جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ولا ريب في عدم حصولها على المعين منها للاشتراك ، فلا بد من أمارة أخرى على المعين حتى يكون لوثا ، وإلا فلا يكفي القدر المشترك ، إلا أن ذلك يقتضي الإشكال في المسألة السابعة التي حكموا فيها بسماع البينة على أحدهما لإثبات اللوث.

لكن قد يقال : إن ظاهر قضية عبد الله بن سهل التي هي الأصل في مشروعية القسامة بل وغيرها مما ذكر نصا (١) وفتوى من ثبوت اللوث في القرية والقريتين والمحلة والدار ونحو ذلك مما لوثه ليس إلا على القدر المشترك دون تعيين الاكتفاء بالقسامة على المعين بوجوده قتيلا في قليب من قبلهم مثلا أو في القرية أو في الدار ، بل هو صريح بعضها ، مع أن الأمارة قد كانت على أصل قتل اليهود له لا على رجل معين منهم ، فليس هو إلا للاكتفاء بالقدر المشترك.

ولعل ذلك هو الوجه في ما ذكروه في المسألة السابعة من ثبوت اللوث مع دعوى المدعى على المعين بعد إقامة البينة على أن القاتل أحدهما ، بل لعله هو الذي دعى الشيخ إلى التفصيل بين المثالين باعتبار ظهور النص في الأول بخلاف الثاني ، وإن كان قد يناقش بأن ذلك فيها مثال لحصول الأمارة الشاهدة بصدق المدعي من غير فرق في ذلك بين القاتل والمقتول ، وكأن المصنف وغيره لحظوا ذلك فذكروا التردد في الفرق ، فيكون المراد لهم أنه لوث فيهما لا أنه ليس لوثا فيهما فتأمل.

( ولا يشترط في اللوث وجود أثر القتل على الأشبه ) بأصول المذهب وإطلاق الأدلة ، بل لا أجد فيه خلافا بيننا إلا من أبي علي ، إذ قد يخلو القتل عن ذلك ، نعم عن أبي حنيفة اشتراطه ، فقال : إن لم يكن جراحة ولا دم فلا قسامة ، وإن كان جراحة ثبتت ، وإن لم يكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب دعوى القتل.

٢٤١

وكان دم فان خرج من أذنه ثبتت ، لا إن خرج من أنفه ، وهو كما ترى وإن حكى عن الشيخ في المبسوط أنه قواه.

( و ) كذا ( لا ) يشترط ( في القسامة حضور المدعي عليه ) كما في غير المقام من أفراد الحكم على الغائب ، خلافا لبعض العامة ممن لم ير الحكم على الغائب مطلقا أو في خصوص الدم في القسامة احتياطا فيه واستضعافا للوث ، وعن التحرير عدم القطع به ، بل جعله أقرب مشيرا إلى احتمال الاشتراط ، والأصح ما عرفت ، والله العالم.

( مسألتان : )

( الأولى : )

( لو وجد قتيلا في دار فيها عبده كان لوثا ) عندنا لإطلاق الأدلة ( و ) حينئذ فـ ( ـللورثة القسامة ) إذا ادعوا على العبد أنه القاتل عمدا أو خطأ ( لفائدة التسلط بـ ) ـذلك على ( القتل ، أو لافتكاكه بالجناية لو كان رهنا ) لتقدم حق الجناية على الرهن ، خلافا لبعض العامة ، فمنع من القسامة ، ولا وجه له لو أريد بها إثبات الأول ، أما الثاني فقد يشكل إن لم يكن إجماعا بعدم اندراج نحوه في روايات الاسترقاق الذي يتبعه بطلان الرهانة ، ضرورة ورودها في الجاني على غير المالك الذي لا يتصور في حقه استرقاق رقيقة ، فلاحظ وتأمل.

٢٤٢

المسألة ( الثانية : )

( لو ادعى الولي أن واحدا من أهل الدار قتله ) بعد أن وجد مقتولا فيها ( جاز إثبات دعواه بالقسامة ) لوجود اللوث ، لكن ذلك بعد العلم بكون المدعى عليه في الدار ولو ببينة أو إقرار ( فلو أنكر كونه فيها وقت القتل كان القول قوله مع يمينه ) للأصل وغيره ( ولم يثبت اللوث ، لأن اللوث يتطرق إلى من كان موجودا في تلك الدار ) وقت القتل ( ولا يثبت ذلك إلا بإقراره أو البينة ) كما هو واضح.

ومما ذكره المصنف هنا وما تقدم في تكاذب الشاهدين ويأتي يعلم ما يسقط به اللوث وما يثبت به وإن لم ينضمها بعدد مخصوص كما في القواعد ، فإنه قد جعل مسقطات اللوث أمورا ستة مع أن في عد بعضها مسقطا توسعا ، فلاحظ وتأمل.

المقصد ( الثاني في كميتها )

وهي في ) قتل ( العمد خمسون يمينا ) فتوى ونصا (١) مستفيضا أو متواترا كالمحكي من الإجماع المشعر بعدم الاعتداد بخلاف ابن حمزة ، حيث قال : إنها خمسة وعشرون في العمد إذا كان هناك شاهد واحد ، وهو مع ندرته غير واضح الوجه عدا ما قيل من أنه مبني على أن الخمسين بمنزلة شاهدين ، وهو اعتبار ضعيف لا تساعده الأدلة ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ و ١٠ و ١١ ـ من أبواب دعوى القتل.

٢٤٣

إطلاقها على خلافه ( فـ ) ـلا ريب في سقوطه ، وأنه لا بد من الخمسين.

نعم ( إن كان له ) أي المدعي ( قوم ) جازمون بما ادعاه ( حلف كل واحد يمينا إن كانوا عدد القسامة ) إجماعا محكيا عن الخلاف والغنية ، مضافا إلى ما تقدم من النصوص (١) التي مقتضى إطلاقها كإطلاق الفتاوى ومعقد الإجماع عدم الفرق بين الوارث للقصاص أو الدية وغيره ، بل صرح به بعضهم مرسلا له إرسال المسلمات ، نعم ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يحصل من خبرهم تواتر ، وفي كشف اللثام تبعا للروضة « وإن زادوا أحلف منهم عدد القسامة ، وإليهم الخيرة » ولم أجده لغيرهما ، ولعله لإطلاق النصوص (٢) الخمسين ، لكن عن الشهيد أنه قال : « لو كانوا أكثر من خمسين حلف كل واحد يمينا » وهو مناف لظاهر النصوص (٣) والفتاوى.

( وإن نقصوا عنه ) أي المدعى وقومه الباذلون لليمين ( كررت عليهم الأيمان حتى يكملوا القسامة ) كما صرح به غير واحد ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، بل عنها وعن الخلاف أنه إن كان الولي واحدا أقسم خمسين إجماعا ، بل زاد في الثاني نسبته إلى أخبار الفرقة أيضا إلا أن التكرير المزبور يقسم عليهم بالسوية ، وعلى حسب حصصهم على ما سيأتي من الخلاف ، ومع ثبوت الكسر عليهم الإتمام كيف شاؤوا. وعن الشهيد « لو كانوا تسعة وأربعين أقرع بينهم على اليمين الباقين ».

وفيه أنه لا إشعار في شي‌ء من النصوص بالقرعة ، وإنما هو حق لهم مختارون فيه ، حتى أن لهم جميعا الامتناع منه ، فلا إشكال حينئذ كي يكون محلا للقرعة ، فلو كانوا ثلاثة مثلا حلف كل منهم ستة عشر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب دعوى القتل.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ و ١٠ و ١١ ـ من أبواب دعوى القتل.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ و ١٠ و ١١ ـ من أبواب دعوى القتل.

٢٤٤

يبقى اثنتان يحلفهما اثنان منهم ، فان كان ولي الدم منهم واحدا أو اثنين حلفهما ولي الدم ، ولا حاجة إلى أن يحلف كل منهم سبع عشرة كما عن المبسوط والوسيلة وإن كان يمكن أن يكون وجهه أن القسمة بينهم بالسوية ولا تكون مع استيفاء القسامة إلا بذلك وإن اقتضى ذلك الزيادة على الخمسين ، فإنها غير منافية ، ولعل الأول أولى بناء على ظهور الأدلة في إرادة الخمسين منهم كيف شاؤوا ، والفرض أن الحق لهم ، فان لم يفعلوا ضاع الحق الذي لهم.

نعم في اعتبار حلف خصوص الولي على وجه لا يجزؤه يمين غيره إشكال ، وكذا الكلام في المنكر من أن ذلك هو الأصل في اليمين سواء كانت من المدعى لإثبات دعواه أو من المنكر لاسقاطها ، وأقصى ما خرج هنا بالأدلة حال الإجماع ، ومن إطلاق النصوص (١) حلف الخمسين على وجه يكون كالكفائي بالنسبة إلى الولي وقومه ، من غير فرق بين صدورها منهم أجمع على التوزيع أو على التفريق ، ولا بين الولي وغيره ، ولعله لا يخلو من قوة ، بل ربما كان هو الظاهر من بعض النصوص (٢) المشتملة على أن المدعي يجي‌ء بخمسين يحلفون أن فلانا قتل فلانا ، وظاهره كون الخمسين غيره أو الأعم فلاحظ وتأمل.

نعم في قسامة الجروح يحلف هو مع الستة أو بعضهم كما تسمعه في‌ رواية ظريف (٣) إن كان قوله في الكافي : « وتفسيره » ‌منها لا منه ، ولعله غير ما نحن فيه من قسم الولي فتأمل.

ولو لم يكن له قوم أو كانوا فامتنعوا من الحلف ـ علموا بالحال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ و ١٠ و ١١ ـ من أبواب دعوى القتل.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٢.

٢٤٥

أو لا ـ حلف المدعي خمسين يمينا كما ذكره غير واحد ، بل في الرياض نفي الخلاف فيه وفي المدعى عليه إذا لم يقسم المدعي ، بل عن الغنية الإجماع عليه.

وحينئذ فكيفيتها أن يحلف المدعى وأقاربه أولا ، فإن بلغوا العدد المعتبر حلف كل واحد منهم يمينا ، وإلا كررت عليه الأيمان بالسوية أو التفريق ، والتخيير إليهم ، كما لو زاد عددهم عن العدد المعتبر ، ولو لم يكن للمدعي قسامة أو امتنعوا كلا أو بعضا لعدم العلم أو اقتراحا حلف المدعي ومن وافقه إن كان ، وإلا كررت عليه الأيمان حتى يأتي بالعدد كملا ، ولو لم يحلف وكان للمنكر من قومه قسامة حلف كل منهم حتى يكملوا العدد ، ولو لم يكن له قسامة يحلفون كررت عليه حتى يأتي تمام العدد.

وهذا التفصيل كما هو وإن لم يستفد صريحا من أخبار القسامة إلا أنه لا خلاف أجده فيه ، بل عليه الإجماع عن الغنية كما عرفت ، بل يمكن استفادته أيضا من التأمل في النصوص ، فإنه وإن ذكر في بعضها (١) الأمر بأن يقسم خمسون رجلا إلا أن‌ في آخر (٢) « فليتموا قسامة خمسين رجلا » ‌وهو مع قراءته بالإضافة يكون ظاهرا في إرادة خمسين يمينا ، بل لعل صحيح مسعدة (٣) السابق ظاهر أيضا فيه ، بل لعل غيره من النصوص كذلك ولو بمعونة الاتفاق المزبور ، نعم في بعض النصوص (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٣ وفيه « فأقيموا قومة خمسين رجلا ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ١ وسنن البيهقي ج ٨ ص ١١٩.

٢٤٦

قصة عبد الله بن سهل تقديم حلف المدعى عليه أولا ثم المدعي ، ولكن غيره من النصوص والفتاوى والإجماع بقسميه على العكس ، فيحمل ذلك على عدم إرادة الترتيب منه كما هو واضح.

وكيف كان فلا بد من الخمسين في قتل العمد حتى إذا لم يكن إلا الولي حلفها أجمع بلا خلاف ولا إشكال ، وستسمع ما يدل عليه في الجملة في قسامة الأعضاء.

( و ) أما ( في الخطأ المحض والشبيه بالعمد ) فـ ( ـخمس وعشرون يمينا ) على الوجه الذي عرفته في العمد‌ للصحيح أو الحسن كالصحيح (١) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « في القسامة خمسون رجلا في العمد ، وفي الخطأ خمسة وعشرون رجلا » ‌وفي‌ خبر أبي عمرو المتطبب (٢) المشتمل على عرضه ما أفتى به أمير المؤمنين عليه‌السلام في الديات على الصادق عليه‌السلام إلى أن قال : « والقسامة جعل في النفس على العمد خمسين رجلا وجعل في النفس على الخطأ خمسة وعشرين رجلا » ‌مؤيدا ذلك بمناسبته لأخفية الخطأ الموجب للدية من العمد الموجب للقود ، ونحوه حسن يونس (٣) عن الرضا عليه‌السلام.

( و ) لكن مع ذلك ( من الأصحاب من سوى بينهما ) وهو المفيد والديلمي والحلي وغيرهم ، واختاره الفاضل وولده والشهيدان ، بل في الروضة نسبته إلى الشهرة ، بل عن السرائر الإجماع عليه وإن كنا لم نتحققهما ( وهو ) وإن كان ( أوثق في الحكم ) باعتباره زيادة الإيمان التي مقتضى الأصل عدم الثبوت إلا بها ( و ) لكن ( التفصيل أظهر في المذهب ) وفاقا للشيخ والقاضي والصهرشتي وابن حمزة والفاضل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب دعوى القتل.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٢.

٢٤٧

في بعض كتبه ، كالشهيدين والمقداد وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل هو المشهور كما اعترف به الفاضل ، بل عن الغنية نسبته إلى رواية الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه ، بل عن الشيخ دعواه عليه صريحا ، وهو الحجة بعد ما سمعته من النصوص (١) التي لا معارض لها إلا ما تقدم من نصوص عبد الله بن سهل (٢) الظاهرة أو الصريحة في كون الدعوى فيه قتل العمد ، مع أنها قضية في واقعة ، وكذا غير ذلك من النصوص (٣) المشتمل على حكمة شرعية القسامة ، كل ذلك مع أن أقصاه الإطلاق المقيد بما عرفت ، وأما دعوى أنه أحوط ففيه أنه كذلك مع بذل الزائد على ذلك ، أما مع الامتناع فلا احتياط.

( و ) كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أنه ( لو كان المدعون جماعة قسمت عليهم الخمسون بالسوية في العمد والخمس والعشرون في الخطأ ) أو بالتفاوت لو فرض كونهم وارثين.

لكن التحقيق عدم اقتضاء التفاوت فيه التفاوت في الأيمان ، كما أن بالتحقيق كون القسمة المزبورة راجعة إلى اختيارهم باعتبار كون الحق لهم ، فهم مختارون فيه وفي كيفية إثباته على حسب ما عرفته سابقا.

لكن أطلق المصنف هنا القسمة بينهم بالسوية ، وتبعه الفاضل في القواعد ، بل في شرحها للاصبهاني ذكورا كانوا أم إناثا أو مختلفين وارثين بالسوية أو لا بها أو غير وارثين ، لاشتراكهم في الدعوى وانتفاء دليل على التفاضل ولا يفيده التفاضل في الإرث ، على أنه ليس بشرط.

وفيه ( أولا ) أن النصوص صريحة في كون الحالف خمسين رجلا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ و ١٠ ـ من أبواب دعوى القتل.

(٢) سنن البيهقي ج ٨ ص ١١٧ ـ ١٢٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل.

٢٤٨

و ( ثانيا ) من ليس بوارث لا دعوى له ، وإنما يحلف عن أهل الدعوى.

و ( ثالثا ) ليس في شي‌ء من النصوص القسمة المزبورة على وجه الإلزام لهم بها بحيث إن لم تحصل الأيمان كذلك لم يثبت الحق ، بل يمكن دعوى صراحة النصوص بخلافه ، إذ قد عرفت أن المستفاد منها ما ذكرناه من توقف الحق على حصول الخمسين يمينا من المجموع : المدعي وقومه.

ومن ذلك يظهر لك أيضا ما في المحكي عن المبسوط من قسمتها بينهم على حسب الحصص ، واحتمله الفاضل في القواعد ، لأنهم يحلفون خلافة عن القتيل ، فيحلف كل بقدر خلافته ، ولذا ترى الأيمان تنقص بحساب نقص ديات الجراحات والأعضاء عن دية النفس ، فيحلف الذكر حينئذ ضعف الأنثى مع تكميل المنكسر ، فلو فرض أن الولي ابن وبنت حلف الابن أربعا وثلاثين والبنت سبع عشرة وهكذا ، فان جامعهما خنثى احتمل مساواته للذكر وإن أخذ من الدية أقل ، لاحتمال الذكورية ، فلا تثبت دعواه يقينا بأقل ، فيحلف كل منه ومن الذكر عشرين والأنثى عشرا ، ويحتمل أن لا يحلف إلا الثلث ، كما لا يرث سواه ، وهو سبع عشرة بتكميل المنكسر ، والذكر ثلاثا وعشرين بتكميله أيضا ، والأنثى اثنا عشر بتكميله أيضا ، فان مات وارث للقتيل بسطت حصته من الأيمان على ورثته كذلك أيضا.

إلا أن ذلك كما ترى لا إشارة في شي‌ء من النصوص السابقة إليه ، بل يمكن دعوى القطع من التأمل فيها بخلافه ، فلاحظ وتأمل ، فإن الكلمات في المقام لا يخلو من تشويش واضطراب ، خصوصا بعد ملاحظة ما يأتي لهم في الغائب والصغير وغيرهما.

وكيف كان فلو فرض أن في الحالفين غير وارث ولا مدع وكان عدلا متعددا أمكن حينئذ إقامته بينة على ثبوت القتل ، ولا يحتاج إلى‌

٢٤٩

القسامة ، وكذا الكلام في قوم المنكر الذي يكتفى ببينته لو أقامها عن قسامته ولو بأن يقيمها أنه في حال القتل كان في مكان كذا ، والله العالم.

( ولو كان المدعي عليهم ) في القتل ( أكثر من واحد ففيه ) أي الاكتفاء منهم بالخمسين لو لم يحلف المدعي ( تردد ) وخلاف ( أظهره ) وفاقا للمبسوط وغيره ممن تأخر عنه ( أن على كل واحد خمسين يمينا ) منه أو من قومه الذين يحلفون على براءته ( كما لو انفرد ) في الدعوى عليه ( لأن كل واحد منهم تتوجه عليه دعوى بانفراده ) فهو حينئذ منكر يلزم باليمين ، والفرض أنها هنا خمسون.

خلافا للمحكي عن الشيخ في الخلاف فاكتفى بالخمسين منهم أجمع مدعيا عليه الإجماع وإن كنا لم نقف على ما يشهد بصحة ذلك ، نعم قد سمعت ما في بعض‌ النصوص (١) من أنه « إذا ادعى الرجل على القوم أنهم قتلوا كانت اليمين لمدعي الدم قبل المدعى عليه ، فعلى المدعي أن يجي‌ء بخمسين يحلفون أن فلانا قتل فلانا فيدفع إليهم الذي حلف عليه.

وإن لم يقسموا فان على الذين ادعى عليهم أن يحلف منهم خمسون ما قتلناه » ‌وظاهره كفاية الخمسين وإن كان المدعى عليهم القوم ، بل لعل إطلاق غيره أيضا كذلك.

لكن فيه ـ مع أنه لا جابر له في محل البحث ، لعدم تحقق ما سمعته من الإجماع ، بل لعل المحقق خلافه ـ أنه يمكن دعوى ظهوره في العكس وإن ذكر فيه القوم كما يشعر به عبارة قسامة المدعي.

وحينئذ فالمراد من الدعوى على القوم باعتبار كونها على واحد منهم ، والنصوص (٢) الواردة في قضية سهل وإن كان في جملة منها الدعوى على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب دعوى القتل وسنن البيهقي ج ٨ ص ١١٧ ـ ١٢٥.

٢٥٠

اليهود إلا أن التدبر فيها أجمع يقتضي كون المراد واحدا منهم من الدعوى عليهم ، حتى أن في‌ الصحيح (١) منها « فقدت الأنصار رجلا منهم فوجدوه قتيلا ، فقالت الأنصار : إن فلان اليهودي قتل صاحبنا » ‌والفرض أن القضية واحدة ، فلا بد من الجمع بينهما بما ذكرناه ، وحينئذ يبقى ما تقتضيه القاعدة من حلف المنكر على حالها.

ولا يشكل ذلك بما إذا تعدد المدعون باعتبار اشتراكهم في الميراث مع أن القسامة منهم أجمع خمسون اتفاقا ولا يراد من كل مدع منهم ذلك ، لإمكان الفرق بينهما بالنصوص أولا ، وبأن الحق للقتل وينتقل منه إلى وارثه ، وهو واحد ثانيا.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو كان المدعى عليه واحدا فأحضر من قومه خمسين يشهدون ببراءته ) ولم يكن فيهم بينة مقبولة ( حلف كل واحد منهم يمينا ) إن شاؤوا ، وحكم ببراءته قصاصا ودية ( ولو كانوا أقل من الخمسين كررت عليهم الأيمان حتى يكملوا العدد ) على حسب ما عرفته في المدعي.

( و ) كذا قد عرفت أيضا أنه ( لو لم يكن للولي ) المدعي ( قسامة ولا حلف هو كان له إحلاف المنكر خمسين يمينا إن لم تكن له قسامة من قومه ، وإن كان له قوم كان كأحدهم ) بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك إلا في اعتبار خصوص حلف الولي معهم الذي عرفت البحث فيه سابقا.

كما لا خلاف ولا إشكال في براءته مع القسامة ، وما في صحيح مسعدة (٢) السابق يراد منه أداء الدية من البيت المال ، ضرورة كونه حينئذ قتيلا لم يعرف له قاتل ، والفرق بينه وبين قتيل العسكر أو السوق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٦.

٢٥١

أن الأخير تؤخذ ديته من بيت المال ابتداء لا بعد القسامة بخلافه ، فإنه بعد القسامة.

نعم قد يقال في قتيل القرية مثلا : إنه بالقسامة يبرأ المعين لا أهل القرية أجمع ، فتؤخذ ديته منها حينئذ إذا لم يعين الولي ولم يحصل قسامة ، لإطلاق ما تقدم من النصوص السابقة. ويمكن حمل صحيح مسعدة (١) على ذلك.

لكن فيه أنه بعد تعيين الولي المعين فهو إقرار منه بعدم قتل غيره من أهلها له ، فإذا فرض براءته بالقسامة لم يكن له على أهلها سبيل ، بل لعله كذلك بالنسبة إلى بيت المال وإن أرسله في الرياض وإرسال المسلمات مستدلا عليه بصحيح مسعدة (٢) السابق ، إلا أنى لم أجد المسألة محررة في كلامهم ، فلاحظ وتأمل.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو امتنع ) المنكر ( عن القسامة ) ولو يمينا واحدة ( ولم يكن له من يقسم ) عنه من قومه ( ألزم الدعوى ) بمجرد النكول كما عن السرائر والجامع ، بل قيل إنه الأشهر ، وعليه عامة متأخري أصحابنا ، وهو كذلك بناء على القضاء بمجرد النكول في غير المقام الذي تقدم البحث فيه مفصلا في كتاب القضاء (٣) بل لعله كذلك ، وإن لم نقل به هناك ، لقوله عليه‌السلام في الصحيح السابق (٤) : « وإلا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلا ما قتلنا ولا علمنا له قاتلا وإلا أغرموا الدية إذا وجد قتيلا بين أظهرهم إذا لم يقسم المدعون » والخبر الآخر (٥) أيضا المنجبر سندا بما عرفت ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٦.

(٣) راجع ج ٤٠ ص ١٨٢ ـ ١٨٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٥.

٢٥٢

وفيه أيضا « إذا وجد مقتول في قبيلة قوم حلفوا جميعا ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا ، فإن أبوا أن يحلفوا أغرموا الدية في ما بينهم في أموالهم سواء بين جميع القبيلة من الرجال المدركين » ‌مؤيدا ذلك كله بأن اليمين هنا على المدعي أصالة ، وإنما حلف المنكر بنكول المدعي أو رده ، فإذا نكل لم يعد إلى المدعي.

لكن ( و ) مع ذلك ( قيل ) والقائل الشيخ في المبسوط : ( له رد اليمين على المدعي ) كما في غير المقام ، لعموم أدلته وخصوصا فيه ، للاحتياط في الدماء ، بل في ظاهر عبارته الإجماع عليه وإن كان هو كما ترى.

وعليه فهل ترد القسامة أم يكتفى بيمين واحدة؟ وجهان ، وظاهر عبارته المحكية عنه في كشف اللثام على طولها يعطي رد القسامة ، وربما قيل : إن قلنا : إن الخمسين يمين واحدة فله الرد وإلا فلا ، والجميع واضح الضعف بعد الإحاطة بما عرفت وإن أطنب في المبسوط بذكر ما يقتضي ذلك ، لكنه لا حاصل له على وجه يعارض ما ذكرناه.

ولا خلاف عندنا بل ( و ) لا إشكال في أنه ( تثبت القسامة في الأعضاء ) كالنفس ، بل في التنقيح عن المبسوط عندنا ، كالمحكي عن الخلاف ، للاشتراك في حكمة مشروعيتها ، والنصوص الخاصة (١) التي تسمعها إن شاء الله.

نعم يعتبر فيها نحو ما سمعته في القتل أن تكون ( مع التهمة ) أي اللوث كما صرح به غير واحد ، بل عن السرائر الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد ما سمعته سابقا من أدلة اللوث ، خلافا للمحكي عن المبسوط ، فلم يعتبره ، كما عن أكثر العامة أو جميعهم عدا الشافعي في تفصيل له ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٢.

٢٥٣

ولعله لإطلاق النصوص (١) السابقة كون اليمين على المدعي في الدم المقتصر في تقييدها باللوث على النفس دون الأعضاء. ( و ) لكن فيه أنه مقيد بما عرفت ولو للإجماع فيهما.

إنما الكلام في أنه ( كم قدرها ) فيها؟ فـ ( ـقيل ) كما عن المفيد في محكي كتاب النساء وسلار وابن إدريس ( خمسون يمينا ) كالنفس ( احتياطا ) في الدماء ( إن كانت الجناية تبلغ الدية ) كالأنف والذكر ( وإلا فبنسبتها من خمسين يمينا ) في العمد وفي الخطأ خمس وعشرون بناء على القول بها فيه ، بل قيل : إنه خيرة أكثر المتأخرين لكنهم لم يذكروا الخمس وعشرين في الخطأ ، وإنما أطلقوا ذكر الخمسين وفي المسالك أنه مذهب الأكثر بقول مطلق ، بل عن غيرها أنه المشهور ، بل عن السرائر الإجماع عليه ، لكن قيل : يحتمل أن يريد منه أن الثبوت بالخمسين مجمع عليه.

( وقال آخرون ) وهم الشيخ وأتباعه ( ست أيمان في ما فيه دية النفس وبحسابه من ست في ما فيه دون الدية ، وهي رواية أصلها ظريف ) وغيره كما يقضى به ملاحظة الكافي والتهذيب والفقيه ، بل قيل : إنه الأشهر بل في كشف اللثام وغيره أنه المشهور ، بل عن الخلاف والمبسوط ظاهر الإجماع ، بل عن الغنية الإجماع عليه صريحا ، وهو الحجة بعد‌ المروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) في الكافي والتهذيب والفقيه بطرق فيها الصحيح والموثق والحسن وغيرها من أنه « جعل القسامة في النفس على العمد خمسين رجلا ، وفيها على الخطأ خمسة وعشرين رجلا ، وعلى ما بلغت ديته من الجراح ألف دينار ستة نفر ، فما كان دون ذلك فبحسابه من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٢.

٢٥٤

ستة نفر ـ إلى أن قال ـ : وتفسير ذلك » ‌إلى آخر ما ذكره مما هو نحو ما عند الأصحاب ، إلا أن الظاهر كون قول : « وتفسير ذلك » إلى آخره من الكليني لا من الرواية ، كما لا يخفى على من تأمل ، وقد اعترف به بعض الأفاضل ، لكن يكفينا في الاستدلال ما قبل قوله : « وتفسيره » مؤيدا ذلك بأن الجناية هنا أخف ، فناسبها التخفيف في اليمين.

ولا معارض لذلك سوى دعوى مخالفة القسامة للأصل ، فيقتصر فيها على المتيقن الذي هو الخمسون مطلقا أو في خصوص العمد والخمس والعشرون في الخطأ التي هي كما ترى بعد الحجة الشرعية ، وسوى إطلاق بعض النصوص (١) إن القسامة في العمد خمسون ، وفي الخطأ خمس وعشرون الواجب تقييده بما عرفت ، وسوى دعوى الإجماع المزبور المعتضد بدعوى الشهرة المذكورة التي قد سمعت احتمال إرادة أن الثبوت بالخمسين متيقن منها ، بل لعله الظاهر ، وإلا كان بين الخطإ ، ضرورة كون المشهور بين من تقدم عليه خلافه ، نعم ربما كان ذلك مشهورا بعده ، مع أنه غير محقق أيضا ، لأنه خيرة الفاضل في بعض كتبه والشهيدين والمقداد ، وعلى تقديره فهو معارض بالشهرة القديمة المحققة التي لا يقدح فيها خروج المفيد والديلمي ، وربما كان العذر لابن إدريس عدم عمله بأخبار الآحاد وإن صحت ، أما غيره فلا عذر له إلا ظن ضعف الخبر ، كما في المسالك ، وقد عرفت فساده ، وأنه مروي بطرق فيها الصحيح والموثق وغيرهما ، مضافا إلى اعتضاده بما عرفت ، فلا ريب في أنه الأقوى.

وكيف كان فان كان في العضو أقل من دية فبحساب النسبة إليها من خمسين على الأول إلى أن يبلغ خمس عشر الدية أو أقل ، ففيه يمين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ١.

٢٥٥

واحدة ، لأنها لا تتبعض ، وكذا إن بلغ ثلث عشر الدية ، فإن فيه حينئذ يمينين وهكذا. وعلى المختار بحساب النسبة من الستة إلى أن يبلغ سدس الدية أو ينقص ففيه يمين واحدة.

وأما احتمال عدم اعتبار النسبة في الأقل ويكون فيه القسامة خمسون أو ستة أو تنتفي رأسا ويكون كسائر الدعاوي فلم نعثر على قائل به وإن كان هو محتملا ، خصوصا في الأول ، إلا أن الأقوى ما عرفت من ملاحظة النسبة مطلقا.

وإن كان كسر في اليمين أكمل بيمين ، لعدم تبعضه ، ففي اليد الواحدة خمس وعشرون على الأول ، وثلاثة على الثاني ، وفي الإصبع الواحدة خمس أيمان على الأول ، لأنها عشر الخمسين ، كما أن دية الإصبع عشر الدية ، ويمين واحدة على الثاني ، لأنه لا عشر للستة إلا الكسر الذي عرفت عدم تبعضه ، فلا بد من يمين.

وكذا الكلام في الجراح ، ففي الموضحة ثلاث أيمان على الأول ، لأن ديتها نصف عشر ونصف عشر الخمسين يمينان ونصف ، وقد عرفت عدم تبعضه ، وعلى الثاني يمين واحدة لذلك أيضا وهو واضح ، والله العالم.

( و ) لا خلاف أيضا كما لا إشكال في أنه ( يشترط في القسامة علم المقسم ) كما في غيرها ( ولا يكفي الظن ) وإن كان غالبا ، ولذا لم يقسم الأنصار ، وقد مر في كتاب القضاء (١) تحقيق ذلك فلاحظ ، ولكن في كشف اللثام عن الشيخ في المبسوط الاكتفاء بالظن ، وهو بعيد قلت : كأنه رحمه‌الله لحظ أول كلامه الذي هو للعامة ، وإلا فإنه قد صرح في المقام وغيره في ما حكي عن مبسوطة‌

__________________

(١) راجع ج ٤٠ ص ٢٤٢.

٢٥٦

بأنه لا يجوز عندنا أن يحلف إلا على علم.

( وفي قبول قسامة الكافر على ) دعواه على ( المسلم ) في الخطأ والعمد في النفس وغيرها ( تردد ) وخلاف ( أظهره ) عند المصنف ( المنع ) وفاقا للشيخ والفاضل وولده ووالده وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، لأنها على خلاف الأصل ، ومورد النص (١) قسامة المسلم ، بل في‌ الحسن كالصحيح (٢) « إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة » وفي آخر (٣) « إنما جعلت القسامة احتياطا لدماء المسلمين » ‌ففي الكافر تبقى على أصالة عدم ثبوت الحق بها ، ولأنها يثبت بها القود في القتل عمدا والكافر لا يستحقه على المسلم ، وعن الخلاف « ولو أوجبنا عليه الدية لأوجبنا بيمين كافر ابتداء على مسلم مالا ، مع علمنا بأنهم يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ، ولأنها سبيل منفي عن الكافر على المسلم ، ولتقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الأنصار على آبائهم قبول قسامة اليهود ، ولذا أداه هو صلى‌الله‌عليه‌وآله من بيت المال ».

ولكن الجميع كما ترى ، ضرورة الخروج عن الأصل بإطلاق‌ قوله عليه‌السلام : « القسامة حق ، ولولاها لقتل الناس بعضهم بعضا » (٤) ‌و « القسامة نجاة للناس » (٥) ‌وغير ذلك مما يظهر منه مشروعية القسامة للناس كافة الذي هو مقتضى أصالة الاشتراك ، وليس المراد من الخبرين الأولين أنها شرعت لهم خاصة كي يكون معارضا بها ، فيحتاج فيه إلى الجميع بالإطلاق والتقييد ، كما تخيله بعض مشايخنا ، وعدم ثبوت القود بها لعدم استحقاق الكافر له على المسلم لا ينافي ثبوت القتل عمدا بها لاستحقاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ١ وفيه‌ « إنما جعلت القسامة احتياطا للناس ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٢.

٢٥٧

الدية ، كما لو قامت البينة ، ووجوب المال بها ابتداء على المسلم كالشاهد واليمين غير مناف لشي‌ء من الأدلة ، بل إطلاقها يقتضيه. ومنه يعلم عدم كونها سبيلا ، ضرورة عدم كون الحق على الوجه الشرعي سبيلا منفيا ، وتقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الأنصار على الآباء وأدائه من نفسه إنما كان سياسة ، لا لعدم جواز قسامتهم ، وإلا لم يأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله بها ، فان ذلك صريح في ثبوتها ، بل هو دليل على المشروعية بناء على اتحاد الدعوى مع الإنكار في القبول كما هو واضح ، فالأقوى حينئذ ثبوتها في الكافر كالمسلم ووفاقا للشيخ في محكي المبسوط وغيره من الأصحاب ، والله العالم.

( ولمولى العبد ) والأمة ( مع اللوث إثبات دعواه ) على القتل عمدا أو خطأ ( بالقسامة ولو كان المدعى عليه حرا ) لا يثبت عليه إلا المال ولا تتعلق الجناية برقبته ( تمسكا بعموم الأحاديث ) خلافا للمحكي عن أبي علي للأصل المقطوع بما عرفت ، ولأن العبد كالحيوان الذي مرجعه إلى القياس ، ضرورة ثبوتها في دماء الناس أحرار وعبيدا وإن كانوا أموالا لا غيرهم ، بل الظاهر ترتبها لو أقام المولى شاهدا على قتل مملوكه قتلا يوجب الدية ، ولا تكفي اليمين الواحدة معه ، وإن استشكل فيه الفاضل لدخوله في المال ، لكن الأقوى ما عرفت.

( ويقسم المكاتب ) المطلق والمشروط ( في ) قتل ( عبده ) مع اللوث ( ك‍ ) ما يقسم ( الحر ) لأنه بحكم الحر ما دام مكاتبا ، فيندرج في إطلاق الأدلة وعمومها ، نعم لو نكل عن الحلف وفسخت الكتابة بموت أو عجز لم يكن لمولاه القسامة ، أما لو عجز أو مات قبل نكوله يحلف ويثبت حقه ، ولعله لانتقال حق القسامة حينئذ إلى السيد كسائر الورثة بخلاف الأول الذي هو كوارث المدعي الحر الناكل عن القسامة.

٢٥٨

والقسامة في أعضاء العبد كالقسامة في نفسه في تولي السيد لها ، ولا يتولاها العبد ، لعدم حق له بعد أن كان مملوكا للسيد.

ولو وجد العبد مجروحا فأعتقه مولاه ثم مات بالسراية وجبت ديته كما عرفت. ولكن للسيد أقل الأمرين من الدية أو القيمة ، فإن كانت الدية أقل حلف السيد مع اللوث خاصة ، لأنه المستحق ، وإن كانت القيمة أقل حلف السيد للقيمة والوارث للفاضل.

ولو أوصى المولى بقيمة العبد المقتول لا برقبته حلف الوارث القسامة كما في القواعد وشرحها ، ولعله لأن الرقبة كانت ملكا له ، وقد عرفت أن للسيد القسامة ، ولا ينافي ذلك أن ما يثبت بحلفه يكون ملكا للموصى له ، إذ لا يمتنع أن يحلف على إثبات حق إذا ثبت كان لغيره ، كما لو خلف الرجل تركة ودينا له وعليه ، فان وارثه يحلف على الدين وإن كان إذا ثبت كان لغيره.

إلا أنه لا يخلو من نظر ، لكونه من الحلف لإثبات مال الغير ، وفرق بينه وبين المثال الذي يملكه الوارث وإن استحق عليه ، وفي القواعد أيضا « فإن امتنع الوارث ففي إحلاف الموصى له إشكال » ولعله من أنه أجنبي عن الرقبة ـ كما هو واضح ـ وعن القيمة ، فإنها ما لم تثبت ولم تنتقل إلى الوارث لم تنتقل إليه كما أنه لو لم يقتل وبيع انتقل الثمن إلى البائع وهو الوارث ثم إليه كما عن المبسوط ، ومن أن القيمة حق له مع ما في توقف استحقاقه هنا على الانتقال إلى الوارث من المنع ، فإن القيمة ملك له بحسب الوصية ، ومن أنك قد عرفت إشكال حلف الوارث الذي ذكرناه ، بل لا يخلو الجزم بالأول والاشكال في الأخير من تناف في الجملة ، والله العالم.

( ولو ارتد الولي منع القسامة ) كما صرح به الفاضل وولده‌

٢٥٩

والشهيدان وغيرهم على ما حكى عن بعض ، نعم لم أجده لمن تقدم على المصنف إلا للشيخ في محكي المبسوط ، قال : « الأولى أن لا يمكن الامام من القسامة مرتدا لئلا يقدم على يمين كاذبة ، فمتى خالف وقعت موقعها ، لعموم الأخبار ، وقال شاذ : لا يقع وهو غلط ، لأنه اكتساب ، فهو غير ممنوع منه في مدة الإمهال ، وهي ثلاثة أيام ». والظاهر أن نظر المصنف إليه ( و ) لذا قال ( لو خالف وقعت موقعها ، لأنه لا يمنع ) من ( الاكتساب ) وحمل قوله : « الأولى » على لزوم ذلك لا ندبه.

ولكن قال وتبعه تلميذه الفاضل ( ويشكل هذا بما أن الارتداد يمنع الإرث ، فيخرج عن الولاية فلا قسامة ) فلا يتم حينئذ إطلاقه الحكم المزبور الشامل للمرتد بقسميه والولي الوارث والسيد لو فرض ارتداده ولما إذا كان الارتداد بعد القتل أو قبله ولما إذا كان المدعى عليه مسلما أو كافرا.

ولا ريب في توجه الاشكال المزبور على الإطلاق المذكور ، ضرورة عدم الحق له في الإرث لو فرض أن ارتداده كان قبل القتل فلا قسامة ، كما أنه لو فرض كون ارتداده عن فطرة لم يستحقه ولو بعد القتل لخروج جميع ماله بالارتداد عن ملكه ، فلا قسامة حينئذ وإن كان المقتول عبدا ، إلى غير ذلك مما لا يخفى تطبيقه على القواعد المعلومية في الوارث والسيد وفي الفطري والملي وفي تقدم الردة على القتل وتأخرها عنه.

نعم قد يقال : إن التأمل في عبارة الشيخ ولو في آخرها يقتضي كون الموضع الملي ، لأنه الذي يمهل ثلاثة أيام لا الفطري ، وأن ارتداده قد كان بعد القتل ، وحينئذ لا يتجه الإيراد المزبور ، ضرورة عدم خروجه بالارتداد عن الملك السابق ، فهو باق على ولايته المستحق بها‌

٢٦٠