جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كونه تكليفا على الجاني لاحقا للولي عليه ، كما هو واضح.

وكيف كان ( فلو عفا الولي على مال لم يسقط القود ، ولم تثبت الدية إلا مع رضا الجاني ) عندنا خلافا لما سمعته من أبي علي من كونه أحد فردي التخيير الذي يسقط بالإسقاط ويبقى الآخر ، كما عن الشافعي وأحمد وجماعة من العامة من وجوب الدية بالعفو وإن لم يرض الجاني.

إنما الكلام في المراد من العفو على مال الذي اشتهر التعبير به ، فان كان المراد تعليق عفوه على الدية فلا ريب في بطلانه للتعليق وإن رضي الجاني بذلك ، وإن أريد به الشرطية الإلزامية في صيغة إنشاء العفو ـ كما هو مقتضى قول المصنف : « ولو عفا » ولم يشترط ـ فهو مبني على لزوم الشرط في الإيقاع مع رضا المشترط عليه ، وهو لا يخلو من بحث بل منع إلا في مثل الخلع ونحوه مما ثبت بالأدلة ، ولذا ذكر غير واحد أنه على المختار لا تثبت الدية إلا صلحا ، بل يمكن في الفرض المزبور حصول العفو وعدم لزوم الشرط على الجاني وإن كان الأقوى خلافه ، باعتبار اقتران قصد العافي بالمال ولو على جهة الشرطية الإلزامية ، ولذا قلنا في العقود إن بطل الشرط بطل العقد ، فتأمل جيدا ، فان مبنى صحة ذلك ولزومه على دعوى استفادته من الأدلة وإن كان لم يحضرنا منها ما يدل عليه بالخصوص ، نعم قد يقال : إن إطلاق النصوص (١) صحة العفو على مال ـ المنزل على ما إذا رضي الجاني ـ يدل عليه ، مؤيدا بإطلاق أدلة العفو الشامل للفرض وغيره.

( ولو عفا ولم يشترط المال سقط القود ، ولم تثبت الدية ) عندنا لما عرفته من أن الواجب القصاص ، فمع فرض سقوطه من دون اشتراط للمال لم يجب بعد شي‌ء ، رضي الجاني أو لم يرض ، أطلق العفو أو صرح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب القصاص في النفس.

٢٨١

ينفي المال ، لانحصار الحق في القصاص ، فإذا عفا فقد عفا عن كل ما وجب له ، فما عن العامة من القول بثبوت الدية مع إطلاق العفو واضح الفساد ، نعم يأتي ثبوت الدية على قول الإسكافي ، لعدم انحصار الحق عنده في القود الذي هو أحد فردي التخيير ، فسقوطه لا ينافي بقاء الآخر.

( ولو بذل الجاني القود لم يكن للولي غيره ) عندنا لما عرفت ( و ) لكن ( لو طلب الدية ) أو الأقل أو الأكثر ( فبذلها الجاني صح ) بلا خلاف ولا إشكال ( و ) أما ( لو امتنع لم يجبر ) على البذل كما في القواعد والإرشاد للأصل وغيره مما سمعته سابقا من تعلق الحق به ونحوه ، وحينئذ فاما أن يقتص منه أو يعفو عنه مجانا ، إذ لا يجب عليه إلا بذل نفسه كما في التحرير ، وهو صريح في ما ذكرناه من عدم وجوب حفظ النفس ، وإلا لاتجه جبره على ذلك مع امتناعه ، وعلى كل حال لا يجبر الولي على القبول لو بذل الجاني ولو أضعاف الدية بلا خلاف ( و ) لا إشكال.

نعم ( لو لم يرض الولي بالدية ) بل طلب الزائد ( جازت المفاداة بالزيادة ) ولو أضعاف الدية بلا خلاف ولا إشكال ، ولكن لا يجب بناء على ما عرفت من عدم الجبر الذي ذكره المصنف وغيره ممن سمعت ، بل لعل إطلاق المشهور وجوب بذلك النفس على الجاني يقتضي ذلك ، ضرورة أن المتجه عليه بناء على وجوب حفظ النفس عدم بذلها إلا مع الانحصار ، وهو معلوم العدم.

( ولا يقضى بالقصاص ) في النفس بسراية الجرح ( ما لم يتيقن التلف بالجناية ) ولو بالبينة العادلة أو الإقرار ( ومع الاشتباه يقتصر على القصاص ) أو الأرش ( في الجناية لا في النفس ) التي لم يثبت استحقاق القصاص فيها ، ضرورة أعمية الجناية من ذلك كما هو واضح.

٢٨٢

( ويرث القصاص من يرث المال ) كما عن المبسوط والسرائر في موضع منها والتحرير والمختلف والإرشاد والإيضاح واللمعة والمسالك والروض والروضة ، بل عن المبسوط نسبته إلى الأكثر ، بل قد يظهر من ابن فضال الإجماع عليه كما ستسمع ، من غير فرق بين الذكور والإناث المتقربين بأنفسهم أو بالذكور أو بالإناث ، لعموم أدلة الإرث من آية أولي الأرحام (١) وغيرها ، وإطلاق قوله تعالى (٢) ( فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) بناء على إرادة الوارث من الولي فيها وغيرها مما هو نحو من سائر نصوص القصاص.

( عدا الزوج والزوجة ، فان ) هما لا يستحقان قصاصا إجماعا بقسميه نعم ( لهما نصيبهما من الدية ) إن أخذت الدية صلحا مثلا ( في عمد أو ) أصلا في ( خطأ ) محض أو شبه العمد والعمد الذي يوجب الدية كقتل الوالد الولد ونحوه بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل لم أجد فيه مخالفا من العامة إلا من ابن أبي ليلى بناء منه على زوال الزوجية بالوفاة ، ولا ريب في فساده ، لما عرفت ، بل قد يعطيه عموم نصوص الإرث أيضا ، ولا ينافي ذلك ما في‌ خبر السكوني (٣) من أن أمير المؤمنين عليه‌السلام « لا يورث المرأة من دية زوجها شيئا ، ولا يورث الرجل من دية امرأته ولا الاخوة من الأم من الدية شيئا » ‌بعد ضعفه ولا جابر واحتماله التقية أو كون القاتل أحدهما خطأ.

( وقيل ) والقائل الشيخ في محكي النهاية والاستبصار ومختصر الفرائض ( لا يرث القصاص إلا العصبة دون الاخوة والأخوات من ) ‌

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ـ ٧٥.

(٢) سورة الإسراء : ١٧ ـ الآية ٣٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٤ من كتاب الفرائض.

٢٨٣

( الأم ومن يتقرب بها وهو الأظهر ) عند المصنف كما عن الشهيد في الحواشي ، بل عن الحلي في موضع من السرائر إن كلالة الأم لا ترث الدية ولا القصاص ولا القود بلا خلاف ، بل قيل : إنه قد يظهر من المقنعة والخلاف والكافي بناء على أن إرث القصاص مترتب على إرث الدية ، قلت : بل ينبغي على ذلك أن يكون خيرة غيرها أيضا ، لما ستعرفه من أن الأكثر أو المشهور على عدم إرث المتقرب بالأم لها لكن ستعرف إمكان الفرق بين القصاص والدية بما ستسمع.

( وقيل : ليس للنساء ) وإن تقربن بالأب ( عفو ولا قود ) ولكن لم أعرف القائل به وإن حكي عن المبسوط وكتابي الأخبار إلا أني لم أتحققه ، نعم عن المهذب والإيجاز وجنايات الخلاف أنه لا يرث الدية النساء ممن يتقرب بالأب كما لا يرثها من يتقرب بالأم مطلقا ، ومن المعلوم أولوية القصاص من ذلك ، فالعفو حينئذ منهن في غير محله ، وفي كشف اللثام حكاه الشيخ في المبسوط عن جماعة من الأصحاب ، ورواه‌ علي بن الحسن بن فضال بسنده عن أبي العباس (١) أنه قال للصادق عليه‌السلام : « هل للنساء قود أو عفو؟ قال : لا ، وذلك للعصبة » ‌قال علي بن الحسن : « هذا خلاف ما عليه أصحابنا » قلت : هو كذلك بل خلاف مقتضى الأدلة أيضا.

( وكذا يرث الدية من يرث المال ) من غير استثناء ، كما عن جراح المبسوط والخلاف في الميراث والوسيلة والمقتصر والمختلف والإرشاد في الجنايات والروض ، بل نسبه غير واحد إلى السرائر أو موضع منها وإن أطنب في الرياض في فساد هذه النسبة ، ولكن المثبت غير المنافي ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ الحديث ٦ من كتاب الفرائض.

٢٨٤

مع أن الأمر فيه سهل ، لعموم الأدلة وإطلاق موثقة عمار (١) وغيره وما عن العميدي من أن سنده الرواية فإن أراد المطلقة فهو حق وإن أراد رواية خاصة صريحة فلم نعثر عليها.

( و ) من هنا كان ( البحث فيه كالأول ، غير أن الزوج والزوجة يرثان من الدية على التقديرات ) كلها بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه ، إنما الكلام في غيرهما ، والكلام فيه كالكلام في القصاص عند المصنف.

بل حكي استثناء المتقرب بالأم هنا عن المقنعة والنهاية والخلاف والكافي والسرائر في الميراث وموضع من الجنايات والرسالة البصرية والتنقيح وتعليق النافع والمسالك وغيرها من كتب متأخري المتأخرين ، بل نسبه غير واحد إلى الأكثر ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، مضافا إلى ما سمعته من السرائر ، للنصوص المستفيضة التي فيها الصحيح والموثق وغيرهما.

ففي الأول (٢) « يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم إذا لم يكن على المقتول دية إلا الاخوة والأخوات من الأم ، فإنهم لا يرثون من ديته شيئا » ‌ونحوه آخران (٣) لكن بدون ذكر الأخوات فيهما.

وفي الموثق (٤) « لا يرث الاخوة من الأم من الدية شيئا ».

وفي الخبر (٥) « هل للاخوة من الأم من الدية شي‌ء؟ قال : لا » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١ من كتاب الفرائض وهو خبر إسحاق بن عمار كما تقدم في ج ٣٩ ص ٤٥ وأشار ( قده ) إليه أيضا في ص ٤٧ منه.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١ من كتاب الفرائض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٤ بطريقين ـ من كتاب الفرائض.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٥ من كتاب الفرائض.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٦ من كتاب الفرائض.

٢٨٥

إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة بما عرفت المتمم ما فيها من خصوص الاخوة والأخوات من الأم بعدم القول بالفصل وإن احتمله بعض ، وبأولويتهم من المتقرب بها من غيرهم ، لظهورها في العرف الذي هو المناط في حجيتها وإن كان قد يناقش في حجيته مثل هذه الأولوية ، ولعله لذا تردد فيها بعضهم ، إلا أن الأول كاف في إثبات المطلوب ، وبه يقيد ويخص إطلاق وعموم ما دل على إرث الجميع لها.

بقي الكلام في شي‌ء : وهو الجميع بين خيرة الأكثر هنا وبين خيرتهم إرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة الظاهر في عدم الفرق بين المتقرب بالأم وغيرها كما صرح به بعضهم ، بل وبين قولهم : إن الدية التي تثبت صلحا في القصاص يرثها من يرث المال مطلقا ، وليس إلا الفرق بين القصاص وديته وبين دية الخطأ وغيره مما تثبت فيه الدية أصالة ، بدعوى ظهور نصوص المقام فيها خاصة ، أو اقتصارا على ما خالف عموم أدلة الإرث وإطلاقه على المتيقن الذي عرفته دون القصاص والدية التي تثبت عنه. ومنه يعلم حينئذ عدم استفادة حكم إرث القصاص من حكمه في الدية بدعوى المساواة أو الأولوية الذي منه أفتى المصنف بما سمعت ، فتأمل جيدا ، فان كلامهم لا يخلو من تشويش ، وقد تقدم بعض الكلام في المسألة في كتاب المواريث (١) فلاحظ وتأمل.

( و ) كيف كان فـ ( ـإذا كان الولي ) للقصاص ( واحدا جاز له المبادرة ) من غير إذن الامام عليه‌السلام أو نائبه ، كما عن موضع من المبسوط واختاره الفاضل وولده والشهيدان وأبو العباس والمقدس الأردبيلي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل في المسالك نسبته إلى الأكثر ، وفي الرياض إلى أكثر المتأخرين بل عامتهم.

__________________

(١) راجع ج ٣٩ ص ٤٧ ـ ٤٨.

٢٨٦

وفي محكي الخلاف « لا ينبغي أن يقتص بنفسه ، لأن ذلك للإمام عليه‌السلام أو من يأمره بلا خلاف » وعن الغنية ولا يستقيد إلا سلطان الإسلام أو من يأذن له في ذلك ، وهو ولي من ليس له ولي ، إلى أن نفى الخلاف في ذلك كله ، وفهم منهما بعض الناس اعتبار الإذن مائلا إليه ، وهو القول الآخر المحكي عن المقنعة والمهذب وموضع آخر من المبسوط واختاره الفاضل في القواعد.

ولعل وجهه ما سمعته من الغنية والخلاف وما في بعض الأخبار من الاشعار ـ كما في الرياض ـ وهو‌ قول الباقر عليه‌السلام (١) : « من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل ولا جراحة » ‌وقريب منه غيره مؤيدا بالاحتياط وبما قيل من أنه يحتاج في إثبات القصاص واستيفائه إلى النظر والاجتهاد ، ولاختلاف الناس في شرائطه وفي كيفية استيفائه ، لخطر أمر الدماء.

وإن كان هو كما ترى ، ضرورة كون المفروض اعتبار الاذن بعد العلم بحصول مقتضى القصاص ، وعلم المستوفي بالشرائط عند مجتهده على وجه لم يفقد إلا الاذن ، والاحتياط غير واجب المراعاة عندنا ، ونفي الخلاف المزبور غير محقق المعقد ، لاحتمال إرادة الكراهة منه ، بل قيل : إنه الظاهر. قلت : خصوصا بعد أن كان المتجه المحكي عنه فيه عدم التعزير على ذلك ، ولو كان محرما وجب التعزير عليه ، وعلى تقديره فهو موهون بمصير أكثر المتأخرين إلى خلافه ، وبأنه ليس بحجة ، وكذا الكلام في معقد نفي الخلاف في الغنية الذي هو في نفسه غير موثوق به ولا بإرادة الإجماع منه على المطلوب ، بل قيل : إنه ظاهر في خصوص من اعتاد قتل العبيد وأهل الذمة الذي هو من الحدود لا القصاص ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٨.

٢٨٧

والاشعار المزبور بعد تسليمه لا يصلح للحجية ، فلا دليل حينئذ يعتد به في معارضة إطلاق الأدلة أو عمومها المقتضي كونه كالشفعة وغيرها من الحقوق التي لا يعتبر في استيفائها إذن الامام عليه‌السلام.

( و ) لكن مع ذلك ( الأولى ) والأحوط ( توقفه على إذن الامام عليه‌السلام ) خروجا عن شبهة الخلاف واحتياطا في الدماء ( و ) أما ما ( قيل ) من أنه ( تحرم المبادرة ) كما سمعته فلا دليل معتد به عليه ، بل ظاهر الأدلة خلافه.

( و ) على كل حال فليس المراد من الحرمة بناء على القول بها إلا أنه ( يعزر لو بادر ) وإلا فلا قصاص عليه ولا دية بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة أنه قد استوفى حقه وإن أثم بترك الاستئذان ، بل عن الشيخ في الخلاف نفي التعزير عنه أيضا ، وهو غير مناسب للحرمة ، فذلك قرينة منه على إرادة الكراهة من معقد نفي خلافه كما ذكرناه سابقا.

( و ) كيف كان ففي المتن وغيره أنه ( تتأكد الكراهة في قصاص الطرف ) ومنه يعلم ثبوت الكراهة بمخالفة الأولوية المزبورة ، والوجه فيهما ما عرفته من الخلاف في ذلك ، فيكون فعله شبهة منهيا عنها نهي تنزيه ، وخصوصا في الطرف المحكي عن المهذب والمقتصر الإجماع على توقف الاقتصاص فيه على الاذن وإنما الخلاف في النفس وإن كان التتبع لكلمات الأصحاب يشهد بخلاف الإجماع المزبور الذي يحتمل أنه استنبطه حاكيه من توهم كون قصاص الطرف من الحدود المعلوم توقفها على ذلك ، ولجواز التخطي فيه مع كون المقصود معه بقاء النفس بخلاف القتل ، ولكونه في معرض السراية ، ولئلا تحصل مجاحدة ، إلى غير ذلك مما يناسب شدة الكراهة في استيفائه بدون إذن الامام عليه‌السلام لا المنع ، إذ هي جميعا كما ترى ، فالإجماع المزبور حينئذ‌

٢٨٨

في غير محله ، والله العالم.

( وإن كانوا ) أي الأولياء ( جماعة لم يجز الاستيفاء إلا بعد الاجتماع ) مع الاذن من الامام عليه‌السلام على القول به عند الفاضل والشهيدين والمقداد والأردبيلي والكاشاني ، بل في غاية المرام أنه المشهور على معنى استيفائهم إياه أجمع ( إما بالوكالة ) لأحد خارج عنهم ( أو بالإذن لواحد ) منهم لا أن المراد ضرب كل واحد منهم إياه ، نعم قد يتصور في بعض الأفراد ضرب الجميع إياه بالسيف ضربة واحدة.

فإن وقعت المنازعة في الاذن لمن يستوفيه منهم وكانوا كلهم من القادرين على استيفائه أقرع ، ولو كان فيهم من لا يحسنه كالامرأة والمريض والضعيف فالأقرب إدخاله في القرعة أيضا ولو بأن يوكل في استيفائه.

( وقال الشيخ ) في المبسوط والخلاف ( يجوز لكل منهم المبادرة ، ولا يتوقف على إذن الآخر ) وهو المحكي عن أبي علي وعلم الهدى والقاضي والكيدري وابني حمزة وزهرة ، بل في مجمع البرهان نسبته إلى الأكثر ، بل عن المرتضى والخلاف والغنية وظاهر المبسوط الإجماع عليه ، بل عن الخلاف نسبته إلى أخبار الفرقة أيضا ، وهو الحجة بعد تأييده ببناء القصاص على التغليب ، ولذا إذا عفا الأولياء إلا واحدا كان له القصاص مع أن القاتل قد أحرز بعض نفسه ، وبأنه إذا جاز القصاص مع عفو الباقين وإحراز القاتل بعض نفسه فمع السكوت أو الجهل وعدم الإحراز أولى ، وبأن ثبوت السلطان للولي يقتضي تسلط كل واحد منهم على ذلك منفردا ، كما هو مقتضى الإضافة ، وإلا لم يتم له السلطان ، وبأن الباقين إما أن يريدوا قتله أو الدية أو العفو ، والفرض أن الأول قد حصل ، والدية مبذولة من القاتل ، والعفو باق في محله ، فان المقصود به المثوبة وهي موجودة ، وبأنه مخالف لما أجمع عليه العامة أو معظمهم الذين جعل الله‌

٢٨٩

الرشد في خلافهم ، وبأن اشتراك الحق المزبور ليس على حسب غيره من الأموال التي لا يجوز التصرف فيها بدون إذن الشريك ، بل المراد من اشتراكه أن لكل واحد منهم استيفاءه لا كونه بينهم على الحصص ، ولا أنه حق للمجموع من حيث كونه كذلك ، ضرورة عدم تعقل الأول ، ومنافاة الثاني لبقائه مع عفو البعض ، وغرم الدية إنما هو لدليله لا لاشتراكه ، بل لعل ذلك ظاهر كل ما يستفاد من كون القصاص لأوليائه من كتاب أو سنة بعد العلم بعدم إرادة المجموع من حيث كونه كذلك ، ولعله لذا نسبه في ما سمعته من الخلاف إلى أخبار الفرقة.

ومن ذلك يعلم ما في دليل الأول الذي هو الاشتراك في حق لا يقبل التبعيض ، فلا بد من اتفاق الجميع على استيفائه ، بل لا دليل لهم غيره ، إذ قد عرفت أن ذلك يقتضي استبداد كل واحد منهم نحو الخيار والشفعة الموروثين ، لا اعتبار الاجتماع في استيفائه الذي قد يترتب عليه ضرر لو كان الشريك غائبا أو قاصرا ، ولذا حكي عن ظاهر المبسوط الإجماع أيضا على عدم اعتبار الاذن فيه ، بل هو مندرج في معقد إجماع الغنية ، بل عن الخلاف دعوى إجماع الفرقة وأخبارهم عليه أيضا ، وستسمع الكلام فيه إن شاء الله.

ومن الغريب بعد ذلك كله معارضة ما سمعت بما عن غاية المرام من الشهرة التي إن لم تحتمل إرادة المتأخرة كانت خطأ قطعا ، مضافا إلى معارضتها بما سمعته من الأردبيلي من دعواها على خلافه ، بل وإلى ما يظهر من كلمات القدماء وإجماعاتهم من كون ذلك معلوما من مذهبهم في مقابلة العامة ، وأنه مفروغ منه عندهم حتى ردوهم بكونه مجمعا عليه عندنا ، فلو سلم اقتضاء قاعدة الشركة ذلك كان المتجه الخروج عنها ببعض ما عرفت فضلا عن جميعه.

٢٩٠

وحينئذ فلا إشكال في جواز الاستيفاء من دون إذن ( لكن يضمن ) حينئذ ( حصص من لم يأذن ) بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماعات المزبورة كلها عليه ، نعم قد يقال بظهورها في اعتبار الضمان قبل القتل ، إلا أن الأقوى كونه ضمانا شرعيا على معنى كون الاستيفاء المزبور من أسباب الضمان على المستوفي فلا وجه لاعتبار سبقه. هذا كله على المختار.

أما على الأول فيحتمل كونه كذلك وإن أثم ، بل هو الأقوى ، ضرورة عدم اندراجه في موضوع القصاص بعد أن كان من المستحقين له ، لكن مع ذلك احتمله الفاضل وتبعه غيره ، لأنه استوفى أكثر من حقه ، فهو عاد في الزائد على حقه فيترتب عليه القصاص ، بل قد يقال ـ بعد عدم جواز الاستيفاء له ـ إنه يكون كقتل الأجنبي له الذي لا ريب في ترتب القصاص عليه.

وحينئذ يتجه وجوب دية الأب المقتول أولا في تركة الجاني بناء على وجوبها كذلك بفوات محل القصاص ، لأنه لم يقع قتل الجاني قصاصا ، فيكون كما لو قتله أجنبي ، فإن اقتص وارث الجاني من الابن القاتل أخذ وارث المقتص منه والابن الآخر الدية من تركة الجاني وكانت بينهما نصفين ، وإن عفا على الدية فللأخ الذي لم يقتل نصف الدية في تركة الجاني ، وللأخ القاتل النصف أيضا ولكن عليه دية الجاني بتمامها ، ويقع الكلام في التقاص فقد يصير النصف بالنصف قصاصا ويأخذ وارث الجاني النصف الآخر ، وقد يختلف المقدر بأن يكون المقتول رجلا والجاني امرأة ، فيحكم في كل منهما بما يقتضيه الحال.

والأمر في ذلك سهل بعد سقوط ذلك من أصله على المختار ، ضرورة عدم القصاص عليه بعد أن كان مستوفيا لحقه ، وعدم صدق القتل ظلما عليه‌

٢٩١

وغير ذلك مما هو واضح ، ولا أقل من أن يكون شبهة دارئة عنه ذلك ولو لأجل الخلاف فيه ، قال الشهيد في غاية المراد : « ويتفرع على القولين التعزير لو قتل وعدمه ، أما القتل فالأقرب عندنا أنه لا يقتل لأنه مهدر بالنسبة إليه في بعضه ، ولأنه شبهة ، لتجويز علماء المدينة والشيخ استبداد كل وارث ، والخلاف في إباحة السبب شبهة ».

نعم في المسالك تبعا للقواعد في رجوع أخيه بالنصف المستحق له أوجه : أحدهما على أخيه القاتل ، لأنه المستوفي لحقه ، نحو ما إذا أودع إنسان وديعة ومات عن اثنين فأتلفها أحدهما من دون تفريط من المودع ، فإنه يختص بالرجوع عليه دون المودع. ثانيها الرجوع على تركة الجاني ، لأنه بتعديه في القتل صار كما لو قتل أجنبي ، فإن الرجوع حينئذ على تركة الجاني بفوات محل القصاص ، وفرق واضح بين ذلك وبين مسألة الوديعة بعدم ضمان الوديعة على المودع ، بخلاف نفس الجاني المضمونة عليه لو مات أو قتله أجنبي ، ولأنه لو كانت دية المقتول أولا أقل من دية القاتل بأن كان مسلما والجاني ذميا فقتله أحد ابني المسلم لأن له قتله وله استرقاقه فالواجب على الابن القاتل نصف دية الذمي ، والثابت لأخ القاتل نصف دية المسلم ، فان قلنا : إنه يأخذ حقه من أخيه لم يكن له أن يأخذ مجموع حقه ، فلا رجوع له حينئذ إلا على تركة الجاني وإن كان على المستوفي أن يؤدي إلى ورثة المقتول ما زاد على حقه وهو نصف ديته. وثالثها التخيير بين أخذ حقه من أخيه ومن تركة الجاني تنزيلا لهما منزلة الغاصب والمتلف من يده ، وهذا أقوى ، وهو الذي رجحه في القواعد وولده في الشرح ، ولكن إن رجع على تركة الجاني كان على المستوفي أن يرد على ورثته ما زاد على حقه ، وإن رجع على المستوفي وكان القاتل أقل دية من المقتول الأول كان للمستوفي أخذ الفاضل من تركة القاتل ».

٢٩٢

قلت : قد يقال : إن الثاني منهما مناف لما سمعته من الإجماع على ضمان الأخ حصص الباقين ، واحتمال إرادة تأدية المقتص له ولو إلي ورثة المقتص منه من الضمان خلاف الظاهر ، بل يمكن القطع بعدمه ، بل لعله مناف للثالث أيضا ، ضرورة تعلق الحق بذمته بعد أن كان مأذونا في الاستيفاء على الوجه المزبور ، بل لا وجه للرجوع على تركة الجاني بعد استيفاء تمام الحق منه على الوجه الشرعي كما هو المفروض.

على أنك قد عرفت أن الضمان المزبور على خلاف مقتضى القواعد وإنما كان لدليله المستفاد من حكم العفو وغيره مما سيأتي أو من الإجماع المحكي أو غير ذلك ، فيكون هو المتبع ، ومقتضاه تعلق ضمان الحصص بذمة المستوفي ، فتأمل جيدا.

وحينئذ فلو أبرأ أخاه بري‌ء ، بخلاف ما لو أبرأ وارث الجاني الذي لا حق له عليه ، نعم لو أبرأ وارث الجاني الابن القاتل من الدية إذا قلنا بثبوتها له عليه لم يسقط النصف الذي ثبت عليه لأخيه ، وأما النصف الثابت للوارث فيبني على أن التقاص هل يحصل في الديتين بنفس الوجوب أم لا؟ فان قلنا به فالعفو لغو ، لحصول السقوط ، وإن قلنا لا يحصل حتى يتراضيا صح الإبراء وسقط ما وجب للوارث على الابن القاتل من النصف في تركة الجاني ، وإن قلنا : إن حق الذي لم يقتل في تركة الجاني لا على أخيه فلوارث الجاني على الابن القاتل دية تامة ، وله في تركة الجاني نصف الدية ، فيقع النصف في التقاص ، ويأخذ وارث الجاني منه النصف ، وحينئذ فابراء الذي لم يقتل أخاه لاغ ، لأنه لا شي‌ء له عليه ، ولو أبرأ وارث الجاني صح ، ولو أسقط وارث الجاني الدية عن الابن القاتل فان قلنا يحصل التقاص بنفس الوجوب فقد سقط النصف كما وجب ، ويؤثر الإسقاط في النصف الآخر ، فلا يبقى‌

٢٩٣

لأحدهما على الآخر شي‌ء ، وإن قلنا : لا يقع التقاص إلا بالتراضي سقط حق الوارث بإسقاطه وبقي للابن القاتل نصف الدية في تركة الجاني ، كذا في المسالك ، ولا يخلو بعضه من نظر فتأمل جيدا.

( وينبغي للإمام عليه‌السلام ) ونائبه ( أن يحضر عند الاستيفاء شاهدين ) عارفين ( فطنين ) بمواقعة وشرائطه ( احتياطا ) في الدماء ( ولإقامة الشهادة إن حصلت مجاحدة ) بين المقتص وأولياء المقتص منه فيؤدي ذلك إلى أخذ الدية أو قضاء القاضي بعلمه مع احتمال اتهامه ، وقد عبر غير واحد بالاستحباب ، ويمكن أن يكون المراد مما في المتن ونحوه وإن كنا لم نعثر على أثر فيه بالخصوص ، وما سمعته أقصاه الإرشاد الذي يمكن منع كونه مستحبا مع عدم ورود الأمر به ، ولكن الأمر في الندب سهل للتسامح.

( و ) أن ( يعتبر الآلة لئلا تكون مسمومة ) مفسدة للبدن بتقطع ونحوه مما يحصل به هتك حرمته وتعسر غسله ودفنه ، ولا ريب في عدم وجوب الاعتبار للأصل وغيره.

نعم قد يظهر من المصنف وغيره ممن عبر كعبارته عدم جواز الاستيفاء بالآلة المسمومة ، وبه صرح في القواعد والمسالك ومحكي المبسوط ، ولكن لا شي‌ء عليه من دية أو غيرها إلا التعزير الذي صرح به في المبسوط قال : « لأنه بمنزلة جناية عليه بعد استيفاء القصاص ، فهو كما لو قتله ثم عاد فقطعه أو حرقه » ولكن عن موضع آخر منه بعد الحكم بأنه لا يقتص بالمسموم لعدم إمكان تغسيله ، قال : « إن مقتضى المذهب الجواز ، لأنه يغسل أولا ويكفن ثم يقام عليه القود ، ولا يغسل بعد موته ».

قلت : لكن ذلك لا يدفع هتك الحرمة الحاصل بالتهري ونحوه ،

٢٩٤

نعم لو لم يحصل ذلك منه عادة إلا بعد الدفن اتجه جوازه ، لعدم زيادة العقوبة وعدم هتك الحرمة فيبقى على إطلاق الأدلة. و ( خصوصا ) إذا كان قد قتل بها وإن كان الأولى العدم مطلقا ، هذا كله في قصاص النفس.

أما ( في قصاص الطرف ) فلا خلاف ولا إشكال في تحريمه.

لأن المقصود معه بقاء النفس ، والمسموم يجهز عليه غالبا ( و ) حينئذ فـ ( ـلو كانت ) الآلة ( مسمومة فحصلت منها جناية بسبب السم ضمنه ) الولي المباشر مع العلم بلا خلاف ولا إشكال ، فيدفع نصف الدية إليه ، لأن موته كان من أمرين : أحدهما مضمون والآخر غير مضمون ، أو يقتل بعد رد نصف الدية إليه ، نحو ما سمعته سابقا في ما لو جرح مرتدا فأسلم ثم جرحه آخر فمات من سراية الجرحين ، وكذا الحال لو سرى السم فجنى على عضو آخر ولم يؤد إلى الموت ، فإنه يضمن ما جنى عليه السم دية وقصاصا.

ومن ذلك كله يعلم ما في المسالك من أنه لا قصاص عليه لو مات به ، لأن تلفه من مستحق وغير مستحق فيجب عليه نصف الدية ، وأنه لو علم أن مثله يوجب الموت اقتص منه بعد أن يرد عليه نصف الدية.

ولو كان المستوفي غير الولي فالضمان على الولي إن دفع إليه الآلة المسمومة ، وهو لا يعلم ، ولو علم فكالولي. هذا ولكن في قواعد الفاضل « وإن كانت الجناية طرفا وحصلت جناية بالسم ضمنه المباشر إن علم ، وإلا فلا يضمنه إلا أن يكون هو الولي فيضمن ، أما غيره فالحوالة في الضمان على الولي إن دفع اليه آلة مسمومة ولم يعلم » ولعل وجه الفرق بينهما أن على الولي البحث عن حال السيف ، فهو مفرط بتركه ، وأما غيره فهو بمنزلة آلة له ليس عليه إلا استعمال السيف الذي تناوله ، قيل : وأما إن لم يكن السيف مما ناوله الولي إياه بل كان سيف نفسه أو تناوله‌

٢٩٥

من غيره فعليه البحث ، وعليه الضمان ، ولكن لا يخفى عليك ما في ذلك ، والله العالم.

( ويمنع من الاستيفاء بالآلة الكالة تجنبا للتعذيب ) بلا خلاف أجده‌ للنبوي (١) « إذا قتلتم فأحسنوا القتلة » ‌وللأمر باراحة الذبيحة وتحديد الشفرة للذبح (٢) ففي الآدميين أولى ( و ) لكن ( لو فعل أساء ) وعزر ( ولا شي‌ء عليه ) من دية ونحوها ، وظاهر الأصحاب أو صريحهم عدم الفرق في ذلك بين من قد قتل بالكال أو لا ، ولكن في المسالك بعد اعترافه بأن الأصحاب على ما سمعت احتمل جواز قتله بالكال حينئذ ، لعموم الأمر (٣) بالعقوبة المماثلة التي ستعرف الحال في نظائرها.

( ولا يقتص إلا بالسيف ، ولا يجوز التمثيل به ، بل يقتصر على ضرب عنقه ولو كانت جنايته بالتغريق أو بالتحريق أو بالمثقل أو بالرضخ ) وفاقا للأكثر كما في المسالك ، بل المشهور كما في غيرها ، بل عن المبسوط « عندنا » تارة « ومذهبا » أخرى ، بل عن الغنية « لا يستقاد إلا بضرب العنق ، ولا يجوز القتل بغير الحديد وإن فعل ذلك بلا خلاف » بل في التنقيح والروضة الإجماع عليه ، بل في محكي الخلاف إجماع الفرقة وأخبارهم على أنه إذا قتل غيره بما فيه القود من السيف والحرق والغرق والخنق أو منع من الطعام والشراب أو غير ذلك فإنه لا يستقاد منه إلا بحديدة ، ولا يقتل مثل ما قتله.

وهو الحجة بعد النهي في أخبار كثيرة عن المثلة به (٤) وأنها‌

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٨ ص ٦٠.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٨ ص ٦٠.

(٣) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ١٢٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب القصاص في النفس والمستدرك الباب ـ ٥١ ـ منها.

٢٩٦

لا تجوز في الكلب العقور (١) وأنها من الإسراف في القتل المنهي عنه (٢).

وخبر موسى بن بكير (٣) عن الكاظم عليه‌السلام « في رجل ضرب رجلا بعصا فلم يرفع العصا حتى مات ، قال : يدفع إلى أولياء المقتول ، لكن لا يترك يتلذذ به ، ولكن يجاز عليه بالسيف » ‌ونحوه حسن الحلبي (٤) ‌وصحيح الكناني (٥) « سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يقلع عنه حتى مات أيدفع إلى ولي المقتول فيقتله؟ قال : نعم ، ولا يترك يعبث به ، ولكن يجيز عليه » ‌ومثله من دون تفاوت صحيح سليمان بن خالد (٦) إلى غير ذلك من النصوص.

ولم نجد خلافا في ذلك إلا ما يحكي عن أبي علي من جواز قتله بمثل ما قتل مطلقا في رواية ، وإن وثق بأنه لا يتعدى في أخرى ، وربما حكي عن ابن أبي عقيل أيضا ، وعن الجامع أنه يقتص بالعصا ممن ضرب بها ، كل ذلك للآية (٧) و‌النبوي (٨) « من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه » وفي آخر (٩) « أن يهوديا رضخ رأس جارية بالحجارة فأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله فرضخ رأسه بالحجارة ».

نعم في المختلف بعد الاستدلال له بالآية « وهو وجه قريب » وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب القصاص في النفس والمستدرك الباب ـ ٥١ ـ منها.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١٢.

(٧) سورة البقرة : ـ ٢ الآية ١٩٤.

(٨) سنن البيهقي ـ ج ٨ ص ٤٣.

(٩) سنن البيهقي ـ ج ٨ ص ٤٢.

٢٩٧

المسالك « لا بأس به » وفي مجمع البرهان « الظاهر الجواز إن لم يكن إجماع ، والظاهر عدمه كما يفهم من شرح الشرائع » مع أنه قال في الروضة : « وهو متجه لولا الاتفاق على خلافه » قلت : بل ومع عدمه (١) ضرورة عدم الجابر للنبوي الأول (٢) المعارض بغيره من النصوص (٣) التي فيها النبوي وغيره ، والآخر (٤) قضية في واقعة في اليهودي ، والآية (٥) بعد خروج كثير من أفراد الاعتداء منها وما سمعته من النصوص وغيرها يجب حملها على إرادة المماثلة في أصل الاعتداء في القتل ، فلا ريب في ضعف القول المزبور وإن جنح إليه من عرفت.

بل الظاهر الاقتصار في الكيفية المزبورة على ضرب الرقبة ، كما هو الموجود في عبارات الأصحاب من المقنعة إلى الرياض ، فان ضرب بالسيف لا عليها فان كان عن عمد عزر ، ولكن لا يمنع بعد من الاستيفاء إن أحسنه ، وإن ادعى الخطأ صدق بيمينه إن كان قد وقع في ما يخطئ بمثله ، كما إذا وقع على الكتف ونحوه ، وإن كان بموضع لا يقع الخطأ بمثله كأن وقع بوسطه أو رجله لم يسمع وعزر ، ولكن على كل حال لا يمنع من الاستيفاء إن أحسنه ، خلافا لما عن بعض العامة فمنعه ، ولا ريب في ضعفه.

__________________

(١) هكذا في النسختين الأصليتين : المسودة والمبيضة ، والعبارة مشوشة ، والأولى هكذا‌ « قلت : بل لا يمكن الالتزام به مع عدمه » ‌أي عدم الإجماع والاتفاق ، ان قوله ( قده ) : « ضرورة عدم الجابر » ‌إلى آخره تمهيد لإسقاط القول بالجواز.

(٢) سنن البيهقي ج ٨ ص ٤٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب القصاص في النفس وسنن البيهقي ج ٨ ص ٦٣.

(٤) سنن البيهقي ج ٨ ص ٤٢.

(٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٤.

٢٩٨

وعلى كل حال فالأولى مراعاة الرقبة ، بل الأولى كونه بالسيف كما في أكثر العبارات وإن زيد في النافع ومحكي المبسوط « وما جرى مجراه » وعبر في محكي النهاية والخلاف والغنية بالحديد ، بل ظاهر الأصحاب اعتبار الضرب دون النحر والذبح ، نعم في الروضة تقييده بما إذا كان الجاني أبانه ، وإلا ففي جوازه نظر من صدق استيفاء ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (١) ومن بقاء حرمة الآدمي. قلت : لعل الأقوى الأول ، هذا وليعلم أنه لو خالف لم يترتب عليه غير التعزير في جميع ذلك.

ثم إن الظاهر استثناء القتل بالسحر الذي عمله محرم على قول ابن الجنيد ، وكذا القتل بالجماع قبلا ودبرا وبايجار الخمر ، وعن العامة قول بأنه إذا أوجره خمرا يوجره ماء حتى يموت ، ولو قتله باللواط اتخذ آلة شبيهة بآلة اللواط فيصنع به مثل ذلك حتى يموت مراعاة لما يمكن من المماثلة التي من المعلوم عدم وجوب مراعاتها من كل وجه كما عرفت ، ولكن لو فعل كذلك لم يكن عليه إلا الإثم دون الضمان ، لأنه مهدور الدم بالنسبة إليه ، نعم ستعرف الكلام في خصوص من جرح جراحات للاقتصاص حتى ظن أنه مات ثم بري‌ء.

وكذا لا ضمان أيضا على من اقتص من الملتجئ إلى الحرم وإن أثم لعموم آيات الأمن (٢) والإجماع ، كما عن الخلاف و‌قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) : « إن أعتى الناس على الله القاتل غير قاتله والقاتل في الحرم » ‌ولكن يضيق عليه في المطعم والمشرب إلى أن يخرج منه ثم‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٢٦ وسورة آل عمران ـ الآية ٩٧ وسورة إبراهيم : ٣٥ ـ الآية ١٤ وسورة القصص : ٥٧ ـ الآية ٢٨ وسورة العنكبوت : ٦٧ ـ الآية ٢٩.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٧.

٢٩٩

يستوفى منه.

بل عن النهاية والمهذب إلحاق مشاهدة الأئمة عليهم‌السلام بل لعله ظاهر المحكي عن السرائر أيضا ، ولا بأس به.

نعم لو جنى في الحرم اقتص منه فيه كما لم ير له حرمة ، والإحرام لا يقتضي التأخير ، لعدم الدليل.

ولو التجأ إلى بعض المساجد غير المسجد الحرام أخرج منه وأقيم عليه القود حذرا من تلويث المسجد ، فان طلب القصاص في المسجد تعجيلا كان له ذلك ومنع من التلويث ، بأن يفرش فيه الأنطاع ونحوه إن لم يحرم إدخال النجاسة مطلقا وإلا لم يجب إليه.

ولو هرب إلى ملك إنسان أخرجه الحاكم أو الولي بإذنه أو قلنا باستقلاله ، واستوفى منه خارجا مع عدم إذن المالك للمنع عقلا وشرعا من شغل ملك الغير من دون إذنه ، والله العالم.

( وأجرة من يقيم الحدود ) ويستوفى القصاص إذا لم يستوفه الولي ولا تبرع به ( من بيت المال ) لأنها من المصالح العظيمة المعد لها ( فان لم يكن بيت المال أو كان هناك ما هو أهم ) منه كالجهاد ( كانت الأجرة على المجني عليه ) دون المستوفي كما عن الخلاف ، لأنها من مئونة التسليم الواجب على الجاني فهي كأجرة الكيال الواجبة على البائع ، ولعل الأقوى وجوبها على المستوفي كما عن المبسوط ، لأنه عامل له ، فأجرته عليه ، وإنما على الجاني التمكين لا الفعل ، ولذا لو أراد أن يقتص من نفسه لم يمكن منه إلا بإذن الولي ، وعلى الأول ففي القواعد « إن لم يكن له مال فان كان القصاص على النفس استدان الامام على بيت المال ، وإن كان على الطرف استدان على الجاني » ولكن لا يخلو من نظر ، وفي كشف اللثام « وعلى قول المبسوط إن لم يكن للمستوفى مال‌

٣٠٠