جواهر الكلام - ج ٤٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لما يتضمن من حقن دم المؤمن المطلوب للشارع ، والله العالم.

( ولو جرح حرا ) جرحا موجبا للقصاص ( كان للمجروح الاقتصاص منه ) كتابا (١) وسنة (٢) وإجماعا ( فإن طلب الدية فكه مولاه بأرش الجناية ) بالغا ما بلغ ، أو بأقل الأمرين منه ومن قيمته على القولين اللذين مر الكلام فيهما في باب الاستيلاد.

( ولو امتنع ) المولى ( كان للمجروح استرقاقه إن أحاطت به الجناية ، وإن قصر أرشها كان له ) عليه ( أن يسترق منه بنسبة الجناية من قيمته ، وإن شاء طالب ببيعه وله من ثمنه أرش الجناية ، فإن زاد ثمنه فالزيادة للمولى ).

لكن لم يحضرني من النص ما يدل على ذلك إلا‌ صحيح الفضيل بن يسار (٣) عن الصادق عليه‌السلام « في عبد جرح حرا قال : إن شاء الحر اقتص منه ، وإن شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته ، وإن كانت الجراحة لا تحيط برقبته افتداه مولاه ، فان أبى مولاه أن يفتديه كان للحر المجروح من العبد بقدر دية جراحته والباقي للمولى ، يباع العبد فيأخذ المجروح حقه ويرد الباقي على المولى ».

وصحيح زرارة (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في عبد جرح رجلين ، قال : هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته ».

وهما معا غير دالين على تمام ما سمعت ، بل ظاهرهما عدم اعتبار رضا المولى في استرقاق الجميع مع الإحاطة ، نعم في أولهما اعتبار إباء المولى عن الفداء في استرقاق قدر الجناية منه مع فرض عدم الإحاطة ،

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب القصاص الطرف ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب القصاص الطرف ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

١٠١

وليس فيه أن للمجنى عليه طلب البيع ، وإنما فيه « يباع » إلى آخره ، والمراد منه بيان كونه مشتركا بينهما ، فمع فرض اتفاقهما على بيعه يكون الثمن بينهما على قدر استحقاقهما.

ومن ذلك يعلم ما في القواعد أيضا من أن الأقرب أن له الافتكاك وإن كره المجروح إذا أراد الأرش ، بل قيل : إنه يحكى عن المبسوط ، وقواه في الإيضاح والشهيد في حواشيه ، لأصالة عدم تسلط الغير على مال الغير ، ولأن الواجب في العمد القصاص ، ضرورة منافاته في الجملة للخبر (١) المزبور ، بل ولما سمعته في القتل.

وما في كشف اللثام ـ من الفرق بأن لولي المقتول التسلط على إزالة ملك المولى عنه بالقتل فكذا الاسترقاق ، وليس للمجروح التسلط على الإزالة ، فإن القصاص في الجرح لا يزيل الملك ، فإذا رضي بالأرش رضي عن القصاص بالدية من مال المولى ، فله الخيار في أي مال له يضعها ـ لا يرجع إلى حاصل يعول عليه في الأحكام الشرعية فضلا عن أن يعارض الصحيح المزبور مؤيدا بما في‌ صحيح زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في عبد جرح رجلين قال : هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته » ‌مع إمكان تقرير نحوه في المقام أيضا بالنسبة إلى العضو.

ولعله لذا قال في القواعد في قصاص الأطراف : « وله استرقاقه إن ساوت قيمته الجناية أو قصرت ، وله ما قابلها إن زادت ، ولا خيار للمولى » بل وكذا ما فيها أيضا من أنه « لو لم يفتكه المولى كان للمجروح بيعه أجمع إن أحاطت الجناية برقبته ، وبيع ما يساوي الجناية منه إن لم تحط » ضرورة عدم دلالة الصحيح المزبور على ذلك ، اللهم إلا أن يريد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

١٠٢

كان له ذلك بعد استرقاقه أجمع أو القدر.

ومن ذلك يظهر لك أن المتجه التعبير بمضمون صحيحة الفضيل (١) بل قد يقال : إن له استرقاق ما قابل الجناية قهرا على المولى كما سمعته من القواعد ، بل ظاهر كشف اللثام موافقته على ذلك هناك ، فلا بأس حينئذ بحمل ما في الصحيح المزبور على ضرب من الندب أو غيره.

وعلى كل حال فليس للمجروح قتله وإن أحاطت الجناية برقبته ، كما ليس للرجل قتل المرأة إذا قطعت إحدى يديه أو كلتيهما ، ولا قتل الرجل إذا قطع يديه أو رجله ، لأن ( الْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (٢) وهو واضح ، كوضوح عدم الفك للمولى قهرا لو طلب المجروح القصاص ، والله العالم.

( ولو قتل العبد عبدا عمدا فالقود لمولاه ) بلا خلاف ولا إشكال كتابا (٣) وسنة (٤) ( فان قتل ) حينئذ ( جاز ، وإن طلب الدية تعلقت برقبة الجاني ) لظهور النصوص في أن جناية العبد في رقبته (٥) ومنه يعلم عدم تعين القصاص على المولى ، بل له العفو عنه ، وأخذ حقه من نفس الرقبة ، ولو لفحوى ما سمعته في جناية العبد على الحر الذي هو أولى من العبد في ذلك وإن قلنا : إن الواجب في الأحرار القصاص ، والدية لا تثبت إلا صلحا ، وقد سمعت تصريح النصوص أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ و ٤٥ ـ من أبواب القصاص في النفس والباب ـ ٣ ـ من أبواب قصاص الطرف.

١٠٣

دية العبد قيمته (١) فحينئذ إذا عفا المولى عن القصاص لم يكن له إلا قيمة عبده التي هي ديته في رقبة العبد ، ومعنى كونها فيها أن له استرقاقه عوضها إن شاء ولو بمعونة ما سمعته في جنايته على الحر ، وليس ذلك من القياس الباطل ، بل هو من فهم لحنهم عليهم‌السلام ولو بمعونة كلام الأصحاب.

وحينئذ ( فإن تساوت القيمتان كان لمولى المقتول استرقاقه ) مع عدم فداء المولى له ، بل ومعه إذا لم يرض ولي المقتول ، كما صرح به الفاضل وغيره ، لظهور النصوص في الحر (٢) في كون الخيار بيد ولي المجني عليه في العمد ، ولأن له قتله وإزالة ملكه عنه ، فالاسترقاق أولى ، ودعوى أن العفو على المال يقتضي التخيير في المال إلى سيد القاتل لا حاصل لها بعد ما ذكرناه.

( و ) على كل حال فـ ( ـلا يضمنه مولاه ) بلا خلاف ولا إشكال ، لما عرفت من أن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه ، وأن السيد لا يعقل عبده و ( لكن لو تبرع فكه بقيمة الجناية ) أو بأقل الأمرين منها ومن قيمة العبد على القولين ، إلا أنه مع رضا ولي المجني عليه ، إذ لا دليل على أن الخيار في ذلك لسيد القاتل ، بل قد عرفت في الحر ظهور الأدلة في كون الخيار في جناية العمد بيد ولي المجني عليه ، كما عرفت أن فحواها يقتضي ذلك هنا أيضا.

( وإن كانت قيمة القاتل أكثر فلمولاه منه بقدر قيمة المقتول ) التي هي ديته وصار حقه منحصرا فيها ، فليس له التعدي وإن قلنا بكون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ديات النفس من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب القصاص في النفس.

١٠٤

القصاص له من غير رد ، لظاهر قوله تعالى (١) ( الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ).

( وإن كانت قيمته أقل فلمولى المقتول قتله أو استرقاقه ) قهرا على المالك ، لما عرفت من الفحوى في الحر وغيرها.

( و ) على كل حال فقد عرفت أنه ( لا يضمن مولى القاتل ) الذي لا يجني على أكثر من ( نفسه شيئا ، إذ المولى لا يعقل عبدا ) لو قتل حرا فضلا عن العبد ، هذا كله في العمد.

( و ) أما ( لو كان القتل خطأ ) فليس إلا الدية في رقبة الجاني ، ولكن ( كان مولى القاتل بالخيار ) بلا خلاف ولا إشكال ( بين فكه بقيمته ) مطلقا أو بأقل الأمرين منها ومن قيمة المقتول التي هي ديته على القولين اللذين تقدم البحث فيهما ( ولا تخيير لمولى المجني عليه ) في ذلك فيلزم بالقبول ( وبين دفعه ) إلى أولياء المقتول يسترقونه ، لأن حقهم تعلق برقبته لا في ذمة المولى وإن كان له التخيير المزبور.

لكن في‌ صحيح ابن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « عن مكاتب قتل رجلا خطأ ، قال : فان كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه إن عجز فهو رد في الرق فهو بمنزلة المملوك يدفع إلى أولياء المقتول ، فان شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا باعوا ».

وظاهره تعين الدفع ، إلا أنه شاذ لم أجد عاملا به ، مضافا إلى ما فيه من القتل خطأ ، واحتمال حمله على إرادة ما يقابل الصواب لا العمد يخرجه عن مفروض المسألة ، ولعل الصواب ما عن الفقيه « إن شاؤوا استرقوه وإن شاؤوا باعوه ».

( و ) على كل حال فإذا اختار الدفع كان ( له منه ما يفضل

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

١٠٥

عن قيمة المقتول ) التي ليس لوليه غيرها ، إذ هي ديته فيكون الزائد عليها للمالك ( وليس عليه ما يعوز ) لما عرفت من أن السيد لا يعقل عبده.

( ولو اختلف الجاني ومولى العبد في قيمته يوم قتل فالقول قول الجاني مع يمينه إذا لم يكن للمولى بينة ) للأصل و‌خبر أبي الورد أو حسنه (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل قتل عبدا خطأ ، قال : عليه قيمته ، ولا يتجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم ، قلت : ومن يقومه وهو ميت؟ قال : إن كان لمولاه شهود أن قيمته كانت يوم قتله كذا وكذا أخذ بها قاتله ، وإن لم يكن له شهود على ذلك كانت القيمة على من قتله مع يمينه يشهد بالله تعالى بأنه ما له قيمة أكثر مما قومته ، فان أبى أن يحلف ورد اليمين على المولى حلف المولى ، فان حلف المولى أعطى ما حلف عليه ، ولا يتجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم » ‌والله العالم.

( والمدبر كالقن ) في الجناية ، لإطلاق الأدلة أو عمومها ، ضرورة عدم خروجه بالتدبير الذي هو وصية بالعتق أو كالوصية به عن المملوك الذي هو عنوان الجناية.

( و ) حينئذ فـ ( ـلو قتل عمدا ) على وجه يترتب عليه القصاص ( قتل ) لعموم دليله ( وإن شاء الولي استرقاقه كان له ) ذلك على الوجه الذي سمعته في غيره. ( ولو قتل خطأ ) كان له الحكم السابق أيضا.

وحينئذ ( فإن فكه المولى بأرش الجناية ) أو بأقل الأمرين منه ومن قيمته بقي على التدبير إجماعا بقسميه ، وكذا في صورة العمد مع التراضي بالفداء ( وإلا سلمه ) لولي المجني عليه ( للرق فـ ) ـيسترقه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

١٠٦

على الوجه السابق.

إنما الكلام في أنه ( إذا مات الذي دبره ) بعد أن استرقه ولي المجني عليه في صورتي العمد والخطأ ( هل ينعتق ) لبقاء حكم التدبير وإن انتقل عن ملك الأول إلا أنه انتقل مدبرا؟ ( قيل ) والقائل ابن إدريس وأكثر المتأخرين بل في الرياض عامتهم ( لا ، لأنه ) وصية أو ( كالوصية و ) الفرض أنه ( قد خرج عن ملكه بالجناية ) المقتضية لاستحقاق الاسترقاق المفروض تحققه ومن المعلوم بطلان الوصية بنحو ذلك ( فيبطل التدبير ) ومن هنا جعله في كشف الرموز الأشبه أي بأصول المذهب ، بل صرح بذلك في محكي المهذب البارع.

كل ذلك مضافا إلى‌ صحيح أبي بصير (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن رجل مدبر قتل رجلا عمدا ، فقال : يقتل به ، قلت : وإن قتله خطأ قال : يدفع إلى أولياء المقتول ، فيكون لهم ، فان شاؤوا استرقوه ، وليس لهم قتله ـ ثم قال ـ : يا أبا محمد إن المدبر مملوك » ‌وهو مع النظر إلى ذيله وإلى ما سمعته في نصوص المكاتب (٢) نص في الباب كما اعترف به غير واحد.

فما في كشف اللثام ـ بعد الاعتراف بأنه كذلك « وعندي فيه نظر » ـ لا يخفى عليك ما فيه ، وعلى تقدير تسليمه فالشهرة السابقة جابرة لدلالته ، وكذا ما فيه أيضا قبل ذلك من منع بطلان التدبير بالانتقال ، قال : « وقد مر في التدبير » مع أنه على ما قيل لم يذكر في التدبير إلا قوله : « وسيأتي في الجنايات الخلاف » كما أنك قد عرفت في محله (٣) أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٣) راجع ج ٣٤ ص ٢١٨ ـ ٢٢٠.

١٠٧

وصية أو كالوصية.

( وقيل ) والقائل الشيخان في المقنعة والنهاية والصدوق على ما حكي عنه ( لا يبطل ) التدبير ( بل ينعتق ) ولعله لازم ما حكي عن أبي علي من أنه يدفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت مولاه ، ثم يستسعى في قيمته ، واختاره في كشف اللثام « استصحابا للتدبير إلى أن يعلم المزيل ، ولحسن جميل (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن مدبر قتل رجلا خطأ من يضمن عنه؟ قال : يصالح عنه مولاه ، فان أبى دفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبره ، ثم يرجع حرا لا سبيل عليه » ‌و‌لخبر هشام بن أحمد (٢) ـ بالدال أو بالراء على ما عن الكافي وبعض نسخ الاستبصار ـ وعلى التقديرين هو غير مذكور في كتب الرجال ، نعم عن بعض الأخبار (٣) أنه الذي اشترى أم الرضا لأبي الحسن عليهما‌السلام قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن مدبر قتل رجلا خطأ ، قال : أي شي‌ء رويتم في هذا الباب؟ قال : روينا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : يتل برمته إلى أولياء المقتول ، فإذا مات الذي دبره عتق ، قال : سبحان الله فيطل دم امرء مسلم ، قلت : هكذا روينا ، قال : غلطتم على أبي يتل برمته إلى أولياء المقتول ، فإذا مات الذي دبره استسعى في قيمته ».

وفيه أن الاستصحاب مقطوع بما عرفت ، وحسن جميل قاصر عن معارضة الصحيح (٤) المعتضد بما سمعت وبقاعدة عدم بطلان دم امرء مسلم لو فرض موت مولاه بعد دفعه بلحظة وبغيرها ، مع أنه لا صراحة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ٥ من كتاب الديات.

(٣) البحار ـ ج ٤٩ ص ٧ ـ ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

١٠٨

فيه بالاسترقاق ، لأعمية الدفع إليهم منه ومن الدفع للخدمة على أن يكون المراد احتسابها عن الدية مع بقاء العبد على الملكية ، بل يمكن حمل الخبر الثالث الذي لا جابر له على ذلك.

وحينئذ يكون كما ذكره المصنف في كتاب التدبير (١) من أنه لمولاه أن يبيع خدمته إن ساوت الجناية ، فيبقى على تدبيره ، وإن كان قد عرفت الكلام في بيعها أو الصلح عليها سابقا ، وقد يقال : إن المراد الدفع على الوجه المزبور صلحا عن جنايته. كل ذلك بعد قصورهما عن المعارضة لما عرفت من وجوه.

بل لا ظهور فيهما في ما يقوله الخصم من الاسترقاق ثم العود حرا بموت السيد ، وإنما ظاهرهما الدفع للخدمة إلى أن يموت السيد ، فيكون أمرا خارجا عن القولين ، ومقتضاه حينئذ بقاء التدبير لبقاء العبد على ملك مالكه ، وإنما للمجني عليه استخدامه لا استرقاقه.

وعن ابن إدريس إنه يمكن حمل الرواية على أنه كان التدبير عن نذر واجب لا يجوز الرجوع فيه ، ثم قال : « والأقوى عندي في الجميع أنه يسترق سواء كان عن نذر أم لم يكن ، لأن السيد ما رجع عن التدبير ، وإنما صار عبدا بحق » وفيه أنه يمكن القول بالتزام السيد الفداء في صورة الخطأ مع فرض النذر.

( و ) كيف كان فـ ( ـمع القول بعتقه ) بموت سيده ( هل يسعى في فك رقبته ) أو لا يستسعى؟ ( فيه خلاف ) وفي المتن ( الأشهر أنه لا يسعى ) (٢) إلا أني لم أجده لأحد غير‌

__________________

(١) راجع ج ٣٤ ص ٢٤٠.

(٢) الموجود في الشرائع : الطبعة الحجرية وطبعة النجف الأشرف والمطبوع على هامش كتاب المسالك « الأشهر أنه يسعى ».

١٠٩

ما يظهر من المفيد وإن كان يشهد له خبر جميل (١) السابق ، لكنه مناف لقاعدة الضرر وغيرها.

( وربما قال بعض ) وهو الشيخ في المحكي من نهايته وكتابي الأخبار ـ ( يسعى في دية المقتول ) لأنها المضمونة عليه.

( و ) لكن ( لعله وهم ) ضرورة صيرورة رقبته ملكا لهم عوضا عنها ، فمع فوات الرقبة يكون عليه قيمتها. ومن هنا كان المحكي عن الصدوق وأبي علي الاستسعاء في قيمة نفسه ، لظاهر الخبر المزبور (٢) ولما عرفت من أنها هي التي عوض عنه.

بل الظاهر السعي في قيمة ما استرقوه منه كلا أو بعضا ، ولذلك اختار في المسالك وكشف اللثام ومحكي الإيضاح الاستسعاء في أقل الأمرين من قيمة نفسه ودية المقتول لو مات سيده قبل استرقاقه ، بل لعل الظاهر إرادة الصدوق وأبي علي الاستسعاء في ما يقابل دية المقتول من القيمة إن زادت عليها لو مات المولى قبل استرقاقه ، لعدم بطلان التدبير بالجناية التي لا تقتضي الخروج عن ملك المالك والفرض تعلقها برقبته فمع فرض تعذر الاسترقاق يسعى في فك نفسه بالأقل من الأمرين إن لم تكن الجناية موجبة لقتله أو كانت ولم يرد قتله.

بل قيل : يمكن إرادة الشيخ من دية المقتول قيمة العبد الذي لا يطالب بأكثر من نفسه ، ولا بأس به وإن استبعده بعضهم.

وبذلك كله ظهر لك أن الأقوى بطلان التدبير بالاسترقاق قبل موت المولى ، كما أن الأقوى على القول بعدم البطلان الاستسعاء في فك ما استرق من رقبته كلام أو بعضا نحو ما لو مات مولاه قبل أن يسترق الذي قد عرفت حكمه أيضا ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ٥ من كتاب الديات.

١١٠

( والمكاتب ) المطلق ( إن لم يؤد من مكاتبته شيئا أو كان مشروطا فهو كالقن ) لما سمعته في‌ الصحيح السابق (١) من أنه « إن كان مولاه اشترط عليه إن عجز فهو رد في الرق فهو بمنزلة المماليك » ‌إلى آخره الذي قد سمعت الكلام فيه سابقا ، ولكن الحكم لا خلاف فيه ، وفي‌ صحيح أبي ولاد الحناط (٢) « فان لم يكن أدى من مكاتبته شيئا فإنه يقاص للعبد منه ، ويغرم المولى كل ما جنى المكاتب ، لأنه عبده ما لم يؤد من مكاتبته شيئا » ‌ولعل المراد بالغرامة ما سمعته في حكم جناية المملوك وقد تقدم في الكتابة (٣) تمام الكلام في ذلك.

( وإن كان مطلقا وقد أدى من مال الكتابة شيئا تحرر منه بحسابه ) بلا خلاف ولا إشكال ( فإذا قتل ) حينئذ ( حرا ) أو مساويا في قدر الحرية أو أزيد ( عمدا قتل به ) قطعا ( وإن قتل مملوكا ) أو أقل منه حرية ( فلا قود ) لعدم التساوي ، ولما سمعته في صحيح أبي ولاد (٤) ومفهوم قوله تعالى (٥) ( الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ) ( و ) لكن ( تعلقت الجناية ) العمدية بذمته و ( بما فيه من الرقية مبعضة ، فيسعى في نصيب الحرية ) إن لم يكن عنده مال بأداء ما بإزائها من المقتول ، كما هو الضابط في كل مقام في التبعيض.

وفي كشف اللثام « كما ينص عليه‌ صحيح أبي ولاد الحناط (٦) سأل الصادق عليه‌السلام « عن مكاتب اشترط عليه مولاه حين كاتبه جنى إلى رجل جناية ، فقال : إن كان أدى من مكاتبته شيئا غرم من جنايته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

(٣) راجع ج ٣٤ ص ٣٤٨ ـ ٣٥٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

(٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

١١١

بقدر ما أدى من مكاتبته للحر ، فان عجز من حق الجناية شيئا أخذ ذلك من مال المولى الذي كاتبه ، قال : فان كانت الجناية بعبد فقال : على مثل ذلك يدفع إلى مولى العبد الذي جرحه المكابت ، ولا تقاص بين العبد وبين المكاتب إذا كان المكاتب قد أدى من مكاتبته شيئا ».

وفيه أن ظاهر صدر الخبر المزبور كون المكاتب مشروطا ، ومن المعلوم عدم تحرر شي‌ء منه بأداء البعض ، نعم عن الفقيه روايته بهذا السند « عن مكاتب جنى على رجل جناية » إلى آخره ، وهو أوضح في الدلالة بالنسبة إلى ذلك وإن كان فيه إشكال أيضا من غير هذه الجهة ، ولكن الأمر سهل لكون الحكم مفروغا منه في المقام وغيره.

( ويسترق الباقي منه ) لأنه بحكم المملوك ( أو يباع في نصيب الرق ) من قيمته وإن أمكنه أو كان في يده ما يفي بقيمة المقتول ، لأنه لما فيه من الرقية يتعلق من جنايته ما بإزائها برقبته.

نعم ينبغي أن يراد البيع برضاهما بعد الاسترقاق كما سمعته سابقا ، وإلا فلم أجد دليلا عليه إلا ما سمعته من صحيح ابن مسلم (١) السابق الذي هو غير نقي ، بل لا دليل على أصل الحكم إلا ما تقدم سابقا في نصوص المملوك (٢) بدعوى شمولها للمملوك ولو بعضا ، أو بفحواها ولو بمعونة فتوى الأصحاب.

وعلى كل حال فتبطل الكتابة فيه حينئذ ، لانتقاله إلى مالك آخر ، ولا ينافيه عدم بطلان التدبير على القول به للنص (٣) والله العالم.

( ولو قتل ) قنا أو حرا أو مبعضا ( خطأ فعلى الامام بقدر

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

١١٢

ما فيه من الحرية ) لأنه عاقلته إن لم يكن له عاقلة ، قال أبو جعفر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (١) الذي تقدم صدره سابقا : « وإن كان مولاه حين كاتبه لم يشترط وكان قد أدى من مكاتبته شيئا فإن عليا عليه‌السلام كان يقول : يعتق من المكاتب بقدر ما أدى من مكاتبته ، وأن على الامام أن يؤدي إلى أولياء المقتول ، من الدية بقدر ما أعتق من المكاتب ، ولا يبطل دم امرء مسلم ، وأرى أن يكون ما بقي على المكاتب مما لم يؤده فلأولياء المقتول يستخدمونه حياته بقدر ما بقي عليه ، وليس لهم أن يبيعوه » ‌وهو صريح في المطلوب.

( و ) أما الجزء الآخر فـ ( ـالمولى بالخيار بين فكه بـ ) ـبذل الأرش عن ( نصيب الرقية من الجناية ) أو بأقل الأمرين على القولين ( وبين تسليم حصة الرق ) لولي المقتول ( ليقاص بالجناية ) نحو ما سمعته في قتل القن خطأ ، إذ لا فرق بين المملوك كلا أو بعضا في ذلك ، فتبطل الكتابة حينئذ لما عرفت ، وبالجملة فما ذكره المصنف في حكم المكاتب هو الذي يقتضيه أصول المذهب وقواعده ، كما اعترف به غير واحد ، وفي كشف الرموز نسبته إلى الشيخ في النهاية وأتباعه والمتأخرين ، بل في المسالك إلى أكثر المتأخرين ، بل عن التنقيح إلى أكثر الأصحاب والحلبيين ، بل في مجمع البرهان إلى المشهور.

( و ) لكن مع ذلك كله‌ في رواية علي بن جعفر (٢) عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام ( إذا أدى نصف ما عليه فهو بمنزلة الحر ) قال فيها : « سألته عن مكاتب فقأ عين مكاتب أو كسر سنة ما عليه؟ قال : إن كان أدى نصف مكاتبته فديته دية حر ، وإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ٣ من كتاب الديات.

١١٣

كان دون النصف فبقدر ما عتق ، وكذلك إذا فقأ عين حر ، وسألته عن حر فقأ عين مكاتب أو كسر سنه ما عليه؟ قال : إن كان أدى نصف مكاتبته يفقأ عن الحر أو ديته إن كان خطأ فهو بمنزلة الحر ، وإن كان لم يؤد النصف قوم فأدى بقدر ما أعتق منه ، وسألته عن المكاتب إذا أدى نصف ما عليه ، قال : هو بمنزلة الحر في الحدود وغير ذلك من قتل وغيره ، وسألته عن مكاتب فقأ عين مملوك وقد أدى نصف مكاتبته ، قال : يقوم المملوك ويؤدي المكاتب إلى مولى المملوك نصف ثمنه ».

( و ) في المتن وغيره من كتب المتأخرين عن المصنف أن الشيخ ( قد رجحها في الاستبصار وضعفها ( رفضها خ ل ) في غيره ) لكن في كشف اللثام « واعلم أن الذي في الاستبصار أن حكمه حكم الحر في دية أعضائه ونفسه إذا جنى عليه لا في جناياته وإن تضمنها الخبر ، فيحتمل أن يكون إنما يراه كالحر في ذلك خاصة ، كما يرى الصدوق مع نصه في المقنع على ما سمعته في موضعين متقاربين ، قال : وإذا فقأ حر عين مكاتب أو كسر سنه فان كان أدى نصف مكاتبته فقأ عين الحر أو أخذ ديته إن كان خطأ ، فإنه بمنزلة الحر ، وإن كان لم يؤد النصف قوم فأدى بقدر ما أعتق منه ، وإن فقأ مكاتب عين مملوك وقد أدى نصف مكاتبته قوم المملوك وأدى المكاتب إلى مولى العبد نصف ثمنه ».

قلت : المعروف في الحكاية عنه ما عرفت ، والمحكي عنه أنه روى في أول الباب‌ خبر محمد بن قيس (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في مكاتب قتل يحتسب منه ما عتق منه ، فيؤدى دية الحر وما رق منه دية العبد » ‌ثم قال : « ولا ينافي هذا الخبر ما رواه‌ علي بن جعفر (٢) » وساق الخبر إلى قوله عليه‌السلام :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ٢ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ٣ من كتاب الديات.

١١٤

« من قتل وغيره » ‌ثم جمع بينهما بحمل الخبر الأول على التفصيل الذي تضمنه الخبر الأخير فقال : « يحتسب فيؤدي منه بحساب الحرية ما لم يكن أدى نصف ثمنه ، فإذا أدى ذلك كان حكمه حكم الأحرار على ما تضمنه الخبر الأخير » وظاهره المطابقة لما هو المشهور عنه في الحكاية.

وعلى كل حال فلم نجد عاملا بالخبر المزبور عداه فيه ، مع إمكان أن يكون ذكره فيه جمعا بين الأخبار لا قولا في المسألة ، وعلى تقديره فهو شاذ ، بل في المسالك « في طريق الرواية جهالة تمنع من العمل بها » وإن كان لا يخلو من نظر ، إلا أنها على كل حال لا تصلح للخروج بها عن الأصول ، وكذا ما سمعته في ذيل صحيح بن مسلم (١) وإن حكي عن ظاهر المفيد ، ونفى عنه البأس في المختلف.

ويمكن أن يراد بالصحيح منعهم عن بيعه كله لا ما تملكوه من الحصة ، بل لعل ظاهر الاستخدام فيه يقتضي الملكية ، ولعله إلى ذلك أشار في المسالك بقوله : « في بعض الأخبار دلالة على المشهور » وإن قال في الرياض : « لم أقف عليه ، بل في الصحيح ما ينافي جواز بيعه » لكن قد عرفت إمكان ما سمعته منه ، والله العالم.

بل وكذا ما عن المقنع من أن المكاتب إذا قتل رجلا خطأ فعليه من الدية بقدر ما أداه من مكاتبته ، وعلى مولاه ما بقي من قيمته ، فان عجز المكاتب فلا عاقلة له ، فإنما ذلك على إمام المسلمين » وإن وافقه‌ خبر عبد الله بن سنان (٢) عن الصادق عليه‌السلام « عليه من ديته بقدر ما أعتق ، وعلى مولاه ما بقي من قيمة المملوك ، فان عجز المكاتب فلا عاقلة له ، وإنما ذلك على إمام المسلمين » لكنه قاصر عن معارضة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

١١٥

ما عرفت من وجوه ، بل قيل : يمكن حمل ما فيه من قوله : « على المولى » إلى آخره على أن المراد تخيير مولاه بين فكه وتسليمه ، ليوافق الصحيح بالمعنى المزبور والأصول والمشهور ، ويخرج عن موافقة المقنع وإن كان لا يخفى عليك ما فيه.

نعم قد عرفت قصور الخبر المزبور عن معارضة ما عرفت ، خصوصا بعد قدح بعض بإسماعيل بن مرار في طريقه وإن كان قيل : إن الشواهد الدالة على حسن حاله كثيرة ، إلا أنه على كل حال قاصر عن إثبات الحكم المزبور المخالف للأصول والقواعد.

وكذا ما عن المراسم من أن على الامام أن يزن عنه بقدر ما عتق منه ويستسعى في البقية وإن نفى عنه البأس في كشف اللثام ، ثم قال : « فان لم يسع ولم يفكه المولى استرق بذلك القدر » ضرورة عدم موافقته لشي‌ء من النصوص ولا لقواعد ، فالأصح حينئذ ما عرفت ، والله العالم.

( والعبد إذا قتل مولاه ) عمدا ( جاز للولي قتله ) بلا خلاف ولا إشكال ، وجاز له العفو عنه ، ولا استرقاق هنا ، لأنه من تحصيل الحاصل وإن كان ربما قيل به ، وتظهر ثمرته لو كان مرهونا ، فإنه حينئذ يسترقه بحق الجناية المقدم على الرهانة كي تبطل بذلك ، لأنه سبب جديد غير الأول ، إلا أنه كما ترى.

( وكذا لو كان للحر عبدان فقتل أحدهما الآخر كان مخيرا بين قتل القاتل وبين العفو ) كما تقدم الكلام فيه في أول المبحث (١) وقد سمعت خبر إسحاق بن عمار (٢) عن الصادق عليه‌السلام ولا استرقاق له ، لما عرفت كما هو واضح.

__________________

(١) ص ٩٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١.

١١٦

وأوضح منه حكم الخطأ ، وقد تقدم في بحث المكاتبة (١) كثير من أحكام جنايته والجناية عليه ، كما تقدم في بحث الاستيلاد (٢) حكم جناية أم الولد خطأ.

ومنه يعلم الحال في العمد الذي هو أولى من الخطأ في التعلق بالرقبة ، ولذا كان الخيار فيه بيد المجني عليه أو وليه دون الخطأ ، نعم ذلك كله بالنسبة إلى الأجنبي.

وأما بالنسبة إلى السيد فإذا قتلته خطأ تحررت من نصب ولدها ، لعدم استحقاق السيد على ماله مالا ، ولخبر غياث بن إبراهيم (٣) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : « قال علي عليه‌السلام : إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ فهي حرة ليس عليها سعاية » ‌وخبر وهب بن وهب (٤) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام أنه كان يقول : « إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ فهي حرة ، ولا تبعة عليها ، وإن قتلته عمدا قتلت به ».

نعم في‌ خبر حماد بن عيسى (٥) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : « إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ سعت في قيمتها » ولم أجد به عاملا ، وعن التهذيب حمله على الخطأ الشبيه بالعمد ، لأنه الذي يتعلق برقبتها ، فأما الخطأ المحض فإنه يلزم المولى ، وفيه ما لا يخفى ، كالمحكي عنه في الاستبصار من حمله على ما إذا مات ولدها ، والأولين على ما إذا كان باقيا ، ضرورة عدم موافقة شي‌ء منهما للضوابط التي منها عدم استحقاق ذي المال على ماله مالا.

__________________

(١) راجع ج ٣٤ ص ٣٤٥ ـ ٣٥٧.

(٢) راجع ج ٣٤ ص ٣٨٢ ـ ٣٨٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ١.

١١٧

وعلى كل حال لا وجه لما عن بعضهم من استثناء هذين الصورتين من حرمة جواز بيع أم الولد : وهما ما إذا جنت على مولاها جناية تستغرق قيمتها وما إذا قتلته خطأ ، إذ هو كما ترى ونحوه استثناء مطلق جنايتها على الغير عمدا أو خطأ ، فإن ذلك لا يقتضي جواز بيعها ، بل في الأول للمجني عليه أو وليه استرقاقها ، وهو غير البيع المنهي عنه سيدها ، وفي الثاني للمولى الفداء ، فان أبى استرقها المجني عليه.

وعلى كل حال ليس بيعا من السيد لها كي يكون منهيا عنه ، بل ولا غيره من النواقل الاختيارية الملحقة بالبيع ، وقد سمعت سابقا أنه ليس من أحكام الجناية البيع في الجناية من السيد ، ولا من المجني عليه قبل الاسترقاق ، وما في بعض النصوص وبعض العبارات من أن للمجني عليه المطالبة بالبيع محمول على ما إذا استرق ، وعلى تقديره فليس بيعا من السيد الذي هو المنهي عنه ، فتأمل جيدا.

نعم إذا استرقها المجني عليه ملكها ملكا تاما له بيعها ، لأنه ليست أم ولد بالنسبة إليه ، بل لا يبعد جواز شراء المولى إياها منه ، ولا يلحقها حكم الاستيلاد ، لأنه ملك جديد بسبب جديد غير الملك الأول الذي كان ناقصا بالاستيلاد ، وبذلك يظهر لك النظر في كثير مما ذكر في بيع أم الولد ، فلاحظ وتأمل.

( مسائل ست : )

( الأولى : )

( لو قتل حر حرين ) فصاعدا ( فليس لأوليائهما إلا قتله ) بلا خلاف أجده فيه ، بل عن المبسوط والخلاف الإجماع عليه كما ستعرف ،

١١٨

للأصل ولما سمعته من النص (١) على أن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه ، والدية في موجب القصاص لا تثبت إلا صلحا ، فإذا اصطلحوا معه كان لكل مقتول ديته ( و ) إلا فـ ( ـليس لهما المطالبة بالدية ) التي قد عرفت عدم وجوبها إلا صلحا وخصوصا إذا قتلاه معا ، بأن وكلا من يقتله استيفاء لهما أو تمكنا من ضرب عنقه دفعة على وجه يسند القتل إليهما. خلافا لبعض العامة فأوجب الدية أيضا.

وأي الوليين بدر استوفى حقه ، سواء قتلهما معا أو على التعاقب ، وسواء بدر ولي السابق أو اللاحق وإن أساء لو بادر ولي المتأخر على ما عن التحرير مستشكلا فيه بتساوي الجميع في سبب الاستحقاق ، وهو في محله.

نعم لو تشاح الأولياء قدم ولي الأول وإن قتلهما دفعة أو أشكل الأمر أقرع إذا لم يقتلاه معا على الوجه الذي ذكرناه وإلا فهو أولى.

وكيف كان فبناء على ما ذكرناه لو قتله أحدهما دون الآخر ولو لأنه أراد القود ولم يرده الآخر ففي استحقاق الثاني الدية من تركة المقتول قولان : أحدهما نعم ، كما عن ابني الجنيد وزهرة ، وفي القواعد « هو الأقرب » وفي المسالك « هو الوجه » بل هو المحكي عن فخر الدين والمقداد ، والثاني لا ، كما عن المبسوط والخلاف والنهاية والوسيلة والسرائر والجامع وكتابي المصنف ، بل هو المشهور ، بل ظاهر محكي المبسوط الإجماع عليه ، بل في كشف اللثام حكايته عنه وعن الخلاف صريحا ، للأصل بعد ظهور الأدلة في أن الواجب القصاص وقد فات محله.

وكان مبنى الأول كما هو ظاهر المسالك وغيرها أن الواجب أحد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ و ١٠ و ١٨.

١١٩

الأمرين : القصاص أو الدية ، كما دلت عليه الرواية (١) وذهب إليه جميع من الأصحاب ، مؤيدا بأن فيه جمعا بين الحقين ، وأنه لولاه لزم بطلان دم المسلم المنهي عنه بقوله عليه‌السلام (٢) : « لا يطل دم امرء مسلم ».

فالتحقيق حينئذ هنا مبني على التحقيق في تلك المسألة ، وستسمع الكلام فيها إن شاء الله ، إذ مراد المصنف وغيره هنا بيان أن ليس للأولياء مع طلبهم القود إلا القتل ، وليس لهم مع ذلك دية ، بتقريب أن عليه نفسين أو أزيد ، فنفسه عوض أحدهما والدية من ماله عوض الأخرى يشتركان فيها بعد أن اشتركا في القتل ، إذ هو كما ترى اعتبار لا يطابق قواعد الإمامية ، ومن هنا اتفق الأصحاب على ما عرفت هذا كله في القتل.

( و ) أما القطع فـ ( ـلو قطع يمين رجل ومثلها من آخر قطعت يمينه بالأول ويسراه بالثاني ) بلا خلاف أجده فيه ، بل عن صريح الخلاف والغنية الإجماع عليه ، مؤيدا بما يظهر منهم من الإجماع أيضا على أن من قطع يمينا ولا يمين له قطعت يسراه.

كل ذلك مضافا إلى‌ خبر حبيب السجستاني (٣) عن الباقر عليه‌السلام المنجبر بما سمعت قال : « سألته عن رجل قطع يدي رجلين اليمينين ، فقال : تقطع يمينه أولا وتقطع يساره للذي قطع يمينه أخيرا ، لأنه إنما قطع يد الرجل الأخير ويمينه قصاص للرجل الأول ، قال حبيب :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب القصاص في النفس.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ والباب ـ ٤٦ ـ منها ـ الحديث ٢ والباب ـ ٢ ـ من أبواب دعوى القتل ـ الحديث ١ والباب ـ ٩ ـ من أبواب ديات النفس ـ الحديث ٥ وفي الجميع‌ « لا يبطل دم امرء مسلم ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قصاص الطرف ـ الحديث ٢.

١٢٠