جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وإنما له قيمة جنايته ، نعم لو فرض أن قيمتها تمام الدية كما لو كانت أنفا أو يدين مثلا وفرض أن قيمته ألف دينار أخذها المولى ولم يكن للوارث شي‌ء ، فالمراد بالدية حينئذ في كلام المصنف وغيره دية ذلك العضو ، كما صرح به الأردبيلي ، لا دية النفس ، إلا أن يكون في الجناية ذلك كما فرضناه في الأنف واليدين.

لكن في كشف اللثام ما يظهر منه منافاة للمعنى المزبور ، قال في تفسير عبارة القواعد التي هي كعبارة المتن بعد أن جعل قوله فيها : « عند السراية » ظرفا للأقلية : « وذلك لأن الدية إن كانت أقل فليس له غيرها ، لما عرفت من أن القيمة إنما تعتبر إذا لم تتجاوزها ، فان تجاوزتها ردت إليها ، وليس منها لوارث المجني عليه شي‌ء ، فان المولى استحقها حين الجناية ، وإن كانت قيمة الجناية أقل فليس له غيرها ، فإن السراية إنما حصلت بعد الحرية ، وليس للمولى مما يلزم بعدها شي‌ء ، بل ما زاد منها على قيمة الجناية لوارث المجني عليه ، والمراد بالدية دية النفس ، إذ حين الجناية وإن لم تجب إلا دية العضو لكن سقط حكمها بالسراية ، فإن من قطع إصبعا من رجل لم يكن عليه إلا دية الإصبع ، فإن سرت فمات وجبت دية النفس ، ومن قطع يدي رجل ورجليه كانت عليه ديتان ، فان سرت لم تكن عليه إلا دية واحدة ، وقال المصنف : لأن القيمة ـ يعني قيمة الجناية ـ إن زادت عند السراية ، وذلك لزيادة الدية عليها ، فإنها عند السراية تدخل في دية النفس فبسبب الحرية ولا شي‌ء له فيها أي في زمان الحرية أي ما يلزم عندها أو لأجلها أو في الزيادة التي لها أو للزيادة لها ، فمعنى هذه العبارة ما ذكرناه من قولنا وإن كانت قيمة الجناية أقل ـ إلى آخره ـ وإن نقصت قيمة الجناية عند السراية عما كانت عليه ـ ولا يتصور إلا إذا جنى عليه غيره بعد التحرير وسرت الجنايتان‌

١٤١

أو الجنايات ـ لم يلزم الجاني تلك النقيصة ، بل نقصت على المولى لدخول دية الطرف في دية النفس عند السراية كما عرفت ، فإذا كانت قيمة الجناية بقدر الدية ثم نقصت عنها حين السراية لم يكن للمولى إلا الناقص فأولى إذا كانت ناقصة عنها ابتداء ثم مثل لنقصانها حين السراية عما كانت عليه حين الجناية بقوله : فلو قطع يده » إلى آخر ما ذكره الفاضل نحو ما ذكره المصنف.

ويمكن أن يريد بقوله : « والمراد بالدية » إلى آخره ، ولو بقرينة تعليله أنه بعد السراية ليس إلا دية النفس ، لأن دية العضو تدخل فيها ، وحينئذ يرجع كلامه إلى ما ذكرناه.

وأما احتمال كون العضو المقطوع ولو يدا فيه دية النفس ـ لو فرض أن العبد يساوي أربعة آلاف دينار مثلا ونصف قيمته ألفان فللعضو منها ألف دينار ، لأنها لا تتجاوز دية الحر ـ فيدفعه أن الحر أصل للعبد في كل ما له مقدر ، بمعنى أنه يرجع إليه عند التجاوز ، فكما لا تتجاوز قيمته أجمع دية الحر كذلك أيضا لا تتجاوز قيمة أطرافه دية الحر فيها ، فلا يستحق ليده حينئذ مثلا إلا خمسمائة دينار بالغا ما بلغت قيمته ، لأنها لا تتجاوز دية الحر ، وليس لليد إلا نصفها. وبذلك يظهر لك النظر في بعض الكلمات.

هذا وفي المسالك بعد أن ذكر وجوب دية الحر على الجاني في مفروض المسألة قال : « وتكون بين المولى والوارث ، وأما الذي يثبت للمولى منها ففيه وجهان ، أصحهما ـ وهو الذي قطع به المصنف ولم يذكر غيره وقبله الشيخ في المبسوط ـ أن الواجب له أقل الأمرين من كل الدية ومن أرش الجناية ، وهو في مثالنا نصف القيمة ، لأن الأقل إن كان هو نصف القيمة بأن كانت قيمته عبدا مائة دينار فليس له‌

١٤٢

الزيادة عليها ، لأن الزيادة حدثت بالسراية حال الحرية ، ولا حق له في ما زاد حالتها ، وإن كان نصف القيمة أكثر من الدية كما لو كانت قيمته تزيد على ألف دينار فله كمال الدية لا غير ، لأن الواجب بالجناية نقص بالسراية حال الحرية فكان من حق السيد والباقي له بعد النقصان ، لأن قيمة العبد لا تتجاوز دية الحر ، والثاني أن الواجب أقل الأمرين من كل الدية وكل القيمة ، لأن الجناية حصلت بجناية مضمونة للسيد ، وقد اعتبرنا السراية حيث أوجبنا دية النفس ، فلا بد من النظر إليها في حق السيد ، فيقدر موته رقيقا وموته حرا ، ونوجب للسيد أقل العوضين فان كانت الدية أقل فليس على الجاني غيرها ، وإعتاق السيد سبب النقصان وإن كانت القيمة أقل فالزيادة وجبت بسبب الحرية ، وهي من فعل السيد ، فليس للسيد إلا قدر القيمة الذي كان يأخذه لو مات رقيقا ، ويعبر عن هذا الوجه بأن للسيد الأقل مما يلزم الجاني أخيرا بالجناية على الملك أولا ، ومن مثل نسبته من القيمة ».

قلت : كان وجه التعبير المزبور النظر إلى اتحاد الجاني وتعدده ، فالأول للأول والثاني للثاني الذي يلحظ فيه نسبة جنايته إلى جناية غيره بالنسبة إلى قلة الجانين وكثرتهم ، فإنك قد عرفت سابقا أن الاعتبار بالجانين لا بالجنايات ، فيلحظ حينئذ نسبة الأول إليهم ، ويأخذ من الدية أقل الأمرين منها ومن قيمة العبد.

وإليه أشار المصنف بقوله متصلا بما سمعت ( مثل أن يقطع واحد يده وهو رق ، فعليه نصف قيمته ، فلو كانت قيمته ألفا كان على الجاني خمسمائة ، فلو تحرر وقطع آخر يده وثالث رجله ) أي بعد أن قطع الأول إحدى يديه وهو رق ( ثم سرى الجميع سقطت دية الطرف وثبتت دية النفس وهي ألف ) لما عرفت من دخولها فيها‌

١٤٣

( فيلزم الأول الثلث بعد أن كان يلزمه النصف ، فيكون للمولى الثلث ) من الدية إن كان هو قيمة جنايته ، وإلا كان له أقل الأمرين كما تحقق سابقا ( وللورثة الثلثان من الدية ) فإن مقصوده من ذلك التمثيل للنقصان بالسراية.

لكن في مجمع البرهان « هنا إشكال ، وهو أنه إذا كان الاعتبار بالجناية حال الجرح لا حال السراية كيف يكون على الجاني الأول أقل الأمرين من أرش جناية العضو وديته حال السراية ، بل ينبغي أن يكون أرش الجناية متعينا ، فإنه إذا قطع الإصبع أو اليد لزم قيمة الجناية على الجاني وإن أعتق ، فإنه لا اعتبار بعد ذلك بشي‌ء ».

وفيه أن المراد بأقل الأمرين هو قيمة جناية العضو ما لم تزد على دية عضو الحر ، بمعنى أن ذلك يؤخذ للمولى من الدية ، لأن من المعلوم دخول الطرف في النفس ، ولما قطع صار عليه دية الطرف ، ولما سرت هذه دخل دية الطرف في النفس ، وقد وجد حينئذ متلفات أخر وسرت الجميع ، فينظر حينئذ إلى الجرح الأول ، لأن الذي سرى ليس هو فقط ، بل مع اثنين آخرين ، فعليه ثلث هذه النفس ، ولكن يلزم حينئذ إلزامه بثلث الدية لا بأقل الأمرين وهو مقتضى إطلاق المصنف ، بل حكاه بعضهم قولا له.

ولكن فيه أنه ليس للمولى من سراية الجرح حال الحرية حظ ونصيب في الزيادة الحاصلة بالعتق ، وهي الفاضل من القيمة ، فليس له إلا ثلث القيمة إلا أن يتجاوز ثلث دية الحر فيتجه القول بالأقل.

ولعل إطلاق المصنف منزل على ما ذكره سابقا أن للمولى الأقل ، فيكون المراد أن الأول عليه ثلث الدية للمولى إن كانت قيمة جنايته تبلغ ذلك ، وإلا فليس له إلا قيمة جنايته دون سرايتها ، فتأمل جيدا ،

١٤٤

فإن المسألة غير محررة في كلامهم ، بل فيها خبط كثير ، والذي تقتضيه القواعد ما ذكرناه.

( و ) منه يعلم النظر في ما ( قيل ) والقائل الشيخ في محكي الخلاف ( له أقل الأمرين هنا من ثلث القيمة ) أي قيمة العبد لا العضو ( وثلث الدية ) لأنه لو جنى عليه وهو في ملك هذا المولى ثم جنى عليه الآخران وقد انتقل إلى ملك الغير وسرت الجنايات فمات عبدا كان على الأول للمولى الأول ثلث القيمة إن لم يزد على ثلث الدية ، فإن زاد عليه فثلث الدية ، فكذا إذا تحرر بعد الجناية الأولى ، فإن أرش الجناية إن زاد بالحرية فلا شي‌ء للمولى من الزيادة.

وفيه أنه لا موجب للتثليث في المسألة إلا بعد الحرية ، ولا قيمة للحر بخلاف الفرض ، فالفرق واضح. ولذا قال المصنف ( والأول أشبه ) بأصول المذهب التي مقتضاها عدم استحقاق السيد إلا قيمة جنايته دون سرايتها.

هذا وعن المبسوط « أن له أقل الأمرين من أرش الجناية أو ثلث الدية ، إذ لا حق للسيد في الجنايتين الأخيرتين ، فالجناية الأولى في حقه بمنزلة المنفردة ، وهي لو انفردت وسرت كان على الجاني أقل الأمرين من الأرش وكمال الدية ، فإذا شاركه الآخران كان عليه أقل الأمرين من الأرش وثلثها ».

وتوقف في المختلف بين ما في الخلاف والمبسوط ، وكأنه في المسالك فهم من المبسوط ما سمعته أولا من المصنف ، ولذا حكاه عنه ، فان كان كذلك فهو ، وإلا ـ كما عساه ظاهر عبارته المقتضي أن للسيد أرش الجناية مع سرايتها ـ كان محلا للنظر.

والانصاف أن عباراتهم لا تخلو من تشويش حتى عبارة المصنف‌

١٤٥

والفاضل في القواعد وغيرهما ، والتحقيق ما عرفته ، فإنه قد ذكرنا ما يستفاد منه توضيح المسألة.

وحاصله أن الجناية على العبد الذي تحرر فسرت إن كانت متحدة فليس على الجاني إلا دية حر ، ويستحق المولى منها قيمة تلك الجناية غير سارية ما لم تزد على دية الحر فيرد إليها ، وهو المراد بأقل الأمرين ، كما أن المراد من دخول دية الطرف في النفس ، بمعنى أنه لا يغرم الجاني للمولى قيمة يد عبد وللوارث دية حر ، بل ليس عليه إلا دية الحر ، والمولى يتبعه فيها بقيمة الجناية على الوجه المزبور ، وليس له من السراية شي‌ء ، ضرورة حصولها عليه وهو حر ، فلا تتبع حينئذ السراية هنا الجناية ، واحتماله ـ كما هو مقتضى ما سمعته من الوجه الثاني المذكور في المسالك ـ واضح الضعف.

وأما مع تعددها بتعدد الجانين مثلا ثم سرت الجميع فيدخلها النقص عن حال انفرادها ، لاستناد الموت إليها أجمع ، فليس للمولى من الجناية الحاصلة حال الحرية نصيب ، كما ليس له من سراية الأولى أيضا شي‌ء ، وإنما له في نصيب الجناية الأولى التي هي نصف الدية أو ثلثها أو ربعها قيمة الجناية ما لم تزد على قيمة تلك الجناية في الحر على حسب ما سمعته في حال الانفراد ، فتأمل جيدا ، فإن المسألة في غاية التشويش في كلامهم ، وربما كان منشأه إطلاق الدية في كلامهم المنصرف إلى دية النفس ، وقد عرفت أن المراد دية ذلك العضو أو توهم تبعية سراية الجناية حال الحرية لأصلها الذي كان حال الرق فيستحقها المولى ، وقد عرفت فساده ، وأن التحقيق كون الزيادة بسبب الحرية للوارث ، والنقيصة بسببها عليه ، لأنها من فعله ، فلا تقدر الجناية الأولى مع سرايتها حال الحرية أنها جناية سارية على مملوك كي يستحقها مع سرايتها المولى ، بل تقدر نفس الجناية وتختص به ، فكأنها مندملة في حقه ، فلا تلحظ سرايتها ، بل لو كانت‌

١٤٦

موجبة لتمام القيمة كالأنف مع فرض كون قيمته تبلغ دية الحر ثم جنى عليه بعد العتق آخر أو آخرون ثم سرى الجميع لم يكن له إلا نسبة الجناية الأولى مع غيرها بالنسبة إلى الجانين نصف أو ثلث أو ربع ، إذ النقصان قد حصل من تحريره ، فتأمل جيدا ، والله العالم والهادي.

المسألة ( الثانية : )

( لو قطع حر يده فأعتق ثم سرت فلا قود ) بلا خلاف أجده فيه ( لـ ) ـلأصل و ( عدم ) صدق ( الْحُرُّ بِالْحُرِّ ) (١) لو قتل به ، ولذا اعتبر فيه ( التساوي ) المفقود في الفرض ( و ) لكن ( عليه دية حر مسلم ، لأنها جناية مضمونة ) حين وقوعها ( فكان الاعتبار بـ ) ـمقدار ( ها حين الاستقرار ) لأن الجناية ضمانها حينها ، واستقرار المقدار باستقرارها ، والفرض أنها حاله تحقق بها إزهاق نفس حر ، فلذا وجب عليه الدية لها ، ويدخل فيها دية الطرف كما في غيره من الجراحات على ما عرفت تحقيقه سابقا ( و ) لكن ( للسيد ) منها ( نصف قيمته وقت الجناية ) ما لم تتجاوز نصف دية الحر وإلا ردت إليها ( ولورثة المجني عليه ما زاد ) على ذلك كما عرفت تحريره.

( فلو قطع حر آخر رجله بعد العتق وسرى الجرحان فلا قصاص على الأول في الطرف ) الذي يدخل في النفس ( ولا في النفس لـ ) ـما عرفت من عدم التساوي بعد فرض وقوعها حال الرقية وإن كان قد سرت حال الحرية فـ ( ـانه ) إذا ( لم يجب القصاص في ) ابتداء ( الجناية فلم يجب في سرايتها ، وعلى الثاني القود بعد رد نصف ديته )

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨.

١٤٧

لأن عليه نصف نفس ، ولا يمكن استيفاؤه منه إلا بالرد كنظائره ( ولم يسقط القود ) عن قاطع الرجل ( لمشاركة الآخر في السراية ) والفرض عدم قود عليه ، فان ذلك لا يقتضي السقوط عنه بعد إطلاق الأدلة ( كما لا يسقط بمشاركة الأب للأجنبي وبمشاركة المسلم للذمي في قتل الذمي ) وإن لم يكن قصاص على الأب ولا على المسلم ، كما هو واضح.

المسألة ( الثالثة )

لو قطع ) قاطع ( يده وهو رق ثم قطع ) ذلك القاطع ( رجله وهو حر ) وقد اندملتا معا ( كان على الجاني ) في الجناية الأولى ( نصف قيمته وقت الجناية لمولاه ) ما لم يتجاوز نصف دية الحر ، وإلا رد إليه ( و ) ليس عليه قصاص لما عرفت من عدم التساوي ، نعم ( عليه القصاص في الجناية حال الحرية ) لحصول المساواة حينها ( فان اقتص المعتق ) بالفتح ( جاز ، وإن طالب بالدية كان له نصف الدية يختص به دون المولى ) كما أن المولى اختص بالأولى دونه.

( ولو سرتا فلا قصاص في الأولى ) قطعا ( لعدم التساوي ، و ) لكن يثبت ( القصاص في ) قطع ( الرجل ) المفروض وقوعه حال الحرية ( لأنه ) حينئذ ( مكافئ وهل يثبت القود ) بذلك أيضا بعد فرض السراية بها وبالسابقة؟ ( قيل ) والقائل الشيخ في المبسوط ( لا ) يثبت ( لأن السراية عن قطعين أحدهما لا يوجب القود ) منهما كما لو استند التلف إلى عمد وخطأ.

١٤٨

( والأشبه ثبوته ) لما عرفت من إطلاق الدليل الذي لا ينافيه سقوط القود عن الشريك كالأب والأجنبي والمسلم والذمي في قتل الذمي ، نعم له ذلك ولكن ( مع رده ما يستحقه المولى ) من الجاني من قيمة الجناية نصف الدية أو أقل.

( ولو اقتصر الولي على الاقتصاص في الرجل أخذ المولى نصف قيمة المجني عليه وقت الجناية ) فإن كان تمام دية اليد فذاك ( و ) إلا ( كان الفاضل للوارث ، فيجتمع له الاقتصاص وفاضل دية اليد إن كانت ديتها زائدة عن نصف قيمة العبد ) كما هو المفروض ، وهو واضح.

هذا وفي القواعد « ولو جرح عبد نفسه وأعتق ثم مات فلا دية ، كما لو أتلف عبدا ثم أعتق » وشرحها في كشف اللثام « ولو جرح عبد نفسه وأعتق بعد ذلك ثم مات فلا دية عليه ، لأن العبرة بحال الجناية ، كما لو أتلف مالا حال كونه عبدا ثم أعتق لم يكن عليه الضمان اعتبارا بحال الجناية ».

وفيه أن ضمان العبد للمال على وجه يتبع به بعد العتق مفروغ منه ، بل لعله كذلك حتى لو كان المال لسيده.

ثم إن ظاهر التشبيه كون مفروض المسألة رفع « عبد » ونصب « نفسه » وربما احتمل جرح المولى عبد نفسه على أن يكون المراد من التشبيه أنه كما لو جنى المولى على عبده بالمتلف ثم أعتقه ، فإنه لا ضمان هنا فكذلك الجرح ، وهو كما ترى ، والله العالم.

١٤٩

( الشرط الثاني : )

( التساوي في الدين ، فلا يقتل مسلم بكافر ) مع عدم الاعتياد ( ذميا كان أو مستأمنا أو حربيا ) بلا خلاف معتد به أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض حد الاستفاضة أو متواتر كالنصوص : منها‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر محمد ابن قيس (١) : « لا يقاد مسلم بذمي في القتل ولا في الجراحات ، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمي على قدر دية الذمي ثمانمائة درهم » ‌وغيره على وجه لا يقدح في الأول خلاف الصدوق في المقنع ، ولا في الثاني ما تسمعه من النصوص (٢) الواردة بالمساواة بين المسلم والذمي المخالفة لقوله تعالى (٣) ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) إن كان الوارث كافرا ، ويتم بعدم القول بالفصل ، المحمولة على المتعود أو على التقية من بعض العامة ، منهم أبو يوسف الذي يقول فيه الشاعر :

يا قاتل المسلم بالكافر

جرت وما العادل كالجائر

يا من ببغداد وأطرافها

من فقهاء الناس أو شاعر

جار على الدين أبو يوسف

بقتله المسلم بالكافر

فاسترجعوا وابكوا على دينكم

واصبروا فالأجر للصابر

( ولكن يعزر ) لو قتل من يحرم قتله عليه بخلاف الحربي منهم حتى إذا لم يستأذن الإمام عليه‌السلام في ذلك وإن توقف الجهاد ، لكن فرق بينه وبين قتله بدونه ، بل ( ويغرم دية الذمي ) منهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٤١.

١٥٠

بلا خلاف ( و ) لا إشكال في شي‌ء من ذلك نصا وفتوى.

نعم ( قيل ) والقائل المشهور ( إن اعتاد ) المسلم ( قتل أهل الذمة ) قتل ، بل عن المهذب البارع أنه قريب من الإجماع ، بل عن ظاهر الغنية نفي الخلاف فيه ، بل عن الانتصار وغاية المراد والروضة الإجماع عليه ، بل قد يشهد للشهرة المزبورة أنه محكي عن أبي علي والصدوق والشيخين وعلم الهدى وسلار وبني حمزة وزهرة وسعيد والمصنف في النافع والفاضل في بعض كتبه ، والشهيدين كذلك ، وأبي الفضل الجعفي صاحب الفاخر والصهرشتي والطبرسي والكيدري والحلبي ، ومن هنا قال في غاية المراد : « الحق أن هذه المسألة إجماعية ، فإنه لم يخالف فيها أحد منا سوى ابن إدريس ، وقد سبقه الإجماع ، ولو كان هذا الخلاف مؤثرا في الإجماع لم يوجد إجماع أصلا ، والفخر إنما هو متأخر عن ابن إدريس ، وظاهر المتن والقواعد واللمعة التردد ، وليس خلافا ».

كل ذلك مضافا إلى النصوص المنجبر ما يحتاج إليه منها سندا ودلالة بذلك ، منها أخبار الهاشمي وفيها الصحيح.

ففي أحدها (١) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المسلم هل يقتل بأهل الذمة؟ قال : لا إلا أن يكون تعود بقتلهم ، فيقتل وهو صاغر ».

وفي الآخر (٢) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن دماء اليهود والمجوس والنصارى هل عليهم وعلى من قتلهم شي‌ء إذا غشوا المسلمين وأظهروا العداوة لهم؟ قال : لا إلا أن يكون معتادا لذلك فلا يدع قتلهم ، فيقتل وهو صاغر ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ وفيه سقط.

١٥١

وفي ثالث (١) عنه عليه‌السلام أيضا : « قلت : رجل قتل رجلا من أهل الذمة ، قال : لا يقتل به إلا أن يكون متعودا للقتل ».

ونحوه صحيح محمد بن الفضيل (٢) عن الرضا عليه‌السلام.

بل قد يحمل على ذلك‌ خبر ابن مسكان (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا قتل المسلم يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا. فأرادوا أن يقيدوا ردوا فضل دية المسلم وأقادوه ».

وموثق سماعة (٤) عنه عليه‌السلام أيضا : « في رجل مسلم يقتل رجلا من أهل الذمة ، فقال : هذا حدث شديد لا يحتمله الناس ، ولكن يعطي الذمي دية المسلم ثم يقتل به المسلم ».

وخبر أبي بصير (٥) عنه عليه‌السلام أيضا : « إذا قتل المسلم النصراني فأراد أهل النصراني أن يقتلوه قتلوه وأدوا فضل ما بين الديتين ».

وفي خبر أبي بصير (٦) : « سألته عن ذمي قطع يد مسلم ، قال : يقطع إن شاء أولياؤه ويأخذون فضل ما بين الديتين ، وإن قطع المسلم يد المعاهد خير أولياء المعاهد ، فان شاؤوا أخذوا ديته ، وإن شاؤوا قطعوا يد المسلم وأدوا إليه فضل ما بين الديتين ، وإذا قتله المسلم صنع كذلك ».

ولعله لهذه النصوص قال المرتضى والشيخان وابنا حمزة وسعيد وسلار والشهيدان ( جاز الاقتصاص ) منه ( بعد رد فاضل ديته ) بل ربما كان من معقد إجماع الأول ، بل قيل : والشهيد في غاية المراد ، بل ظاهر اقتصار المصنف وغيره على نقل الأول عدم العبرة بغيره.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

١٥٢

وعلى كل حال فتخص آية نفي السبيل (١) و‌عموم « لا يقاد المسلم بالكافر » (٢) بذلك ، وما عن ابن إدريس من الإجماع إن أراد به ما يشمل محل النزاع فهو ممنوع ، وإن أراد غيره فلا يفيد ، وأقصاه العموم المخصص كالخبر المزبور.

وعلى كل حال لم يحك القول بالقتل حدا في غاية المراد إلا عن أبي علي والتقي. نعم في كشف اللثام حكايته عن المختلف وظاهر الغنية ، بل وعن الفقيه أنه يقتل عقوبة لخلافه على الامام ، قال : « والخلاف على الامام والامتناع عليه يوجبان القتل فيما دون ذلك ، كما جاء في المؤلي إذا وقف بعد أربعة أشهر أمره الإمام بأن يفي‌ء أو يطلق ، فمتى لم يفي‌ء وامتنع من الطلاق ضربت عنقه ، لامتناعه على إمام المسلمين ، وقد‌ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من آذى ذمتي فقد آذاني » (٣) ‌فإذا كان في إيذائهم إيذاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكيف في قتلهم » بل فيه عنه أيضا وجوب القتل على من قتل واحدا من المعاهدين عمدا ، لخلافه على الامام لا لحرمة الذمي ، مستندا إلى ما سمعته من خبر أبي بصير (٤) وقصر النهي عن قتله بالذمي على ما إذا لم يكن على شريطة الذمة. وعنه في المقنع أنه سوى بين الذمي والمسلم في أن الولي إن شاء اقتص من قاتله المسلم بعد رد فاضل الدية ، وإن شاء أخذ الدية.

وهما معا كما ترى لا يستأهلان ردا كما عرفت ، بل وسابقهما أي‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٤١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٥ وفيه‌

« لا يقاد المسلم بذمي » ‌

. (٣) الفقيه ج ٤ ص ٩٣ ـ الرقم ٣٠٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٤.

١٥٣

القتل حدا بعد النصوص المزبورة المعتضدة بما عرفت ، ولولاهما لأمكن القول به على معنى إيكال أمر ذلك إلى الامام ، خصوصا بعد‌ خبر سماعة (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسلم قتل ذميا ، فقال : هذا شي‌ء شديد لا يحتمله الناس ، فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل السواد وعن قتل الذمي ، ثم قال : لو أن مسلما غضب على ذمي فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم إذن يكثر في الذميين ، ومن قتل ذميا ظلما فإنه ليحرم على المسلم أن يقتل ذميا حراما ، آمن بالجزية وأداها ولم يجحدها » ‌الذي جعله الشيخ شاهدا على الجمع بين ما دل على أن ديته ثمانمائة درهم (٢) وبين ما دل على أنها أربعة آلاف أو دية المسلم (٣) بحمل الأول على غير المتعود وغيره على المتعود الذي يرجع في تنكيله إلى ما يراه الامام صلاحا.

مؤيدا ذلك بأن ظاهر بعض النصوص (٤) المزبورة استيفاء الكافر منه ذلك ، ولا ريب في أنه سبيل له ، وستعرف أنه حيث يكون للكافر قصاص على المسلم في طرف يستوفيه الامام دونه ، كما تسمعه في مسألة المرتد.

بل وبغير ذلك مما دل على عدم قتل الواحد من الشيعة بألف من العامة إذا قام الحق (٥) المستفاد من فحواها عدم قتل الواحد منهم بألف من الكفار وغيره.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ديات النفس من كتاب الديات.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ٢ و ٤ من كتاب الديات.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب حد القذف ـ الحديث ٢ من كتاب الحدود.

١٥٤

اللهم إلا أن يقال : إن ذلك كله لا يقابل ما عرفت من النص (١) والفتوى على قتله به قصاصا لا حدا ، وفائدة ذلك واضحة ، ضرورة سقوطه بالعفو وعدم استيفائه منه إلا بعد طلب الولي ورد الأولياء فاضل الدية على الأول بخلاف الثاني.

ومن الغريب ما في الروضة من احتمال القول بالقتل حدا مع رد فاضل الدية ، إذ هو ـ مع أنه إحداث قول يمكن دعوى الإجماع المركب على خلافه وإن سبقه إليه الكركي في حاشية الكتاب ـ غير واضح الوجه ، ومناف لما سمعته من النصوص ، فليس حينئذ إلا القول بقتله قصاصا.

نعم هو بعد تحقق التعود منه الذي هو عنوان قتله كذلك ، بل الظاهر أنه يقتل بالأخير الذي يتحقق به صدق التعود وإن كان ما سبق له مدخلية في تحقيق ذلك ، إلا أن ظاهر النصوص المزبورة ما ذكرناه ، بل هو مقتضى الأصل أيضا ، فحينئذ يرد أولياؤه الفاضل دونهم ، ويسقط بعفوهم دونهم.

نعم لو قتل متعددا بعد تحقق التعود كان لأولياء كل منهم القود على نحو ما سمعته في المسلم إذا قتل مسلمين متعددين.

والمرجع في التعود العرف ، والظاهر عدم تحققه بالثانية وإن ثبت ذلك في الحيض لدليله ، والله العالم.

( و ) كيف كان فلا خلاف أجده في أنه ( يقتل الذمي بالذمي ) وإن اختلفت ملتهما ، لعموم ( النَّفْسَ ) (٢) وكون الكفر ملة واحدة ، ولخبر السكوني (٣) عن الصادق عليه‌السلام « أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

١٥٥

أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول : يقتص لليهودي والنصراني والمجوسي بعضهم من بعض ، ويقتل بعضهم ببعض إذا قتلوا عمدا ».

بل ( و ) كذا يقتل ( بالذمية ) لكن ( بعد رد فاضل الدية ) كالمسلمة ( والذمية بالذمية وبالذمي من غير رجوع عليها بالفضل ) نحو ما سمعته في المسلمين الذين هم ملة واحدة أيضا ، فما عن أبي حنيفة من عدم قتل الذمي بالمستأمن واضح الضعف ، ومناف لأدلة القصاص كقوله تعالى (١) ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) وغيره ، فلا فرق حينئذ بين جميع الصور في ذلك.

نعم في كشف اللثام لا يقتل الذمي ولا المستأمن بالحربي ، ولعله لأن الحربي غير محقون الدم ، إلا أن مقتضى ذلك عدم القود ولو قتله حربي ، والتزامه مشكل وإن جزم به الفاضل في القواعد ، فإن أهل الذمة في ما بينهم كالحربيين ، إذ لا ذمة لبعضهم على بعض ، فالعمدة حينئذ الإجماع إن كان.

( ولو قتل الذمي مسلما عمدا دفع هو وماله إلى أولياء المقتول ، وهم مخيرون بين قتله وبين استرقاقه ) على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل في الانتصار والسرائر والروضة وظاهر النكت الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ صحيح ضريس (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في نصراني قتل مسلما يدفع إلى أولياء المقتول ، فان شاؤوا قتلوا ، وإن شاؤوا عفوا ، وإن شاؤوا استرقوا ، وإن كان معه عين مال له دفع إلى أولياء المقتول هو وماله » ‌وفي حسنه عنه عليه‌السلام

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

١٥٦

أيضا (١) ‌وحسن عبد الله بن سنان (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في نصراني قتل مسلما فلما أخذ أسلم ، قال : أقتله به ، قيل : فان لم يسلم ، قال : يدفع إلى أولياء المقتول هو وماله ».

والظاهر أن ذلك حكم قتله المسلم ، لا لخروجه بذلك عن الذمة المبيح لنفسه قتلا واسترقاقا ولماله كما في كشف اللثام ، بل وعن التقي وابن زهرة والكيدري ، وإلا لجاز لغير أولياء المقتول ، وهو خلاف النص والفتوى.

نعم ظاهر المصنف وغيره من الأصحاب ـ بل هو صريح المحكي عن التحرير ـ عدم الفرق في أمواله بين ما ينقل منها وما لا ينقل ، ولا بين العين والدين ، ولعله للحسن الأخير الذي لا ينافيه ما في الأول من العين الذي لم يسق لإرادة ما يقابل العين ما فيه من الشرط.

ولا بين المساوي لفاضل دية المسلم والزائد عليه المساوي للدية والزائد عليها. خلافا للمحكي عن الصدوق من أنه يؤخذ من ماله فضل ما بين دية المسلم والذمي ، وللمحكي عن الحلبيين من جواز الرجوع على تركته وأهله بدية المقتول أو قيمته إن كان مملوكا.

ولا بين اختيار الأولياء قتله أو استرقاقه ، خلافا لابن إدريس ، فلم يجز أخذ المال إلا مع الاسترقاق ، لأن مال المملوك لمولاه وإن قال في كشف اللثام : « ويحتمله الخبر وكلام الأكثر » إلا أنه كما ترى ، ضرورة‌

__________________

(١) أشار إليهما في الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ وذكره في التهذيب ج ١٠ ص ١٩٠ ـ الرقم ٧٥٠ وفيه « وإن كان معه عين مال ... » نعم روى الكليني ( قده ) في الكافي ج ٧ ص ٣١٠ عن ضريس عن أبي جعفر عليه‌السلام وليس فيه كلمة « عين » إلا أن حسن عبد الله بن سنان لم يروه غير الشيخ ( قده ) في التهذيب.

(٢) أشار إليهما في الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ وذكره في التهذيب ج ١٠ ص ١٩٠ ـ الرقم ٧٥٠ وفيه « وإن كان معه عين مال ... » نعم روى الكليني ( قده ) في الكافي ج ٧ ص ٣١٠ عن ضريس عن أبي جعفر عليه‌السلام وليس فيه كلمة « عين » إلا أن حسن عبد الله بن سنان لم يروه غير الشيخ ( قده ) في التهذيب.

١٥٧

عدم موافقته نصوص المقام ولا قاعدة تقتضيه ، فان الاسترقاق لا يقتضي ملكية مال المسترق ، للأصل وغيره وإن خرج بالاسترقاق عن استدامة الملك ، لكن ذلك لا يقتضي ملكية المسترق له ، بل يبقى فيئا أو ملكا للإمام عليه‌السلام أو غير ذلك ( و ) أما نصوص المقام فلا إشعار في شي‌ء منها بتوقف ملك المال على الاسترقاق ، بل ظاهرها خلافه كما هو واضح.

نعم ( في استرقاق ولده الصغار تردد أشبهه بقاؤهم على الحرية ) وفاقا لابن إدريس ومن تأخر عنه ، للأصل بعد خلو النصوص عن ذلك مع أنها في مقام البيان ، خلافا للمحكي عن المفيد وسلار وابن حمزة من استرقاقهم أيضا للتبعية ، ولأنه بخروجه عن الذمة التحق بأهل الحرب ، ومن أحكامهم استرقاق أولادهم الصغار.

وفيه منع التبعية في ذلك ، وجناية الأب لا تتخطاه ، إذ ( لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) ، ومنع استلزام القتل خرق الذمة وإلا لاقتضى عدم اختصاص أولياء المقتول بذلك ، كما هو واضح.

هذا كله في النفس ، وأما الطرف فقد سمعت ما في خبر أبي بصير (١) وربما يأتي بعض الكلام فيه إن شاء الله في قصاص الطرف فانتظره.

( ولو أسلم قبل الاسترقاق لم يكن لهم إلا قتله كما لو قتل وهو مسلم ) بلا خلاف ولا إشكال للحسن (٢) المتقدم.

( ولو قتل الكافر كافرا وأسلم القاتل لم يقتل به ) لعدم المساواة ( وألزم الدية إن كان المقتول ذا دية ).

( ويقتل ولد الرشيدة بولد الزنية ) بعد وصفه الإسلام ( لتساويهما

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

١٥٨

في الإسلام ) عندنا نعم من حكم بكفره من الأصحاب وإن أظهر الإسلام لا يقتله به ، بل قيل لا يقتل به وهو صغير ، لعدم إسلامه التبعي بعدم الأبوين له شرعا إلا أن يسبى ، بناء على صحة سبي مثله ، فيحكم حينئذ بإسلامه تبعا للسابي ، وكأنه مبني على اشتراط المساواة في الدين في القصاص ، للإجماع ونحوه ، وإلا فما سمعته من النصوص (١) عدم قتل المسلم بالكافر ، وولد الزنا قبل وصفه الإسلام لا يحكم بكفره ، ولذا قلنا بطهارته ، فيندرج في قوله تعالى (٢) ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) وغيره مما دل على القصاص ، والله العالم.

( مسائل من لواحق هذا الباب : )

( الأولى : )

( لو قطع مسلم يد ذمي عمدا فأسلم وسرت إلى نفسه فلا قصاص ) في الطرف ( ولا قود ) في النفس. ( وكذا لو قطع يد عبد ثم أعتق وسرت ، لأن التكافؤ ) في الإسلام والحرية ( ليس بحاصل وقت الجناية ) كي يصدق قتل المسلم والحر عمدا.

( وكذا الصبي لو قطع يد بالغ ثم بلغ وسرت جنايته لم يقطع ، لأن الجناية ) في الجميع ( لم تكن موجبة للقصاص حال حصولها ) فلا يتجدد لها للأصل ( و ) غيره مما عرفت.

نعم ( تثبت ) في الجميع ( دية النفس ) تامة في ذمة الأولين وعاقلة الأخير ( لأن الجناية ) حال حصولها ( وقعت مضمونة ) ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

١٥٩

بالمال ( فكان الاعتبار بأرشها حين الاستقرار ) الذي هو المعتبر في مقدار المضمون ، وبه يحصل الفرق بين الدية والقصاص ، وذلك كله واضح في كل جناية موجبة للضمان بالمال حين صدورها ، فتجدد لها حال لمقدارها ، والوجه فيه أنه يكفي في الدية استناد القتل إليه ولو بالتسبيب الذي لا ريب في حصوله هنا بالسراية المتولدة من فعله التي بها حصل إزهاق النفس المسلمة ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( لو قطع يد حربي أو يد مرتد فأسلم ثم سرت فلا قود ) قطعا لما عرفت ، بل ( ولا دية ، لأن الجناية لم تكن مضمونة ) بقصاص ولا دية ( فلم تضمن سرايتها ) كالقطع بالسرقة والقصاص ، وكذا في كل جناية غير مضمونة حال وقوعها فتجدد لها حال يضمن به ابتداؤها.

وقد يحتمل ضمان الدية اعتبارا بحال الاستقرار ، بل لعله لا يخلو من قوة ، بناء على ما عرفت من تحقق عنوانها بنسبة القتل إليه ولو بالسراية المتولد من فعله ، ويزيده تأييدا ما تسمعه من الحكم بالدية لو رماه بسهم حربيا فأصابه مسلما ، ضرورة اتحاد السراية مع الإصابة في التوليد من فعله ، وعدم الدية بسراية السرقة والقصاص لدليله ، وإلا فلا منافاة بين الاذن في الجناية مع الضمان بالسراية ، بل لو قلنا بمنع جرحه المرتد على وجه يتحقق فيه ضمان للدية باعتبار تفويض قتله إلى الامام اتجه حينئذ اعتبار المقدار حال الاستقرار فيه كالمسألة السابقة.

( ولو رمى ذميا بسهم فأسلم ثم أصابه فمات فلا قود ) فيه لعدم العمد إلى قتل المسلم ( و ) لكن ( فيه الدية ) تامة لصدق قتل المسلم.

١٦٠