جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

( وكذا لو رمى عبدا فأعتق وأصابه فمات ) في عدم القود وثبوت دية الحر ، لما عرفت ( أو ) عدم طل دم امرء مسلم ، بل ربما احتمل القود ، لتحقق التكافؤ عند الجناية مع تعمدها وإن كان هو كما ترى.

ولو ( رمى حربيا أو مرتدا فأصابه بعد إسلامه فلا قود ) أيضا ( و ) لكن ( تثبت الدية ) هنا ( لأن الإصابة صادفت مسلما محقون الدم ) وربما احتمل العدم اعتبارا بحال الرمي ، وهو ضعيف.

ومنه يعلم وجه القود في السراية بعد إسلامه ، اللهم إلا أن يكون الحكم إجماعيا بينهم ، وإلا فالمتجه ما سمعت.

ولو حفر بئرا فتردى فيه مسلما كان مرتدا مثلا عند الحفر وجب الضمان ، لأن أول الجناية حين التردي ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة : )

( إذا قطع المسلم يد مثله فسرت مرتدا سقط القصاص في النفس ) والدية لحصول السراية فيها ( و ) هي هدر فلا مكافأة ، نعم ( لم يسقط القصاص في اليد ) وفاقا للفاضل وغيره ( لأن الجناية حصلت موجبة للقصاص ، فلم يسقط باعتراض الارتداد ) وللأصل ( و ) غيره نعم ( يستوفى القصاص فيها وليه المسلم ) دون الكافر الذي لم يجعل الله له سبيلا على المؤمنين ( فان لم يكن استوفاه الامام عليه‌السلام ) خلافا لبعض العامة فجعله للإمام مطلقا بناء منه على أن المرتد كافر لا يرثه المسلم ، فيكون وليه الامام عليه‌السلام وهو كما ترى.

( وقال في المبسوط : الذي يقتضيه مذهبنا أنه لا قود ) حتى في‌

١٦١

اليد ( ولا دية ، لأن قصاص الطرف وديته يدخلان في قصاص النفس وديتها ، والنفس هنا ليست مضمونة ) قصاصا ولا دية فكذا ما دخل فيها.

( وهو يشكل بما أنه لا يلزم من دخول ) قصاص ( الطرف في قصاص النفس ) على القول به مع الاستيفاء ( سقوط ما ثبت من قصاص الطرف ) لعموم ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (١) وغيره مع سقوط القود ( لمانع يمنع من القصاص في النفس ) إذ المسلم من الدخول إن قلنا به حال استيفاء النفس لا مطلقا ، للأصل وغيره ، بل لا معنى للدخول في الساقط إلا السقوط وهو عين المتنازع فيه.

هذا كله إذا مات مرتدا ( أما لو عاد إلى الإسلام فإن كان قبل أن تحصل سراية ثبت القصاص في النفس ) بلا خلاف أجده فيه بل ولا إشكال ، للتكافؤ عند الجناية وفي تمام أوقات السراية.

( وإن حصلت سرايته وهو مرتد ثم عاد وتمت السراية حتى صارت نفسا ففي القصاص تردد ، أشبهه ثبوت القصاص ) وفاقا للفاضل وغيره ، بل والمحكي عن أبي علي والشيخ في الخلاف ( لأن الاعتبار في الجناية المضمونة بحال الاستقرار ) والفرض أنه مسلم حالته ، فلا يسقط الضمان بالارتداد المتخلل بين الابتداء والاستقرار بعد تحقق عنوان القصاص.

( وقيل ) والقائل الشيخ في محكي المبسوط ( لا قصاص ، لأن وجوبه مستند إلى الجناية وكل السراية وهذه بعضها هدر ، لأنه حصل في حال الردة ) فلم تكن السراية بأجمعها مضمونة بعد فرض مقارنة بعضها لحال الارتداد ، والقصاص لا يتبعض.

وكذا لو قطع مسلم يد مسلم فارتد المقطوع ومات مرتدا فلا قود عليه ، وكذا لو قطع يد مرتد وأسلم المقطوع ومات مسلما فلا قود أيضا‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

١٦٢

ولكن تثبت الدية لئلا يبطل دم المسلم ، ولوقوع الجناية مضمونة والعبرة في المقدار باستقرارها.

وعن بعض العامة أنه أوجب نصف الدية بناء على استناد الموت إلى مضمون وغير مضمون ، كما إذا قطع يده فارتد فقطع آخر يده الأخرى وهو مرتد ، وربما احتمل أيضا القود بعد رد نصف الدية.

والجميع كما ترى. ضرورة أن التخلل المزبور بعد عدم قدحه في تحقق عنوان القصاص وهو قتل المسلم عمدا لا يصلح مانعا ولا موجبا لرد النصف ولا بسقوطه.

( و ) من هنا ( لو كانت الجناية خطأ ثبتت الدية ، لأن الجناية صادفت محقون الدم و ) قد عرفت غير مرة أن العبرة في المقدار بالاستقرار فـ ( ـكانت مضمونة في الأصل ) والله العالم.

المسألة ( الرابعة : )

( إذا قتل مرتد ذميا ففي قتله تردد ) كما في القواعد ( منشأه تحرم المرتد بالإسلام ) المانع من نكاحه الذمية ، ومن إرث الذمي له ، ومن استرقاقه ، والمقتضى لوجوب قضاء الصلاة عليه لو أسلم ( و ) لكن مع ذلك ( يقوى أنه يقتل ) وفاقا للفاضل وغيره ممن تأخر عنه ، بل وللمحكي عن المبسوط والخلاف ( للتساوي في الكفر ، كما يقتل النصراني باليهودي ، لأن الكفر كالملة الواحدة ) ولإطلاق أدلة القصاص المقتصر في الخروج عنها على عدم قتل المسلم بالكافر ، إذ لا دليل على اعتبار التساوي على وجه يقتضي خروج المفروض ، بل لعل المراد من اشتراط‌

١٦٣

التساوي في عبارة الأصحاب ولو بقرينة التفريع هو عدم قتل المسلم بالكافر.

ومن ذلك يعلم عدم أثر لما سمعته من أحكام المرتد في سقوط القود عنه الذي يمكن مقابلته بما يقتضي كونه أسوأ حالا من الذمي ، كوجوب قتله مع عدم التوبة دونه ، وعدم حل ذبيحته إجماعا بخلاف الذمي الذي اختلف فيه ، وعدم إقراره بالجزية وغير ذلك. نعم هذا كله مع بقائه على الارتداد.

( أما لو رجع إلى الإسلام فلا قود ) قطعا وإن تكافئا حال الجناية ، لعموم « لا يقاد مسلم بكافر » (١) ‌ولجب الإسلام ـ الذي يعلو ولا يعلى عليه ـ ما قبله ( و ) لكن ( عليه دية الذمي ) كما في القواعد وغيرها مع إمكان القول بعدمها أيضا إن لم يكن إجماعا ، باعتبار كون الواجب عليه القصاص ، والفرض سقوطه عنه بالإسلام ، اللهم إلا أن يستفاد من الأدلة قيامها مقامه في كل مقام تعذر استيفاؤه على وجه يشمل الفرض ، وربما يأتي لذلك تتمة إن شاء الله.

المسألة ( الخامسة : )

( لو جرح المسلم نصرانيا ثم ارتد الجارح وسرت الجراحة فلا قود ) بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ( لعدم التساوي حال الجناية ) التي لها مدخلية في إزهاق نفسه مع السراية ، فلا يصدق عليه كافر تعمد قتل كافر ، ومن هنا لم تكف الكفاءة في إحدى الحالتين دون الأخرى ، ولذا لم يقتص منه لو جرح مرتدا ثم أسلم ، ففي الفرض لا يتغير الحكم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٥ وفيه‌ « لا يقاد مسلم بذمي ».

١٦٤

بتغير حال الجارح إلى حالة تقتضي الكفاءة للنصراني كالارتداد بناء عليه.

( و ) لكن لما كانت الجناية مضمونة ( عليه ) في الحالتين والمغير ( والمعتبر خ ل ) في مقدارها مع كونها مضمونة بحال السراية ضمن له ( دية الذمي ) ونحوه لو قتل مسلم ذميا ثم ارتد ، فإنه لا يقتل به وإن قتلنا به المرتد اعتبارا بحال الجناية ، كذا ذكروه مرسلين له إرسال المسلمات ، فان كان إجماعا فلا تجب وإلا أمكن المناقشة ، لعموم أدلة القصاص المقتصر في الخروج عنها على عدم قتل المسلم بالكافر ، ولا دليل يدل على اعتبار المساواة في حال الجناية وسرايتها ، ولا ريب في عدم صدق ذلك في الفرض ، بل ولا في ما لو قتل مسلم ذميا ثم ارتد وعدم القصاص عليه في تلك الحال ، لوجود الإسلام المانع من اقتضاء المقتضي وهو إزهاق النفس ، فمع فرض عدمه يتجه العمل بما يقتضيه ، وخروج المسلم الذي قتل وهو كافر لجب الإسلام ما قبله ، ولقوله عليه‌السلام (١) « لا يقاد مسلم بكافر » ‌فالمانع حينئذ متحقق وإن تحقق المقتضي ، وهو ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (٢) وغيره ، فتأمل جيدا.

المسألة ( السادسة : )

( لو قتل ذمي مرتدا ) ولو عن فطرة ( قتل به ) بلا خلاف أجده فيه بل ولا إشكال ( لأنه محقون الدم بالنسبة إلى الذمي ) فيندرج في عموم أدلة القصاص ، فما عن الشافعية ـ من القول بالمنع ، لأنه مباح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٥ وفيه‌ « لا يقاد مسلم بذمي ».

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

١٦٥

الدم ، فلا يجب القصاص بقتله كالحربي ، وكما لو قتله مسلم ، وتحريم قتله بغيره مع كونه مباح الدم لكفره لا يوجب إفادة القائل به ، كما لو قتل الزاني المحصن غير الامام ، وبهذا فارق من عليه القصاص إذا قتله غير المستحق ، لأنه معصوم الدم بالنسبة إليه ـ واضح الضعف ، ضرورة عدم كونه مباح الدم لكل أحد.

وفي المسالك « يمكن بناء هذين الوجهين على ما تقدم في السابقة من أن المرتد أسوأ حالا من الذمي أو بالعكس ».

وفيه ما أشرنا إليه سابقا من عدم اعتبار ذلك ، إذ لا دليل على اعتبار المساواة في القصاص بالنسبة إلى ذلك ، وإنما بناء المسألة على كونه مهدور الدم في نفسه وإن أثم غير الامام بقتله ، فلا قصاص على قاتله بل ولا دية ، لعدم احترام نفسه ، أو أنه كذلك بالنسبة إلى الامام دون غيره ، أو أنه بالنسبة للمسلمين غير محترم وإن أثموا أيضا بقتله من دون إذن الامام ، بخلاف غيرهم ، فان الاحترام الموجب للضمان باق ، وستسمع بعض الكلام في ذلك.

وعلى كل حال فهذا كله في قتل الذمي له ( أما لو قتله مسلم فلا قود قطعا ) لعدم المكافاة ( وفي الدية تردد ، والأقرب ) عند المصنف والفاضل وغيرهما ( أنه لا دية ) للأصل وعدم احترام نفسه وإن أثم غير الامام بقتله ، ولكن قد يناقش بأن ذلك يقتضي عدم القود في الأول ، فإن دعوى اختصاص عدم الاحترام بالنسبة للمسلمين خاصة لا دليل عليها ، ومن هنا احتمل وجوب الدية ، لأنه محقون الدم بالنسبة إلى غير الامام.

لكن في المسالك « وهو ضعيف ، بل غاية ما يجب بقتله بدون إذنه الإثم كغيره ممن يتوقف قتله على إذنه من الزاني واللائط وغيرهما ».

١٦٦

وفيه ما عرفت من اقتضاء ذلك عدم القود على الذمي كما سمعت.

بل ينبغي عدم القود أيضا بقتل المرتد مرتدا مع أنه جزم به الفاضل في القواعد وشارحة الأصبهاني في كشفه معللا في الأخير بالتكافؤ مع تحرمها بالإسلام الموجب لعصمة الدم ، نعم جزما فيهما بعدم قتل الحربي بالحربي ، لأن المقتول غير معصوم الدم ، وقد عرفت الاشكال فيه سابقا.

وبالجملة فالمدار على احترام النفس على وجه يجب على المكلف حفظها ، ومرجع ذلك إلى الاستظهار من الأدلة ، وإلا فمجرد وجوب القتل حدا لا يقتضي ذلك ، خصوصا مع توبة المحدود وندمه وأسفه إذا كان بحيث لا يسقط عنه الحد ، كما لو فرض توبته بعد إقامة البينة عليه وحكم الحاكم عليه ، فان دعوى عدم احترام نفسه مع هذا الحال بحيث يكون كبعض الحيوانات التي هي غير محترمة من جهة وجوب القتل عليه حدا لا يخفى عليك ما فيها ، نعم قد يستظهر من بعض الأدلة في بعض الأفراد ـ وخصوصا في بعض أفراد الارتداد ونحوه مما يوجب القتل ـ ذلك وإن لم يجز تولي قتلهم أيضا إلا الإمام عليه‌السلام باعتبار كون إقامة الحد له لا لاحترامهم ، وهذا وإن اقتضى سقوط الدية في المسلم أيضا لكنه يقتضي سقوطها والقود أيضا في غيره ، والله العالم.

( ولو وجب على مسلم قصاص فقتله غير الولي كان عليه القود ) بلا خلاف ( و ) لا إشكال ، لعموم أدلة القصاص التي لا ينافيها استحقاق القصاص عليه لآخر ، فان ذلك لا يقتضي سقوط احترام نفسه مطلقا.

نعم ( لو وجب قتله بزنا أو لواط فقتله غير الامام عليه‌السلام لم يكن عليه قود ولا دية ، لأن عليا عليه‌السلام قال

١٦٧

لرجل قتل رجلا وادعى أنه وجده مع امرأته : عليك القود إلا أن تأتي ببينة ) (١) وعن سعيد بن المسيب (٢) « أن معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري أن ابن أبي الحسين وجد رجلا مع امرأته فقتله وقد أشكل فسأل لي عليا عليه‌السلام عن هذا الأمر قال أبو موسى : فلقيت عليا (ع) قال : فقال : والله ما هذا في هذه البلاد يعني الكوفة ، ولا هذا بحضرتي ، فمن أين جاءك هذا؟ قلت : كتب إلي معاوية أن ابن أبي الحسين وجد مع امرأته رجلا فقتله وقد أشكل عليه القضاء فيه فرأيك في ذلك ، فقال : أنا أبو الحسن إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد وإلا دفع برمته ».

ولكن قد يشكل ذلك باختصاص الزوج في الحكم المزبور وإن قال في القواعد : « وهذا حكم ينسحب على كل قريب للرجل أو ولد أو مملوك ، وهل ينسحب على الأجانب؟ إشكال ، إلا أنه لا دليل عليه مع فرض عدم اندراجه في الدفاع ، فالعمدة حينئذ ما سمعته أولا من دعوى ظهور الأدلة في عدم كونه محترم النفس إن ثبت مطلقا أو في بعض الأحوال لمطلق الناس أو لخصوص المسلمين ، ولم يحضرني الآن من النصوص ما يشخص ذلك بجميع أفراده ، والله العالم.

__________________

(١) الظاهر أن المحقق ( قده ) نظر إلى خبر سعيد بن المسيب المروي في الموضع المشار إليه من الوسائل ـ وفي المستدرك ـ الباب ـ ٥٤ ـ من تلك الأبواب وسنن البيهقي ج ٨ ص ٣٣٧.

(٢) ذكر بعضه في الوسائل ـ الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢ وتمامه في التهذيب ج ١٠ ص ٣١٤ ـ الرقم ١١٦٨ وفيهما ابن أبي الجسرين بدل ابن أبي الحسين.

١٦٨

( الشرط الثالث : )

( أن لا يكون القاتل أبا ، فلو قتل ) والد ( ولده لم يقتل به ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص من الطرفين.

منها‌ قول أحدهما عليهما‌السلام في خبر حمران (١) : « لا يقاد والد بولده ، ويقتل الولد إذا قتل والده عمدا ».

و‌قول الصادق عليه‌السلام في خبر الفضيل بن يسار (٢) : « لا يقاد الرجل بولده إذا قتله ، ويقتل الولد إذا قتل والده ».

كقوله عليه‌السلام أيضا في خبره الآخر (٣) : « لا يقتل الوالد بولده ، ويقتل الولد بوالده ».

وعن كتاب ظريف (٤) « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه لا قود لولد أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه فأصابه عيب من قطع وغيره وتكون له الدية ولا يقاد » ‌ومنه يعلم عدم الفرق بين النفس والطرف.

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى القطع بذلك منها إن لم تكن متواترة اصطلاحا.

( و ) لكن ( عليه الكفارة ) لعموم الأدلة ، بل كفارة الجمع ( والدية ) لمن يرثه ( والتعزير ) بما يراه الحاكم ، ولكن في‌ خبر جابر (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في الرجل يقتل بابنه أو عبده ، قال : لا يقتل به ، ولكن يضرب ضربا شديدا ، وينفى عن مسقط رأسه » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٤ وهو عن علاء بن فضيل.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٩.

١٦٩

ولعله محمول على أن ذلك بعض أفراد ما يراه الحاكم.

( وكذا لو قتله أب الأب وإن علا ) كما صرح به غير واحد ، بل عن ظاهر الخلاف أو صريحه الإجماع عليه ، بل لم أجد فيه خلافا ، نعم تردد فيه المصنف في النافع وبعض الناس ، لكنه في غير محله بناء على تناول الإطلاق له لغة وعرفا ، بل وإن لم يكن كذلك ولكن في المقام يمكن إرادته من نحو‌ قول الصادق عليه‌السلام (١) : « لا يقتل الأب بابنه » ‌بمعونة كلام الأصحاب وبأولوية الجد أو مساواته للأب في ذلك ، فلا يقتل الجد حينئذ وإن علا بالأحفاد سواء قربوا أم بعدوا.

بل مقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق بين المتكافئين في الإسلام والحرية ونحوهما.

نعم للجلاد والغازي أن يقتل أباهما مع أمر الإمام عليه‌السلام للعمومات وعصمة الإمام عندنا ، بل عن التحرير أنهما لا يمنعان مع ذلك من الميراث ، لأنه قتل سائغ ، بل قد يقال بالجواز في الغازي بدون أمر الإمام عليه‌السلام ( و ) تمام الكلام فيه في كتاب الجهاد (٢).

نعم ( يقتل الولد بأبيه ) إجماعا بقسميه ونصوصا (٣) عموما وخصوصا مضافا إلى الكتاب (٤).

( وكذا الأم تقتل به ) بلا خلاف أجده فيه بيننا إلا من الإسكافي الذي وافق العامة هنا على ذلك قياسا على الأب واستحسانا.

( ويقتل بها ) أيضا بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٦.

(٢) راجع ج ٢١ ص ٢٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٤) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

١٧٠

عليه أيضا ، مضافا إلى العموم ، وخصوص‌ صحيح أبي عبيدة (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل قتل أمه ، قال : يقتل بها صاغرا ، ولا أظن قتله كفارة ، ولا يرثها » ‌بل ظاهر النص والفتوى عدم رد فاضل ديته عليه وإن لم أجد مصرحا به.

( وكذا الأقارب كالأجداد والجدات من قبلها والاخوة من الطرفين والأعمام والعمات والأخوال والخالات ) بلا خلاف أجده بيننا إلا من أبي علي والعامة في الأجداد والجدات ، والله العالم.

( فروع : )

( الأول : إذا ادعى اثنان ولدا مجهولا ) كاللقيط ( فان قتله أحدهما قبل القرعة فلا قود ، لتحقق الاحتمال في طرف القاتل ) فلم يثبت شرط القصاص الذي هو انتفاء الأبوة في الواقع ، مضافا إلى إشكال التهجم على الدماء مع الشبهة. ( و ) كذا ( لو قتلاه ) معا بلا خلاف أجده بين من تعرض له هنا فيهما معا ( فـ ) ـان ( الاحتمال بالنسبة إلى كل واحد منهما باق ).

( و ) لكن ( ربما خطر ) في البال ( الاستناد إلى القرعة ) بل في كشف اللثام وغيره احتماله قويا ، لإطلاق النص (٢) والفتوى بالإلحاق بالقرعة التي هي لكل أمر مشكل ، وعدم طل دم امرء مسلم ، وعموم أدلة القصاص ، ومنع كون انتفاء الأبوة شرطا ، بل أقصى الأدلة كون الأبوة كالمانع ، فلا يتحقق مع الجهل بها ، مضافا إلى معلومية تعلق القصاص بأحدهما في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.

١٧١

صورة قتلهما معا ، كمنع انتفاء محل القرعة بالنسبة إلى ذلك خاصة دون ميراثه وغيره.

( و ) لكن في المتن وغيره ( هو تهجم على الدم فالأقرب الأول ) وفيه أن الأقرب بقاء حكم القرعة إن لم يكن إجماعا كما لو تقدمت القتل ، فإنه لا إشكال ولا خلاف في القصاص بها على من لم تخرجه القرعة مع رد نصف الدية في صورة الاشتراك وبدونه في صورة الانفراد ، ودعوى الفرق بين ما قبل القتل وبعده بأن القصاص في الأول تابع دون الثاني لا حاصل لها ، كما هو واضح.

( ولو ادعياه ثم رجع أحدهما وقتلاه توجه القصاص على الراجع ) بناء على انتفاء عنه بالرجوع ولو في حقه الذي منه القصاص إذا كان مستند اللحوق الدعوى ، فيقتص منه حينئذ لكن ( بعد رد ما يفضل عن جنايته ، وكان على الأب نصف الدية ) بعد انتفاء القصاص عنه ( وعلى كل واحد كفارة القتل بانفراده ) لا كفارة واحدة بينهما ، لصدق القتل على كل منهما. ولو قتله الراجع خاصة اختص بالقصاص.

ولو رجعا معا اقتص منهما الوارث بعد رد دية نفس عليهما ، بل الظاهر كون الحكم كذلك مع الرجوع بعد القتل ، بل لو رجع من أخرجته القرعة كان أيضا كذلك بقي الآخر على الدعوى أو رجع ، وإن حكى عن المبسوط اشتراط صحة رجوع من أخرجته القرعة ببقاء الآخر على الدعوى وإلا لم يصح. هذا كله في ولد التداعي من دون شي‌ء آخر.

( و ) أما ( لو ولد مولود على فراش مدعيين له كالأمة ) المشتركة ( أو الموطوءة في الشبهة في الطهر الواحد ) أو غير ذلك مما يحتاج لحوقه بأحدهما إلى القرعة حتى على مختار الشيخ في المحكي عن مبسوط في المطلقة ثلاثا فنكحت في عدتها ثم أتت بولد لتمام أكثر مدة‌

١٧٢

الحمل من طلاق الأول ولستة أشهر من وطء الثاني من احتياج الإلحاق بأحدهما إلى القرعة ( فقتلاه قبل القرعة لم يقتلا ) عند المصنف وغيره ممن عرفت ( لـ ) ـما تقدم من ( تحقق الاحتمال بالنسبة إلى كل واحد منهما ) وكذا لو قتله أحدهما ، ولا تكفي القرعة بعد القتل ( و ) فيه ما عرفت.

نعم ( لو رجع أحدهما ثم قتلاه ) فعن الشيخ في المبسوط ( لم يقتل الراجع ) بل هو المشهور على ما في المسالك بخلاف الأول.

( والفرق أن البنوة هنا تثبت بالفراش لا بمجرد الدعوى ) ولذا لا ينتفي عن الجاحد بجحوده.

( و ) لكن ( في الفرق تردد ) كما في الإرشاد من احتمال الانتفاء أيضا ، بل جزم الكركي في حاشية الكتاب بقتل الراجع أيضا ، وفي غاية المراد « التمثيل بالأمة ووطء الشبهة تنبيه على ما سمعته من تمثيل الشيخ الذي مذهب الفاضلين فيه أنه للثاني من دون قرعة ، فعدلا عنه إلى التمثيل بما سمعت ، ووجه النظر فيه واضح مما عرفت ومن أن الرجوع هنا صحيح قطعا ناف للنسب عن الراجع من غير لعان فتنتفي الأبوة المانعة من القصاص ، فيثبت عملا بمقتضى الأدلة وعدم المانع ، وأما على ما مثله الشيخ فلا يتوجه نظر ، لأن النفي هنا من غير لعان لا يمكن فعله ، لاستناده إلى كل واحد منهما ، فتحصل الشبهة الدار له ، والعجب أن الفاضل في التحرير صورها في وطء الشبهة ، ثم علل بأن البنوة ثابتة للفراش لا تنتفي إلا باللعان ، مع وقوع الاتفاق على أنه لا لعان في وطء الشبهة ، وقد ذكر هو في باب اللعان من ذلك الكتاب ومن غيره ، والأصح أنه على تمثيل الشيخ ومذهبه الفرق حاصل قبل اللعان قطعا ، وعلى تمثيلهما لا فرق قطعا ».

١٧٣

قلت : قد تقدم في كتاب اللعان (١) وفي كتاب الإقرار (٢) ما يعلم منه صحة الرجوع في المفروض وعدمها ، وأنه قد يمنع انتفاؤه بالنفي ، سيما بعد الإقرار به في خصوص الأمة التي علم وطؤها على وجه يصلح لكون الولد منه فضلا عن وطء الشبهة والانقطاع إذا كان كذلك وإن أطلقوا أن الأمة مثلا والمنقطعة ينفى ولدها بالنفي ، لكن يمكن تنزيله على غير الفرض ، بل قد تقدم في كتاب الإقرار (٣) احتمال عدم انتفاء من أقر بأنه ولده بنفيه ، لقوله عليه‌السلام (٤) : « إذا أقر بالولد ساعة لم ينف عنه أبدا » ‌فلاحظ وتأمل.

وعلى كل حال فبناء المسألة على ذلك في مثال الشيخ وغيره ، وحينئذ يشكل قتل الراجع ، ولعله لذا جزم الشيخ بل والفاضل في غير الإرشاد من كتبه بعدم قتله ، واحتمال أن قتله أخذ بإقراره وإن لم ينتف عنه بنفيه واضح الفساد.

وكيف كان فمما ذكرنا يظهر لك النظر في ما في كشف اللثام قال : « وتردد فيه ـ أي الفرق ـ في الإرشاد كالشرائع من احتمال الانتفاء بالرجوع حتى في مثال المبسوط بناء على القرعة ، ويؤيده عموم أدلة القصاص والأخذ بالإقرار ، نعم لا يتجه فيه الحكم بالانتفاء إن رجعا جميعا ، لثبوت البنوة لأحدهما ، قطعا بالفراش » إذ هو كما ترى ، فان هذا الفراش إن كان مانعا من الانتفاء فالفرض حصوله لكل منهما ، وإلا قبل الرجوع من كل منهما ، ومبنى قول الشيخ على الأول ، فلا وجه للاحتمال في مثاله ، بل ولا وجه له في غيره أيضا بعد تحقق الفراشية المزبورة‌

__________________

(١) راجع ج ٣٤ ص ٣٩ ـ ٥٢.

(٢) راجع ج ٢٥ ص ١٦٠.

(٣) راجع ج ٢٥ ص ١٦٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ـ الحديث ٤ من كتاب الفرائض.

١٧٤

المقتضية للحوق ، ومشروعية اللعان في موضوعه لا يقتضي الانتفاء في غيره بمجرد النفي حتى في مثل الفرض الذي تحقق فيه الوطء المحتمل للتولد ، فان النافي ليس له النفي وتمام الكلام في ذلك في كتاب اللعان (١) فلاحظ وتأمل لتعرف ذلك وغيره أيضا.

ومنه ما لو نفى مولودا على فراشه باللعان ثم قتله قتل به أخذا بإقراره ، ولانتفائه عنه شرعا ، فانتفى المانع من القصاص.

فان عاد بعد اللعان واعترف به ثم قتله ففي القواعد الأقرب القصاص ، ولعله للأخذ بالإقرار ، ولعموم أدلة القصاص مع الشك في المانع ، وفي كشف اللثام « ويحتمل العدم احتياطا في الدم وبناء على الاشتراط بانتفاء الأبوة مع الشك فيه ، لاختلاف قوليه ».

وفيه أن ذلك لا يقتضي سقوط القصاص الثابت بالأدلة الشرعية وإن ألزم بمقتضى الإقرار في حقه ، نعم لو قتل لقيطا مجهول النسب ولم يكن قد نفاه عن نفسه ثم استلحقه لم يقتص منه ، لإلحاقه به شرعا بمجرد الاستلحاق الخالي عن المعارض مع الاحتياط في الدم ، وعدم الاختلاف في قوله في الاستلحاق وعدمه ، وقد تقدم تمام الكلام في هذه المسائل في محالها ، والله العالم.

( ولو قتل الرجل زوجته هل يثبت القصاص ) عليه ( لولدها منه قيل ) والقائل الشيخ والفاضل بل المشهور على ما في المسالك : ( لا ) يثبت إرثا كما لا يثبت أصالة ( لأنه لا يملك أن يقتص من والده ) له فضلا عن مورثه المنافي للمصاحبة بالمعروف.

( ولو قيل يملك هنا أمكن اقتصارا بالمنع على مورد النص ) (٢)

__________________

(١) راجع ج ٣٤ ص ٣٩ ـ ٥٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

١٧٥

الذي لا شك في انسياق غير الفرض منه ، والأولوية ممنوعة ، وما في المسالك ـ من أن استيفاء القصاص موقوف على مطالبة المستحق ، وإذا كان هو الولد وطالب به كان هو السبب في القود ، فيتناوله عموم النص أو إطلاقه ـ واضح الضعف ، ضرورة ظهور‌ قوله عليه‌السلام (١) « لا يقاد والد بولد » ‌في كون المراد عدم قتله بقتله.

( وكذا البحث لو قذفها الزوج ) فماتت قبل اللعان والحد ( ولا وارث ) لذلك ( إلا ولده منها ) فإنه لا يملك استيفاء الحد من أبيه ، لأنه لا يملك إذا قذفه فأولى أن لا يملكه هنا ، وفيه ما عرفت ، اللهم إلا أن يدعى اقتضاء فحوى الدليل فيهما ذلك على وجه ينطبق على أصول الإمامية ، أو يقال : إن مقتضى الأمر (٢) بالمصاحبة بالمعروف ولو كانا كافرين وغيره مما تضمنته الآية والرواية (٣) سقوط ذلك ، ونحوه في حق الوالد ، فيحتاج الخارج للدليل لا العكس ، ولتحقيق ذلك واستيعاب مقاماته مقام آخر ، هذا كله في ولده منها.

( أما لو كان لها ولد من غيره فله القصاص بعد رد نصيب ولده من الدية وله استيفاء الحد كاملا ) لأنه لا يوزع على الورثة كما عرفته في محله بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ولا إشكال ، لعموم الأدلة.

( ولو قتل أحد الولدين أباه ثم الآخر أمه فلكل منهما على الآخر القود ) مختصا به ، لأن القاتل لا يرث قصاصا من مقتوله ولا دية ( فإن تشاحا في الاقتصاص ) مع اتحادها في وقت الجناية ( أقرع

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) سورة لقمان : ٣١ ـ الآية ١٥.

(٣) الكافي ج ٢ ص ١٥٧ ـ ١٦٣.

١٧٦

بينهما ، وقدم في الاستيفاء من أخرجته القرعة ) ثم يقتص ورثة المقتول من الآخر ، وإنما فائدة القرعة التعجيل في قتل أحدهما.

( و ) حينئذ فـ ( ـلو بدر أحدهما فاقتص ) قبل القرعة ( كان لورثة الآخر الاقتصاص منه ) وإن أثم هو بالمبادرة المزبورة إلا أنه استوفى حقه مع احتمال عدم الإثم ، فإن لكل منهما استيفاء حقه من الآخر بمقتضى إطلاق الأدلة. ومنه ينقدح عدم وجوب القرعة ، نعم قد يقال بوجوبها عند تشاحهما في ذلك عند الحاكم ، كما أنه قد يقال بتقديم الاقتصاص من الأقدم جناية إذا لم يقترنا ، والله العالم.

( الشرط الرابع : )

( كمال العقل ، فلا يقتل المجنون ) إجماعا بقسميه ونصوصا عموما كحديث (١) رفع القلم وغيره وخصوصا (٢) مستفيضا حد الاستفاضة ( سواء كان المقتول ( قتل خ ل ) عاقلا أو مجنونا و ) سواء كان مطبقا أو أدوارا إذا قتل حال أدواره ، نعم ( تثبت الدية ) عندنا ( على عاقلته ) لأن عمده خطأ.

قال الباقر عليه‌السلام في صحيح محمد (٣) : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمدا ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢ والباب ـ ٤ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ والباب ـ ١١ ـ من أبواب العاقلة من كتاب الديات.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب العاقلة ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

١٧٧

وقال الصادق عليه‌السلام في خبر السكوني (١) : « إن محمد ابن أبى بكر كتب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام يسأله عن رجل مجنون قتل رجلا عمدا فجعل الدية على قومه وجعل عمده وخطأه سواء » ‌إلى غير ذلك.

فان لم تكن له عاقلة فعن النهاية والمهذب والجامع أن الدية على بيت المال ، وفي كشف اللثام « ويوافقه خبر بريد العجلي (٢) الآتي » وفيه ـ مع أنه لا صراحة فيه بل ولا ظهور في كونه قاتلا مجنونا ـ يمكن أن يكون المراد بيت مال الإمام ، لأنه الوارث له ، ولذا كان المحكي عن السرائر أنها على الامام دون بيت المال.

( وكذا الصبي لا يقتل بصبي ولا ببالغ ) لأن البلوغ شرط في المشهور أيضا ، بل عليه عامة المتأخرين ، بل نسبه بعض إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه ، بل عن الغنية دعواه عليه صريحا ، بل عن الخلاف عليه إجماع الفرقة وأخبارهم ، للأصل والاحتياط في الدماء ، ولحديث رفع القلم (٣) المجمع عليه كما عن السرائر.

وخصوص‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (٤) : « عمد الصبي وخطاؤه واحد ».

وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر إسحاق بن عمار (٥) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب العاقلة ـ الحديث ٥ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢ والباب ـ ٤ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب العاقلة ـ الحديث ٢ من كتاب الديات.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب العاقلة ـ الحديث ٣ من كتاب الديات.

١٧٨

« عمد الصبيان خطأ تحمله العاقلة ».

كقوله في المروي عن قرب الاسناد (١) : « عمد الصبي الذي لم يبلغ خطأ تحمله العاقلة ».

وكأن المصنف اكتفى بذكر اشتراط كمال العقل عن ذكره بالخصوص باعتبار عدم كمال العقل فيه شرعا إلا بعد البلوغ ، والأمر سهل بعد معلومية كونه شرطا كالعقل الذي عرفت فيه عدم القصاص من المجنون مع صدور القتل منه مجنونا.

( أما لو قتل العاقل ثم جن لم يسقط عنه القود ) بلا خلاف أجده بيننا سواء ثبت القتل بالبينة أو الإقرار وإن فرق بينهما في الرجم بالزنا ، نعم عن بعض العامة منع الاقتصاص منه حال جنونه ، وآخر إن جن قبل أن يقدم للقصاص وإلا اقتص منه.

وهما معا كما ترى منافيان للأصل ولخبر بريد العجلي (٢) « إن أبا جعفر عليه‌السلام سئل عن رجل قتل رجلا عمدا فلم يقم عليه الحد ولم تصح الشهادة حتى خولط وذهب عقله ثم إن قوما آخرين شهدوا عليه بعد ما خولط أنه قتله ، فقال : إن شهدوا عليه أنه قتله حين قتله وهو صحيح ليس به علة من فساد عقل قتل به ، وإن لم يشهدوا عليه بذلك وكان له مال يعرف دفعت إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل ، وإن لم يترك مالا أعطي الدية من بيت المال ولا يطل دم امرء مسلم ».

وكيف كان فلا إشكال في الحكم المزبور ، كما لا إشكال معتد به في أن حكم الصبي ما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢ وهو نقل بالمعنى.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ وفيه‌ « لا يبطل دم امرء مسلم » ‌إلا أن الموجود في التهذيب ج ١٠ ص ٢٣٢ ـ الرقم ٩١٥‌ « لا يبطل دم امرء مسلم ».

١٧٩

( و ) لكن ( في رواية ) مقطوعة ومرسلة في الكتب ( يقتص من الصبي إذا بلغ عشرا ) وإن حكي عن الشيخ في النهاية والمبسوط والاستبصار الفتوى بمضمونها إلا أنه لم نظفر بها مسندة كما اعترف به غير واحد من الأساطين ، نعم النصوص (١) المسندة بجواز طلاقه ووصاياه وإقامة الحدود عليه موجودة ، ولعل من رواها أراد هذه النصوص بإدخال القصاص في الحدود ، أو أن مبنى ما تضمنته على ثبوت البلوغ بذلك ، ولا فرق بينه وبين القصاص ، وكيف كان فلم نقف عليها بالخصوص.

نعم في‌ المروي عن سليمان بن حفص والحسن بن راشد (٢) عن العسكري عليه‌السلام « أنه إذا بلغ ثمان سنين فجائز أمره في ماله ، وقد وجبت عليه الفرائض والحدود » ‌ولم نجد به عاملا.

( وفي ) رواية ( أخرى إذا بلغ خمسة أشبار ) اقتص منه وهي‌ رواية السكوني (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أن أمير المؤمنين عليه‌السلام سئل عن رجل وغلام اشتركا في قتل رجل ، فقال : إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه ، وإذا لم يكن قد بلغ خمسة أشبار قضي بالدية » ‌إلا أنه زاد في المتن وغيره ومحكي النهاية ( وتقام عليه الحدود ).

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق والباب ـ ٤٤ ـ من كتاب الوصايا ولم نعثر عاجلا على نص يدل على إقامة الحدود عليه.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ١٣ من كتاب الحدود والباب ـ ١٥ ـ من كتاب الوقوف والصدقات ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

١٨٠