٧ ـ الآية ٣٣.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب القصاص في النفس.

٣١٣

( و ) كيف كان فـ ( ـهو مروي ) في‌ خبر أبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يقتل وعليه دين وليس له مال فهل للأولياء أن يهبوا دمه لقاتله؟ فقال : إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل ، فان وهب أولياؤه دمه للقاتل فجائز وإن أرادوا القود فليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدية للغرماء » ‌إلا أنه مع موافقته للعامة ضعيف لا يصلح للخروج عن عموم الأدلة وإطلاقها ، كما اعترف به المصنف في النكت ، بل عنه فيها نسبة قول الشيخ إلى الندرة.

وعن الطبرسي حمله على ما إذا بذل القاتل الدية ، فإنه يجب حينئذ قبولها ، ولا يجوز للأولياء القصاص إلا بعد الضمان ، فان لم يبذلها جاز القود من غير ضمان.

وفيه ـ مع أنه خرق للإجماع المركب ـ أنه لا فرق بين البذل وعدمه بالنسبة إلى عموم الأدلة ، نعم الخبر المزبور مختلف المتن باعتبار فرقه بين الهبة وبين القود ، فجوز للوارث الأول دون الثاني ، وهما معا مشتركان في تفويت حق الدين ، بل وباعتبار قوله عليه‌السلام فيه : « إن أصحاب الدين هم الخصماء » المناسب لتفريع عدم جواز الهبة.

كل ذلك مع أن المحكي عن أبي علي في المختلف أنه قال : « لا يجوز للأولياء العفو إلا إذا ضمنوا الدية » ونقلوا خلافه في المقام ، وليس ذلك إلا لاتحاد الحكم في المقامين.

ولكن عبارة النهاية لا تخلو من تشويش في الجملة ، قال : « لم يكن لأوليائه القود إلا بعد أن يضمنوا الدية عن صاحبهم ، فان لم يفعلوا لم يكن لهم القود ، وجاز لهم العفو بمقدار ما يصيبهم » ويمكن أن يريد عفوهم عن الزائد على مقدار الدين مما يصيبهم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الدين والقرض ـ الحديث ٢ من كتاب التجارة.

٣١٤

وبالجملة ما فيه من الفرق المزبور في غاية الإشكال ، خصوصا بعد ما عن المبسوط من « أن الذي رواه أصحابنا أنه لم يكن لوليه العفو على غير مال ولا القود إلا أن يضمنوا حق الغرماء ».

بل وبعد ما في‌ خبر أبي بصير (١) الآخر أيضا المروي في التهذيب والفقيه قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قتل وعليه دين وليس له مال فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دين ، فقال : إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل ، فان وهب أولياؤه دمه للقاتل ضمنوا الدية للغرماء وإلا فلا ».

بل و‌خبره الآخر (٢) المروي عن الفقيه أيضا عن أبي الحسن موسى ابن جعفر عليهما‌السلام « قلت له : جعلت فداك رجل قتل رجلا متعمدا أو خطأ وعليه دين ومال وأراد أولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل ، فقال : إن وهبوا دمه ضمنوا الدين قلت : فإنهم أرادوا قتله ، قال : إن قتل عمدا قتل قاتله وأدى عنه الامام الدين من سهم الغارمين ، قلت : فان هو قتل عمدا وصالح أولياؤه قاتله على الدية فعلى من الدين؟ على أوليائه من الدية أو على إمام المسلمين؟ قال : بل يؤدوا دينه من ديته التي صالح عليها أولياؤه ، فإنه أحق بديته من غيره » فإنه على العكس من الأول.

وبذلك يظهر لك عدم الوثوق بهذه النصوص وإن أمكن القول بأن ما دل منها على الضمان في خصوص القود مجبور بالشهرة المحكية في الدروس والإجماع المحكي في الغنية ، بل قد يقال بذلك أيضا في صورة العفو بناء على عدم الفرق بين المسألتين ، إلا أن الجرأة على مخالفة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢. وهو خبر علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى بن جعفر ٨ كما في الفقيه ج ٤ ص ٨٣.

٣١٥

العمومات المزبورة ـ المعتضدة بالأصل وببعض ما في النصوص المذكورة وبالشهرة المتأخرة ، بل وبما يظهر من نسبه المصنف ما في النهاية إلى الندرة من الشهرة المتقدمة التي يوهن بها إجماع ابن زهرة ـ في غاية الصعوبة ولا أقل من الشك ، وقد عرفت أن الأصل يقتضي العدم ، والله سبحانه هو العالم.

المسألة ( السادسة : )

( إذا قتل ) الواحد ( جماعة على التعاقب ثبت لولي كل واحد منهم القود ) بلا خلاف ولا إشكال لصدق سببه في كل واحد ( و ) حينئذ فـ ( ـلا يتعلق حق واحد بالآخر ) للأصل وغيره ، بل يتعلق حق الجميع به ، فان اجتمعوا على المطالبة فقتلوه مباشرة منهم أو وكلوا أجمع من يقتله فقد استوفوا حقوقهم بلا خلاف فيه بيننا بل ولا إشكال ، إذ ليس لهم عليه إلا نفسه ، لأن الجاني لا يجني على أكثر منها ، خلافا لعثمان البستي ( البثى خ ل ) فإنه قال : « إذا قتلوه سقط من الديات واحدة وكان لهم في تركته الباقي من الديات » ولا دليل عليه ، بل ظاهر الأدلة خلافه.

وإن لم يجتمعوا فهل الحق للسابق أو لمن تخرجه القرعة أو يكون لكل واحد منهم المبادرة إلى قتله؟ وجوه منشأها استحقاق السابق القصاص منفردا من غير معارض ، وكون السبب الموجب للقصاص هو قتل النفس المكافئة ، وهو متساو في الكل من غير فرق بين المتقدم والمتأخر فتتعين القرعة ، وأنه لا إشكال بعد فرض استحقاق كل منهم إزهاق نفسه مجانا ،

٣١٦

ولعل أقواها الأخير ، فلو اقتص المتأخر حينئذ بلا قرعة لم يكن عليه إساءة ولا تعزير بخلافه على الأولين ، وذلك ثمرة الوجوه ، إذ لا شي‌ء عليه غيرها قطعا ، ضرورة استيفائه حقه ، فان احتمال استحقاق القصاص للأول منهم دون غيره أو لمن أخرجته القرعة كذلك معلوم العدم نصا (١) وفتوى.

وحينئذ ( فإن استوفى الأول ) مثلا لسبقه أو بالقرعة أو لمبادرته ( سقط حق الباقين لا إلى بدل ) كما عن الشيخين وبني حمزة والبراج وسعيد وإدريس والشهيد ، بل عن المبسوط والخلاف الإجماع عليه ، لأن الواجب القصاص عندنا وقد فات محله ، والدية لا تجب إلا صلحا ، والفرض عدمه ، وثبوتها في من قتل وهرب ومات وفي من خلصه أولياء المقتول لدليله ، فلا يقاس عليه ذلك ، وليس المقام من اشتراك الأولياء في القصاص المقتضى لضمان المستوفي حصص الباقين كما عرفت ، ضرورة استحقاق كل منهم القصاص مستقلا لا مدخلية له في الآخر كما هو واضح. ولكن قال المصنف على تردد.

بل عن أبي علي والفاضل في الإرشاد وموضع من القواعد وولده في موضعين من الإيضاح والمقداد أن لغيره الدية ، لأن الجاني قد أتلف على كل واحد منهم نفسا كاملة لا تعلق لها بباقي النفوس المتلفة وإنما يملك الجاني بدلا واحدا ، فكان لمن لم يقتص الدية ، لتعذر البدل ، ولئلا يبطل دم امرء مسلم ، ولفحوى ما تسمعه لو قتله أجنبي أو مات ، ولأن الولي لو انفرد كان له القصاص أو العفو على الدية.

وفيه أنه وإن كان قد أتلف على كل واحد منهم نفسا كاملة إلا أنه لم يرتب الشارع عليه غير بذل نفسه ، لأن الجاني لا يجني على أكثر منها ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

٣١٧

وعدم بطلان دم المسلم ـ مع أنه لا يقتضي كونه على تركة الجاني ومعارض بالخبر المزبور المعتضد بالأصل وإجماعي الخلاف والمبسوط وغيرهما ـ يمكن تنزيله على غير الفرض الذي عرض له البطلان بفوات المحل ، وأما الأخير فواضح الفساد بناء على ما عرفت من عدم وجوب غير القود بقتل العمد ، وأن الدية إنما تثبت صلحا ، فإن أريد ثبوتها هنا كذلك فلا إشكال ، إلا أن المفروض خلافه ، كما هو واضح.

( ولو بادر أحدهم ) غير الأول ( فقتله فقد أساء ) بناء على ترجيح السابق عليه ( و ) لكن ( سقط حق الباقين ) أيضا ( وفيه الاشكال ) السابق بل الخلاف ( من تساوي الكل في سبب الاستحقاق ) ولكن ذلك لا يقتضي ثبوت الدية في مال الجاني بعد عدم تقصيره واستيفاء الحق منه وصيرورة المال بموته لوارثه ، ولا ضمان المستوفي لحقه الدية للباقين المعلوم عدمه هنا في مذهب الإمامية ، ضرورة عدم الاشتراك في حق القصاص الذي عرفت الكلام فيه سابقا.

وبذلك كله ظهر لك أنه لو عفا بعض المستحقين على مال أو بدونه كان للباقين القصاص من غير ضمان لشي‌ء ، وفي‌ صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) « سألته عن رجل قتل رجلين عمدا ولهما أولياء فعفا أولياء أحدهما وأبى الآخرون ، فقال : يقتل الذين لم يعفوا وإن أحبوا أن يأخذوا الدية أخذوها ».

ولا فرق في جميع ما ذكرناه بين قتل الواحد الجماعة دفعة بأن ألقى عليهم جدارا مثلا أو على التعاقب إلا في تقديم السابق في الاقتصاص وإلا فالقود أيضا ثابت لكل واحد منهم مستقلا ، وليس اتحاد السبب موجبا للاشتراك في القصاص المقتضي للضمان لو استوفى أحدهم ، كما هو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٣.

٣١٨

واضح ، وحينئذ فالبحث الأول جار بعينه.

ولو قتله أجنبي خطأ ففي القواعد كان للجميع الدية عليه بالسوية وأخذ ولي كل واحد منهم من تركته كمال حقه على إشكال ، وفيه ما لا يخفى وإن وافقه عليه الأصبهاني في شرحه لها ، ضرورة كون دية الخطأ من جملة التركة ، فالكلام في تعلق حق من له القصاص بعد فوات محله في غير المسألة المنصوصة هو الكلام السابق.

واحتمال القول إن الدية عوض الرقبة التي كانت مستحقة لهم فينتقل العوض إليهم نعم في التكملة الإشكال المزبور يدفعه عدم اقتضاء ذلك انتقال العوض ، إذ ليست هي مالا ، وإنما هي عوض شرعي يستحقه الوارث ، ولا دليل على انتقاله لمن يكون له القصاص ، وأولى من ذلك ما لو قتله أجنبي عمدا ودفع الدية صلحا مع الورثة ، اللهم إلا أن يكون إجماعا أو دليلا معتدا به في إثبات ذلك ، والله العالم.

المسألة ( السابعة : )

( لو وكل في استيفاء القصاص ) فإنه لا خلاف ولا إشكال في صحته ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما تقدم الكلام فيه في كتاب الوكالة (١).

وحينئذ ( فـ ) ـلو ( عزله قبل ) استيفائه ( القصاص ثم استوفى فان علم ) الوكيل بالعزل ومع ذلك استوفاه ( فعليه القصاص ) بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة تحقق عنوانه فيه ، نعم لو ادعى النسيان قيل : إنه لا يقتل وتكون الدية في ماله ، وفيه بحث.

__________________

(١) راجع ج ٢٧ ص ٣٨٢.

٣١٩

( وإن لم يعلم ) بالعزل ( فلا قصاص ) عليه ( ولا دية ) قطعا ، تمكن الموكل من إعلامه ولم يفعل أو لا ، بناء على عدم الانعزال إذا لم يبلغه العزل ، وكذا لو قلنا بتوقفه على الاشهاد والفرض عدمه ، أما على القول بالانعزال بمجرد العزل فلا قصاص قطعا ، لعدم تحقق عنوانه ، ولكن عليه الدية للمباشرة ، ويرجع بها على الموكل للغرور ، كما أن الموكل يرجع على ورثة الجاني على ما في كشف اللثام ومحكي التحرير ، ولا يخلو من نظر بل عن مجمع البرهان الظاهر أنه لا شي‌ء على الوكيل ، ولعله لأن السبب فيه أقوى من المباشر ولو ادعى الولي عليه العلم فالقول قول الوكيل بيمينه. هذا كله في العزل.

( أما لو عفا الموكل ) عن القصاص فان كان بعد استيفائه فلا حكم ، وكذا لو اشتبه ، لأصالة بقاء الحق وبراءة المستوفي عن القصاص والدية ، وإن كان قبله وقد علم به الوكيل واستوفاه فعليه القصاص.

وإن كان قد عفا ( ثم استوفى ) الوكيل ( ولما يعلم فلا قصاص أيضا ) لعدم العدوان ( و ) لكن ( عليه الدية للمباشرة ، ويرجع بها على الموكل لأنه غار ) كمن قدم الطعام المغصوب ، وكونه محسنا بالعفو لا ينافي ترتب حكم الغرور عليه خصوصا مع إمكان إعلامه بالعفو فلم يفعل ، بل ربما احتمل رجوع ورثة الجاني عليه ابتداء وإن كان فيه منع ، كمنع الفرق بين صورتي التمكن من الاعلام ولم يفعل وعدمه ، فيرجع عليه في الأولى دون الثانية ، ضرورة ترتب الغرور على فعله مطلقا.

وعلى كل حال فاحتمال عدم وجوبها على المستوفي ـ لأنه عفا بعد خروج الأمر من يده فيكون لغوا كعفوه بعد خروج السهم من يده مثلا ولأن القتل يباح له في الظاهر فلا يتجه التضمين به ـ واضح الفساد ، إذ هما معا كما ترى ، ضرورة خروجه في الأول عن الاختيار دون القرض ،

٣٢٠