جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فقلت : إن عليا عليه‌السلام إنما كان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، قال : فقال : إنما يفعل ذلك في ما يجب من حقوق الله تعالى فأما ما كان من حقوق المسلمين فإنه يؤخذ لهم حقوقهم في القصاص اليد باليد إذا كان للقاطع يدان والرجل باليد إن لم يكن للقاطع يدان ، فقلت له : أما توجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وتترك رجله؟ فقال : إنما نوجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان ، فثم نوجب عليه الدية ، لأنه ليس له جارحة فيقاص منها » وبذلك كله يخص أو يقيد ما دل على اعتبار المماثلة في اليمنى.

( فلو قطع يد ثالث قيل ) والقائل ابن إدريس وتبعه ثاني الشهيدين : ( سقط القصاص إلى الدية ) لفوات المحل. ( وقيل ) والقائل المشهور ( قطعت رجله ) اليمنى ( بالثالث ، وكذا لو قطع رابعا ) يده قطعت رجله اليسرى ، بل عن الخلاف والغنية الإجماع على ذلك ، للخبر (١) المنجبر بما سمعت بناء على جهالة حبيب فيه ، وإلا فقد وصفه غير واحد بالصحة ، وحمله على اطلاعهم على حال حبيب أولى من حمله على إرادة الصحة إليه التي لا تفيد الخبر حجية ، فوسوسة ثاني الشهيدين حينئذ في غير محلها ، هذا كله مع وجود الجارحة.

( أما لو قطع ولا يد له ولا رجل ) أو قطع يد خامس ولم يرض الأربعة إلا بالقصاص ( كان عليه الدية ) بلا خلاف ولا إشكال للخبر (٢) المزبور أيضا و ( لفوات محل القصاص ) الذي لا تفوت الدية بفواته في الأعضاء كما سمعته نصا وفتوى.

نعم ينبغي أن يعلم أن ما ذكرناه من القصاص عن اليد بالرجل للخبر المنجبر (٣) بما عرفت ، فيقتصر عليه في مخالفة العمومات ، كما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٢.

١٢١

صرح به بعض الأفاضل ناسبا له إلى قطع الفاضل في التحرير وغيره به ، قال : خلافا للحلبي فعمم الحكم ، فقال : « وكذلك في أصابع اليدين والرجلين والأسنان » ولعله نظر إلى ما في الرواية من العلة.

قلت : لا عبرة بها بعد عدم العمل بها ، نعم قد يقال : يستفاد منها بل ومن إطلاق ( الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) (١) مثلا القصاص عن اليمنى باليسرى حال استحقاق اليمنى أو عدمها ، وهكذا في جميع الأعضاء التي هي كذلك دون الانتقال من عضو إلى آخر لا يندرج تحت المطلق إلا في مثل اليد والرجل للخبر (٢) المزبور ، بل قد يقال بالقصاص عن اليسرى باليمنى أيضا مع فقد اليسرى أو استحقاق القصاص فيها ، لصدق ( الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ). ( وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ ) » (٣) ونحو ذلك حال فقد المماثل ، فتأمل جيدا فاني لم أجد ذلك ، وربما يأتي له تتمة إن شاء الله.

( ولو قتل العبد حرين ) دفعة اشترك فيه ولياهما بلا خلاف كما في كشف اللثام ، بل في المسالك وغيرها اتفاقا و ( على التعاقب كان لأولياء الأخير ) عند الشيخ في النهاية ، لانتقاله بالجناية الأولى إلى ولي الأول ، فإذا جنى الثانية انتقل منه إلى الثاني وهكذا ، لخبر علي بن عقبة (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن عبد قتل أربعة أحرار واحدا بعد واحد ، قال : هو لأهل الأخير من القتلى إن شاؤوا قتلوه ، وإن شاؤوا استرقوه ، لأنه إذا قتل الأول استحق أولياؤه ، فإذا قتل الثاني استحق منهم فصار لأولياء الثاني ، فإذا قتل الثالث استحق من أولياء الثاني فصار لأولياء الثالث ، فإذا قتل الرابع استحق من أولياء الثالث‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٢.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٣.

١٢٢

فصار لأولياء الرابع إن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقوه ».

( و ) لكن في طريقها ضعف ، ولا جابر له كي يصلح معارضا لما ( في رواية أخرى ) صحيحة ( يشتركان فيه ما لم يحكم به للأول ) وهي‌ صحيحة زرارة (١) عن الباقر عليه‌السلام « في عبد جرح رجلين قال : هو بينهما إن كانت الجناية محيطة بثمنه ( بقيمته خ ل ) ، قيل له : فان جرح رجلا في أول النهار وجرح آخر في آخر النهار ، قال : هو بينهما ما لم يحكم به الوالي في المجروح الأول ، فان جنى بعد ذلك جناية فإن جنايته على الأخير ».

( و ) لا ريب أن ( هذه أشبه ) بأصول المذهب وقواعده ، ضرورة عدم انتقاله بمجرد الجناية ، وإنما هي سبب في استحقاق الاسترقاق كالثانية ، بل يمكن حمل الخبر الأول عليه ، ومن هنا كان ذلك خيرة المشهور ، بل الشيخ أيضا في الاستبصار.

( و ) على كل حال فـ ( ـيكفي في الاختصاص أن يختار الولي استرقاقه ولو لم يحكم له الحاكم ) بذلك ، لإطلاق أدلة الاسترقاق (٢) بلا خلاف أجده عدا ما يحكى عن ظاهر الاستبصار من اعتباره لظاهر الصحيح (٣) المزبور الذي يمكن حمله ـ كما عن المختلف ـ على ما يجب أن يحكم به ، وهو الانتقال المستند إلى الاختيار ، لقصوره عن معارضة ظاهر غيره من النصوص المعتضد بعمل الأصحاب وغيره.

( و ) حينئذ ( مع اختيار ولي الأول ) استرقاقه ( لو قتل بعد ذلك كان للثاني ) وهكذا ، ضرورة اندراجه حينئذ في مملوك جنى فيلحقه حكمه ، ولما سمعته في الصحيح السابق (٤) من غير فرق في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

١٢٣

ذلك بين العمد والخطأ وإن توقف الاسترقاق في الثاني على عدم فداء السيد له ، كما هو واضح.

هذا وفي كشف اللثام « بقي هنا شي‌ء : وهو أن الوليين أو المجروحين إذا تساويا في الاستحقاق المستوعب للرقبة لوقوع الجنايتين دفعة أو مطلقا على المختار فهل لأحدهما المبادرة إلى الاسترقاق؟ قضية الفرق بين وقوعهما دفعة أو على التعاقب حيث خصوا التفصيل باختيار الأول الاسترقاق وعدمه بالتعاقب أن لا تجوز المبادرة في صورة وقوعها دفعة ، ويجوز عند التعاقب ، وظاهر تخصيص الاختيار بالأول والاختصاص بالثاني أنه عند التعاقب لا يجوز للأخير المبادرة ، وعندي إنا إذا حكمنا بالتساوي في الاستحقاق مع التعاقب وبدونه لا فرق بين الصورتين في جواز المبادرة أو عدمه ، ولا بين الأول والأخير عند التعاقب وإن كان الأول أولى لسبقه ، وحينئذ فالتفصيل المذكور جار في الصورتين ، فنقول : إذا قتل حرين دفعة اشتركا فيه ما لم يسبق أحدهما بالاسترقاق ، فان سبق اختص بالآخر ، ونقول عند التعاقب : إذا اختار أي من المجنيين أو الوليين الاسترقاق اختص بالآخر ، بقي الكلام في صحة المبادرة مع التساوي في الاستحقاق وجهان : من عدم المرجح وعدم استحقاق أحد منهما جميع الرقبة ، كما أن أحدا من ديان المفلس لا يستحق جميع أمواله وإن استوعبها دينه ، ومن صحيح زرارة (١) المتقدم وفتوى الأصحاب وأن المبادرة هنا لا تضر بالآخر بل تنفعه ، ويزيد في القتل عدم انحصار الحق في الاسترقاق ».

قلت : قد يقال : إن ظاهر الصحيح المزبور الاشتراك في الدفعي ، فليس لأحد استرقاقه أجمع بعد اختيارهما الاسترقاق ، ولو فعل واختار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

١٢٤

الثاني ذلك أيضا كان شريكا له ، لإطلاق‌ قوله عليه‌السلام : « هو بينهما » ‌وكذا في التعاقب إذا لم تكن الجناية الثانية متأخرة عن استرقاق الأول بجنايته ، فإنه حينئذ للثاني استرقاقه واختصاصه ، أما إذا تعاقبت الجنايتان قبل اختيار الأول الاسترقاق فهو بينهما وإن سبق أحدهما ـ سواء كان الأول أو الأخير ـ إلى الاسترقاق ، لكن إذا أراده مع ذلك كان شريكا ، لإطلاق البينية في الصحيح ، وحينئذ فيتحد حكم الدفعة والتعاقب بالمعنى المزبور.

ولعل الأصحاب لم يذكروا الفرق بينهما من هذه الجهة ، وإنما ذكروه في مقابلة ما سمعته من الشيخ في النهاية ، وأنه لا يتصور فيها تعقب الجناية لاسترقاق الأول بخلاف صورة التعاقب التي قد عرفت وقوعها على وجهين ، وأما قولهم : « فان اختار الأول » إلى آخره ، فليس مقصودهم اختصاصه بالاختيار ، بل لكل منهما ذلك ، لكنه لا يجدي بعد فرض وقوع الجنايتين قبله لكون العبد حينئذ بينهما ، نعم لو اختار الأول ثم جنى على الثاني اختص به ، ومن هنا قيد المصنف وغيره ذلك بما إذا قتل بعد اختيار الأول ، فتأمل جيدا. وربما تسمع لذلك تتمة في المسألة الرابعة إن شاء الله.

المسألة ( الثانية )

لا خلاف أجده بيننا في أن ( قيمة العبد مقسومة على أعضائه ، كما أن دية الحر مقسومة على أعضائه ) ففي‌ خبر السكوني (١) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « جراحات العبيد على نحو جراحات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات الشجاج والجراح ـ الحديث ٢ من كتاب الديات.

١٢٥

الأحرار في الثمن » ‌أي ( فكل ما فيه منه واحد ففيه كمال قيمته كاللسان والذكر والأنف ، وما فيه اثنان ففيهما قيمته ، وفي كل واحد نصف قيمته ، وكذا ما فيه عشر ) كالأصابع ( ففي كل واحد عشر قيمته ) إلى غير ذلك مما هو معلوم في الحر الذي يجري مثله في العبد ، إلا أنك قد سمعت النص والفتوى على أن قيمة العبد ديته ما لم تتجاوز دية الحر.

وبذلك يظهر وجه دلالة‌ مقطوع يونس (١) على المطلوب ، قال : « وإذا جرح العبد فقيمة جراحته من حساب قيمته » ‌أي كما أنه إذا جرح الحر فقيمة جراحته من حساب ديته ، فإن قيمة العبد بمنزلة الدية في الحر.

( وبالجملة الحر أصل للعبد في ما له دية مقدرة ) بلا خلاف ولا إشكال ( و ) أما ( ما لا تقدير له ) فالعبد أصل للحر فيه ، وذلك لأنه إذا جرح الحر ولا تقدير له ( ففيه الحكومة ) بلا خلاف ولا إشكال ، وهي لا تتحقق إلا بفرض الحر عبدا خاليا من النقص الطاري بسبب الجناية ، ويقوم حينئذ بأن يقال لو كان هذا عبدا فقيمته كذا ثم تفرضه متصفا بالنقص الحاصل منها وتقومه كذلك ويثبت التفاوت بين القيمتين بنسبة إحداهما إلى الأخرى ، ويأخذ التفاوت بينهما فيؤخذ من الدية بقدره من القيمة العليا ، وبهذا المعنى كان العبد أصلا للحر في ما لا مقدار له.

وكيف كان ( فإذا جنى الحر على العبد بما فيه ديته ) كالأنف واللسان ( فمولاه بالخيار بين إمساكه ولا شي‌ء له ، وبين دفعه وأخذ قيمته ، و ) كذا ( لو قطع ) يديه أو ( يده ورجله دفعة ألزمه القيمة أو أمسكه ولا شي‌ء له ) بلا خلاف أجده في ذلك ، بل الإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات الشجاج والجراح ـ الحديث ٤.

١٢٦

بقسميه عليه ، وهو الحجة بعد‌ خبر أبي مريم (١) المنجبر بما عرفت عن أبي جعفر عليه‌السلام « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في أنف العبد أو ذكره أو شي‌ء يحيط بقيمته أنه يؤدي إلى مولاه قيمة العبد ويأخذ العبد » ‌مؤيدا بقاعدة عدم الجمع بين العوض والمعوض.

نعم استثنى الأصحاب من ذلك الجاني الغاصب الذي يؤخذ بأشق الأحوال ـ ومنه الجمع بين العوض والمعوض ـ وقوفا في ما خالف الأصل على المتيقن ، خلافا للشافعي ، وقد مر الكلام فيه في محله (٢) وأما غير الغاصب فقد عرفت الحال فيه واستبعاده كالاجتهاد في مقابلة النص ، هذا كله في قطع ما فيه الدية.

( أما لو قطع يده ) خاصة ( فللسيد إلزامه بنصف القيمة ) وليس له دفعه إلى الجاني والمطالبة بقيمته سليما خلافا للمحكي عن أبي حنيفة ، ولا للجاني ذلك لو أراده إلا أن يتفقا فيكون بيعا أو نحوه.

( وكذا ) الكلام في ( كل جناية لا تستوعب قيمته ) ضرورة كون ذلك مقتضى القواعد التي لا فرق فيها بين الجنايات ، كما هو واضح.

( ولو قطع يده قاطع ورجله آخر قال بعض الأصحاب ) وهو الشيخ في المبسوط ( يدفعه إليهما ويلزمهما الدية ) أي القيمة ( أو يمسكه ) بلا شي‌ء ( كما أو كانت الجنايتان من واحد ) وفيه أن الحكم مخالف للأصل ، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن نصا وفتوى ، وهو غير الفرض.

( و ) من هنا كان ( الأولى ) القول بـ ( ـأن له إلزام كل واحد منهما بدية جنايته ولا يجب دفعه إليهما ) وفاقا لغيره من الأصحاب.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات الشجاج والجراح ـ الحديث ٣.

(٢) راجع ج ٣٧ ص ١١٦ ـ ١١٩.

١٢٧

وكذا الكلام لو تعدد الجانون وإن اجتمع عند المولى أضعاف قيمته ، بل لعل ذلك ليس من الجمع بين العوض والمعوض ، لانفراد كل جناية بحكمها ، بل وكذا لو اشترك المتعدد في قطع ما فيه الدية وإن أمكن اندراجه في الخبر (١) إلا أنه لا جابر له في غير الجاني المتحد ، بل قد يقال بذلك أيضا إذا كانت الجناية متعددة من واحد ، للأصل المزبور ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة : )

( كل موضع نقول يفكه المولى فإنما يفكه بأرش الجناية زادت عن قيمة المملوك الجاني أو نقصت ، وللشيخ قول آخر أنه يفديه بأقل الأمرين ، والأول مروي ) (٢) ولكن الثاني أصح ، كما تقدم الكلام فيه مرارا ، وخصوصا في الكتابة (٣) فلاحظ وتأمل.

المسألة ( الرابعة : )

( لو قتل عبد واحد عبدين كل واحد ) منهما ( لمالك ) دفعة اشتركا فيه قصاصا واسترقاقا ، لكن لو بادر أحدهما فقتله أساء في وجه ، والأقوى خلافه ، وعلى التقديرين لا يضمن شيئا ، للأصل ولأن الشركة في القصاص على هذا الوجه ، ضرورة عدم قابليته للتبعيض ، فيراد منها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات الشجاج والجراح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ٥ من كتاب الديات.

(٣) راجع ج ٣٤ ص ٣٤٩ ـ ٣٥٣.

١٢٨

أن لكل منهما القصاص ، ولا يختص بواحد ، بخلاف الشركة في الاسترقاق الذي مرجعه إلى مال قابل للتبعيض.

وحينئذ فإذا قتله أحدهما لم يضمن حق الآخر بفوات محله ، واحتمال غرم نصف القيمة لاشتراكهما في تعلق الحق بالرقبة واضح الفساد ، ضرورة عدم تملكه النصف بمجرد الجناية ، وتعلق الحق بالرقبة إنما هو على أن يكون القصاص لكل منهما كما عرفت ، لعموم دليله.

نعم لما لم يتعقل استرقاقا لكل منهما له وتعقل الاشتراك فيه على التبعيض كان بينهما على قدر استحقاقهما لو استرقاه ، بل لو استرق أحدهما منه مقابل عبده لم يسقط استحقاق القود للآخر ، فله قتله من غير رد مقابل الجناية.

وليس منه ما لو قتل عبدا لاثنين أو لجماعة فطلب بعضهم القيمة الذي ذكر المصنف وغيره فيه أنه كان له منه بقدر قيمة حصته من المقتول ، وكان للباقين القود بعد رد حصة نصيب من طلب الدية عليه ، ضرورة كون المقتول واحدا ، فليس على القاتل إلا نفسه ، فمع فرض رضا بعض الشركاء بالقيمة ينقص ما عليه ، فلا وجه للقود منه بدون رد ، فما توهمه بعض الناس أنه من المسألة في غير محله ، كما هو واضح.

ولو كان قد قتلهما على التعاقب ( فان اختار القود قيل ) والقائل الشيخ في محكي المبسوط ( يقدم الأول ، لأن حقه أسبق ، ويسقط ) حق ( الثاني بعد قتله لفوات محل الاستحقاق ).

ولفظه « فأما إن قتل عبد واحد عبدين لرجلين لكل واحد منهما عبد ينفرد به فان عفوا على مال تعلق برقبته قيمة كل واحد منهما ، ويكون سيده بالخيار على ما فصلناه إذا قتل عبدا واحدا ، فان اختارا القود قدمنا الأول ، لأن حقه أسبق ، فإذا قتله سقط حق الثاني ، لأن‌

١٢٩

حقه متعلق برقبته ، فإذا هلك سقط حقه ، كما لو مات ، وإن اختار الأول العفو على مال تعلقت قيمة عبده برقبته ، وكان سيد الثاني بالخيار ، فان عفا على مال تعلقت قيمته أيضا ، فصارت القيمتان في رقبته ، ويكون لسيده الخيار على ما فصلناه في الواحد ، وإن اختار الثاني القصاص فعل ، فإذا قتله سقط حق الأول عن رقبته ، لأنه تعلق بها لا غير ، فإذا هلك تلف حقه ، كما لو مات » انتهى.

( وقيل : يشتركان فيه ) قصاصا واسترقاقا ( ما لم يختر مولى الأول استرقاقه قبل الجناية الثانية ) أو يعفو عنه مجانا أو على مال ضمنه مولاه كذلك ( فـ ) ـانه ( يكون للثاني ) خاصة إن شاء قتله وإن شاء استرقه وإن شاء عفا عنه مجانا أو على مال يضمنه مولاه برضاه ، ضرورة كونه حينئذ عبدا جنى على عبده ولا شركة لأحد معه فيه.

( وهو أشبه ) بأصول المذهب وقواعده ، إذ بدون ذلك يستوي الجنايتان في إثبات الاستحقاق برقبته وإن تعاقبتا ، لإطلاق الأدلة وخصوص ما سمعته في جناية العبد على الحرين.

هذا ولكن في كشف اللثام « عندي أنه لا مخالفة للمبسوط لغيره ، لأن عبارته التي سمعتها نص في اشتراكهما فيه قصاصا واسترقاقا ، لكنها تتضمن أمرين : الأول أنهما إذا اختارا القصاص فأيهما قتله سقط حق التأخر ، وكذا إذا اختار أحدهما القصاص سقط حق الآخر ، كما مر في أولياء الأحرار ، والمصنف وغيره موافق له في هذا السقوط ، والثاني أنهما إذا اختارا القود قدمنا الأول ، لأن حقه أسبق ، فهو أولى باستيفاء حقه ، وهو كما مر النقل عنه في أولياء الحر المقتول ، وهنا أيضا إن بادر الثاني فاستوفى القصاص أساء ، وليس عليه شي‌ء ، وسقط حق الأول كما مر ، ولم يذكره اكتفاء بما ذكره هناك ، والأمر كذلك في كل موضع‌

١٣٠

اشترك فيه القصاص إذا لم يجتمعا على القتل دفعة ».

قلت : يكفي في الخلاف أنه لا أولوية للأول باستيفاء حقه من القصاص وإن كان هو السابق ، وإلا لكان أولى أيضا باستيفاء حقه بالاسترقاق ويمكن أن يكون من حكى الخلاف فهم من تعليل الشيخ الخلاف أيضا في الاسترقاق ، فيقدم الأول لسبق حقه ثم الثاني ، والأمر سهل بعد أن عرفت أن الأصح الاشتراك.

وحينئذ ( فإن اختار الأول المال ) عن قيمة عبده ( وضمن المولى ) على وجه تخلص رقبة العبد ويكون المال في ذمة المولى بصلح ونحوه ( تعلق حق الثاني برقبته ) بلا مشارك ( وكان له القصاص ) والاسترقاق والعفو مجانا ، وعلى مال في ذمة السيد برضا السيد ( فان قتله بقي المال في ذمة مولى الجاني ) للأول ، إذ لا مدخلية له في بقاء العبد ، وله استرقاقه بتمامه إذا كان مساويا لعبده بالقيمة وإن لم يكن له سابقا إلا النصف لمكان مزاحمة الأول ، فلما ارتفعت بقيت الجناية على استحقاقها ، وكذا الكلام لو كان الأمر بالعكس بأن اختار الثاني المال على الوجه المزبور ، فإنه يبقى حق الأول على الوجه الذي سمعته.

( ولو لم يضمن ) المولى ( ورضي الأول باسترقاقه تعلق به ) حقه و ( حق الثاني ) جميعا ، ضرورة عدم سقوط حق الثاني باسترقاق الأول ، بل هو باق على تخييره ( فان قتله ) الثاني ( سقط حق الأول ) لفوات محله ولا تركة له كالحر ليأتي فيه ما سمعته سابقا من احتمال أخذ الدية من تركته ، وكذا إن رضي الثاني بتملكه فقتله الأول سقط حقه.

وظاهر المصنف والفاضل وغيرهما ممن تعرض لذلك أنه لا يغرم من اختار القصاص منهما للآخر قيمة ما استرقه ، ولكن في كشف اللثام « وفيه‌

١٣١

نظر ، لأنهما لما اشتركا في رقبته كان الظاهر أنه لا يجوز لأحد منهما قتله إلا إذا دفع إلى الآخر نصف قيمته ، فإنه مال مشترك بينهما ، وليس كالحر ، وقد سبقه إلى ذلك الشهيد في المحكي من حواشيه إلا أنه قال : إن احتمال الضمان لم أقف عليه في مصنفات الأصحاب ، ولا سمعته من العلماء الأنجاب وإن كان غير بعيد من الصواب ».

قلت : قد سلف منا ما يعلم منه فساد الاحتمال المزبور ، وذلك لإطلاق ما دل على التخيير لولي المقتول في القصاص وغيره ، واسترقاق أحدهما له لا يرفع ذلك ، لأن الحق متعلق بعينه ، وأدلة القصاص عامة.

ثم لا يخفى عليك أن ما وقع من المصنف وغيره من ضمان المولى يراد به ما أشرنا إليه من شغل ذمة المولى بمال عن حق المجني على المتعلق برقبة العبد بصلح ونحوه ، وإلا فلا وجه للضمان المصطلح ، إذ ليس هو في ذمة العبد ، كما لا وجه لالتزام المولى بمجرد تعهده بذلك ، ضرورة كونه كالوعد الذي لا يجب الوفاء به ، فليس حينئذ إلا ما ذكرناه ، كما أن المراد من عفو المجني عليه على مال إسقاط حقه من القصاص ، فيبقى له الفرد الآخر وهو الاسترقاق ، فمع فرض صلح المولى عنه بمال يسقط ذلك الحق ، ويتشخص له المال في ذمة المولى ، فما أطنب فيه في المسالك لا يخفى عليك ما فيه.

( و ) على كل حال فـ ( ـان ) لم يختر القصاص و ( استرق اشترك الموليان ) كما سمعته من المبسوط وصرح به الفاضل وغيره ، ولم يختص بالثاني وإن كان اختيار استرقاق الأول أقدم ، إذ ليس له إلا استرقاق مقدار ما يخصه من الشركة.

ولكن عن التحرير الوجه عندي أنه للثاني بعد استرقاق الأول له ، وهو مبني على تعلق استرقاقه بتمامه ، فإذا اختار الاسترقاق أيضا انتقل‌

١٣٢

منه إليه ، ومال إليه في المسالك.

وفيه أن فحوى ما سمعته في الخبر (١) يقتضي كونه مشتركا بينهما ما لم تكن الجناية الثانية بعد استرقاق الأول ، وبذلك يتضح لك ما ذكرناه سابقا في كلام كشف اللثام ، فلاحظ وتأمل. بل من ذلك يظهر لك ما في المسالك ، من التشويش ، والله العالم والهادي.

بقي شي‌ء : وهو أن الاشتراك المزبور بين الموليين على التنصيف مع فرض استيعاب قيمة كل من عبديهما لقيمة المجني عليه (٢) وإن تفاوتاهما بالقيمة مع احتمال كون الاشتراك فيه على حسب قيمة عبديهما ، لكنه بعيد ، نعم لو تفاوت عبداهما على وجه يساوي أحدهما نصفه والآخر جميعه أمكن القول باشتراكهما فيه على التفاوت ، فيكون ثلثه لذي النصف وثلثاه لذي الكل ، لقاعدة لا ضرر ولا ضرار ، أما لو كان قيمة أحدهما تساوي ثلثه والآخر ثلثيه فلا إشكال في اشتراكه بينهما على التفاوت فتأمل جيدا ، فاني لم أجد ذلك محررا في كلامهم ، وفي بعض العبارات إطلاق استحقاق النصف ، ويمكن حملها على ما إذا كان مقتضى الشركة ذلك لتساوي العبدين مثلا ، والله العالم.

( ولو قتل عبدا لاثنين ) مثلا اشتركا في القود والاسترقاق ( فـ ) ـان ( طلب أحدهما القيمة ) ولم يدفعها المولى له ( ملك منه بقدر قيمة حصته من المقتول ، ولم يسقط حق الثاني من القود مع رد قيمة حصة شريكه ) ضرورة عدم استحقاقه تمام نفسه بعد عفو الشريك.

وعن العامة قول بسقوط حقه ، لأن القود لا يتبعض ، وهو واضح الضعف عندنا بعد مشروعية الرد عندنا في نظائره.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) هكذا في النسختين الأصليتين : المسودة والمبيضة ، والصحيح « لقيمة الجاني ».

١٣٣

ولو فكه مولاه بقائل أو كثير وجب على القاتل رد نصيب من عفا من قيمته على مولاه لا ما دفعه مولاه ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة : )

( لو قتل عشرة أعبد ) كل واحد لمولى ( عبدا فعلى كل واحد عشر قيمته ) أي العبد المقتول في رقبته ، وللسيد الخيار بين قتل الجميع أو البعض والاسترقاق ( فان قتل مولاه العشرة أدى إلى مولى كل واحد ما فضل عن جنايته ) إن كان ( و ) إلا فـ ( ـلو لم تزد قيمة كل واحد عن جنايته ) التي هي عشر قيمة العبد المقتول ( فلا رد ) ولكن لو زادت قيمة المقتول عن دية الحر فالوجه ردها إليها ويجعل أصلا ، ويكون على كل عبد عشرها ، وكذا يرد قيمة كل واحد من العشرة إليها إن زادت ، لإطلاق ما دل من النص (١) والفتوى على ذلك.

( وإن طلب الدية فـ ) ـفي المتن والتحرير ( مولى كل واحد بالخيار بين فكه بأرش جنايته وبين تسليمه ليسترق ) وقد عرفت سابقا أن الخيار بيد مولى المجني عليه بين استرقاق ما قابل الجناية من كل منهم وبين الرضا من المولى بالأرش.

ويمكن حمل العبارة على ما إذا جعل ولي المقتول إليه الخيار ، وحينئذ يتجه استحقاق مولى المجني عليه أرش الجناية بالغا ما بلغ لا أقل الأمرين ، ضرورة كون الأمر إليه كما أشرنا إليه سابقا ، نعم لو كان الخيار بيد المولى كما في الخطأ لم يجب عليه إلا أقل الأمرين من أرش الجناية ومن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ديات النفس ـ من كتاب الديات.

١٣٤

قيمة العبد ، لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه ، كما أنه لا يستحق ولي المجني عليه أزيد من أرش جنايته.

وعلى كل حال فـ ( ـان ) اختار مولى المجني على الاسترقاق و ( استوعبت جناية العبد قيمته ) استرقه أجمع ولا شي‌ء لسيده ، كما لا شي‌ء عليه لو زادت ( وإلا كان لمولى المقتول من كل واحد بقدر أرش جنايته ) ويبقى الباقي للسيد ( أو يرد على مولاه ) مع التراضي ( ما يفضل عن حقه ، ويكون ) العبد بأجمعه ( له ) أو بالعكس مع التراضي فيبقى العبد بأجمعه لمولاه ، إذ عرفت غير مرة أن الجناية تتعلق برقبة العبد ، فليس لمولى المجني عليه إلزام مولى الجاني بالقيمة قهرا ، كما أنه ليس لولي الجاني إلزام مولى المجني عليه بالرضا بالقيمة قهرا ، كما هو واضح.

( ولو قتل المولى بعضا جاز ) بلا خلاف ولا إشكال ، لأن له القصاص من كل واحد ( و ) لكن ( يرد كل واحد ) من موالي الباقين على مولى المقتول قودا ( عشر الجناية ) إن كان البعض الذي قتله واحدا ، وإلا رد من يبقى منهم مقدار ما عليه ، ويغرم مولى المجني عليه الباقي ( فان لم ينهض ذلك بقيمة من يقتل ) لعلو قيمته أو لتعدده ( أتم مولى المقتول ما يعوز ) لأنه هو القاتل ( أو اقتصر على قتل من ينهض الرد بقيمته ) كي لا يغرم شيئا كذا ذكره المصنف وغيره ممن تعرض لهذا الفرع.

لكن قد أشرنا سابقا أن المتجه غرامة مولى المجني عليه تسعة أعشار قيمة المقتول قودا لو كان واحدا مثلا وإن استحق هو من الجانين الباقين استرقاقا ما قابل جناية كل واحد منهم ، وليس لولي المقتول قودا استرقاقهم ، لعدم كونهم جانين على عبده ، كما ليس عليه قبول ذلك لو دفعه المقتص‌

١٣٥

إليه لاستحقاقه القيمة ، اللهم إلا أن يكون ذلك مقتضى الشركة في الجناية كما أشرنا إليه سابقا ، وذلك كله واضح بعد الإحاطة بما أسلفناه وإن أطنب فيه الفاضل في القواعد وشرحها للاصبهاني. ومنه قوله فيها : « لا يجبر فاضل أحدهم بنقصان الآخر إلا أن يكونا لمالك واحد » وفيه أن المتجه عدم الجبر مطلقا ، لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه ، فكل منهم يلاحظ لنفسه ، والله العالم.

المسألة ( السادسة : )

( إذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه مولاه صح ) لبقائه على ملكه ، وعموم أدلة الترغيب فيه ، وبناء على التغليب ، وكون الأصل في قضية العمد القصاص دون الاسترقاق. ( و ) من المعلوم أنه ( لم يسقط القود ) بذلك ، ولأن العتق أقوى من الجناية ، لنفوذه في ملك الغير ، وهو الشريك بخلافها.

( و ) لكن مع ذلك ( لو قيل : لا يصح لأن لا يبطل حق الولي من الاسترقاق كان حسنا ) بل في النافع هو الأشبه ، وفي المسالك الأقوى ، واختاره الحلي والآبي وأبو العباس والفخر والمقداد على ما حكي عن بعضهم ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، وهو الحجة للقائل بعد ما عرفت من اقتضاء العتق بطلان الحق المتعلق بعينه ، وهو الاسترقاق الذي هو لازم جنايته ، وبطلان اللازم يقتضي بطلان الملزوم.

نعم لو قيل ببقاء حق الاسترقاق له كما في التحرير وعن كفارات المبسوط ارتفع المحذور المزبور. قال في الأول : « فإن اقتص منه أو استرقه بطل عتقه ، وإن عفا على مال أو افتكه مولاه عتق ، وكذا لو عفا عنه ».

١٣٦

لكن يلزم منه محذور آخر كما في الرياض ، وهو كون العتق موقوفا مع أن من شرطه التنجيز وعدم التعليق ، اللهم إلا أن يمنع من ضرر مثل هذا التغليق ، ويختص الممنوع منه بما يذكر في صيغة العتق لا ما كان موجبا لتوقفه من خارج ، كما نحن فيه فتدبر ، وهو كما ترى ، ضرورة عدم كون ذلك من التعليق قطعا ، بل هو من الكشف أو عدم اللزوم ، وهما معا ليسا من التعليق ، ولعل قوله فيه : « بطل » يقتضي الثاني ، فيجزئ حينئذ لو كان عن كفارة ، لصدق الامتثال وإن عادت إلى الرق بعد ذلك.

نعم قد يقال : إن الأولى من ذلك القول بالعتق المنجز اللازم ترجيحا لأدلة العتق المبني على التغليب ، والمعلوم كون الأصل فيه اللزوم ، بل ربما كان من المعلوم عند الشرع عدم عوده إلى الرق بعد حصوله ، وتنزيلا لأدلة التخيير في العبد الجاني على ما إذا كان عبدا مؤيدا ذلك بما ذكروه في المبيع بالخيار المشترك من نفوذ العتق لو وقع من المشتري ، بل قيل إنه لم يعرف القول بالبطلان فيه إلا لبعض الشافعية كالقول بتوقفه على إذن ذي الخيار.

وربما كان هذا أولى مما في كشف اللثام ، فإنه بعد أن ذكر أن الصحة بمعنى المراعاة قال : « وعندي الأظهر الصحة منجزة إذا كان المقتول حرا ، ولا يبقى للولي إلا القود ، ولا يبطل به العتق ، والمراعاة إذا كان المقتول عبدا ، فإنه ما لم يبطل العتق لم يقتص منه له ، كما لا يسترق ».

وفيه أن مقتضى ما ذكرناه عدم الفرق ، ولا استبعاد في سقوطهما معا ، كالذمي إذا قتل ذميا وأسلم. نعم يمكن القول فيه وفي السابق بضمان السيد القيمة باعتبار إتلافه جهة المالية ، ولقاعدة الضرر كما لو قتله ، الذي صرح في القواعد بضمانه القيمة فيه وفي قتل الأجنبي ، بل صرح فيها‌

١٣٧

بالضمان مع التفريط في حفظه حتى هرب ، وأولى منه ما لو هربه هو ، وربما يشهد له ما تسمعه في صورة الخطأ ، وهو لا يخلو من قوة وإن لم أجد به مصرحا. ثم إن قوله : « فإنه ما لم يبطل العتق » مناف لما صرح به الفاضل في القواعد بل وله في شرحها أيضا من أنه لو قتل العبد عبدا عمدا ، فأعتق القاتل لم يسقط القصاص اعتبارا بحال الجناية ، فلاحظ وتأمل.

هذا وفي المتن ( وكذا البحث في بيعه وهبته ) وفي القواعد « لو باعه أو وهبه وقف على إجازة الولي » وفي شرحها للاصبهاني « لتعلق حقه بالرقبة ، فلا ينتقل إلى الغير بدون إذنه ، ولا يكفي علم المشتري والمتهب بالحال ، كما لا يكفي في الرهن ، وهنا قولان آخران : أحدهما الصحة منجزة والآخر البطلان ، وموضع التفصيل المتاجر ».

قلت : قد ذكرنا هناك (١) أن الأقوى الصحة ، لعموم الأدلة ، وعدم ثبوت مانعية الحق المزبور لها ، إلا أن المتجه بقاء حق الاسترقاق له ، فان الانتقال إلى مالك آخر لا ينافيه بعد تعلقه بالعين ، كتعلق حق الدين بالتركة الذي لا يمنع من نفوذ بيع الوارث وإن تسلط الديان على الفسخ مع عدم الوفاء ، وحينئذ فينتقل العبد الجاني إلى المشتري مستحقا استرقاقه ، فمع علمه لا خيار ، وإلا كان له الخيار كما أوضحناه في محله.

وفرق واضح بين البيع والهبة وبين العتق بناء على أن الحر لا يعود رقا بخلافهما ، فانه يثبت فيهما تزلزل الملك.

بل قد يقال : بلزوم البيع للأصل مع ضمانه القيمة ، نحو ما قلناه في المبيع بالخيار وإن كان بعيدا ، لقوة تعلق حق الجناية وكونه في اليمين لا في العقد كالخيار.

__________________

(١) راجع ج ٢٥ ص ١٣٤ ـ ١٣٥.

١٣٨

نعم قد يقال هنا : إن للمجني عليه الاسترقاق ، ولا يبطل البيع ، لأنه استرقه وهو في ملك المشتري ، بل لا رجوع له بالثمن مع علمه بالحال ، أما مع عدم علمه فقد يقال : له تفاوت ما بين قيمته مستحقا عليه الاسترقاق وسليما عن ذلك ، كما أن له الفسخ لو علم بذلك قبل أن يسترقه المجني عليه ، لأنه بحكم المعيب فتأمل جيدا ، فانى لم أجد ذلك محررا ، بل ربما تقدم في المتاجر منافاة له في الجملة ، ولكن لا يخفى عليك قوته ، هذا كله في القتل عمدا.

( و ) أما ( لو كان ) القتل ( خطأ ) فـ ( ـقيل ) والقائل الشيخ في محكي النهاية ( يصح العتق ويضمن المولى الدية على رواية عمرو بن شمر عن جابر ) (١) ( عن أبي جعفر عليه‌السلام ) قال : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في عبد قتل حرا خطأ فلما قتله أعتقه مولاه ، قال : فأجاز عتقه وضمنه الدية » ‌( و ) لكن ( في عمرو ضعف ) ومع ذلك مرسلة ولا جابر لها.

( و ) من هنا ( قيل ) والقائل ابن إدريس ( لا يصح إلا أن يتقدم ضمان الدية أو دفعها ).

ولكن فيه أن تقدم الضمان بدون رضا المجني عليه غير مجد ، بل ومع رضاه إلا أن يكون المراد به التزام السيد له في الذمة يصلح ونحوه ، بل فيه أن ضعف الخبر المزبور غير مضر بعد أن كان مضمونه موافقا للضوابط التي أشرنا إليها في صورة العمد التي لا ريب في أولوية الخطأ منها بذلك ، وحينئذ يتجه نفوذ العتق وضمان السيد الدية باعتبار إتلافه الحق المالي.

ولا مدخلية لإعساره وملاءته في الضمان بذلك وإن اعتبرها الفاضل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

١٣٩

في القواعد في الصحة ، قال : « وإلا فالأقرب المنع » وكأنه راعى في ذلك الجمع بين أدلة العتق وعدم ضياع الحق ، وهو حاصل لو كان مليا بخلاف ما إذا كان معسرا ، وفيه أنه يمكن كونه مماطلا مع ملاءته فلم يحصل الاحتياط لصاحب الحق ، واحتمل في كشف اللثام الصحة مع الاستسعاء ، والكل تهجس ، والتحقيق ما عرفت من نفوذ العتق ، أما البيع والهبة فالظاهر مراعاة لزومهما بالأداء ، نحو تركة الميت التي تعلق بها الدين ، والله العالم.

مسائل ( ( فروع خ ل ) في السراية : )

( الأولى : )

( إذا جنى الحر على المملوك ) جناية فلا قصاص عليه ، لعدم المكافاة ، ولكن لمولاه قيمة الجناية ( فـ ) ـان كانت يدا كان له نصف القيمة ولو ( سرت إلى نفسه فللمولى كمال قيمته ) ما لم تتجاوز دية الحر بلا خلاف ولا إشكال.

( ولو تحرر وسرت إلى نفسه ) لم يجب القصاص الذي يعتبر فيه وقت الجناية ، إلا أنه ( كان ) على الجاني دية حر لأنه مات حرا و ( للمولى ) منها ( أقل الأمرين من قيمة الجناية أو الدية عند السراية ) وذلك ( لأن القيمة إن كانت أقل فهي المستحقة له ، والزيادة حصلت بعد الحرية فلا يملكها المولى ، وإن نقصت مع السراية لم يلزم الجاني تلك النقيصة ، لأن دية الطرف تدخل في دية النفس ) إذ الفرض أنه مات بتلك الجناية التي كانت تقتضي على تقدير الرقية تمام القيمة ، لكونها جناية مضمونة لكنها سرت وهو حر ، فلا تكون سرايتها له ،

١٤٠