جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لمن أحاط بأطراف المسألة ، وخصوصا بعد ذكر الشيخ في ما حكي عنه ذلك احتمالا ، بل هو الذي اختاره في المسالك.

( و ) أما ما ذكره المصنف من أنه ( يحتمل هذا وجها آخر ، وهو تخير الولي في تصديق أيهما شاء ، كما لو أقر اثنان كل واحد بقتله منفردا ) فهو وإن كان محكيا عن ابن إدريس ـ محتجا عليه بقوله تعالى (١) ( فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) إذ نفي القتل عنهما ينافي ذلك ، وبأن البينة قائمة على كل منهما بوجوب القود فلا وجه لسقوطه ، وبأنا قد أجمعنا على أنه لو شهد اثنان على واحد بأنه القاتل فأقر آخر بالقتل يتخير الولي في التصديق والإقرار كالبينة ـ لكنه كما ترى ، ضرورة دلالة الآية على ثبوت السلطان للولي مع علم القاتل لا في مثل المقام الذي لا إشكال في كونه إسرافا في القتل إذا قتلهما ، خصوصا مع براءة أحدهما ، بل وكذا لو قتل أحدهما المحتمل أنه بري‌ء ، والبينتان قد كذبت كل منهما الأخرى ، والإجماع الذي ذكره مع أنه ممنوع لا يمكن قياس المقام عليه بعد حرمته في مذهبنا ( و ) لذا قال المصنف ( الأول أولى ) وقد عرفت البحث فيه.

هذا وللمصنف تفصيل في نكتب النهاية تبعه عليه تلميذه الآبي في كشف الرموز وأبو العباس في ما حكي عنه والمقداد ، بل كأنه مال إليه الشهيدان ، فإنه بعد أن أورد كلام السائل عن عبارة النهاية موردا عليها بأنه لم يعمل بشي‌ء من الشهادتين فإيجاب الدية عليهما حكم بغير بينة ولا إقرار ، ثم الشهادة ليست بأنهما اشتركا ، قال : « الجواب الوجه أن الأولياء إما أن يدعوا القتل على أحدهما أو يقولوا : لا نعلم ، فان ادعوه على أحدهما قتلوه ، لقيام البينة على الدعوى ، وتهدر البينة الأخرى ،

__________________

(١) سورة الإسراء : ١٧ ـ الآية ٣٣.

٢٢١

فلا يكون لهم على الآخر سبيل ، وإن قالوا : لا نعلم فالبينتان متعارضتان على الانفراد لا على مجرد القتل ، فيثبت القتل من أحدهما ولا يتعين ، والقصاص يتوقف على تعيين القاتل فيسقط ، وتجب الدية ، لأنه ليس نسبة القتل إلى أحدهما أولى من نسبته إلى الآخر » انتهى.

وفيه أنه تخصيص لكلام الشيخين والجماعة بالصورة الثانية ، وهو مناف لإطلاقهم المبني ظاهرا على اعتبار البينة الثانية وإن كانت على التبرع ، وعليه يتجه التعارض حينئذ وإن صدق الولي أحدهما ، بل لو لم نقل باعتبارها أمكن تصوير المسألة في الوكيلين ، وأما احتمال عدم اعتبارها في خصوص المقام وإن قلنا باعتبارها في غيره فلا أعرفت له وجها وإن حكى في كشف اللثام القطع به عن المصنف في النكت.

ثم إنه احتمل غير واحد من أتباع المصنف في ما عرفت ثبوت اللوث لو ادعى الولي عليهما ، وهي صورة لم يذكرها المصنف في ما سمعت من عبارته المشتملة على صورة دعوى الولي على أحدهما أو يقول : لا علم لي ، أما إذا ادعى عليهما معا فيتجه ثبوت اللوث باعتبار اتفاق الأربعة على القتل والقاتل وإن اختلفوا في التعيين ، فيحلف حينئذ الولي ويثبت له القصاص مع رد فاضل الدية عليهما.

وفيه أن مقتضاه الثبوت أيضا في تكاذب الشاهدين في المكان أو الزمان أو الآلة ، ضرورة الاتفاق منهما أيضا على القتل والقاتل ولكن اختلفا في الزمان أو المكان أو الآلة ، بل لعله أولى من المقام الذي فيه التكاذب في تعيين القاتل دونهما ، وقد عرفت عدم اللوث فيه للتكاذب فهنا أولى.

وبذلك كله ظهور لك أن المسألة لم يستقر على شي‌ء منها إجماع محقق كي يقال إن ما ذكره خرق له ، ضرورة بقائها في قالب الاشكال عندهم ، حتى أن الفاضل في الرياض لم يخرج منها على حاصل معتد به ، كما لا يخفى‌

٢٢٢

على من تأمله فلاحظ وتأمل ، والموافق للضوابط ما سمعت ، ولكن الاحتياط مهما أمكن لا ينبغي تركه ، والله العالم.

المسألة ( السادسة : )

( لو شهدا أنه قتل زيدا عمدا فأقر آخر هو القاتل وبرأ المشهود عليه فـ ) ـعن الشيخين وأبي علي والحلبي والقاضي والكيدري ويحيى بن سعيد وابني حمزة وزهرة أن ( للولي قتل المشهود عليه ويرد المقر نصف ديته ، وله قتل المقر ولا رد ، لإقراره بالانفراد ، وله قتلهما بعد أن يرد على المشهود عليه نصف ديته دون المقر ، ولو أراد الدية كانت عليهما نصفين ) بل هو الظاهر من الآبي أيضا ، ومال إليه الشهيدان ، بل هو المشهور قطعا ، بل في الرياض « قد صرحوا بشهرة الرواية مشعرين ببلوغها درجة الإجماع ، ولعله كذلك ، فقد أفتى به الشيخ وأتباعه والإسكافي والحلبي وغيرهم ، بل لم نر لهم مخالفا عدا من مر ، وعبائرهم غير صريحة في المخالفة عدا الحلي وفخر الدين » إلى آخره.

( و ) الأصل في ( هذه ) الأحكام المخالفة للضوابط ( رواية زرارة ) (١) ‌في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال « سألته عن رجل شهد عليه قوم أنه قتل عمدا فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقاد به ، فلم يبرحوا حتى أتاهم رجل فأقر عند الوالي أنه قتل صاحبهم عمدا ، وأن هذا الذي شهد عليه الشهود بري‌ء من قتل صاحبكم ، فلا تقتلوه وخذوني بدمه ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقر على نفسه فليقتلوه ولا سبيل لهم على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ١.

٢٢٣

الآخر ، ولا سبيل لورثة الذي أقر على نفسه على ورثة الذي شهد عليه ، فان أرادوا أن يقتلوا الذي شهد عليه فليقتلوه ولا سبيل لهم على الذي أقر ، ثم ليؤد الذي أقر على نفسه إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية ، قلت : أرأيت إن أرادوا أن يقتلوهما جميعا؟ قال : ذلك لهم ، وعليهم أن يردوا إلى أولياء الذي شهدوا عليه نصف الدية خاصة دون صاحبه ثم يقتلوهما به ، قلت : فإن أرادوا أن يأخذوا الدية ، فقال : الدية بينهما نصفان ، لأن أحدهما أقر والآخر شهد عليه ، قلت : وكيف جعل لأولياء الذي شهد عليه على الذي أقر نصف الدية حين قتل ولم يجعل لأولياء الذي أقر على أو لأولياء الذي شهدوا عليه ولم يقر؟ فقال عليه‌السلام : لأن الذي شهد عليه ليس مثل الذي أقر ، الذي شهد عليه لم يقر ولم يبرئ صاحبه ، والآخر أقر وبرأ صاحبه ، فلزم الذي أقر وبرأ ما لم يلزم الذي شهد عليه ولم يبرئ صاحبه ».

( و ) لا ريب في مخالفتها للقواعد من وجوه ، إذ ( في قتلهما ) معا ( إشكال ، لانتفاء الشركة ) في القتل كما هو مقتضى البينة والإقرار ، وخصوصا مع علم المدعي بعدم ذلك ( وكذا ) الإشكال ( في إلزامهما بالدية نصفين ) بعد عدم ثبوت المقتضى لاشتراكهما ، بل هو مقتضى للعدم ، بل وفي إلزام المقر برد النصف ، ضرورة أنه إن كان ذلك لاعترافه ببراءة المقتول فالمتجه رد الجميع ، وإلا فلا وجه لرد النصف ، بل وغير ذلك.

ومن هنا قال المصنف ( والقول بتخيير الولي في ) قتل ( أحدهما ) خاصة كالاقرارين ( وجه قوي ) بل اختاره في السرائر ، وتبعه عليه الفاضل في التحرير وولده في الإيضاح وأبو العباس في المهذب والمقتصر ، بل والمقداد في التنقيح على ما حكي عنهم ، ونفى عنه البأس‌

٢٢٤

في المختلف ( غير أن الرواية من المشاهير ) رواية في كتب الاستدلال وعملا ، فلا بأس بالخروج بمثلها عن القواعد ، كما في غير المقام ، بل لعل طرحها والعمل بما تقتضيه القواعد كالاجتهاد في مقابلة النص.

بقي الكلام في ما ذكره المصنف في نكت النهاية ، فإنه بعد أن ذكر المسألة قال : « هذا كله بتقدير أن يقول الورثة لا نعلم القاتل ، أما لو ادعوا على أحدهما سقط الآخر » وتبعه على ذلك أبو العباس والمقداد والفاضل الأصبهاني ، ولعله كذلك وإن خلت عنه أكثر العبارات ، ضرورة أنه مع فرض كون الدعوى على المقر لا عبرة بالبينة بعد توافق من له الحق وعليه على خلافها ، كما لا عبرة بالإقرار بعد دعوى المدعي على غيره وقيام البينة له بذلك وعلمه بكذب المقر ، أما إذا لم يكن دعوى من المدعي ولا طريق له إلا البينة والإقرار فالحكم ما عرفت ، والله العالم.

المسألة ( السابعة )

قال في المبسوط : لو ادعى قتل العمد وأقام شاهدا وامرأتين ) وقلنا بعدم ثبوت القصاص بهما ( ثم عفا ) عن حقه ( لم يصح ، لأنه عفا عما لم يثبت ، وفيه إشكال ) ظاهر ( إذ العفو لا يتوقف على ثبوت الحق عند الحاكم ) لإطلاق دليله المقتضي للسقوط بصدور صيغته من صاحب الحق وإن لم يثبته عند الحاكم ، بل وإن لم يعلم به على إشكال فيه يظهر من بعض النصوص ، وتظهر الفائدة في سقوط الدعوى به بعد ذلك والإبراء من الدية بحكم العفو ، كما أن غير القصاص من الحقوق التي تسقط بالإسقاط مثله في ذلك ، والله العذالم.

٢٢٥

( وأما القسامة ) فهي الأيمان تقسم على جماعة يحلفونها كما في الصحاح ، أو الجماعة الذين يحلفونها كما في القاموس ، ولا يبعد صدقها عليهما كما عن المصباح ، وعن غير واحد أنها لغة اسم للأولياء الذين يحلفون على دعوى الدم ، وفي لسان الفقهاء اسم للأيمان ، وعلى التقديرين هي اسم أقيم مقام المصدر ، يقال : أقسم أقساما وقسامة ، وهي الاسم له ، يقال : أكرم إكراما وكرامة ، ولا اختصاص لها بأيمان الدماء لغة ، ولكن الفقهاء خصوصا بها.

وصورتها أن يوجد قتيل في موضع لا يعرف من قتله ولا تقوم عليه بينة ويدعي الولي على واحد أو جماعة ويقترن بالواقعة ما يشعر بصدق الولي في دعواه فيحلف على ما يدعيه ، ويحكم له بما ستعرف إن شاء الله ، وعن ابن الأثير أن القسامة جاهلية وأقرها الإسلام ، وقيل : ربما يظهر من أخبارنا (١) أنها من وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وستسمع الخبر (٢) المشتمل على لفظ « من قبل » المحتمل قراءته على وجهين ، ولكن لا فائدة في ذلك.

وكيف كان ( فيستدعي البحث عنها مقاصد : )

( الأول في اللوث : )

وهو لغة القوة أو من التلوث ، وهو التلطخ ، وعلى كل حال فهو مناسب لما تسمعه من المراد به هنا في لسان الفقهاء وإن لم نجده في شي‌ء مما وصل إلينا من النصوص ، إلا أنه لا ريب في اعتباره عندنا فيها.

من غير فرق بين النفس والأعضاء وإن حكى عن الشيخ في المبسوط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب دعوى القتل.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٥.

٢٢٦

عدم اعتباره في الثاني ، لكن لم نتحققه ، لما قيل من أنه وقع فيه بعض العبارات الموهمة لذلك على لسان العامة ، بل عن السرائر أن عليه في النفس إجماع المسلمين وفي الأعضاء إجماعنا ، وفي محكي الخلاف « إذا كان مع المدعي للدم لوث وهو تهمة على المدعى عليه بأمارات ظاهرة بدأ به في اليمين يحلف خمسين يمينا ، دليلنا إجماع الفرق وأخبارهم » وفي الغنية « والقسامة لا تكون إلا مع النهمة بأمارات ظاهرة ، يدل على ذلك إجماع الطائفة » وعن ابن الأثير أن « في حديث القسامة ذكر اللوث » وعن مجمع البحرين « القسامة تثبت مع اللوث » ولم نجد مخالفا في ذلك من من العامة والخاصة إلا عن الكوفي منهم ، فإنه قال : « لا اعتبر اللوث ولا أرى بحثه ، ولا أرى جعل اليمين في جانب المدعي » وكم له من نحو ذلك وإلا فهي من الضروريات بين علماء المسلمين ، والنصوص فيها من الطرفين متواترة أو قطعية المضمون.

قال العجلي (١) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القسامة فقال : الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلا في الدم خاصة ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلا منهم فوجدوه قتيلا ، فقالت الأنصار : إن فلان اليهودي قتل صاحبنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للطالبين : أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقده به برمته ، فان لم تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة خمسين رجلا أقده برمته ، فقالوا : يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا ، وإنا لنكره أن نقسم على ما لم نره ، فوداه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من عنده ، وقال : إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرجة من عدوه حجزه مخافة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٣.

٢٢٧

القسامة أن يقتل به فيكف عن قتله ، وإلا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلا ما قتلناه ولا علمنا قاتلا وإلا أغرموا الدية إذا وجدوا قتيلا بين أظهرهم إذا لم يقسم المدعون ».

وقال أبو بصير (١) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القسامة أين كان بدؤها؟ فقال : كان من قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما كان بعد فتح خيبر تخلف رجل من الأنصار عن أصحابه فرجعوا في طلبه فوجدوه متشحطا في دمه قتيلا ، فجاءت الأنصار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا رسول الله قتلت اليهود صاحبنا ، فقال : ليقسم منكم خمسون رجلا على أنهم قتلوه ، فقالوا : يا رسول الله انقسم على ما لم نره؟ قال : فيقسم اليهود ، فقالوا : يا رسول الله من يصدق اليهود؟! فقال : أنا إذا أدي صاحبكم ، فقلت له : كيف الحكم فيها؟ قال : إن الله حكم في الدماء ما لم يحكم في شي‌ء من حقوق الناس لتعظيمه الدماء ، لو أن رجلا ادعى على رجل عشرة آلاف درهم أو أقل من ذلك أو أكثر لم يكن اليمين على المدعي وكانت اليمين على المدعي عليه ، فإذا ادعى الرجل على القوم الدم أنهم قتلوا كانت اليمين لمدعي الدم قبل المدعى عليهم ، فعلى المدعي أن يجي‌ء بخمسين رجلا يحلفون أن فلانا قتل فلانا فيدفع إليهم الذي حلف عليه ، فان شاؤوا عفوا وإن شاؤوا قبلوا الدية ، وإن لم يقسموا كان على الذين ادعي عليهم أن يحلف منهم خمسون ما قتلنا ولا علمنا له قاتلا ، فان فعلوا أدى أهل القرية الذين وجد فيهم ، وإن كان بأرض فلاة أديت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٥ وفيه‌ « لا يبطل دم امرء مسلم » ‌وكذلك في الكافي ج ٧ ص ٣٦٢ إلا أن الموجود في التهذيب ج ١٠ ص ١٦٧ ـ الرقم ٦٦٣‌ « لا يبطل دم امرء مسلم ».

٢٢٨

ديته من بيت المال ، فإن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول : لا يطل دم امرء مسلم ».

وقال زرارة (١) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القسامة ، فقال : هي حق ، إن رجلا من الأنصار وجد قتيلا في قليب من قلب اليهود ، فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : يا رسول الله إنا وجدنا رجلا منا قتيلا في قليب من قلب اليهود ، فقال : ائتوني بشاهدين من غيركم ، قالوا : يا رسول الله ما لنا شاهدان من غيرنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فليقسم خمسون رجلا منكم على رجل ندفعه إليكم ، قالوا : يا رسول الله وكيف نقسم على من لم نره؟! قال : فتقسم اليهود ، قالوا : يا رسول الله وكيف ترضى باليهود وما فيهم من الشرك أعظم؟! فوداه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال زرارة : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنما جعلت القسامة احتياطا لدماء الناس لكي ما إذا أراد الفاسق أن يقتل رجلا أو يغتال رجلا حيث لا يراه أحد خاف ذلك ، فامتنع من القتل ».

وقال عليه‌السلام أيضا في خبر الآخر (٢) : « إن الله حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم ، حكم في أموالكم أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، وحكم في دمائكم أن البينة على من ادعي عليه واليمين على من ادعى لكيلا يطل دم امرء مسلم ».

وفي الحسن أو الصحيح (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٤ عن أبي بصير ، وفيه‌ = « لئلا يبطل دم امرء مسلم ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٢.

٢٢٩

سأله عن القسامة كيف كانت؟ فقال : « هي حق ، وهي مكنونة عندنا ، ولو لا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضا ثم لم يكن شي‌ء ، وإنما القسامة نجاة للناس ».

وفي‌ خبر عبد الله بن سنان (١) المشتمل على قتل الأنصاري أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت : كيف كانت القسامة؟ فقال : أما إنها حق ، ولو لا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضا ، وإنما القسامة حوط يحاط به الناس ».

إلى غير ذلك من النصوص التي قد يتوهم من ظاهرها عدم اعتبار اللوث فيها وإن كان المورد في بعضها وجدان القتيل في قلب اليهود أو القرية أو نحوهما مما فيه لوث أو كاللوث ، لكن ذلك لا يدل على الاشتراط على وجه يخص به عموم الروايات التي سمعتها. ومن هنا أشكل الحال على الأردبيلي حتى قال : « كأن لهم على ذلك إجماعا أو نصا ما اطلعت عليه ».

قلت : قد عرفت في ما تقدم ما يقوم بذلك ، مضافا إلى معلومية مخالفة القسامة للقواعد المعلومة بكون اليمين على المدعى ، وتعدد الأيمان فيها ، وجواز حلف الإنسان لإثبات حق غيره ، وعدم سقوط الدعوى بنكول من توجهت عليه اليمين إجماعا على ما في المسالك ، بل ترد اليمين على غيره ، وغير ذلك ، بل‌ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) « لو يعطى الناس بأقوالهم لاستباح قوم دماء قوم وأموالهم ».

فالمتجه الاقتصار فيها على المتيقن ، خصوصا بعد ما سمعت ، مضافا إلى ما في الرياض من أن النصوص أكثرها في قضية عبدا الله بن سهل المشهورة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ١.

(٢) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٥٢ مع اختلاف في اللفظ.

٢٣٠

وفيها اللوث بلا شبهة ، وغيرها بين ما مورد الأسئلة فيها وجدان القتيل في محل التهمة ، وهي كالأولة ، وبين مطلقة ، ولكن إطلاقها لبيان أصل المشروعية لا لبيان ثبوتها على الإطلاق ، فهو حينئذ من قبيل المجملات بلا شبهة.

هذا مع أن عدم اعتبار اللوث يستلزم عدم الفرق بين قتيل يوجد في قرية أو محلة أو نحو ذلك من الأمثلة الآتية وقتيل يوجد في سوق أو فلاة أو جهة ، مع أن الفتاوي والنصوص مطبقة بالفرق بينهما بثبوت القسامة في الأول دون الثاني.

ومن جملة تلك النصوص‌ صحيح مسعدة (١) عن الصادق عليه‌السلام « كان أبي إذا لم يقم المدعون البينة على من قتل قتيلهم ولم يقسموا بأن المتهمين قتلوا حلف المتهمين بالقتل خمسين يمينا بالله ما قلناه ولا علمنا له قاتلا ، ثم تؤدى الدية إلى أولياء القتيل ذلك إذا قتل في حي واحد ، فأما إذا قتل في عسكر أو سوق مدينة تدفع الدية إلى أوليائه من بيت المال ».

وفيه دلالة من وجهين كما لا يخفى على من تدبر سياقه.

قلت : وأظهر منه‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر زرارة (٢) : « إنما جعلت القسامة ليغلظ بها في الرجل المعروف بالشر المتهم ، فان شهدوا عليه جازت شهادتهم » ‌ولكن العمدة ما عرفته من الإجماع السابق ، ضرورة منع الإجمال في الإطلاقات المزبورة الفارقة بين الدماء والأموال ، وصحيح مسعدة (٣) لا ظهور فيه في الاشتراط على وجه إن لم تحصل أمارة للحاكم لم تشرع القسامة ، ولا الخبر الآخر (٤) والفرق المزبور بين قتيل الزحام وغيره إنما هو بالنسبة إلى أداء الدية لا في اللوث ، كما ستعرفه في نصوصه ، فتأمل جيدا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٧.

٢٣١

( و ) على كل حال فـ ( ـلا قسامة مع ارتفاع التهمة و ) عدم الأمارة التي تورث ظنا بصدق المدعي بلا خلاف فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه فـ ( ـللولي إحلاف المنكر يمينا واحدة ) كما في غيره من الدعوى ( ولا يجب التغليظ ) عليه فيها عددا أو قولا أو غيرهما وإن دعاه إليه الولي أو الحاكم ، خلافا للنافع في أحد قوليه ، فأوجب خمسين يمينا على منكر القتل مطلقا ، وهو واضح الضعف.

( ولو نكل فعلى ما مضى ) في كتاب القضاء ( من القولين ) حينئذ : القضاء عليه بالنكول أو مع يمين المدعى كما أشبعنا الكلام فيه في محله (١) فلاحظ ( و ) تأمل.

ثم المراد بـ ( ـاللوث أمارة يغلب معها الظن ) للحاكم ( بصدق المدعي ) وإلا فالمدعي الحالف على دعواه لا بد من الجزم فيه قطعا ( كالشاهد ولو واحدا ، وكما لو وجد متشحطا بدمه وعنده ذو سلاح عليه الدم ، أو في دار قوم أو في محلة منفردة عن البلد لا يدخلها غير أهلها ) وإن لم يكن بينهم وبينه عداوة ، نعم لو كانت المحلة يدخلها غير أهلها نهارا لا ليلا فان وجد قتيلا فيها ليلا ثبت اللوث دون النهار وبالعكس ، وعن جماعة اعتبار العداوة مع ذلك ، كما عن آخر التفصيل بين من يطرقها غير أهلها وبين من لم يطرقها ، وستعرف التحقيق إن شاء الله ( أو في صف مقابل الخصم بعد المراماة ).

( ولو وجد في قرية مطروقة أو ) في ( حلة من حلال العرب أو في محلة ( منفردة خ ) مطروقة وإن انفردت فان كان هناك عداوة فهو لوث وإلا فلا لوث ، لأن الاحتمال متحقق هنا ) على وجه لا يغلب الظن معه بخلافه مع العداوة ، بل لعله قضية عبد الله بن سهل‌

__________________

(١) راجع ج ٤٠ ص ١٨٢ ـ ١٨٩.

٢٣٢

مع أهل خيبر من ذلك ، ضرورة كون اليهود أعداء للأنصار ، وليس أخيار القتيل لوثا ، كما صرح به بعضهم مع احتماله في بعض الأفراد.

( ولو وجد ) قتيلا ( بين القريتين فاللوث لأقربهما إليه ومع التساوي في القرب فهما سواء في اللوث ) كما صرح به جماعة ، بل عن الغنية الإجماع عليه لحسن الحلبي (١) بإبراهيم بن هاشم‌ وخبر سماعة (٢) أو موثقه عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن الرجل يوجد قتيلا في القرية أو بين قريتين ، قال : يقاس ما بينهما فأيهما كانت أقرب ضمنت » مؤيدا بخبر محمد بن قيس (٣) أو صحيحه « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل قتل في قرية أو قريبا من قرية أن يغرم أهل تلك القرية إن لم توجد بينة على أهل تلك القرية إنهم ما قتلوه ».

وفي‌ صحيح ابن مسلم (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل وجد في قبيلة وعلى باب دار قوم فادعى عليهم ، قال : ليس عليهم شي‌ء ، ولا يبطل دمه » ‌ونحوه ما في صحيحي ابن سنان. (٥)

لكن في محكي التهذيب والاستبصار بعد نقل الخبرين الأولين « إنما يلزم أهل القرية أو القبيلة إذا وجد القتيل بينهم إن كانوا متهمين بالقتل وامتنعوا من القسامة ، فأما إذا لم يكونوا متهمين أو أجابوا إلى القسامة فلا دية عليهم ، ويؤدي من بيت المال » مستشهدا على ذلك بصحيح مسعدة (٦) السابق وبحبر علي بن الفضيل (٧) عن أبي عبد الله (ع)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ١ بطريقين.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٦.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٥.

٢٣٣

« إذا وجد رجل مقتول في قبيلة قوم حلفوا جميعا ما قتلوه ، ولا يعلمون له قاتلا ، فإن أبوا أن يحلفوا غرموا الدية بينهم في أموالهم سواء بين جميع القبيلة من الرجال المدركين ».

ونحو ذلك ما عن النهاية والمراسم من التقييد بالتهمة الظاهرة ، بل وكذا عن ابن إدريس نافيا عنه البأس في محكي المختلف.

وفي كشف اللثام تقييد الفرض الأول بأن لا يطرقهما غير أهلهما ولا عداوة بينه وبينهم أو كانت العداوة بينه وبين أهلهما جميعا وإن كان يطرقهما غير أهلهما ، والثاني ـ أي المساواة ـ بما إذا لم يثبت العداوة لإحداهما دون الأخرى ، وإلا كان اللوث لها وإن كانت أبعد.

وعن الشهيد في حواشيه اشتراط العداوة في جميع هذه المسائل إلى غير ذلك من كلماتهم المحكية في أمثلة متعددة التي توجب تشويشا للناظر فيها.

ولم يظهر لنا وجه معتد به لذلك ، ضرورة أنه بعد أن ذكروا كون المدار في اللوث على حصول أمارة تفيد الحكم ظنا بصدق المدعي من غير اعتبار أمارة خاصة لم يكن فائدة في التعرض للأمارات ، فان قرائن الأحوال مختلفة أشد اختلاف لا يمكن حصرها ، والنصوص المزبورة لا تعرض فيها للقسامة ، وإنما اقتصرت على وجوب الدية ، ومقتضى الجميع بينها ما تضمنه صحيح مسعدة (١) وخبر الفضيل (٢) من وجوب الدية إلا إذا علم الأولياء براءتهم وأن القاتل غيرهم ، وهذا حكم آخر غير القسامة ، نعم لما كان اللوث أمارة تفيد الحاكم ظنا بصدق المدعي لو ادعى فهناك يجري حكم القسامة ، بخلاف ما إذا لم يدع ، فإن الدية حينئذ عليهم إلا مع البينة على أن القاتل غيرهم أو القسامة أو براءة الأولياء لهم.

ولو وجد مقطعا في قبائل فديته على من وجد وسطه وصدره فيها ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٥.

٢٣٤

لخبر فضيل بن عثمان الأعور (١) عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام « في الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة ووسطه وصدره في قبيلة والباقي في قبيلة ، قال : ديته على من وجد في قبيلته صدره وبدنه ».

ومنه يعلم حصول اللوث لو ادعاه الولي ، كما أفتى به الفاضل في القواعد ، ضرورة كونه أمارة ، ولذا وجبت الدية ، وكان الوجه في ذكر الأصحاب هذه الأشياء بخصوصها لأنها منصوصة ، ولأنها أمارات توجب الظن ، فيترتب عليها اللوث لو ادعاه الولي فتأمل.

وظاهر الخبر المزبور أن ذلك حكم خارج عن حكم القريتين ، كما هو ظاهر الفاضل في القواعد والمفيد في المقنعة.

لكن عن السرائر روى أصحابنا أنه إذا كانت القريتان متساويتين إليه في المساحة كانت ديته على أهل الموضع الذي وجد فيه قلبه وصدره ، وليس على الباقين شي‌ء إلا أن يتهم آخرون ، فيكون الحكم فيهم إما إقامة البينة أو القسامة.

وهو كما ترى غير ما سمعته من الخبر المزبور الذي مضمونه هو المحكي عن المقنعة ، نعم زاد فيها إلا أن يتهم أولياء المقتول أهل موضع آخر ، فلاحظ وتأمل فإني لم أعثر على من تعرض للفرع المزبور إلا من عرفت ، كما أني لم أجد مصرحا بما ذكرناه من وجوب الدية في المقامات المزبورة على من عرفت من دون بينة أو إقرار أو قسامة من المدعي أو امتناع عنها من المدعي عليه ، بل ظاهر كلامهم في انحصار المثبت للدم في ذلك خلافه ، نعم ذكروا أن ذلك موجب للوث المقتضي لثبوت الحق بالقسامة من المدعي أو الامتناع عنها من المدعى عليه ، كما تسمعه من الشيخ رحمه‌الله وغيره فتأمل جيدا. هذا كله في المقتول في الأماكن التي سمعتها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٦.

٢٣٥

( أما من وجد ) قتيلا ( في زحام على قنطرة أو بئر أو جسر أو مصنع فديته على بيت المال ) ما لم يحصل لوث على معين ( وكذا لو وجد في جامع عظيم أو شارع ، وكذا لو وجد في فلاة ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، مضافا إلى النصوص المستفيضة أو المتواترة.

منها : خبر عبد الملك (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « من مات في زحام الناس يوم الجمعة أو يوم عرفة أو على جسر لا يعلمون من قتله فديته من بيت المال ».

وخبر ابني سنان (٢) وبكير عنه عليه‌السلام أيضا « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل وجد مقتولا لا يدرى من قتله ، قال : إن كان عرفت له أولياء يطلبون ديته أعطوا ديته من بيت مال المسلمين ولا يبطل دم امرء مسلم ـ إلى أن قال ـ : وقضى عليه‌السلام في رجل زحمه الناس يوم الجمعة فمات أن ديته من بيت مال المسلمين ».

وخبر محمد بن مسلم (٣) عن الباقر عليه‌السلام « ازدحم الناس يوم الجمعة في إمرة علي عليه‌السلام بالكوفة فقتلوا رجلا فودى ديته إلى أهله من بيت مال المسلمين ».

وخبر السكوني (٤) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « قال علي عليه‌السلام : من مات في زحام جمعة أو عيد أو عرفة أو على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٥ وهو عن مسمع بن عبد الملك.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٢.

(٤) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٥ وذكره في الفقيه ج ٤ ص ١٢٢ ـ الرقم ٤٢٧.

٢٣٦

بئر أو على جسر لا يعلمون من قتله فديته على بيت المال ».

وخبر أبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن وجد قتيل بأرض فلاة أديت ديته من بيت المال ، فإن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول : لا يطل دم امرء مسلم ».

وخبر سوار (٢) عن الحسن عليه‌السلام « أن عليا عليه‌السلام لما هزم طلحة والزبير أقبل الناس منهزمين ، فمروا بامرأة حامل على ظهر الطريق ، ففزعت منهم وطرحت ما في بطنها حيا ، فاضطرب حتى مات ، ثم ماتت أمه من بعده ، فمر بها علي عليه‌السلام وأصحابه وهي مطروحة وولدها على الطريق ، فسألهم عن أمرها ، قالوا له : إنها كانت حاملا ففزعت حين رأت القتال والهزيمة ، قال : فسألهم أيهم مات قبل صاحبه ، قالوا : إن ابنها مات قبلها ، قال : فدعى بزوجها أب الغلام الميت فورثه من ابنه ثلثي الدية ، وورث أمه ثلث الدية ، ثم ورث الزوج من امرأته الميتة نصف ثلث الدية الذي ورثته من ابنها الميت ، وورث قرابة الميت الباقي ، قال : ثم ورث الزوج من دية امرأته الميتة نصف الدية ، وهو ألفان وخمسمائة درهم ، وورث قرابة الميتة نصف الدية ، وهو ألفا وخمسمائة درهم ، وذلك أنه لم يكن لها ولد غير الذي رمت به حين فزعت ، قال : وأدى ذلك كله من بيت مال البصرة ».

ومن ذلك يعلم أن المراد من‌ قوله عليه‌السلام في خبر السكوني (٣) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٣ وفيه‌ « لا يبطل دم امرء مسلم ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٣ من كتاب الفرائض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٣.

٢٣٧

« ليس في الهايشات عقل ولا قصاص ، والهايشات الفزعة تقع بالليل والنهار فيشج الرجل فيها أو يقع قتيل لا يدري من قتله وشجه » ‌أي على غير بيت المال ، بل يشهد له ما عن الكافي متصلا بالخبر المزبور ، وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في حديث آخر (١) « رفع إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام : « فوداه من بيت المال ».

إلى غير ذلك من النصوص المعلوم كون المراد منها ذلك مع عدم اللوث على معين وادعاه الولي وإلا ترتب حكمه ، وكأن الإطلاق فيها مبني على الغالب ، كإطلاق الدية على من عرفت في قتيل القرية ونحوها ، ضرورة عدمها مع عدم التهمة أيضا ، ولكن يترتب اللوث لو ادعاه عليها أو على غيرها مع فرض تحققه ، وذلك كله واضح بحمد الله.

( و ) لكن قد يشكل ما ذكره المصنف وغيره من أنه ( لا يثبت اللوث بشهادة الصبي ولا الفاسق ولا الكافر ولو كان مأمونا في نحلته ، نعم لو أخبر جماعة من الفساق أو النساء مع ارتفاع المواطاة ) منهم قطعا ( أو مع ظن ارتفاعها كان لوثا ) معللين للأول بعدم اعتبار أخبارهم شرعا ، بل في كشف اللثام زيادة المرأة وإن كانت ثقة معللا لها بما عرفت.

إلا أن ذلك كله كما ترى ، ضرورة كون المدار على الظن لا على المعتبر فيه شرعا ، وإلا لم يفد أيضا أخبار الجماعة المزبورين الذين منهم الفساق. ومن هنا قال في المسالك : « ولو شهد جماعة ممن تقبل رواياتهم كالعبيد والنسوة وأفاد خبرهم الظن فهو لوث وإن احتمل التواطؤ على الكذب كاحتماله في شهادة العدل ، وإن لم تقبل رواياتهم كالصبي والفسقة وأهل الذمة فالمشهور عدم إفادة قولهم اللوث ، لأنه غير معتبر شرعا ، ولو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ٤.

٢٣٨

قيل بثبوته مع إفادتهم الظن كان حسنا لأن مناطه الظن ، وهو قد يحصل بذلك ».

وأشكل من ذلك قولهم ( ولو كان الجماعة صبيانا أو كفارا لم يثبت اللوث ما لم يبلغ حد التواتر ) مع أن بلوغه حد التواتر يوجب ثبوت القتل لا اللوث ، وحمله في كشف اللثام على الشياع.

وفيه أنه لا دليل على اعتباره أيضا لما سمعته من النصوص الدالة بإطلاقها على سماع دعوى المدعي في الدماء ، أقصى ما تقيدت من جهة الإجماع وغيره بعدم القسامة مع عدم أمارة توجب ظنا ، وحينئذ فمتى حصل الظن بصدق المدعي من أمارة من أماراته سمعت دعواه بالقسامة من غير فرق بين أسباب الظن ، بل وأفراده ، إذ الظاهر إرادة حصول الظن من قول المصنف وغيره : « يغلب » إلى آخره في تعريف اللوث ، لا اعتبار الظن الغالب ، نحو ما عبروا به في الشك في عدد الركعات من غلبة الظن نصا (١) وفتوى ، وإلا كان منافيا لإطلاق الأدلة ، بل ولما ذكروه من الأمارات التي تفيد الظن ، لا الظن الغالب ، ومنه المتآخم للعلم ، نعم لا بد من الانتقاد للأفراد المشتبهة بالظن ، فان بعض أفراد الشك قد تشتبه به ، وإلا فمتى حصل ثبت الحكم ، واحتمال القول بأن الإطلاق علم تقييده باللوث ، والمتيقن منه ظن مخصوص يدفعه ما عرفت من عدم وجود لفظ اللوث ، وعلى تقديره فقد عرفت ما ذكروه في تفسيره وما ذكروه من الأمثلة له ، وأنه على تقديره لا دليل عليه ، وليس المقام من التقييد بالمحل ، كما هو واضح ، نعم لا بد من وجود أمارة تقتضي الظن بصدق المدعي.

( و ) من هنا قال المصنف وغيره ( يشترط في اللوث

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة من كتاب الصلاة.

٢٣٩

خلوصه عن الشك ، فلو وجد بالقرب من القتيل ذو سلاح ملطخ بالدم مع سبع من شأنه قتل الإنسان بطل اللوث ، لتحقق الشك ) بتعارض الأمارتين.

( ولو قال الشاهد ) فضلا عن الشاهدين ( قتله أحد هذين كان لوثا ) عند الشيخ ، فإذا عين الولي أحدهما كان عليه القسامة ، قال ( ولو قال : ) إن فلانا ( قتل أحد هذين ) القتيلين ( لم يكن لوثا ) لأن ذلك لا يوقع في القلب صدق ولي أحدهما إذا ادعى القتل عليه بالتعيين.

( و ) لكن ( في الفرق تردد ) كما ذكره المصنف وغيره ، إلا أن ذلك محتمل ، لكونه لا لوث في شي‌ء منهما ، للاشتراك في الإبهام المانع من حصول الظن بالمعين ، ومحتمل لكونه لوثا فيهما باعتبار حصول الأمارة على دعوى المدعي ولو في الجملة.

ولكن في المسالك « الظاهر هو الفرق ، لأن قول الشاهد : إن الشخص المعين قتل أحد هذين يفيد الظن بكونه قاتلا من غير اعتبار التعيين ، فحلف أحد الوليين بأنه القاتل يوافق ما ظن فيه ، بخلاف شهادته على أحد الرجلين أنه قاتل المعين ، فإنه لا يحصل الظن بأحدهما على الخصوص ليثبت عليه القتل ومقتضاه حصول اللوث بالثاني عكس ما سمعته من الشيخ ».

وفيه منع واضح ، بل هو مناف لما ذكره هو وغيره في المسألة السابعة ، وهي لو أقام البينة على أحدهما ، واحتمال القول إن إطلاق الأدلة يقتضي سماع دعوى المدعي في نحو ذلك لعدم معلومية خروج هذا الفرد منها يدفعه ـ مع أن مقتضاه عدم الفرق بينهما ـ ما عرفته من الإجماع على اعتبار الأمارة التي تشهد بصدق المدعي المقيد للإطلاق المزبور ،

٢٤٠