جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كون ذلك هو المتيقن ، لأن القتل أعم من كونه موجبا للدية أو القتل ، لكن يمكن دفعه بأنه يستفاد من استقراء‌ النصوص منها « لا يطل دم امرء مسلم » (١) ‌ثبوت الدية مع عدم العلم بالصفة ، وليس ذلك لإثبات كونه خطأ أو شبيه عمد كي يشكل بأنهما كالعمد بالنسبة إلى ما يقع في الخارج ، بل هو أمر آخر مستفاد من الأدلة ، فما عساه يظهر من بعض من إمكان تنقيح ذلك بالأصول لا يخلو من نظر ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة : )

( لو ادعى على شخص ) مثلا ( القتل منفردا ثم ادعى على آخر لم تسمع الثانية ، برأ الأول أو أشركه ، لإكذابه نفسه بالدعوى الأولى ) وفي القواعد جعل من شرائط صحة الدعوى عدم التناقض وفرع عليه ذلك ، بل لو لم يحلف على الأولى ولم يمض الحكم بها لم يمكنه العود إليها أيضا ، لتكذيبه إياها بالثانية ، فمقتضى مؤاخذته بإقراره عدم سماعهما معا ، نعم لو أن الثاني صدقه في دعواه ففي القبول وجهان : أحدهما أنه ليس له أن يؤاخذه بموجب تصديقه ، لأن في الدعوى الأولى اعترافا ببراءة غير المدعى عليه ، وأصحهما كما في المسالك وأقربهما في القواعد المؤاخذة ، لأن الحق لا يعدوهما ، ويمكن أن يكون كاذبا في الأولى أو غالطا أو ساهيا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ والباب ـ ٤٦ ـ منها ـ الحديث ٢ والباب ـ ٢ ـ من أبواب دعوى القتل الحديث ١ والباب ـ ٨ ـ منها ـ الحديث ٣ والباب ـ ١٠ ـ منها ـ الحديث ٥ وفي الجميع « لا يبطل دم امرء مسلم » إلا أن الموجود في التهذيب ج ١٠ ص ١٦٧ و ٣٣٢ « لا يطل دم امرء مسلم ».

٢٠١

هذا وفي المتن في أصل المسألة ( وفيه للشيخ قول آخر ) وظاهره أنه قول بسماع الثانية ، لكن في المسالك « الموجود في كلام الشيخ وغيره الخلاف في هذا القسم » وهو ما إذا صدقه الثاني على دعواه ، وأن المرجح قبول دعوى المدعي الثانية ، وحينئذ فيكون هذا القول مخالفا لإطلاق الأول عدم سماع الثانية المتناول لما إذا صدق المدعى عليه ثانيا وما إذا كذب ، وأما القول بأن الدعوى الثانية مسموعة مطلقا مع كونها مكذبة للأولى فلا يظهر به قائل ».

قلت : يمكن القول بسماع الثانية إذا أظهر للأولى عذرا يقبل في حقه كما في غير المقام وإن لم أجد من ذكره هنا ، بل لعل كلامهم في.

المسألة ( الرابعة )

يرشد إليه وهي ( لو ادعى قتل العمد ففسره بالخطإ لم تبطل أصل الدعوى ، وكذا لو ادعى الخطأ وفسره بما ليس بخطإ ) فإنه قد اعترف في المسالك بأنها كالمتفرعة على السابقة قال : « وإنما فصلها عنها وحكم بالقبول ، لأن كل واحد منهما قد يخفى مفهومه على كثير من الناس فقد يظن ما ليس بعمد عمدا فيتبين بتفسيره أنه مخطئ في اعتقاده ، وبالعكس ، وأيضا فقد يكذب في الوصف ويصدق في الأصل فلا ترد أصل الدعوى ، ويعتمد على تفسيره ويمضى حكمه ».

ولا يخفى عليك أن ذلك ليس إلا لإمكان العذر في حقه ، وإلا فهو في دعوى العمد معترف ببراءة العاقلة ، فلا يتمكن من مطالبته ولا تسمع دعواه عليه ، وفي دعوى الخطأ المحض معترف ببراءة الجاني ، فلا تسمع دعواه بعد ذلك عليه. ومن هنا احتمل غير واحد عدم السماع أيضا ،

٢٠٢

ولكن المعروف في الفتوى السماع الذي مبناه ما عرفت ، وهو مشترك بين المقامين.

ولو ادعى القتل فصالح على مال ثم قال بعد ذلك : ظلمته بأخذ المال مفسرا له بأن الدعوى كانت كاذبة استرد المال منه أخذا بإقراره ، وأما لو فسره بأنه حنفي لا يرى القسامة وقد أخذه منه بها لم يسترد ، لأن النظر في الحكم إلى رأي الحاكم المحق ، وهو يرى الاستحقاق بها لا إلى رأي الخصمين ، فالمال له شرعا وإن كان يزعم خلافه.

ودعوى أن ذلك لا بوافق أصولنا كما عن الأردبيلي بل يوافق أصول أبي حنيفة الذي يرى انقلاب الواقع بحكم الحاكم واضحة الفساد كما حررناه في كتاب القضاء (١) وغيره ، وقلنا : إن ذلك هو معنى قولهم : « إن الفتوى تنقض بالحكم دون العكس » نعم هو كذلك في الموضوع والحكم القطعيين ، فإنه لا يتغير الواقع بحكم الحاكم بخلاف الحكم الاجتهادي والتقليدي.

ولو قال : هذا المال حرام مفسرا له بعدم ملك الباذل له فان عين له مالكا دفعه إليه ، وإلا ففي إفرازه في يده مضمونا عليه أو لا أو أخذ الحاكم منه وحفظه لمالكه وجهان ، وقد تقدم الكلام في نظيره في الإقرار (٢) والغصب (٣) وغيره من الكتب السابقة وعلى كل حال فليس على الباذل شي‌ء من غير بينة.

( و ) كيف كان فلا خلاف كما لا إشكال في أنه ( تثبت الدعوى ) بالقتل ( بالإقرار أو البينة أو القسامة ، ) ( أما الإقرار فيكفي ) فيه ( المرة ) وفاقا للأكثر ، بل عليه عامة المتأخرين عدا نادر ،

__________________

(١) راجع ج ٤٠ ص ٩٤ ـ ١٠٣.

(٢) راجع ج ٣٥ ص ٥٨ ـ ٦٢.

(٣) راجع ج ٣٧ ص ٢٣٠ ـ ٢٣١.

٢٠٣

للعموم وخصوص ظاهر المرسل المرفوع (١) الآتي وغيره ( و ) لكن ( بعض الأصحاب ) كالشيخ وابني إدريس والبراج والطبرسي ويحيى ابن سعيد على ما حكي عنهم ( يشترط الإقرار مرتين ) ولا نعرف له وجها إلا الاحتياط في الدماء الذي لا يعارض الأدلة مع أنه معارض بمثله ، وعدم بطلان دم المسلم ، ولذا قبلت فيه في الجملة شهادة النساء والصبيان وقسامة المدعي تحقيقا لقوله تعالى (٢) ( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) وإلا القياس على السرقة الممنوع عندنا ، على أنه مع الفارق ، ضرورة كونها من الحقوق الإلهية المبنية على التخفيف والمسامحة ( و ) لذا يسقط بالتوبة بخلاف حقوق الآدميين.

نعم ( يعتبر في المقر البلوغ وكمال العقل والاختيار والحرية ) فلا عبرة بإقرار الصبي وإن راهق ولا المجنون ولا المكره ولا الساهي والغافل والنائم والسكران ولا العبد الذي إقراره يكون في حق المولى ، كما‌ سأل الصادق عليه‌السلام أبو محمد الوابشي (٣) الذي لم يذكر علماء الرجال على ما قيل فيه سوى أنه من أصحاب الصادق عليه‌السلام إلا أنه وصفه في الرياض بالقرب من الصحيح بناء منه على صحة الخبر برواية أحد من أصحاب الإجماع له ، وهو أصل فاسد ، بل قيل : إنه هو رجع عنه ، فهو حينئذ غير صحيح ، ولكنه معتضد بالفتوى والقاعدة ، قال : « سألته عن قوم ادعوا على عبد جناية تحيط برقبته فأقر العبد بها ، فقال : لا يجوز إقرار العبد على سيده ».

بل لو أعتق ففي مؤاخذته بإقراره وجهان ، كما سمعت الكلام فيه في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ١.

(٢) سورة البقرة : ـ ٢ ـ الآية ١٧٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٣.

٢٠٤

كتاب الإقرار (١) بل وفي ما لو صدقه مولاه ، وأنه يقبل لأن الحق لا يعدوهما ، وربما احتمل ضعيفا عدم القبول ، بل وفي ما لو أقر عليه مولاه دونه ، فإنه يقبل ولكن يجب المال ويتعلق برقبة الجاني دون القصاص ، فلاحظ وتأمل.

ولا فرق في العبد بين المدبر وأم الولد والمكاتب وإن انعتق بعضه ونفذ إقراره في نصيب الحرية لكن لا يقاد منه ، بل يؤخذ الدية بالحساب ، فان لم يؤدها حتى انعتق أقيد منه كما تقدم الكلام في ذلك كله في محله.

ولو أقر العبد المرهون لم ينفذ إقراره إلا مع تصديق المرتهن وإن صدقه المولى ، لتعلق حقه به ، نعم لو أقر الأجير الخاص فالظاهر نفوذ إقراره وإن لم يصدقه المستأجر ، لأنه لا يكون بذلك كالرهن وإن كان لا يجوز له العمل لغير المستأجر ، لأنه لا يكون بذلك كالرهن وإن كان لا يجوز له العمل لغير المستأجر إلا أنه تكليف في ذمته لا حق يتعلق بعينه ، فيقتص منه وتبطل إجارته. هذا كله في ما سمعت من المحجور عليهم.

( أما المحجور عليه لسفه أو فلس فيقبل إقراره بالعمد ) لعدم الحجر عليه ، فتشمله العمومات ( ويستوفى منه القصاص ) في الحال من غير انتظار لفك حجره ( وأما الخطأ ) الشبيه بالعمد ونحوه مما يوجب عليه الدية ( فيثبت ) المال في ذمته بإقرار المفلس به ( ولكن لا يشارك الغرماء ) مع عدم تصديقهم وإن أسنده إلى ما قبل الحجر على إشكال تقدم الكلام فيه في كتاب المفلس (٢) فلاحظ وتأمل كي تعرف الفرق بين الجناية والإتلاف وبين غيرهما من المعاملات الاختيارية بالنسبة إلى الثبوت بالبينة والإقرار والإسناد إلى ما بعد الحجر وقبله ، والله الهادي.

__________________

(١) راجع ج ٣٥ ص ١٠٨ ـ ١١٠.

(٢) راجع ج ٢٥ ص ٢٩٣ و ٣٥٢.

٢٠٥

( ولو أقر واحد بقتله عمدا وآخر بقتله خطأ تخير الولي ) في ( تصديق أحدهما ) كما صرح به غير واحد ، بل عن الانتصار الإجماع عليه ، لأن إقرار كل منهما سبب في إيجاب مقتضاه على المقر به ، ولا يمكن الجمع بين الأمرين ، فيتخير وإن جهل الحال ( وليس له على الآخر سبيل ).

ويدل عليه مضافا إلى ذلك‌ خبر الحسن بن صالح (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وجد مقتولا فجاء رجلان إلى وليه ، فقال أحدهما : أنا قتلته عمدا ، وقال الآخر : أنا قتلته خطأ ، فقال : إن هو أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ وأخذ بقول صاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل ».

فما عن بعض العامة من قتلهما أو أخذ الدية منهما واضح الفساد ، بل وكذا ما عن الغنية والإصباح من تخير الولي بين قتل المقر بالعمد وأخذ الدية منهما نصفين ، والله العالم.

( ولو أقر بقتله عمدا فأقر آخر أنه هو الذي قتله ورجع الأول درئ عنهما القصاص والدية وودي المقتول من بيت المال ) كما هو المشهور ، بل في كشف الرموز أن الأصحاب ذهبوا إلى ذلك ولا أعرف مخالفا ، بل عن الانتصار الإجماع عليه ، بل قال أيضا : إنا نسند ما ذهبنا إليه إلى نص وتوقيف.

( و ) لعله ( هو قضية الحسن عليه‌السلام ) التي رواها‌ علي بن إبراهيم عن أبيه (٢) قال : « أخبرني بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أتي أمير المؤمنين عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ١.

٢٠٦

برجل هو في خربة وبيده سكين متلطخ بالدم فإذا رجل مذبوح متشحط بدمه ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما تقول؟ قال : أنا قتلته يا أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : اذهبوا به فأقيدوه ، فلما ذهبوا به ليقتلوه أقبل رجل مسرعا ، فقال : لا تعجلوا وردوه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فردوه فقال : والله يا أمير المؤمنين ما هذا قتل صاحبه أنا قتلته ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام للأول : ما حملك على إقرارك على نفسك؟ فقال : يا أمير المؤمنين عليه‌السلام وما كنت أستطيع أن أقول ، وقد شهدوا علي أمثال هؤلاء الرجال وأخذوني وبيدي سكين ملطخ بالدم والرجل متشحط في دمه وأنا قائم عليه وخفت الضرب فأقررت ، وأنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة ، فأخذني البول فدخلت الخربة فوجدت الرجل يتشحط في دمه فقمت متعجبا ، فدخل علي هؤلاء فأخذوني ، فقال عليه‌السلام : خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسن عليه‌السلام وقولوا : ما الحكم فيهما؟ قال : فذهبوا إلى الحسن عليه‌السلام وقصوا عليه قصتهما ، فقال الحسن عليه‌السلام : قولوا لأمير المؤمنين عليه‌السلام : إن كان هذا ذبح هذا فقد أحيا هذا ، وقد قال الله تعالى ( وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً ) (١) فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام ( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ) فخلى عنهما ، وأخرج دية المذبوح من بيت المال ».

وفي التنقيح وغاية المرام عليها عمل الأصحاب ، وعن السرائر نسبتها إلى رواية أصحابنا ، ولم نجد مخالفا في ذلك إلا ثاني الشهيدين وأبا العباس في ما حكي عنه ، لإرسال الخبر المزبور المنجبر بما عرفت على وجه يصلح قاطعا للأصل ، ولاقتضاء ذلك إسقاط حق المسلم ، لجواز التواطؤ‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣٢.

٢٠٧

من المقرين على قتله وإسقاط القصاص والدية ، وهو كما ترى مجرد اعتبار لا يعارض ما سمعت من النص والفتوى المشتمل على الكرامة للحسن عليه‌السلام باعتبار أنه لو كان غيره لأخذ بقاعدة الإقرار ، إلا أنه لما كان مؤيدا بروح القدس ومسددا بتسديداته والفرض أن الحكم عند الله تعالى شأنه على خلاف قاعدة الإقرار للحكمة التي ذكرها أبو محمد عليه‌السلام قضى فيها بما سمعت ، وأراد أمير المؤمنين عليه‌السلام إظهار أمر الحسن عليه‌السلام وأنه من معادن أسرار الله تعالى.

ثم إن ظاهر التعليل المزبور عدم الفرق بين وجود بيت المال وعدمه ، بل لعله ظاهر الفتاوى أيضا وإن أشكله في المسالك والرياض باقتضائه حينئذ ذهاب حق المقر له ، بل مقتضى التعليل ذلك أيضا وإن لم يرجع الأول عن إقراره ، إلا أن ظاهر الفتاوى تقييده بذلك ، ويؤيده قاعدة الاقتصار في ما خالف الأصول على المتيقن ، بل لو لا ظهور الاتفاق على النص المزبور المشتمل على كرامة الحسن عليه‌السلام أمكن حمل ما وقع من الحسن عليه‌السلام على أنه قضية في واقعة أو غير ذلك ، والله العالم.

( وأما البينة فلا يثبت ما يجب به القصاص ) في النفس أو الطرف ( إلا بشاهدين ) عدلين عند المصنف هنا ( و ) حينئذ ( لا يثبت بشاهد وامرأتين ) فضلا عن شهادة النساء منفردات.

وقيل والقائل الشيخ في المبسوط والفاضل وغيرهما : يجب به القود بل هو مختار المصنف في كتاب الشهادات.

( وقيل ) والقائل الشيخ أيضا في النهاية وابن الجنيد وأبو الصلاح والقاضي والفاضل في المختلف ( يثبت ) ذلك ، ولكنه تجب ( به الدية ) دون القصاص جمعا بين الأدلة ( و ) لكن قال المصنف ( هو شاذ ) ‌

٢٠٨

مع أن القائل به جماعة ، وقد تقدم تحقيق الحال في ذلك في كتاب الشهادات.

( و ) كذا تقدم البحث في أنه ( لا ) يثبت ( بشاهد ويمين ) كما هو المشهور ، بل في الرياض الاتفاق عليه ، أو يثبت بهما كما عن الشيخ وابن إدريس ، فلاحظ وتأمل.

( و ) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه ( يثبت بكل منهما ( بذلك خ ل ) ما موجبه الدية كقتل الخطأ ) الشبيه بالعمد وغيره ( والهاشمة والمنقلة وكسر العظام والجائفة ) لكون الشهادة على المال الذي يثبت بشهادة النساء منفردات ، بل وبالامرأتين مع اليمين ، كما تقدم تحقيق ذلك كله في كتاب الشهادات أيضا.

ولو عفا من له القصاص على مال لم يثبت بشهادة النساء وإن انضممن بناء على عدم ثبوت القصاص ، فان المال ليس من المشهود به ، وإنما هو طرأ من خارج ، وعن العامة وجه بالقبول إذا رجع إلى المال قبل الإثبات ، كأن يقول : عفوت عن القصاص فاقبلوا مني شهادة رجل وامرأتين ، وضعفه واضح.

ولو شهد الرجل والامرأتان على هاشمة مسبوقة بإيضاح بضربة واحدة ففي القواعد والإرشاد ومحكي حواشي الشهيد الأول وروض الجنان عدم القبول في الهشم الموجب للأرش ، أي لم يترتب على الهشم أرش أصلا ، لأنها شهادة واحدة ردت في بعضها ، وهو الإيضاح الموجب للقصاص ، فلا تقبل في الباقي ، ولأن الهشم لا ينفصل من الإيضاح الممتنع بالشهادة فيمتنع ما لا يتم إلا به.

وفيه أنه لا بعد في ثبوته مع عدم ثبوت الإيضاح نحو ما سمعته في السرقة التي يثبت فيها المال بذلك دون الحد ، كما أنه يمكن حصول الهشم بدون إيضاح ، ولعله لذا تردد في عدم القبول في التحرير وغيره ، بل‌

٢٠٩

عن المبسوط أنه قوى القبول ، ومال إليه في كشف اللثام.

ولو شهدوا أنه رمى زيدا عمدا فمرق السهم فأصاب عمرا خطأ ثبت الخطأ دون العمد ، لأنهما جنايتان ، فإنه لا إشكال في قبول الثانية لو شهدوا أولا بأنه ضربه فأوضحه ثم ضربه ثانيا فهشمه للتعدد ، وما في بعض الكتب ـ من المناقشة في ذلك ، وأنها شهادة واحدة بضربة واحدة ، فاما أن تقبل فيهما أو تردد كذلك ـ واهبة.

( و ) على كل حال ففي المتن وغيره أنه ( لا تقبل الشهادة ) بالقتل ( إلا صافية عن الاحتمال كقوله : ضربه بالسيف فمات أو فقتله أو فأنهر دمه ) من باب الافعال لا الانفعال ، قال في القاموس : « أنهر الدم : أظهره وأساله » ( فمات في حاله أو فلم يزل مريضا منها حتى مات وإن طالت المدة ) وزاد في التحرير في الأول « من الضربة » وفي الثالث « من ذلك » ومقتضى عبارة المتن والقواعد والإرشاد ومحكي المبسوط عدم اعتبار ذلك ، ولعله لأن الفاء للتسبيب الدال على أن موته بسبب ذلك ، وكأنه في التحرير لم يكتف بها في الصراحة كما استظهره في المسالك ، ومن هنا قال : « عبارة التحرير في هذا الباب أجود ، لأنه اقتصر على أمثلة صريحة ».

قلت : لا ريب في عدم الصراحة التي ينتفي معها الاحتمال ، لكن قد يشكل اعتبار ذلك إن لم يكن إجماعا بمعلومية حجية ظواهر الألفاظ ، نعم لو فرض كون الاحتمال على وجه يفيد اللفظ الاجمال اتجه ذلك ، لعدم الظهور حينئذ ، أما مع عدمه فالمتجه اعتبار الظاهر وإن لم يكن صريحا ، ومن ذلك ينقدح الإشكال في أصل الشرط المزبور ، وعلى تقديره فلا ريب في عدم الصراحة بقوله : ضرب فمات ، ويمكن ـ بقرينة ما سمعته من التمثيل ـ إرادة نحو اعتبار هذه الظواهر في الشهادة بالقتل ، خصوصا‌

٢١٠

القصاص منه في مقابلة بعض الظواهر الذي يكون ظهوره اجتهاديا ، لا أن المراد الصراحة التي ينتفى معها الاحتمال ، فتأمل ، والله العالم بحقيقة الحال.

( ولو أنكر المدعى عليه ما شهدت به البينة لم يلتفت إلى إنكاره ) قطعا ( وإن صدقها ) في الشهادة بالجناية ( و ) لكن ( ادعى الموت بغير الجناية ) التي شهدت البينة بها ( كان القول قوله مع يمينه ) للأصل وغيره ، نعم لو تضمن ذلك تكذيب الشهادة كما لو صرح الشاهدان بموته منها لم يلتفت إلى دعواه.

( وكذلك الحكم في الجراح ) الذي هو كالقتل في اعتبار الشرط المزبور ( فإنه لو قال الشاهد : ضربه فأوضحه ) أو اتضح من ضربته أو نحو ذلك ( قبل ) للصراحة في حصول الإيضاح من جنايته.

( و ) أما ( لو قال : اختصما ثم افترقا وهو مجروح أو ضربه فوجدناه مشجوجا لم يقبل ، لاحتمال أن يكون من غيره ) إذ لا ظهور في عبارة الشاهد فضلا عن الصراحة في كون ذلك منه ، بل ( وكذا لو قال : ) ضربه ( فجرى دمه ) ما لم يقل من تلك الضربة.

( أما لو قال : ) ضربة ( فأجرى دمه قبلت ) في الجراح ( ولو قال : أسال دمه فمات قبلت في الدامية ) قطعا ( دون ما زاد ) بناء على عدم صراحة قوله : « فمات » في التسبيب ، لكنه مناف لما سمعته سابقا منه من جعل قول : « ضربه فمات » من العبارة الصافية عن الاحتمال ، ونحو ذلك وقع للفاضل بل وللشيخ في المحكي من مبسوط ، والأمر سهل بعد أن عرفت تحقيق الحال.

( ولو قال ) الشاهد ( أوضحه ووجدنا فيه موضحتين ) وعجز الشاهد عن تعيين موضحة المشهود عليه ( سقط القصاص ،

٢١١

لتعذر المساواة في الاستيفاء ) إذ من المعلوم اعتبار تعيين محل الجراحة ( و ) مساحتها في ثبوت القصاص فـ ( ـيرجع ) حينئذ ( إلى الدية ) بعد تعذر القصاص ، بناء على أنها أحد الفردين في مطلق القصاص ، أو في خصوص الجراح ، أو في حال التعذر.

( وربما خطر ) في البال في الفرض أن له ( الاقتصاص بأقلها ) بناء على أنه المتيقن ( وفيه ضعف ) ظاهر ( لأنه استيفاء في محل لا يتحقق توجه القصاص فيه ) فلا متيقن حينئذ بعد اشتباه المحل.

( وكذا لو قال ) الشاهد ( قطع يده ووجده مقطوع اليدين ) في عدم جواز القصاص منه حي يقول : هذه اليد ( ولا يكفي قوله ) أى الشاهد : ضربه ( فأوضحه ولا شجه حتى يقول : ) ( هذه الموضحة أو هذه الشجة ) وإن لم يكن في رأسه إلا واحدة ( لاحتمال غيرها أكبر أو أصغر ) فلا قصاص حتى يعينها ، نعم تجب الدية كما عرفته سابقا ، واحتمل عدمها بناء على أن الواجب القصاص وقد تعذر ، وهي لا تثبت إلا صلحا ، وهو ضعيف.

( و ) لا خلاف كما لا إشكال في أنه ( يشترط فيهما ) أي المشاهدين ( التوارد على الوصف الواحد ) كما في غير المقام ( فلو شهد أحدهما أنه قتله غدوة والآخر عشية أو بالسكين والآخر بالسيف أو بالقتل في مكان معين والآخر في غيره لم يقبل ) لأن كلا من المفعولين غير الآخر ، ويمتنع وقوع القتل عليهما ، وأحدهما لا يثبت به القتل.

( و ) لكن ( هل يكون ذلك لوثا؟ قال في المبسوط : نعم لاتفاقهما على حصول القتل ، وربما وافقت إحدى الشهادتين الدعوى ، وسيأتي أن اللوث يحصل بشهادة الواحد ( وفيه إشكال

٢١٢

لتكاذبهما ) المقتضي لتساقطهما ، ولقاعدة الاقتصار على المتيقن في اللوث المخالف للقواعد ، والمسلم منه شهادة الواحد بلا معارض ، من غير فرق بين حصول الظن للحاكم من أحدهما بكونه أضبط وأعدل أو لا ، فالأظهر حينئذ عدم اللوث كما في المسالك وغيرها.

( أما لو شهد أحدهما بالإقرار والآخر بالمشاهدة لم يثبت ) القتل لاختلاف المشهود به ( و ) لكن ( كان لوثا لعدم التكاذب ) بل التعاضد ، والله العالم.

( وهنا مسائل : )

( الأولى : )

( لو شهد أحدهما بالإقرار بالقتل مطلقا وشهد الآخر بالإقرار عمدا ثبت القتل ) الذي اتفقا عليه دون الوصف الذي انفرد به أحدهما ( وكلف المدعى عليه البيان ، فإن أنكر القتل لم يقبل منه ، لأنه إكذاب للبينة وإن قال : عمدا قتل ) مع تصديق الولي له لإقراره ( وإن قال : خطأ وصدقه الولي فلا بحث ، وإلا فالقول قول الجاني مع يمينه ) لأنه من التفسير الذي يرجع به إليه ، ولأنه كذي اليد على صفة فعله.

وحينئذ فلا فرق بين دعوى الخطأ والعمد لو فرض إنكار الولي ، ومن هنا قال الفاضل في القواعد : « وإن فسر بمهما كان أي من العمد والخطأ قبل : والقول قوله مع اليمين إذا لم يصدقه الولي » فلا يتوهم من إطلاق المتن القبول في العمد والتفصيل في الخطأ الاختلاف بينهما في ذلك ، ضرورة عدم الفرق ، وحينئذ فإن حلف وإلا جعل ناكلا‌

٢١٣

وحلف الولي ، نعم مع ثبوت الخطأ بيمينه تكون الدية في مسألة دون العاقلة الذي لا ينفذ إقرار الغير في حقه ، وكذا لو ثبت باليمين المردودة وإن قلنا إنهما كالبينة لكن في حق المتخاصمين دون غيرهما مع أن التحقيق كونهما أصلا برأسه ، كما تقدم تحقيقه في محله.

( ولو شهد أحدهما بالقتل عمدا والآخر بالقتل المطلق وأنكر القاتل العمد وادعاه الولي كانت شهادة الواحد لوثا و ) حينئذ فـ ( ـيثبت الولي دعواه بالقسامة إن شاء ) لعدم التكاذب بين الشاهدين ، ضرورة عدم تضمن شهادة الآخر الصفة ، فكان الآخر كالشاهد الواحد ابتداء من غير أن يشهد معه غيره ، بخلاف ما إذا تضمنت شهادة الآخر المناقضة الذي تقدم الكلام فيه آنفا ، بل وبخلاف المسألة السابقة التي مبناها على الإقرار الذي لا يثبت به اللوث المخالف للأصل ، كما تعرفه في محله إن شاء الله.

ولو شهد أحدهما بالقتل عمدا والآخر بالقتل خطأ ففي القواعد « في ثبوت أصل القتل إشكال » ولعله من الاتفاق عليه ، ومن التكاذب وإن كان لا يخفى عليك ما في الأول المشترك بين جميع صور التكاذب في كيفيات الفعل وزمانه ومكانه.

كما أنه لا يخفى عليك حال ما في التحرير من كون شهادة الواحد هنا لوثا بعد ما عرفت سابقا من عدم اللوث به مع المعارض ، بل ولا ما في دفع الاشتراك المزبور بأن الاختلاف في المكان مثلا اختلاف في فعل واحد ، والتكاذب فيه ظاهر ، فليس هناك أمر مشترك بخلاف العمد فان هناك أمرين : القتل وكونه عمدا ، إذ قصد القتل واختياره وتعمده غيره ، فصارا كأنهما اتفقا في القتل واختلفا في فعل آخر وهو القصد ، فأحدهما يدعيه والآخر ينفيه ، فأحدهما يقول قصد القتل ، والآخر يقول‌

٢١٤

ما قصده ، مع اتفاقهما على صدور القتل عنه ، أو بأن مرجع العمد والخطأ إلى القصد ، وهو قد يخفى بخلاف الآلة والمكان ونحو ذلك ، فان الاختلاف اختلاف في أمرين وجودين ، ولهذا استشكل في العمد والخطأ دونها ، إذ هما معا كما ترى ، ضرورة تحقق التناقض في الاختلاف بكل ما يجعل قيدا أو وصفا للفعل من غير فرق بين الفرض والآلة وغيرهما ، لامتناع الصدق فيهما معا وهو معنى التناقض ، والخفاء وعدمه لا يجدي بعد شهادة العدل به ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( لو شهدا ) أي العدلان مثلا ( بقتل على اثنين فشهد المشهود عليهما على الشاهدين أنهما هما القاتلان على وجه لا يتحقق معه التبرع ) ولا وقوع الشهادة على الدعوى قبل تحريرها ( أو ) قلنا إن الشهادة في الحسبة التي منها ذلك ( إن تحقق ) التبرع بها أو حصلت قبل تحرير الدعوى ( لا يقتضي إسقاط الشهادة ) أو غير ذلك مما يصح معه تصوير المسألة من تعدد الوكيل ونحوه سأل الحاكم الولي ( فإن صدق الولي الأولين حكم له وطرحت شهادة الآخرين ) التي لم يدع بها أحد والمشتملة على العداوة والتهمة بالتخلص عن مقتضى شهادة الأولين ( وإن صدق الجميع ) في وقتين مثلا ( أو صدق الآخرين سقط الجميع ) للتكذيب وللتهمة كما ذكره غير واحد ، بل لم أجد فيه خلافا بين من تعرض له ، وهو كذلك مع فرض حصول الدعوى من المدعي بمقتضى شهادة الأولين وعدمه ، ضرورة لزوم ذلك على كل تقدير.

نعم لو فرض إمكان ارتفاع التهمة عن الأخيرين وقلنا تقبل شهادتهما‌

٢١٥

حسبة قبل تحرير الدعوى أمكن حينئذ الفرق بين سبق الدعوى وعدمه ، فيتم ما ذكره المصنف على فرض سبق الدعوى ، لحصول تكذيب الأولين معه بخلاف ما إذا لم تسبق الدعوى ، فإنه حينئذ يكون مخيرا في الأخذ بكل منهما ما لم يكن مصدقا لأحدهما ، وإلا أخذ بها من غير فرق بين الأولين والأخيرين.

هذا ولقد أطنب في محكي المبسوط في تصوير المسألة باعتبار أن الشهادة على القتل لا تسمع إلا بعد تقديم الدعوى وتحريرها ، ولا بد فيها من تعيين القاتل ، فكيف يسأل المدعى بعد شهادة الفريقين. وباعتبار عدم سماع الشاهد قبل أن يستشهد أيضا.

وتبعه في المسالك وأقصى ما ذكر في الجواب عنه إما بأن تقديم الدعوى على الشهادة إنما يشترط إذا كان المدعى ممن يعتبر عن نفسه دون غيره كالصبي والمجنون ، والمشهود له هنا القتيل ، ولذا تقضى ديونه من ديته وتنفذ وصاياه ، وهو لا يعبر عن نفسه ، وإما بأن المسألة مفروضة في ما إذا لم يعلم الولي القاتل ، والشهادة قبل الدعوى مسموعة والحال هذه ، وإما بأن ذلك يورث ريبة للحاكم فيسأله الحاكم احتياطا في الدماء ، وإما بأن تفرض في ما إذا وكل المدعي وكيلين على الدعوى فادعى أحدهما على اثنين والآخر على اثنين ، وشهد كل اثنين على الآخرين.

وإن كان قد يشكل الأول بعدم تماميته في دعوى القصاص ، وبمنافاته إطلاقهم عدم قبول الشهادة حسبة في حقوق الآدميين المحضة ، والثاني بإمكان إعلام الشاهد المستحق للقتل حتى يقدم الدعوى ثم يشهد الشاهدان فالأخيران حينئذ أولى الأربعة.

ولو شهد المشهود عليهما بالقتل عمدا أو خطأ به على غير الشاهدين لم يقبل أيضا ، للتهمة بدفع الضرر عن أنفسهما بالقصاص أو الدية ، والله العالم.

٢١٦

المسألة ( الثالثة : )

( لو شهدا لمن يرثانه أن زيدا جرحه بعد الاندمال قبلت ) بلا خلاف ( و ) لا إشكال لعموم الأدلة ، نعم ( لا تقبل ) لو شهدا ( قبله ، لتحقق التهمة ) باحتمال السراية فتكون الشهادة حينئذ جارة نفعا يشبه به الشهادة لنفسه ، ولكن قال المصنف ( على تردد ) وهو في محله وإن لم أجده لغيره ، ولعله مما عرفت ومما أسلفناه في كتاب الشهادات من عدم ثبوت الرد بمطلق التهمة ، بل هو في أشياء خاصة لا يدخل فيها المفروض.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو اندمل ) الجرح ( بعد الإقامة فأعادا الشهادة قبلت ، لانتفاء التهمة ) حينئذ خلافا لبعض العامة فلم يقبلها للرد السابق ، وهو مناف للعمومات.

( ولو شهدا لمن يرثانه ) بالمال ( وهو مريض قبلت ، والفرق أن الدية يستحقانها ابتداء ) إذ لا تثبت إلا بعد الموت الذي يمنع ملك المثبت لها ( و ) أما ( في ) الصورة ( الثانية ) فـ ( ـيستحقانها عن ملك الميت ) ضرورة ملك المريض للمال حال مرضه ، وربما تصرف فيه بحيث لا يرجع إلى الوارث بخلاف الدية ، وتعلق ديونه ونفوذ وصاياه فيها للدليل.

ولو شهدا بالجرح ، وهما محجوبان عن الإرث ثم مات الحاجب في حياة المجروح أو بالعكس فالنظر إلى وقت الشهادة لا موت المجروح ولا حكم الحاكم ، وتبطل مع التهمة لا بدونها ، والله العالم.

٢١٧

المسألة ( الرابعة : )

( لو شهد شاهدان من العاقلة بفسق شاهدي القتل فان كان القتل عمدا أو شبيها به أو كانا ممن لا يصل إليها العقل ) لوجود الأقرب ( حكم بهما ) للعمومات ( وطرحت شهادة القتل ) بالجرح ( وإن كانا ممن يعقل عنه لم تقبل ، لأنهما ) حينئذ ( يدفعان عنهما الغرم ) فتتحقق التهمة المانعة عن القبول.

ولو كانا من فقراء العاقلة عند الشهادة قبلت كما عن المبسوط ، لعدم الضمان عليهما ، فلا تهمة ، وكذا لو كانا من الأباعد الذين لا يعقلون عند الشهادة لوجود الأقارب ، واحتمال أن الفقير قد يحتمل لو أيسر والبعيد كذلك لو مات القريب فهما متهمان بدفع ضرر متوقع يدفعه عدم دليل يقتضي تخصيص ما دل على قبول شهادة العدل بذلك.

وربما فرق بين الفقير والبعيد فلا يقبل في الأول ويقبل في الثاني ، لقرب احتمال الغنى بخلاف الموت ، وهو كما ترى مجرد اعتبار وإن كان ربما يوهمه ظاهر اقتصار المتن ، بل حكي عن التحرير التصريح به ، لكنه واضح الضعف ، بل لا يوافق أصول الإمامية ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة : )

( لو شهد اثنان أنه قتل ) عمدا منفردا ( و ) شهد ( آخران على غيره أنه قتله ) كذلك منفردا وقلنا بصحة التبرع بالشهادة بالدم ، أو كان للمدعي وكيلان فادعى كل منهما ، أو قلنا إن للمدعي عليه براءة‌

٢١٨

نفسه بإقامة البينة على أن القاتل غيره ـ وبالجملة حيث يصح التصوير ولا رجحان لإحداهما على الأخرى ، أو قلنا لا دليل على اعتبار الترجيح بينهما في المقام كما يقتضيه إطلاقهم ، ولعله للاحتياط في الدماء كما أنه لم يعتبر أحد القرعة هنا ، ولعله لذلك أيضا ـ وكيف كان فعن الشيخين والقاضي والصهرشتي وأبي منصور الطبرسي والفاضل في بعض كتبه وولده وأبي العباس أنه إذا كان الأمر كذلك ( سقط القصاص ووجبت الدية عليهما نصفين ، ولو كان خطأ ) محضا ( كانت الدية على عاقلتهما ، ولعل ) وجه ( ه‍ الاحتياط في عصمة الدم لما عرض من الشبهة بتصادم البينتين ).

وتفصيل ذلك أن القصاص يسقط بعدم معلومية مورده بعد تعارض البينتين فيه ، فلا يمكن التهجم عليه بقتل واحد منهما فضلا عن قتلهما معا الذي قد حكى الإجماع غير واحد على عدمه في المقام فضلا عن قول : « قطعا » من غير واحد أيضا ، وهو كذلك خصوصا بعد العلم ببراءة أحدهما الذي يجب ترك أخذ الحق مقدمة له ، لا العكس مقدمة لوصول الحق ، فلا يقتص منهما ولا من أحدهما ، لعدم الأولوية ، فليس إلا السقوط سيما مع القول بكون القصاص كالحد في السقوط بالشبهة ، بل وإن لم نقل به مطلقا فلا بد من القول به في المقام ، لما عرفت بعد أن لم يكن دليل على التخيير في العمل بأيهما على وجه يشمل المقام إلا القياس على تخيير المجتهد في الخبرين المتعارضين أو على ما تسمعه في المسألة الآتية من التخيير مع تعارض البينة والإقرار ، وهو معلوم البطلان عندنا.

وأما ثبوت الدية عليهما فلعدم بطلان دم المسلم ، وتساويهما في قيام البينة على كل منهما ، وفحوى التنصيف في المشهود به عند تعارضهما.

وإلى بعض ما قلنا يرجع الاستدلال بأنه إن لم نقل بذلك يلزم أحد‌

٢١٩

محالات ثلاثة : إما طل دم المسلم إن لم نوجب شيئا ، أو إيجاب شي‌ء بغير سبب إن أوجبناه على غيرهما ، أو الترجيح بلا مرجح إن أوجبناه على أحدهما بعينه ، فليس إلا الوجوب على أحدهما لا بعينه أو عليهما ، والثاني هو المطلوب ، والأول إن لم يرد به الثاني فهو المحال الأول.

ولكن فيه ـ مع أن ذلك لا يرجع إلى دليل شرعي معتبر ، ضرورة إمكان أن له حكما شرعا لا نصل إليه ـ أنه يمكن التخيير في الرجوع على كل منهما ، كما عن المحقق الثاني الجزم به ، بل لعله محتمل ما تسمعه من عبارة المصنف في النكت ، أو على بيت المال المعد لمثل ذلك ، أو القرعة التي هي لكل أمر مشكل ، وعدم بطلان دم المسلم أعم من ذلك كله ومن غيره مما هو عند الشارع مما لا نعرفه ، والتساوي في إقامة البينة لا يقتضي التوزيع المزبور الخارج عن البينتين ، بل ولا غيره ، والحمل على التنصيف في المشهود به قياس لا نقول به.

فالتحقيق عدم انطباق ذلك على القواعد الشرعية ، نعم يمكن إن يكون لهم به رواية لم تصل إلينا ، بل عن السرائر والتحرير التصريح بها ، بل في المسالك أن عبارة الشيخين تقتضي ذلك ، بل قيل : إن الذي يشهد به التتبع لما في المقنعة والنهاية ذلك ، إلا أن ذلك كله لا يجوز معه الفتوى بذلك وإن ظنه بعض الناس قائلا أنه خبر مرسل منجبر بفتوى من عرفت ، لكنه ليس فقها يعتد به ، خصوصا بعد احتمال إرادتهما الرواية التي تسمعها في المسألة الآتية ، وهي صريحة في خلاف الشيخ ، نعم فيها أنه لو أراد الولي الدية كانت عليهما بالسوية إلا أنها في غير المفروض ، والقياس عندنا محرم.

فتحقق من ذلك كله أن المتجه بحسب القواعد سقوط القود والدية حتى يتبين الحال ، ودعوى أن ذلك خرق للإجماع المركب واضحة الفساد‌

٢٢٠